
بقلم الكاتبة: ليزا زغلول
مش دايما ممكن تشوف الحقيقة بعينك، أوقات بتبقي قدامك بس أنت في حاجة عمياك، الحكاية كلها بدأت برهان على اللي يدخل دوار العمدة ويشاور للباقي من شباك الأوضة اللي فوق، مع العلم ان بيت العمدة ده أصلا بيقولوا عنه انه مهجور من سنيييين وكل اهل البلد عارفين كده..
الرهان ده كان على الووكمان بتاعي، اللي هيدخل الدوار ويشاور من الشباك هياخده...
*******
أنا طول عمري بكره بلد أبويا لأنها أرياف، ناس الجو بتاعها قديم وكل حاجة فيها ماشية بحكم الكبار، يعني عندك جدي، أوقات كتيرة كان بيمنعني زمان ألعب مع العيال قدام البيت لما أنزل البلد في الاجازة، ويحكم علينا ننام بدري ومانلعبش كورة، كان الوضع كله غريب بالنسبالي، لحد ما كبرت شوية ودخلت ثانوي ومن وقتها مابقتش اسمع كلام حد خالص، بقول حاضر ونعم وارمي الكلام ورا ضهري وأمشي أموري، قبل العيد بكام يوم نزلنا البلد وأول ما وصلنا البلد لفت انتباهي العيال اللي كانوا بيلعبوا كورة وهما حافيين، عشان كده لما وصلت بيت جدي حطيت شنطتي في الاوضة وقولت لبابا هعمل مكالمة بره لأن الشبكة ضايعة هنا, وخدت نفسي واتسحبت بشويش وروحت للعيال اللي بتلعب وطلبت منهم يلعبزني معاهم وهما وافقوا عشان عارفين جدي، وفي شوطة جامدة شويتين مني الكورة عدت السور بتاع دوار العمدة ودخلت جوه، بصوا لبعض وبدأو يلموا حاجتهم ويلبسوا الشباشب بتاعتهم عشان يمشوا فوقفتهم وقولتلهم...
- انتوا رايحين علي فين كده اللعب لسه ماخلصش؟
رد عليا واحد فيهم وقالي...
- ما خلاص الكورة دخلت دوار العمدة عليه العوض بقي.
- وايه يعني ما نستأذن ونجيبها ، لو خايفين من صاحب البيت أدخل أنا.
- ما انت غريب بردو ومش عايش في وسطنا ، دوار العمده ده مهجور من سنين.
- لا انتوا اكيد غلطانين انا كنت هنا في الأجازة اللي فاتت وشوفت بنت صغيرة طالعة من البيت ده، ساعدتني لما سألتها علي دكانه حمادة، ولما حبيت أعرف هي بنت مين قالتلي...
- انت مش من البلد، لو منها كنت عرفتني علي طول لأن كل أهل لبلد عارفين بنت العمدة، عمتا انا صفية بنت العمدة.
- يعني انت متأكد انك كلمت صفية بنت العمدة ولا بنت صغيرة وكانت بتشتغلك؟
- ايوه هي قالت انها صفية بنت العمدة, هو أنا هكدب ليه عليكم.
- بص الدوار ده كل اللي فيه ماتوا محروقين من قبل ما انا وانت والعيال دي كلها تتولد، فمستحيل نصدقك.
- خلاص ندخل البيت ونشوف صفية جوه ولا انا بكدب واهو بالمرة نجيب الكورة.
هما كانوا خمسة وانا السادس الأغلب ماوفقوش بس اتحمسوا لما قولت...
- اللي هيدخل البيت ويوصل لاوضة صفية ويشاور منها هياخد الووكمن بتاعي.
وافقوا كلهم لأن الووكمان كان اختراع بالنسبة ليهم واتفقنا نتقابل في نفس المكان بس بالليل الساعة تسعة ونص كده يكون الناس نامت والدكاكين قفلت ومابقاش في حد في الشارع، رجعت بعدها بيت جدي وقعدت معاهم بس كان كطل تفطيري في اللي هيحصل بالليل ، كنت خيف جدي يفضل سهران في البراندة اللي في المدخل ساعتها مش هعرف اخرج, فضلت قاعد في البراندا لحد الساعة ما بقت تسعة ورع وبعدها دخلت خدت الووكمان وشيلت موبايلي من علي الشاحن واتسحبت عشان أخرج، بس أختي الله يسامحها خضتني وانا خارج وفضلت تقرر فيا، لحد ما كدبت عليها عشان اخلص من زنها وقولتلها اني رايح ألعب كورة، فضحكت وقالتلي ما تتأخرش وحاول ماتبهدلش نفسك.
*******
وصلت عند دوار العمدة ، الشارع كان فاضي خالص مافيهوش بني ادم ، فضلت قاعد مستنيهم لحد الساعة ما بقت عشرة ، ماحدش منهم جه ، لفيت عشان أرجع البيت بس فجأة في ايد اتجطت علي كتفي ، ساعتها الدم اتجمد في عروقي وحسيت اني مش قادر اتنفس ولا اتحرك لحد ما سمعت اللي ورايا بيقول...
- هما أكيد جايين ، ماتمشيش.
لفيت بسرعة لقيته ولد من اللي كانوا بيلعبوا كورة معانا الصبح ، اتنهدت براحة وقولت..
- الحمد لله , فكرتك حد يعرف جدي.
- لا أنا أحمد ابن الشيخ ناصر.
- وأنا يوسف ، وجدي يبقي الحاج محمد.
- عارف جدك وعمك كمان .
- هما هيتأخروا ؟
- لا خالص هما جايين علي اول الشارع .
وقفت ادردش معاه شوية وبعد كام دقيقة كنا واقفين احنا الستة قدام دوار العمدة بصلي واحد فيهم اسمه نعمان وقال...
- جاهز يا يوسف ولا قلبك خفيف ؟
نظراتهم ليا كانت قمة في الاستهتار والاستفزاز فرديت عليه بتحدي واصرار وقولتله...
- جاهز طبعا ، يلا بيبنا ندخل .
- لا احنا هنتقسم فريقين، فريق معاك وفريق معايا.
- ماشي موافق .
كلهم راحوا مع نعمان في فريقه ما عدا أحمد هو اللي اختار يبقي معايا.
وقف نعمان بغرور وقالي...
- انا وفريقي هندخلوا الاول ولما نشاورولكم ونطلعوا من الدوار تدخلوا انتوا ونشوف مين اللي هيكسب الرهان.
وافقت أنا وأحمد، ودخل نعمان واللي معاه دوار العمده ، كان شكل الدوار بالليل يخوف، بوابة حديد كبيرة ومصدية، شجر كتير ميت وناشف في الجنينة اللي حواليه والبيت نفسه كان من دورين وشكله قديم أوي ، وقفنا قصاد الدوار من الناحية التانية عشان لو حد عدي ما يشكش في حاجة، عدي بالظبط علي دخولهم 7 دقايق ، الدنيا كانت ليل والجو هادي ، مافيش غير صوت البوم هو اللي كان عالي ، بس فجأة سمعنا صوت صرخة جاية من جوة، حسيت ان الارض بتلف بيا ، بصيت لأحمد بخوف ، كان هو كمان واقف بيترعش وعينه متثبته علي الدوار مابترفش ، بلع ريقه من غير ما يبصلي وقالي...
- قولي ان دي تهيؤات الله يباركلك يا يوسف.
وقبل ما أنطق سمعنا صرخة تانية جاية من جوه، كانت أقوي من الاولانية , بصينا لبعض بخوف وفزع ماكناش عارفين نتصرفوا ، قولت لأحمد ...
- تعالي ندخل نشوف في ايه اللي حصلهم جوه؟
- لا طبعا ، ده أكيد نعمان بيعمل كده عشان يجرنا لجوه ويعمل فينا مقلب من مقالبه اللي زي السم.
- ممكن يكون حد فيهم جراله حاجة ومحتاج مساعدة.
- أنا مش هدخل البيت ده لو علي جثتي ، مش هسلم رقبتي لنعمان ابدا، ولو علي الرهان فأنا براه يا يوسف .
واداني ضهره ومشي كام خطوة ، جريت وراه ووقفته وفضلت اتحايل عليه عشان يدخل معايا جوه ، بس هو دماغه كانت ناشفه وصمم يروح بيته وقالي وهو ماشي ...
- روح يا يوسف نعمان ده زي القط بسب أرواح ، وأكيد بيخططلك في حاجة عشان يأذيك روح وماتنولوش مراده بدل ما جدك يعرف باللي حصل ويحبسك في البيت.
- وانت ايه اللي مأكدلك ان نعمان عاوز يعمل فيا مقلب ؟
- اصراره انه يدخل الاول ، والغريب ان الكل اختاره ما عدا انا .
- بس ممكن يكون حد فيهم جراله حاجة ، خد بالك هما اتأخروا كتير ، ولسه ماحدش فيهم طلع من الشباك ولا خرج من البيت .
- وده في حد ذاته يأكدلك كلامي ، بلاش تدخل دوار العمده وروح بيت جدك وانسي اللي حصل ونام يا ابن الحلال.
سابني واقف لوحدي ومشي ، بصيت علي الدوار وغمضت عينيا وافتكرت نبرة نعمان وهو بيتحداني ولفيت وشي ومشيت في طريقي لحد ما وصلت لبيت جدي، أول ما دخلت من البيت وقبل ما أوصل أوضتي في ايد اتمدت وشدتني، بصيت ورايا لقيتها أختي فعدلت هدومي اللي كانت بتشدني منها وقولتلها...
- خير مالك ؟ ايه اللي مصحيكي لحد دلوقتي؟
- كنت محتاجة اطمن انك بخير قبل ما انام .
- أنا كويس قدامك اهو.
- قضي اليومين اللي بنجيهم هنا البلد علي خير يا يوسف .
- هو أنا عملت حاجة ، ده انا كنت بلعب كورة .
- تلعب كورة تعلب الأولي ماليش فيه ، المهم عندي تاخد بالك من نفسك وماتعملش مشاكل ، انت عارف جدك ..
قاطعتها عشان أنا حافظ الاسطوانة دي وقولتلها ...
- أنا عاوز أنام تصبحي علي خير.
سيبتها واقفة مصدومة من اسلوبي ودخلت الاوضة وأنا مش عارف اتخطي صدمة الصريخ اللي سمعته في دوار العمدة ، انا متأكد ان اللي كان بيصرخ ده هو نعمان نفسه .
بدلت هدومي ودخلت علي السرير ، شديت عليا الغطا وأول ما غمضت عينيا سمعت صوت نفس جنبي ، فتحت بفزع وقومت بصيت حواليا واستعذب بالله من الشيطان الرجيم ، مالقتش حاجة فمددت تاني بس المرة دي لما غمضت عينيا كانت الدنيا ضلمة وشايف قدامي وش نعمان ، الي كان مغمض عينيه وفجأة لما فتحها اتفزعت، عيني من جوه ماكنتش موجودة، كأن حد خدها , كانت فاضية وبينزل منا دم ، صحيت وانا حاسس ان قلبي مقبوض ، بقيت مقتنع ان نعمان جراله حاجة مش كويسة، وفضلت طول الليل رايح جاي في الاوضة مش عارف انام ولا اهددي لحد لساعة ما بقت 8 الصبح واتأكدت ان جدي وابويا مشوا من البيت، خدت نفسي وروحت المطبخ لأمي ومرات عمي وعرفتهم اني هنام, وطلبت منهم ان ماحدش يصحيني، وبعدها رجعت أوضتي وقفلت باب الاوضة عليا من جوه، وفتحت شباك الاوضة ونطيت منه وبعدها قفلته بورقه عشان لما ارجع اعرف ادخل منه تاني من غير ما حد يحس ، روحت وقفت عند دوار العمده تاني ، الدنيا كانت هادية والناس رايحة جاية والعيال بتلعب في الشارع كأن مافيش حاجة، انا مش هعرف ادخل الدوار لوحدي ، قررت اروح لأحمد واطلب منه يساعدني وفعلا عد ما سألت عليه الناس وصفولي بيته ولما روحت كان قاعد قدام البيت اول ما شافي جاي عليه قام وقف ونفض هدومه من الترب وقابلني كأنه مايعرفنيش بس لما عدي من جنبي همسلي بصوت واطي وقالي...
- تعالي ورايا من غير ما حد يحس بيك.
مشيت وراه لحد ما وصلنا لمكان قريب من الاراضي وقف وبصلي فجأة وقالي...
- ايه يا يوسف جاي لحد بيتي ليه؟
- نعمان في خطر .
- انت اللي في خطر مش نعمان.
- أنا ؟ طيب ازاي ؟
- جدك لو عرف باللي بتعمله في البلد دي مش هيخليك تيجي هنا تاني.
- عشان كده مارضتشش تكلمني قدام بيتك وجيبتني هنا؟
- احنا ناس غلابة وجدك مش هيصدق ان اللي بنا صحوبيه وهيبدأ يقول اني عارفك عشان افسدك واناابويا راجل غلبان مالوش في المشاكل.
- طيب ساعدني اطمن علي نعمان عشان احساس الذنب ده يحل عني.
- هتلاقي نعمان دلوقتي في بيته وقاعد قدام التلفزيون كمان انت اللي مزودها حبتين.
- طيب نتأكد بس عشان خاطري.
- ماشي خليك هنا وانا هروح اشوفه في بيتهم وارجعلك.
مشي وسابني واقف ، كنت حاسس ان الدقايق اللي عدت عليا دي زي السنين لحد ما لمحته جاي من بعيد وقف قدامي وحط وشه في الارض وقالي بتهتهه...
- امه بتقول انه طلع بالليل عشان يسهر مع صحابه بس مارجعش.
- قلبي كان حاسس ، طيب هنعمل ايه دلوقتي ؟ هندخل الدوار نشوفه جراله ايه؟
- لا هشوف بقية العيال اللي كانوا معاه ، هلف عليهم كلهم واشوفهم في بيوتهم ولا لا وانت ادعي ربنا يجيب العواقب سليمة.
- يا رب يا أحمد ، انا قلبي اصلا مش مرتاح من ليلة امبارح.
- أكيد ربك كاتب خير ماتقلقش ، هتستناني فين؟
- هنا تحت الصفصافة ، مش هتحرك الا لما ترجع وتطمني .
- ماشي . خلاص علي البركة يا يوسف.
سابني ومشي ، قعدت تحت شجرة الصفصاف في الضل ، الوقت كان بيعدي ببطء وكأن عقارب الساعة هي كمان جاية عليا، الضهرأذن وأحمد لسه مارجعش وأنا بدأت أزهق وأخاف ، لمحته جاي من بعيد وأول ما قرب مني وقفت بس هو شاورلي افضل قاعد مكاني ، وجه قعد جنبي ، كان باين انه متوتر وجسمه بيتعش ، بصيتله باستغراب وقولتله...
- في ايه طمني؟
- مش خير ، ماحدش منهم روح بيته ، اهلهم بيقولوا انهم خرجوا من امبارح بالليل وماحدش فيهم رجع لحد دلوقتي.
- مش قولتلك امبارح حصل حاجة, وأنت فكرت نعمان بيعمل فيا مقلب!
- اهو اللي حصل بقي ، هنعمل ايه دلوقتي؟
- أنا ماقدرش اروح لجدي ولا أحكيله حاجة من اللي حصل امبارح.
- أكيد مش هنعمل كده.
- أومال هنعمل ايه؟
- هنستني لحد الدنيا ما تليل أكيد وبعدين ندخل نشوف ايه اللي حصل؟
- وليه بالليل يعني ، ليه ماندخلش دلوقتي؟
- عشان ماحدش يشوفنا ويروح يقول .
- خلاص ماشي ، هستناك بالليل في نفس معاد امبارح.
- تمام .
قومت من تحت الصفصافة وسيبته ومشيت ورجعت بيت جدي ، فتحت الشباك ونطيت منه ودخلت الأوضة، قعدت علي الأرض ، صوت الصريخ اللي سمعته امبارح خارج من الدوار كان بيتكرر في ودني ، وسديت وداني بايديا وفضلت أقاوم الصوت ، بس فجأة حسيت اني دايخ والدنيا بتلف بيا ، ماحستش بنفسي غير وأختي بتهزني من كتفي وبتقولي...
- انت ايه اللي منيمك كده يا يوسف؟
ماكنتش حاسس بالدنيا, حاولت اجمع اللي حصلي وبصيت حواليا لقيتني نايم علي الارض تحت الشباك، غمضت عيني وبلعت ريقي بصعوبة وقولتلها... - ماعرفش ، أنا بس حسيت بدوخة والدنيا ضلمت في وشي .
- طيب قوم هعملك حاجة تاكلها .
سندتني لحد ما قومت وقعدتني علي السرير وطبطبت عليا وقالتلي...
- ارتاح يا يوسف.
- حاضر .
سابتني وخرجت من الاوضة ، بصيت حواليا وسحبت الموبايل من علي الكوميدينو عشان اشوف الساعة كام، كنا داخلين علي المغرب، أختي حضرت الأكل وجت ندهت عليا قعدت كلت في المطبخ وطلبت منها تعملي كوباية شاي علي ما شربتها وخرجت قعدت في البراندا كان جدي وبابا راجعين ، جدي بصلي وقالي...
- قاعد بره البيت كده ليه يا يوسف؟
- مافيش شويه وهنزل اتمشي في البلد .
- تتمشي في البلد فين هو انت تعرف مكان فيها ؟
- همشي يا جدي شوية ومش هتأخر.
بابا قاله...
- ماعلش يا جج سيبه يفك عن نفسه شوية ، هما مش متعودين علي حبسة البيت كده في القاهرة .
- ماشي خلاص بس مايتأخرش.
هزيت راسي وسكت, وأبويا معدي من جنبي طبطب علي كتفي ودخل ورا جدي, أول ما العشا أذنت ، دخلت خدت موبايلي وخرجت من البيت، وقفت مستني أحمد قدام دار العمدة ، ولحسن الحظ انه متأخرش عليا ، فضلنا واقفين نتكلم لحد الشارع ما الرجل خفت فيه وبعدها دخلنا الدوار، الباب بتاعه كان خشب وقفله بايظ ، اي حد يزقه هيتفتح هيتفتح معاه, الدنيا كانت ضلمة جوه ، لما حاولت افتح نور كشاف الموبايل أحمد منعني وقالي...
- لو حد معدي وشاف النور هننكشف ، خلينا في الضلمة أحسن.
- طيب واحنا هنشوف في الضلمة ازاي ؟
- مش عارف يا يوسف.
- طيب اشفل نوةر الخلفية اهو أي نور نشوف عليه وهيبقي ضعيف ماحدش هيلمحه بره.
- ماشي شغل موبايلك.
الدنيا كانت هادية خالص والبيت في حالة سكون فظيعة ، ما عدا ريح الحريقة اللي كانت مالية المكان ، بصيت لأحمد وقولتله ...
- هو المكان ده اتحرق قريب؟
- لا من سنين بس رية الحريق لسه فيه، أصلها لعنة.
- لعنة ايه؟ انا مش فاهم؟
- فاكر البت اللي انت قولت انك شوفتها .
- صفية؟
- اه صفية بنت العمدة ، بيقولوا انها اتلبست وهي صغيرة وولعت في البيت كله.
- طيب وهي هتتلبس ليه ؟ دي طفلة!
- أذي ابوها عمله في واحد وعيلته واتردله في بنته ، ومن يوم الحريقة ماحدش دخل البيت ده خالص.
- تفتكر الارواح اللي فيه هي اللي أذت نعمان واللي معاه.
- ماعرفش أدينا جينا وهنشوف.
الدور الاول كان كله أوض ابوابها مفتوحه ، ومطبخ وحمام حيطانه كلها كانت سوده , دخلنا المطبخ ، كان في حلل قديمة محطوطه علي البتوجاز وبرطمانات علي الترابيزة ،وهيكل عظمي لواحدة ست قاعدة علي كرسي ، ما استحملتش المنظر ، حسيت ان شعر جسمي كله وقف ، فـ سيبت احمد واقف في المطبخ وخرجت للصاله ، ماعرفش ليه كانت في حاجة بتشدني للاوض ، صوت بيهمس وبيقول...
- تعالي أنا هنا وصحابك عندي.
دخلت اول اوضة كانت فاضية مافيهاش حد ، مجرد عفش محروق ، وتاني أوضة فس النظام بس كان في علي الارض هيكل عظمي لراجل معاه عصاية حديد في ايده, وتالت أوضة كانت فاضية مافيهاش عفش بس كان فيها هياكل عظمية كتير تقريبا سبعة او تمانية ، كلهم كان في ايديهم كلبشات ، معقولة الناس دي ماتت عل وضعها ده، فضلت الف وادور حوالين نفسي لحد ما اتخبطت في أحمد وحسيت ان قلبي هيخرج من مكانه من الخضة، بصلي باستغراب وقالي...
- مالهمش أثر في الدور ده خالص، تعالي نطلع الدور التاني.
- استني بس قبل ما نطلع انت شايف احنا فين؟
أحمد بص حواليه بذهول وقال...
- ايه كل كمية الجثث اللي في الاوضة دي؟
- مش عارف، تفتكر نبقي زيهم؟
- يلا يا أحمد نشوف بقيت الدوار.
السلالم كان كاسيها التراب وخيوط العنكبوت , ومع ذلك كملنا وطلعنا الدور التاني وبدأنا نفتح الاوض ونشوف اللي فيها ن بس كان في كام اوضة أبوابهم مقفولة, بصيت لأحمد وقولتله...
- تفتكر مفاتيح الابواب دي هتبقي فين؟
- واحنا محتاجين نفتحها ليه ؟ مقفولة يبقي ماحد دخلها يا يوسف.
- ليه هتبقي مقفولة؟
- يوسف احنا مش في مغامرة هنا ، احنا جايين ندور علي نعمان واللي معاه ونمشي بسرعة.
- انت معاك حق ، اسف .
دخلنا الاوضة الاخيرة في الدور التاني كانت غريبة شوية ، هي لجوه مش علي الشارع ، كان فيها نور سهاري ضعيف مش عارفين مين اللي مولعه، والسرير اللي في الاوضة كان عليه دم كتير، بلعت ريقي بالعافية وبصيت لأحمد مالقتهوش جنبي ، ناديت عليه بصوت واطي كذا مرة لكن ماكنش بيرد خالص ، الخوف بدأ يتملك مني ، بصيت حواليا بقلق وتوتر ، كنت حاسس اني مهزوز وخايف، سيبت الاوضة وطلعت عشان اشوفه في الممر وقولت لنفسي يمكن يكون مادخلش الاوضة ولسه بره، بس اكتشفت ان احمد هو كمان اختفي، ماكنتش فاهم ايه اللي بيحصل ومش عارف اخرج من الدوار ده ازاي ؟ انا نسيت الممر اللي كنت داخل منه ، وقفت محتار وخايف ، بقيت بلعن اليوم اللي جيت فيه البلد دي ، انا طول عمري بكرهها من ايام ما كان جدي يقعد يحكيلنا حكايات امنا الغولة وابو شوال وابو رجل مسلوخة, بس ساعتها كرهتها أكتر ، حسيت فجأة ان الجو من حواليا بقي برد أوي ، وسمعت صوت همس ضعيف بيقول...
- كانوا عاملين فيك مقلب بس أنا أنقذتك ، اهرب من هنا، وماترجعش وماتدورش علي حد فيهم ، وماتحكيش اللي حصل ، ولا تفتكره بينك وبين نفسك حتي.
- أنتي مين ؟
- ماقولتلك أنا صفية بنت العمدة .
- ازاي دول بيقولوا انك موتي.
- وهو كل اللي بيموت بيفارق ؟ في ناس لما بتموت روحها بتفضل تحوم في المكان لحد ما تاخد حقها وترتاح .
- لا ل ده كدب هما بيقولوا ان صفية ماتت طفلة وده مش صوت طفلة.
- مش الناس بس اللي بتكبر الارواح كمان بتكبر وبتعجز.
- يعني انتي محبوسة هنا عشان حقك ماجاش .
- تقدر تقول كده.
- طيب أنا ممكن اساعدك ازاي عشان ترتاحي.
- لما تخرج من هنا وترجع بلدك دور علي واحد اسمه سالم وعرفه ان اخته ماغلطتش ومش خاطيه وان صفية مش بنت حرام ، دي من صلب العمده وماكنتش تستاهل حاجة من اللي حصلها هي وأمها وجدها .
- يعني دي مش لعنة عشان ابوكي ظلم ناس وكده؟
- لا ده كلام من ضمن الكلام الكتير اللي بيتقال في البلد .
- هو انتي عرفتي منين اني من القاهرة ؟
- سمعتهم وهما بيتفقوا عليك امبارح بالليل .
- طيب وأحمد جراله حاجة؟
- كان بيكمل عليك الخطة معاهم .
- يعني ايه ؟
- هما دخلوا هنا امبارح وخرجوا من الباب اللي ورا ، وكانوا متفقين لما تيجي انت واحمد يكونوا مستننكم هنا ويأذوك عشان ينتقموا من جدك.
- يعني احمد كان عارف انهم كويسين وكدب عليا؟
- اه ، كان بيلعب بيك.
- انتي ليه بتساعديني ؟
- وانا النار محوطاني كان نفسي الاقي حد يساعدني بس للاسف كنا في عز الليل والبلد كلها نايمة ، هما كانوا ناويين يحبسوك هنا بردو ويولعوا فيك.
- طيب وهما فين ؟ أنت موتيهم؟
- لا حبستهم في اوضة من اللي تحت البيت ولما يحين الاوان هيخرجوا .
- طيب ما هما كده هيقولوا في البلد ان البيت ملعون .
- مش هيفتكروا حاجة من اللي حصلتلهم هنا، حتي لو قابلوك في الشارع مش هيفتكروك ، يلا امشي دي اخر مرة هقولهالك.
ماعرفش انا خرجت من البيت ازي ، بس أل ما لمحت الشارع طلعت اجري ، لحد ما وصلت لبيت جدي ، وطلبت من أبويا اننا نروح وهو وافق وقالي خلاص يومين كده وهنمشي، قضيت اليومين دول في البيت ماكنتش بخرج ، ويوم ما كنا ماشيين ، كنت راكب العربية قدام, جنب بابا ، لمحت معمان عدي من جنبي كأنة فعلا ما يعرفنيش ، أنا بحكي القصة دي لأني لما رجعت القاهرة دورت علي سالم اللي صفية طلبت مني ابرأها هي وامها قدامه بس لحد دلوقتي مالقتوش ومش عارف أوصله.
تمت بحمدالله
بقلم الكاتبة: ليزا زغلول