القائمة الرئيسية

الصفحات

 

هنجر بور سعيد قصص رعب


بقلم الكاتب: شادي إسماعيل 


انا فتحي العقاد، اربعين سنة، بشتغل حداد استيل استركشن... وللي مايعرفش طبيعة شغلي،فبالمعنى الاوضح كده.. انا حداد وبعمل ترابيزات وعفش من الحديد، وساعات كمان أسقف الهناجر او المصانع حديد، حبيت اشارك تجربتي معاك لما في يوم كلمني زبون من بورسعيد، الراجل ده شاف شغلي علي النت زي ما قال، وطلب مني اعمله شغل في مصنع جديد بيتبني، الشغل كان في محافظة غير محافظتي، يعني حاجة مرهقة، خاصة اني هقيم هناك طول المدة دي ومش هرجع الا لو في حاجة مهمة تستاهل ان ارجع عشانها.. الشغل ده كان هياخد تقريبا شهر او اقل بحاجات بسيطة، ده يعنب لو حسبنا اننا هنشتغل ليل ونهار زي ما هو طلب مني ومفيش اجازات، بس هيبقي في تعويض مادي مقابل الاجازات وساعات العمل الاضافية... المصنع كان في منطقة مطرفة جدا برة المحافظة، مش حابب اذكر اسمها بصراحة، عادة لما يكون الشغل برة القاهرة مش بروح وببعت طقم الصنايعية اللي شغالين معايا، لكن المرة دي روحت بنفسي لان الشغل ده بالذات مينفعش يكون فيه غلطة، لأن الراجل هيدفع فلوس كتير، وكمان وعدني بإنه هيخليني اعمله شغل في المصنع التاني اللي هيفتحه بعد ده، يعني لقمة عيش حلوة ماينفعش اسيبها مرهونة في ايد صنايعية جداد في الشغلانة، وفعلا روحت انا و أربعة من رجالتي، سيكا ومخلوف وعبده و سوستة، اول ما وصلنا العيال حست بالخوف، هنجر مهجور في حتة مطرفة، وبصراحة انا كمان حسيت بالقلق شوية، لكن قولت إن ده طبيعي بما ان المكان جديد علينا ومهجور ومافيهوش حس، ومع الوقت هنبدأ نتعود عليه.. حطينا العدة والحاجة بتاعتنا، بعدها بدأنا شغل علي طول، اليوم مشي تمام وخلصنا علي قرب العشا كده، وبعد ما خلصنا، قولنا نريح النهاردة ونكمل بكرة، الدنيا كانت هادية لحد تالت يوم، كنا بنشتغل طول اليوم وماكنش في أي حاجة غريبة، وعلى الساعة سبعة كده، طلبت منهم يوقفوا شغل ويريحوا شوية، وخرجت انا برة الهنجر عشان اعمل مكالمة لان مفيش شبكة جواه، بس وانا مستني التليفون يلقط شبكة، كنت حاسس ان في حد واقف ورايا، ولما كل شوية الف.. مالاقيش حد!.. ومش كده وبس، ده انا كمان بدأت اسمع اصوات غريبة، وفعلا كنت حاسس إن حد واقف ورايا وانفاسه علي رقبتي، قلقت ودخلت جوة وساعتها لقيت الواد سيكا بيسألني علي الشنيور عشان يطلع يركب كام حاجة فوق السقف، قولتله اني معرفش مكانه واني ماشتغلتش به النهاردة، ف سأل العيال كلها، ماحدش فيهم شافه، في الوقت ده افتكرت انهم نسيوا يجيبوه، وبدأت ازعقلهم واشتمهم.. بس في وسط ما بزعق سمعنا صوت، سكتت وبدأت اركز مع الصوت لاقيته صوت الشنيور!.. بصيتلهم باستغراب وقولتلهم.. "ماهو الشنيور موجود اهو.. تلاقي بس الواد".. سكتت فجأة لما بصيت عليهم عشان اشوف مين فيهم مش موجود وبيشتغل بيه، بس اتصدمت لما لقيتهم كلهم موجودين ومفيش حد ناقص!

اتاخدت و بدأت اسأل نفسي "اومال مين بيشتغل بالشنيور؟".. وبسرعة جريت علي الصوت، كن كل ما اقرب كان الصوت بيزيد، لكني قبل ما اوصل.. الصوت اختفى، بصيت في المكان وانا بدور عليه.. الشنيور.. الشنيور اللي ماكنش موجود اصلا، فجأة لقيت حاجة بتترزع قدامي علي الارض، بصيت لفوق بسرعة، لمحت خيال اسود، اختفي اول ما رفعت راسي فوق، خدت الشنيور اللي اترمي والحمدلله إنه ماوقعش علي دماغي، ورجعت بسرعة للعيال، بس قبل ما ارجع فكرت بيني وبين نفسي، انا لو قولتلهم هيخافوا ومش هيكملوا شغل وهتبقي عطلة علي ما اجيب ناس تانية وبتاع، ف قولت مش لازم اعرفهم حاجة وخبيت الشنيور في حتة امان ورجعت لهم، ولما سألوني، قولتلهم مالقتهوش وممكن يكون في ناس جنبنا بتركب حاجة ولا بتاع، ورجعنا للشغل من تاني، وبعد ما خلصنا.. كنا الساعة واحدة تقريبا، فرشنا علي الارض عشان ننام، وطبعا كلنا كنا مهددوين وخلصانين علي الاخر، وعشان كده نمنا في اقل من خمس دقايق، ماعرفش عدى قد ايه، بس انا حسيت فجأة ان فيه زي ما يكون عربية عدت علي رجلي!.. قومت بسرعة وانا حاسس ان رجلي اتقطعت، والمفاجاة إني لما قومت، لقيت الاربع عمال قاعدين نفس قعدتي وبرضه ماسكين رجليهم!.. طبعا سالتهم وكلهم قالوا انهم حسوا إن زي ما يكون عربية عدت علي رجليهم، قطع كلامنا مع بعض صوت عالي، ركزنا شوية لقيناه صوت العدة بتتحرك وزي ما يكون حد بيجرجرها علي الارض، العيال كلها خافت ومحدش فيهم رضي يروح يشوف في ايه، اتشجعت وقومت انا وروحت لحد المكان اللي كانت فيه العدة، بس كانت موجودة زي ما هي وماتحركتش من مكانها، ضحكت علي نفسي وعلي العيال اللي خايفة هي كمان، بعد كده لفيت وشي عشان ارجع تاني، وساعتها شوفت الشنيور، لقيته محطوط علي البنك والايد بتاعته غرقانة دم!

وقفت مكاني مبرق ومش قادر اتحرك ولا قادر اصرخ ولا حتى عارف اعمل اي حاجة، انا مش اول مرة اشوف الحاجات دي، بس اول مرة احس بالخوف كده.. تمالكت نفسي وبعد دقايق قدرت افوق من الصدمة، سيبت الشنيور مكانه ورجعت لفرشتي، وطبعا برضه ماقولتش حاجة لاي حد، شغلنا قران وحاولنا ننام لكن ولا واحد فينا جاله نوم، الصبح كنا بنشتغل وكلنا مش قادرين بسبب التعب اللي كان مسيطر علينا، وفي نفس الوقت العيال رغم اني ماقولتلهمش حاجة من اللي حصلت، إلا إنهم كانوا حاسيين ان في حاجة غريبة انا ماقولتهاش، المهم.. كملنا شغل وقولنا ننسي اللي حصل، وعلى المغرب كده لقيت الواد عبده بيصرخ!.. جريت عليه انا والعيال عشان نشوف ماله، لقيته واقف قدام حيطة من حيطان الهنجر وفاتح بوقه ومبرق، لما سالته علي اللي حصل، قالي انه شاف واحدة شعرها مقصوص ووشها محروق وهدومها غرقانة دم، كانت قاعدة بتعمل حاجة علي الارض، واول ما شافته دخلت في الحيطة، طبعا العيال سمعوا الكلمة الاخيرة دي، وماتوا على نفسهم من الضحك، لكن انا بس اللي كنت عارف انه بيقول الحقيقة، كلهم قعدوا يتريقوا عليه وانا شاركتهم شوية عشان مايبانش اني عارف حاجة ومخبي، الواد كان صعبان عليا، بس طالما محاصلش حاجة، يبقى الحمدلله ولازم نكمل شغل بسرعة عشان نخلص من الشغلانة المهببة دي.

ولما رجعنا للشغل، طلبت من عبده يفضل تحت ايدي ويساعدني طول اليوم، الساعة كانت حوالي تسعة تقريبا لما سيكا جاب الاكل وجه، قعدنا كلنا عشان ناكل، الواد مخلوف مابيعتقش حد، وعشان كده مسك عبده تريقة طول ما احنا قاعدين علي الاكل، الواد قعد يحلف انه شاف واحدة فعلا وانه مش بيتخيل، لكن مخلوف برضه ماعتقهوش، وانا كنت بضحك كل شوية كمجاملة يعني عشان محدش يشك في حاجة، وبعد ما خلصنا الاكل، طلبت من مخلوف يروح يجيبلي سجاير، لأني كنت نسيت خالص اقول لسيكا يجيب معاه وهو جاي، واضح اني بقيت بفكر في الموضوع ده زيادة عن اللزوم ودماغي مابقتش فيا، بعدها كل واحد منهم طلب من مخلوف علبة وحاسبه عليها واتكل مخلوف علي الله واحنا رجعنا للشغل من تاني، إنما بعد ساعة.. بدأت اقلق عليه، صحيح اقرب مكان بعيد شوية لكن مش للدرجة دي، حتي زمايله بدأوا يقلقوا بالذات عبده اللي بالرغم من ان مخلوف كان مبهدلة تريقة، إلا إني لقيته جاي بعد ساعتين وبيقولي إن مخلوف اتأخر وانا خايف يكون حصله حاجة!.. طمنته مع ان انا نفسي ماكنتش مطمن، وقولتله هتلاقيه بيتسرمح هنا ولا هنا، كلنا كنا شغالين بقلق وانا بدأت الوم نفسي اني بعته المشوار ده، لكن بعد شوية لقيناه داخل وهو مبسوط أوي وبيدندن مقطع من أغنية انا لك علي طول، كان معاه شنطة كبيرة وبكل هدوء قام مديني علبة السجاير وكمان معها علبة عصير، وبدأ يدي كل واحد علبته وبرضه معاها علبة عصير اشتراها جدعنة منه، بصيناله باستغراب وعبده سأله بقلق..

-ألا كنت فين كل ده ياض يا مخلوف؟

- ايه ياض في ايه، هو انت خطيبتي؟!.. وبعدين كنت بجيب الحاجات اللي طلبتوها، ثم ايه هو اللي كل ده، هو انا كملت ربع ساعة؟!

ساعتها كلنا بصيناله مرة واحدة، ارتبك شوية وبعدين ضحك وقالنا...

- ايه يا جدعان بتبصولي كدا ليه!.. انا عارف اني اتاخرت بس هي نص ساعة يعني، ووالله كانت غصب عني، ماهو في حتة بت هنا ياعم فتحي، انما ايه.. صاروخ بنت اللذينة، هي اللي اخرتني، قعدت ترغي كتير وانتوا منين وبتعملوا ايه هنا ورغي كتير كده، ده انا خلعت منها بالعافية، حقك عليا، ماتزعلش..

استغربت كلامه، هو ازاي مش حاسس انه قعد ساعتين، وبعدين كشك ايه اللي جنبنا هنا، فضلت باصص له وانا بحاول اقنع نفسي انه بيكدب، بس كل تعبيراته بتقول إنه مابيكدبش، وكمان كان جاي مزاجه حلو وبيغني، الدخلة دي وراها واحدة ست فعلا، بصيت للعيال اللي كانت عينيهم مليانة شك وفي نفس الوقت مليانة خوف يكون بيقول الحقيقة، بلعت ريقي وسألت مخلوف..

-ماشي.. بس هو الكشك ده فين بقى؟

-جنبنا هنا يا عم فتحي، مفيش خمسين متر ولا حاجة.

استغربت اكتر، انا امبارح اتمشيت في المنطقة عشان ماكنش في شبكة زي ما قولت، ومش فاكر اني لمحت اي كشك، قربت منه وقولتله بعصبية..

- والا.. مفيش اكشاك هنا، انت كنت فين ياض؟

- وربنا يا عم فتحي كنت بجيب الحاجة من الكشك، وبعدين انا مش فاهم ايه المشكلة اني اتاخرت نص ساعة يعني!

قولت جوايا يمكن ماخدتش بالي وهو بيقول الحقيقة، زعشان كده طلبت منه يوريني الكشك ده، وفعلا خرجت انا وهو لوحدنا وروحنا المكان اللي بيقول عليه، واول ما وصلنا، بصيت من بعيد.. كان فيه كشك فعلا قدام شوية، بس في وسط حتة ارض فاضية مستواها اقل من مستوي الطريق، مخلوف اول ما شافه من بعيد فرح وقعد يهلل..

- اهو ياعم فتحي، مش قولتلك وانت اللي ماكنتش مصدقني.

ماردتش عليه ومديت خطوتي شوية، اول ما قربت للكشك سمعت الاغنية اللي كان بيدندنها الواد مخلوف، معقولة!.. لسه الاغنية شغالة لحد دلوقتي!.. بصيت جوة الكشك، ماكنش في حد موجود، مخلوف بص يمين وشمال وقعدنا ننده، لكن محدش بيرد، بعدها قعدنا ندور في المكان شوية، وبرضه مفيش اثر لأي حد، رجعت الكشك تاني وفجأة لاقيتها واقفة بتبص لي وهي بتضحك وقالتلي..

- أؤمر ياسطا.

حسيت ان رجلي تقلت لثواني، بس مسكت نفسي ورديت عليها وانا زي ما اكون فقدت الذاكرة..

-ااا.. هـــ..هاتي علبة كليوباترا..

ضحكت ضحكة ماسمعتش زيها قبل كده، تحس ان ملاك بيضحك، بعدها ناولتني علبة السجاير اللي خدتها وفضلت واقف مكاني ماتحركتش، وشها كان جميل جدا لدرجة اني مش هقدر اوصفه، فضلت باصص لها وانا مش حاسس بنفسي، وهي كمان كانت بتبصلي، عبدالحليم كان لسه شغال في الراديو ولقتني بدندن المقطع بصوت حلو، وهي بتحلو اكتر كل ما ادندن المقطع ده، ماكنتش دريان بحالي، خدتني لدنيا بعيد، انا مش فاكر اخر مرة شوفت واحدة جميلة كده كان امتي، او يمكن ماقابلتش ستات حلوة اصلا قبل كده، وفي لحظة.. فجأة حسيت بمخلوف بيهزني جامد...

- ايه ياعم فتحي، انت واقف كده ليه؟

بصيت حواليا وبصيت جوة الكشك.. لقيته فاضي!.. ملامحي اتبدلت للقلق وسألته بنبرة حادة..

- هي راحت فين؟

استغرب سؤالي وطريقتي اللي بسببها سألني..

- في ايه.. هي مين دي ياعم فتحي؟

- البنت، البنت اللي كانت في الكشك دلوقتي، راحت فين؟

عمل بايديه حركة معناها (معرفش بتتكلم عن ايه) وهو بيقولي...

- مفيش حد هنا يا عم فتحي، اومال احنا ليه بقالنا عشر دقايق بندور و بننده لحد ما صوتنا اتنبح.

دماغي لفت وبدأت أحس بالخوف، اتحركت من مكاني وقولتله وانا بتحرك..

- يلا..يلا يا مخلوف.. يلا احنا لازم نمشي حالا.

خوفي اتنقل له، وعشان كده اتحرك ورايا من غير ما ينطق بكلمة، خرجنا نجري من المنطقة دي لحد ما وصلنا للطريق تاني، بعدها ببص علي الكشك لقيته اختفى، افتكرت موضوع الوقت، بصيت في ساعتي، لقيت اننا بقالنا ربع ساعة بس، حمدت ربنا اننا طلعنا من هناك سُلام ورجعت انا ومخلوف للهنجر تاني، واول ما وصلنا، دخلت علي جوة.. وساعتها مالقتش العيال، الله!.. هم راحوا فين هم كمان؟ قعدت انا ومخلوف ننده عليهم كتير، لكن ماحدش فيهم بيرد، دخلنا لاخر الهنجر يمكن نلاقيهم قاعدين ورا المكن، لكن اللي شوفناه كان بشع، 3 هياكل عظمية مش عارف بتوع مين، لكنهم كانوا محطوطين علي الارض وغرقانين دم، مخلوف بدأ يجيله حالة هلع زبص لي وعينيه مليانة دموع وقالي بصوت مهزوز...

- عععع ععم فتحي.. انا عايز امشي من هنا ياعم فتحي، ااانا مش مش عاايز اموت..

خلص جملته ومعاها سمعنا باب الهنجر بيترزع، شاورتله بايدي انه يسكت، كتم انينه غصب عنه لكن عينيه مبطلتش دموع، بصيت من ورا المكن وحاولت اشوف مين اللي دخل، ماكنش فيه حد، لكن شوية وبدأت اسمع صوت العدة بتخبط في بعضها، وفجأة سمعت صوت ضحكتها، والمرة دي كانت ضحكة مرعبة، قالت بعدها بصوت ناعم..

- سيبك منه و ركز معايا يا فتحي، مخلوف كده كده ميت، ركز معايا عشان ماتحصلهمش.

ماردتش وبصيت لمخلوف اللي لقيته مش قادر ياخد نفسه، حاولت اساعده من غير ما اعمل صوت يلفت انتباهها، بس في الوقت دا كملت كلامها وقالتلي..

- فتحي، عجبتك مش كده؟

حسيت برعشة في جسمي، بصيت فوقي وحواليا لكن صوتها كان جاي من عند باب الهنجر، كانت بتغني نفس المقطع وهي بتقولي...

- غني معايا.. غني معايا يا فتحي يلا...

فضلت تعيد في المقطع مرة واتنين وكل مرة بتطلب مني اغني معها، لحد المرة التالتة صوتها اتحول لصوت مرعب، مخيف، حسيت إن قلبي اتخلع من مكانه، ومخلوف كان واقع علي الأرض ومغم عليه، وقتها كنت بحاول اشوفها لأني مش عارف هي فين بالظبط، وساعتها اتكلمت تاني وقالتلي...

- بتدور عليا؟.. عايز تشوفني فعلا؟.. حبتني بجد يافتحي؟ ولا زيك زيهم؟.. رد عليا، حبتني بجد؟

صوتها كان مليان غضب هزني من جوة قلبي، ف لقتني برد عليها بصوت مليان خوف..

- ايوووة.. حبيتك انا، ايوة حبيتك، حبيتك...

كنت بصرخ بجنون والدموع مغرقة عينيا، وهي كانت بتضحك ضحكة عالية بترعبني اكتر ما انا مرعوب، وفجأة سكتت وقالتلي...

- دلوقتي جه الاوان انك تشوفني، بس اوعي تخاف زي عبده، الجبان صرخ اول ما شافني وكأنه شاف عفريتة، وعشان كده مات، كل اللي شافني وصرخ مات، اوعي تصرخ يا فتحي، انا بحبك ومش عايزة اموتك.

ضحكت ضحكة مرعبة، في اللحظة دي غمضت عيني، اتمنيت لو اني كنت أعمي، أتمنيت لو اني مكنتش جيت هنا من الاساس، اما هي، ف رجعت اتكلمت تاني وقالتلي..

- علي فكرة، انت السبب في اللي حصلهم، لوكنت حذرتهم من الاول ومشيت، ماكانوش ماتوا، بس انتوا كلكوا كده، طماعين، خوفت علي الفلوس اكتر ما خوفت علي حياتك وحياة اللي معاك، وهو كمان.. هو كمان كان بيحب الفلوس، سابني اعيش لوحدي، كان فاكرني هصدق انه بيعمل كل ده عشاني، لا طبعا.. هو كان بيعمل كده عشان بيحب الفلوس اكتر من اي حد.. زيه زيك كده يافتحي.

كنت مغمض عينيا وهي بتتكلم، خايف تظهر في أي لحظة، بس سمعت صوتها بتعيط، وكملت كلامها وسط عياطها...

- سابني لوحدي وسط اهله الحوش، فضلت صايناه وقافلة بابي، لكن اخوه النجس كان عايزني اقع معاه في الحرام، قالي ازاي واحدة جميلة زيك تتجوز واحد معفن زي اخويا، هزقته وطردته برة البيت، لكنه مابطلش زن علي وداني وكل مرة اطرده ويرجع تاني، لحد ما في الاخر هددته اني هقول لاخوه، ساعتها شاف طريق تاني يوصلي به، بعت لاخوه وقاله ان مشيي غلط وبدأ يسخنه عليا، والتاني عشان دلدول مشي ورا النجس اخوه، وبدأ يقولي البسي نقاب وماتخرجيش من البيت، الكلب رجع وقالي اني لو طاوعته هيخلي اخوه يسيبني في حالي، ف طردته كالعادة، بس المرة دي ماسكتش، لقيته تاني يوم بيخبط عليا و اول ما فتحت الباب، قام خابطني بحاجة علي دماغي ورماني علي السرير، وبعد ما خد اللي هو عايزه دخل المطبخ وفتح الغاز علي الاخر وبعدها حرق البيت كله، ومن يومها وانا اللي بيجي هنا بوريه اسود ايام حياته وفي الاخر بموته، بس انا مش هموتك يافتحي، مع ان زيك زيهم لكن انا مش هموتك، لانك هتعيش معايا هنا، ايوة.. هتعيش معايا وتسليني، لأن انا زهقت من الوحدة.

فضلت حاطط ايدي علي عينيا طول كلامها، لكن فجأة قربت مني ووقفت قدامي، طلبت مني كتير ابصلها لكن انا خوفت، صوتها كان ناعم، ملاك بتتكلم، بتترجاني افتح عينيا واشوف جمالها.. جمالها اللي حبيته، قاومت كتير، مابقتش قادر، حسيت اني بضعف، صوتها كان كل مدي بيتغلغل جوايا، قومت جريت ناحية باب الهنجر، كنت بجري وانا سامع صوت ضحكتها، كنت بجري وانا مغمض عينيا عشان مشوفهاش، خبطت في حاجات كتير، وقعت وحسيت ساعتها بنفسها جنب ودني، وفجاة ضحكتها خرمت وداني، حاولت اتحمل الالم اللي حاسس بيه، كنت خايف اضعف او اصرخ، قومت بسرعة وكملت جري ناحية الباب، كنت حاسس بيها بتجري جنبي، فتحت الباب وخرجت، كان النهار طلع، جريت وانا مش عارف اروح علي فين، وفي وسط جريي لمحت جتت العيال التلاتة عبده وسيكا وسوستة، محطوطين بنفس الطريقة اللي شوفت الهياكل العظمية عليها، الخوف كان بيخليني اجري اسرع من الريح، في الاخر وصلت للطريق السريع، بعد شوية عربية وقفت ونقلتني لبورسعيد، بلغت عن اللي حصل، لكن لما روحنا المكان لاقينا الهنجر مقفول زي ما دخلته اول مرة ومخلوف فاقد الوعي قدامه، ومافيش اثر للدم ولا للجثث، مفيش وجود لأي جثة من اللي شوفتهم، عرفت بعدها ان الهنجر ده كان ارض فاضية بقالها اكتر من اربعين سنة، وقبلها كان موجود فعلا بيت قديم لرجل اسمه محمد حماد، كان عايش هو ومراته مبسوطين وفجأة قرر السفر لدولة من دول الخيلج بحجة تأمين المستقبل، سافر وسابها لوحدها، بعد شهور اتفاجئوا بالبيت بيولع وجواه نعيمة، لما دخلوا كانت جثتها اتفحمت بالكامل، جوزها لما عرف بالخبر قرر انه مينزلش تاني وطلب من اخوه يبيع البيت، الاخ هد البيت وباع الارض ومن ساعتها محدش عارف يبني عليها وكل اللي بيروح هناك مبيسمعوش عنه تاني... اما عن سوستة وعبده وسيكا، فدول عرفت بعد كده إن انا ومخلوف لما خرجنا وروحنا الكشك، هم شافوها وظهرتلهم، وهربوا زي ما انا هربت بالظبط.. وعن مخلوف نفسه بقى، فلما فاق.. فاق وهو مش مخلوف اللي نعرفه، احنا اه سيبنا الشغلانة، وصاحب المصنع مافتحوش من بعداللي حصل، لكن مخلوف لما رجع، مارجعش لوحده.. الظاهر إنها كانت بتدور على حد يفضل معاها، وعشان كده رجعت مع مخلوف اللي لحد النهاردة لسه عايش اه.. لكنه جسم من غير عقل، وحتى احنا.. احنا اوقات كتير اوي، سواء انا او التلاتة اللي كانوا معايا، لسه بنصحى على كوابيس بنشوفها فيها.. بالظبط، زي ما شوفناها في هنجر بورسعيد.


تمت بحمد الله 


 بقلم الكاتب: شادي اسماعيل



التنقل السريع