
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل
مش عارف اقول ايه ولا ابدأ منين!.. اصل اللي حصل ماحدش يقدر يصدقه، يمكن لما احكي دلوقتي ماتصدقنيش بس انا هعذرك لانه مايتصدقش، انا نفسي ماكنتش مصدق، خليني ابدأ وياريت اعرف اكمل الحكاية للاخر...
من خمس سنين كنت قاعد في بيت ابويا، كان عندي وقتها حوالي 22 سنة، كنت لسه مخلص جيشي وبادئ حياتي العملية، ولاني خريج اداب قسم تاريخ فقررت اني اشتغل مدرس تاريخ، بس ساعتها قالولي لازم اخد دبلومة تربوي الاول عشان اقدر اتعين في المدرسة، قدمت الاوراق وفعلًا بدأت اروح الكلية عشان ادرس، اول يوم حسيت اني رجعت لايام الجامعة تاني، بس نفس الاحساس بتاع سنة اولى، مش عارف حد وداخل مكان جديد عليا، عشان كده دخلت قعدت في اول بنش وانا ساكت، شوية وجت وقفت جنبي بنت ماعرفهاش، كانت متوسطة الجمال مش جميلة اوي بس برضه مش وحشة، وقفت جنبي وفجأة لقتها بتقولي...
- بقولك ايه معاكش منديل.
بصيت لها باستغراب وبعدين قولتلها...
- معايا.
قومت وطلعت علبة المناديل من جيبي اللي ورا وناولتهالها، طلعت منديل من العلبة وهي بتقول...
- انا مش عارفة ازاي جامعة محترمة تكون البنشات بتاعتها متربة كده.
بعد ما خلصت فتحت المنديل اللي كان مليان تراب وهي بتوريهولي وقالت...
- شايف التراب قد ايه؟!
كنت مستغرب من منظر المنديل وساعتها قولت بيني وبين نفسي "يانهار اسود ده زمان البنطلون بقى زي المنديل ده" قعدت بعدها وهي بتقولي...
- اتفضل اقعد.
قولتلها...
- ممكن المناديل.
بصت للعلبة وبعدين قالت...
- اه اسفة نسيت ارجعها بس ماتقلقش انا ماكنتش طمعانة فيها.
ضحكت وانا برد عليها...
- لا مش قصدي.. انا بس هنضف البنش زيك.
خرجت منديل من العلبة وبدأت انضف البنش، ساعتها احرجتني لما قالت بسخرية...
- بتنضف ايه، ما خلاص انت مسحته بهدومك.
بصيت لها بتوتر فضحكت ضحكة رقيقة وهي بتحط ايدها على بوقها وقالت...
- اسفة مش قصدي والله، انا بس مش بعرف امسك لساني، سوري.
ضحكت وانا برمي المنديل وبقول...
- لا انت عندك حق انا فعلًا مسحته بهدومي.
وشها اتغير وبصت على المنديل الواقع على الأرض، بصيت للمنديل وبعدين بصيت لها، وسألتها باستغراب...
- في ايه؟!
- انت ازاي ترمي المنديل على الأرض؟
- عادي يعني.
- لا مش عادي، ماهو لو كل واحد عمل زيك كده هيبقى مقلب نفايات مش قاعة محاضرات، انت تقدر تعمل كده في البيت عندكوا؟
حسيت بالاحراج لتاني مرة في اقل من خمس دقايق، قومت وروحت ناحية المنديل ومسكته في ايدي وانا بقولها...
- عندك حق، انا فعلًا غلطت، بس هودي ده فين دلوقتي؟
- حطه في جيبك لحد ما يقابلك باسكت وارميه جواه.
- بس ده كده هيوسخ جيبي.
- طلع منديل نضيف وحط فيه القديم وعينه في جيبك.
- مممم فكرة برضه.
- شوفت سهلة ازاي.
عملت زي ماقالت وبعدين قعدت مكاني تاني، لقتها بتمد ايدها وبتقولي...
- انا يارا.
مديت ايدي وسلمت عليها وانا بقول...
- وانا أدهم.
في اللحظة دي دخل الدكتور للقاعة وقفل الباب وبدأ المحاضرة، كنت قاعد طول المحاضرة بفكر في المشهد اللي حصل بيني وبينها وقد ايه منظري بقى وحش قدامها، وبعد ما المحاضرة خلصت لقتها قايمة عشان تمشي، قولتلها بارتباك...
- على فكرة كنت عايز اقولك على حاجة.
وقفت وبصت ناحيتي بابتسامة وقالت...
- قولي.
- انا مش عايزك تاخدي انطباع وحش عني عشان حركة المنديل يعني وكده.
- لا عادي ماحصلش حاجة.
- على فكرة انا شخص نضيف جدًا بس كل الموضوع اني...
- عارفة.. عارفة انك ممكن تكون شخص نضيف جدًا في بيتك بس كل الحكاية انك اتعودت انه عادي ترمي في الشارع او في أي مكان عام مافيهوش رقيب.
- لا بس...
- بقولك ايه انا راحة الكافيتريا اجيب حاجة اشربها ما تيجي معايا.
سكت لثواني من المفاجأة وبعدين قولتلها...
- ماشي يلا.
روحنا الكافيتريا طلبنا اللي هنشربه وساعتها اصريت اني احاسب ووافقت بعد محاولات رهيبة مني، بعدها خدنا كل واحد كوبايته وبدأنا نتمشى في الجامعة، شربت شوية من كوبايتي وبعدين بصيت لها وانا بسألها...
- صحيح هو انتِ ايه اللي خلاكِ تاخدي تربوي؟
- انا اساسًا مدرسة.
بصيت لها باستغراب، ضحكت وكملت كلامها...
- ماتستغربش، انا مدرسة من وانا في سنة رابعة، بس كنت بدرس يعني لولاد اختي وولاد الجيران كده يعني، وبصراحة حبيت الموضوع وكمان لقيت نفسي شاطرة فيه، فلما اتخرجت قولت وليه ماكملش، واديني اهو بحاول اكمل الطريق، انت بقى دخلت ليه؟
- بصراحة هو انا عكسك شوية، يعني انا لسه هبدأ الموضوع من الأول، انا بحب التدريس وبحب اشرح جدًا بس ماجربتش مع طلبة انا كنت بشرح لزمايلي وكده، وبعد الجيش بقى قررت انها تبقى وظيفتي الاساسية.
- انت ساكن فين صحيح؟
- قريب من الجامعة هنا، وانتِ؟
- انا كمان ساكنة جنب الجامعة.
- جيران يعني.
- مممم جيران.
- مخطوبة ولا متجوزة؟
- لا مخطوبة ولا متجوزة، هو انا لازم ابقى حاجة فيهم عشان خلصت جامعة ولا ايه؟
- لا طبعًا عادي يعني كان مجرد سؤال.
- طب وانت خاطب ولا متجوز؟
- لا انا لا خاطب ولا متجوز.
ضحكت وهي بتقول...
- اكيد طبعًا، انا بهزر.
- لا ثانية واحدة، ليه أكيد؟
- يابني في حد هيكون خاطب أو متجوز ولسه هيفكر ياخد تربوي، ده انت كان زمانك مفروم في الشغل ومش قادر ترفع راسك أو على الأقل كنت هتقولي شغال دروس خصوصية بره على ما تتعين لكن ابيض كده يبقى لا خاطب ولا متجوز وماشي في نور الله.
- والله عندك حق، انا فعلًا ماشي في نور الله.
- عندك اخوات؟
- لا انا عايش مع ابويا بس وامي سابتنا من زمان بعد ما انفصلت هي وبابا.
- انا اسفة.
- لا عادي مافيش حاجة، انتِ بقى عندك اخوات؟
- اه اتنين بس متجوزين ومسافرين بره مصر وعايشة مع ماما بس بعد ما بابا مات.
- ربنا يديها الصحة.
- يارب.
رجعنا بعد كده للقاعة وخلصنا المحاضرات وبعدها عرضت عليها اني اروحها، بس ساعتها قالت حاجة غريبة جدًا...
- لا احنا اخرنا هنا، لكن بره الجامعة لاتعرفني ولا اعرفك.
- ده ليه يعني؟!
- احنا هنا زمايل فعادي ان حد يشوفنا واقفين مع بعض، وضع طبيعي لكن بره هنمشي مع بعض بصفتنا ايه؟
ماكنتش فاهم النقطة اللي بتتكلم فيها، بس برضه ماطولتش في الكلام وسلمت عليها ومشيت، كانت شخصيتها غريبة وده خلاني افكر فيها طول اليوم، يعني رغم جرئتها في الكلام معايا وان هي اللي بدأت اصلًا بالكلام وكمان هي اللي عرضت عليا اروح معاها الكافيتريا، رغم كل ده رفضِت اني اوصلها!.. في تربوي انت بتروح الجامعة مرتين بس في الاسبوع، يوم اول الاسبوع ويوم اخر الاسبوع، وساعات بيكون يوم واحد، ده كان الجدول اللي نزلته، ومن ساعة ماسيبتها وانا مستني المقابلة التانية بفارغ الصبر.
عدوا اليومين وجِه ميعاد المحاضرات، روحت وانا مليان حماس اقابلها واتعرف عليها أكتر، دخلت قاعة المحاضرات وقعدت في نفس البنش، شوية ولقيتها داخلة من الباب، شاورت لها عشان تيجي، بصت لي وبعدين قربت مني وقالت لي بابتسامة رقيقة...
- صباح الخير.
- صباح النور، ازيك عاملة ايه؟
- تمام، انت اخبارك ايه؟
- كله تمام الحمدلله.
- هو الدكتور يحيي لسه ماجاش؟
- زمانه جاي.
- عملت ايه اليومين اللي فاتوا؟
- ولا حاجة، نزلت الشغل في المكتبة بتاعت ابويا وبس كده.
- هو باباك عنده مكتبة؟
- اه مكتبة محندقة كده في وسط البلد، بس هي كانت سبب حبي في التاريخ.
- التاريخ ده شئ عظيم بس اللي يقدره.
- عندك حق والله.
- للأسف شباب اليومين دول مش بيقدروا تاريخهم ودايمًا بيحاولوا يستهزءوا به.
- شباب اليومين دول؟!.. انتِ عندك كام سنة يابنتي عشان تقولي الكلمة دي!
ضحكت وهي بتقول...
- قصدي الشباب اليومين دول بس هي طلعت كده.
ضحكت على ضحكتها...
- اااه انا قولت برضه ايه دور ست الحاجة ده.
دخل الدكتور القاعة وبعدها ركزنا في المحاضرة لحد ما خلصِت، وزي اول يوم خلصنا الماحضرة وروحنا الكافيتريا بس المرة دي انا اللي عرضت عليها نروح هناك، دخلت طلبت المشروبين وحاسبت زي أول يوم وبعدها قعدنا على سور صغير قدام الكافيتريا، كانت بتشرب برقة غريبة عكس طبيعتها المنطلقة، بصيت عليها شوية وانا مبتسم لحد ما لاحظِت اني سرحت فيها فحطت الكوباية على السور وهي بتسألني بابتسامة تعجب...
- في ايه؟!
- ايه!
- بتبص لي كده ليه؟!
- شكلك حلو.
- ياراجل!
- مممم، ملامحك رقيقة.
اتكسفِت وبان عليها الخجل وفركت ايديها في بعضها وهي بتقول...
- وبعدين بقى في الكلام ده، بقولك ايه ما تيجي نقوم نتمشى.
- ماشي يلا بينا.
قومنا اتمشينا وفضلنا نتكلم كتير لحد ما فجاة بصيت حواليا مالقتش غيرنا في الشارع اللي كنا ماشيين فيه، قولتلها ساعتها وانا بضحك...
- ياخبر واضح اننا مشينا كتير اوي.
- اه احنا بعدنا فعلًا.
فجأة بصت على مبني قدامنا وقالت وهي رايحة ناحيته بحماس...
- يااااه ده احنا بعدنا اوي، انت عارف المبني ده مهجور بقاله سنين وماحدش بيجي هنا أبدًا.
- ليه؟
- المبنى ده زمان كان مبنى الدكاترة بس حصلت فيه حريقة ومن ساعتها وهم حولوه لمخزن بيرموا فيه الورق بتاع الامتحانات وكمان الديسكات المكسرة وأي كراكيب لحد وماحدش بقى يجي هنا خالص.
- طب ليه مش بيطوروه ويستفيدوا منه؟
- انا مالي ياعم المهم انه مبني اثري في الجامعة لدرجة ان طلعِت عليه اشاعات كتير.
- اشاعات ايه؟
- بيقولوا ان بعد الحريقة حاولوا يصلحوا المبني لكن بعد ما خلصوا تجديده حصلت حريقة أكبر ومات فيها دكاترة وطلبة كتير ومن ساعتها والناس بتخاف تيجي تاني.
- وانتِ مصدقة الهبل ده؟
- انا!.. لا طبعًا.
مش عارف ليه حسيت ساعتها إن نفسي بيضيق وبدأت اتخنق، وعشان كده طلبت منها اننا نرجع، بصت لي باستغراب وقالت...
- ما تخلينا شوية ولا اقولك تعالى ندخل نشوف كلام الناس صح ولا لا؟
- لا انا تعبان، خلينا نمشي دلوقتي ونرجع مرة تانية.
وشها بان عليه الزعل وقالت بصوت حزين...
- طيب خلينا نمشي.
رجعنا حضرنا بقيت المحاضرات وبعدها روحت لوحدي وسيبتها زي ما اتفقنا اول مرة، بس كنت حاسس اني مبسوط اكتر المرة دي، روحت على المكتبة بتاعت ابويا في وسط البلد، دخلت وانا مبتسم وسعيد وعشان كده ابويا بص لي باستغراب وسألني...
- مالك ياض يا أدهم؟
- مالي يا حاج؟
- شكلك مبسوط، مش عوايدك يعني؟!
- هو انا لو كشرت تزعل ولو اتبسطت تزعل!
- لا ياعم اتبسط، وياريت تثبت على كده.
ضحكت وانا بقوله...
- ماشي يا قمر.
- وله اتلم، قمر دي تقولها للي كنت معاها من شوية مش انا.
ضحكت وانا بقوم ناحيته...
- والنبي مافي قمر غيرك.
- انت شارب ايه يا وله؟
- هشرب ايه يعني يا حاج؟!
- لا انت مش طبيعي والله ماطبيعي.
قعدت على الكرسي اللي جنبه وانا بتنهد وببص ناحية الكتب اللي على الرف بابتسامة...
- ااااه.. انا فرحان اوي يا حاج، تقريبًا كده لقيت السعادة عرفت طريقي اخيرًا.
- انا مش فاهم حاجة بس مبسوط انك فرحان.
- بكرة احكيلك كل حاجة، بس لما اتأكد الأول.
- ماشي يارومانسي قوم بقى نضف الأرفف دي وظبط الكتب.
- يا حاج بقولك مبسوط تقولي نضف الأرفف.
- عشان تتبسط أكتر.
بصيت للكتب وبعدين بصيت له وانا بضحك...
- بس عارف والله ما هزعلك، احلى تنضيفة لأحلي حاج زكريا في الدنيا.
- حبيبي انت يا أدهم.
- والله انت اللي حبيبي ياحاج، ربنا مايحرمنيش منك.
مرت الايام بطيئة اوي وانا بستعجل يوم مقابلتنا وطول الايام دي كنت بلوم نفسي اني ماخدتش رقم تليفونها، لحد ما جِه اليوم ونزلت الكلية من الصبح بدري، المرة دي وقفت استنتها بره القاعة، فضلت واقف كتير لكن ماجتش، الدكتور قرب من القاعة ودخل وهي لسه ماجتش، باب القاعة اتقفل وانا واقف بره والقلق هيموتني، كنت واقف طول وقت المحاضرة قدام باب القاعة مستني اشوفها من بعيد في أي لحظة لكن ماحصلش، المحاضرة خلصت والدكتور والطلبة خرجوا وهي لسه ماجتش، الممر بقى زحمة جدًا بعد ما المحاضرة خلصِت، عشان كده بدأت ادور بعيني في كل الموجودين يمكن الاقيها، بس برضه مافيش فايدة، ميعاد المحاضرة التانية جِه وبرضه هي ماجتش، الطلبة بدأوا يدخلوا القاعة والممر بدأ يفضى لحد ما لقيت نفسي واقف لوحدي وهي مش موجودة.
كنت بفكر بيني وبين نفسي، ياترى ماجتش ليه؟ ممكن تكون تعبانة؟ لا ان شاء الله مش هتكون تعبانة، طب مامتها تعبت؟ ياعم اكيد في سبب تاني غير المرض، زي ايه مثلًا؟ ممكن تكون راحت عليها نومة مثلًا، طب ماهي كانت هتيجي المحاضرة التانية، ماهو ممكن تكون راحت عليها نومة والطريق زحمة دلوقتي فمالحقتش توصل، اي كلام ده على فكرة، صح انا فعلًا مش عارف ايه اللي يخليها ماتجيش؟
ماعرفش ليه فجأة اترددت جوايا جملة غريبة "مش يمكن راحت المبنى المهجور" الجملة اترددت اكتر من مرة لدرجة اني بدأت اجاوب على نفسي واناقش الموضوع بيني وبين نفسي، طب وهي ايه اللي هيوديها هناك؟ الفضول، فضول ايه اللي يخلي واحدة تروح مكان مهجور زي ده لوحدها وكمان الصبح بدري اوي كده؟ مش عارف انا بقول يمكن.
المناقشة قلقتني ولقيت نفسي بتحرك ناحية المبنى، بعد حوالي ساعة إلا ربع كنت واقف قدام المبنى وانا ببص له، كان شكله مرعب فعلًا، مبنى مكون من دورين بس كان محروق بالكامل، وقفت قدام المبنى وبصراحة كنت حاسس بالخوف وضربات قلبي سريعة، حاولت اشجع نفسي وخدت خطوات ناحية المبنى، الدور الأول أو الأرضي كان على الشارع وعبارة عن مجموعة من الأوض جنب بعضها مقسومة صفين يمين وشمال، كل البيبان كانت مقفولة، حاولت افتح باب ورا التاني بس كلهم مقفولين كويس، طلعت على السلم اللي كان بيقسم الاوض، الدور التاني كان نفس النظام، حاولت افتح الأوض اللي على يميني لكن كانت مقفولة باحكام، روحت ناحية الصف الشمال، اوضة ورا التانية لحد ما وصلت لاخر اوضة، لقيت الباب مفتوح، حسيت بخوف غريب ورعشة في جسمي، وقفت مكاني وميلت بجسمي وانا بحاول اشوف اللي في الأوضة قبل ما ادخل، ماشوفتش غير خشب مرصوص فوق بعضه ومحروق، وشوية كركيب لونها اسود من اثار الحرق، رجعت لورا وانا مقرر اني همشي، لكن فجأة سمعت صوت جاي من جوة، كان صوت بنت بتعيط، صوت عياطها كان فظيع، لقتني فجأة بلف وشي ناحية الأوضة تاني وبدخل من الباب، عديت من جنب الخشب المحروق على يميني وساعتها بقيت كاشف الأوضة كلها، لقيت بنت قاعدة على الأرض وضامة رجليها وحاطة وشها بينهم وشعرها نازل على رجليها، اتقدمت بخطوات مترددة وقربت منها، واول ما بقيت واقف قدامها بالظبط رفعت راسها بهدوء وبصت في عينيا، كانت يارا، الدموع نازلة من عينيها الاتنين مخلوطة بكُحل سايح على خدودها، اتخضيت من منظرها بس كنت خايف عليها، قعدت على الأرض قدامها وانا بسالها...
- يارا.. ايه اللي جابك هنا؟
بصت لي وماردتش، قربت ايدي من ايدها بس قبل ما المسها بعدِت ايدها وهي بتقول...
- انت مش لازم تكون هنا دلوقتي.
- يارا في ايه؟ وايه اللي جابك هنا؟
- انت اللي ايه جابك هنا؟
- ماعرفش، انا استنيتك كتير الصبح وبعدها لقيت حاجة بتقولي اني هلاقيكي هنا.
- طب امشي بسرعة، انت مش لازم تكون موجود دلوقتي.
- امشي اروح فين وبعدين انا مش همشي غير وانتِ معايا.
- اسمع الكلام وامشي يا أدهم وإلا هتندم.
- لا مش همشي غير وانتِ معايا.
- انا مش هينفع اكون معاك، افهم بقى.
- افهم ايه؟
- انا مش زيك يا ادهم، انت انسان من لحم ودم، لكن انا روح.. روح متعلقة ومستنية الخلاص.
رجعت لورا بضهري من المفاجأة وبعدين سألتها...
- روح متعلقة!
- ايوة روح ساكنة المكان ده من سنين، ومش انا بس اللي موجودة هنا عشان كده لازم تمشي قبل ما هي تيجي.
- هي مين دي اللي تيجي؟
- حسنات.
- بس انا مش هقدر استغنى عنك.
- ادهم لو حسنات جت ولقتك هنا هتموتك.
- انتِ مين وايه اللي جابك هنا؟
- انا كنت زيك في يوم من الايام جت هنا في الوقت الغلط ومن ساعتها ماخرجتش تاني، عشان كده بقولك لازم تمشي.
- انا عايز اعرف مين حسنات دي؟
في اللحظة دي الباب اترزع وسمعت صوت دوشة، يارا عينيها اتجمدت على حاجة ورايا، كنت مرعوب وخايف ألف وشي لكن فجأة حسيت بريحة معفنة ملت المكان، كنت حاسس اني بتخنق، لفيت وشي وساعتها شوفتها، كانت ست عجوزة وشها مليان تجاعيد، حوالين عينيها كان ازرق بشكل مش طبيعي، بشرتها بيضا جدًا، شعرها مجعد ومنكوش، اول ما عيني جت في عينيها رجعت لورا بضهري وانا بزحف على الأرض، قربت مني وهي بتبتسم ابتسامة خبيثة، سنانها كان لونها اصفر مخلوط بدم خفيف، قربت اكتر لحد ما بقى بينها وبيني متر واحد، ساعتها يارا اتكلمت بصوت مليان دموع...
- ارجوكِ سيبيه ماتأذيهوش.
بصت حسنات ليارا بغضب وبعدين قالت لها بصوت فحيح...
- انتِ اللي جبتيه لحد هنا، وعارفة ان اللي بيدخل مابيخرجش أبدًا.
- انا ماكنتش قاصدة اجيبه، هو جِه يدور عليا عشان ماروحتش وانتِ السبب اني ماخرجش.
- انتِ اللي استنجدتي به وعرفتيه انك هنا.
- كان غصب عني.
- دي مشكلتِك انتِ.
بصت لي بهدوء وبنفس الابتسامة الخبيثة قالت...
- مستعد يا أدهم؟
قولتلها برعب...
- ممم.. ستعد لـ.. لـ.. ايه؟
صرخت وهي بتفتح بوقها على اخره في وشي...
- للموت.
كانت هتمسكني لكن فجأة يارا مسكت ايديها وقالتلها بتوسل...
- خلاص سيبيه وانا هعملك اللي انتِ عايزاه.
رجعت لورا وبابتسامة بصت لها وهي بتفكر وبعدين قالت...
- وهو كمان يساعدك.
يارا بصت لي والدموع في عينيها وبعدين رجعت بصت لها تاني وقالت...
- خليه هو بره الموضوع ده، انا هجيبلك طلبك.
سألت يارا ساعتها...
- طلب ايه اللي هي عايزاه؟
- عايزاني اجيبلها الدكتور يحيي لحد هنا.
- دكتور يحيي واشمعنا الدكتور يحيي.
بصت لنا حسنات بنظرة مالهاش معنى وبعدين ضحكت ضحكة هيسترية مرعبة وهي بتدينا ضهرها، ساعتها شوفت منظر بشع، ضهرها كله كان محروق، هدومها من ورا كانت سايحة والجلد باين من تحتها، بصيت ليارا برعب، لكنها شاورت لي اسكت، كملت حسنات ضحك لحد ما فجأة سكتت واتكلمت بغضب...
- يحيي بقى دكتور، الحقير بقى بيتقاله يا دكتور.
لقتني بسألها بتلقائية...
- يحيي هو اللي عمل فيكي كده؟
يارا برقت وحسنات لفت وشها ناحيتي بغضب، قربت مني بسرعة لحد ما وقفت قدامي بالظبط وانفاسها بقت في انفاسي...
- عمل فيا كده يعني ايه؟
سكت لثواني، ورجعت عادت سؤالها تاني بس المرة دي بحدة...
- انت شوفت ايه؟
صرخت يارا...
- ماشافش حاجة، صدقيني ماشافش حاجة.
بصت في عيني فقولتلها وانا بدمع...
- والله العظيم ماشوفت حاجة.
سابتني ورجعت لورا بس المرة دي مالفتش وشها، قالت لي وهي سرحانة في الفراغ فوقي...
- كان يوم خميس 5 نوفمبر 1980، المبنى ده وقتها كان بتاع الدكاترة، كانت الساعة وقتها اربعة لما فتحت الباب فجأة عشان اشوف واحدة من الطلبة قاعدة على رجل يحيي، كان لسه متعين جديد، الصينية وقعت من ايدي، انتبهوا الاتنين وبصوا ناحيتي، البنت قامت من على رجليه وهي مخضوضة وبتحاول تظبط نفسها، اما هو فقام وبكل هدوء لقيته جاي ناحيتي، كنت ببص له بقرف، اول ما وصل عندي لقيته طلع من جيبه 30 جنيه ومد ايده بهم وقال...
- خدي دول يا حسنات وولا كأنك شوفتي حاجة.
بصيت له لثواني وبعدين تفيت على وشه، وبعد مافاق من الصدمة مسح وشه وزعق فيا...
- انتِ اتجننتي، انتِ نسيتي نفسك ولا ايه!.. انا هدفعك تمن القلم ده غالي.
المرة دي شيلت ايدي ورزعته بالقلم، اتجنن ولقيته بيقرب مني وبيزقني لجوة، قفل الباب وفضل يضرب فيا، البنت حاولت تبعده عني لكنه زقها وكمل ضرب، كنت بشتمه رغم الوجع اللي كنت حاسه به وهددته اني هفضحه، ساعتها مسك قاطع الاظرف وضربني به في رقبتي، بدأت انزف، سمعت البنت وقتها بتصرخ فيه...
- قتلتها!.. انت اتجننت!
بص لي وبعدين رفع راسه وبصلها وقال...
- انتِ معايا في الموضوع ده ولازم نخلصه سوا.
- لا انا ماليش دعوة.. ماليش دعوة.
سابت المكتب وطلعت تجري، جري وراها لكنه وقف لما سمعني بئن، رجع تاني وهو بيقول...
- عجبك كده؟!.. بس انا هريحك للأبد.
مسك ورقة من على المكتب وبعدها طلع من جيبه ولاعة، فتح الدولاب اللي بيكون فيه اوراق الدكاترة وولع فيه كله، بعدها لقيته بيزق الدولاب عليا، حاولت اهرب لكن كل اللي قدرت اعمله اني لفيت جسمي وبعدها الدولاب وقع عليا، كنت قادرة احس بالنار وهي بتشوي جسمي، بس بعد دقايق ماحستش بأي حاجة، طبعًا ماحدش عرف باللي حصل واتقال انه قضاء وقدر، ده الكلام اللي سمعته لما كانوا واقفين بيعاينوا الاوضة وبيشيلوا جثتي، ماخدوش بالهم مني وانا واقفة في ركن الأوضة وبراقبهم، بس يومها شوفته، دخل الأوضة وهو حزين، وقف قدام جثتي يبكي وبيقول...
- دادة حسنات ماتت، لا حول ولا قوة إلا بالله، دي كانت احسن واحدة هنا، ربنا يرحمك يارب ويصبرنا على فراقك.
سمعت الظابط بيسأله ساعتها...
- تفتكر ايه اللي جابها هنا يا دكتور؟
رفع راسه ببطء وبص له...
- مش عارف بس هي كانت متعودة تيجي تنضف المكتب بعد ما انا امشي، انا حتى يومها سلمت عليها وانا مروح وسألتها عن بناتها التلاتة عاملين ايه، وبعدين هزرنا شوية زي العادة وسيبتها ومشيت، ربنا يرحمك يا دادة.. ربنا يرحمك.
كنت حاسة بالغيظ، عشان كده جريت عليه وخنقته بايديا، لكن لحقوه قبل ما اقتله وخرجوه من الأوضة، كان بيهزي وهو بيطلع في الروح وبيقول...
- حسنات.. حسنات.
انا متأكدة انه شافني، وعشان كده ماجاش هنا من يومها، والمبنى فضل مهجور بعدها فترة، ولما حاولوا يجددوه ولع تاني وطبعًا كنت انا السبب، لحد ما خافوا وقرروا يسيبوه كده، ومن ساعتها وانا مستنية يحيي يجي هنا ولو مرة واحدة وهتكون الاخيرة.
بعد ماخلصت حسنات كلامها فضلِت سرحانة في الفراغ، بصيت ليارا وقتها وسألتها...
- اومال انتِ جيتي هنا ازاي؟
- كنا...
قاطعتها حسنات وهي بتبص لها بغضب...
- كانت بتلعب هي وزمايلها ولما خسرت حكموا عليها تطلع المبني هنا وتقعد فيه ربع ساعة، ماكنتش مصدقة اللي بيتقال عن المبنى لانها ماكنتش بتصدق في الجن والارواح والكلام ده، لكن اول ما طلعت ظهرت لها، ومن المفاجأة نفسها اتخنق وضربات قلبها زادت وبعدها.. بعدها ماتت، والكلاب اصحابها سابوها مرمية وخافوا يدخلوا ينقذوها.
بصيت لها باستغراب...
- هو انتِ ازاي زعلانة عليها وانتِ اللي مموتاها؟
- انا ماموتهاش هي اللي استهترت بحياتها ورمت نفسها في المجهول، غباء البشر بيخليهم يمشوا ورا فضولهم دايمًأ لحد ما يموتوا.
- طب وحبساها ليه؟
- عشان هي الوحيدة اللي هتقدر تجيب يحيي لحد هنا.
- طب ماتروحي انتِ وتاخدي حقك منه.
- انا ماينفعش اخرج من المبنى ده.
- ليه بقى؟
سكتت دقيقة وهي بصة قدامها وبعدين اتحركت خطوتين لورا وفجأة بدأ جسمها يتغير، الجلد كان بيوقع من على ايديها ووشها، منظرها بيتغير، سمعت ساعتها صوت يارا بتقولي...
- اوعى تصرخ لو صرخت هتموتك.
فجأة لقتها واقفة قدامي عبارة عن مسخ بشع، جثة جلدها مسلوخ، قربت مني أكتر وقالت وهي بتحرك ايديها...
- بص.. شايف؟.. شايف ايدي عاملة ازاي؟
حطيت ايدي على بوقي عشان ماتسمعش صوت صرختي، رجعت لورا وبعد ثواني جسمها رجع لشكله تاني وقالت...
- انا لو خرجت من المبنى، ده هيبقى شكلي، وانا مش عايزة الناس تشوفني كده.
- ناس مين؟!
ماردتش عليا، كملت وسألتها سؤال تاني...
- طب ويارا هتجيب يحيي ازاي؟
- زي ما جابتك، هي كان المفروض انها رايحة عشان تجيبه لكن لقتها راجعة لوحدها اتاريها قابلتك.
فكرت لثواني وبعدين قولتلها...
- انا ممكن اجيبلك يحيي بس ساعتها تسيبي يارا؟
عينيها لمعت وابتسمت ابتسامة خبيثة...
- اتفقنا.
اتكلمت يارا وقالت لي...
- اوعى تسمع كلامها يا أدهم، دي بتضحك عليك.
بصت لها حسنات بغضب وهي بتقولي...
- بسرعة ومتتأخرش وإلا هترجع مش هتلاقيها.
قومت وقفت وروحت ناحية الباب، لقيت يارا بتصرخ فيا...
- بلاش يا أدهم، اوعى تسمع كلامها.
حسنات كانت بتزعق فيها...
- اخرسي وإلا انتِ عارفة ممكن اعمل فيكِ ايه.
- لا مش هخرس، لما تقابل يحيي قوله يارا بتقولك اوعى تيجي.
خرجت جري من المبنى وبعد فترة لفيت ورايا وبصيت عليه، وساعتها اترددت في دماغي جملة يارا الأخيرة "لما تقابل يحيي قوله يارا بتقولك اوعى تيجي" ده معناه إن يحيي عارف يارا كويس، جريت بسرعة على مكتب يحيي، وقفت قدام المكتب اللي كان على بابه يافطة مكتوب عليها "دكتور يحيي علام" خبطت على الباب ودخلت، كان بيتكلم في التليفون، شاورلي اقعد وبعد ما خلص بص لي وهو مبتسم وقالي...
- خير في حاجة واقفة معاك في المنهج؟
- لا.
استغرب البرود في ردي فسألني...
- اومال جاي ليه!.. خير؟
فكرت لثواني وبعدين قولتله...
- جايلك بخصوص يارا.
رفع حواجبه في استغراب...
- يارا دي زميلتك؟!
- لا يارا دي حبيبتك؟
وشه اتغير ساعتها وقام وقف من مكانه وجِه قعد على الكرسي اللي قصادي وقال بهمس...
- انت بتقول ايه؟
- بقول يارا دي حبيبتك انت يا دكتور؟
- ايه الكلام الفارغ ده؟!
- ده مش كلام فارغ، دي الحقيقة.
- حقيقة ايه!.. ومالك بتتكلم بثقة اوي كده ليه؟! مين قالك الكلام ده؟
بصيت في عينيه وانا بقوله...
- حسنات.
فجأة وشه اتملى عرق وكأن حد صب عليه جردل ماية وبدأ يفك ربطة الكرافتة وهو بيقعد على الكرسي وسألني بنفس مخنوق...
- اااانت.. انت شوفت حسنات فين وقالتلك ايه؟
ابتسمت ابتسامة خبيثة وانا بقوله...
- شوفتها في المبنى المهجور، فاكره يا دكتور.
- ايوة فاكره، بس.. بس انت ايه اللي وداك هناك وشوفتها ازاي؟
- قدرك الاسود هو اللي وداني، ظهرت لي وحكت لي كل حاجة.
- حكت لك ايه؟!.. انا مش فاهم حاجة وبعدين انت بتتكلم معايا بالأسلوب ده ازاي؟!.. انت نسيت نفسك يا ولد.
- حكت لي اللي حصل في أوضة المكتب ووصفت لي ازاي خلصت منها بعد ما طعنتها في رقبتها وحرقت الأوضة عشان تداري على الجريمة البشعة اللي عملتها.
- ايه التخريف ده انا ماعملتش أي حاجة من دي.. وبعدين حسنات دي كانت مجنونة.
- هتطلعها مجنونة بعد كل اللي عملته فيها.
زعق فيا بصوت عالي...
- يابني افهم، حسنات كانت دكتورة معانا في القسم.
استغربت من كلامه وميلت بجسمي ناحيته في اهتمام وسألته...
- كانت دكتورة معاك في القسم!
- ايوة وتقدر تتأكد من ده بنفسك وتسأل الدكاترة زمايلنا.
- طب وايه اللي حصل يومها؟
رجع بضهره في الكرسي واتنهد تنهيدة عميقة وكأنه بيسترجع ذكريات اليوم الأسود ده وبعدين قال...
- الحكاية مابدأتش من اليوم ده، الحكاية بدأت من قبلها بكتير، كنت لسه معيد لما بدأت حسنات تهتم بيا، فجأة تصرفاتها بقت غريبة وبتقرب لي بشكل ملفت للنظر، حاولت اتجنبها لكنها كانت محاوطني من كل ناحية، وفاتت سنة على الوضع ده، لحد ما فجأة اتعينت يارا في القسم عندنا، حبتها من أول نظرة، وهي كمان مع الوقت حبتني، كل ده وحسنات قاعدة بتراقبنا في صمت، لحد ما اتفاجئت اننا بنعلن خطوبتنا، بدأت تنصب الفخاخ لنا وتحاول تدمر علاقتنا بأي شكل، لحد ما جِه اليوم الأسود ده، يومها كان عيد ميلاد يارا، حبيت اعملها مفاجأة، يارا كانت بتخلص شغل مع دكتور زميلنا في مكتب من المكاتب اللي جنبنا، لفيت على المكاتب وبلغت كل الدكاترة واتفقت معاهم انهم يجوا على الساعة 5 بعد مايخلصوا محاضرات، رجعت المكتب وقعدت اظبط كل حاجة وحطيت التورتاية على المكتب ورصيت فيها شمع بعدد عمرها 22 شمعة، فجأة لقيت باب المكتب بيتفتح، بصيت وانا مبتسم وبقول...
- كل سنة وانتِ...
- الله الله، ايه الجمال ده كله؟!
- دكتورة حسنات.
- ماكنتش اعرف انك رومانسي اوي كده يا يحيي.. قصدي يا دكتور يحيي.
- النهاردة عيد ميلاد يارا وحبيت اعملها مفاجأة.
حاولت الطف الأمور لما كملت كلامي وقولتلها...
- بس كويس انك جيتي على فكرة، ده حتى بقيت الدكاترة جايين دلوقتي.
- اه بس انت ماعزمتنيش، انا عرفت من بره، شكلك مش حابب وجودي ولا خايف ابوظ المناسبة؟
- لا لا مش الفكرة انا عديت على حضرتك بس ما...
- لا انت ماعديتش عشان انا في مكتبي من الصبح وماخرجتش منه من اربع ساعات.
حسيت بالاحراج وماكنتش عارف ارد عليها، لكنها كملت كلامها...
- حبتها اكتر مني مش كده؟
- دكتورة احنا ماكنش في بينا حاجة، انتِ اللي فهمتي الموضوع غلط.
- ماكنش في بينا حاجة.. مممم صح، انا اللي حبيتك، انت من الاول قولتلي انك بتعتبرني اختك الكبيرة.
- كويس ان حضرتك فاكرة.
- فاكرة.. فاكرة كويس، زي ما انا فاكرة ان انا اللي جيبتك هنا وخليتك تبقى دكتور محترم بعد ما كنت مجرد طالب عندي في الدفعة.
- انا عمري ما انكرت فضلك عليا ودايمًا بقول انك السبب في كل ده لكن برضه عمري ما تخيلت انك تكوني...
- اكون حبيتك مش كده؟
قربت مني وهمست...
- بس اديني حبيتك اعمل ايه مش بايديا.
بعدت عنها وانا بقولها...
- دكتورة لوسمحت اللي حضرتك بتقوليه ده مايصحش.
قربت أكتر وقالت...
- هو ايه اللي مايصحش بالظبط.
- يا دكتورة انا...
في اللحظة دي سمعت صوت يارا بتقول بحدة...
- ايه اللي بيحصل هنا ده؟
رفعت وشي وانا بقولها...
- مافيش حاجة بتحصل كل الحكاية...
قاطعتني حسنات وهي بتلف وشها ليارا وبتقولها بدلع...
- كل الحكاية اننا بنصفي حسابات قديمة يادكتورة.
بصت لي يارا بغضب وسألتني...
- حسابات ايه اللي بتتكلم عنها الدكتورة حسنات يا دكتور يحيى؟
- بصراحة انا مش عارف هي بتتكلم عن ايه؟!
قربت حسنات وقفلت الباب وبعدها شدتها من ايديها، بعدت يارا ايدها لكن حسنات تبتت فيها وشدتها ناحية المكتب اللي عليه التورتاية وهي بتقول...
- اصله جايبلك تورتاية وعايز يحتفل بعيد ميلادك، وعزم كل الدكاترة وماعزمنيش، يرضيكي كده برضه يا دكتورة يارا؟
بصت لي يارا باستغراب وكأنها بتسأل عن تفسير للي بيحصل رفعت اكتافي في اشارة اني مش فاهم، قربت مني حسنات وقالت...
- هات ولعتك يا دكتور.
بصيت لها وانا ساكت، ابتسمت وهي بتهز دماغها...
- هات الولاعة.
حطيت ايدي في جيبي وطلعت الولاعة وناولتهالها، خدتها مني وبدأت تولع الشمع واحدة ورا التانية وبعد ما ولعت الشمع كله، ناولتني الولاعة وهي بتقول...
- انا بقى قررت نحتفل بعيد الميلاد ده سوا احنا التلاتة بعيد عن دوشة الدكاترة، اصل المناسبة دي خاصة وماينفعش يكون موجود فيها غير الناس اللي بيحبوا بعض.
سألتها يارا بحدة...
- ومين قالك اصلًا اني بحبك؟
- انا كان قصدي على يحيي مش عليكِ على فكرة.
- انتِ شكلك اتجننتي على الاخر.
- احترمي نفسك يا قطة، انتِ لسه صغيرة ومش حمل اللي ممكن اعمله فيكي، انا هعديها بس عشان خاطر يحيي حبيبي.
- لاااا انتِ زودتيها اوي.
قربت منها يارا وهي بتتخانق معاها، في اللحظة دي ضربتها حسنات بالقلم، والخناقة ابتدت، دي بتزق دي ودي بتزق دي واقلام وشد طرح، لحد ما حسنات فجأة مسكت التورتة ورمتها على يارا اللي وطت وفادتها، وكملوا خناق، لكن اللي ماخدناش بالنا منه ان النار مسكت في الورق واتلبخنا احنا التلاتة في الخناقة وماحسناش بحاجة غير بعد ما النار كانت عليت والدخان بدأ يخنقنا، لفيت ساعتها لقيت الحريق قاطع الطريق بينا وبين الباب، بدأوا الاتنين يصوتوا بهستيرية، حاولت ادور على مخرج لكن ماكنش في أي مخرج، فتحت الشباك بس يارا رفضت تنط من الشباك، اضطريت افضل معاها، حاوطتها عشان النار ماتطولهاش، لكن فجأة لقيتها بتتخنق، خرجت راسها من الشباك بس برضه مافيش فايدة، كانت بتموت قدام عيني، الدخان كان بياخد روحها بالبطئ لحد ما قطعت النفس خالص، في الوقت ده كانت النار قربت من حسنات اللي خافت على وشها حتى وهي بتموت، لفت جسمها عشان النار ماتجيش على وشها الجميل وتشوهه، النار مسكت في ضهرها، بدأت تتطوح وهي بتصرخ ومع حركتها اللي مش محسوبة الدولاب وقع عليها، في الوقت ده مالقتش حل غير اني انط من الشباك.
بعدها رجعت تاني من على السلم وساعتها لقيت كل الدكاترة واقفين قدام الباب وبيحاولوا يطفوا النار، وبعد ما اطفت دخلنا جوة لقينا الاتنين متفحمين.
بعد ما خلص كلامه قولتله...
- ايوة بس يارا ماكنتش محروقة لما شوفتها، حسنات بس اللي كانت محروقة.
- يمكن عشان يارا ماتت قبل ما النار تقربلها، لكن حسنات النار هي اللي موتتها.
- وبعدين ايه اللي حصل بعد كده؟
- المبنى فضل شغال عادي، لكن انا ماقدرتش اقعد فيه يوم واحد ونقلت مبنى تاني، وبعد فترة بدأوا الموظفين والدكاترة يشتكوا انهم بيحسوا بحاجات غريبة، لحد ما في مرة حصلت حريقة كبيرة جدًا ماحدش عرف سببها والمبنى كله ادمر، من يومها وماحدش فكر يجدده او يستخدمه تاني.
- حسنات طلبت مني...
- طلبت منك توديني هناك مش كده؟
- انت عرفت منين؟
- انا بشوف يارا كل يوم.. بتيجي محاضراتي وبتقعد في البنش الأول، بتفضل تسمعني وهي مبتسمة وبعد ما بخلص بتسيب القاعة وتخرج، بمشي وراها لكنها كل مرة بتقدر تهرب مني وفجأة بتختفي.
- هي خايفة انك تروح هناك.
- وانا عمري ما هروح.
- بس حسنات بتعذبها.
- ولو روحت هتعذبنا احنا الاتنين.
استغربت من كلامه ساعتها، قومت وقفت وانا بقوله...
- يعني انت هتسيبها تتعذب.
- مافيش في ايدي حاجة اعملها ونصيحة ماتروحش هناك تاني حتى لو كُنت حبيت يارا.
بصيت له بتعجب، فكمل كلامه وقال...
- انت مش اول واحد ولا هتكون الاخير.
خرجت من المكتب وانا مستغرب كلامه، لدرجة اني شكيت انه كداب، لكني روحت القسم فعلًا وسألت عن الدكتورة حسنات وعرفت حقيقة اللي حصل يومها وطلع صادق في كل كلمة قالها، بس ياترى يارا بتظهر لي انا او غيري ليه طالما بتيجي عشان الدكتور يحيي؟ الحقيقة اني ماقدرتش اوصل لاجابة بس برضه قررت اني مش هكمل دراسة في المكان ده، بدأت أدي دروس خصوصبة لقرايبي وواحدة واحدة العدد بدأ يزيد واستغنيت عن فكرة التعيين في مدرسة، بس لسه لحد النهاردة مش قادر انسى يارا وبحتفل بعيد ميلادها يوم 5 نوفمبر، وبرضه لسه مش قادر انسى اللي حصل في مبنى الدكاترة.
تمت بحمد الله
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل