بقلم الكاتب: شادي إسماعيل
- صب كمان كاس يا كوستا.
- أمرك خبيبي، أخلى كاس لاخلى زبون في الخمارة كلها.
- الحب عذاب والقلب داب، اه يا حسنية يابنت الكلب، بقى انا.. انا يتقالي لا من واحدة زيك!
- روق دمك يا معلم، كله بالخب بيلين يا خبيبي.
- مش عايزة تلين ياكوستا، بنت الـ...
- طب واللي يخليها تلين، تدفعله كام؟
- ادفعله اللي هو عايزه، بس اشوفها راكعة تحت رجلي.
- هيخصل هيخصل، ماتقلقش.
******
ده كان الحلم اللي حلمته في البيت الجديد، هو مش جديد بالعكس ده بيت من البيوت اللي اتبنت في الثلاثينات او يمكن قبلها، بس هو بالنسبة لي كان جديد، عشان انا اتنقلت هنا من يومين، المكان يعتبر كنز كبير لاني بحب جدًا الاماكن الأثرية، وعشان كده أول ما شوفت الاعلان على النت وعرفت انه معروض للبيع اتصلت بصاحبه واشتريته فورًا، صاحب البيت كان راجل في الاربعينات، قالي انه ورث البيت عن جده وبما انه الوحيد اللي فاضل في العيلة فقرر انه يبيعه ويسافر، البيت كان على ناصية حارة من حواري وسط البلد، و دي ميزة تانية بالنسبة لي خصوصًا إني بعشق المنطقة دي من صغري وكان نفسي أسكن فيها من زمان، أما الميزة الأهم فهي إن السعر كان كويس جدًا ويعتبر لؤطة، المشكلة بقى كانت ان البيت و زي كل البيوت القديمة، الشقق بتبقى واسعة أوي، وده مش كويس لسببين، أولاً مكلف في فرشه، ثانيًا إنه بيبقى مرعب بالليل عشان انا قاعد لوحدي، و زي ما قولتلك انا نقلت هنا من يومين لكن في اليومين دول ماشوفتش حاجة، بس النهاردة كانت اول مرة اشوف الحلم ده، صحيت من النوم مش فاهم، مين دول وشوفتهم ليه؟ ماقدرتش اوصل لاجابة، قومت دخلت الحمام وبعدها عملت كوباية شاي ورجعت قعدت على الكنبة في الصالة، فتحت التلفزيون وبدأت اقلب فيه، مش لاقي أي حاجة عدلة اتفرج عليها، فضلت اقلب لحد ما لاقيت فيلم لذيذ سيبته، حطيت الريموت على الترابيزة ومسكت كوباية الشاي ورجعت بضهري في الكنبة.
لقيت قدامي في الشاشة واحد واقف بضهره، جسمه ضخم وعريض، كان واقف قدام محل مكتوب على يافطته "بار كوستا" دخل المحل من غير تردد، الكاميرا سبقته في المحل ووقتها قدرت اشوف وشه، كان بيبص على حاجة أو كأنه بيدور على حد، بعد كده ابتسم ابتسامة كبيرة واتحرك، الكاميرا بقت في ضهره وعشان كده قدرت اشوف من زاوية رؤيته واحد قاعد على البار بيبص له وهو مبستم، دخل الراجل الضخم وسلم عليه، وساعتها الراجل اللي كان قاعد قاله...
- ازيك يا معلم دبور؟
- ازيك انت يا استاذ رمزي.
- زي الفل.
شاور رمزي بكاسه للراجل العجوز اللي واقف ورا البار، وفي اللحظة دي اتكلم دبور وقال...
- هات لي انا كمان واحد دُبل يا كوستا.
رد عليه كوستا وهو مبستم...
- شكل مزاجك مش رايق الليلة.
- لا خالص ده العادي بتاع كل يوم، بس النهاردة الواد جوني عكنن عليا الله يعكنن عليه.
سأله رمزي باهتمام وهو بيحط الكاس على البار...
- ليه كده عملك ايه؟
- ماعمليش حاجة، هو يقدر؟! ده انا كنت دفنته مطرحه، كل ما هنالك انه قالي انهم هينقلوا الكامب الانجليزي اللي على الناصية وهيودوه الظاهر.
- طب وانت ايه اللي معكنن عليك في حاجة زي دي؟ انا شايف انها حاجة كويسة عقبال ما يغوروا من البلد كلها.
رد عليه دبور بصوت عالي...
- حاجة كويسة ايه! انت عارف انا بكسب قد ايه من وراهم؟ دول لو مشيوا انا بيتي هيتخرب.
بص ساعتها رمزي لكوستا وقاله وهو بيضحك...
- وطني أوي.
رد عليه كوستا بسخرية...
- طبعًا معلم دبور طول عمره وطني.
ضحكوا الاتنين بصوت عالي في الوقت اللي قال فيه دبور...
- اه وطني غصب عنكوا بس ده شغل والشغل مايعرفش وطنية.
- هدي نفسك يا دبور، احنا بنضحك معاك يا جدع.
شوح دبور بايده وهو بيرفع الكاس على بوقه، بعد ثواني رجع الكاس على البار تاني وعلى ملامحه بعض الالم الخفيف من أثر الخمرة اللي شربها على مرة واحدة، بعدها قال...
- انت عارف يا رمزي انا ببيع للعساكر الانجليز كام تُربة في الاسبوع؟
بص له رمزي بحيرة وسأله بلهفة...
- لا، كام؟
- أكيد مش هقولك.
ضحك بعدها وهو بيمد ايده ناحية رمزي اللي رفض يسلم عليه وبص له بغيظ قبل ما يرفع الكاس اللي كان ملاه كوستا من غير مايطلب منه، كمل دبور ضحك وقال...
- لا صحيح، انا بكسب منهم حلو اوي وعشان كده لو مشيوا من هنا هيتخرب بيتي.
- كل واحد بيدور على مصلحته وماحدش بيفكر في مصلحة البلد.
- البلد! هاهأو لا حلوة.. حلوة يا رمزي، انت صدقت نفسك انك وطني ولا ايه؟! نسيت.. نسيت انت شغلنتك الاصلية كانت ايه؟
بص له رمزي باحتقار وبعدها حاول يدافع عن نفسه فقال...
- ده كان زمان، وبعدين انا كنت بعمل كده غصب عني عشان ماكنتش لاقي أكل.
- خلاص يا اخويا يبقى كلنا في الهوا سوا، انا بتاع حشيش وحضرتك مرشد للانجليز، والبيه جريجي مالوش في التور ولا في الطحين ولا المسئلة فارقة معاه من أساسه.
في اللحظة دي اشتغلت موسيقي وبعدها خرجت واحدة على المسرح، بص دبور عليها وبعدين قال...
- اوبا، مين يا كوستا الحتة الجديدة دي؟
بص له كوستا من تحت نضارته بعدها رد عليه...
- دي واخد جديد اسمه خسنية.
- واخد جديد، ونظامها ايه بقى دي؟
- مالوش نظام، هو يرقص بس.
- يرقص بس!
- امممم تمام، هو يجي يرقص، بعدين هو يروخ.
قاله رمزي ساعتها وهو بيضحك...
- ياخي انت مش عاتق حد.
- الله! ما احنا بنحاول نبقى وطنيين زيك يا عم رمزي اهو، هو لا الشغل مع الانجليز عاجبك ولا الشغل مع المصريين عاجبك.
- مافيش فايدة فيك.
- قعدلنا على جنب والنبي انت يا اخويا وسيبنا في حالنا، انا مش فاضيلك دلوقتي.
قام بعدها دبور وراح ناحية المسرح، نقط حسنية بفلوس كتير وبعدين ميل عليها وقال لها في ودنها...
- خلصي نمرتك وتعالي على ترابيزتي.
بصت له وقتها ببرود وكملت رقص، اما هو فمرجعش على البار و راح قعد على ترابيزة من الترابيزات الفاضية، وشاور لكوستا اللي جري عليه بصينية فوقيها ازازة جديدة وكاسين، فتح كوستا الازازة وصب له كاس وهو بيقوله...
- خسنية مش يعمل اللي يفكر فيه انت.
- صب يا كوستا وامشي.
- تمام خبيبي.
خِلصِت الموسيقى ومعاها نزلت حسنية من على المسرح و راحت ناحية البار، شاور لها دبور بكاسه ساعتها، بس هي لفت وشها ناحية كوستا وقالت له...
- انا كده خلصت نمرتي وهروح.
طلع كوستا من جيبه فلوس وادهالها، بعدها خدت حسنية الفلوس ومشيت، وهي خارجة بصت لدبور باحتقار وخرجت من باب البار، قام ساعتها دبور بغضب و راح ناحية البار و زعق في كوستا...
- انت ازاي ماجبتهاش على ترابيزتي وسيبتها تمشي؟
- ما انا قولتلك يا معلم، خسنية مش يعمل اللي انت عايزه.
- ماشي يا كوستا اما نشوف خسنية يعمل اللي انا عايزه ولا لا.
خرج فلوس من جيبه وحطها على البار وهو بيخبط بايده فوقهم، بعد كده بص لرمزي وقاله...
- سلام يااا وطني.
رد عليه رمزي بسخرية...
- سلام يابتاع خسنية.
******
فوقت ساعتها على صوت التلفزيون، كان في فيلم جديد شغال، بصيت على الشاشة تاني، راح فين الفيلم اللي كنت بتفرج عليه؟ قلبت القنوات كلها لكن مالقتوش، وقتها لقيت كوباية الشاي قدامي على الترابيزة زي ماهي ماتشربش منها حاجة وكمان في دخان طالع من الكوباية اللي مسكتها بسرعة ولقيتها سخنة، يعني ايه؟ اومال الوقت ده كله عدى في ايه؟ ماقدرش انكر اني حسيت بالخوف أو ممكن تقول بالرعب، بالذات بقى لما فجأة سمعت صوت صريخ جاي من الأوضة اللي جوة، كان صوت عالي أوي، قربت من الأوضة بهدوء، كنت لسه سامع الصوت، وقفت متردد افتح ولا لا؟ في الاخر استجمعت شجاعتي و زقيت الباب، أول ما الباب اتفتح الصوت اختفى، الأوضة كانت ضلمة، حاولت افتح النور لكن ماكنش بيفتح، ولعت كشاف الموبايل و دخلت، كان في سرير مترتب بس شكله قديم أوي، سرير نحاس من بتوع زمان، جنب السرير كان فيه كومودينو خشب صغير، نورت بالكشاف على شمالي وساعتها شوفت دولاب شكله مترب بس حالته كويسة الي حدِ ما، وقتها سمعت صوت أنفاس زي مايكون في حد بينهج، قربت منه بهدوء، الصوت كان بيعلى، مشيت ايدي على الدرفة وانا مرعوب، و فجأة فتحت الدرفة، بس ماكنش في حاجة، ركزت مع الصوت كان جاي من تحت رجلي وجهت الكشاف وساعتها شوفتها.
قومت من النوم لقيتني على الكنبة، اتعدلت في قعدتي ووقتها حسيت بحاجة خبطِت في رجلي، بصيت لقيت كوباية الشاي واقعة على الأرض ومغرقة السجادة، شيلت الكوباية وحطيتها على الترابيزة، قومت بعدها دخلت الحمام، غسلت وشي وبعدين خرجت، بصيت ساعتها على الأوضة اللي حلمت بها، كانت فاضية مافيهاش أي حاجة، فضلت واقف في نص الأوضة وانا بتخيلها زي ما شوفتها في الحلم بالظبط، وبسأل نفسي سؤال واحد، ياترى مين اللي شوفتها في الحلم؟ مالقتش اجابة لسؤالي وعشان كده قفلت باب الأوضة زي ما كان وخرجت قعدت في الصالة، قعدت شوية وانا لسه بفكر مين دي وشوفتها ليه؟ فوقت من سرحاني على صوت التليفون، مسكته عشان ارد لكن ساعتها انتبهت، ده مش صوت تليفوني، ده صوت تليفون أرضي، مشيت ورا الصوت كان جاي من أوضة ماكنتش دخلتها قبل كده، كنت لسه سامع صوت الجرس، فتحت نور الأوضة ودخلت، دورت كتير لحد ما وصلت للتليفون، رفعت السماعة يسرعة وقولت...
- الو..
- اهربوا بسرعة، عرفوا مكانكوا وجايين عشان يخلصوا عليكوا.
- الو.. الو.. مين بيتكلم؟
الخط اتقطع، ماسمعتش صوت تاني بعدها، حطيت السماعة مكانها، وساعتها خدت بالي، التليفون كان قديم أوي، بالظبط زي التليفونات اللي بشوفها في الافلام الابيض واسود، تليفون أسود بسلك، فضلت واقف مكاني مصدوم، انا كنت بكلم مين؟ بصيت حواليا في الأوضة، كانت مليانة كراكيب وحاجات كتير، عفش مكسر، وبورتريهات قديمة، ايوة افتكرت انا لما جيت اتفرج على البيت الساكن القديم قالي انه ساب شوية حاجات مش محتاجها، مسكت صورة من الموجودين، نفضت التراب عنها، كان في الصورة راجل في نص الثلاثين واقفة جنبه ست لابسة عباية لف وعلى وشها يشمك، وكان واقف قدامهم طفلين عندهم حوالي 13سنة او اكبر، الطفلين كانوا لابسين بدل وعلى راسهم طرابيش، مسحت بايدي بقيت الصورة، كان مكتوب في الجنب من تحت على الشمال "استديو بيلا 1910" حطيت الصورة مكانها وخدت عدة التليفون معايا وخرجت بها برة الأوضة، قفلت الباب و روحت قعدت على الكنبة وحطيت عدة التليفون جنبي، كنت ببصلها وانا مرعوب، الشقة دي أكيد مسكونة، انا كنت بسمع دايمًا عن قصص الشقق القديمة المسكونة بس عمري ما صدقت، لكن واضح كده إن الناس اللي حكت القصص دي كان عندهم حق، فجأة التليفون رن، رفعت السماعة بسرعة وانا بقول...
- الو، الو.. انت مين؟
لكني سمعت رنة التليفون، ركزت ساعتها وعرفت إن موبايلي انا هو اللي بيرن، رميت السماعة على الكنبة بغيظ وبعدها رديت على تليفوني...
- ايوة.
- ايه يابني، عامل ايه؟
- الحمدلله تمام، ازيك يا عادل؟
- انا تمام، بقولك ايه احنا عازمين نفسنا عندك النهاردة.
- انتوا مين؟ وعازمين نفسكوا يعني ايه؟
- هو انت تعرف غيرنا يابني، انا ومحمود هنعدي عليك النهاردة وهنقضي السهرة عندك.
- ماشي، هستناكوا.
ده عادل، صاحبي الوحيد، ومحمود يبقى ابن عمه، شاب سخيف بيشرب كل حاجة وماعندوش مانع يعمل أي حاجة عشان خاطر الفلوس، وبصراحة انا مش بحب اقعد معاه بس ساعات عادل بيفرضه علينا بحكم ان هو اللي بيجيبلنا المخدرات، وعشان كده بضطر اوافق.
بعد المكالمة قومت عملت شاي و انا بكلم نفسي، لو الهبل ده حصل والعيال قاعدة معايا هعمل ايه؟ ربنا يستر ومايحصلش حاجة، ايوا بس انا مش عارف هيحصل ولا لا ويمكن لو حصلت حاجة وخوفتهم عادل يبعد عني ويخاف وساعتها هرجع لوحدي تاني، سيبها لله وماتقلقش.
بعد ما خرجت من المطبخ نضفت المكان و رجعت التليفون مكانه عشان ماحدش فيهم يشوفه، النهار عدى بسرعة جدًا والليل دخل ولقيت عادل ومحمود جايين، سلمت عليهم ودخلتهم، قعدوا في الصالة وانا دخلت اعملهم حاجة يشربوها، وبعدين رجعت قعدت معاهم، عادل كان بيبص للشقة بانبهار لما قالي...
- ماشاء الله، الشقة كبيرة أوي يا مصطفى.
أكد محمود على كلامه وقال...
- اه فعلًا الشقة دي كبيرة جدًا، انت مش بتخاف وانت قاعد فيها لوحدك؟
بصيت له بارتباك وانا بقوله...
- لا.. وانا ايه اللي هيخوفني يعني؟
- يعني الناس عامة بتخاف تقعد في اماكن واسعة لوحدها وبعدين الشقة دي قديمة فأكيد مسكونة.
ضحك عادل على كلامه...
- ايه يا محمود انت جاي تخوف الراجل ولا ايه؟ اهدى كده وغير الموضوع.
- لا انا مش بخوفه ولا حاجة بس دي حقيقة فعلاً، انت ماشوفتش حاجة من ساعة ما جيت يا مصطفى؟ يعني واحدة معدية هنا، طفل معدي هنا، اشباح كده ولا كده.
كلامه كان مخوفني فعلاً، فقولتله بنبرة حادة شوية...
- بقولك ايه، بطل كلام في الموضوع ده، تمام.
- اهدى ياعم انا بهزر معاك.
ضحك وهو بيبص لعادل وبيقوله...
- مش قولتلك قلبه خفيف.
بص لي عادل وقتها وقالي وهو بيضحك...
- انا اسف يا مصطفى بس الواد ده اتفق معايا انه يخوفك.
- انت وابن عمك اسخف من بعض والله.
قال محمود ساعتها...
- خلاص ياعم حقك عليا، ماتزعلش.
قولتله وانا متعصب...
- طب اخلص يا خفيف ولف لنا سيجارة.
- هات طبق عشان مافيش سجاير جاهزة.
- المطبخ عندك جوة اهو قوم هات.
دخل محمود المطبخ بس اتاخر لدقايق، عادل نده عليه لكن ماكنش بيرد لحد ما لقيناه جاي بعدها و وشه مخطوف، قعد من غير ما يتكلم، سأله عادل باستغراب...
- مالك ياض يا محمود، وشك مِصفر كده ليه؟
- الشقة دي مسكونة.
قولتله وانا قالب وشي...
- يادي السخافة، ياعم قولنا دمك تقيل وهزارك رخم.
قال بجدية...
- انا مبهزرش، الشقة دي مسكونة بعفاريت فعلاً، انا شوفتهم والله العظيم شوفتهم.
قاله عادل بانبهار وهو بيصقف...
- يابن اللذينة، انت طلعت ممثل جامد ياض يا محمود، ده انا صدقتك.
- لازم تصدق عشان انا مابمثلش، كان فيه في المطبخ شبح لطفل صغير، فضل واقف باصص عليا و بعدها ضحك وسابني وجري.
مانكرش كلامه قلقني خصوصًا بعد موضوع التليفون ده، بس برضو انا مش عايزهم يقولوا ان شقتي مسكونة وبصراحة لقيتها فرصة مناسبة اني اتريق عليه، وعشان كده قولتله بسخرية...
- شبح وفضل يبصلك، ده انت طلعت خفيف بقى.
كمل عادل جملتي وقاله...
- وبتتريق على الراجل، الله يكسفك، لف يا جبان لف يمكن تنسى.
محمود ايده كانت بترتعش وهو بيلف وساعتها عادل بص لي والخوف باين على وشه كأنه بيقولي ان محمود مابيهزرش، شاورت له باشارة معناها يكبر دماغه منه، الغريب بقى ان محمود كان بيلف السجاير وهو ساكت وكل شوية يبص ناحية الأوضة اللي انا لقيت فيها التليفون الصبح، وبعد ما خلص لف، ناولني سيجارة وناول عادل السيجارة التانية، وبعدها ولع سيجارته، بعد ساعتين كان الصمت مخيم على المكان، كل واحد فيهم بيشرب سيجارته الرابعة أو الخامسة وهو فارد جسمه على الكرسي وباصص في الفراغ وانا فارد جسمي على الكنبة وببص للسقف، بعد شوية بصيت على محمود لقيته لسه بيبص ناحية الأوضة، سألته...
- انت باصص على ايه؟
رد عليا بهدوء...
- الأوضة دي في حد قاعد فيها؟
- لا طبعًا مافيش غيري في الشقة.
- اومال مين الست اللي واقفة هناك دي؟
لفيت جسمي بصعوبة وانا ببص على الأوضة لكن مالقتش حد، بصيت له تاني وانا بضحك بصوت عالي...
- اهلاً، انت وصلت.
عادل في الوقت ده كان نايم في الكرسي وكان في عالم تاني، محمود غمض عينيه بعد الجملة دي وتقريبًا كده نام، واضح اننا زودنا العيار حبتين، كنت حاسس اني بتشل بالتدريج لحد ما في الاخر غمضت عيني انا كمان.
كنت نايم على الكنبة، قعدت بهدوء وبصيت على عادل ومحمود لقيتهم نايمين على الكراسي، كنت حاسس ان جسمي مدغدغ، قومت ببطء، عشان اروح الحمام، بس أول ما عديت الصالون لقيت منظر مرعب، كان في جثث كتير مرمية على الأرض، راجل اتنين تلاتة أربعة ثمانية وست واحدة، الدم كان مغرق الأرض، وفجأة الست فتحت عينيها، كان لسه فيها الروح، رجعت لورا بسرعة، زحفت ببطء لحد الأوضة، مشيت وراها، حاولت تقوم، ولحد ما بالعافية قامت، ساعتها طلعت من صدرها مفتاح وفتحت الدولاب،عشان يخرج طفلين، وفي نفس اللحظة الست وقعت على الأرض، الطفلين وطوا على جثتها وهم بيصرخوا، حاولوا يقوموها لكن كانت خلاص ماتت، ناموا على جثتها وانهاروا في العياط، بعدها واحد فيهم رفع راسه وقال للتاني...
- احنا لازم نمشي من هنا قبل ما يرجعوا ويخلصوا علينا.
- لا انا مش هسيب امي.
- هنرجع تاني بس دلوقتي لازم نمشي.
اتحركوا من جنبي وخرجوا بره الأوضة، خرجت وراهم بسرعة، كانوا واقفين جنب جثة من الجثث، حضنوها وبعدين مشيوا.
فتحت عيني ببطء لقيت نور الشمس ضارب في الصالة، بصيت على عادل ومحمود كانوا لسه نايمين في مكانهم، قومت دخلت الحمام وغسلت وشي، وانا خارج وقفت قدام الأوضة كتير، بعدها رجعت صحيت عادل ومحمود، الاتنين فاقوا وقعدوا مكانهم، وساعتها عادل قال...
- ياه دي الساعة 11 احنا نمنا كتير اوي.
رديت عليه وانا بأكد على كلامه...
- اه فعلاً، الواحد ماحسش بنفسه.
هنا اتكلم محمود وقال...
- اتكلموا عن نفسكوا، انا ماعرفتش انام خالص، الشقة دي مش مظبوطة يا مصطفى، وبعد اللي انا شوفته امبارح ده بقولك اهو احسنلك تشوفلها بيعة.
قال عادل وهو بيضحك...
- ايه يا محمود التخريف ده انت جاي تطفــ
قاطعته وسألت محمود باهتمام...
- انت شوفت ايه امبارح يا محمود؟
- اي يا مصطفى انت هتصدق ولا ايه؟
- استنى انت يا عادل دلوقتي، شوفت ايه يا محمود؟ احكيلي.
فرك جبينه قبل ما يقول...
- الباب كان بيخبط جامد، في حد فتح الباب عشان يدخل شاب بسرعة ويقفل الباب وراه ويجري على الصالة، ولما دخل شوفت ست رجالة قاعدين ومعاهم واحدة ست، وساعتها الشاب ده قال وهو بينهج...
- احنا لازم نتحرك حالاً، انا سايبهم وهم جايين على هنا.
بص له واحد من اللي قاعدين وبعدين قام وقف وهو بيقول...
- احنا مش هنتحرك من مكانا واللي هيفكر يدخل البيت هندفنه فيه، قومي يا فهيمة، ادخلي جوة وخليكِ مع العيال، وماتخرجيش غير لما اقولك.
دخلت الست جوة وبعدها الرجالة بدأت تجهز نفسها، الراجل دخل الأوضة وبعدها نده على الشاب ده، شوية والاتنين خرجوا ومعاهم مسدسات، وزعوا على كل واحد مسدس والراجل ده بدأ يخطب فيهم...
- ماحدش منهم يخرج من هنا ويا نعيش رجالة يا نموت واحنا بندافع عن حقنا، ماحدش يخاف ولا يستسلم.
قبل ما يكمل كلامه الباب خبط بعنف، راحوا كلهم ناحية الباب و وقفوا وراه، في اللحظة دي الست خرجت من باب الأوضة وهي شايلة سلاحها، بعد ثواني الباب اتكسر وفجأة ضرب النار بقى في كل حتة.
******
خلص محمود كلامه وانا مركز معاه وبعدها سألته...
- انت فاكر شكل الراجل كويس؟
- اه طبعًا.
- طب تعالى معايا.
في اللحظة دي عادل قال بسخرية...
- ايه يا جدعان مالكوا واخدين الموضوع بجد كده ليه؟!
- تعالى انت كمان معانا يا عادل وانا هفهمك كل حاجة.
خدتهم ودخلنا الاوضة اللي كان فيها التليفون، وريت محمود الصورة وساعتها سألته...
- هو ده الراجل اللي انت شوفته؟
- ايوا هو ده فعلاً.
- و هم دول الطفلين اللي انا شوفتهم برضو.
سألني عادل وقتها بقلق...
- هو ايه اللي بيحصل بالظبط يا مصطفى؟
- مش عارف بس انا هحكيلكوا اللي حصل من ساعة ما جيت.
حكيت لهم كل حاجة شوفتها في الشقة لحد ما دخلنا الأوضة دلوقتي، الاتنين كانوا بيسمعوني وهم مركزين جدًا خصوصًا محمود، اللي بعد ما خلصت قالي...
- طب تفتكر ايه العلاقة بين اللي بيحصل في الشقة وبين اللي بيحصل في بار كوستا؟
- مش قادر اعرف، الشخصيات مختلفة بس أكيد بيجمعهم حاجة، ايه هي؟ مش قادر أوصلها.
- لازم توصل عشان تقدر تفهم الحكاية.
قاطعنا عادل تاني وقال...
- لااا دي لسعت منكوا على الاخر، انا همشي وخليكوا انتوا بقى شوفوا الحكاية براحتكوا.
- يابني اقعد وبعدين ادينا بنتسلى.
- بنتسلى مين ياعم هو انا يوم ما اتسلى هتسلى مع عفاريت، سلاموا عليكوا.
سابنا عادل ومشي، وفضلت انا ومحمود قاعدين في الصالة بنفكر في الرابط ما بين القصتين، ولع محمود سيجارة عادية وبعدين رمالي واحدة من مكانه وهو بيقولي...
- طب انت دورت في الكراكيب اللي جوة دي؟
- لا، انا لما حصل موضوع التليفون ده خوفت اجي جنب أي حاجة.
- طب ما تيجي ندور يمكن نلاقي أي حاجة تدلنا.
- جايز يكون معاك حق، تعالى.
قومنا دخلنا الأوضة تاني، وبدأ كل واحد فينا يدور في جزء من الأوضة، لكن ماكنش في حاجة، لحد ما فجأة سمعنا صوت التليفون، بص لي محمود بقلق، خبطت على كتفه و روحت ناحية التليفون، رفعت السماعة وساعتها سمعت صوت بيقول...
- كل حاجة هتبان الساعة 8 خليكوا مكانكوا وماتتحركوش من جنب التليفون، هكلمكوا تاني.
حطيت السماعة مكانها، وقولت لمحمود على اللي الشخص ده قاله، رد بعدها وقالي...
- طب وانت ناوي تسمع كلامه؟
- مافيش قدامنا غير كده، لو كنا عايزين نفهم القصة.
- ايوة بس الساعة لسه 1 الظهر هنستنى كل ده؟
- للأسف مضطرين.
- طب انا هنزل اقضي كام مشوار وارجعلك تاني قبل الميعاد.
- وهتسيبني هنا لوحدي؟!
- ماتقلقش النهار طالع اكيد مش هيحصلك حاجة وانا مش هتأخر.
- ماشي هستناك.
نزل محمود وانا قعدت بعدها على الكنبة، شوية وقومت اعمل حاجة اشربها بس وانا معدي من قدام الأوضة التليفون رن، وقفت شوية قدام الباب، بعدين اتشجعت ودخلت الأوضة، مسكت السماعة وساعتها سمعت الصوت بيتكلم بهمس...
- صاحبك نزل دلوقتي، مش عارف رايح فين، بس ربنا يستر.
كالعادة الخط قطع، كنت متسمر مكاني والسماعة لسه على ودني، الكلام ده معناه ايه؟ الراجل ده شايفني ولا ايه؟ طب ازاي؟ خوفت وعشان كده قطعت سلك التليفون وانا بقول بغيظ "وريني بقى هتتصل تاني ازاي؟" خرجت بعدها قعدت في الصالة، كنت حاسس بالرعب من الشقة كلها، فتحت التلفزيون وشغلت قناة اغاني وعليت الصوت على الاخر، فردت ضهري على الكنبة وانا بحاول افضي دماغي من اللي بيحصل ده كلها، بس بعد ربع ساعة سمعت صوت ضحكة عالية في التلفزيون وبعدها واحدة بتقول...
- اخس عليك يا جو بقى حد يقول لحسنية لا.
قومت بسرعة وبصيت على الشاشة، كانت حسنية قاعدة جنب ظابط انجليزي وهي ماسكة الكاس، كان قاعد قدامهم على نفس الترابيزة رمزي اللي اتكلم وقال...
- خلاص يا جو ماتزعلش حسنية منك.
- خسنية تاخد كل اللي هي عايزاه.
ضحكت حسنية وهي بتميل عليه وبتقوله...
- اهو كده احبك يا جو.
الكاميرا جت على دبور وهو قاعد على البار وبيبص عليهم بغيظ بعدها خبط بايده جنب الكاس وهو بيقول لكوستا...
- صب واحد تاني.
صب له كوستا كاس تاني وهو بيقوله...
- اهدى خبيبي الزعل مش خلو عشانك.
- عاملة شريفة بنت... طب ماهي بتقعد مع زباين اهي ولا هو لازم يبقوا انجليز يعني.
فجأة دخل رمزي وقعد جنب دبور وهو بيولع سيجارة وقاله...
- عينك هتطلع عليها مش كده؟
- ماقولتليش ليه انك غيرت نشاطك وكنت خليتك تجيبهالي واديتك اللي فيه النصيب، على الأقل انا أولى من الغريب.
بص له رمزي بغل وقاله...
- احترم نفسك يا دبور، وبعدين البت مش طايقاك، هو بالعافية ياجدع.
- هي اللي مش طايقاني ولا انت اللي مادتيهاش الاوردر لسه.
- قولتلك لم نفسك يا دبور عشان ماعملهاش معاك.
قام دبور وقف وهو بيقوله...
- لا انا عايزك تعملها معايا.
ضربه بالبوكس بعدها، وبدأت الخناقة بينهم، في الناحية التانية قامت حسنية من مكانها وهي مخضوضة وقالت للظابط...
- يا مصيبتي، انا هقوم امشي قبل ما يحصلي حاجة.
شدها الظابط من ايديها...
- اقعدي خسنية ماتخافيش، مش هيخصل خاجة.
- لا يا جو انا هقوم امشي.
سابته حسنية وخرجت من البار، خرج وراها بسرعة ووقفها...
- انتِ رايخة فين؟
- هرَوح، هرُوح فين يعني!
- خلاص تعالي معايا.
- لا انا مابروحش عند حد، لو انت عايز تسهر تعالى انت معايا.
- اوكاي انا هاجي معاكِ.
خدته حسنية ومشيت، اما في البار فكان رمزي ودبور بيضربوا في بعض وكسروا البار كله تقريبًا، كوستا كان واقف بيلطم على الحاجة اللي اتكسرت.
وصلت حسنية مع جو قدام بيت من البيوت، كان شبه البيت اللي انا قاعد فيه، دخلت من بوابة البيت وهو وراها، و أول ما دخل جوة اتفاجئ الظابط باتنين بيهجموا عليه واحد بيكتم نفسه والتاني بيغزر السكينة في قلبه، بعد ما اتأكدوا انه مات شالوه وطلعوا به على فوق، دخلوا الشقة، كانت الشقة اللي انا قاعد فيها دلوقتي، رموه على الأرض.
فوقت على صوت الجرس و وقتها لقيت قدامي على الشاشة صورة لمطرب بيرقص وحواليه كام بنت بيتلوا بجسمهم كأن عندهم مغص، حسيت بالاشمئزاز وقفلت التلفزيون، قومت فتحت الباب، كان محمود اللي بيخبط، دخل وقعد على الكرسي وهو بيسألني...
- ها حصلت حاجة جديدة؟
حكيت له كل اللي شوفته والمكالمة اللي حصلت، قالي بعدها...
- ده معناه إن الشقة دي هي الرابط بين القصتين.
- ده اللي قدرت افهمه لحد دلوقتي.
- الساعة سبعة ونص اهي، كلها نص ساعة ونفهم اللي بيحصل بالظبط.
قعدنا في مكانا واحنا بنبص في الساعة بملل رهيب، لحد ما الساعة بقت 8، حسينا بالخوف وقتها واحنا مش عارفين ايه اللي هيحصل، عدت خمس دقايق وماحصلش حاجة، بص لي محمود بقلق، قولتله خلينا نستنى للاخر، الساعة بقيت 8 وربع وبرضو ماحصلش حاجة، ساعتها قام محمود وهو بيضحك وقالي...
- واضح كده ان عادل كان عنده حق، ايه الهبل اللي احنا بنعمله ده، انا هدخل اعمل شاي.
كنت حاسس ان معاه حق بس برضو ماكنتش مطمن، أول ما محمود دخل المطبخ سمعت صوت التليفون بيرن، خرج يجري وهو بيبص لي، اما انا فكنت مرعوب، التليفون بيرن ازاي وانا فاصل السلك؟! قومت بخوف وقلق، دخلت الأوضة، صوت التليفون كان مزعج، محمود استعجلني ساعتها وقالي...
- ارفع السماعة بسرعة قبل ما يقفل.
رفعت السماعة وجالي الصوت من الناحية التانية بزعيق...
- انت لسه قاعد في الشقة؟!
بلعت ريقي وانا بقوله...
- انت مين؟
سكت شوية وبعدين قالي...
- ايه ده انت مين؟ فين دبور؟
- دبور مش هنا، دبور مات.
- مات! مات ازاي؟ انت اللي قتلته؟
- لا مش انا، انت مين؟
- انا مش هسيبك، انا هقتلك.. هقتلك زي ما قتلته، و اياك تفتكر انك هتقدر تهرب مني.
الخط قطع بعدها، رميت السماعة وبصيت لمحمود اللي كان سامع المكالمة كلها، وعشان كده كان مرعوب زيي وقالي بارتباك...
- قصده ايه باللي قاله ده، يعني احنا هنموت.
مسكت ساعتها سلك التليفون المقطوع و رفعته في وش محمود، اترعب أكتر وقالي...
- يعني احنا بنكلم شبح، والشبح ده هيموتنا؟!
هزيت راسي بأكد كلامه والدموع محبوسة في عيني، قالي ساعتها وهو منهار...
- لا لا انا مش عايز أموت، احنا لازم نلاقي حل نخلص من الموضوع ده.
- مافيش حل، ياريت كان فيه.
لف وشه ناحية الكراكيب وقالي...
- لا أكيد في حاجة في وسط الكراكيب دي تخرجنا من الموضوع ده، قوم دور معايا.
كنت واقف بتفرج عليه وهو بيقلب الأوضة بعصبية وانهيار، لحد ما فجأة لمحت في وسط الحاجة مذكرة قديمة مليانة تراب، قربت ومسكتها، نفضت التراب من عليها وبعدين فتحتها، كان مكتوب في أول صفحة "القاهرة 1920"
ندهت على محمود وخدنا المذكرة وطلعنا في الصالة وبدأ اقرأ بصوت عالي...
"انا حسن، ابن ذكي الورداني، اتولدت هنا في حي عابدين سنة 1895 ابويا الحاج ذكي كان راجل تاجر من التجار الكبار في الحي، بس دايمًا كنت بسمع الناس بيقولوا ان ابويا بيشتغل مع الانجليز، بصراحة كانوا بيعايروني بالموضوع ده وعشان كده في يوم روحت وسألته...
- صحيح يابا انت بتشتغل مع الانجليز؟
بص لي باستغراب وقالي...
- مين قالك كده؟
- العيال في الحارة كل شوية يعيروني ويقولولي ابوك بيشتغل مع الانجليز.
طبطب عليا وقالي...
- اقعد يا حسن يابني.
قعدت جنبه وبعدها قالي...
- مصر دي يا حسن هي بلدنا اللي اتولدنا واتربينا وكبرنا فيها، و ترابها بملايين الدنيا كلها، والانجليز اعدائنا، احتلوا ارضنا وعايزين ياخدوها لحسابهم، ينفع تحط ايدك في ايد عدوك اللي عايز ياخد أرضك؟
- لا يابا، بس انت بتشتغل معاهم فعلاً.
- انا مش بشتغل معاهم يا حسن، بس مش كل حاجة هتقدر تفهمها دلوقتي ياحبيبي، بكرة لما تكبر هتفهم وتعرف انا كنت بعمل كده ليه، واللي يقولك ابوك بيشتغل مع الانجليز سيبك منه ماتردش عليه، بكرة هم كمان يفهموا.
مرت ايام بعدها لحد ما فجأة لقيت ناس عندنا في البيت، الساعة كانت 8 بالليل وقتها، لما ابويا طلب من أمي تدخلنا انا واخويا رمزي عشان ننام وقعد هو واصحابه في الصالة بره، امي خرجت بعد ما عملنا نفسنا نمنا، لكن في الحقيقة احنا وقفنا ورا الباب نتصنت عليهم، كانوا بيتكلموا عن مقاومة وفدائيين، كلام كبير ماكناش فاهمينه ساعتها، وبعد شوية سمعنا صوت الباب بيخبط جامد، دخل شاب وقال ان الانجليز اتحركوا وجايين على البيت، ساعتها ابويا طلب من أمي تدخل تخبينا وتستخبى معانا، جريت انا و رمزي على سرايرنا وكأننا نايمين، دخلت أمي وقومتنا بسرعة، دخلتنا الدولاب وقفلت علينا بالمفتاح، بعدها سمعنا صوت ضرب نار كتير، وبعد ما الصوت خلص، حسينا بحد بيتحرك جوة الأوضة، كتمنا انفاسنا انا ورمزي، بس بعد دقيقة لقيت أمي بتفتح الدولاب، وبعدها وقعت على الأرض، ماتت، عيطت انا ورمزي لكن بعد دقايق فوقت وقولتله اننا لازم نهرب قبل ما بقيت العساكر يرجعوا، خرجنا في الصالة وساعتها شوفت جثة ابويا وجنبه جثث اصحابه، قتلوهم الكلاب، ماكنتش عارف أروح فين انا ورمزي، استخبينا يومين عند واحد من اصحاب ابويا وبعدها رجعنا البيت وفضلنا عايشين فيه، عايشين مستنين اللحظة اللي هنكبر فيها ونقدر نجيب حق ابويا واصحابه من اللي قتلوهم، وبعد عشر سنين انضميت انا ورمزي للفدائيين، وكان دورنا نبان اننا بنساعد الانجليز، لحد ما نقدر ندخل وسطيهم بحرية ونتكلم معاهم وبعدها كنا بنوقعهم واحد ورا التاني، عملنا عمليات كتير، وماحدش كان بيعرف عننا حاجة، لحد ما في يوم رمزي قرر اننا نوقع الظابط جو الدراع اليمين لقائد الكامب، وكانت الخطة اننا هنتقابل انا ورمزي على اننا اصحاب، اه بالمناسبة ماحدش يعرف اننا اخوات غير في منطقتنا، وعشان كده كنا بنفذ عملياتنا في مناطق تانية، بعد ما اتعرفنا جه دور حسنية، اللي دخلت على انها رقاصة وبعد كده مثلت اني عايز اوقعها عشان انفي اي شبهة ممكن تجمعني بها، وبعد كده رمزي عن طريق علاقته القوية بالظابط طلب منه يجي معاه بار كوستا عشان عنده بنت جميلة عايزه يتعرف عليها، اول ما جو شوف حسنية ريل عليها، وسهل علينا مهمتنا، الجزء المهم كان يوم التنفيذ، اتفقنا اني هفتعل خناقة مع رمزي وبعدها حسنية تسحب جو على بره وبعدين تاخده على البيت، وهناك الرجالة هتخلص عليه، الخطة مشيت تمام واليوم عدى، صحيح الدنيا اتقلبت بعدها على جو، و دوروا كتير عليه وعلى حسنية لكن ماحدش قدر يوصلهم، لحد ما في يوم كوستا زار منطقتنا ودخل المحل بتاعنا، شافني واقف انا و رمزي بنضحك وبنهزر، بص لنا باستغراب وبعدين دخل هزر معانا شوية وبعدين مشي من غير ما يبين أي حاجة، بس انا قلقت من ناحيته وعشان كده خرجت وراه، لقيته واقف مع واحد من اصحاب المحلات وبيسأله علينا، أول ما لف وشه وشافني ابتسم لي بخبث واختفى، عرفت بعدها انه عرف اننا اخوات وهيربط الاحداث ببعض، طلبت من رمزي يروح يشوف الاخبار ويبلغني على تليفون البيت، قفلت الدكان وروحت استنيته جنب التليفون، من شوية رمزي كلمني وقالي ان كوستا نزل من بيته وراح ناحية الكامب، بعدها بلغني انهم جايين علينا ولازم نسيبب البيت ونمشي، بس لا انا مش هسيب بيتي وامشي و زي ما ابويا وقف ودافع عن بلده انا كمان هقف و ادافع عن بلدي هقف ومعايا حسنية.. ايوة حسنية مراتي.. انا عارف اني مش هعيش بس برضو مش ههرب لان دي أرضنا وبلدنا وانا مش هعيش هربان في بلدي.. 8 مايو 1920"
بعد ما قريت الكلام اللي في المذكرة بصيت لمحمود اللي كان بيدمع تقريبًا، قولتله...
- يعني دبور هو حسن، وحسن و رمزي هم الطفلين اللي في الصورة، معنى كده إن التليفون اللي كان بيجي ده ماكنش بيجيلنا احنا ده كان رمزي هو اللي بيكلم حسن، واخر مكالمة لما سألني انت مين؟ ماكنش بيكلمني كان بيكلم الظابط اللي قتل حسن وحسنية.
- كل كلامك صح يا مصطفى بس احنا ليه شوفناهم؟
- مش عارف.
في اللحظة دي تليفوني رن، بصيت لقيته رقم دولي، رديت بسرعة...
- ايوة مين؟
- استاذ مصطفى، ازيك؟
- مين معايا؟
- انا مجدي الورداني اللي اشتريت مني البيت.
- اه اه ازي حضرتك يا استاذ مجدي؟
- تمام الحمدلله، انت اخبارك ايه؟
- الحمدلله، أؤمرني.
- كنت عايز اسألك انت شوفتهم ولا لسه؟
اتصدمت من جملته، ورديت عليه وانا ببلع ريقي...
- هم مين اللي شوفتهم؟
- جدودي الله يرحمهم، هم المفروض ظهرولك امبارح والنهاردة، مش كده؟
- وانت.. وانت عرفت منين؟
- يووووه دول ظهرولي كتير جدًا، هم بيظهروا يوم سبعة ويوم تمانية من شهر مايو كل سنة.
- اشمعنا يعني اليومين دول؟
- يوم تمانية هو اليوم اللي مات فيه جدي حسن، ويوم سبعة غالبًا هو اليوم اللي مات فيه جدي الكبير ذكي الورداني واصحابه، انا قولت اطمن عليك واعرفك انهم مش هيأذوك هم بس هيعرفوك حكايتهم.
- وماقولتليش ليه الحكاية دي من الاول قبل ما اشتري البيت؟
- يعني عشان تشتريه ما انا لو قولت لكل واحد بيجي يتفرج على البيت مش هيشتريه وبصراحة انا كنت مستعجل وعايز اسافر واسيب البلد بأي شكل.
- ممكن اسألك سؤال؟
- حقك طبعًا.
- انت سافرت فين؟
- انجلترا، انا اسف بس مضطر اقفل دلوقتي، يلا سلام.
الخط اتقفل، بصيت لمحمود وانا مصدوم، بعدها مسكت مذكرات حسن الورداني وانا بضحك بهسيترية وبقول...
- ياريتك هربت ياعم حسن.. ياريتك هربت.
تمت بحمد الله
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل