
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل
انا ساكن في بلد ارياف، الارياف عامة بتعتبر بيئة صالحة لكل ما وراء الطبيعة، يعني لو راجعت تاريخ الرعب في بلادنا العربية فهتلاقي دايما منبع الحكايات القرى الريفية، سواء النداهة او ابو رجل مسلوخة مرورا بالسلعوى ورجل الحقل وجني المزارع، كل ده وغيره حكايات مرعبة اثرت في طفولتنا كلنا، لكن انا مكنتش بصدق في الكلام ده اوي، واعتقد في زيي ناس كتيربتشوف ان دي خرافات ملهاش أي اساس من الصحة، بس خليني اقولك لو انت من الناس دول حاول تصدق شوية لان الكلام ده فيه بعض الحقيقة بس للاسف اغلب اللي بيشوفوها مش بيقدروا يتكلموا عنها عشان كدا فضلت في نظرنا مجرد خرافات، بس الخرافات دي حقيقة عيشتها بنفسي، في يوم كنت راجع من المدرسة، كنت ساعتها في ثانوية عامة، المدرسة بتاعتي كانت في اخر البلد وللاسف عشان توصل لها لازم تعدي من وسط الترب، دا الطريق الوحيد لها، مش عارف بصراحة ازاي بنوا مدرسة طريقها الوحيد الترب، المهم، كنت بخلص المدرسة الساعة 4 تقريبا، النهار بيكون لسه طالع فماكنش في اي قلق من الطريق، في اليوم دا كنت مروح انا واحمد واللي بالمناسبة أقرب صاحب ليا، أحمد كان زي مابيخافش أبدا، بس حصل حاجة غريبة، فجأة واحنا معدين من جنب تربة من الترب، لقيت مكتوب على التربة اسمي وتحته مكتوب تاريخ ميلادي وتاريخ الوفاة، حسيت قلبي اتقبض واعصابي سابت، كل انسان عارف انه هيموت في النهاية لكن مرعب جدا انك تعرف تاريخ موتك، فضلت واقف مش حاسس بنفسي ولا بالمكان والزمان، التاريخ المكتوب دا باقي عليه ايام، ايام بتفصلني عن الموت، بعد شوية فوقت لقيت أحمد واقف زيي بالظبط، بيترعش وباصص للتربة ومبرق، أكيد هو كمان شاف اللي انا شوفته، هزيته جامد وقولتله...
- يالا يا احمد.. يالا، احنا لازم نمشي دلوقتي حالاً.
جرينا احنا الاتنين بسرعة لحد ما افترقنا وكل واحد روح بيته، دخلت اوضتي وقفلت على نفسي، جسمي كله بيتنفض، بدأت أواجه نفسي بكل اللي عملته في حياتي، لا مش هينفع اموت دلوقتي، انا لو مت دلوقتي اكيد هدخل النار، انا معملتش أي حاجة عدلة في حياتي، أذيت ناس كتير بمقالبي السخيفة، اتنمرت على ناس أكتر، انا مالحقتش أتوب، قومت بعدها اتوضيت وصليت، حسيت اني ارتحت شوية، جوايا حاجة طمنتني(اهو انت لو مت دلوقتي هتبقي ميت وانت مصلي وتدخل الجنة على طول..يا سلام) ارتحت للشعور الكداب ده وخرجت قعدت معاهم بره في الصالة ولا كأن حاجة حصلت، فضلنا انا وأختي سهرانين قدام التلفزيون لحد الساعة 12 بالليل تقريبا بعدها هي دخلت عشان تنام وانا فضلت قاعد، شوية والنور قطع، عادي بتحصل عندنا كتير، قومت جيبت شمعة من المطبخ، ولعتها ورجعت عشان ادخل اوضتي انام، بس و انا معدي قدام التلفزيون لمحت حاجة بتتحرك في الشاشة، حطيت الشمعة على ترابيزة بين الكنبة والتلفزيون، قربت من الشاشة، لقيت في صورة صغيرة بتتعرض جوة الشاشة، قربت ودققت اكتر، دا انا! كنت نايم على ترولي كبير وناس بتغسلني، بعدها بيلفوني في قماش اسود وبيحطوني في صندوق خشب، بيمشوا بيا شوية وبعدين بينلزلوني في نفس التربة اللي شوفتها النهاردة، قربت من الشاشة اكتر والدموع مغرقة عينيا، ساعتها لمحت حاجة ورايا كانت باينة من ضوء الشمعة، كيان اسود طويل، قرب مني واحدة واحدة، شايفه في الشاشة بس خايف الف، بقيت بعيط بصوت مسموع وهو بيقرب، فجأة النور جه، لفيت ورايا ملقتش حد بس الشمعة.. الشمعة كانت محطوطة على الترابيزة مولعتش اصلا، ايه ده؟ انا نسيت اولع الشمعة، قفلت التلفزيون وحاولت اركز يمكن اشوف اللي حصل تاني، لكن مافيش أي حاجة ظهرت، قربت لحد ما وشي بقي في الشاشة بس بردو مافيش أي حاجة، فوقت على صوت ابويا بيقولي...
- في ايه ياض يا رمزي مالك واقف كدا ليه؟ التلفزيون حصله حاجة؟ اوعي تكون خربته يومك مش فايت.
- لا يابا التلفزيون سليم انا بس ايــــ.
- ايه ياض علقت ولا ايه؟! انت مالك؟
- مافيش يابا، تصبح على خير.
سيبته ودخلت اوضتي بسرعة، قعدت على السرير وبدأت أعيد المشهد اللي شوفته في الشاشة من تاني، كنت بعيط عياط هستيري وانا براجع مشهد الغسل والكفن والدفن، انت متخيل انك بتشوف نفسك وانت ميت، احساس مرعب، ماكنتش قادر اتلم على اعصابي، بدأت من تاني أعيد شريط حياتي، خلاص انا كده اتأكدت اني ميت ميت مافيش هروب، سألت نفسي طب هتكفر عن اللي عملته ازاي؟ ماكنش في اجابة، مافيش أي حاجة ممكن تكفر عن الذنوب اللي ارتكبتها ابدأ، نمت من كتر العياط والتفكير.
تاني يوم الظهر في ميعاد المدرسة لبست ونزلت لكني مروحتش المدرسة، عديت على احمد، أمه قالتلي انه قافل على نفسه من امبارح ومش عايز يكلم حد، دخلتله الاوضة، كان قاعد على السرير، حاولت اتكلم معه لكنه كان ساكت، كان قاعد ضامم رجليه وساند براسه على ركبته، بعد شوية قولتله...
- انا كمان شوفته على فكرة.
رفع راسه بهدوء وبص لي والدموع في عينيه، كملت كلامي..
- لما روحت البيت شوفت في شاشة التلفزيون اتنين بيغسلوني بس كانوا بيحطوا حاجة غريبة على جسمي مش عارف ايه هي بس كانت زي طين او رملة سودة، بعدها حطوني في الكفن وبردو كان اسود وبعدين دفنوني في نفس التربة اللي شوفناها امبارح، وقبل ما النور يجي شوفته في الشاشة واقف ورايا كيان أسود كبير، خوفت الف وشي وابص له.
كان بيسمعني وهو بعيط من غير صوت، وبعد ما خلصت قال بصوت مبحوح...
- لسه، لسه هتشوف افظع من كدا، هتشوف كل ذنب عملته في حياتك وهيحاسبك عليه، مش هتقدر تهرب منه ابدأ لحد ما تموت، هتتعذب الايام اللي فضلالك وفي الاخر.. هيقتلك.
سألته بصوت مهزوز..
- انت شوفت ايه يا احمد؟
بص قدامه وقال وهو بيعيط..
- شوفت اسمي والتاريخ اللي هموت فيه.. بس لما روحت حصلت حاجة غريبة.. كنت قاعد في اوضتي وفجأة النور قطع، قومت عشان اجيب شمعة انور بها المكان.. دورت كتير لكن مالقتش، قررت ساعتها اروح المطبخ وهناك هلاقي الشمع في الدرج اللي امي اتعودت تحطه فيه، وانا خارج من الاوضة لمحت حاجة بتتحرك في المراية، مش عارف شوفتها ازاي، بس هو احساس جالي، رجعت تاني وقربت من المراية وساعتها شوفت نفسي واقف وسط البحر، الغريب اني كنت واقف زي اللي بيغرق ومحتاج حد ينقذه.. شوفت نفسي وانا بعيط وبنده فعلا على أي حد ينقذني بس فجأة.. فيه ايد اتمدت من ورايا وسحبتني تحت الماية، شوفت نفسي وانا بحاول اقاوم لكن الايد كانت مسيطرة عليا وبتنزلني تاني تحت الماية، كنت بعيط وانا واقف بتفرج على نفسي بفارق الحياة، في اللحظة دي حسيت بايد بتتمد من المرايا وبتحاول تشدني، قاومت وحاولت ابعدها عني، النور جه وساعتها لقيت نفسي واقع على الأرض وماسك هدومي مكان الايد دي، ولما بصيت على هدومي لقيتها مبلولة وفي صوابع معلمة مكان ما كانت الايد دي مسكاني، ملقتش اي تفسير للي حصل، بس الحقيقة اني من ساعتها وانا بسمع صوته، بيطاردني وحالف مايسبنيش غير لما اموت.
سكت بعدها احمد ودخل في نوبة من العياط الهيستيري، انا كمان حسيت بخطورة اللي احنا فيه وعيطت من قلة حيلتي وعجزي وانا مستني موتي بطريقة الله اعلم بقى هتكون عاملة ازاي! فضلت قاعد معاه لحد ما الليل دخل، قررنا نواجه الشئ دا مع بعض ونشوف عايز مننا ايه، دخل جاب كل الشمع اللي في البيت وحطيناه جنبنا، قعدنا مستنين النور يقطع ويظهر، خطرت في بالي فكرة، طلبت من احمد يجيب حاجة نغطي بها المراية ولما نشوف هيتواصل معانا ازاي بعدها، خاف من الفكرة وقال انه ممكن يتواصل معانا بطريقة مخيفة اكتر، بصراحة كان عنده حق، لكن انا طمنته وقولتله ان الموضوع ممكن ينتهي، كنت بتمنى كدا فعلا بس دا محصلش، قام وجاب ملاية بيضا من ملايات السرير وغطينا بها ازاز المراية، قفلنا كمان الشبابيك وقعدنا على السرير مستنين النور يقطع، عدت ساعة والنور لسه مقطعش، احمد قالي وهو بيتلفت حواليه...
- شكله مش هيجي بعد اللي عملناه دا.
قولتله بثقة معرفش جبتها منين...
- لا هيجي اصبر بس.
الساعة بقت 7 ولسه مظهرش، النور قطع، احمد مسك رجلي في حركة تلقائية، مسكت الشمعة وحاولت اولعها، الكبريت مش راضي يولع، حاولت مرة واتنين وتلاتة، بدأت أتوتر وضربات قلبي تزيد، ولا عود كبريت راضي يولع، احمد بدأ يتوتر وسألني في عصبية...
- في ايه؟مبيولعش ليه؟
رديت بنفس التوتر...
- مش عارف، زي مايكون العلبة غرقانة ماية.
انا كنت حاسس فعلا ان علبة الكبريت مبلولة، رميت العلبة وانا بقوله..
- مافيش فايدة مش هيولع، الظاهر كدا اننا عملنا مصيبة وعقابها هيبقى شديد.
قرب مني بخوف وتبت فيا جامد، مكنتش عارف دا صوت دقات قلبه ولا دقات قلبي انا!.. عدت حوالي عشر دقايق من غير ما يحصل أي حاجة، بس فجأة النور جه، قولت لاحمد وانا بضحك..
- ايه دا!.. الموضوع خلص بسهولة كدا!
ضحك وبص لي بس ساعتها ملامحه اتغيرت، صرخ صرخة مرعبة، خوفت وسألته بسرعة..
- احمد في ايه؟..في حاجة ورايا صح؟.. قولي في ايه؟
مردش بس كان بيبص ناحيتي برعب، زعقت فيه تاني وطلبت منه يفهمني في ايه؟.. شاور على وشي وقالي...
- وشك.. وشك مكتوب عليه...
حسست على وشي لكن محستش بحاجة، قومت جريت على المراية، شيلت الغطا من عليها، وساعتها شوفت.. شوفت وشي مكتوب عليه كلمة ميت.. النور قطع، كنت باصص للمراية، وانا بسمع صرخة احمد من ورايا، بس مش دا اللي شاغلني دلوقتي، اللي شاغلني كان اللي انا شايفه، كنت قاعد في أوضة فاضية، كانت زي سجن او.. لا هي زنزانة وانا قاعد في ركن من الاركان راسي بين رجليا، في حد دخل عليا الزنزانة، شدني وقومت معه، بعدها لقيت قدامي مشنقة، كنت بحاول اهرب منه لكنه كان ماسكني كويس جدا، رجلي بدأت تتقل واتيبست، طلعني على الخشبة وحط الحبل حوالين رقبتي وبعدها غطا رأسي بالقماشة السودا، كانت الدموع مغرقة عيني، لفيت عشان اشوف احمد لقيته فاتح الشباك و واقف قدامه بيبص للقمر، ندهت عليه، لف وبص لي، ساعتها شوفت عينيه كانت حمره بلون الدم، شكله كان مرعب في ضوء القمر اللي كان منور الأوضة، بعد كده نط من الشباك وخرج على بره، بصيت عليه لقيته بيجري بسرعة نطيت وراه عشان ألحقه، كان أسرع مني بكتير ماكنتش قادر أشوفه، وانا بجري كان في صوت جوايا بيقولي اني هلاقيه عند نفس التربة، مشيت ورا احساسي ومافكرتش ايه اللي ممكن يحصل لو روحت لوحدي في وقت زي ده، الدنيا كانت ضلمة لكن القمر كان بدر ليلتها عشان كدا كان منور الطريق، الجو برد جداً، مشيت وسط الترب وانا مرعوب، تفكيري في احمد خلاني ماركزش مع الاصوات اللي حواليا، قررت اجري لحد ما اوصل للتربة، اخيرا وصلت هناك، ماكنش في أي حاجة قدام التربة بس.. التربة كان مكتوب عليها اسم احمد وتاريخ وفاته.. مديت ايدي على الكلام اللي مكتوب كان الاسمنت لسه طري.. احمد لسه مدفون حالا، دورت حواليا على أي حاجة افتح بها التربة، مشيت شوية لحد ما لقيت حديدة مرمية جنب تربة من الترب، خدتها ورجعت وبدأت أشيل الاسمنت اللي على العين بتاعت التربة، بدأت أكسر الطوب، ساعتها حسيت بحركة ورايا، لفيت وانا ماسك الحديدة ومستني اشوف مين اللي جاي، كان عم رحيم التربي ومعاه أحمد، أول ما شوفتهم رميت اللي في ايدي وجريت على أحمد وانا بسأله...
- إيه اللي حصل يا احمد وليه جيت هنا؟
رد وهو مستغرب...
- انت اللي جبتني هنا، انا كنت واقف في الشباك وفجاة لقيتك بتجري في الشارع وكان في حد بيجري وراك، جريت عشان ألحقك بس كنت أسرع مني، لحد ما لقيت نفسي هنا وبعدها ملقيتكش ولقيت التربة مكتوب عليها اسمك وتاريخ وفاتك، بعد كده عم رحيم ظهر قدامي وطلب مني أبعد عن التربة دي...
- اجري ايه، انت اللي كنت بتجري وانا ملحقتكش وفي حاجة قالتلي اني هلاقيك هنا، ولما وصلت لقيت اسمك وتاريخ وفاتك على التربة، اهو.
كنت بشاورله على الاسم والتاريخ لكن اتصدمت لما بصيت على التربة وملقيتش اسم أحمد، العين كان مكتوب عليها "عرفة الأسيوطي" التاريخ كان "10مارس1930-15سبتمر1970" رميت الحديدة من ايدي وحسيت اني بدأت اتجنن، قولت وانا بصرخ...
- يعني إيه؟! اسمك كان مكتوب دلوقتي.
قرب مني عم رحيم وطبطب على كتفي وبعدين قالي انا وأحمد...
- تعالوا يا ولاد، تعالوا نقعد عندي واحكولي اللي حصل معاكوا بالظبط؟
مشينا معاه لحد ما دخلنا تربة من الترب ودي كانت تربة هو بيستخدمها كسكن له، قعدنا على مصطبة من المصاطب، كنت مرعوب من المكان لكن وجود احمد معايا كان مطمني، قعد عم رحيم جنبي وطلب مني احكيله اللي حصل، بعد نص ساعة كنا انا واحمد حكيناله كل حاجة تقريباً، من ساعة ما وقفنا قدام التربة لحد ما هو قابلنا من شوية، كان بيسمعنا ببرود غريب.. ماحستش انه مندهش أو مستغرب ودا خلاني اسأله...
- انا ليه حاسك مش مستغرب من اللي بنقوله يا عم رحيم؟
ضحك وقالي..
- انت عارف انا شغال تربي بقالي قد ايه؟ اكيد متوعاش على الكلام دا، بس انا هنا من يوم ما اتولدت يعني بقالي اكتر من ستين سنة في المكان دا، شوفت كتير و ورد عليا اشكال والوان وسمعت حكايات كتير لو حكيتلكوا حكاية منهم شعركوا هيشيب، وحكايتكوا مش اول حكاية تحصل خصوصا عند تربة عرفة الساحر.
سأله أحمد بسرعة...
- اشمعنا التربة دي بالذات؟
- التربة دي صاحبها كان زمان ساحر، ساحر شديد، الناس بتجيله من بلاد بعيدة وكانت الترب هي سكنه، كان مؤذي وكل اللي نفسه يعمل حاجة في حد بيجيله، ابويا كان شغال معاه، كان هو اللي بيقبض من الناس ويدخلهم لعرفة، الترب دي مليانة اعمال عملها عرفة ولسه لعنتها موجودة لحد النهاردة، اهل البلد كانوا بيخافوا منه وماحدش فيهم قدر يتكلم معاه ولا يمنعه عن اللي بيعمله، واللي كان بيفتح بوقه كانوا بيلاقوا جتته تاني يوم وساعات كمان ماكنوش بيلاقوها، انا حضرت اخر ايامه، كنت ساعتها عيل عندي يجي 10 سنين، بس فاكر الايام دي كأنها لسه امبارح، عرفة كان ا في أواخر التلاتينات، قوي وعفي وصوته عالي على الكل، طبعا ماكنش عرفة هو اللي بنشوفه انما دا كان اللي عليه، عرفة عمل عهد مع الشيطان والعهد دا استمر حتي بعد ما مات.
طريقة كلامه كانت مرعبة، حسيت برعشة في جسمي وبدأت أخاف منه لكن في نفس الوقت الفضول خلاني اقوله...
- عهد ايه؟.. وازاي هيستمر وهو ميت؟!
كمل كلامه وهو باصص في الفراغ قدامه...
- عرفة عاش عمره كله مبيخلفش، اتجوز كتير لكن بردو ماكنش بيخلف، ساعتها اتفق مع الشيطان أنه يعاشر اللي هتبقي مراته ويخليها تحمل، مقابل انه يقدمله في ليلة اكتمال القمر كل شهر حاجة زي قربان.. القربان ده كان بيبقى ولد من ولاد البلد، الاتفاق تم وفعلا مرات عرفة جابت الولد.. شيطان صغير اسمه"عابد" بس قبل ما يتم سنتين مات،من بعدها عرفة حاله اتقلب، رفض انه يقدم قرابين تاني، بس كانت النتيجة انه بيتعذب كل مرة في ميعاد القربان، ولما مقدرش يتحمل التعذيب رجع من تاني ينفذ العهد، ما هو اللي باع نفسه مرة هيبيعها الف مرة، والمشتري ماكنش حد عادي دا الشيطان بنفسه، ومرت سنين وفجأة مات عرفة.
سألناه انا وأحمد في نفس الوقت...
- طب وكده مين اللي كان بيقدم القربان بعد موت عرفة؟
بص على الأرض بحزن وقال...
- المساعد بتاعه، ابويا، ابويا هو اللي كمل العهد معاه، مقابل انه يحل مكان عرفة ويملك نفس القوة والخدم اللي كان بيملكهم.
قومت وقفت من مكاني وانا مرعوب، حاول يطمني وقال...
- اقعد يا بني متخافش انا عمري ما هأذيكوا.
قولتله وانا بزعق...
- معني ان ابوك هو اللي كمل العهد يعني انت اللي بتكمله بعده.. قوم يا أحمد الرجل ده هيقتلنا احنا الاتنين، قوم نمشي بسرعة.
قام أحمد فعلا من مكانه بس وقتها عم رحيم اتكلم وقال بهدوء من غير ما يتحرك من مكانه...
- فعلا انا اللي كان عليا الدور اكمل العهد بس ده ماحصلش، انا ماقتلتش ولا هقتل ولو عايزين تمشوا أمشوا مش همنعكوا، لكن لو عايزين تعرفوا باقيت القصة اقعدوا وانا احكيهالكوا.
فضلت واقف مكاني متردد هموت من الخوف وعايز امشي، بس في نفس الوقت الفضول هيقتلني عايز اعرف ايه اللي حصل مع ابوه؟! وازاي هو اللي عليه الدور في تنفيذ العهد ومابيقتلش حد؟ بصيت لأحمد ساعتها لقيته خايف زيي بس قالي...
- خلينا نكمل للأخر يا أحمد وبعدين لو كان عايز يقتلنا كان قتلنا من ساعة ماجينا هنا، مافيهاش حاجة لو قعدنا وسمعنا باقيت الحكاية.
فعلا رجعنا وقعدنا جنبه، قولتله بصوت واطي...
- انا عايز اعرف ايه اللي حصل مع أبوك؟ وليه انت مابتنفذش العهد؟
بص على باب التربة واتكلم بصوت عميق...
- ابويا بعد ما خد مكان عرفة، خدت انا مكانه وبقيت المساعد بتاعه، رغم صغر سني الا ان الناس كانت بتخاف مني وبيعملولي الف حساب خاصة ان ابويا كان بيستخدمني ساعات في فتح المندل وكنت بقولهم مين اللي سرق او مين عمل الاعمال والحاجات دي، ابويا كان واثق اني مش هتأذي طول ما هو محافظ على العهد، مرت السنين بسرعة، بقي عندي خمسة وعشرين سنة، شربت الصنعة وبقيت حافظ كل الاسحار وطريقة الاعمال، ابويا كان كبر ساعتها وحس ان نهايته قربت، قعد معايا في يوم وحكالي اللي حصل معاه هو وعرفة وطلب مني احافظ على العهد والا عقابي هيبقي شديد، قولتله اني مش هعمل كده، زعقلي وقال اني لازم اسمع الكلام والا هتكون حياتي التمن، بعد فترة مات ابويا، وفي اول اكتمال للقمر.. القربان ماكنش جاهز، انا مانسيتش الميعاد بس قررت اني مش هدخل الدايرة دي، انا مش همشي الطريق اللي مشيه عرفة وكمله من بعده ابويا، مش هعمل اتفاق مع الشيطان، فضلت قاعد ليلتها مستني، عدا الوقت طويل جدا، كنت خايف رغم شغلي السنين دي كلها معاهم لكن كنت خايف، مش عارف انتقامه هيكون عامل ازاي؟ بس الوقت عدا والنهار طلع ومافيش حاجة حصلت، فرحت، حسيت اني انتصرت عليه، بس مالحقتش افرح، وانا بتمشي الصبح بين الترب شوفت طفل رضيع ملفوف بقماشة ومرمي على الأرض، قربت منه وبصيت عليه.. كان قاطع النفس، ساعتها سمعت صوت ضحكته جوايا، سمعته بيقول..
- انت فاكر انك انتصرت، انا سيبتك بس عشان لسه مش عارف تختار طريقك ولو على القربان اديك شايف اتباعي كتير، المرة الجاية هتكون مكانه، ادفن الولد في مقبرة عرفة، واياك حد يفتح التربة دي في أي وقت غير لما أذنلك.
شيلت الطفل وانا برتعش، جريت به على جوة، حطيته وفضلت قاعد بفكر، ياترى اسمع كلامه ولا اروح ابلغ البوليس؟ بس انا معرفش مين اللي رماه هنا وممكن البسها انا، قررت في النهاية اني ادفنه، بس مش هدفنه في تربة عرفة، فتحت تربة جديدة ماحدش ادفن فيها قبل كده وحفرت جواها ودفنته، بعدها الصوت رجع تاني...
- طلعت غبي زيك زي عرفة، سقطت في الاختبار، انت فاكر ان الطفل اللي دفنته ده حقيقي؟!
- ايوا حقيقي واتباعك هم اللي قتلوه.
سمعت ساعتها صوت ضحكة هزت قلبي من جوة، الشك بدأ يلعب بيا، جريت على التربة وفتحتها، حفرت المكان بس مالقيتش حاجة، فضلت أحفر كتير في النهاية الطفل ماكنش موجود بس في اللحظة اللي فوقت فيها لقيت قدامي كائن اسود ضخم، كان واقف بيتفرج علىا، ماكنش باين منه غير عينيه، كانت حمرا بلون الدم، اول ما بصيتله سمعت صوت ضحكته، ضحكة مرعبة سمعتها قبل كده، قرب مني بهدوء، حسيت بالخوف ورجعت لورا، قرب أكتر، ماكنش فيه مكان اهرب منه، مسكني من هدومي وهو بيهزني بعنف وبيقول...
- طالما مافيش قربان، هتبقى انت القربان.
رماني في الحفرة اللي حفرتها بايدي وبدأت أحس بالرمل وهو بيغطي جسمي، كان بيضحك نفس الضحكة وانا بختفي تحت الرمل، بعد دقايق الدنيا اسودت في عيني.
قومت من النوم، بصيت على القمر لقيته كامل، دا معناه ان الليلة لسه معدتش وانه مستني القربان والا هيعمل فيا اللي شوفته، مابقيتش عارف اعمل ايه؟ خرجت بره، بعد شوية سمعت صوت عالي جاي من بعيد، قربت وراقبتهم من ورا تربة من الترب، من كلامهم عرفت انهم شوية حرامية، سرقوا بيت من البيوت وبيتخانقوا على تقسيم الفلوس، فجأة واحد من التلاتة فتح مطوته وطعن بها واحد من الاتنين التانيين، بعدها بص للتاني وقاله كده كل واحد فينا النص، سابوه ومشيوا، قربت منه كان لسه فيه الروح، طلب مني أنقذه، قالي انه ماينفعش يموت دلوقتي، الذنوب اللي عملها هتدخله النار، ساعتها جت في دماغي فكرة، قررت انه يكون القربان، مش هحس بالذنب لاني ماقتلتوش وفي نفس الوقت ده حرامي يعني موته هيحمي ناس كتير من شره، خنقته بايديا عشان اتأكد انه مات بعدها شيلته و روحت به على تربة عرفة فتحتها ودفنته جواها، وانا بقفل التربة شوفته واقف جنبي، كان بيراقبني وهو مبستم، مر الشهر بسرعة وجه الميعاد التاني، نفس الحكاية مش عارف هعمل ايه، خرجت كالعادة ادور على ضحية سهلة تستاهل الموت، عدا وقت طويل وانا مستني، الفجر كان قرب يأذن لما لقيته جاي من بعيد، كان بيعرج وهو ماسك بطنه بايد غرقانة دم، قرب مني أول ما شافني، كان نفس الشاب اللي قتل زميله الشهر اللي فات، قالي انه كان بيهرب من البوليس وضربوا عليه نار واتصاب بطلقة في جنبه، طلب مني اساعده وانقذه قبل ما يموت، قولتله ميقلقش وخدته معايا وجيبته هنا، طلبت منه ينام على ما اجيب حاجة اخرج بها الرصاصة، دخلت جوة وجيبت السكينة وقبل ما اخرج لقيته واقف قدامي، نفس الكيان الاسود، قال بثقة...
- طبعا انت عارف هتعمل ايه؟
= هزيت رأسي في خضوع وانا بأكدله اني عارف اللي هعمله، خرجت بره، الشاب كان بيصرخ من الألم، كان بيتنفض من الحمى اللي مسكت جسمه، كان بيهزى بذنوب ارتكبه، اتكلم عن بنات اغتصبها وناس قتلها، قربت منه، حطيت طرف السكينة على الجرح وبعدها بدأت اغرزها بهدوء، صرخ صرخة عالية، كتمت بوقه بايدي الشمال، غرزت السكينة أكتر، اتنفض بين ايديا، بعد ثواني مابقيتش حاسس بنفسه، غمضت عينيه بايدي، شيلته وروحت به لتربة عرفة، حطيته جنب زميله وقفلت باب التربة، كان واقف بيبصلي ونفس الابتسامة على وشه، عدت شهور وكل شهر في نفس الميعاد بلاقي الضحية هي اللي جاية برجليها، كل واحد فيهم لازم يكون ارتكب ذنب عظيم جابه لحد هنا، القربان لازم يكون فاسد والا مش هيقبله.
بصلنا في اللحظة دي وقال بصوت مرعب...
- انتوا عملتوا ايه في دنيتكوا عشان تيجيوا لحد هنا برجليكوا؟
ساعتها قومت انا وأحمد وجرينا ناحية البوابة، بس قبل ما نوصل كانت اتقفلت، لفيت لقيته قاعد مكانه زي ماهو، واثق اننا مش هنعرف نهرب، وجه كلامه ليا وهو بيضحك ضحكة مرعبة...
- رايح على فين؟ اللي بيجي هنا مابيخرجش، فرصككوا كانت قبل ما تسمعوا الحكاية، لكن دلوقتي مبقاش قدامكوا غير انكوا تقولوا ايه الذنب اللي جابكوا هنا؟
رديت عليه بصوت مهزوز...
- انا.. انا معملتش حاجة
قالي وهو بيبتسم...
- مافيش حد هنا برئ، كلنا مذنبين، ولا انت فاكر ان الأذية اللي كنت بتعملها في الناس زمان مش ذنب يستاهل انك تموت عشانه؟!
- انا مأذيتش حد.
- لا أذيت.. أذيت ناس كتير بمقالبك وهزارك السخيف، فاكر صاحبك اللي وقعته من على السلم وكان هيموت يومها.
- انا.. انا ماكنتش قاصد أوقعه، هو اللي اتكعبل و وقع .
ضحك ضحكة مرعبة وقالي...
- هنا ماينفعش تكدب، هو كان معاك وقتها وعارف انت عملت ايه.
بص لأحمد بعدها وقال...
- زي ماهو عارف إن أحمد كان قاصد يلعب في الفرامل بتاعت عربية ابوك يوم الحادثة وبعدها اتحجج انه مش هيقدر يجي معاك المشوار اللي كنتوا متفقين عليه، كان عايز يخلص منك عشان بيحب نفس البنت اللي انت بتحبها، مش كده برضه يا أحمد.
أحمد كان ساكت مابيردش، بصيت له وانا مصدوم، قالي...
- ما.. ما.. تصدقوش يا رمزي، انا.. انا.
قطع رحيم كلامه بضحكة مرعبة وهو بيقوم من مكانه وجاي ناحيتنا...
- دلوقتي بعد ما سمعتوا الحكاية وعرفنا ذنب كل واحد فيكوا، خلاص لازم تختاروا مين فيكوا هيموت، هو طلب قرابين وانا قررت اقدمله اتباعه.. وانتوا منهم.
فضل باصص علىنا لثواني بعدها قال...
- واضح انكوا هتسيبولي فرصة الاختيار، عظيم، احمد الحقد والكره ماليين قلبه فكده كده هيجي برجليه، لكن انت يا رمزي ذنبك ممكن ماتكرروش تاني بعد اللي حصل النهاردة عشان كده هبدأ بيك.
في اللحظة دي قرب مني وخنقني بايديه الاتنين، كان أقوى مني رغم سنه الكبير، حاولت افلت منه بس ماقدرتش، خنقني بكل قوته، كنت بطلع في الروح لما فجأة سابني و وقع على الأرض، ساعتها شوفت أحمد واقف وفي إيده النبوت اللي كان جنب رحيم وهو بيحكلنا الحكاية، بصيت له لثواني وانا بحاول أتنفس من تاني، بعدها قربت من رحيم بخوف، حاولت أسمع أنفاسه لكن كان قاطع النفس، بصيت لأحمد وانا مرعوب...
- ده مات! قتلته ليه؟
رد علىا بعصبية...
- قتلته ليه؟! انت كنت عايزني اسيبه يقتلك وبعدها يقتلني؟ قوم يالا خلينا نهرب وسيبك من شغل الحريم ده.
خرجنا من التربة بسرعة وفضلنا نجري لحد ما طلعنا بره الترب كلها، بعدها كل واحد روح بيته، دخلت اوضتي وقفلت على نفسي، ماكنتش قادر اتلم على اعصابي، احنا قتلنا رحيم واللعنة اللي عليه أكيد هتصيبنا احنا الاتنين، ساعتها حسيت ان في حد معايا في الأوضة بس مش قادر أشوفه، شوية ولمحت خيال اسود ورا الشباك، حطيت ايدي على عينيا عشان ماشفوش، لما بصيت على الشباك تاني كان اختفى، بعدها نمت ماعرفش نمت عشان اهرب من اللي انا فيه ولا نمت من تعب اليوم كله، المهم اني نمت نوم عميق.
صحيت تاني يوم وعديت على أحمد عشان اشوف هنعمل ايه في المصيبة اللي وقعنا فيها، الغريب اني لقيته هادي جدا ولا كأن في حاجة حصلت، سألته باستغراب...
- انت جايب البرود ده منين؟
- ياعم وهو ايه اللي حصل مخوفك أوي كده، رحيم كده كده ماحدش هيحس بيه إذا كان عايش ولا ميت، واحنا ماحدش شافنا امبارح وماحدش يعرف اننا كنا هناك من أصله، جمد قلبك كده، وبعدين أوعى تكون صدقت رحيم في اللي قاله امبارح هو بس كان بيقول كده عشان يلقى سبب يموتنا عشانه لكن انا ماعملتش كده.
رديت عليه ساعتها وانا حاسس كأن في حد غيري بيرد عليه...
- طبعا يا أحمد انا عارف انك ماتعملش كده، انا بس قلقان من موضوع رحيم ليتعرف.
ابتسم وهو بيبص لي...
- لا ماتقلقش ماحدش هيعرف حاجة وهيفضل سر بينا.
أحمد كان عنده حق في موضوع رحيم، عدت ايام وماحدش لقى جثته، حتى إحنا عدينا على التربة اللي مات فيها ملقناش له أي أثر، أحمد كان فرحان وقتها، انما انا.. انا كنت حاسس بحاجة غريبة جوايا، في حاجة بتحصل معايا انا مش عارفها وفي يوم كنت في أوضتي لما النور قطع، حسيت بأنفاس حواليا، كان فيه ريحة وحشة في المكان شوية ولمحت حاجة بتتحرك في المراية، قومت وبصيت من بعيد لاحظت حركة في الصورة الموجودة جوة المراية، قربت أكتر ودققت، كان أحمد، أحمد واقف في وسط ماية رافع ايده كأنه بيستغيث فجأة ظهرت من وراه وانا بحط ايدي على راسه وبنزله تحت الماية تاني، حاول يقاوم لكن بمرور الوقت مقاومته قلت وبعدها مات، جثته طفيت على وش الماية، بصيت حواليا عشان اتأكد ان مافيش حد شافني وخرجت من الماية، بعدها لبست هدومي ومشيت، في اللحظة دي سمعت صوت أحمد بينده علىا، رفعت راسي وبصيت ناحية الشباك وساعتها شوفته كان واقف في ركن من أركان الحيطة بص لي وابستم لقتني انا كمان ببتسم، ماردتش على أحمد بس أمي فتحتله الباب ودخلته، دخل أوضتي لقاني قاعد على السرير، فضل يتكلم كتير ويسألني عن أحوالي، ماكنتش برد خالص، كنت عايزه يمشي ويسيبني، جوايا حاجة بتقولي اخلص منه، صرخت فيه فجأة وقولتله
- بس بقي اسكت،انت ايه مابتفصلش؟! اتفضل قوم امشي انا مش عايز اقعد معاك.
بصلي باستغراب لثواني وبعدها وسألني بهدوء...
- مالك يابني في ايه؟
- مافيش بس مش عايز اتكلم مع حد، سيبني دلوقتي.
قالي وهو بيبتسم...
- لا مش هسيبك، بقولك ايه ما تيجي نقوم ننزل البلد شوية.
- لا ماليش مزاج.
- ياعم قوم بقى متبقاش رخم، يالا خلينا نفك عن نفسنا شوية.
حاولت أرفض كتير لكنه صمم، قومت في الاخر ونزلت معاه، لفينا البلد كلها شبر شبر تقريبا، لحد ما حسينا بالتعب وريحنا شوية على جنب الطريق، لقيته ساعتها بيقترح اقتراح غريب...
- بقولك ايه ماتيجي نطلع عند الكوبري شوية.
ده كان المكان الوحيد اللي اتعمدت اننا منروحوش الليلة دي، بس هو بنفسه اللي بيقترح علىا نروح هناك، مستعجل قدره، لقتني ببصله وعلى وشي ابتسامة رضا وبقوله...
- ياريت.
ابتسم هو كمان، روحنا هناك، وفضلنا واقفين شوية باصين في الماية، بعدها قولتله...
- ايه رأيك لو ننزل الماية دلوقتي.
ابتسم وقالي..
- ياريت، بس انت تخاف تنزل في الجو ده.
- تعالي نشوف مين فينا اللي هيخاف.
- ماشي هنشوف.
ساعتها كنا واقفين من ناحية الكوبري، لفينا الناحية التانية واتمشينا جوه شوية عشان ماحدش يبقي شايفنا وبعدها قلعنا هدومنا ونزلنا، الماية كانت ساقعة جدا، الجو كان تلج، اول ما لمست الماية حسيت اني اتجمدت في مكاني، بصلي وهو بيضحك وقالي وهو بيرتعش...
- ايه يا عم الجامد خايف تنزل ولا ايه؟
رميت نفسي في الماية مرة واحدة، وبعدها طلعت بصتله وقولتله وانا برتعش...
- شكلك انت اللي خايف تنزل وريني نفسك يا شبح.
رمى نفسه هو كمان في الماية وخرج بعدها بيترعش جامد، الماية فعلا كانت تلج، حاولت اعوم شوية عشان ادفي نفسي بس مافيش فايدة حاسس اني بتجمد هو كمان ماكنش قادر يستحمل برودة الماية، كل واحد فينا خايف ينسحب ويقول كفاية، النيل كان مستواه عالي الليلة دي، احمد كان واقف متجمد في مكانه بيحاول بالعافية يحافظ على توازنه، قربت منه وبصيت في عينيه وانا بضحك وقولتله...
- نسيت العوم ولا ايه؟
قالي بصوت مهزوز...
- طلعني انا مش قادر احرك جسمي.
ضحكتي علىت أكتر وانا بتريق عليه...
- كنت فاكرك اقوى من كده دا انت طلعت خرع.
- مش قادر هموت.
- وايه يعني ما انا كنت هموت برضه يوم الحادثة، كنت حاسس نفس احساسك ده بالظبط، كنت فاكرك أقرب صاحب ليا بس طلعت أوسخ واحد في الدنيا، غيران مني عشان انا دايما احسن منك، عشان اختارتني انا وسابتك، انا الوحيد اللي بيوقف قصادك وبيحسسك بضعفك.
بدأ ينازع في لحظاته الأخيرة، كنت بتفرج عليه باستمتاع، سمعت ساعتها صوت جاي من بعيد، خدته ونزلت به تحت الماية، حاول يقاوم بس ماكنش قادر، عدت دقيقة ورفعت راسي تاني، شوفت اتنين ضهرهم لينا هما اللي كانوا معدين، بصيت عليه لاقيته قطع النفس، عضلات قلبه ماستحملتش البرد، قلبه وقف من السقعة قبل الغرق، بعد شوية شوفت جثته على وش الماية، زقتها جوه وبدأت تمشي مع التيار، خرجت لبست هدومي بسرعة، ولميت هدومه وحطيتها في كيس بلاستيك كان مرمي على الشط، خرجت بره وساعتها شوفته كان واقف تحت الشجرة وبيبتسملي نفس الابتسامة، بس ماكنش لوحده.. رحيم كان معاه.. كان واقف بيبص علىا وبيراقبني وعينيه كلها غضب، خوفت ومشيت بسرعة، طلعت على البيت وهناك جيبت ازازة فاضية وروحت لعربية ابويا سحبت منها بنزين، بعدها طلعت على حتة الأرض الفاضية اللي قدامنا وغرقت الهدوم بالبنزين و ولعت فيها، بعد كده دخلت البيت، قفلت أوضتي عليا ونمت.
لحد النهاردة مش قادرين يلقوا جثة أحمد، أما جثة رحيم فانا عرفت مكانها وأكيد انت كمان عارف دلوقتي هي فين، لكن المشكلة ان رحيم من يومها بيظهرلي، بيطلب مني نفس الطلب اللي طلبه عرفة من ابوه وابوه طلبه منه، القربان أو الموت، كان فاضل على اكتمال القمر ايام عشان كده سيبت البلد وهربت، مش عارف لما يجي الميعاد والقمر يكمل رحيم أو الكائن ده هيعملوا فيا إيه؟ بس كل اللي اعرفه اني بكتبلك الرسالة دي دلوقتي والقمر فاضله يوم واحد ويكتمل ولازم القي قربان مناسب أو استعد للموت على ايد رحيم.
تمت بحمدالله
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل