القائمة الرئيسية

الصفحات

قصر عزيز قصص رعب


بقلم: شادي إسماعيل


مش قادر استوعب لحد دلوقتي، ازاي الناس كانت بتقدر تعيش في مكان زي ده، مكان كله أشباح وعفاريت، ومش أي عفاريت، لا، دول عفاريت مش بيسيبوك غير لما حرفيًا يخلصوا عليك، طب عايز تعرف ايه هو المكان ده؟.... انا هقولك.. هقولك بس نصيحة مني بعد ما تسمع القصة، اياك الفضول يتملك منك وياخدك هناك، لانك مش هتقدر ترجع ولا هنسمع عنك تاني...

انا قاعد في منطقة من مناطق القاهرة، طبعاً مش هقولك على اسمها عشان انا عارف انه رغم تحذيري، إلا إن فضولك هياخدك هناك، فانا مش هسيبلك حرية الاختيار وقررت اخليك ماتعرفش المكان ده، وبرضه رغم كده، انا مضطر أوصفهولك، ولكن أكيد مش بصورة مطابقة للواقع تماماً. في فترة ما من فترات تاريخ مصر، كان الشارع ده من أهم الشوارع في القاهرة، كان شارع نضيف جداً بيعيش فيه وزراء و مجموعات من حاشيات الملوك و الأمراء على مر التاريخ، وفي قصر من قصور الشارع، كان عايش واحد من عِلية القوم، لكن مشكلة الراجل ده انه كان وحيد، مالوش أهلٌ ولا ولد، عاش حياته فقير، وقِدر بقدراته الرهيبة في التملق والوصولية، أنه يحجز لنفسه مكان وسط الكبار، لكنه وسط ده كله نسيَ في انشغاله وسعيه الدائم للوصول إلي المناصب، نسيَ أنه يكون أسرة تعينه على الحياة، وكان دايماً بيعوض ده بالحفلات والنزوات الفردية، لحد ما اتسرسب العمر من بين إيديه، ولقى نفسه لوحده في نهاية الحياة، وكعادة الاغنياء في الفترة دي، او الناس الوحيدة منهم تحديداً، اتجه الراجل لشرب الخمرة، وفي الفترة دي ماكنش عايش معاه إلا رجلين، حارس القصر وخيال الإسطبل، ولما اشتد المرض عليه وشاف الموت قريب منه، استدعى الراجلين لأوضته، ومن الأخر كده اتنازل لهم عن قصره، ومافيش أيام والراجل مات، وده عشان يتنقل القصر لعهد جديد، عهد الحارس والخَيال.

بعد موت صاحب القصر، بعت الحارس جاب عياله من البلد والخيال هو كمان بعت جاب مراته تعيش معاه، في الوقت ده كان في مشكلة واحدة بس بتقابل الاتنين دول، وهي ازاي هيقدروا يصرفوا على أهلهم بعد ما اللي كان بيصرف عليهم مات، صحيح هم ورثوا القصر، لكن مافيش فلوس يعيشوا منها، وهنا قعدوا الاتنين واتناقشوا في الموضوع، وبدأت المناقشة لما الحارس سأل الخيال...

- هنعمل ايه في المشكلة دي؟

- انا عندي اقتراح ممكن يحللنا المشكلة.

- ايه هو؟

- احنا نبيع اربع خيول من التمانية اللي جوة، وبتمنهم نقدر نعيش، وعلى ما الفلوس تخلص، الخيل دي هتكون جابت مُهر تانية ونتاجر في الخيل.

- اقتراح عظيم فعلاً، خير.. الحمدلله، كده المشكلة اتحلت.

-لا، ماتحلتش.

-ازاي بقى؟

-احنا لما جينا نقسم انت طمعت في المبنى وخدت نصيب أكبر مني مقابل الخيول، وبكده الخيول دي كلها ملكي، وانت مالكش حق تشاركني في فلوسها.

بص له الحارس وهو مصدوم، بس ماكنش قادر يقوله حاجة لانه هو اللي طمع في الأول، طمع لأنه ماكنش يعرف إن الخيال لما وافق، كان عامل حساب كل حاجة بحكم خبرته في تجارة الخيول، وعشان كده سأله ساعتها...

-طب والعمل؟.. عايز ايه عشان تديني قصاده كام خيل؟

-عايزك تديني بقية نصيبي في القصر، مقابل حصانين.

- بس ده كتير، وكمان حصانين مش حصان وفرسه؟!

- مش عاجبك خلاص، خليك في نصيبك وانا في نصيبي.

وفي الاخر، اضطر الحارس إنه يوافق، ما هو ماينفعش بعد ما بقى صاحب تلت تربع القصر، إنه يرجع يشتغل حارس في قصر تاني، ومن بعد ما اتكلموا خد الحصانين، ولأنهم ذكور، فاضطر يبيعهم من غير ما يقدر يستني أي مٌهر جديد منهم، وبعد مدة، فلوس الحارس كانت بتخلص وفلوس الخيال بتزيد والإسطبل كمان عدد خيوله بيزيد، لحد ما خلصت فلوس الحارس و رجع قعد مع الخيال...

- انا محتاج فلوس تاني؟

- انت صرفت كل الفلوس اللي كسبتها من الخيلين؟

- اه، ومابقاش معايا فلوس تانية.

-طب بص، انا هديك خمس حصنة قصاد اللي باقي لك في القصر.

- بس ده قليل اوي!!

- خلاص.. بشوقك.. دبر حالك لحالك.

ومرة تانية اضطر الحارس إنه يوافق، بس المرة دي خد الأحصنة وخرج بره القصر، الخيال بعد ما امتلك القصر بدأ يعيش حياة الملوك، أما الحارس؛ فاستمر في فشله وخلص الفلوس اللي كسبها من بيع الخيول، ومع الوقت، اضطر انه يرجع يشتغل حارس لقصر من القصور، ومرت الايام والسنين، وفي يوم كان واقف الخيال في بلكونة الأوضة لما لمح ست عجوزة واقفة عند بوابة القصر، كان شكلها غريب، لابسة عباية سودة مليانة تراب، فضل يتابعها من مكانه لحد ما في الاخر نده على واحد من الخدم وطلب منه يمشيها، ف راح الخادم واتكلم معاه، كان بيراقب كلامهم لحد ما فجأة الست بصت له وعينيها مليانة شر، والخادم كمان كان بيبص له بعيون مليانة رعب، بعدها الست سابت المكان ومشيت، نده بسرعة للخادم اللي طلع له جري، و أول ما دخل الأوضة سأله الخيال...

- مين الست دي وكانت بتقولك ايه؟

رد الخادم وجسمه بيتنفض...

- الست دي.. الست دي غلبانة وطلبت مساعدة، بس انا مشيتها زي ما سعادتك أمرت، إنما ساعتها قالت لي كلام غريب.

- كلام غريب ازاي يعني؟

- قالت لي قول لسيدك "اتنين بيض والتالت أسود، الرابع رماح بس ما يركض، والخامس رواح ما يُجعُد، والسادس في الليل ما يُرجد، والباقي عند ربه يصعد" 

سأله بفزع...

- هي اللي قالتلك كده؟

- ايوة يا باشا، بس هي مين الست دي، وتقصد ايه بالكلام ده؟

- انت مالك، امشي اطلع بره.

فضل واقف مكانه مرعوب وهو بيكلم نفسه "الخيل، أكيد تقصد الخيل" خرج من الأوضة جري ناحية الاسطبل، و أول ما وصل فتح كل البيبان واطمن عليهم واحد واحد، بعدها خرجهم كلهم بره، دخلهم المانيش وخلاهم يجروا قدامه، حس بالراحة ساعتها وضحك ضحكة هيستيرية وهو بيقول "كلهم بخير، كلهم بخير".. ورجعهم، كل حصان في البوكس بتاعه، وبعد ما رجعوا راح ناحية البوابة، خرج في الشارع وفضل يبص يمين وشمال، وساعتها شافها واقفة، كانت واقفة على أول الشارع بتبص له وبتضحك، جري بسرعة ناحيتها، وأول ما وصل كانت اختفت، فضل يدور عليها لكنه مالقهاش، رجع وخيبة الأمل باينة على وشه، وساعتها قابله الخادم على البوابة وسأله بلهفة...

- في حاجة يا باشا؟

بص له وبعدها لف حوالين نفسه...

- الست اللي كانت هنا، لو جت تاني تمسكها ومتخلهاش تمشي غير لما تقولي.

- حاضر يا باشا.

ساب الخادم وطلع أوضته، قفل الباب عليه وقعد على الكرسي في البلكونة بيراقب البوابة، كان بيدور حوار بينه وبين نفسه "معقول يكون هو؟.. بس لو كان عايزني ماجاليش ليه زي كل مرة، وياترى عايز ايه؟".. فاق على صوت الباب بيتقفل، بص وراه، كانت مراته واقفة عند الباب، بصت له وابتسمت وهي جاية ناحيته...

- قاعد لوحدك ليه؟

- مافيش، كنت بفكر في موضوع كده.

- لسه بتفكر في مراتك الأولانية برضه؟!

- سنية!.. لا لا خالص، سنية كانت صفحة واتقفلت، وبعدين اللي يبقى معاكِ يا حبيبتي ماينفعش يفكر في حد تاني.

- بحسب لسه بتفكر فيها، كنت هزعل.

- لا ماقدرش على زعلك يا قمر انت.

ضحكت وهي بتمسك ايده، بعدها بص ناحية البوابة ووشه اتغير!

الساعة كانت 12.. نص الليل لما قام الخيال مفزوع على صوت صهيل الخيول، كان صوت مخيف، جري بسرعة على الإسطبل، وهناك لقى الخيول كلها بتتحرك حركة غير طبيعية وهي بتصهل، جري في الممر بيبص على كل بوكس، الخيول كلها بتعمل نفس الصوت وبتتحرك نفس الحركات الغريبة، كان واقف في اخر الإسطبل لما شافها واقفة عند الباب، كانت واقفة بتضحك وهي بتبص له بصة كلها شر، بعدها بدأت تتمتم بكلام مش مفهوم، ومع كل مرة كانت بتمتم فيها، كان صوت الخيول بيعلى وحركاتهم بتزيد، الصوت كان عالي جداً، حط ايده على ودنه وجري ناحيتها وهو بيصرخ...

- انتِ مين وعايزة مني ايه؟

ضحكت ضحكة عالية، وفجأة الصوت اختفى، بص عليها مالقهاش، بص على الممر، ماكنش سامع غير صوت القش بيتحرك مع الهوا، اتحرك ببطء ناحية البوكسات، بص في أول واحد، لقى الحصان نايم على الأرض، فتح البوكس ودخل بسرعة، حط ايده على الحصان وساعتها عرف إن الحصان مات، قام والدموع في عينيه، بص على البوكس اللي بعده، كان الحصان نايم هو كمان على جنبه، راح للي بعده نفس الوضع... بدأ يعيط بصوت مسموع وهو بيفتح بوكس ورا التاني، كان بيصرخ صراخ هيستيري، ولما فتح البوكس اللي بعد كده، لقى الحصان الأسود واقف وشه في الحيطة، قرب منه وساعتها اكتشف إن ديله مقطوع، طبطب على الحصان اللي كانت الدموع في عينيه، حضنه وهو بيعيط، ساعتها جه في باله كلام الست  "اتنين بيض والتالت أسود، الرابع رماح بس ما يركض، والخامس رواح ما يُجعُد، السادس في الليل ما يُرجد، والباقي عند ربه يصعد".. جري على الخيلين البيض، كانت فرسة وبنتها، لقاهم واقفين بنفس الطريقة وشهم للحيط، بس ديولهم كانت موجودة، قرب من الفرسة الأم وهو بيمشي ايده عليها، بس أول ما حط ايده على وسطها نطت وهي بترفس برجليها لورا، رجع بعيد عنها، لفت ساعتها وشاف عينيها، كانت حمرة زي النار، رجع لورا لما لقاها بتقرب عليه، قفل البوكس بسرعة، فضلت تخبط في الباب بدماغها، بعدها المهرة هي كمان بدأت تخبط راسها في الباب، سابهم وجري ناحية الباقيين، فتح البوكس اللي قصادهم.. وساعتها لقى الحصان نايم على الأرض، قرب منه، لقاه حي، طبطب عليه وحاول يقومه، بس الحصان مش قادر يتحرك، الدموع كانت نازلة من عينيه على القش وهو نايم على جنبه ومش قادر يرفع نفسه، في اللحظة دي سمع صوت صهيل، جري على مصدر الصوت، كان الحصان في بوكس من البوكسات، كان بيتحرك بسرعة رهيبة وهو عمال يتنطط، فضل يبص عليه من برة، اتحرك وهو بيخبط كف على كف و راح ناحية البوكس الأخير، كان الحصان واقف ساكن في مكانه من غير ما يتحرك، مافيش فيه أي حاجة، حاول يحركه اتحرك معاه، فحصه.. لقاه كويس، استغرب شوية بس بعدها اترددت في دماغه الجملة اللي قالتها الست "السادس في الليل ما يُرجد" وده معناه ان الحصان ده مش هينام الليل نهائي، دخل للحصان اللي كان نايم ومش بيتحرك، قعد جنبه على الأرض وهو بيطبطب عليه وبدأ يكلم نفسه "انتِ مين وبتعملي كده ليه؟" في اللحظة دي سمع صوت ماكنش عارف مصدره، لكنه سمعه بيقول...

- انت اللي اخترت طريقك بايدك.

- طريق ايه.. انا ما اخترتش أي حاجة.

- لحقت تنسى.. مش انت اللي قتلت الراجل اللي أواك في بيته وأنعم عليك بكل العز اللي انت فيه ده؟

- انا ماقتلتوش، ماقتلتوش.

- الكلام ده تضحك بيه على الناس كلها، لكن ماينفعش تكدب عليا انا بالذات.

- انت مين؟

- انا شيطانك اللي عايش جواك، عرفت بقى انه ماينفعش تضحك عليا.

- بس انا فعلاً ماقتلتوش.

- انت لسه مقتنع انك ماقتلتوش.

- ايوة ماقتلتوش، هو اللي مات لوحده.

استنى شوية لكن الصوت ماردش عليه، ف فضل يصرخ زي المجانين...

- انت روحت فين؟.. انا بقولك ماقتلتوش، انت عايز تلبسني تهمة ليه؟.. والله ما قتلته، هو كان هيموت، انا ماقتلتوش، ماقتلتوش.

-على العموم ماتزعلش أوي كده، هو كان يستاهل، ولو عايز تعرف ليه كان يستاهل، فانت ممكن تعرف.

- ازاي؟

- افتح الأوضة اللي كان بيقفلها دايماً عليه وانت هتعرف كل حاجة.

- بس انا فتحت الأوضة دي وماكنش فيها أي حاجة غير شوية كراكيب قديمة من بتوعه، ومافيهاش أي حاجة تانية.

- دور كويس يمكن تلحق نفسك.

قام الخيال من مكانه وجري على القصر، دخل الأوضة اللي قاله عليها الشيطان اللي كان بيكلمه ده، وفضل يقلب فيها بس برضه مالقاش أي حاجة، مافيش غير شوية الكراكيب اللي موجودة من يومها، وفي وسط انشغاله سمع صوت جاي من وراه، لف بفزع، وساعتها لقى مراته واقفة بتبص عليه باستغراب وهي بتتأمل الأوضة وبعدها قالت له...

- انت بتعمل ايه هنا يا حبيبي في وقت متأخر زي ده؟

بص لها وهو بيتنهد وقالها...

- بدور على أوراق مهمة.

سألته باستغراب...

- دلوقتي؟!

رد عليها بعصبية...

- ايوة دلوقتي، وبعدين انتِ كل ده نايمة؟!.. كل اللي حصل ده وماحستيش بحاجة؟

- كل اللي حصل؟!.. هو ايه اللي حصل؟

- يعني ماسمعتيش صوت الخيل و الدوشة اللي حصلت من شوية، الخيل كلها ماتت. 

قالتله وهي بتقرب منه...

- خيل ايه اللي ماتت.

- هتكون خيل ايه يعني، الخيل بتاعتي كلها ماتت، واللي عايش منهم، عايش زي الميت.

- اهدى بس يا حبيبي، مافيش حاجة من دي حصلت ولا كان في دوشة ولا أي حاجة، انت من ربع ساعة قومت من جنبي بهدوء وخرجت من الأوضة، كنت فاكراك خارج تشرب أو تعمل حاجة، ولما اتأخرت جيت عشان أشوفك.

- انتِ بتقولي ايه؟!.. انا بقولك كنت في الإسطبل دلوقتي وشوفتهم وهم بيموتوا قدام عينيا.

- طب تعالى وريني كده الخيل اللي ماتت.

- انتِ مش مصدقاني؟!.. طب تعالي وانا اثبتلك.

شدها من ايديها وخرج من الأوضة وقفل النور، وبعد ما خرج كان في كيان أسود قاعد على الكرسي وبيضحك.

كانوا ماشيين ناحية الإسطبل لما قالها...

- انتِ فاكراني مجنون وبخرف، مش كده؟

- انا ماقولتش كده، انا بس بقـ...

- لا انتِ عايزة تجننيني زي ما انا جننته، بس انا هثبتلك اني مش مجنون.

- هو مين ده اللي جننته؟!

- مالكيش دعوة بالموضوع ده، انا هثبتلك اني مش مجنون.

دخلوا الإسطبل اللي كان هادي ومافيش فيه أي حركة، قالها وهو واقف على الباب...

- شوفتي، صدقتي، مافيش أي صوت.. مافيش أي حركة، كلهم ماتوا.

- يا حبيبي الخيول نايمة عشان احنا بعد نص الليل، هيبقى في حركة ازاي يعني؟

- كده.. طب تعالي.

شدها من ايدها تاني بس بعنف أكتر، وده خلاها تحاول تفلت ايده بس هو ضغط على ايديها اكتر، وقف قدام أول بوكس وقالها وهو بيفتحه...

- أدي أول واحد، ميت قدامك اهو.

بصت له باستغراب شديد، استغرب نظرتها وساعتها لف وشه وبص في البوكس، كان شايف الفرسة واقفة وفيها النبض، قرب منها وطبطب عليها، فتحت عينيها ومالت عليه براسها، ضحك لثواني من فرحته انها عايشة، لكنه افتكر اللي حصل فساب الفرسة و راح ناحية مراته وهو بيقول بهيستيرية...

- انا مش مجنون، الفرسة دي من شوية كانت ميتة وكل الفرسات ماتت ما عدا اتنين هم اللي كانوا عايشين، وكمان أربع أحصنة تانيين، والله العظيم كانوا ميتين من شوية، طب استني كده.

راح ناحية البوكس اللي بعده وفتحه، لقى الحصان نايم ومافيش أي حاجة فيه، بص لمراته وهو بيقول بخوف...

- يعني ايه؟!.. ايوة الحصان الأسود ديله كان مقطوع، ثانية واحدة.

راح لبوكس الحصان الأسود وفتحه، وساعتها لقى ديله زي ما هو والحصان مافيش فيه أي حاجة، خبط بايده على وشه وهو بيصرخ بصوت عالي...

- يعني ايه؟!... انتوا عايزين تجننوني زيه؟.. لا مش انا اللي يتعمل معاه كده.

قربت منه مراته وهي بتطبطب عليه...

- اهدى يا حبيبي اهدى، مين دول اللي عايزين يجننوك؟

- هم، هم عايزين يجننوني، زي ماجننوه.

بعدت عنه وقتها وعلى وشها علامات الرعب وقالتله...

- مين دول وجننوا مين؟

- مراد بيه، صاحب القصر اتجنن قبل ما يموت، وشكلهم كده ناويين يخلصوا مني زي ما خلصوا منه، لكن لا، لا، مش انا اللي يتعمل معايا كده، مراد كان ضعيف لكن انا مش ضعيف، ماحدش هيقدر ياخد مني القصر ده أبداً، انتوا سامعينني، ماحدش فيكوا هيقدر ياخد القصر ده مني مهما حصل.

مراته سابته وطلعت تجري على أوضتها، وهو فضل واقف وسط الخيول وهو بيبص لهم وعينه مبرقة، بعدها قرب من حصان فيهم وقاله...

- ماحدش هيقدر يفرق بيني وبينكوا مهما حصل، انتوا ملكي انا ومش هخليهم يوصلوا لكوا، ماتخافش.

كان حاضن الحصان وبيطبطب على راسه لما شاف قدامه نفس الست واقفة في أول الإسطبل، كانت واقفة بتضحك ضحكة عالية، رفع راسه من على الحصان واتحرك ناحيتها ببطء وقالها وهو بيطوح وبيدعك في عينيه...

- انتِ مين؟.. انتِ حقيقة ولا خيال؟

- انا حقيقة، في عقلك انت بس.

- يعني ايه؟!.. والخيل اللي ماتت ازاي رجعت تاني للحياة؟

- مافيش خيل ماتت، بس انت هتموت.

- وانا هموت ليه؟.. انتِ عايزة تموتيني ليه؟

- مش انا اللي هموتك، جنونك هو اللي هيموتك.

ضحكت نفس الضحكة قبل ما تختفي، كان بيدعك عينيه وهو بيحاول يشوفها تاني وبعدها صرخ...

- روحتي فين؟.. ردي عليا؟.. انا هموت ليه؟.. لا انا مش هموت  مش هموت، سامعاني؟.. مش هموت.

وقع على الأرض و أغم عليه، ولما فاق لقى نفسه نايم على القش في ممر الإسطبل والخادم بيفوقه...

- عزيز بيه.. يا عزيز بيه.

فتح عينيه ببطء وهو بيبص له باستغراب...

- انت ازاي تدخل عليا الأوضة يا ولد انت؟

بص له الخادم باستغراب وقاله...

- أوضة ايه يا بيه؟!.. حضرتك لامؤاخذة نايم في الإسطبل.

- ايه!

قام ساعتها وبص حواليه وبعدها بص له بخجل وسأله...

- انا ايه اللي جابني هنا؟

- مش عارف يا بيه، بس الهانم قالت لي انها صحيت مالقتكش و أمرتني أدور عليك هنا، ولما جيت لقيت سعادتك نايم كده.

- طب روح.. روح اعملي قهوة عشان افوق وبلغ الهانم اني جاي.

- حاضر يا بيه.

سابه الخادم وخرج من الإسطبل، بص عزيز حواليه، وساعتها لمح الخيل الأسود واقف وبيبص عليه، ابتسم في وشه وقام بعدها راح ناحيته وحضنه وهو بيقوله...

- صباح الخير يا صديقي، شكلها كانت ليلة صعبة، ماتعرفش انا ايه اللي جابني هنا؟

بص له الخيل وهو بيحك وشه بوش عزيز اللي طبطب عليه وقاله...

- انا همشي دلوقتي بس هرجع لك تاني، خلي بالك من أخواتك، اتفقنا.

خرج عزيز من الإسطبل وطلع قعد في الجنينة بره، وبعد دقايق لقى مراته داخله عليه وفي ايديها صينية عليها القهوة، قربت منه وقالتله باستغراب...

- ايه اللي نيمك في الإسطبل امبارح يا عزيز؟!

- مش عارف، انا مش فاكر أي حاجة، وبعدين انتِ جايبة القهوة بنفسك ليه؟

- فيها ايه يعني لما أجيب القهوة لجوزي حبيبي؟

ضحك وهو بيقولها...

- مافيهاش حاجة، انا بس مش عايزك تتعبي نفسك.

- مافيش تعب ولا حاجة يا حبيبي.

باس ايديها وبعدين قالها...

- ربنا مايحرمنيش منك أبداً يا حبيبتي.

- ولا يحرمني منك يا حبيبي.

ناولته بعدها فنجان القهوة وهي بتقوله...

- خد بقى اشرب قهوتك قبل ما تبرد.

خد منها الفنجان وهو مبتسم، وبعدها قالها...

- انا بفكر نسافر أي بلد أوروبية نغير جو شوية، ايه رأيك؟

وشها اتغير بس بعدها ردت وقالتله...

- اليومين دول!.. لا صعب، خليها شوية كده.

سألها باستغراب...

- ليه.. وراكِ حاجة؟

- يعني.. الوقت مش مناسب، وبعدين انت نسيت إن احنا معزومين على حفلة قاسم باشا بمناسبة إنه خد البشوية ولا ايه!

- اه صح فكرتيني، هي الحفلة إمتى؟

- الاسبوع اللي جاي على طول.

- خلاص مافيش مشكلة، نخلص الحفلة ونبقى نسافر.

ضحكت وقالتله...

- مافيش مشكلة، بعد الحفلة نسافر، انا هقوم ادخل جوة وانت خلص قهوتك وتعالي عشان تغير الهدوم دي، انت نايم بيها من امبارح .

- حاضر مش هتأخر.

سابته ومشيت، شرب بعدها فنجان القهوة كله، كان سارح في الفراغ لما فجأة شافها واقفة قدامه، فرك عينيه وهو بيتأكد من وجودها وبعدين سألها...

- انتِ عايزة مني ايه؟

- انا مش عايزة حاجة، انت اللي عايز.

- انا مش عايز منك حاجة، ابعدي عني.

- مش عايز تعرف مكان خلاصك ولا عايز تعرف مين اللي قتل الخيول؟!!

- مين؟.. مين اللي عمل كده؟

- اسأل مراتك.

- قصدك ايه؟.. شاهيناز هي اللي عملت فيهم كده؟.. طب ليه؟

اختفت كالعادة، قام الخيال وهو بيتطوح وراح ناحية الباب، وقع مرتين تلاتة على العشب لحد ما وصل للباب ودخل القصر، وهناك طلع على السلم بخطوات تقيلة، ماكنش قادر يوزن نفسه على السلم، مسك في الترابزين وطلع بصعوبة، دخل الأوضة وساعتها لقى مراته نايمة في السرير، قرب منها و هزها، صحيت وهي بتبص له باستغراب...

- عزيز؟!.. في ايه يا عزيز؟ مالك؟

- انتِ لحقتي تنامي امتى؟

- لحقت انام امتى!.. انا نايمة من بالليل يا عزيز وانت لسه مصحيني.

- يعني ايه نايمة من بالليل؟.. انتِ مش لسه كنتِ معايا تحت ومقدمالي القهوة بنفسك بدل الخُدام؟

- معاك تحت فين؟.. وبعدين انت طردت الخدم كلهم من شهر عشان مافيش فلوس تقبضهم بعد ما الخيل كلها ماتت، انت رجعت للشرب تاني يا عزيز؟

- شُرب ايه؟.. انا ماشربتش غير القهوة، صح.. انتِ اللي بتشربيني القهوة دايماً، انا مش بشوفها غير لما بشرب القهوة، انتِ أكيد بتحطيلي حاجة فيها.. عايزة تموتيني يا بنت الكلب.

- ايه اللي انت بتقوله ده، انت باين عليك اتجننت.

- هو انتِ لسه شوفتي جنان، تعالي هنا.

شدها من على السرير وجرها على الأرض، كانت بتصرخ وهي بتطلب منه يسيبها، جرها على السلم ونزل بيها لحد الإسطبل، وهناك قعدها على الكرسي و ربطها كويس ووقف قدامها وقالها...

- عايزة تجننيني انا!.. عايزة تورثي القصر لوحدك؟... باين عليكِ ماتعرفيش مين هو عزيز؟

- انا ماعملتش حاجة، أرجوك فكني يا عزيز.

- نسيت اقولك سنية ماتت ازاي، حاولت تعمل زيك وتخلص مني عشان تورث القصر هي وعشيقها، بس ماتت على نفس الكرسي ده، زي ما انتِ هتموتي كمان شوية.

عيطت بهيستيرية وهي بتصرخ...

- انا مش عايزة حاجة، ولا عملتلك حاجة.

- كلكوا كدابين، كلكلوا عايزين تاخدوا القصر لحسابكوا، بس لا.. انا فايقلكوا كويس.

في اللحظة دي ظهرت قدامه نفس الست، كانت بتضحك بجنون وقالتله وهي بتبرق له...

- اقتلها يا عزيز، اقتل الخاينة دي عشان تنول خلاصك.

- ايوة.. صح.. هي خاينة ولازم تموت.

صرخت والدموع مغرقة وشها وقالتله...

- عزيز فوق يا عزيز انا مراتك حبيبتك.

قالت له الست وهي بتبص لشاهيناز بغضب...

- اوعى تسمع كلامها وخليك فاكر، خلاصك في موتها.

راح عزيز ناحية بوكس من البوكسات اللي كانت فاضية كلها، جاب حديدة كانت مسنودة على الحيطة وقرب منها، صرخت تاني وهي بتترجاه...

- أرجوك يا عزيز بلاش، بلاش يا عزيز.

ضربها بالحديدة على دماغها، فضل يضربها مرة واتنين وتلاتة، الدم كان مغرق قميص النوم اللي كانت لبساه، كان بيضربها وصوت ضحكة الست بيرن في ودانه، لحد ما الصوت اختفى ومابقاش سامع غير صوت أنفاسه السريعة، هِدي وقتها وبطل يضرب فيها، وقع على الأرض، وشه كان مليان عرق فظيع لدرجة إن القش اختلط بالعرق على وشه، بعد ثواني ضحك بهيستيرية، ضحكاته كانت بتعلى بالتدريج، وفي الأخر صرخ وقال...

- انا حر.. انا حر.

ضحك كمان وكمان، بعدها قام وبص على شاهيناز وقالها...

- سامحيني، بس لو ماقتلتكيش هم هيخلوكي تقتليني، زي ماطلبوا من مراد يقتلني، و زي ما قتلوا الخيل بتاعتي، كان لازم تموتي وتضحي زي ما سنية ضحت، دخل بعدها ناحية بوكس من البوكسات، فضل يحفر في الأرض، وبعدها خرج، فك الحبال اللي كانت مربوطة بيها وجرها لحد البوكس و هناك رماها في الحفرة و ردم عليها من تاني، وبعد ما خرج قفل باب البوكس وكتب عليه شاهيناز، وهو خارج بص على بوكس قصاده كان مكتوب عليه سنية.

دخل بعدها القصر وطلع الأوضة اللي كان فيها الكراكيب، فضل يدور على الورق، الورق اللي كتب فيه مراد طريقة الخلاص، خلاصه منهم ومن اللعنة اللي صابت القصر، فضل يدور ويدور لكنه ماقدرش يوصل لحاجة، عدت بعدها شهور.. الخَيال كان بيدور فيها كل يوم على الورق، قلب القصر كله، لكن مافيش أثر للورق، فكر إن عبده ممكن يكون لقى الورق وخده، راح يدور عليه، لكن ماكنش قادر يوصله، في اللي قال إنه سافر بلده، وفي اللي قال إنه بيشتغل في مكان في القاهرة بس ماحدش يعرف هو فين بالظبط، كان خايف يجي اليوم الموعود وساعتها لو ماقدرش يوصل للورق، هيكون عليه الدور زيه زي مراد وسنية وشاهيناز والخيل، لحد ما في يوم الباب خبط، نزل من أوضته وفتح الباب، وساعتها لقى قدامه الحارس، بص له باستغراب وقاله...

- عبده!.. ايه اللي جابك هنا؟

- جيت عشان أنقذك.

- تنقذني!.. تنقذني من ايه؟

- أنقذك منهم، مش هم لعبوا بيك برضه وخلوك تقتل حريمك الاتنين وقبلهم قتلت مراد بيه.

- انت عرفت الكلام ده ازاي؟.. صح، انت اللي خدت الورق، مش كده؟

- ايوة انا، أول مرة لما اديتني الخيل وخدت بقية نصيبك، الأوضة كانت من حقك ساعتها، ولما طلعت عشان افضيها شوفت الورق وقريت اللي فيه، وعرفت إن القصر ده ملعون، عشان كده حاولت أخرج منه بأي شكل، وعرضت عليك وقتها تديني فلوس وكنت عارف انك هتطمع لإن هي دي اللعنة، ولما قولتلي انك هتديني خمسة من الخيل، انا اختارت الخيل اللي مراد بيه كان قايل عليهم في الورق، انت كنت فاكر انهم خيول مريضة، بس الحقيقة إن مراد كان عامل الطلسم اللي يقفل بابهم بالخيل دي، وعشان كده ماكنوش قادرين يوصلوا له واستخدموك عشان تقتله، وانا لما خدتهم ومشيت، الباب اتفتح لهم من تاني، وساعتها خلوك تقتل مراتك، وبعدها خيلك ماتت واحد ورا التاني لما ماقدرتش تقدم القربان في ميعاده، وانت كنت فاكر انك ممكن تعيش حياتك عادي طالما القربان موجود والخيول موجودة، بس هم كانوا عارفين إنه هيجي اليوم اللي هترجع فيه وتقتل من تاني، واديه حصل وقتلت مراتك التانية، وكلها كام يوم والدور هيجي عليك.

شده من جلابيته وقاله بغضب...

- انت لازم تجيب الورق ده والا هقدمك لهم، انت فاهم.

- وبعد ما تقدمني لهم، تفتكر كده الدور مش هيجي عليك تاني؟.. اهدى ونزل ايدك.. انا بقولك جاي أنقذك.

سابه عزيز والشر في عينيه وبعدها قاله...

- هتنقذني ازاي؟.. والورق ده فيه ايه؟

- هنقذك من الموت، ومش هخليهم يقربولك تاني، لكن ده له تمن، والتمن إن القصر ده كله يرجعلي تاني.

- انت اتجننت صح؟.. أكيد اتجننت، بقى انا عملت كل ده عشان القصر مايضيعش مني، وانت عايز تيجي تاخده على الجاهز؟!!

- خلاص.. براحتك.. هستنى لما تموت واجي أخده.

- لا انا مش هموت، ولو موتت، انت هتموت قبلي.

- غلبان يا عزيز، طول عمرك طماع و أناني بس غبي، تفتكر انا هجيلك وانا عارف انك ممكن تموتني من غير ما اكون محضر كويس اللي هعمله معاك؟

- مش هتقدر تعمل حاجة، هم خلاص اتمكنوا من القصر وانت لوحدك، واهي فرصة تبقى القربان الجديد.

ضحك عبده على كلامه، ضحك ضحكة عالية، ضحكة عزيز حافظها كويس، رجع لورا وهو بيبص لعبده بذهول، عبده اللي ملامحه كانت بتتغير ببطء وفجأة عزيز لقى قدامه الست اللي بتظهرله، بطلت ضحك ساعتها وقالتله...

- ايه يا عزيز، عايز تخلص مننا بسهولة كده؟.. بتدور على طريقة تخلص بيها مننا؟

- انا.. انا.. انتِ.

- مالك؟... انت فاكر اننا مانعرفش انت بتعمل ايه بقالك شهور؟.. انسى الورق يا عزيز، انساه وحاول تدور على القربان الجديد أحسنلك، بدل ما تموت، المعاد قرب وموتك أصبح قريب.

- بس انا.. انا مش هقدر أجيب حد تاني، كل اللي اعرفهم ماتوا، مابقاش فاضل غيري انا.

- شاهيناز ماكنتش تعرفها، بس عرفتها وقدمتها لينا، وتقدر تعرف غيرها كتير.

- لا انا مش هقتل حد تاني، مش هقتل تاني.

- يبقى استنى موتك، كلها ايام وبعدها هيجي غيرك ويكمل زي ما جيت انت بعد مراد.

- مش مهم، بس انا مش هقتل تاني.

- هنشوف، بس خليك فاكر، انت ضعيف يا عزيز وبتخاف من الموت.

سابته واختفت، خرج عزيز بسرعة من القصر، خرج في الشارع، كان بيدور على عبده من تاني، لكنه مالقهوش، رجع القصر بيجر رجليه والخيبة باينه على وشه، دخل و رمى نفسه على كرسي من الكراسي، بعدها دخل أوضة المكتب ومسك ورقة وقلم وبدأ يكتب كل اللي حصل معاه من الأول لحد دلوقتي، وفي الوقت ده ظهرله شخص تاني، كان اول مرة يشوفه، وقف قدامه وقاله بهدوء...

- ايه يا عزيز، خلاص بقيت بتقرر من نفسك، عايز تحكي للناس وتقولهم الحقيقة؟ 

- انت مين؟

- كل السنين دي و لسه مش عارف انا مين؟!

- انا أول مرة أشوفك.

- ده صحيح، دي اول مرة تشوفني، يمكن عشان لما بظهر انت مش بتكون موجود، بس دي مش أول مرة تسمعني، انا قولتلك قبل كده، انا وانت واحد وكمان الست اللي بتظهرلك... انت وهي واحد.

- يعني ايه؟

- يعني سيبك من الهبل اللي بتكتبه ده، انت أضعف واحد فينا يا عزيز، الشخص الطيب اللي بيحب مراته وبيحب عبده زميله وكان بيحب مراد.. مراد اللي كان بيخليه يخدمه زي الكلاب، احنا خليناك بني آدم، شوف انت فين دلوقتي، بص حواليك، القصر كله بقى بتاعك.. ملكك لوحدك، ماحدش بيشاركك فيه، لا عبده ولا مراتك ولا اي حد.

- انا مش عايز حاجة، مش عايز اقتل حد، انت ليه بتخليني اعمل كده؟

- انا ماخلتكش تعمل حاجة، انت اللي احتاجتني، انت اللي صنعتني جواك، طلبت نجدتي وانا ساعدتك و وقفت جنبك لحد ما وصلت هنا.

- انا ماطلبتش منك حاجة.

- امممم، شكلك نسيت!.. افكرك، فاكر زمان.. زماااان يا عزيز لما كانوا العيال كلها بيتريقوا عليك وبيعايروك بشغلانة أبوك، طب فاكر أبوك نفسه لما كان بيضربك كل شوية وانت تقعد تعيط في الشارع، مش ساعتها طلبت مني إني أساعدك، وانا حليت لك المشكلة وخليت الكل يبصلك باحترام، هو انت فاكر انك كنت تقدر من غيري تضرب العيال دي وتاخد حقك بدراعك، ولا فاكر انك كنت تقدر تزعق في وش أبوك وتوقفله من غيري.

- انا ماعملتش كل اللي بتقوله ده.

- ده صحيح، لانك ماكنتش بتفوق غير بعد ما بخلص، ولما جيت هنا ولقيت مراد بيعاملك وحش، قررت أساعدك، خلصت عليه، وبعدها لما حسيت إن عبده بيحاول ياخد حق مش حقه، خدت كل اللي حيلته واديتهولك، انا دايماً كنت خط دفاعك وانت من غيري ضعيف وكل الناس هتدوس عليك.

- انت شيطان.

- فعلاً، انا شيطان، والناس مابتحبش الشيطان لكن بتخاف منه.

- لا، لا، انت بتقول كده عشان تبرر تصرفاتك، بدليل إن مراد كتب لي نص القصر قبل ما يموت، وحتى مراتاتي الاتنين كانوا بيحبوني.

- ها!.. مش بقولك غلبان، مراد كتب لك القصر عشان كان عارف إنه كده كده ميت، يعني مش حباً فيك، بالعكس، ده قال إنه لما يسكن فيه حد من الناس اللي يعرفهم، أحسن ما يروح لواحد من الكبار اللي كان بيكرهم، أما مراتاتك فماكنوش بيحبوك، بدليل إن سنية كانت بتخونك مع واحد من اصحابك، انت نسيت انت قتلتها ليه؟.. أما شاهيناز فكانت بتستغل طيبتك عشان تحافظ على مستواها الإجتماعي بعد ما عيلتها خسرت كل فلوسها وكانت هتعلن إفلاسها، لولا العبيط المنقذ خادم الإسطبل اللي عمرها ما كانت هتوافق عليه لو ظروف عيلتها كانت كويسة.

- الكلام ده مش حقيقي.

زعق فيه الشخص ده وقاله...

- لا حقيقي، وانت عارف إنه حقيقي، انا مبظهرش غير لما انت تفكر وتتأكد وتبدأ تعيط، ساعتها بس بظهر وأنقذك، وطالما انا ظهرت في كل اللي فات، يبقى انت عارف إن كل ده حقيقى.

- حتى لو كلامك صح، كان ممكن أطلقهم، لكن عمري ما كنت هقتلهم.

- ده اختياري انا بقى، ياريت ماتدخلش في شغلي، انت بتعمل اللي عليك وتلجألي، وانا بعمل اللي عليا وبنقذك.

- وانا مش محتاج مساعدتك تاني، سيبني في حالي.

- مش بمزاجك يا عزيز، انت تقدر تطلبني لكن ماتقدرش تمشيني.

- يعني ايه؟

- يعني انا معاك لحد ما تموت، ولو حاولت تعمل اللي بتعمله ده تاني وتهرب، هجننك، وهخليك تتمنى الموت وماتطولوش.

- بس انا هكتب كل اللي حصل وهعرف الناس حقيقتك وحقيقتهم، لازم يعرفوا إن القصر ده ملعون.

- القصر مش ملعون، القصر جوة دماغك يا عزيز.

مسك عزيز القلم وبدأ يكتب، قرب منه الشخص ده وبدأ يشد القلم منه، عزيز كان مصمم انه يكمل كتابة، فضلوا الاتنين يقاوموا في بعض لحد ما الشخص ضرب عزيز وأغم عليه.

تاني يوم فاق عزيز لقى نفسه مرمي على المكتب، ولقى الورق اللي كتبه كله متقطع، ومكتوب على ورقة كبيرة قدامه "عزيز المغفل" قام بسرعة وخرج من القصر، بعد ساعة من المشي كان واقف قدام مستشفي من مستشفيات الأمراض النفسية، فضل واقف قدام البوابة كتير وبعدها قرر يدخل، بس وهو بيعدي الطريق ظهرتله الست، بصت على يافطة المستشفى وقالتله بسخرية...

- عايز الناس تقول عزيز بيه اتجنن ودخل مستشفى المجانين؟.. ارجع لعقلك يا عزيز و روح القصر.

- اللي انا بعمله ده هو عين العقل، انا ماينفعش اعيش بيكوا طول العمر.

- قدرك يا عزيز، ماحدش هيقدر يمشينا وهنفضل معاك دايماً.

- لا انا مش هعيش بيكوا، مش هعيش بيكوا.

عدى الطريق ودخل بوابة المستشفى وطلب من البواب يقابل دكتور مختص، وهناك قعد مع الدكتور وحكاله كل حاجة، الدكتور ماكنش مصدق اللي عزيز بيقوله، لكن بدأ يصدق لما فجأة اتكلم بصوت حد تاني وقاله...

- انا قولتله إن ماحدش هيصدقه لكنه غبي، فاكر إنكوا هتاخدوه بالأحضان لما يعترف بكل حاجة.

ساعتها الدكتور سأله...

- انت مين؟

- انا رائد، صديق شخصي لعزيز، تقدر تقول الصديق المقرب له.

- صديق شخصي ازاي؟

- انا اتعرفت على عزيز من يجي تلاتين سنة وأكتر، كنت ساعتها عايش في دولة أوروبية، بس للأسف هو استدعاني وطلب مني أفضل جنبه، و أدي اخرتها، جاي يسلمنا ليكوا ويحبسنا في مكان زي ده، انا اللي كنت سفاح البلد كلها بتعمله حساب، اتحبس الحبسة دي عشان واحد غبي وضعيف زيه.

بعد فترة من الكلام بين رائد والدكتور ظهرت شخصية تانية، واتكلمت على انها بديعة، عندها خمسة وعشرين سنة من تونس، الدكتور قال إنها كلمته باللهجة التونسية، وكمان قال إنها بتكره عزيز لكن بتحب رائد جداً ومش ممكن تستغنى عنه، التقرير كمان أثبت وجود شخصيات كتير جوة عزيز.. شخصيات هو نفسه ماكنش يعرف عنها حاجة، تم استقبال عزيز وتشخيص حالته على إنها شيزوفرينيا، طلب من الدكتور ورقة وقلم عشان يكتب كل اللي مر بيه، ولما بدأ عزيز العلاج كتب في مرة...

"أديني حكيتلكوا كل اللي حصل معايا، بس في حاجة نسيت أقولها، من ساعة ما بدأت العلاج وهم بيحاولوا يخلوني انتحر، بيقولوا انهم يا يعيشوا معايا يا نموت كلنا، بس انا عارف إني هقدر اتغلب عليهم بإذن الله، و دلوقتي اقدر اقولكوا على المكان المليان بالأشباح والعفاريت، المكان ده يبقى عقلي.. ايوه عقلي، كل اللي مضايقني هو شعوري بالندم على الناس اللي أذيتهم وماكنش لهم أي ذنب غير إنهم قابلوني في حياتهم وظهرلهم الأشخاص السيئة اللي عايشة معايا.. ساعدوني وادعولي أخف واخرج من هنا"

****** 

للأسف عزيز مات بعدها بحوالي خمس سنين، حالة عزيز وقتها اتشخصت بإنها شيزوفرينيا، لكن مع زيادة الحالات وظهور أعراض مختلفة عند بعض المرضى، بدأ يثار جدل طبي وشكوك حوالين اختلاف المرض عند الأشخاص دول، لحد ما أُثبت في عام 1967 إن المرض ده عن طريق الطبيبين... هيرفي كليكلي وكوربت سيجبن...

اللي كتبوا كتاب (وجوه حوا الثلاثة)... واللي حقق أعلى مبيعات وقتها، بدأ ساعتها الإهتمام بتشخيص إضطراب الهوية التفارقي، واللي كشف عن وجود حالات كتير جداً اتشخصت غلط على إنها شيزوفرينيا، لكن تم تشخيصها وقتها باسم العُصاب الهيستيري، وبالمناسبة، المرض ده أصاب لحد دلوقتي أكتر من 11 مليون شخص حول العالم، وللأسف مالوش علاج، كل اللي بيقدر يقدمه المعالج النفسي هو مساعدة المريض في السيطرة على الشخصيات اللي جواه، وده عن طريق تدريبات نفسية وجسدية معينة، وفي حالات كتير تعايشت مع المرض واتجوزت وخلفت وعاشت حياتها بمنتهى الهدوء، وفي حالات تانية.. للأسف ماعرفتش... بالظبط زي عزيز.

تمت بحمدالله


بقلم الكاتب: شادي إسماعيل


التنقل السريع