القائمة الرئيسية

الصفحات

قصر الزنانيري الجزء الأول قصص رعب


بقلم الكاتب: شادي اسماعيل

- هنعمل ايه دلوقتي يا إبراهيم؟.. العربية شكلها مش هتدور.

- مش عارف يا حسام.. بس لازم ننزل نشوف أي صرفة، مش هينفع نستنى هنا كتير، الحتة مقطوعة زي ما انت شايف.

- انا بقول كده برضه، الهدوء اللي في المكان ده مايطمنش.

نزلت انا وحسام من العربية عشان نشوف أي حد يقدر يساعدنا، المكان كان ضلمة جدًا وهادي جدًا جدًا، مشينا بهدوء وحذر واحنا بندور على أي محل فاتح أو أي بني ادم يدلنا على ميكانيكي قريب، مشينا حوالي عشر دقايق لكن ماكنش فيه أي حد  للأسف، وفجأة، حسام خبطني فى كتفي، بصيت ناحيته لقيته بيشاور على مبنى صغير وهو بيقول...

- شايف يا إبراهيم، شايف، في لمبة منورة اهي.. الظاهر كده ان في حد هناك.

- اه صح، تعالى نروح ونشوف يمكن نلاقي حد يدلنا.

- تعالى، بس بقولك ايه، انا مش مطمن.

- ماتخافش ياعم ويلا خلينا نخلص من الورطة دي.

حسام كان ماشي وهو خايف وماقدرش أنكر إني كنت خايف انا كمان، بس كنت بحاول اتماسك شوية، أول ما وصلنا ناحية اللمبة اللي كانت منورة، لقينا المبنى عبارة عن كشك خشب صغير بابه مقفول، وقدامه كنبة صغيرة من الخشب لفردين، وقفت انا وحسام نبص على اللمبة اللي كانت متعلقة في سقف الكشك، وبعدها حسام همس لي...

- تقريبًا كده مافيش حد هنا.

- استنى بس يا حسام.

-بقولك ايه، انا مش مطمن وقلبي مقبوض، يلا بينا نمشي.

- يابني اصبر، وبعدين انت خايف ليه؟.. ده كشك زي أي كشك.

- زي أي كشك ايه بس!.. انت مش شايف شكله عامل ازاي؟.. ده قديم جدًا وزي مايكون ماتفتحش بقاله عشر سنين.

- اصبر بس.. ماتستعجلش.

صقفت بايدي وانا بنده...

- يا أهل الله ياللي هنا.. يا جماعة.. في حد هنا.

ماحدش رد، كررت نفس الحركة تاني وتالت، بس برضه ماحدش رد وحسام زي مايكون ماصدق وقالي بسرعة...

- شوفت، مش قولتلك، مستحيل يكون في حد عايش هنا.. يلا بينا بقى.

- الظاهر كده عندك حق.

لفينا وشنا عشان نرجع ناحية العربية، بس فجأة سمعنا صوت باب بيزيق، وقفت انا وحسام في مكاننا وبعدها سمعنا صوت حد بيقول...

- مين بينده؟

حسام مسك ايدي برعب وساعتها حسيت ببرودة اطرافه، حاولت اطمنه لما لفيت وشي عشان اشوف مين، بس الحقيقة المنظر اللي شوفته رعبني أكتر من الصوت، راجل ضخم لابس جلابية عليها جاكيت من أيام الإنجليز، وماسك في ايده كلوب منور، شنبه كان مغطي نص وشه تقريبًا، ومع إنعكاس نور الكلوب على وشه منظره بقى بشع، ولاحظت حزام الطبنجة فوق كتفه، فضِلت باصص ناحية الراجل ومبرق لثواني، او لحد ما فوقت على صوته من تاني...

- انتوا مين؟.. وعايزين ايه؟

- احنا.. احنا.. احنا عربيتنا عطلت قريب من الكشك هنا، وكنا محتاجين حد يصلحها.

- وهو في حد فاتح الساعة دي!.. كده هتضطروا تستنوا للصبح.

- ايوة بس احنا مستعجلين ولازم نلحق مشوارنا.

- خلاص سيبوا العربية وارجعوا مشي.

اتكلم حسام ساعتها وقال بارتباك...

- نرجع مشي فين!.. انت عارف بيننا وبين الطريق قد ايه؟

- عارف.. بس انتوا ايه اللي جابكوا هنا؟

رديت عليه انا...

- احنا كنا ماشيين في طريقنا لحد ما الجي بي اس دخلنا هنا بالغلط.

- ايه الجي بس إس ده؟

- نعم!.. انت مش عارف الجي بي إس!

- لا، هو ده إختراع جديد؟

ضحك حسام عليه وقال بسخرية...

- اه اختراع جديد.. بس لسه تحت التجربة.

خبطت حسام في كتفه وانا بهمسله...

- استنى يا حسام الله يباركلك، انت مش شايف ولا ايه، حد يهزر مع واحد زي ده؟.. ده لو كشر هيبلعنا.

- عندك حق.. بس الإفيه حكم.

رفعت راسي ناحية الراجل بس.. بس ماكنش موجود، ساعتها حسام سألني بعصبية...

- هو راح فين ده؟

- مش.. مش عارف.. عاجبك كده؟.. شكله زعل وسابنا ودخل.

- دخل فين؟.. الباب لسه مفتوح.

- ايه ده!.. صح ده الباب لسه مفتوح.. طب ما تيجي ندخل نشوفه.

- ندخل فين ياعم ابراهيم؟.. صلي على النبي كده وروق.

- تعالى بس وماتخافش انا معاك.

- ياعم لا.. انا مش هتحرك من هنا غير على العربية.

- طب خلاص، خليك انت وانا هروح اشوفه في الكشك واجي.. ماهو انا ماصدقت الاقي حد هنا نسأله.. الله يسامحك، لو ماكنتش استظرفت على الراجل كان زمانه قايلنا نعمل ايه.

- طب روح انت وانا هستناك هنا.

- ماشي بس اوعى تتحرك من مكانك.. مافيش شبكة في التليفون زي ما انت عارف.. يعني مش هعرف اوصلك.

- ماشي ماشي.. بس ما تتأخرش.

- حاضر.

مشيت ناحية الكشك بهدوء وقلق، واول ما وصلت قدامه زقيت الباب، عمل صوت تزييق فظيع لحد ما اتفتح على أخره تقريبًا، الدنيا كانت ضلمة جدًا رغم اللمبة اللي والعة في سقف المدخل عند الباب.

ولعت كشاف الموبايل، وخدت خطوتين جوة الكشك، حركت ايدي بالكشاف في محاولة مني لإستكشاف المكان، وساعتها ظهر قدامي عِرق خشب واقف بشكل عمودي، مدقوق في طرفه عِرق خشب تاني بالعرض، وبيقطعهم عِرق تالت عشان يشكل زاوية حادة، العروق كانت متغطية بخيوط العنكبوت، بصيت الناحية التانية لقيت نفس المنظر بالظبط، وكمان لقيت في النص سلمتين من الخشب، ماكنتش مستوعب ازاي كشك بالحجم الصغير اللي شوفته بره، ممكن يكون جواه البراح ده كله؟.. قربت من السلمتين وطلعت عليهم، ساعتها لقيت نفسي واقف على سطح مستوي من الخشب، الخشب اللي كان بيزيق تحت رجلي، حركت ايدي تاني بالكشاف عشان استكشف المكان، 

كان قدامي سرير صغير لازق في الحيطة وفوقيه بورتريه قديم بس كان بالألوان، الصورة كانت لمبنى في وسط أرض خضرا، ده الجزء اللي كان ظاهر من البورتريه، اما باقي الصورة، فكان التراب وخيوط العنكبوت مغطينها، وعلى الجنب اليمين، كان في كرسي كبير محطوط، وواضح إن قاعدة الكرسي متقطعة وده باين من القش اللي كان خارج منها، اما على الشمال، فكان في ترابيزة صغيرة عليها جرامافون التراب طمس لونه الدهبي وقلبه نحاسي، اتحركت ناحية الجرامافون ونزلت الإبرة، وزي ماتوقعت ماشتغلش، روحت ناحية الكرسي اللي كان شكله غريب ده وقعدت بفضول، بس فجأة اتنفضت لما الجرامفون اشتغل على اغنية...

في اللحظة دي لقيت ايد بتتحط على كتفي وسمعت صوت بيقول...

- ايه اللي دخلك هنا؟

التليفون وقع من ايدي وقومت بسرعة من مكاني، بس ساعتها اتكعبلت، وبعدها ماعرفش ايه اللي حصل، لكن النور نور في المكان، قومت من على الأرض، لاحظت إن الأوضة بقت نضيفة جدًا، والخشب تحت رجلي كإنه جديد، حتى السرير والكرسي اللي جنبه كانوا لسه جُداد وشكلهم نضيف، اتلفتت حواليا في المكان بسرعة، ماكنش في حد، وده قبل ما اسمع صوت الباب بيتفتح وبيدخل منه راجل أبيض وشكله مهندم، شعره بني وعينيه خضرا، كان لابس جوانتي في ايده، فتح الباب وبص لي باستغراب لثواني وبعدين مشي ناحيتي، رجعت لورا ببطء، لكنه ماهتمش بيا وراح ناحية الترابيزة وهو بيقلع فردة الجوانتي اللي في ايده اليمين، وسألني من غير ما يبصلي وهو بيحط الجوانتي على الترابيزة...

- جيت إمتى؟

اتصدمت من سؤاله!.. هو ايه اللي جيت إمتى؟.. هو يعرفني؟.. انا متأكد إني أول مرة أشوفه، لف وشه وسند ضهره على الترابيزة وهو بيبص لي...

- مش عايز تقول.. خلاص براحتك، انا كنت عارف إنك كده كده راجع.. أصل هتروح فين؟.. ده بيتك وهنا مكانك.

ماكنتش بنطق، فقدت النطق لدقايق من الكلام الغريب اللي عمال يقوله الراجل ده، بص لي المرة دي بصة مليانة حنية وهو بيقرب مني، حاول يلمسني، لكني بعدت عنه بسرعة، فوقف وقالي بتأثر...

- مراد.. انا أخوك الوحيد، وصدقني ماحدش عايز مصلحتك قدي.. اللي انت بتعمله ده خطر عليك وعليا.

- مراد مين؟

- انت مراد، انت كمان مش فاكر انت مين!

- انا مش مراد اللي انت بتقول عليه ده.. انا اسمي ابراهيم.. وماعرفش ايه اللي جابني هنا ولا اعرف انت مين؟

ضحك بصوت عالي وهو بيقولي...

- طب ما انا عارف.

رفعت حواجبي وبصيت له باستغراب...

- ولما انت عارف بتنتدهلي بالاسم ده ليه؟

- عشان دي هتبقى حقيقتك لو مانفذتش المطلوب منك.

- انفذ ايه؟.. انت عايز مني ايه بالظبط؟

- عايزك ترجعلي مراد.. اخويا.

- ارجعهولك منين؟.. وازاي؟

- من القصر.

- طب ما ترجعه انت.

- ياريت كان ينفع.. بس للأسف، انا ممنوع عليا الدخول.

- ياعم انا مالي بحكايتك انت واخوك.

برق بعينيه وبعدين اتنهد في وشي...

- انا مش هحاسبك على كلامك ده دلوقتي، لكن صدقني، لو رجعت من غيره هتشوف الجحيم بعينيك.

اترعبت من كلامه والطريقة اللي بيتكلم بها، وعشان كده سألته بحذر...

- طب انا.. انا المفروض اعمل ايه؟

- هتروح القصر وتعرف اللي حصل جواه، بس خلي بالك، لو حد فيهم شافك هتكون نهايتك.. ولو خرجت قبل ما تعرف الحكاية كاملة، هتعيش اللي باقي من حياتك هنا.

- قصر ايه ومين اللي ممكن يشوفني؟

هز راسه وسابني ومشي ناحية الباب، لكنه قالي وهو خارج...

- هتعرف كل حاجة لوحدك.

وقفت مكاني وانا مندهش من طريقته!، وبعد ثواني، فوقت وخرجت وراه، فتحت الباب، لكني اول ما خرجت بره مالقيتوش، ماكنش في غير أرض مزروعة خُضرة يمين وشمال، وعلى مرمي البصر مبنى مكون من دورين.. ده أكيد القصر اللي بيقول عليه، وقفت مكاني وانا مش عارف أعمل ايه؟.. اتحركت ناحية المبنى، المسافة كانت أبعد بكتير مما توقعت، واضح كده إن نظري خدعني، المهم وصلت بعد مشي كتير، وساعتها شوفت بوابة بتفصل بيني وبين القصر، وقفت قدامها وبصيت من بين الحديد، شوفت ممر ممهد بيوصل من البوابة للمبنى، وعلى شمال الممر جنينة كبيرة، اما على اليمين، فكان في عربيتين واقفين، لونهم أسود، كل عربية فيهم مربوط فيها من قدام حصان، سألت نفسي وقتها.. هو لسه في حد بيستخدم العربيات دي؟.. بس قبل ما أجاوب سمعت صوت كلب بينبح وجاي جري على البوابة، بصيت عليه، لقيت وراه فردين لابسين بدل شكلها غريب، واحد منهم جري وراه بسرعة والتاني كان ماشي ببطء، الكلب وقف قدامي وهو بينبح بشدة وعشان كده رجعت خطوتين لورا، كان الراجل الأولاني وصل للبوابة ومسك الكلب وسأله وهو بيضحك...

- بتنبح ليه يا مايلو؟

الكلب كان بيبص عليا وعينيه كلها شر، اما صاحبه، فرفع راسه ناحيتي، وساعتها افتكرت تحذير الراجل اللي في الكشك لما قالي، ان لو حد شافني هموت، واتأكدت وقتها إني ميت، بص لي لثواني وبعدين مسح على راس الكلب ورقبته وهو بيقول...

- مافيش حد يا مايلو.. تعالى.

قام وقف وشد الحبل اللي كان في رقبة الكلب، اتنفست بهدوء وانا بحمد ربنا انه ماشفنيش، وفي نفس اللحظة كان وصل الراجل التاني اللي سأله باستغراب...

- بينبح ليه؟

- مش عارف، بس مافيش حد واقف قدام القصر.

اتنهد التاني وقال...

- كلب غريب.. على طول بيجري ومابيطلعش في حاجة.

- ماتقساش عليه يا توفيق.. جايز شايف حاجة إحنا مش شايفينها.

ضحك اللي اسمه توفيق بقهقهة...

- قصدك عفاريت يعني.. والله انت جميل يا حليم انت والكلب بتاعك.. يلا يا راجل بلاش لعب عيال.

مشيوا الاتنين ورجعوا الجنينة من تاني، وفجأة سمعت صوت...

- بسس بسس.

بصيت ناحية مصدر الصوت، لقيت بنت طويلة وشكلها وحش جدًا، واقفة جنب البوابة من بره وبتشاورلي، قربت منها بهدوء، وساعتها همست لي...

- تعالى ورايا عشان الكلب مايشوفناش.

- انتِي مين وأجي وراكي فين؟

- تعالى وانا هقولك.

مِشِيت من جنب السور وانا فضِلت واقف مكاني ببص عليها في ذهول، لحد ما لفَت وشها وشاورتلي...

- يلا بسرعة.

بصيت حواليا وانا مش فاهم هي موطية صوتها ليه؟.. إذا كان ماحدش يقدر يشوفها غيرنا انا والكلب، حتى الناس التانية ماقدروش يشوفوني.

حسيت بالفضول ناحيتها، وعشان كده اتحركت وراها زي ماهي قالت، مِشِيت لأخر السور وبعدها لفت وقالت لي...

- بهدوء عشان ماحدش يحس بينا.

- هو في حد ممكن يشوفك غيري؟

- ايوة طبعًأ، وطي صوتك.

رديت عليها بهمس...

- حاضر حاضر.. بس انتِي وخداني على فين؟

- مش انت عايز تعرف اللي حصل؟

رفعت حواجبي وانا برجع لورا...

- انتِي عرفتي منين؟!

- مش مهم، المهم ان انا اللي هقولك على اللي حصل.

كنت سامع ساعتها صوت راجلين بيضحكوا، ولما مديت رقبتي من جنب السور شوفت الراجلين واقفين قصاد بعض وواحد منهم وشه ناحيتي، رجعت بسرعة لورا وسألتها...

- مين دول؟

- دول حراس القصر.. الباشا معينهم عشان بنته ماتخرجش.

- وهو حابس بنته ليه؟

- عشان ماتهربش.

- تهرب ليه؟

في اللحظة دي شدتني من الجاكيت اللي كنت لابسه ولزقتني في السور، حطت ايدها على بوقي وقالت بعدها بنفس الهمس...

- خلي بالك عشان لو شافوك هيموتوك.

مدت رقبتها وبصت من ورا السور، وبعدها من غير ماتبص، شاورت بايديها عشان امشي وراها، وفجأة جريت بسرعة ونطت ورا كومة قش موجودة قدامنا، عملت زيها بالظبط ونزِلت بجسمي جنبها، وبعد نطتي، رفعت راسها من ورا القش وقالت...

- اول ما الاتنين دول يدخلوا ورا الإسطبل، امشي ورايا على طول.

- حاضر.

.اول ما الاتنين دخلوا ورا الإسطبل لقيتها جريت ودخلت من باب الاسطبل، جريت وراها، وبعد ما دخلنا قفلت الباب ورايا، لفيت وشي ناحيتها لقيتها ماشية في الممر بين البوكسات، وفجأة سمعت صوت همس في وداني، كلام مش مفهوم، الصوت كان بيعلى مع كل خطوة كانت بتمشيها في الممر، حسيت ان دماغي هتنفجر من الصوت، البنت لفت وشها وبصت لي، ومن غير ولا كلمة قعدت على الأرض وبدأت تحفر في وسط القش، الصوت بيعلى أكتر وأكتر، وفجأة طلعت فستان غرقان دم، بصت للفستان بحزن وهي بتضمه لصدرها وبعدها انهارت في البُكا، الصوت اللي في دماغي اختفى، مشيت ناحيتها وانا حاسس ان دماغي بتلف بيا، لحد ما وصلت قدام الحفرة، وأول ما بصيت فيها، رجعت لورا من المنظر اللي شوفته، منظر بشع، الحفرة كان فيها هيكل عظمي لبنت نايمة على بطنها وايديها متكتفه ورا ضهرها، حتى الحبل كان لسه مربوط على معصمها،  بصيت على البنت لاقيتها بتشم الفستان والدموع مغرقة وشها، بعد كده رفعت راسها ناحيتي وقالت بصوت مليان حزن...

- قتلوها الكلاب.

ماكنتش عارف أرد عليها بايه، لكن لقتني بسألها...

- هي مين دي وقتلوها ليه؟

- دي.. دي أشرقت، بنت الباشا.

-الله!.. انتِي مش قولتي انها محبوسة!

- ده كان قبل ما يخلصوا منها.. هي وحبيبها.

- حبيبها مين؟

- مراد.

- مراد مات؟

- مش متأكدة، بس زمانهم خلصوا منه.

- طب وهم ليه قتلوهم؟

- دي قصة طويلة جدًا، بس خليني احكيهالك، عبد التواب كان بيتشغل عند الزنانيري باشا زمان، كان بيزرع الأرض اللي حوالين القصر، وفجأة مات وساب وراه مراد وفريد، صعبوا على الباشا، ف دخلهم القصر وطلب من مغاوري وسميحة الخدم بتوعه، انهم يربوهم مع عيالهم، مرت الأيام والعيال كبرت وعودهم شد، وقتها قرر الباشا يشغلهم مكان أبوهم ومسكهم الأرض، وكمان بنالهم بيت صغير في وسطها عشان يكون سكنهم، كل ده وماكنش يعرف إن في القصر بتاعه، نار قادت جنب البنزين، مراد حب أشرقت، لكن العين ماتعلاش عن الحاجب، وعشان كده دفن حبها جواه، لحد ما في يوم اتفاجئ بأشرقت بتعلن له هي كمان عن حبها، ماكنش مصدق نفسه، أشرقت هانم بنت الزنانيري باشا، بتحب مراد ابن عبد التواب الفلاح البسيط، في الأول رفض حبها، بس بعد إلحاح شديد منها استسلم لرغبتها، ومع الوقت بدأ يصدق الحلم، لحد ما حصل في النهاية الشئ المتوقع.

قاطعتها بلهفة...

- الزنانيري باشا عرف، صح؟

- ياريت، الزنانيري لو عرف ماكنش حصل ده كله، لكن اللي  عرف هو توفيق أخوها، وده بقى شيطان في هيئة إنسان.

- طب وتوفيق عمل ايه؟

- في الأول طلب من مراد إنه يبعد عن أشرقت وهدده بالقتل، لكن أخته كانت عنيدة وماهتمتش بتهديده ولا بخوف مراد من توفيق، وأصرت ان علاقتهم تستمر.

- بالبساطة دي؟

- لا طبعًا كان في مقابل.

- ايه هو؟

- في يوم كانت أشرقت قاعدة في أوضتها، ولقت عدلات داخلة عليها...

- خير يا عدلات في حاجة؟

- بصراحة ياهانم عايزة اقولك على حاجة كده.

- اتكلمي في ايه؟

في اليوم ده انا كنت مع الهانم في أوضتها، وعشان كده عدلات بصت لي وقالت...

- ممكن نتكلم على إنفراد؟

بصت لي الهانم وقالتلي...

- اطلعي يا عهد بره لحد ما اشوف عدلات عايزة ايه؟

- أمرك يا هانم.

خرجت بره، بس الفضول خلاني أقف ورا الباب واتصنت على اللي بيتقال، وساعتها سمعت اللي عمري ما كنت أتخيله...

- وادي عهد خرجت، قولي يا عدلات في ايه؟

قالت عدلات بصوت مخلوط بالدموع...

- انا في عرضك ياست هانم، استري عليا الله يستر عليكِي.

- في ايه انطقي؟

- انا.. انا حامل.

- ايه!.. حامل!.. ازاي ومن مين؟

- من.. من سي توفيق.

- توفيق!.. انتِي بتقولي ايه يا عدلات؟

- هي دي الحقيقة يا هانم، ياما قولتله يسيبني في حالي ويبعد عني، بس برضه مافيش فايدة.

- يعني توفيق هو اللي عمل معاكِي كده؟

- اه والله يا هانم، ودلوقتي بيهددني اني لو ماسيبتش القصر ومشيت هيقتلني.

- يقتلك!.. ليه احنا عايشين فين؟

- انا مش عارفة اعمل ايه ولا اتصرف ازاي؟.. وعشان كده لجأتلك ياست هانم، لجأتلك لاني عارفة اني لو روحت للباشا الكبير، مش بعيد هو اللي يقتلني.

- ماتقلقيش يا عدلات انا هحللك الموضوع ده.. اهم حاجة ماحدش غيرنا يعرف.

- اكيد طبعًا يا هانم، انا مش هقدر أجيب سيرة لحد، ده لو عم مغاوري عرف هروح في داهية، لانه هيقول لابويا وساعتها هتقتل برضه.

- ماتخافيش، ماحدش هيجي جنبك وتوفيق لازم يصلح اللي عمله.. روحي انتِي دلوقتي.

- ربنا يكرمك يا هانم ومايوقعك في ضيقة أبدًا.

خرجت عدلات بعدها وانا دخلت الأوضة من تاني، وساعتها شوفت الهانم وهي سرحانة، ماكانتش بتفكر في حل مشكلة عدلات، لا، كل اللي كانت بتفكر فيه وقتها.. ازاي تستغل الفرصة دي وتضغط على توفيق؟.. ماهي خلاص الرووس اتساوت، هي بتحب ابن الفلاح وهو غلط مع الخدامة، وعشان كده لقيتها بتبتسم ابتسامة عريضة وبتقول بصوت مسموع...

- شكرًا يا توفيق.

- بتقولي حاجة يا هانم.

- هاه، انتِي دخلتي امتى؟

- من ساعة ما عدلات خرجت من عندك يا هانم.

- طب روحي انتِي دلوقتي، انا عايزة اقعد لوحدي شوية.

خرجت من الأوضة وانا عارفة هي ناوية على ايه، وحصل اللي انا فكرت فيه.

- وهو ايه بقى اللي حصل؟

- أشرقت راحت لتوفيق بعدها وهددته إنه لو اتعرض لمراد أو هدده تاني، هتفضح سره وتقول للباشا على اللي عمله مع عدلات، ومش بس كده، لا، دي هتعرف العيلة كلها، طبعًا توفيق اتجنن وقتها وماكنش عارف يعمل ايه؟.. ورجعت أشرقت لمراد، ومش بس كده، دي كانت بتتعمد تكلمه بلطف قدام توفيق اللي كان الشر بينط من عينيه أول ما بيشوفهم مع بعض، وافتكرت أشرقت إنها خلاص قدرت تسيطر على الشيطان، لكنها كانت غلطانة، الشيطان مابيغلبش، وعشان كده صحينا كلنا في يوم على خبر حزين، فريد جِه القصر وهو منهار وقال إن مراد بقاله 3 أيام مختفي، وماحدش عارف مكانه فين، وقتها أشرقت كانت متأكدة إن توفيق هو اللي ورا الموضوع ده، وعشان كده واجهِته، وساعتها هو قالها...

- ماعرفش عنه حاجة.

- توفيق.. انا وانت عارفين كويس اوي إنك ورا إختفاء مراد.. ماتلعبش بالنار وقولي وديته فين؟

- طب كويس انك عارفة إن انا اللي ورا الموضوع ده.. خليكِي عارفة بقى إنك لو فتحتي بوقك مش هتشوفي حبيب القلب تاني.

- يعني ايه؟

- يعني اللعبة بقت في ايدي انا مش في ايدك، لو جيبتي سيرة موضوع عدلات، أو فكرتي تقولي اني خطفت مراد، يبقى انسي انك تشوفيه تاني.. انتِي فاكرة إني هسيب ابن الفلاح يكسبني ولا ايه.

- طول عمرك بتحقد عليه من واحنا صغيرين.. لانه دايمًا أحسن منك.

ضحك توفيق وقالها بسخرية...

- مين ده اللي أحسن مني!.. الفلاح ده أحسن مني؟

- ايوة وهيفضل دايمًا أحسن منك حتى لو قتلته.

بعد كده سابته ورجعت أوضتها، كانت منهارة من العياط لأنها متأكدة إن توفيق طالما قدر يخطف مراد، يبقى مش هتشوفه تاني أبدًأ، بس في نفس الوقت مش هتقدر تتكلم، على أمل إن توفيق يسيب مراد عايش، ومن يومها والحال اتبدل، توفيق هو اللي بقى بيستفزها، وحتى عدلات رجعت تحت طوعه تاني بعد ما عاقبها على تصرفها وانها اعترفت لأشرقت، والمرة دي لما جريت عدلات على أشرقت عشان تتسنجد بيها، لقتها عايزة اللي ينجدها، توفيق سيطر على الكل ومالقاش اللي يحاسبه أو يوقف قصاده، والقصر بقى بيغلي على نار هادية.

- وبعدين ايه اللي حصل؟

- حصلت مصيبة، كارثة، أشرقت هانم كانت في أوضتها بتعيط كعادتها من يوم ما مراد اختفى، وانا كنت معاها بحاول أخفف عنها شوية، وفجأة لقينا الباب بيخبط، كان عم مغاوري، اتعدلت الهانم في قعدتها وطلبت منه يدخل، وأول ما دخل لقينا وشه مقلوب وباين عليه الحزن، بصت له أشرقت هانم وسألته وهي خايفة من الإجابة...

- في ايه يا مغاوري؟

بص في الأرض ورد عليها...

- انا عايز أقول حضرتك على حاجة يا هانم.

- اتكلم يا مغاوري.

- من كام يوم شوفت توفيق بيه خارج من الأوضة اللي تحت السلم، كان شكله مبهدل وجسمه عرقان بطريقة فظيعة، استغربت طبعًا، بس قولت ماليش دعوة، لكنه بعد شوية نده عليا وطلب مني أجيبله البتاع اللي بيشربه ده، روحت عشان أجيبه، ولما رجعت وقبل ما أدخل الأوضة، سمعته بيتكلم مع حليم بيه، وبيقوله.. وبيقوله.

- بيقوله ايه يا مغاوري؟.. انطق.

- بيقوله إنه لسه جاي من عند مراد وإنه لسه عايش.. ماكنتش قادر استوعب الكلام من الصدمة، لكني دخلت قدمتله المشروب وطلعت جري على الأوضة اللي تحت السلم، بس لما فتحتها وقلبت فيها حتة حتة، ماقدرتش أوصل لحاجة.

وقفت أشرقت هانم من مكانها وهي بتسأله بعصبية...

- ازاي!.. اومال مراد فين؟

- مش عارف ياهانم، عشان كده جيت اقول لحضرتك يمكن تقدري تلحقيه.

- طب روح انت يا مغاوري.

- أمرك يا هانم.

خرج مغاوري من الأوضة وبعدها فضلِت أشرقت رايحة جاية في الأوضة وهي بتكلم نفسها، وفي الأخر وقفت في مكانها وقالتلي...

- انا عرفت توفيق مخبي مراد فين في الأوضة.

راحت ناحية الباب، وانا قولتلها ساعتها...

- استني، انا هاجي معاكِي يا هانم.

- لا خليكِي انتِي عشان توفيق مايشوفكيش.

وسابتني ونزلت، فضولي خلاني أنزل وراها، كنت واقفة على السلم وانا شايفاها داخلة الأوضة، بعدها قربت من باب الأوضة، بس انا فضِلت واقفة مكاني، وبصراحة خوفت أدخل، لحد ما فجأة سمعت صوت توفيق بيه جاي من فوق، خوفت لايشوفني فجريت ناحية المطبخ، ووقفت ورا الباب اتابعه وهو نازل من فوق، مشي ناحية باب القصر، فاتنهدت بارتياح، بس مافيش ثواني وشوفته لف وشه ورجع تاني، بصيت على الأوضة لقيت الباب مفتوح، كده معناه إن شاف الباب وعرف إن في حد دخل الأوضة، خوفت وقتها على أشرقت هانم، لو توفيق بيه دخل الأوضة وشافها هتبقى مصيبة، بس ماكنتش عارفة اعمل ايه؟.. وعشان كده وقفت مكاني أدعي ربنا مايشوفهاش، دخل توفيق بيه وعدا وقت طويل جدًا، لحد ما في الأخر شوفته خارج وكان باين عليه الإرهاق وكمان كان بيعيط، بعدها قفل الباب بالمفتاح، بص حواليه يمين وشمال، وبعدت عن الباب، ولما رجعت كان مشي، خرجت من المطبخ وروحت ناحية الأوضة وخبطت وانا بنده بصوت واطي...

- أشرقت هانم.. يا أشرقت هانم.

ماكانتش بترد عليا، ف ندهت عليها تاني...

- يا هانم لو سامعاني ردي عليا.

بس للأسف مافيش رد، ماكنتش عارفة اتصرف إزاي؟.. وفي نفس الوقت سمعت صوت الكلب بتاع حليم بيه، فمشيت من قدام الأوضة قبل ما حد يشوفني، والمفاجأة بقى إني كنت قاعدة بالليل في المطبخ انا ومغاوري وسميحة مراته، وساعتها سمعت توفيق بيه بعد ما رجع واقف في صالة القصر وبينده بصوت عالي...

- يا أشرقت.. أشرقت.

بعدها طلع على فوق وهو لسه بينده بعلو صوته، وشوية ودخل علينا المطبخ ووجه كلامه ليا...

- عهد.. ماشوفتيش أشرقت هانم؟

بصيت له باستغراب، بس خوفت لايحس إني شوفت حاجة، فرديت عليه بهدوء...

- لا يا بيه ماشوفتهاش.

مشي بعدها وانا وعم مغاوري بنبص لبعض، ومافيش نص ساعة ولقيناه هو وحليم بيه بيندهوا علينا كلنا، كنا واقفين في صالة القصر صف واحد، وقدامنا توفيق وحليم بيه والكلب بتاعه، ماكنتش قادرة اتوقع ناوي على ايه، لحد ما اتكلم وقال...

- أشرقت هانم اختفت من القصر.. حد فيكوا عنده معلومة ممكن تكون راحت فين؟

ماحدش فينا اتكلم، كلنا سكِتنا، قرب مني بعدها وبرق في عينيا قبل ما يسألني...

- انتِ تقريبًا مابتفارقيهاش يا عهد ومعاكِي كل أسرارها.. انطقي.. الهانم راحت فين؟

كنت عايزة اصرخ في وشه بالحقيقة واقوله إني شوفته وهو داخل وراها الأوضة، ومن بعدها ماخرجتش، بس ماقدرتش، خوفت على عمري، ده مفتري وأذى اخته، يبقى هيعمل فيا انا ايه؟.. وعشان كده رديت بخوف...

- ماما ما.. ماعنديش فكرة يا بيه.

اتكلم حليم وقتها...

- انا قولتلك من الأول يا توفيق.. كان لازم نخلص من الكلب اللي اسمه مراد ده.. عاجبك كده، اديهم هربوا مع بعض.

قرب منه توفيق وقال بصوت مليان غِل...

- ماتقلقش يا حليم.. انا هجيبهم ولو في باطن الأرض.

بعدها لف وبصلنا بنفس النظرة قبل ما يقول...

- الخبر ده لو خرج بره جدران القصر، ماحدش فيكوا هيطلع عليه نهار.. مفهوم.

ردينا كلنا في نفس واحد وبصوت ماليه الخوف...

- مفهوم يا بيه.

- ارجعوا امكانكوا.

اتحركنا كلنا، بس فجأة نده عليا...

- عهد.

وقفت مكاني وانا بتنفض، قرب مني ودقق في عيني لثواني قبل مايهمس...

- متأكدة انك ماشوفتيهاش يا عهد؟

بلعت ريقي بصعوبة وانا باصة في الأرض...

- والله ماشوفتها يا بيه.

ابتسم ابتسامة خبيثة...

- على شغلك يا عهد.

مشيت من قدامه بسرعة قبل ما يقول أي كلمة تانية، وبعد اليوم ده بيومين، كنت نايمة بالليل وعطِشت فقومت عشان اشرب، بس بعد ماخلصت وقفلت نور المطبخ، سمعت صوت خطوات ناحية الباب الخلفي، قربت منه بهدوء وفتحته نص فاتحة وبصيت بره، ماكنش في حد، اطمنت شوية وبعدها خرجت قدام الباب، بس ساعتها سمعت صوت زي مايكون حد بيحفر بفاس، الصوت كان جاي من ناحية الإسطبل، قربت بهدوء ووقفت اتابع من بعيد باب الإسطبل، وبعد دقايق الصوت سكت، رجعت بسرعة واستخبيت لحد ما شوفت توفيق بيه ومعاه أخوه والكلب بتاعه، خارجين من الإسطبل، وساعتها توفيق همس لحليم...

- كده احنا اتأكدنا إن ماحدش من الخدم شافها وهي داخلة الأوضة.. وبرضه ماحدش شافنا دلوقتي.. احنا في أمان، اطمن.

- انا مش مصدق لحد دلوقتي اننا قتلنا أشرقت ودفناها هنا.

حطيت ايدي على بوقي من الصدمة بعد اللي سمعته، وسمعت توفيق بعدها بيرد عليه بعصبية...

- وهو انت لما قتلت عبد التواب زمان ماكنش قتل.

- ايوة يا توفيق بس.. بس دي اختنا يا توفيق.

- اختك كانت عايزة تجيب راسنا الأرض.. وبعدين انا ماكنتش قاصد اقتلها هي اللـ.

قطع كلام توفيق صوت الكلب وهو بينبح، جريت بسرعة على المطبخ وقفلت الباب، بعدها حسيت بخطوات بتقرب وصوت الكلب بقى أقرب، كتمت نفسي ودخلت الصالة ومنها على أوضتي على طول، كنت نايمة بتنفض في السرير، والدموع بتنزل على خدي وانا كاتمة نفسي عشان ماحدش يحس إني صاحية، وإلا هيبقى مصيري نفس مصير أشرقت.

- وبعدين.. ايه اللي حصل؟

- ولا حاجة، كلنا خوفنا، انا خوفت اتكلم واقول اللي شوفته وسمعته، وعم مغاوري خاف يتكلم، وكلنا فضلنا مستنين الباشا لحد ما يجي ونبلغه باللي حصل.

- طب هو انتِي ازاي عارفة انا جاي هنا ليه؟

- مش هو قالك هتعرف كل حاجة لوحدك، كان يقصد إنك هتقابلني واني هساعدك.

- طب.. طب انتِي عارفة هم حابسين مراد فين؟

- ايوة، بس المكان اللي محبوس فيه صعب نوصله بسهولة.

- خلينا نحاول.

- ماشي بس خلي بالك، عشان لو حد شافك هتموت.. واوعى تتغر إن حليم ماشافكش عند البوابة.

- ماتقلقيش.. يلا نتحرك.

رجعت الفستان في الحفرة وردمتها تاني وبعدها قامت اتحركت ناحية باب الإسطبل وانا وراها، فضلِت واقفة لحد ما الحارسين اختفوا، وبعدها جرينا ناحية المبنى، استخبينا ورا السلم اللي بيطلع لباب القصر وساعتها سمعت صوت حليم وتوفيق طالعين السلم ومعاهم الكلب، وساعتها اتكلم توفيق وقال...

- تفتكر يا حليم أبوك الزنانيري باشا هيعمل ايه لما يرجع ويكتشف اللي احنا عملناه؟

- الوالد في الإستانة، ولما يرجع نبقى نقوله إنها هربت مع الولد اللي اسمه مراد.

- الولد ده لازم يموت عشان مايفتحش بوقه.

- هو انت لسه ماخلصتش منه؟

- لا لسه، سايبه يموت بالبطئ عشان يدفع تمن اللي عمله.

- شرير انت ياتوفيق.

- هو كان فاكر إنه هيقدر يخدعنا ويضحك علينا ولا ايه، ده إحنا ولاد الزنانيري.

ضحكوا الاتنين بصوت عالي وبعدها سمعت صوت خطواتهم وهم طالعين السلم ناحية باب القصر، وقتها قولت للبنت اللي جنبي...

- مراد طلع عايش يا عهد.. عايش، بس ياترى هم حابسينه فين؟

- حابسينه في القبو اللي تحت القصر.

- وده هنوصله إزاي؟

- لازم ندخل جوة ونعدي من صالة القصر، وبعدها ندخل من باب الأوضة اللي تحت السلم، وساعتها هنلاقي دولاب، وجوة الدولاب بقى في باب بينزل على القبو.

- يا نهار مش فايت، واحنا هنعدي كل ده إزاي من غير ما حد يشوفنا؟

- مش قولتلك الموضوع صعب.

- طب القصر مالوش مدخل تاني غير الباب ده؟

- لا، لُه، ممكن ندخل من المطبخ، بس مش عارفة هيكون فاضي ولا لا؟

- خلينا نروح ونشوف.

- طب تعالى ورايا.

استنينا لحد ما الحراس بعدوا عن المكان وبعدها اتسحبنا وروحنا ناحية باب المطبخ اللي كان في ضهر المبنى، وقفنا جنب الباب ومديت رقبتي، لمحت بطرف عيني اتنين ستات قاعدين جوة على الترابيزة وضهرهم لينا، رجعت ورا تاني وقولت لعهد...

- في اتنين ستات جوة، لازم نستنى لما يخرجوا الأول.

- تمام.

سمعت صوت واحدة من الستات اللي جوة بتقول للي معاها...

- بس هي ماكانتش تستاهل اللي حصلها ده.

ردت التانية عليها باسلوب عنيف...

- هنعمل ايه يابنتي.. ربنا يهد المفتري.

- يارب يا ست سميحة.. يارب.

سكتوا الاتنين، بس مافيش ثواني وسمعت صوت راجل غريب بيتكلم...

- توفيق بيه محتاجك تروحيله يا عدلات.

قالتلها سميحة بتنهيدة...

- قومي روحيله يا عدلات لما نشوف اخرتها مع ولاد الزنانيري.

- وهو عايز ايه ياعم مغاوري؟

- مش عارف يابنتي.. روحي وانتِي هتعرفي بنفسك.

- حاضر، أمري لله.

بصيت بطرف عيني لمحت عدلات وهي خارجة من الباب اللي بيطلع على صالة القصر، ومغاوري قاعد جنب الست التانية، كان بيقرب منها وهو بيتلفت حواليه وبيهمس لها...

- امتى ربنا يتوب علينا من الخدمة عند الأنجاس دول يا سميحة؟

- فرجه قريب يا مغاوري، بس لحد ما ده يحصل مش عايزة اسمع منك الكلام ده تاني، انا مش باياعك يا اخويا، احنا محتاجينك.

- والله يا سميحة لولاش انتِي، كان زماني طاخههم كلهم بالنار ولاد ال.. الزنانيري دول.

- طب اسكت بقى، وقولي بالحق، ماتعرفش الكلب ده عايز عدلات في ايه؟

- هيكون عايزها في ايه؟.. ما انتِي عارفة، شرب الكاسين وأتطوح.

- ماتقلقش، البت عدلات بتعرف تاخد بالها من نفسها.. قوم انت هات الخضار عشان اعملهم طفح يطفحوه.

- بالسم الهاري إن شاء الله، من ساعة ما حبسوا الواد مراد وانا مترمط في المشوار الزفت ده، وكل ما أروح لأخوه عشان أجيب منه الخضار يصعب عليا حاله، ببقى خلاص هنطق واقوله، لكني بمسك نفسي على أخر لحظة.

- انت اتجننت!.. تقوله ايه؟!.. انت لو قولتله مش هيحصل حاجة غير إن كلنا هنتقتل، حتى هو هيتقتل.

- ما اني عشان كده بسكت ومش بنطق.

- طب روح يلا.. وإوعاك تقوله حاجة.

- ماشي، سلامو عليكوا.

قام مغاوري ولقيته جاي ناحيتنا، رجعت لورا بسرعة، وقبل ما نتحرك وقف على عتبة الباب جنبي، كان بيني وبينه خطوة واحدة، وقتها اترعبت وكتمت نفسي.. بس...

نلتقي في الجزء الثاني


بقلم الكاتب: شادي اسماعيل


التنقل السريع