القائمة الرئيسية

الصفحات

مقبرة زين قصص رعب

 بقلم الكاتب: شادي إسماعيل

المشهد الأول:

يمشي ببطء وهدوء، صوت لهاثه أعلى من الصمت حوله، يسحب بيده اليمني كيس من القماش، لاتتضح معالمه في هذا السواد الحالك، سار متكئًا بيده اليسرى على عصاه حتى وصل إلي حطب اشتعل نارًا، أفلت الكيس من يده بجانب النار، وبعصاه بدأ برسم دائرة كبيرة مركزها النار، ثم دخل بداخلها وبدأ يرسم.

******

صوت تليفون بيرن...

- الحقني يا استاذ زين.

- ايوة في ايه؟

- الدار ولعت وكل اللي فيها ماتوا.

- كل اللي فيها!

- ايوة يافندم، للأسف.

اتغير وش زين يمكن حس بالأسف أو يمكن لا، بس كمل المكالمة ورد على الطرف التاني بسؤال...

- امتى حصل الكلام ده؟

- النهاردة الفجر، وكلمت حضرتك كتير لكن ماردتش عليا، ياريت حضرتك تيجي.

- اتصرف على ما افضى واجيلك.

- ايوة بس...

قفل المكالمة ورمى التليفون على المكتب بضيق بعدها مسك علبة سجايره وولع سيجارة وهو بيقول "مش وقته خالص" في اللحظة دي دخلت السكرتيرة عليه ولما شافت منظره سألته باستغراب...

- ايه مالك؟

- مافيش، كلموني من الدار دلوقتي وبيقولوا انه حصل حريق وكل اللي في الدار ماتوا ولازم أروح.

وشها كان باين عليه الحزن، ردت بعد ثواني...

- البقاء لله.

- ونعم بالله.

- طب وهتعمل ايه دلوقتي؟

- مش عارف، مش وقته خالص، بس انا أكيد مش هسيب الراجل اللي بقالنا سنة بنتحايل عليه يجي مصر عشان يوافق يدينا التوكيل وأروح اشوف الدار والكلام الفاضي ده.

السكرتيرة كانت مصدومة من كلامه لكن مابينتش، سألها زين بسرعة وهو بيبص للورق اللي في ايديها...

- انتِ كنتِ جاية ليه صحيح؟ وايه الورق ده؟

- اه كنت جاية افكرك بالميعاد، عشان تلحق تجهز نفسك، وكمان كنت محتاجة امضتك على كام حاجة كده.

- وهو ده ميعاد يتنسي، هاتي الورق خليني امضيه.

قربت من المكتب وناولته الورق وبعد ما مضاه بصت له وهي بتقول بحزن...

- يعني كده مش هترجع معايا الشقة بعد ما تخلص مقابلة الضيف؟

- غصب عني اديكي شايفة، انا يدوب هخلص معاه واطلع على الدار اشوف ايه الموضوع.

- ماشي بس اعمل حسابك هتعوضهالي.

ابتسم وهو بيهز راسه...

- ماشي هعوضهالكِ.

خرجت السكرتيرة من المكتب وزين رجع لشغله من تاني ونسي خالص موضوع الدار والمكالمة، كل اللي كان شاغل تفكيره حاجة واحدة بس.. الضيف الاجنبي اللي هيمضي على التوكيل، توكيل بمليارات، مليارات هتدخله عالم بيحلم به من سنين، طول عمره بيتشعبط في ديل الاغنيا، عمره ماحب الفقر أو ناسه، بيقول إن الفلوس هي الانسان، ومن غيرها الانسان مايبقاش انسان، مش فاكر باع نفسه كام مرة في كام موقف عشان يوصل للي وصله، مش عارف ممكن يعمل ايه أسوء من اللي عمله عشان يوصل لحلمه الكبير، وهو انه يبقى واحد منهم مش مجرد تابع لهم.

جِه الميعاد وراح زين المقابلة، وبعد كلام كتير قدر يقنع الضيف إنه يمضي على العقود، وقدر يحقق حلمه، وبعد ماخلص طلب من السواق يوصل السكرتيرة لحد بيتها، اما هو فوقف تاكسي وطلب منه يوصله للعنوان اللي فيه الدار.

أول ما وصل قدام الدار طلب من التاكسي يوقف، نزل بعدها وبص على المكان من بره، شاف عربيات شرطة واقفة قدام الدار، دخل من البوابة وطلع درجات السلم، لف بعينيه في المكان وكان واضح اثار حريق كبير، كمل طلوع السلم ولما دخل لقى اتنين ظباط واقفين بيتكلموا مع حمدي مدير الدار، قرب منهم وهو بيقول...

- مساء الخير.

رد واحد فيهم...

- مساء النور مين حضرتك؟

- انا زين الدكروري.

- زين الدكروري رجل الاعمال المشهور؟

- ايوة انا يافندم.

- اهلًا وسهلًا، انا المقدم هشام من المباحث الجنائية وده الرائد مصطفي.

- اهلًا وسهلًا بحضراتكوا.

بص له الظابط وسأله باستغراب...

- بس حضرتك بتعمل ايه هنا؟

رد عليه بكل ثقة...

- انا متعود اجي الدار كل فترة اشوفهم لو محتاجين حاجة اقدر اساعد بها، وكنت معدي من قدام الدار وشوفت منظر المبنى فقولت اجي أطمن، صحيح هو ايه اللي حصل؟

بص له الظابط بنظرات شك قبل ما يجاوبه...

- حريق بس كبيرة شوية، الغريب ان النار مسكت في الجزء اللي بينام فيه النزلاء بس، اما باقي الدار فـ زي ما حضرتك شايف النار ماطالتهاش.

- غريبة فعلًا، طب استأذن حضرتك هقول لاستاذ حمدي كلمتين بس.

- ماينفعش تقولهم واحنا موجودين؟

- لا عادي مافيش مشكلة.

- طب اتفضل قولهم.

بص زين لحمدي وسأله...

- هو كل النزلاء ماتوا؟ ماحدش فيهم عاش؟

- للأسف كلهم ماتوا يافندم.. حتي....

- ربنا يرحمهم، تمام، هستأذن انا.

لف زين وشه عشان يمشي بس الظابط وقفه وسأله...

- استاذ زين، انا لاحظت ان حمدي كان ناوي يقول حاجة وحضرتك قاطعته، كان ناوي يقول ايه؟ وليه قاطعته؟

بص له زين بهدوء...

- الحقيقة مش عارف.

بص لحمدي بغضب وكمل جملته...

- حضرتك ممكن تسأله.

مشي زين والظابط بيتابعه بنظرات كلها غيظ، بعدها قرب من حمدي وسأله...

- كنت هتقول ايه قبل ما زين يقاطعك؟

- انا!.. لا ولا أي حاجة، انا كنت هقوله اني كنت هكلمه يبعت فلوس لترميم الدار، بس هو قاطعني عشان مابيحبش يتكلم عن الأمور دي قدام الناس.

بص له الظابط بشك وهز راسه...

- امممم، تمام، فين بقى كشوفات النزلاء اللي ماتوا؟

- موجودة يافندم في المكتب عندي، اتفضل معايا اوريهم لسعادتك.

اتحركوا التلاتة ناحية المكتب اللي كان موجود في الدور التاني، ولما وصلوا فتح حمدي المكتب ورحب بالظباط اللي قعدوا على الكرسين قدام المكتب وبدأ حمدي يطلع ملفات النزلاء.

خرج زين من الدار وركب تاكسي، طلب منه يوديه وسط البلد، هناك وقف على النيل، كان بيفكر بينه وبين نفسه...

- حياتك هتتعدل امتى يا زين؟

- ومين قال ان هي معوجة، انا حياتي زي الفل.

- كل القرف اللي حصل واللي بيحصل ده زي الفل!

- طبعًا، الحياة ماتتعاش غير كده.

- انت بني آدم وسخ، كل حاجة في حياتك شمال، حتى الانسانة اللي حبتها، دمرتها، وأمك...

- أمك!.. وهي كانت فين أمك دي زمان لما سابتك تتربى في حضن واحد دجال يفتح عليك المندل ومش فارق معاه هتعيش ولاتموت، والمهم عنده الفلوس وبس.

- وهي ذنبها ايه؟ هي ماكنتش تقدر تقوله لا.

- لا كانت تقدر.. بس هي ماكنتش عايزة حاجة من ريحته، كانت شايفاك شيطان زيه.

- اهي ماتت وارتاحت منك.

- انا اللي ارتحت منها، ومابقاش في اي حاجة تربطني بالماضي القذر ده نهائيًا.

- مش هتقدر تهرب من ماضيك مهما حاولت.

- انت عايز مني ايه؟ ماتسبني اعيش حياتي زي ما انا عايز.

- انا بفكرك بس.

- لا ماتفكرنيش وسبني في حالي.

******

- معاك ولاعة يارايق؟

بص زين جنبه لقى شاب شكله غريب، لابس بنطلون ابيض ضيق عليه تي شيرت مشجر، وماسك في ايده سيجارة كليوباترا، بص له شوية وبعدين طلع ايده من جيبه وناوله الولاعة، مسكها الولد بايده اليمين وحاوط ع النار بايده الشمال وبعد ماولع السيجارة مد ايده بالولاعة لزين وهو بيقوله بامتنان...

- تسلم ياعَمُنا.

هز زين راسه وبعدين بص على الولد اللي رجع لصحابه وكملوا مشي، بعدها رجع بص على النيل تاني...

- كان زمانك مكان الولد ده دلوقتي وحد تاني هو اللي واقف مكانك.

- ماتحاولش تقنع نفسك يا زين.

- لا انت اللي لازم تفهم انك بقيت كده بسبب دماغي وتخطيطي، مش عشان حاجة تانية.

- دماغك برضه؟!

- قصدك ايه؟

- انت عارف انت عملت ايه عشان تبقى زين الدكروري اللي البلد كلها عرفاه، لكن ماحدش عارف وساخته وماضيه القذر.

- الناس مابيهمهاش انت مين ولا ماضيك ايه، المهم انت معاك كام وهتدفع قد ايه؟

- حسبتك غلط يازين.

- لا صح.. وهتفضل صح، ده طبع البشر وعمره ماهيتغير.

- غلطان.

- مش عايز اسمع منك حاجة تانية.

لف زين وشه بعدها وراح ناحية تاكسي من اللي راكنين قدام الرصيف وطلب منه يوصله للفيلا.

أول ماوصل قابل بنته اللي جريت عليه واترمت في حضنه...

- بابي.

- حبيبة بابي.. وحشتيني.

- وانت كمان وحشتني اوي يا بابي.

 في اللحظة دي شاف مراته قاعدة وباين عليها الزعل، قام وقف وهو بيمسك ايد البنت وقرب من مراته وهو مبتسم...

- ازيك يا شاهيناز؟

- الحمدلله، ازيك انت يا زين؟

- الحمدلله، ايه مالك يا حبيبتي؟

- مافيش حاجة، ايه مالي؟!

- شكلك زعلانة من حاجة.

- لا خالص، ايه الجديد يعني!.. ما هو ده العادي.

- تاني يا شاهيناز، تاني نفس الكلام بتاع كل يوم.

- وهو ايه اللي اتغير عشان اقول كلام غيره؟ ماهو انت كل يوم بتصحى من الصبح بدري تخرج ومابترجعش غير اخر الليل وتدخل تنام وهكذا، انا وبنتك فين في حياتك؟

- ماهو انا بعمل كل ده عشان مين؟ مش عشانك انتِ والبنت.

- لا مش عشاني انا والبنت، انت بتعمل كده عشانك انت يا زين، انت بتحب نفسك أكتر من أي حاجة في الدنيا.

- انتِ شايفة كده؟

- ايوة شايفة كده، انت لو بتعمل كده عشانا فعلًا فانا بقولك اهو ماتعملش، احنا محتاجين منك اللي أهم من الفلوس، ياترى بقى بعد الكلمتين دول هتقدر تبطل اللي بتعمله.

سكت زين وماتكلمش، كملت شاهيناز كلامها...

- شوفت بقى انك مش هتقدر.

شدت شاهيناز ايد بنتها وخدتها وطلعوا على فوق، رمى زين نفسه على الكنبة وهو بيزفر زفرة مليانة تعب الدنيا، وبعدها قلع الجزمة ونام على الكنبة بهدومه.

- زين.. يا زين.

فتح زين عينيه وهو بيحاول يستوعب الصوت اللي سمعه، قام من على الكنبة بهدوء وبص حواليه يمين وشمال، ماكنش شايف أي حاجة، سكت شوية وبعدها سمع الصوت تاني...

- تعالى يا زين.

سأل بصوت عالي وضربات قلبه بتزيد...

- مين اللي بينده؟

- معقول نسيت صوتي!

- انت مين ولا انتِ مين؟

- لما تيجي هتعرف.

- أجي فين؟

فضل مستني لكن ماكنش في رد على سؤاله، قام ومشي بخطوات تقيلة وحذرة ناحية الدور التاني، طلع موبايله ونور الكشاف، كان طالع السلم بخوف، وأول ما وصل لاخر سلمة سمع صوت ضحكة عالية هزت البيت كله، لف حوالين نفسه لكن ماكنش عارف يحدد مصدر الضحكة فين، راح ناحية أوضته بس وهو معدي قدام أوضة بنته سمع صوتها بتتكلم...

- انتِ مابتجيش على طول ليه؟ انا زعلانة منك.

- .....

- ماشي مش هزعل المرة دي، بس ماتتأخريش عليا تاني.

- ........

- وانا كمان بحبك أوي.

- ........

- لا مش هقول لحد انك بتيجي تزوريني.

- ........

- ولا حتى لبابي اللي واقف ورا الباب دلوقتي.

في اللحظة دي زين حس إن أعصابه كلها سابت، ماكنش عارف يدخل الأوضة ويشوف ايه اللي بيحصل ولا يجري على أوضته، فضل واقف متسمر في مكانه دقيقة وبعد كده قرر يدخل عشان يعرف ايه اللي بيحصل، مسك أوكرة الباب وخد نفس عميق وبعدها فتح الباب بقوة، لكن اللي شافه كان غريب، بنته كانت نايمة في سابع نومة والمكان هادي جدًا، بص عليها للحظات وبعدين مشي ناحيتها، وقف قدامها ولعب في خصلات شعرها، في الوقت ده سمع البنت بتقول بلسان تقيل وهي مغمضة عينيها...

- انت ليه مابتحبش تيتا تزورني يا بابي؟

قعد على ركبته وقرب من وشها وسألها بصوت مبحوح...

- تيتا مين يا حبيبتي؟

ردت عليه وهي لسه مغمضة عينيها وبصوت مليان نوم...

- تيتا سعاد.

قلبه كان هيوقف أول ماسمع الاسم، برق للبنت بس هي كملت كلامها...

- هي بتقول انك بتكرهها، وعشان كده قولت لي انها ماتت من قبل ما تموت.

- نامي يا سيلا ياحبيبتي وماتفكريش في الكلام ده.

- ما انا نايمة يا بابي، بس تيتا واقفة وراك وزعلانة منك.

لف وشه بسرعة لدرجة انه وقع على الأرض، بس ماكنش في حاجة، بص على بنته لقاها مبتسمة ابتسامة خفيفة وبعدين قالت...

- تيتا بتسلم عليك.

خرج يجري، ومن رعبه اتكعبل في السجادة وقع قدام باب الأوضة، وهنا لمح اثار رجلين على الباركيه، قام بسرعة وقفل الباب وراه وجري على أوضته، دخل الأوضة وبعدها اتأكد إن الباب اتقفل بالمفتاح، لسه بيلف وشه، قلبه وقف من الرعب تاني، المرة دي كان نور الأباجورة والع ومراته قاعدة على السرير وشعرها على وشها، فضل واقف مكانه ثواني لحد ما شافها بتبعد شعرها من على وشها وساعتها اتأكد انها مراته، حط ايده على قلبه واتنهد، مشي ناحية السرير، بصت له باستغراب وبعدين سألته...

- مالك في ايه؟

- مافيش، انتِ ايه اللي مصحيكي لحد دلوقتي؟

- انا كنت نايمة بس سيلا صحتني عشان تدخل الحمام.

في اللحظة دي اتفتح باب الحمام اللي في نفس الأوضة وخرجت منه سيلا، وبعدها قفلت النور وراحت ناحية السرير، أول ما شافت زين قالت له بابتسامة...

- معلش يا بابي هنام جنبكوا النهاردة عشان خايفة انام لوحدي.

ماكنش قادر ينطق، ومن غير ولا كلمة لف الناحية التانية ونام على شيزلونج بين باج موجود في ركن من أركان الأوضة قدام شاشة التلفزيون، بصوا له الاتنين باستغراب، لكنه ماداهمش فرصة وعمل نفسه نايم، خدت شاهيناز سيلا في حضنها وقفلت النور وناموا هم الاتنين.

فتح زين عينيه على أشعة الشمس مغطية وشه، حط ايده في محاولة منه يبعد اضاءة الشمس ويشوف اللي بيحصل، شاف شاهيناز فاتحة الستارة وبعدها دخلت توضب السرير وتنضف الأوضة، قام اتعدل في قعدته وقالها...

- صباح الخير.

ردت من غير ماتبصله...

- صباح النور.

بص يمين وشمال وبعدين سألها...

- اومال فين سيلا؟

قالت وهي بتفرد مفرش السرير...

- تحت في الجنينة.

قام وقف وهو بيتمتم في تريقة...

- مش عارف مابتجيبيش حد ينضف ليه؟

ردت عليه بتهكم...

- عشان مابحبش حد غريب يدخل بيتي.

دخل الحمام وقفل الباب، ولما خرج كانت شاهيناز خلصت تنضيف الأوضة وخرجت، لبس هدومه وبعدها نزل تحت، شافها واقفة في المطبخ وبتحضر الفطار، استغربت انه لابس وخارج وسألته...

- انت برضه هتخرج قبل ما تفطر معانا؟

- عندي شغل هعمل ايه يعني!

- ماشي اللي يريحك.

قرب منها وحاول يحضنها لكنها مابدلتوش نفس الاحساس، باسها على جبينها وقال بصوت هادي...

- صدقيني كل اللي بعمله ده عشانكوا.

- تاني يا زين.. تاني.

- طب خلاص خلاص، انا هصالحك، النهاردة ان شاء الله هنتغدا مع بعض.

- ياه وهتسيب شغلك لمين؟!

- مش مهم بقى الشغل النهاردة، عشان ماتبقيش زعلانة مني بس.

مابنش على وشها أي رد فعل وعشان كده قرب منها أكتر وهو بيقولها...

- خلاص بقى يا شاهي ماتزعليش.

- ماشي يا زين، بس ياريت وانت خارج تتكلم مع سيلا، البنت زعلانة منك جدًا.

- حاضر ياستي هتكلم معاها وهصالحها، انا ماليش غيركوا في الدنيا دي والله.

- ولا احنا لنا غيرك وعشان كده عايزينك معانا وجنبنا دايمًا.

حضنها زين والمرة دي بدلتها شاهيناز الحضن، سابها بعدها وخرج بره عشان يتكلم مع سيلا اللي كانت بتلعب مع الكلب في الجنينة، قرب منها وأول ما شافته جريت عليه، قعد على ركبته وخدها في حضنه، بعدت عن حضنه فجأة وسألته...

- بابي هو انت مش بتحب تيتا ليه؟

وشه اتغير والابتسامة اختفت وسألها بتردد...

- تيتا.. تيتا مين؟

- تيتا سعاد.

- تيتا سعاد مين ياحبيبتي؟

- هي بتقول انك بتكرهها، وعشان كده قولت لي انها ماتت قبل ما تموت.

سكت زين وهو بيفتكر اللي حصل في الأوضة امبارح، بس فجأة لقى البنت بتبص وراه ومركزة في حاجة، بلع ريقه بصعوبة وسألها...

- سيلا، انتِ بتبصي على ايه؟

ماردتش عليه وابتسمت ابتسامة عريضة، كرر سؤاله المرة دي بعصبية...

- انتِ بتبصي على ايه ورايا يا سيلا؟

برضه ماردتش، كان خايف يلف ويشوفها، بس حاول يستجمع شجاعته وأخيرًا لف وشه.. لكن ماكنش في حد، رجع بص لسيلا اللي كانت بتشاور بايديها وكأنها بتسلم على حد، مسك ايدها وسألها للمرة التالتة...

- بتشاوري لمين؟

- دي تيتا، كانت بتقولي انها هتاخدك معاها قريب.

الكلمة خلعت قلبه، حاول يهدي نفسه بالعافية وبعدين سألها...

- هي تيتا بتجيلك كتير؟

- اه كل يوم، بس انا خوفت منها امبارح عشان شكلها ماكنش حلو.

- ماكنش حلو يعني ايه؟

- شعرها كان منكوش وكانت بتعيط وجسمها كان محروق.

كلام سيلا كان صعب على أي حد يصدقه لكن زين الوحيد اللي عارف انها مش بتخترع حكاية من دماغها، عشان كده كان مرعوب من كلامها مش بس مصدقه، فضل ساكت لدقايق وهو بيبص في عين سيلا، اللي فجأته بسؤال غريب...

- بابي هو انت هتروح مع تيتا وتسيبني زي ماهي بتقول.

- لااا، لا، لا، مش هروح مش هروح في حتة، وتيتا لو جتلك تاني اوعى تتكلمي معاها، انتِ سمعاني.

- بس انا مش بتكلم معاها، هي بس اللي بتتكلم.

- اسمعي اللي بقولك عليه، واياكِ تجيبي سيرة لمامي، مفهوم.

- حاضر يابابي، بس اوعدني انك مش هتروح معاها وتسيبني.

- اوعدك ياحبيبتي.

قام زين من مكانه وراح ناحية العربية بس كان كل شوية يلف يبص على سيلا، وقبل ما يركب لاحظ انها باصة ناحية البوابة ومبتسمة، بص في نفس الاتجاه لكن ماشفش حاجة، ركب العربية بغيظ وساعتها السواق اتحرك في الطريق للشركة.

******

المشهد الثاني:

بدأ يرسم على هيئة الساعة، الساعة الحادية عشر الجعران، الساعة الواحدة رأس أسد، الساعة العاشرة ثعبان اللانهاية - رمز Ouroboros، الساعة الثانية رمز Labrys-فأس مزدوج الجوانب، الساعة التاسعة عقدة سليمان، الساعة الثالثة مانو كورنوتو، الساعة الثامنة عجلة الشمس، الساعة الرابعة الشمعدان السباعي، الساعة السابعة الصولجان، الساعة الخامسة هرم، الساعة السادسة عين حورس، الساعة الثانية عشر نجمة داوود.

******

وصل زين للشركة وباين عليه الغضب عشان كده اول ما دخل مكتبه دخلت السكرتيرة وراه، قفلت الباب ومشيت ناحيته وسألته بقلق...

- مالك؟

- مافيش، سيبيني يا شيري لوحدي دلوقتي.

قربت منه وهي بتقول...

- هي عكننت عليك تاني؟

- قولتلك سيبيني دلوقتي.

- الله، يعني مش كفاية ماجتش امبارح، كمان مش طايق تتكلم معايا.

- انا مش طايق اتكلم مع اي حد.

- وهو انا أي حد!.. طب قوم نروح الشقة وانا اعدلك مزاجك.

- يووووه، شيري اخرجي واقفلي الباب ومش عايز ازعاج خالص لحد ما انا اللي ابعتلك.

بصت له بغيظ وبعدين لفت وشها وخرجت وهي بتقول...

- براحتك، ماهو انا الحيطة المايلة عندك.

تابعها زين لحد ما خرجت وقفلت الباب وراها، طلع علبة سجايره وولع سيجارة وبعدها سرح في الفراغ قدامه...

- ايه اللي بيحصل يا زين؟

- هيكون ايه يعني!.. ماضيك القذر بيطاردك.

- بس ازاي؟

- زي ما طول عمره بيحصل مستغرب ليه؟!

- ازاي سعاد ظهرت لبنتي؟ وليه؟ عايزة توصلها ايه؟

- اممم، ده سؤال مش هتقدر تجاوب عليه بنفسك، لازم تتواصل مع سعاد وتعرف هي عايزة ايه؟

- هتواصل معاها ازاي؟

- يعني انت هتغلب، ده انت زين ولا نسيت.

- لا مانسيتش، يعني انت شايف كده؟

- مافيش حل تاني.

قطع الحوار صوت تليفون زين، بص على الرقم بس كان برايفت نمبر، فكر لثواني وبعدين رد...

- ايوة مين؟

- ياترى زعلت على أمك؟

- مين معايا؟

- مش مهم مين معاك، المهم انت عايز تشوف أمك تاني ولا لا؟

- لا مش عايز خليهالك.

- انا قولت كده برضه، كنت عارف انك لسه وسخ زي ما انت.

- انت مين ياض يا...

- عصبتك كلمة وسخ، ولا زي ما انت؟ اصل انا عارف انك بتحاول تنسى الماضي وتنسي الناس اصلك وفصلك، بس الناس مابتنساش.

- عايز ايه؟

- انت اللي عايز مش انا، تخيل معايا كده لما الحجة تطلع في لايف وتحكي حكايتكوا من وانت لسه عيل صغير لحد ما بقيت زين بيه الدكروري، تخيل شقى سنين يدمر في دقايق.

فك زين ربطة الكرافتة بعد ماحس انه مش قادر ياخد نفسه، وقال بعصبية...

- قولتلك عايز ايه؟

- عايزك تيجي للمكان اللي هقولك عليه، ده لو خايف على مركزك ووضعك الاجتماعي.

قفل المكالمة في وشه بعد ما قاله على العنوان، وساب زين لأفكاره تلعب به.

المشهد الثالث:

أفرغ الكيس لتسقط جثة متهتكة، حملها ووضعها فوق اللهب، وقف في منتصف الدائرة يتمتم بطلاسمٍ وتعاويذ ثم أخرج خنجرًا من بين ملابسه وجرح يده وجعل دمائه تسقط على الجثة الراقدة فوق اللهب، توسط الدائرة ووقف محركًا عصاه من اليسار إلي اليمين، ودار حول نفسه، كلما زاد في دورته كلما ارتفع صوته وعلى الغبار من حوله، وماهي إلا دقائق حتى ظهر من خلف الغبار كيانٌ أسود، حينها كف عن الدوران ونظر إليه في إنبهار، نظرة العبد لسيده، ثم جثى على ركبتيه وقال...

- لقد انتظرتك ياسيدي لسنوات وسنوات، وها انت قد أتيت.

اقترب الكيانُ منه وسأل...

- من انت ايها الذليل؟

- انا خادمك المطيع ياسيدي.

نظر إليه الكيانُ في تعُجبٍ...

- وكيف عثرت علي؟

- قرأت كل كتاب ذُكِرً فيه اسمُك، وفعلتُ كل ما يوجب فعله حتى أراك.

- وما حاجتُكَ إلي؟

- حاجة العبد لسيده.

- وما هي تلك؟

- الأمان والحماية.

- ممن؟

- من بشرٍ اذاقوني الذل والهوان.

- قُضِيت حاجتُكَ إذًا.

اقترب الكيان من الرجل حتى أضحى قُبالتهُ مباشرةً، ثم أمسك بيديه وظهر بوجهه كاملًا فارتعدت فرائص الرجل وصرخ من هول ما رأى، وتدريجيًا بدأ الكائنُ في الاختفاء من أمامه وصار يسري في عروقه، بعدها أحمرت عينا الرجل وزئر بغضبٍ ثم قال...

- الويلٌ لكم مني.

******

وصل زين للعنوان، كان واقف وسط أرض صحراوية، فضل قاعد في عربيته مستني مكالمة تليفون زي ما بلغه الشخص اللي كلمه، مرت دقايق بس المكالمة ماجتش، بدأ يحس بالتوتر والقلق، حاول يستكشف المكان على نور كشاف العربية لكن ماكنش فيه غير الصحرا يمين وشمال، تليفونه رن أخيرًا، مسك التليفون ورد بزهق...

- انت فين؟

- اهدى يا زين، المواضيع دي عايزة صبر، وصلت للمكان اللي قولتلك عليه؟

- من عشر دقايق.

- تمام، انزل من عربيتك واتمشى.

- انت بتقول ايه؟!.. انزل فين؟

- انزل من عربيتك واتمشى لحد ما اقولك تعمل ايه.

- امشي فين وازاي؟

- امشي قدامك بالظبط، ماتروحش يمين ولا شمال.

- انت شايفني؟

- يلا يا زين متتأخرش، وأول ما تسمع صوت الديب بيعوي أقف مكانك.

نزل زين من العربية بس قبل ما ينزل فتح التابلوه وخرج منه مسدسه، حط المسدس في ضهره وبدأ يمشي زي ما أمره الشخص اللي كلمه، مشي كتير جدًا، ماكنش عارف الوقت قد ايه؟ لكنه تقريبًا مشي حوالي ربع ساعة، ضربات قلبه كانت سريعة، كان حاسس بالخوف، ذكرى سودة مرت على دماغه جمعته بالمكان ده، صوت لهاثة كان أعلى من الصمت حواليه، كان بيجر رجليه على الأرض، الذكرى كانت بتعصف بأفكاره، بدأ يحس بنفَسُه بيتخنق مع كل مشهد بيرجع في ذاكرته، كان نسي الأيام دي من زمان، كل حاجة مرت قدام عينيه في لحظات، وكأن الوقت اللي فات كان ساعة مش سنين، بدأت الريح تشتد وصوت صفيرها كان مرعب، فقد الرؤية وسط الرمال، بس في اللحظة دي سمع صوت جاي من بعيد، كان صوت ديب بيعوي، المفروض يوقف أول مايسمع الصوت ده، بس هيوقف ازاي في وسط العاصفة!.. فكر بسرعة وقرر انه ينفذ الكلام اللي اتقاله، وقف مكانه لدقايق، بعدها حس بمسدس محطوط في نص راسه من ورا، وحد بيقول...

- اوعى تتحرك وإلا هتبقى اخر لحظة في حياتك.

رفع ايديه الاتنين فوق، في اللحظة دي حط الراجل ايده في ضهر زين وسحب المسدس اللي كان معاه، بعدها طلب منه يمشي قدامه، نفذ زين الكلام بهدوء واستسلام، وبعد دقايق شاف قدامه مبنى صغير من دور واحد، الذكرى رجعت تلعب في دماغه من تاني، مشاهد بتعدي قدام عينيه برتم سريع ومخيف، بيت بيولع، صرخات عالية، جثث محروقة، ضحكات مرعبة، فاق من كل ده على صوت الراجل بيزقه جوة البيت وهو بيقول...

- ادخل، ادخل، اظن البيت ده مش غريب عليك.

- انت مين وعايز مني ايه؟

ضحك الراجل وسأله باستنكار...

- معقولة كل ده ماعرفتنيش؟

- وانا هعرفك منين؟!

- هو المكان ده لسه مافكركش بأي حاجة.

- لا مش فاكر.

اتفاجئ زين بضربة قوية بضهر المسدس على راسه من ورا.

******

اربع رجالة قاعدين كل واحد على كرسيه، اتكلم واحد منهم وقال...

- بس كده يا مرزوق العملية هتم امتى؟

بص له مرزوق اللي كان قاعد قدامه لابس جلابية رمادي وعلى رقبته شال ابيض، بص له لثواني وبعدين قال...

- لما الأسياد يأمروا.

ادخل واحد من اللي قاعدين لابس قميص وبنطلون وسأله...

- والأسياد هيأمروا امتى يا مرزوق؟!.. احنا بقالنا أكتر من ست شهور.

- العملية دي صعبة جدًا يا اخوانا ومش أي حد يقوم بها، دي مقبرة كبيرة.. كبيرة أوي واللي فيها مايتقدرش بتمن، وعشان كده الخادم اللي حارسها شديد أوي.

دخل طفل عنده حوالي خمستاشر سنة، دخل الأوضة وهو شايل صينية عليها أربع كوبايات شاي، قرب من مرزوق ومد ايده بالصينية، بص له مرزوق وقاله بنبرة حادة...

- ناول الضيوف الأول ياجحش.

سابه الطفل وراح ناحية أول واحد ومد الصينية قدامه، خد الراجل كوباية الشاي وهو بيضحك وقاله...

- تسلم يا سي مجدي.

قرب مجدي من الاتنين التانيين وكل واحد خد كوبايته لكن الأخير قاله...

- ماتوصي أبوك علينا ياعم مجدي وخليه يفتح المقبرة بسرعة.

ابتسم مجدي في وشه وبعدين راح ناحية مرزوق وناوله كوبايته، بعدها اختفى جوة من تاني، وهنا اتكلم مرزوق وقال...

- يا باشمهندس الموضوع مش زي ما انت فاكر، العطلة مش من عندي، اني لو عليا عايز افتح النهاردة قبل بكرة، بس المشكلة لو حاولنا نفتح واستعجلنا قبل ما يأمروا ممكن نتأذي كلنا.

- مش هنتأذي ولا حاجة وبعدين انا مش مقتنع بالكلام ده، خادم ايه اللي هيفضل قاعد على مقبرة ألاف السنين!.. ده كلام غير علمي، انا مهاودكوا بس عشان خاطر الأمور تمشي بسلاسة لكن كده كتير.

اتكلم واحد تاني وقال...

- يصراحة يا مرزوق الباشمهندس معاه حق وانا كنت بقول نصبر لكن فعلًا كده كتير.

- يا أستاذ سمير صدقني لو فتحنا دلوقتي كلنا هنموت.

- لا هنموت ولا حاجة، يلا خلينا نتكل على الله ونبدأ بكرة.

اتكلم التالت...

- خلاص يا مرزوق اسمع كلام الباشمهندس واستاذ سمير وخلينا نبدأ بكرة.

- يعني حضرتك شايف كده يا متر؟

- اه كفاية الوقت اللي ضاع وبعدين احنا ورانا مشغوليات تانية عايزين نفوقلها.

- خلاص اللي تشوفوه يا بهوات، بس كده هحتاج فلوس تاني عشان هجيب شوية طلبات.

رد عليه المهندس وقاله بحدة...

- فلوس ايه تاني!.. انت بقيت لاهف فوق الخمسين ألف جنيه، مافيش مليم قبل ما نطلع الحاجة.

- طب والحاجة المطلوبة مني دي هعمل فيها ايه؟

- اتصرف من الفلوس اللي لهفتها.

قاموا التلاتة مشيوا على اتفاق انهم هيجوا بكرة ويبدأوا التنفيذ.

******

فتح زين عينيه لقى نفسه قاعد على الأرض وايديه اليمين متكلبشة في دايرة حديد خارجة من عمود من عمدان البيت، بص قدامه لقى شاب ملثم قاعد على كرسي وبيبص عليه، ابتسم زين في سخرية وسأله...

- انت جايبني هنا ليه؟

- فاكر المكان ده؟

- طبعًا فاكر، انت بقى بيفكرك بايه؟

- طالما فاكر يبقى أكيد عارف ايه اللي حصل فيه؟

- انا عارف، انت بقى عارف؟

- 20 سنة مانسيتش يوم واحد اللي انت وابوك عملتوه، بس للأسف ابوك مات قبل ما اقدر اخد حقي منه.

- وحتى لو عايش ماكنتش هتقدر تقربله، انجز وقول عايز ايه؟

- عايز اعرف عملت فيها كده ليه؟

ضحك زين ضحكة عالية...

- انت فاهم غلط.

- يعني ايه؟

******

الأربعة كانوا واقفين قدام مبنى الاستراحة، وجنبهم العمال ومعدات الحفر، وفي اللحظة دي سأل المهندس...

- انت متأكد إن ده المكان اللي هنبدأ منه يا مرزوق؟

- عيب يا بشمهندس، هو احنا كنا بنلعب الفترة اللي فاتت، اتكل على الله.

شاور المهندس بايده لواحد من اللي واقفين...

- ابدأ ياريس حربي.

بدأ حربي والعمال حفر في المكان اللي شاور عليه مرزوق، الشمس راحت والليل بدأ يدخل، وكانوا العمال حفروا جزء عميق في الأرض، بس لسه مافيش أي معالم ظهرت للمقبرة، ومع غروب الشمس بالظبط، بدأوا العمال يحسوا بحركة غريبة بتحصل، المعدات كانت بتبطل لوحدها، عامل من اللي واقفين صرخ برعب وهو بيجري...

- المكان ده في جن، المكان ده مسكون.

وقبل ما يكمل مترين وقع على الأرض ومات، كل العمال وقفوا يبصوا عليه وهم مذهولين، بس فاقوا على هزة قوية في الأرض، وبعدها بدأوا يجروا زي المجانين وهم بيصرخوا، كان كل واحد فيهم بيقاوم حاجة هو بس اللي شايفها، بس مافيش ثواني وبيموت يا اما من الرعب يا اما في حاجة بتخنقه، وفي اللي كان بيطير في الهوا وينزل ميت، كل ده كان بيحصل والأربعة واقفين قدام باب الاستراحة بيتابعوا المنظر في رعب، صرخ فيهم مرزوق وقال...

- مش قولتلكوا، جالكم كلامي، الخادم هو واللي معاه مش هيسيبونا في حالنا.

رد المهندس بتردد...

- انت بتخرف بتقول ايه يا جدع انت!

- انت لسه مش مصدقني! انا مش عايز أموت.

قرب من الطفل وخده وطلع يجري به في الصحرا، التلاتة دخلوا يجروا على الاستراحة وقفلوا الباب عليهم، لكن بعد دقايق، لف مرزوق وشه وساعتها شاف هو والطفل الاستراحة بتولع والنار ماسكة فيها، بعدها شاف واحد منهم ماقدرش يحدد هو مين بالظبط، خارج والنار ماسكة فيه، وقع على الأرض وفضل يتلوي وهو بيحاول يطفي نفسه بالرمل لكن الغريب ان النار كانت بتزيد وكأن الأرض فيها زيت بيزود من اشتعالها، مسك مرزوق ايد ابنه وكمل جري وهو ميت من الرعب.

******

ابتسم الراجل اللي قدام زين وهو بيصقف...

- برافو يا زين، حكاية ولا حكايات ألف ليلة وليلة.

قرب من زين وقاله بنبرة ثقة...

- خليني احكيلك انا بقى اللي حصل...

كان في زمان دجال، مُدعي.. اسمه مرزوق، كان متجوز وعنده ابن، لكن مرزوق قرر يبيع نفسه للشيطان، مش نفسه بس.. لا، ده كمان قرر انه يبيع ابنه للشيطان، اشتغل في السحر والأعمال وأذية الناس، وبقى يفتح المندل على ابنه ويخليه يشوف الجحيم بعنيه، الأم لما عرفت قررت انها تاخد ابنها وتهرب، لكن الأب كان شيطان، رماها لوحدها وخد الابن منها، الابن اللي افتكر انها سابته وماسألتش فيه وعاش عمره كله يحاسبها على غلطة ماعملتهاش، المهم، الدجال في يوم وقع مع ناس عندهم نفس الطمع اللي عنده، طلبوا منه يكشف لهم على مقبرة في مكان معين في الصحرا، راح معاهم وهناك قالهم ان المكان موجود فيه مقبرة فعلًا، ولما طلبوا منه يفتحها كان رده إن حارس المقبرة، خادم من الخُدام الشداد ومش هيقبل يفتحها بسهولة، والحل إن واحد فيهم يضحي بحد من دمه، التلاتة كانوا مستحيل يعملوا حاجة زي دي، وهنا اقترح المتر اللي معاهم على الدجال انه يضحي بابنه مجدي وياخد فلوس زيادة في المقابل، العرض كان مغري، بس اللي الدجال ماكنش يعرفه، إن اللي مع ابنه كان أقوى منه، وفي اليوم اللي اتفقوا عليه وبعد ما وقفوا قدام باب المقبرة، تمتم الولد بكلام غريب، ماحدش فيهم قدر يفهمه غير مرزوق، هو بس اللي الخوف سيطر عليه وارتبك، ومن خوفه طلع يجري، لكن الابن مارحموش، قتله وبعدها قتل التلاتة وسحب جثثهم جوة الاستراحة وولع فيها، بعد كده ردم على باب المقبرة من تاني واحتفظ بالسر لنفسه، وفي اليوم ده بالليل ولجل حظ الولد، كانت معدية قبيلة من رحالة الغجر، الولد أول ما شافهم قعد يعيط ويصرخ "قتلوا ابوي، قتلوا ابوي" مسكين ياعيني، صعب على واحدة منهم وقالت انها هتاخده وتربيه مع عيالها، وعاش مجدي وسط عيال سعاد، سعاد اللي حنت عليه أكتر من عيالها، يمكن لو أمه ماكنتش حنت عليه كده، وكبر الولد والسر كبر معاه، وقرر انه يستخدم القوة اللي كانت عنده، بدأ يستعمل سحره ودجله على الناس اللي اتربى وسطيهم وعطفوا عليه، وكان أي حد يقف ضده يأذيه، ولاحظت سعاد انه مابيقعدش في مكان غير لما تحصل فيه مصيبة، ابتدت تشك فيه، لحد ما في يوم دخلت عليه الخيمة لقته قاعد وبيتكلم مع حد مش موجود، وشافت الاعمال والاحجبة اللي كان بيعملها، اتخانقت معاه وطردته من القبيلة كلها.

وهنا جِه الميعاد وقرر مجدي إنه يخرج اللي في المقبرة بس كانت لسه العُقدة موجودة، لازم حد من دمه عشان الخادم يسمحله يفتح الباب، وطبعًا ماكنش متبقي من دمه غير شخص واحد بس، أمه الأصلية، دور عليها كتير لحد ما وصلها، وبدل ما يترمي في حضنها ويعوضها السنين الي اتحرمت منه فيها، خطفها من وسط عيالها اللي كانوا لسه يدوب اطفال، وصحيوا في يوم مالقوهاش، رجع بها على مكان المقبرة وهناك دبحها بدم بارد قدام الباب، واتفتحت المقبرة، كنز عظيم ملك عيل لسه يدوب بيبدأ حياته، وقرر انه ينقل مكان جديد ماحدش يعرفه فيه، وبالفلوس اللي معاه ماحدش هيقدر يسأله انت مين ولا جيت منين؟ غير اسمه وبدل مجدي مرزوق بقى زين الدكروري، الغريبة انه مانساش سعاد وفضل يسأل عليها، لحد ما في اخر ايامها خدها على الدار عشان تلاقي اللي يرعاها، المرة دي الولد كبر بجد، بقى له كلمة مسموعة عند الناس الكبار، وبقى بيدخل وسطيهم، وداق خيرهم وعزهم، وواحدة واحدة بدأ يستغنى عن الخادم اللي معاه، كان عايز يعيش حياة نضيفة مافيهاش أي حاجة من ريحة من الماضي، بس نسي إن الماضي مابيموتش غير بموت صاحبه، مش كده ولا ايه يامجدي؟ ولا انت حبيت اسم زين أكتر؟

ابتسم زين بسخرية...

- لا برافو، حكاية حلوة، تنفع تتحكي للاطفال قبل النوم.

- مش كده، انا فعلًا بحكيها لابني كل يوم قبل ما ينام، عارف بحكيهاله ليه؟ عشان لو ماقدرتش اخلص منك يكبر وهو عارف تاره عند مين.

- تار ايه؟ انت مين أصلُا؟

- انا الشخص الوحيد اللي انت ماعملتش حسابه، انا الابن اللي حرمته من أمه ويتمته وهو لسه يدوب ابن عشر سنين.

- امممم، انت ابنها بقى؟ لا بس مذاكر كويس، في حاجة واحدة بس انت قولتها غلط، بجملة الوساخة بقى، انا ماكنتش بسأل عن سعاد، هي صحيح طردتني عشان كنت بشتغل في السحر بس ماكنتش تعرف إن بنتها غلطت معايا، لكن انا عملت بأصلي وخدت البت واتجوزتها وعيشتها ملكة، لحد ما فجأة ظهرت سعاد تاني، ماعرفش عرفت طريقي منين، يمكن دي ضريبة الشهرة، لقتها جاية وعايزة تشوف بنتها.

- وطبعًا انت حبستها في الدار عشان مش عايز شوشرة.

- بالظبط، يعني مش عشان سواد عينيها، وهي مش فارقة معايا من أصله.

- يعني جيت عشان خايف على سمعتك ومركزك.

رد زين وهو بيهز دماغه...

- تؤ، جيت عشان اخلص.

بص له الشاب باستغراب، كمل زين كلامه وسأله...

- انت اسمك ايه؟

سكت ثواني قبل ما يرد عليه وبعدين قاله...

- علي، اسمي علي.

- حلو علي، بعد ما تقتلني عايزك تروح لمراتي وبنتي وتعرفهم انك اخويا، عايزك تاخد بالك من سيلا يا علي هي مالهاش ذنب في اللي انا عملته، ماتحسبهاش بذنبي.

علي ماكنش مصدق اللي بيسمعه ولا مصدق دموع زين اللي بدأت تنزل على وشه، بس زين كمل...

- عارف يا علي، انا بقالي كتير أوي بلوم نفسي على كل اللي عملته، وفكرت كتير اني اخلص من حياتي، بس حاجة واحدة كانت منعاني.

- حاجة ايه دي؟

- اللي معايا من صغري هو اللي كان بيمنعني، كان دايمًا بيزين لي الشر وبيقنعني به ولما كنت برجع لطبيعتي كان بيقاومني، وبيحسسني اني ضعيف من غيره، عشان كده انا عايزك انت اللي تخلصني من حياتي اللي مش قادر اخلص منها، انا لعنة على كل اللي حواليا يا علي، ولازم اختفي من حياتهم عشان تكون أحسن.

- متأخر أوي يا زين.

- مجدي، قولي يا مجدي، زين ده شخص تاني انا ماعرفوش، شخص عمري ما اتمنيت أكونه بس الكيان ده فرضه عليا.

- تمام، انا هنفذ دلوقتي.

- نفذ بسرعة أرجوك.

وجه علي المسدس ناحية زين وخرجت الطلقة عشان تستقر في دماغه.

علي نفذ وصية زين وراح لبنته ومراته وعرفهم بنفسه، وبعد سنة من موت زين، اتجوز علي شاهيناز وخد مكان زين.

طبعًا بتسأل دلوقتي ازاي علي قدر يتجوز شاهيناز وياخد مكان زين بالبساطة دي!.. مش كده؟ علي كان بيملك كيان أقوى بكتير من اللي كان مع زين، كيان هو اللي حضره بايده وقدمله القربان في الصحرا، كيان وعده انه ينتقم له من زين ويخليه ياخد مكانه، بس النهاردة وبعد مرور سنين وبعد ما علي خلف من شاهيناز طفلين، واتعلق بسيلا، النهاردة علي بيبص وراه وبيتمنى الزمن يرجع به من تاني وينسى انتقامه من زين، بيشوف نفسه داخل على زين المكتب وبيعرفه الحقيقة وزين بياخده بالحضن ويعيشوا مع بعض من غير حقد ولا كره، بس هي دي الحياة، اختيارات ويا تصيب ياتخيب، ياتعيش متهني طول حياتك، ياتعيش تلعن نفسك اللي باقي من عمرك على اختيارك، وانا بلعن نفسي على اختياري من يوم ما قتلت زين.


تمت بحمد الله 


بقلم الكاتب: شادي إسماعيل

التنقل السريع