
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل
- العب ياعتمان.. باصي يابني .. ياعم باصي.
- اهو ياعم.. اهو.
- يخرب بيتك.. انا بقولك باصيلي في رجلي مش باصيلي في السما.
- ما انت عيل زنان يا عمر.. انا كنت هرقص الاتنين دول وبعدين اديك تجيب جون.
- طب اتفضل ياميسي روح هات الكورة.
- لا روح هاتها انت.. انا مش هدخل البيت ده.
- ليه ماله البيت ده؟!
- مالوش ياعم.. بس انا مش هدخله.
- عيل جبان، خلاص هروح اجبها هنا.
مشيت ناحية البيت، وفتحت البوابة بتاعته، كان باين عليها انها ماتفتحتش من سنين، نفضت ايدي من التراب وانا ببص حواليا يمين وشمال بدور على الكرة في الجنينة اللي بين البوابة والبيت، بس ماكنتش موجودة اتقدمت شوية وانا لسه بدور، لحد ما فجأة سمعت صوت خبطت الكرة، رفعت راسي ناحية الصوت وساعتها اكتشفت انه جاي من جوة البيت، مشيت مع الصوت، ووقفت قدام الباب، والغريبة انه كان مفتوح، زقيت الباب سنة بسيطة ومديت راسي بصيت جواه، ماكنتش شايف اي حاجة وده لان المكان كان ضلمة جوة، بس كنت سامع صوت الكرة بتخبط على بلاط، ندهت من مكاني...
- لو سمحت.. لو سمحت الكرة بتاعتنا وقعت عندكوا ممكن تجيبوها.
ماكنش في أي رد، وبصراحة انا كنت خايف أخد أي خطوة جوة البيت، سكت دقيقة وبعدها سمعت صوت الكرة تاني، فعيدت كلامي من جديد...
- لو سمحت انا عايز الكرة عشان...
قبل ما اكمل جملتي لقيت الباب بيتفتح ووقتها رجِعت خطوة لورا، وظهرت قدامي بنت عندها حوالي 8 سنين أو تسع سنين يعني أصغر مني بحوالي اربع سنين تقريبًا، فتحت الباب وبعدين ابتسمت لي وقالت...
- انت عايز الكرة؟
- اه ياريت عشان اصحابي مستنيني بره وعايزين نكمل لعب.
- طب ماتيجي تلعب معانا.
- معاكوا!.. انتوا مين؟
- انا وأختي.
- اختك!.. لا معلش بس عشان لازم اخد الكرة وارجع لاصحابي.
بان على وشها علامات الزعل وكأنها هتعيط، ساعتها قولتلها...
- خلاص.. خلي الكرة معاكوا وانا هرجع اقولهم اني مالقتهاش.. أو اقولك انا هلعب معاكوا شوية وابقى اروحلهم.. بس المشكلة انهم ممكن يجوا ويشوفني وساعتها هيزعلوا مني.
- لا ماتقلقش مش هيجوا.. ماحدش فيهم هيفكر يجي هنا.
- ليه يعني؟!
- عشان ماحدش بيدخل البيت بتاعنا.
في الوقت ده سمعت صوت أختها من جوة وهي بتنده عليها...
- يلا يا هنا عشان نكمل لعب.
لفت وشها الناحية التانية وهي بتقول...
- حاضر يا همس.. هجيب ...
لفت لي بعدها وسألتني...
- انت اسمك ايه؟
- اسمي عُمر.
- هجيب عُمر واجي.. يلا بينا ندخل لهمس.
دخلت من الباب وبعدها لقتها بتقفله وبتمد ايدها ناحيتي وبتقولي...
- يلا بينا.
- ايوة بس الدنيا ضلمة اوي.. انتوا ازاي قاعدين في الضلمة دي؟
- اتعودنا عليها.
اتقدمت خطوات جوة البيت وانا ببص حواليا يمين وشمال، كان في نور بسيط جدًا منور الصالة، لمحت انتريه محطوط على اليمين بس كان عليه ملايات بيضا مليانة تراب وعنكبوت، اما على الشمال كان فيه مكان واسع وفي الوش أوضة مقفولة، الجو العام كان محسسني برعب شديد، بس هي وقتها بصت لي وقالت...
- ماتخافش.
- لا انا مش خايف.
- طب يلا عشان اتأخرنا على همس.
- يلا بينا.
مشيت قدامي وطلعت السلم، مشيت وراها وانا ببص على المكان بنفس الاستغراب، وطلعنا على السلم لحد ما وصلنا الدور التاني، ساعتها لقيت واحدة شبهها جدًا واقفة وبتلعب بالكرة، بصت لي وابتسمت وهي بتنطط الكرة وقالت لي...
- ازيك يا عمر.. انا همس.
- ازيك يا همس.
بصيت على الكرة تاني وساعتها قولت لهنا...
- الكرة دي مش بتاعتنا.
- لا هي دي الكرة اللي معانا.
- طب خلاص خليها معاكوا وانا هنزل ادور على الكرة بتاعتنا وارجع لاصحابي.
- لا خليك معانا شوية.. احنا قاعدين لوحدنا ومافيش حد بيجي يزورنا.
- طب وقاعدين لوحدكوا ليه؟ فين باباكوا ومامتكوا؟
- بابا وماما مسافرين من زمان وعشان كده احنا قاعدين لوحدنا.
في اللحظة دي همس رمت الكرة عليا وهي بتضحك وبتقولي...
- يلا عشان نلعب.
لقتني بضحك وبدأت العب معاهم، ولعبنا كتير واندمجت ونسيت اصحابي، وبعد شوية حسيت بالتعب فقعدت على الأرض وسندت ضهري على الحيطة، والبنتين قعدوا قدامي، وفجأة لقيت همس وشها بقى حزين، فسألتها...
- زعلانة ليه؟
ماردتش عليا وساعتها هنا قالت...
- همس زعلانة عشان سعيد وابراهيم مش عايزين يلعبوا معاها.. مع اني قولتلها هم حُرين واللي عايز يلعب معانا واللي مش عايز راحته.. بس هي بتقول انهم مش كويسين عشان مش راضيين يلعبوا معاها.
بصيت لهم باستغراب وسألتهم...
- سعيد وابراهيم مين؟
- سعيد وابراهيم دول اتنين قدنا كده جم من فترة قريبة، بس من ساعتها وهم مش راضيين يتكلموا معانا.
- جم فين؟
- البيت هنا.
- اومال انا ماشوفتهمش ليه؟
- لا هم موجودين بس في الجنينة بره.
- طب انا ممكن اقابلهم؟
- اه ممكن.. تعالى معايا.. بس اوعى تزعل زي همس لو مارضوش يتكلموا معاك.
- لا مش هزعل.
قامت وقفت وانا قومت معاها وبعدين بصيت لهمس وقولتلها...
- تيجي معانا؟
هزت راسها بالنفي وهي بتقول...
- لا انا مش عايزة اكلمهم عشان هم وحشين.
كملت هنا جملت همس وقالت لي...
- سيبها براحتها هي أصلًا بتتقمص بسرعة، يلا بينا احنا.
مشيت معاها ونزلنا تحت، وساعتها مشيت ناحية الباب اللي دخلت منه، لكن لقتها بتقولي...
- انت رايح فين؟
- مش انتِ قولتيلي انهم في الجنينة بره؟
- اه بس من هنا مش قدام البيت.
كانت بتشاور وقتها على باب خلفي ومشيت ناحيته وانا وراها، فتححت الباب عشان اشوف ساعتها جنينة زي اللي قدام الباب بالظبط بس أصغر شوية، قالت لي وقتها...
- هم قاعدين هنا.
- فين؟
- هتلاقيهم في اخر الجنينة جنب الشجرة.
مشيت خطوتين وبعدين لفيت ورايا لقيتها واقفة مكانها فسألتها...
- واقفة ليه؟.. مش هتيجي معايا؟
- لا روح انت وانا هستناك هنا.
- ليه؟.. تعالي معايا.
- لا انا مش بحب اشوفهم اصلًا.
- ليه؟
- لما تروح هتعرف.
حسيت بالخوف من كلامها وكنت هرجع في كلامي، بس الفضول الطفولي خلاني أخد خطوتين لقدام، وبعدين قررت أكمل، كنت كل شوية بلف وابص لهَنَا، لحد ما اختفت من قدامي وده لإن الشجرة في جنب بعيد عن الباب، كنت شايف الاتنين من مكاني قاعدين تحت الشجرة ووشهم في الأرض، اتقدمت ناحيتهم ببطء وحذر، وده من تأثير كلام هنا عنهم، لحد ما وقفت قدامهم وقولت...
- ازيكوا عاملين ايه؟
رفعوا راسهم وبصوا لي ووقتها رجعت لورا من الرعب، وشوشهم كانت مشوهة، وشكلها بشع، اول ما وقعت على الأرض لقيت الاتنين بيضحكوا ضحكة عالية فتريقة عليا، حسيت بالغيظ وساعتها قولتلهم...
- انتوا بتصحكوا على ايه؟
رد واحد فيهم وهو بيضحك...
- شكلك يضحك وانت بتوقع على الأرض.
- انا وقعت عشان.. عشان..
برق لي التاني وهو بيسألني...
- عشان ايه؟
خوفت بعد نظرته المليانة شر اني اقول السبب الحقيقي، فقولتله...
- عشان اتكعبلت.
- اه بحسب في حاجة تانية.
- لا اتكعبلت بس.. هو انا ممكن اسأل سؤال؟
رد عليا الأول وقالي...
- اه ممكن.. سؤال ايه؟
- هو انتوا ليه مش بتلعبوا مع همس وهنا؟
- عشان احنا أكبر منهم، هم لسه عيال صغيرين.
- هو انت اسمك؟
- ابراهيم.
شاورت على التاني وقولتله...
- يبقى انت سعيد.
- ايوة انا سعيد.
- طب.. طب.. انتوا عايشين هنا بقالكوا كتير؟
رد عليا سعيد...
- لا احنا هنا بقالنا فترة صغيرة بس..
قاطعوا ابراهيم وقاله...
- انت بتعمل ايه يا سعيد.. احنا مش اتفقنا مش هنتكلم مع حد خالص.
- ايوة بس هو ممكن يساعدنا.
- هيساعدنا ازاي؟.. ماهو طالما جه هنا يبقى ميت زينا.
- مـ.. مـ.. ميت زيكوا ازاي؟!.. انا مش ميت انا كنت.. كنت.. داخل عشان اخد الـ.. الكرة بتاعتي بس قابلت هَنَا وهمس وهم اللي قالولي انكوا هنا.. هو انتوا.. هو انتوا ميتين؟
رد عليا ابراهيم بحدة...
- اه ميتين وهمس وهَنَا كمان ميتين.
لفيت وشي عشان امشي من المكان، لكن سعيد نده عليا...
- عمر.. عمر.
وقفت مكاني، ودقات قلبي بتعلى، كنت بفكر ارجع ولا اكمل جري، خدت قرار اني هخرج من هنا، لكن أول ما جريت، سعيد نده تاني وقالي...
- انا عايزك تساعدنا ياعمر.. لو كنت عايش زي مابتقول يبقى لازم تساعدنا.
المرة دي وقفت ولفيت وشي ناحيته، ابتسم ابتسامة كان فاكر انها هتطمني لكن في الحقيقة هي زودت رعبي ناحيته، اما ابراهيم فكان بيبص له بعتاب، قربت منه وانا بسأله...
- عايزني اساعدكوا في ايه؟
- ماحدش يعرف اننا هنا.. ولازم تعرف الناس الحقيقة.
- حقيقة ايه؟
اتكلم ابراهيم وقال...
- ياسعيد قولتلك ده ميت زينا، مافيش حد عايش هيقدر يشوفنا.
رديت عليه بعصبية...
- انا مش ميت قولتلك.. وهساعدكوا.
- استنى يا ابراهيم.. جايز يكون مش ميت فعلًا ويقدر يساعدنا.
- اما نشوف.
بدأ سعيد يحكي الحكاية...
- انا وابراهيم اخوات، هو اكبر مني بسنتين، يعني عنده 13 سنة وانا عندي 11 سنة، كنا في يوم بنلعب عند الأرض بتاعتنا، وماكنش فيه غيرنا في المكان، ابويا يومها كان مسافر بيجيب بضاعة للمحل بتاعه، وأمي كانت نايمة، كنا بنلعب استغماية، ابراهيم كان متغمي وانا كنت بدور على مكان استخبى فيه، لما فجأة شوفت حوالي 3 رجالة بيضربوا في واحد، وبعدها حد فيهم طلع مطواة وضرب بيها الراجل ده في بطنه، فضل يبضربه لحد ما مات، وقتها حسيت بابراهيم ورايا وهو بيقول بصوت عالي...
- مسكتك.
لفيت بسرعة عشان اسكته، لكن التلاتة بصولنا وعرفوا اننا شوفناهم، واحد منهم كان صاحب ابويا، برقت لهم انا وابراهيم وهم بيقربوا مننا، رجليا كانت متثبتة في الأرض من الخوف وابراهيم كان فاتح بوئه ومابينطقش، قرب صاحب ابويا مننا وهو بيقول...
- ماتخافوش ياحبيبي.. ماتخافوش.. احنا كنا.. كنا بنلعبوا مع عمو.
رد ابراهيم بغباء...
- بتلعبوا ايه!.. انتوا قتلتوه.
الراجل بص له بعين مليانة شر وقاله...
- لا ماقتلنهوش.. حتى تعالى واتأكد بنفسك انه عايش.
- ايوة لازم اتأكد.
قولتله بارتباك...
- لا يا ابراهيم ماتروحش.. خلاص يا عمو احنا مصدقين انكوا كنتوا بتلعبوا.
مسك ايدي وقالي...
- لا تعالى اتأكد بنفسك عشان تعرف اني مش بضحك عليك.
كنت حاسس برعب شديد، لكن مافيش مهرب، ابراهيم كان قلبه جامد وماشي معاهم من غير خوف، انا بس اللي كنت حاسس الغدر منه،مشينا ناحية الراجل اللي واقع على الأرض وأول ما وصلنا، واحد فيهم كتم نفس ابراهيم وكتفه جريت عليه عشان الحقه، لقيت واحد من الاتنين كتم نفسي انا كمان وشالني من وسطي، بعد دقيقة شوفت ايد ابراهيم بتوقع وعينيه غمضت، وفجأة بدأت انا كمان أحس اني دايخ وبعدها عيني قفلت غصب عني.. لما فتحت عيني لقيت نفسي متكتف وفي حاجة على بوءئ، بصيت جنبي لقيت ابراهيم هو كمان متكتف وفي حاجة محطوطة على بئه لكنه ماكنش لسه فاق، المكان اللي كنا فيه كان زي زريبة أو اسطبل، مشعارف بس هو كان في ريحة وحشة وكان فيه تبن كتير، شوية وسمعت صوت حد بيقرب وبعدها الباب اتفتح، كان حد من الاتنين اللي ماعرفهمش، بص لي وقالي...
- اهلًا.. انت صحيت.
حاولت اتكلم لكن البتاع اللي كانوا حاطينها على بوءي خلت الكلام مايخرجش مني، قرب من ابراهيم وبعدين قومه وشاله على كتفه وراح ناحية الباب، في الوقت ده صرخ وانا بحاول اقوم لكن وقعت على الأرض بسبب الحبل اللي كنت متكتف بيه، لف الراجل وشه وقالي...
- ماتخافش شوية وهاجي اخدك انت كمان عشان تونس أخوك.
اتكلم هنا ابراهيم وقال...
- فوقت وانا على كتف الراجل، ولقيت ايديا الاتنين مربطين وبوئي ملزوق عليه شريط، حاولت انزل لكنه ضغط بايده جامد على وسطي وهو بيقول...
- ما تهمد ياض.. اهمد بدل ما اقتلك.
ضربته على ضهره بايدي جامد وفي اللحظة دي رماني على الأرض، وحسيت ساعتها بوجع جامد في ضهري، بص لي بغيظ وقرب مني وبدأ يضربني برجليه في بطني، لحد ما دخل صاحب ابويا وزعق فيه...
- انت بتعمل ايه يا حمار انت.
حسيت ساعتها انه هيسيبني، لكن سمعت بقيت الحوار ده
- الواد بيضربني وانا شايله.
- طب سيبك من لعب العيال ده، عايزين ننفذ بسرعة قبل ما حد ياخد باله ويبدأوا يدورا عليهم.
- تمام بس هنودي جثثهم فين بعد ما نخلص؟.. اني بقول نرميهم على الطريق وخلاص.
- لا يا حمار، احنا هنتاويهم، وماحدش هيعرف طريقهم نهائي.
- وهنستفيد ايه لما نعمل كده؟
- افهم بقى، عشان مايبقاش في دليل ورانا.. وبكده ماحدش هيعرف ان العيال دي شافونا ولا هيعرف اللي عملناه.
- طب وهنتاويهم فين؟
- في البيت المهجور.
- وه، لا اني مش هروح هناك.
- ماتجمد ياض اومال.. خلص انت بس واني وعباس اللي هنوديهم.
قال كلامه ده وخرج وسابني مع الراجل الغريب، حاولت اصرخ عليه عشان اترجاه لكن صوتي ماكنش بيطلع، بص لي الراجل بغيظ وقالي...
- اديني هريح من الدنيا خالص.. بس قبل ما اريحك لازم اردلك اللي عملته ده واعرفك ازاي تمد ايدك على هنداوي.
خرج مطواة من جيبه وعمل في وشي اللي انت شايف ده، بعدها ضربني بالمطواة في بطني وهو بيبص لي بعيون مليانة غِل، وقالي...
- ابقى سلم على عب-رحيم.
شال المطواة وانا غمضت عيني وماحسيتش بحاجة بعدها.
اول ما ابراهيم خلص، اتكلم سعيد وقال...
- بعد ما قتل ابراهيم، دخل المكان اللي كنت قاعد فيه، بص لي بصة مرعبة وبعدين قالي...
- يلا عشان تحصل أخوك.
الدموع نزلت من عينيا بعد ما اتأكدت من كلمته انه قتل ابراهيم، عيطت بصوت مكتوم، قرب مني عشان يشيلني، بس فجأة بص لي شوية وبعدين قال...
- لاه انا مش هقتلك بره، انت هتموت هنا خلينا نخلصوا.
حد المطواة على وشي وبعدين قال...
- عشان تبقى زي أخوك.
صوت من الالم وهو بيقطع وشي، كتم نفسي بايده وغرز المطواة في بطني، رجعت براسي لورا وبدأت افقد الوعي، ايده فضِلت على بوءي لحد ما غمضت عيني وماحسيتش بحاجة.
سالتهم بعد ما خلصوا...
- ايه اللي حصل بعد كده؟
رد عليا سعيد وهو بيبص على مكان جنب الشجرة...
- بعدها دفنونا هنا.. ومن يومها وماحدش قدر يوصلنا.
- طب وانا المفروض اعمل ايه عشان اساعدكوا؟
- تروح لاهلنا وتقولهم الحقيقة وتعرفهم مكانا.
- انا هساعدكوا وهعرف اهلكوا مكانكوا.
سيبتهم بعدها ومشيت لكن ابراهيم نده عليا...
- عمر.
بصيت ناحيته، وساعتها قالي...
- قولهم إن الدليل هو الخاتم.. هيلاقوه مدفون معانا.
خرجت من البيت بسرعة، ولما خرجت من البوابة مالقتش حد موجود، جريت على البيت وهناك لقيت ابويا قاعد ومستنيني هو وعمي صابر، اول ما دخلت ابويا قام جري عليا وحضني وهو بيسألني...
- ايه اللي دخلك البيت المهجور لوحدك ياعمر؟
- الكرة دخلت جوة وانا دخلت عشان اجيبها.. بس حصلت حاجة غريبة.
- حاجة ايه؟
حكتلهم كل اللي حصل، وبعد ماخلصت لقيت عم صابر بيضحك وبيقولي...
- برافو عليك ياعمر.. حكاية مليحة بصحيح، الفته ازاي دي؟
- انا مألفتش حاجة، سعيد وابراهيم هم اللي حكولي اللي حصل.
- ابراهيم وسعيد مين؟
اتكلم ساعتها عتمان ابن عمي صابر وقاله...
- دول اصحابي يابوي ولاد عمي فهيم، اللي اختفوا من شهور.
بص له بغضب وبعدين قال...
- اه اه، تصدق كنت ناسيهم، طب وهو هيشوفهم ازاي؟
- انا شوفتهم وهي دي الحقيقة.
ابويا طبطب عليا وبعدين قالي...
- خلاص ياحبيبي، اهدى.. دي ممكن تكون تهيؤات.
أكد عمي صابر على كلام ابويا وقاله...
- صح هي تهيؤات.. البيت ده أصله ملعون طول عمره وماحدش بيدخله ويطلع سليم، الحمدلله انه خرج.
- لا مش تهيؤات وانا هروح لعم فهيم ابو سعيد وابراهيم واقولهم.
- تروح فين يا واد، انت غريب عن البلد وماحدش يعرفك، اقعد.
بصيت لابويا بعد اللي قاله عم صابر وقولتله...
- بابا، انا وعدتهم اني هنقذهم وهكشف للناس مين اللي عمل فيهم كده.
رد عليا عم صابر...
- وهتعرف ازاي مين اللي عمل فيهم كده بقى؟
- ابراهيم قالي إن الخاتم بتاع الراجل اللي قتلهم مدفون معاهم.
- هاه، ابراهيم قالك كده؟
- اه قالي كده.
وش عمي صابر اتغير وبقى لونه أصفر، ساعتها ابويا بص له وقاله...
- انا من رأيي نعمل اللي علينا واهو لو كلامه غلط مش هنخسر حاجة لكن لو كلامه صح يبقى ريحنا أب وأم زمان قلبهم متقطع على عيالهم، وكمان هنمسك مجرم هربان من العدالة.
- هاه وماله يا اخويا نبلغ.. مانبلغش ليه؟.. روح انت بلغ وانا هروح اقضي مشوار في السريع كده واجي.
- مش هتيجي معايا؟
- لا انا اصلا الموضوع كله مش داخل نفوخي.
- ماشي.
ابويا خدني من ايدي للنقطة وهناك حكى للظابط كل حاجة، الظابط اللي بص لي باستغراب، وبعدين قال...
- حضرتك مصدق الكلام اللي بيقولوا الولد ده يافندم؟!
- والله حضرتك لو الولد طلع بيتهيأله مش هنخسر حاجة، لكن لو طلع كلامه صحيح يبقى استفادنا كتير.. ولا حضرتك شايف ايه؟
سكت الظابط شوية وبعدين قال...
- والله معاك حق، يلا بينا.
اتحركنا كلنا على البيت وأول ما دخلنا الظابط سألني...
- فين المكان المدفونين فيه؟
- في الجنينة اللي ورا.
مشيت وهم ورايا، وأول ما دخلنا الجنينة اللي ورا لمحت عند الشجرة عمي صابر واقف عند الشجرة، وبيحفر في الأرض، الظابط قرب منه وسأله...
- انت بتعمل ايه عندك؟
- هاه!.. ولا حاجة ياباشا.. اني.. اني.
اتكلم ابويا ساعتها وقاله...
- يبقى الخاتم بتاعك.. عشان كده ماكنتش عايزني اسمع كلام عمر.
- خاتم ايه يا خرفان انت.
طلب الظابط من العساكر انهم يقبضوا عليه، وبعد الحفر عثروا على الجثتين ومعاهم الخاتم واللي فعلًا كان بتاع عمي صابر، اللي اعترف بعد كده على هنداوي وعباس وكمان اعترف على مكان الجثة بتاعت الراجل اللي قتلوه في الاول، وقال انهم قتلوه بسبب خلاف على أمور مادية، وانه ماكنش في نيته يقتل الطفلين لكن حظهم السئ هو اللي خلاهم يكونوا موجودين في الوقت ده، عمي فهيم استلم جثث عياله ودفنهم في المدافن بتاعتهم واهو ارتاح شوية بعد ما عرف مكان عياله وبقى يقدر يزورهم.
قبل ما نمشي من البلد ونرجع القاهرة طلبت من ابويا أزور البيت تاني، دخلت جوة وساعتها لقيت هنا واقفة على السلم مبتسمة، ابتسمت لها وانا بقولها...
- انا هسافر دلوقتي وقولت اجي اسلم عليكِ.
قربت مني وبعدين قالت...
- انا عرفت انك انقذت سعيد وابراهيم.
- اه، هو انتِ هنا ليه صحيح؟
- ده بيتي.. انا اتولدت واتربيت ومُت هنا.
- مُتِ ازاي؟
- بابا وماما كانوا بره وانا وهمس كنا في البيت لوحدنا، وفجأة صحيت على حريق كبير، همس كانت في المطبخ وولعت في حاجة، حاولنا نهرب لكن ماعرفناش، وعلى ما المطافي وصلت كنا متنا.
- طب وباباكِ ومامتك فين؟
- سافروا من زمان.. ماقدروش يستحملوا اننا نظهرلهم.. الموضوع ده عدى عليه أكتر من عشر سنين ومن ساعتها واحنا هنا لوحدنا.
- انا لازم امشي دلوقتي، بس اوعدك اني هاجي ازورك تاني.
- وانا هستناك.
- مع السلامة.
- مع السلامة.
ودي ماكنتش اخر مرة أشوف فيها هَنا، لما كبرت وفيت بوعدي وروحت البيت المهجور وشوفتها وطبعًأ كانت لسه الطفلة الصغيرة، أما انا فعندي دلوقتي 30 سنة.. وبالنسبة لسعيد وابراهيم فماعدوش بيظهروا من يومها ودي كانت حكايتي مع أطفال البيت.
هذه القصة مستوحاة من أحداث حقيقية.
- العب ياعتمان.. باصي يابني .. ياعم باصي.
- اهو ياعم.. اهو.
- يخرب بيتك.. انا بقولك باصيلي في رجلي مش باصيلي في السما.
- ما انت عيل زنان يا عمر.. انا كنت هرقص الاتنين دول وبعدين اديك تجيب جون.
- طب اتفضل ياميسي روح هات الكورة.
- لا روح هاتها انت.. انا مش هدخل البيت ده.
- ليه ماله البيت ده؟!
- مالوش ياعم.. بس انا مش هدخله.
- عيل جبان، خلاص هروح اجبها هنا.
مشيت ناحية البيت، وفتحت البوابة بتاعته، كان باين عليها انها ماتفتحتش من سنين، نفضت ايدي من التراب وانا ببص حواليا يمين وشمال بدور على الكرة في الجنينة اللي بين البوابة والبيت، بس ماكنتش موجودة اتقدمت شوية وانا لسه بدور، لحد ما فجأة سمعت صوت خبطت الكرة، رفعت راسي ناحية الصوت وساعتها اكتشفت انه جاي من جوة البيت، مشيت مع الصوت، ووقفت قدام الباب، والغريبة انه كان مفتوح، زقيت الباب سنة بسيطة ومديت راسي بصيت جواه، ماكنتش شايف اي حاجة وده لان المكان كان ضلمة جوة، بس كنت سامع صوت الكرة بتخبط على بلاط، ندهت من مكاني...
- لو سمحت.. لو سمحت الكرة بتاعتنا وقعت عندكوا ممكن تجيبوها.
ماكنش في أي رد، وبصراحة انا كنت خايف أخد أي خطوة جوة البيت، سكت دقيقة وبعدها سمعت صوت الكرة تاني، فعيدت كلامي من جديد...
- لو سمحت انا عايز الكرة عشان...
قبل ما اكمل جملتي لقيت الباب بيتفتح ووقتها رجِعت خطوة لورا، وظهرت قدامي بنت عندها حوالي 8 سنين أو تسع سنين يعني أصغر مني بحوالي اربع سنين تقريبًا، فتحت الباب وبعدين ابتسمت لي وقالت...
- انت عايز الكرة؟
- اه ياريت عشان اصحابي مستنيني بره وعايزين نكمل لعب.
- طب ماتيجي تلعب معانا.
- معاكوا!.. انتوا مين؟
- انا وأختي.
- اختك!.. لا معلش بس عشان لازم اخد الكرة وارجع لاصحابي.
بان على وشها علامات الزعل وكأنها هتعيط، ساعتها قولتلها...
- خلاص.. خلي الكرة معاكوا وانا هرجع اقولهم اني مالقتهاش.. أو اقولك انا هلعب معاكوا شوية وابقى اروحلهم.. بس المشكلة انهم ممكن يجوا ويشوفني وساعتها هيزعلوا مني.
- لا ماتقلقش مش هيجوا.. ماحدش فيهم هيفكر يجي هنا.
- ليه يعني؟!
- عشان ماحدش بيدخل البيت بتاعنا.
في الوقت ده سمعت صوت أختها من جوة وهي بتنده عليها...
- يلا يا هنا عشان نكمل لعب.
لفت وشها الناحية التانية وهي بتقول...
- حاضر يا همس.. هجيب ...
لفت لي بعدها وسألتني...
- انت اسمك ايه؟
- اسمي عُمر.
- هجيب عُمر واجي.. يلا بينا ندخل لهمس.
دخلت من الباب وبعدها لقتها بتقفله وبتمد ايدها ناحيتي وبتقولي...
- يلا بينا.
- ايوة بس الدنيا ضلمة اوي.. انتوا ازاي قاعدين في الضلمة دي؟
- اتعودنا عليها.
اتقدمت خطوات جوة البيت وانا ببص حواليا يمين وشمال، كان في نور بسيط جدًا منور الصالة، لمحت انتريه محطوط على اليمين بس كان عليه ملايات بيضا مليانة تراب وعنكبوت، اما على الشمال كان فيه مكان واسع وفي الوش أوضة مقفولة، الجو العام كان محسسني برعب شديد، بس هي وقتها بصت لي وقالت...
- ماتخافش.
- لا انا مش خايف.
- طب يلا عشان اتأخرنا على همس.
- يلا بينا.
مشيت قدامي وطلعت السلم، مشيت وراها وانا ببص على المكان بنفس الاستغراب، وطلعنا على السلم لحد ما وصلنا الدور التاني، ساعتها لقيت واحدة شبهها جدًا واقفة وبتلعب بالكرة، بصت لي وابتسمت وهي بتنطط الكرة وقالت لي...
- ازيك يا عمر.. انا همس.
- ازيك يا همس.
بصيت على الكرة تاني وساعتها قولت لهنا...
- الكرة دي مش بتاعتنا.
- لا هي دي الكرة اللي معانا.
- طب خلاص خليها معاكوا وانا هنزل ادور على الكرة بتاعتنا وارجع لاصحابي.
- لا خليك معانا شوية.. احنا قاعدين لوحدنا ومافيش حد بيجي يزورنا.
- طب وقاعدين لوحدكوا ليه؟ فين باباكوا ومامتكوا؟
- بابا وماما مسافرين من زمان وعشان كده احنا قاعدين لوحدنا.
في اللحظة دي همس رمت الكرة عليا وهي بتضحك وبتقولي...
- يلا عشان نلعب.
لقتني بضحك وبدأت العب معاهم، ولعبنا كتير واندمجت ونسيت اصحابي، وبعد شوية حسيت بالتعب فقعدت على الأرض وسندت ضهري على الحيطة، والبنتين قعدوا قدامي، وفجأة لقيت همس وشها بقى حزين، فسألتها...
- زعلانة ليه؟
ماردتش عليا وساعتها هنا قالت...
- همس زعلانة عشان سعيد وابراهيم مش عايزين يلعبوا معاها.. مع اني قولتلها هم حُرين واللي عايز يلعب معانا واللي مش عايز راحته.. بس هي بتقول انهم مش كويسين عشان مش راضيين يلعبوا معاها.
بصيت لهم باستغراب وسألتهم...
- سعيد وابراهيم مين؟
- سعيد وابراهيم دول اتنين قدنا كده جم من فترة قريبة، بس من ساعتها وهم مش راضيين يتكلموا معانا.
- جم فين؟
- البيت هنا.
- اومال انا ماشوفتهمش ليه؟
- لا هم موجودين بس في الجنينة بره.
- طب انا ممكن اقابلهم؟
- اه ممكن.. تعالى معايا.. بس اوعى تزعل زي همس لو مارضوش يتكلموا معاك.
- لا مش هزعل.
قامت وقفت وانا قومت معاها وبعدين بصيت لهمس وقولتلها...
- تيجي معانا؟
هزت راسها بالنفي وهي بتقول...
- لا انا مش عايزة اكلمهم عشان هم وحشين.
كملت هنا جملت همس وقالت لي...
- سيبها براحتها هي أصلًا بتتقمص بسرعة، يلا بينا احنا.
مشيت معاها ونزلنا تحت، وساعتها مشيت ناحية الباب اللي دخلت منه، لكن لقتها بتقولي...
- انت رايح فين؟
- مش انتِ قولتيلي انهم في الجنينة بره؟
- اه بس من هنا مش قدام البيت.
كانت بتشاور وقتها على باب خلفي ومشيت ناحيته وانا وراها، فتححت الباب عشان اشوف ساعتها جنينة زي اللي قدام الباب بالظبط بس أصغر شوية، قالت لي وقتها...
- هم قاعدين هنا.
- فين؟
- هتلاقيهم في اخر الجنينة جنب الشجرة.
مشيت خطوتين وبعدين لفيت ورايا لقيتها واقفة مكانها فسألتها...
- واقفة ليه؟.. مش هتيجي معايا؟
- لا روح انت وانا هستناك هنا.
- ليه؟.. تعالي معايا.
- لا انا مش بحب اشوفهم اصلًا.
- ليه؟
- لما تروح هتعرف.
حسيت بالخوف من كلامها وكنت هرجع في كلامي، بس الفضول الطفولي خلاني أخد خطوتين لقدام، وبعدين قررت أكمل، كنت كل شوية بلف وابص لهَنَا، لحد ما اختفت من قدامي وده لإن الشجرة في جنب بعيد عن الباب، كنت شايف الاتنين من مكاني قاعدين تحت الشجرة ووشهم في الأرض، اتقدمت ناحيتهم ببطء وحذر، وده من تأثير كلام هنا عنهم، لحد ما وقفت قدامهم وقولت...
- ازيكوا عاملين ايه؟
رفعوا راسهم وبصوا لي ووقتها رجعت لورا من الرعب، وشوشهم كانت مشوهة، وشكلها بشع، اول ما وقعت على الأرض لقيت الاتنين بيضحكوا ضحكة عالية فتريقة عليا، حسيت بالغيظ وساعتها قولتلهم...
- انتوا بتصحكوا على ايه؟
رد واحد فيهم وهو بيضحك...
- شكلك يضحك وانت بتوقع على الأرض.
- انا وقعت عشان.. عشان..
برق لي التاني وهو بيسألني...
- عشان ايه؟
خوفت بعد نظرته المليانة شر اني اقول السبب الحقيقي، فقولتله...
- عشان اتكعبلت.
- اه بحسب في حاجة تانية.
- لا اتكعبلت بس.. هو انا ممكن اسأل سؤال؟
رد عليا الأول وقالي...
- اه ممكن.. سؤال ايه؟
- هو انتوا ليه مش بتلعبوا مع همس وهنا؟
- عشان احنا أكبر منهم، هم لسه عيال صغيرين.
- هو انت اسمك؟
- ابراهيم.
شاورت على التاني وقولتله...
- يبقى انت سعيد.
- ايوة انا سعيد.
- طب.. طب.. انتوا عايشين هنا بقالكوا كتير؟
رد عليا سعيد...
- لا احنا هنا بقالنا فترة صغيرة بس..
قاطعوا ابراهيم وقاله...
- انت بتعمل ايه يا سعيد.. احنا مش اتفقنا مش هنتكلم مع حد خالص.
- ايوة بس هو ممكن يساعدنا.
- هيساعدنا ازاي؟.. ماهو طالما جه هنا يبقى ميت زينا.
- مـ.. مـ.. ميت زيكوا ازاي؟!.. انا مش ميت انا كنت.. كنت.. داخل عشان اخد الـ.. الكرة بتاعتي بس قابلت هَنَا وهمس وهم اللي قالولي انكوا هنا.. هو انتوا.. هو انتوا ميتين؟
رد عليا ابراهيم بحدة...
- اه ميتين وهمس وهَنَا كمان ميتين.
لفيت وشي عشان امشي من المكان، لكن سعيد نده عليا...
- عمر.. عمر.
وقفت مكاني، ودقات قلبي بتعلى، كنت بفكر ارجع ولا اكمل جري، خدت قرار اني هخرج من هنا، لكن أول ما جريت، سعيد نده تاني وقالي...
- انا عايزك تساعدنا ياعمر.. لو كنت عايش زي مابتقول يبقى لازم تساعدنا.
المرة دي وقفت ولفيت وشي ناحيته، ابتسم ابتسامة كان فاكر انها هتطمني لكن في الحقيقة هي زودت رعبي ناحيته، اما ابراهيم فكان بيبص له بعتاب، قربت منه وانا بسأله...
- عايزني اساعدكوا في ايه؟
- ماحدش يعرف اننا هنا.. ولازم تعرف الناس الحقيقة.
- حقيقة ايه؟
اتكلم ابراهيم وقال...
- ياسعيد قولتلك ده ميت زينا، مافيش حد عايش هيقدر يشوفنا.
رديت عليه بعصبية...
- انا مش ميت قولتلك.. وهساعدكوا.
- استنى يا ابراهيم.. جايز يكون مش ميت فعلًا ويقدر يساعدنا.
- اما نشوف.
بدأ سعيد يحكي الحكاية...
- انا وابراهيم اخوات، هو اكبر مني بسنتين، يعني عنده 13 سنة وانا عندي 11 سنة، كنا في يوم بنلعب عند الأرض بتاعتنا، وماكنش فيه غيرنا في المكان، ابويا يومها كان مسافر بيجيب بضاعة للمحل بتاعه، وأمي كانت نايمة، كنا بنلعب استغماية، ابراهيم كان متغمي وانا كنت بدور على مكان استخبى فيه، لما فجأة شوفت حوالي 3 رجالة بيضربوا في واحد، وبعدها حد فيهم طلع مطواة وضرب بيها الراجل ده في بطنه، فضل يبضربه لحد ما مات، وقتها حسيت بابراهيم ورايا وهو بيقول بصوت عالي...
- مسكتك.
لفيت بسرعة عشان اسكته، لكن التلاتة بصولنا وعرفوا اننا شوفناهم، واحد منهم كان صاحب ابويا، برقت لهم انا وابراهيم وهم بيقربوا مننا، رجليا كانت متثبتة في الأرض من الخوف وابراهيم كان فاتح بوئه ومابينطقش، قرب صاحب ابويا مننا وهو بيقول...
- ماتخافوش ياحبيبي.. ماتخافوش.. احنا كنا.. كنا بنلعبوا مع عمو.
رد ابراهيم بغباء...
- بتلعبوا ايه!.. انتوا قتلتوه.
الراجل بص له بعين مليانة شر وقاله...
- لا ماقتلنهوش.. حتى تعالى واتأكد بنفسك انه عايش.
- ايوة لازم اتأكد.
قولتله بارتباك...
- لا يا ابراهيم ماتروحش.. خلاص يا عمو احنا مصدقين انكوا كنتوا بتلعبوا.
مسك ايدي وقالي...
- لا تعالى اتأكد بنفسك عشان تعرف اني مش بضحك عليك.
كنت حاسس برعب شديد، لكن مافيش مهرب، ابراهيم كان قلبه جامد وماشي معاهم من غير خوف، انا بس اللي كنت حاسس الغدر منه،مشينا ناحية الراجل اللي واقع على الأرض وأول ما وصلنا، واحد فيهم كتم نفس ابراهيم وكتفه جريت عليه عشان الحقه، لقيت واحد من الاتنين كتم نفسي انا كمان وشالني من وسطي، بعد دقيقة شوفت ايد ابراهيم بتوقع وعينيه غمضت، وفجأة بدأت انا كمان أحس اني دايخ وبعدها عيني قفلت غصب عني.. لما فتحت عيني لقيت نفسي متكتف وفي حاجة على بوءئ، بصيت جنبي لقيت ابراهيم هو كمان متكتف وفي حاجة محطوطة على بئه لكنه ماكنش لسه فاق، المكان اللي كنا فيه كان زي زريبة أو اسطبل، مشعارف بس هو كان في ريحة وحشة وكان فيه تبن كتير، شوية وسمعت صوت حد بيقرب وبعدها الباب اتفتح، كان حد من الاتنين اللي ماعرفهمش، بص لي وقالي...
- اهلًا.. انت صحيت.
حاولت اتكلم لكن البتاع اللي كانوا حاطينها على بوءي خلت الكلام مايخرجش مني، قرب من ابراهيم وبعدين قومه وشاله على كتفه وراح ناحية الباب، في الوقت ده صرخ وانا بحاول اقوم لكن وقعت على الأرض بسبب الحبل اللي كنت متكتف بيه، لف الراجل وشه وقالي...
- ماتخافش شوية وهاجي اخدك انت كمان عشان تونس أخوك.
اتكلم هنا ابراهيم وقال...
- فوقت وانا على كتف الراجل، ولقيت ايديا الاتنين مربطين وبوئي ملزوق عليه شريط، حاولت انزل لكنه ضغط بايده جامد على وسطي وهو بيقول...
- ما تهمد ياض.. اهمد بدل ما اقتلك.
ضربته على ضهره بايدي جامد وفي اللحظة دي رماني على الأرض، وحسيت ساعتها بوجع جامد في ضهري، بص لي بغيظ وقرب مني وبدأ يضربني برجليه في بطني، لحد ما دخل صاحب ابويا وزعق فيه...
- انت بتعمل ايه يا حمار انت.
حسيت ساعتها انه هيسيبني، لكن سمعت بقيت الحوار ده
- الواد بيضربني وانا شايله.
- طب سيبك من لعب العيال ده، عايزين ننفذ بسرعة قبل ما حد ياخد باله ويبدأوا يدورا عليهم.
- تمام بس هنودي جثثهم فين بعد ما نخلص؟.. اني بقول نرميهم على الطريق وخلاص.
- لا يا حمار، احنا هنتاويهم، وماحدش هيعرف طريقهم نهائي.
- وهنستفيد ايه لما نعمل كده؟
- افهم بقى، عشان مايبقاش في دليل ورانا.. وبكده ماحدش هيعرف ان العيال دي شافونا ولا هيعرف اللي عملناه.
- طب وهنتاويهم فين؟
- في البيت المهجور.
- وه، لا اني مش هروح هناك.
- ماتجمد ياض اومال.. خلص انت بس واني وعباس اللي هنوديهم.
قال كلامه ده وخرج وسابني مع الراجل الغريب، حاولت اصرخ عليه عشان اترجاه لكن صوتي ماكنش بيطلع، بص لي الراجل بغيظ وقالي...
- اديني هريح من الدنيا خالص.. بس قبل ما اريحك لازم اردلك اللي عملته ده واعرفك ازاي تمد ايدك على هنداوي.
خرج مطواة من جيبه وعمل في وشي اللي انت شايف ده، بعدها ضربني بالمطواة في بطني وهو بيبص لي بعيون مليانة غِل، وقالي...
- ابقى سلم على عب-رحيم.
شال المطواة وانا غمضت عيني وماحسيتش بحاجة بعدها.
اول ما ابراهيم خلص، اتكلم سعيد وقال...
- بعد ما قتل ابراهيم، دخل المكان اللي كنت قاعد فيه، بص لي بصة مرعبة وبعدين قالي...
- يلا عشان تحصل أخوك.
الدموع نزلت من عينيا بعد ما اتأكدت من كلمته انه قتل ابراهيم، عيطت بصوت مكتوم، قرب مني عشان يشيلني، بس فجأة بص لي شوية وبعدين قال...
- لاه انا مش هقتلك بره، انت هتموت هنا خلينا نخلصوا.
حد المطواة على وشي وبعدين قال...
- عشان تبقى زي أخوك.
صوت من الالم وهو بيقطع وشي، كتم نفسي بايده وغرز المطواة في بطني، رجعت براسي لورا وبدأت افقد الوعي، ايده فضِلت على بوءي لحد ما غمضت عيني وماحسيتش بحاجة.
سالتهم بعد ما خلصوا...
- ايه اللي حصل بعد كده؟
رد عليا سعيد وهو بيبص على مكان جنب الشجرة...
- بعدها دفنونا هنا.. ومن يومها وماحدش قدر يوصلنا.
- طب وانا المفروض اعمل ايه عشان اساعدكوا؟
- تروح لاهلنا وتقولهم الحقيقة وتعرفهم مكانا.
- انا هساعدكوا وهعرف اهلكوا مكانكوا.
سيبتهم بعدها ومشيت لكن ابراهيم نده عليا...
- عمر.
بصيت ناحيته، وساعتها قالي...
- قولهم إن الدليل هو الخاتم.. هيلاقوه مدفون معانا.
خرجت من البيت بسرعة، ولما خرجت من البوابة مالقتش حد موجود، جريت على البيت وهناك لقيت ابويا قاعد ومستنيني هو وعمي صابر، اول ما دخلت ابويا قام جري عليا وحضني وهو بيسألني...
- ايه اللي دخلك البيت المهجور لوحدك ياعمر؟
- الكرة دخلت جوة وانا دخلت عشان اجيبها.. بس حصلت حاجة غريبة.
- حاجة ايه؟
حكتلهم كل اللي حصل، وبعد ماخلصت لقيت عم صابر بيضحك وبيقولي...
- برافو عليك ياعمر.. حكاية مليحة بصحيح، الفته ازاي دي؟
- انا مألفتش حاجة، سعيد وابراهيم هم اللي حكولي اللي حصل.
- ابراهيم وسعيد مين؟
اتكلم ساعتها عتمان ابن عمي صابر وقاله...
- دول اصحابي يابوي ولاد عمي فهيم، اللي اختفوا من شهور.
بص له بغضب وبعدين قال...
- اه اه، تصدق كنت ناسيهم، طب وهو هيشوفهم ازاي؟
- انا شوفتهم وهي دي الحقيقة.
ابويا طبطب عليا وبعدين قالي...
- خلاص ياحبيبي، اهدى.. دي ممكن تكون تهيؤات.
أكد عمي صابر على كلام ابويا وقاله...
- صح هي تهيؤات.. البيت ده أصله ملعون طول عمره وماحدش بيدخله ويطلع سليم، الحمدلله انه خرج.
- لا مش تهيؤات وانا هروح لعم فهيم ابو سعيد وابراهيم واقولهم.
- تروح فين يا واد، انت غريب عن البلد وماحدش يعرفك، اقعد.
بصيت لابويا بعد اللي قاله عم صابر وقولتله...
- بابا، انا وعدتهم اني هنقذهم وهكشف للناس مين اللي عمل فيهم كده.
رد عليا عم صابر...
- وهتعرف ازاي مين اللي عمل فيهم كده بقى؟
- ابراهيم قالي إن الخاتم بتاع الراجل اللي قتلهم مدفون معاهم.
- هاه، ابراهيم قالك كده؟
- اه قالي كده.
وش عمي صابر اتغير وبقى لونه أصفر، ساعتها ابويا بص له وقاله...
- انا من رأيي نعمل اللي علينا واهو لو كلامه غلط مش هنخسر حاجة لكن لو كلامه صح يبقى ريحنا أب وأم زمان قلبهم متقطع على عيالهم، وكمان هنمسك مجرم هربان من العدالة.
- هاه وماله يا اخويا نبلغ.. مانبلغش ليه؟.. روح انت بلغ وانا هروح اقضي مشوار في السريع كده واجي.
- مش هتيجي معايا؟
- لا انا اصلا الموضوع كله مش داخل نفوخي.
- ماشي.
ابويا خدني من ايدي للنقطة وهناك حكى للظابط كل حاجة، الظابط اللي بص لي باستغراب، وبعدين قال...
- حضرتك مصدق الكلام اللي بيقولوا الولد ده يافندم؟!
- والله حضرتك لو الولد طلع بيتهيأله مش هنخسر حاجة، لكن لو طلع كلامه صحيح يبقى استفادنا كتير.. ولا حضرتك شايف ايه؟
سكت الظابط شوية وبعدين قال...
- والله معاك حق، يلا بينا.
اتحركنا كلنا على البيت وأول ما دخلنا الظابط سألني...
- فين المكان المدفونين فيه؟
- في الجنينة اللي ورا.
مشيت وهم ورايا، وأول ما دخلنا الجنينة اللي ورا لمحت عند الشجرة عمي صابر واقف عند الشجرة، وبيحفر في الأرض، الظابط قرب منه وسأله...
- انت بتعمل ايه عندك؟
- هاه!.. ولا حاجة ياباشا.. اني.. اني.
اتكلم ابويا ساعتها وقاله...
- يبقى الخاتم بتاعك.. عشان كده ماكنتش عايزني اسمع كلام عمر.
- خاتم ايه يا خرفان انت.
طلب الظابط من العساكر انهم يقبضوا عليه، وبعد الحفر عثروا على الجثتين ومعاهم الخاتم واللي فعلًا كان بتاع عمي صابر، اللي اعترف بعد كده على هنداوي وعباس وكمان اعترف على مكان الجثة بتاعت الراجل اللي قتلوه في الاول، وقال انهم قتلوه بسبب خلاف على أمور مادية، وانه ماكنش في نيته يقتل الطفلين لكن حظهم السئ هو اللي خلاهم يكونوا موجودين في الوقت ده، عمي فهيم استلم جثث عياله ودفنهم في المدافن بتاعتهم واهو ارتاح شوية بعد ما عرف مكان عياله وبقى يقدر يزورهم.
قبل ما نمشي من البلد ونرجع القاهرة طلبت من ابويا أزور البيت تاني، دخلت جوة وساعتها لقيت هنا واقفة على السلم مبتسمة، ابتسمت لها وانا بقولها...
- انا هسافر دلوقتي وقولت اجي اسلم عليكِ.
قربت مني وبعدين قالت...
- انا عرفت انك انقذت سعيد وابراهيم.
- اه، هو انتِ هنا ليه صحيح؟
- ده بيتي.. انا اتولدت واتربيت ومُت هنا.
- مُتِ ازاي؟
- بابا وماما كانوا بره وانا وهمس كنا في البيت لوحدنا، وفجأة صحيت على حريق كبير، همس كانت في المطبخ وولعت في حاجة، حاولنا نهرب لكن ماعرفناش، وعلى ما المطافي وصلت كنا متنا.
- طب وباباكِ ومامتك فين؟
- سافروا من زمان.. ماقدروش يستحملوا اننا نظهرلهم.. الموضوع ده عدى عليه أكتر من عشر سنين ومن ساعتها واحنا هنا لوحدنا.
- انا لازم امشي دلوقتي، بس اوعدك اني هاجي ازورك تاني.
- وانا هستناك.
- مع السلامة.
- مع السلامة.
ودي ماكنتش اخر مرة أشوف فيها هَنا، لما كبرت وفيت بوعدي وروحت البيت المهجور وشوفتها وطبعًأ كانت لسه الطفلة الصغيرة، أما انا فعندي دلوقتي 30 سنة.. وبالنسبة لسعيد وابراهيم فماعدوش بيظهروا من يومها ودي كانت حكايتي مع أطفال البيت.
تمت بحمد الله
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل