
بقلم الكاتبين: شادي اسماعيل ولمياء الكاتب
بصيت ناحية الصوت اللي كان بينده عليا لقيت طفل عنده حوالي 15 سنة واقف قدامي، رديت عليه...
- ايوة.
- الريس يعقوب بيفكرك بالميعاد وبيقولك هيكون مبسوط لو لبيت دعوته على الغدا دلوقتي.
ابتسمت وانا بقوم من مكاني...
- تمام يلا بينا.
بصيت للعمال اللي قاعدين وانا بقول بصوت عالي...
- عن إذنكوا يا رجالة وشكرًا على الغدا.
مشيت مع الطفل لحد البحر وهناك لقيت الريس يعقوب زي ما بيحب إن الصيادين يندهوله، لقيته قاعد على راس وليمة كبيرة ممدودة قدامه وعلى شماله مرام، والصيادين كل واحد قاعد في مكانه، سلمت عليهم بصوت عالي وانا برفع ايدي وبحييهم، ردوا عليا التحية وبعدها سلمت على الريس يعقوب...
- ازيك ياريس؟
ابتسم في وشي...
- الحمدلله، ازيك انت يا باشمهندس؟.. اتفضل اقعد.
شاورلي على الكرسي الفاضي على يمينه، قعدت وساعتها جت عيني في عين مرام فابتسمت وانا بقولها...
- ازيك يا مرام؟
هزت دماغها بابتسامة مجاملة...
- الحمدلله.
اتكلم الريس يعقوب وهو بيشاور على الاكل...
- مد ايدك يا يوسف.
بعد ما الغدا خلص اتجمعنا كلنا حوالين الريس في شكل دائري وبدأ هو الكلام...
- يا رجالة انا عايزكوا ترحبوا بالمهندس يوسف، وتعرفوا انه راجل محترم وعكس ابراهيم او السيد ياسين، تقدروا تعتبروه مكان المهندس سامح اللي كان بيدافع عنكوا وبيحاول يحافظ على حقوقكوا.
استغربت كلام يعقوب خصوصًا لما شبهني بسامح الله يرحمه، بصت له باندهاش، طبطب على رجلي وابتسم وهو بيهز راسه، الصيادين بدأوا يتكلموا واحد ورا التاني موجهين كلامهم ليا...
- احنا اسفين يا هندسة لو كنا فهمناك غلط.
- حقك علينا يا باشمهندس، كنا فاكرينك زيهم.
- ما تأخذناش يا استاذ يوسف بس الناس دول ناس ظلمة، عايزين يقاسمونا في رزقنا.
- ماحدش هيقدر ياقسمكوا في رزقكوا، البلد بلدكوا وانتوا احق بخيرها من أي غريب.
- ماهو الاغراب جايين جايين، طالما فتحتوا المشروع ده وواحدة واحدة هنبقى احنا الأغراب وهم اصحاب المكان.
- انا مش عايزكوا تقلقوا يا رجالة اللي انتوا خايفين منه ده مش هيحصل أبدًا.
- ياريت يكون كلامك صح يا باشمهندس.
- يا جماعة انتوا لازم تبصوا للموضوع بشكل تاني، دلوقتي المشروع لما يتفتح والناس تيجي تزور المكان هنا، ده هيفتحلكوا مجال لعمل مشاريع تانية غير الصيد، يعني هيبقى عندكوا فرصة تتاجروا وتبيعوا منتجاتكوا جنب بيع السمك اللي انتوا بتصطادوه.
ماكنتش عارف انا بقول كده ليه؟ بس حسيت اني لازم اطمنهم، بس اتكلم واحد منهم وقال...
- والله يا استاذ يوسف هي المشكلة مش في بيع السمك، ولا المشاريع اللي حضرتك بتقول عليها دي، المشكلة زي ما قولنا لسعادتك إن الناس دي مش هتسيبنا نعمل كده، وهيفضلوا ورانا لحد ما نسيبلهم المكان خالص.
- لا لا ماتقلقوش، ان شاء الله مش هيحصل، وبعدين ما سيد ياسين موجود.
- سيد ياسين!.. سيد ياسين ده لو عليه هيبيعنا احنا شخصيًا مش يبيع الأرض.
- للدرجة دي!..
- وأكتر يا باشمهندس.
بصلهم الريس يعقوب وقالهم...
- يلا يا رجالة كل واحد يشوف وراه ايه، وسيبوا الباشمهندس عشان يشوف شغله هو كمان.
استأذنوا الصيادين واحد ورا التاني ومافضلش غيري انا وريس يعقوب ومرام اللي جت قعدت معانا بعد ما الصيادين مشيوا، بصيت ليعقوب وسألته...
- انت قولت اني زي سامح الله يرحمه، ده معناه انك كنت تعرفه كويس.
- كل الصيادين عارفينه، المهندس سامح كان من أحسن الناس، الله يرحمه ويجازي اللي كان السبب في موته.
- يعني ايه كان السبب في موته؟!.. هو سامح مات ازاي؟
- ماعرفش هم بيقولوا انهم دخلوا عليه الكرافان لقوه ميت، بس الحكاية دي مش داخلة دماغي.
- ليه؟
- عشان قبل موته بساعات، كنت واقف انا وهو وابراهيم والسيد ياسين، انا فاكر كويس شكله وقتها، كان متعصب جدًا وبيزعق فيهم...
- انا قولتلك يا ابراهيم المشروع ده استحالة يكمل.
- انت اتجننت يا سامح ولا ايه؟!.. انت مين عشان تقول المشروع يكمل ولا مايكملش؟
- انا اللي مسئول عن المشروع ده وانا اللي من حقي اقول يكمل ولا لا.
- لا ياحبيبي انت فاهم غلط، انت هنا زيك زي أي عامل صغير، بتنفذ الأوامر وبس.
- وانا بقولك مش هنفذ الأوامر والمشروع ده هيوقف، وهبلغ المهندس معاذ بالكلام ده.
- ده على أساس إنه مش عارف ايه اللي بيحصل هنا!
- لا انا متأكد انه مش عارف، وإن اللعبة القذرة دي كلها اللي وراها انت والأخ ده.
اتكلم السيد ياسين بعصبية وقاله...
- احترم نفسك يا باشمهندس، انا ماسمحلكش تتكلم معايا كده.
- ولا تسمح، وبعدين انا مش فاهمك ياخي، طب هو وبيعمل كده عشان الفلوس ومش فارق معاه أهل البلد لانه مش واحد منهم، لكن انت بقى.. ازاي تبيع أهلك وناسك عشان شوية فلوس؟!
رد عليه ابراهيم بعصبية وهو بيمد ايده عليه...
- لاا، انت زودتها خالص.
مسك سامح ايده وقرب من وشه...
- لو فكرت تعمل كده تاني انا هدفنك مطرحك، انت فاهم.
ساب ايده وزقه بعيد عنه وبعدين سابهم ومشي، روحت انا بعدها وتاني يوم اتفاجئت بالخبر الكئيب، قالوا انهم دخلوا عليه لقوه ميت في السرير، انا ماكنتش مقتنع بالكلام ده بس ابراهيم والسيد ياسين خلصوا كل الاجراءات بسرعة ودفنوه، ومن بعدها ماحدش في الموقع فتح بوقه، لحد ما انت جيت وقولنا أكيد انت زي ابراهيم مادام وافقت تيجي هنا وتحل محل سامح.
- بس انا ماكنتش اعرف أي حاجة عن اللي حصل ده.
- واديك عرفت، انا عارف انك ممكن ماتقدرش توقف المشروع بس ده قدرنا واحنا هنواجه.
ماكنتش عارف ارد عليه بايه فسكت، بعد شوية استأذنت من الريس يعقوب عشان ارجع للموقع تاني، طول الطريق كنت بفكر في اللي قاله، سامح مش هيوقف المشروع عشان خاطر الصيادين وحتى لو عمل كده، ده مايخليش ابراهيم يقتله، يعني كان يسكته بكلمتين او يبعده عن المشروع خالص، في حاجة ناقصة، جت في بالي ساعتها الورقة اللي لقتها والعلامة اللي كان سامح سايبها على الورق، رجعت الكارفان بسرعة، فردت الورقة على الترابيزة وانا بحدد مكان العلامة بالظبط، بعد ماقدرت اعرف المكان خرجت من الكارفان ومشيت في الاتجاه اللي حددته على الورق، بس فجأة سمعت صوت جاي من ورايا...
- رايح فين ياباشمهندس؟
وقفت مكاني وبعدين لفيت ورايا لقيت ابراهيم واقف وبيبص لي بعيون مليانة شر...
- رايح.. رايح اقف على البحر شوية.
ابتسم وهو بيقولي...
- اه بس البحر من هنا مش م الطريق ده.
- تصدق صح، انا بس قولت اتمشي كده في المكان وبعدين ارجع اقف على البحر، انما انت ايه اللي مخرجك دلوقتي؟
- كنت بتمشى وبشوف لو حد من العمال عايز حاجة أو تايه في حاجة.
كلامه ماكنش مريح، وعشان كده بصيت له وبعدين قولتله...
- طب انا هروح اقف على البحر، تيجي معايا؟
- لا اتفضل انت، انا ورايا حاجات لازم اخلصها.
- عن اذنك.
مشيت في اتجاه البحر وانا بكلم نفسي، ده بيراقبني ده ولا ايه؟ وبعدين بقى؟!.. انا مش هعرف اروح المكان ده طول ما هو قاعدلي كده، وقفت اتفرج على البحر شوية لحد ما فجأة لمحت بطرف عيني خيال حد وقف جنبي على بعد خطوات، لفيت وشي ببطْء عشان الاقي مرام، كانت واقفة بتبص على البحر وبتبعد عن وشها خصلات شعرها اللي بيداعبها الهوا، حسيت جوايا بحاجة بتزوقني ناحيتها، بس كنت بمنع نفسي.
يابني روح اتكلم معاها، لا ممكن تحرجني وساعتها شكلي هيبقى وحش، وهي هتحرجك ليه؟ مش عارف بس مش عايز اتعرض للموقف ده، غبي، لا مش غبي بس انا اصلًا مش عايز ادخل في أي علاقة تانية انت ناسي اللي حصل ولا ايه؟ انت بتقارن ايه بايه؟!.. روح ماتبقاش مغفل، ياعم اتنيل اسكت.
فجأة لقيت مرام هي اللي بتقرب مني بخطوات بطيئة، ساعتها حاجة جوايا قالت...
اهي هي اللي جاية استغل الفرصة بقى وماتطفشهاش، اصبر بس لما نشوف هتقول ايه، مش بقولك مغفل.
قربت مرام مني وهي مبتسمة وقالت...
- ايه اللي موقفك لوحدك كده؟
- مافيش انا مش جايلي نوم وبصراحة لسه بدري فقولت اجي اقف عند البحر شوية، ومالقتش حد يوقف معايا، العمال كل واحد زمانه في سابع نومة دلوقتي.
- بتتعبوا انتوا جامد.
- اه بصراحة هي شغلانة متعبة.
بصت لي بخجل قبل ماتقول...
- كنت عايزة اعتذرلك عن طريقتي معاك يوم ماجيت البيت عندنا وساعة الغدا، بس اكيد انت فهمت انا ليه كنت بتجنب الكلام معاك.
- لا مافيش حاجة انا فهمت، هو المشروع ده اللي جايبلي الكلام، بس انا زي ما انتِ عارفة ماليش علاقة بالموضوع ده.
- اه ما انا عرفت وعشان كده كان لازم اعتذرلك عن سوء التفاهم اللي حصل.
- حصل خير.
ابتسمت وبعدين لفت وشها ناحية البحر وهي بتعدل شعرها، ساعتها صوت اتردد جوايا...
قولها يابني، اقولها ايه؟.. قولها انك معجب بها، انت بتقول ايه؟.. اللي سمعته لو ماقولتش دلوقتي هتقول امتى؟.. ياعم اسكت شوية بقى، والله العظيم انت مغفل وتستاهل اللي طليقتك عملته.
لفيت وشي ناحيتها لقها بتبص لي وفي نفس اللحظة قولنا مع بعض...
- انا كنت عايز اقولك حاجة.
- انا كنت عايزة اقولك حاجة.
سكتنا احنا الاتنين واحنا بنضحك، وقولتلها انا...
- اتفضلي، كنتِ عايزة تقولي ايه؟
- لا قول حضرتك الأول.
- لا معروفة السيدات أولًا.
ابتسمت وهي بتقول...
- طيب انا كنت عايزة اسألك، الحياة عندكوا في المدينة عاملة ازاي؟
- هو انتِ عمرك ما خرجتي من البلد هنا؟!
- لا انا جيت هنا وعمري 10 سنين تقريبًا ومن ساعتها ماخرجتش بره المكان ده لدرجة اني نسيت الحياة الي عشتها زمان كانت عاملة ازاي.
- والله هو الحياة هنا بشكل عام احسن.. اهدى.. واجمل.
ابتسمت وهي بتقول...
- يعني كويس بقى اني ماخرجتش وروحت المدينة.
- بصراحة اه، انتِ اللي زيك ماينفعش يروح يعيش وسط الناس العجيبة اللي هناك.
- ميرسي على المجاملة اللطيفة دي.
- لا دي حقيقة مش مجاملة.
- طب قول بقى كنت عايز تقول ايه؟
- كنت عايز اقول انـ....
قطعت كلامي فجأة بعد المنظر اللي شوفته، قربت من البحر اكتر ومرام ورايا، وطيت على الأرض ومسكت سمكة بارزة من الماية، السمكة كانت ميتة بس الغريب انها كانت سخنة جدًا، بصيت لمرام اللي بصت على السمكة باستغراب وسألتني...
- هو ايه ده؟
- مش عارف بس في حاجة غلط بتحصل هنا.
- حاجة غلط ازاي؟
- ده اللي هحاول اعرفه، انا ممكن اطلب منك طلب؟
- اتفضل.
- انا عايزك تقولي للريس يعقوب، يبعت بكرة حد من الصيادين ينده على ابراهيم ويحاول يعطله اكبر وقت ممكن لحد ما اوصل للي عايز اوصله واجيله.
- مش فاهمة ليه؟
- بكرة هفهمك كل حاجة.
- ماشي.
- روحي انتِ بقى دلوقتي وماتنسيش تبلغي الريس يعقوب.
- تصبح على خير.
- وانتِ من أهل الخير.
مشيت مرام وفضِلت انا واقف على البحر، الصوت جوايا اتكلم...
ايوة بقى شكل الموضوع هيظبط المرة دي، احنا في ايه ولا في ايه؟! خلينا نركز دلوقتي في اللي بيحصل في البلد دي، انا بكرة هروح المكان اللي ابراهيم معلم عليه في الرسم، ولاظم اعرف كل حاجة لانه مش هيديني فرصة تانية عشان اروح هناك.. انت عيل كئيب.
رجعت الكارافان وساعتها لمحت من بعيد ابراهيم واقف بيتابعني من قدام الكارافان بتاعه، عملت نفسي مش واخد بالي ودخلت جوة وقفلت باب الكارافان كويس.
الصبح خرجت شوفت شغلي عادي بس طول الوقت وانا حاسس بمراقبة ابراهيم ليا وانا كمان كنت براقبه وكل شوية ارمي عيني ناحية الصيادين ومستني واحد فيهم يجي ياخد ابراهيم ويمشي، لحد ما أخيرًا جِه وشوفت ابراهيم وهو ماشي معاه ناحية الريس يعقوب، استنيت لحد ما اختفى عن نظري خالص وبعدين قومت اتحركت بسرعة، فتحت الرسم وبدأت امشي ناحية الاتجاه اللي متحدد، وقفت لما لقيت قدامي تل رملي عالي جدًا، بصيت على الرسم عشان اتأكد لقيت العلامة مرسومة ورا التل، مافيش قدامي حل غير اني اطلع، وفعلًا بدأت اطلع الضباب كان بيزيد مع كل خطوة بطلعها، لحد ما وصلت لنهاية التل، ووقفت ابص لتحت، الرؤية كانت شبه معدومة، كنت محتار ارجع ولا اكمل، وقررت اني هكمل، نزلت بحذر وانا بعاني من صعوبة الرؤية، الرمل كان بيسخن أكتر تحت رجلي، وفجأة حسيت بسخونة رهيبة، وقفت في مكاني بسرعة، وطيت وانا بحاول اشوف ايه اللي موجود، كان في وهج احمر ظاهر من ورا الضباب، ركزت أكتر، الوهج طالع من شق في الأرض، سمعت صوت النار وهي بتحمى، صوت مرعب، قومت بسرعة وطلعت التل وانا بهرب من المكان، جريت مسافة كبيرة لحد ما الأرض بدأت تبرد تحت رجلي، وبعدها وقفت وانا باخدد نفسي.
الكلام ده معناه ان كل اللي بشوفه مش مجرد احلام، في كارثة كبيرة هتحل على البلد دي، ده السر اللي سامح اتقتل عشانه، مش مشكلة الصيادين والكلام الفارغ ده.
في الوقت ده اترددت في دماغي الجملة اللي قالها يعقوب للسيد ياسين في أول مقابلة بينا...
- ده لسه هتفوح من جديد ريحة الموت، والارض هتبلع اللي عليها من تاني.
يعني يعقوب عارف اللي بيحصل!.. طب ومستني ايه؟!.. ليه قاعد هو الصيادين رغم انه عارف إن الكل هيموت، انا مش فاهم حاجة ولازم افهم، جريت بسرعة وروحت ناحية مكان يعقوب، أول ما وصلت لقيت ابراهيم قاعد مع يعقوب وبيتكلموا، بص لي يعقوب باستغراب وانا داخل وبسلم عليهم، اما ابراهيم فكان بيتفحصني وبعد ما خلص قال...
- اتفضل يا باشمهندس، هتفضل واقف كده ولا ايه؟
قربت منهم وقعدت قدام يعقوب وخدت نفس طويل وانا بقول...
- الجو حر اوي النهاردة.
رد عليا ابراهيم...
- باين عليك حران.
بص على جزمتي وبعدين سألني...
- هو انت كنت في الموقع ولا كنت في مشوار؟
حاولت اداري الجزمة اللي كانت شبه سايحة على بعضها وانا بقول...
- لا انا كنت في الموقع بس مش عارف ليه الجو اانهاردة قافل كده؟!
اتكلم يعقوب وهو بيحاول يساعدني في الخروج من الموقف...
- عندك حق والله يا باشمهندس، صحيح انا كنت بقول لاستاذ ابراهيم اننا هنعمل وليمة بكرة وعازمين كل رجالة المشروع بتاعكوا، يعني عشان نصفي الخلافات اللي بين الطرفين.
- دي فكرة عظيمة جدًا، ان شاء الله هكون موجود.
بص لي ابراهيم وهو بيقول...
- المهم بس مايكونش وراك مشوار وقتها.
بص ليعقوب وهو مبتسم وقال...
- اصل الباشمهندس يوسف بيحب يخرج يتمشي بالليل، ده انا حتى لمحته امبارح واقف على الشط مع.. مع.. كنت واقف مع مين يا يوسف عشان مش فاكر؟
- مش واخد بالي قصدك ايه؟
ضحك يعقوب وقاله...
- كان واقف مع مرام بنتي.. هي قالت لي انها شافته على البحر بالليل.
بص لي بعدها وقال...
- بس انا زعلت منك يا باشمهندس، مادمت صاحي ماجتش قعدت معايا ليه؟
ابراهيم كان عامل زي اللي اتصب عليه جردل ماية ساقعة، مابقاش عارف يقول ايه، ابتسمت وانا برد على يعقوب...
- والله ياريس يعقوب ماحبيتش ازعجك.
- مافيش ازعاج ولا حاجة، لما تكون سهران ابقى عدي اقعد معايا، وابقى هات معاك استاذ ابراهيم عشان واضح انه بيبقى زهقان بالليل ومش لاقي حاجة يعملها.
قام ابراهيم وقف وهو بيقول...
- انا هستأذن عشان ورايا شغل لازم اخلصه، مش يلا بينا يا باشمهندس ولا ماوركش حاجة تعملها؟
- لا اسبقني انت يا استاذ ابراهيم، انا عايز الريس يعقوب في كلمتين وهبقى احصلك.
بص لي بغضب وبعدين مشي، يعقوب بص لي وضحك...
- الغبي فاكر انه هيوقعنا في بعض.
- الحقد عامي قلبه وبصره.
- ربنا يناوله اللي يستاهله، قولي انت كنت فين؟.. وايه لازمة الطلب اللي طلبته من مرام؟.. انا نفذتهولك من غير ما افهم بس عشان عارف انك بتعمل الصالح.
- بعد ما حكيت لي اللي حصل مع سامح مادخلش دماغي حكاية ان ابراهيم يقتله عشان مشكلة الصيادين، وشكيت ان في حاجة أكبر بتحصل، واتأكدت شكوكي لما لقيت ابراهيم بيراقبني، قولت يمكن بيلعب في حاجة تخص الشغل بس مالقتش حاجة غلط، ساعتها رجعت للورقة اللي لقتها في الكارافان.
- ورقة ايه؟
- ورقة كان سامح راسمها ومعلم فيها علامة حمرا عند منطقة معينة.
- الورقة دي معاك؟
- اه، اهي.
فتحت الورقة وناولتهاله، بص عليه باستغراب ويعدين قالي...
- وطبعًا ماعرفتش تروح عشان ابراهيم بيراقبك فخلتني اعطله عشان يخلالك الجو وروحت، بس ايه اللي شوفته هناك؟
- انت عارف ايه اللي شوفته.
- مش فاهم قصدك؟!
- اول مرة اتقابلنا سمعتك بتقول للسيد ياسين، ده لسه هتفوح من جديد ريحة الاموات، والارض هتبلع اللي عليها من تاني، كنت تقصد ايه بالكلام ده؟
بص يعقوب في الأرض وبعدين قالي...
- من سنين طويلة كان في مدينة جنبنا.. ناسها كانوا عايشين في هدوء وأمان وفي يوم الحال بقى غير الحال، صحيوا فجأة على ضباب مغطي المدينة، درجة الحرارة نار موقدة، السمك بيطلع على الشط ميت، شقوق في الأرض، بيوت بتنصهر، خرجوا اهل المدينة مفزوعين، الحكومة جت ودورت عشان تعرف المشكلة فين وايه اللي بيحصل وساعتها اكتشفوا بركان خامد تحت الأرض، بركان من الفحم، وقرروا من ساعتها إن المدينة لازم تفضى، واتهجروا الناس من مدينتهم.. مدينة الضباب وكل واحد عاش غريب في مدينة جديدة عليه، بس بعد فترة في ناس منهم حنوا للمدينة وجم عاشوا هنا.. اهو يبقوا قريبين على قد مايقدروا، انا كنت واحد من الناس دي، الأرض دي كانت فاضية ماحدش بيسكن فيها، قررنا انا وكام واحد نعمرها زي ما اهلنا عمروا مدينة الضباب، وعشنا من يومها في هدوء لحد ماجِه سامح وفكرني بالكابوس القديم، قالي أن النار زحفت لحد هنا وإن اللي حصل زمان هيتكرر تاني، وطلب من ابراهيم يلغي المشروع وطلب مني نفضي المدينة.
- طب وانت ماسمعتش كلامه ليه؟
- العمر مش فاضل فيه قد اللي راح، وان كان للموت بُد يبقى اموت في بلدي وعلى أرضي.
زعقت فيه...
- اللي انت بتقوله ده مش هيحصل ياريس يعقوب، احنا لازم نمشي من هنا حالًا، النقطة اللي سامح عاملها على الخريطة بتقول ان النار خلاص دخلت المدينة، يعني لازم نمشي النهاردة قبل بكرة.
- امشي انت يا باشمهندس، انا مش همشي.
- انت ايه!.. مش خايف على نفسك!.. طب مش خايف على بنتك، ذنبها ايه تموت عشان تموت في عز شبابها؟!
بص في الأرض وقالي...
- قدرها.
- مافيش حاجة اسمها كده، احنا بنرمي نفسنا في النار ونقول قدر، انت هتيجي معايا انت وكل اهل البلد.
- صدقني ماحدش فيهم هيسيب البلد ويمشي.
- لو بتحبهم فعلًا يبقى لازم تقنعهم والا هتكون السبب في موتهم كلهم.
سكت يعقوب وماردش، سألته وقتها...
- انت قولت للصيادين على اللي سامح قالهولك؟
- لا ماقولتلهمش حاجة.
- انت كده بتموتهم بايدك، انا هسيبك دلوقتي واروح لابراهيم ولما ارجع هاخدك انت والصيادين ونخرج من هنا.
- خلي بالك، ابراهيم عرف انك روحت واكيد مش هيسيبك وهيعمل معاك زي ما عمل مع سامح، خليك وماتروحش.
- لا انا هروح وهرجع بس لما ارجع تكون اتكلمت مع الصيادين وجهزت نفسك عشان نمشي.
- ربنا معاك يا يوسف، خلي بالك من نفسك.
سيبت يعقوب وروحت ناحية الموقع، دورت على ابراهيم مالقتوش، سألت عليه واحد من العمال قالي انه في الكارافان بتاعه، خبطت على باب الكارافان واستنيته يفتح، بعد كام مرة قام اخيرًا وفتح لي، بص لي شوية وبعدين نزل من الكارفان وهو بيسألني...
- خير؟
- انت كنت عارف إن النار قربت من البلد وانه هيحصل فيها زي ماحصل في مدينة الضباب.
- كنت عارف انك روحت هناك، الحر مستحيل يسيح جزمة غالية زي دي.
- سامح مات ازاي؟
- موتة ربنا، دخلنا عليه الكارافان لقناه ميت.
- انت كداب، انت اللي قتلت سامح، قتلته بعد ما اتخانق معاك وقالك انه هيوقف المشروع بسبب النار اللي بتقرب من البلد.
ابتسم وهو بيقولي...
- وايه كمان؟
- دخلت عليه الكارافان بالليل وقتلته، قبل ما يرجع ويبلغ معاذ بكل اللي بيحصل.
- هو انت بتفكر زي سامح وفاكر إن معاذ مايعرفش؟!.. معاذ عارف كل حاجة وعارف إن النار قربت من البلد وهتاكلها كلها، وعشان كده عايز يسلم المشروع للمستثمر الاجنبي قبل ما الكارثة تحصل ولما قتلت سامح ماكنش عشان خايف انه يقول لمعاذ، تؤ بالعكس معاذ هو اللي طلب مني اقتله عشان مايبلغش المستثمر اللي فعلًا دفع نص فلوس المشروع مقدم وده هيتسبب في خسارة لمعاذ، وانت عارفه مابيحبش يخسر.
- ده انتوا عصابة بقى.
- ده البزنس ياحبيبي، البزنس مايعرفش مشاعر ولا عواطف والكلام الفاضي اللي انت وسامح الله يرحمه بتقولوه ده.
- يعني انت عايز تضحي بحياة الناس اللي عايشة هنا واللي لسه هيجوا يعيشوا لو مشروعك ده كمل عشان خاطر شوية فلوس.
- اه عايز اضحي بهم، وعلى فكرة معاذ طلب مني اعمل فيك زي سامح واقتلك، اهو تونسوا بعض.
قربت منه وانا بمسك في هدومه، بس فجاة لمحت اتنين نازلين من الكارافان، اجسامهم ضخمة ولابسين بدل، جريوا عليا ومسكوني من ايدي، حاولت اقاومهم لكنهم كانوا اقوى مني، في اللحظة دي اتكلم ابراهيم وقال...
- دخلوه الكارافان ومايخرجش منه لحد بالليل لما نشوف هنخلص منه ازاي.
زقوني الاتنين لحد مارموني في الكارافان بتاع ابراهيم وقفلوا الباب ووقفوا قدامه، فضلت اخبط على الباب لكن ماحدش فيهم عبرني طبعًا.
الليل دخل والمعدات صوتها هدي، والعمال كل واحد فيهم رجع كارافانه وانا لسه قاعد في مكاني، وللحظة نسيت ابراهيم ونسيت كل اللي انا فيه وافتكرت فريدة بنتي، ياترى هتكمل حياتها ازاي من بعدي؟ كان نفسي اعيش معاها وقت أطول، ياريت امها ماكنتش عملت اللي عملته، كان زمانا قاعدين كلنا مع بعض دلوقتي وماكنتش جيت هنا ولا اتحرمت منها.
فجأة حسيت الكارافان بيتهز وزي مايكون هبط في الأرض، قومت وقفت بسرعة وروحت ناحية الشباك، كنت سامع صوت صويت وهرج ومرج بره، قربت من الباب وساعتها سمعت واحد من الجاردات بيقول للتاني...
- ايه اللي بيحصل ده؟
- مش عارف بس شكل الكلام طلع بجد ولا ايه، يلا بينا نمشي من هنا بسرعة يكش يولعوا في بعض.
اول ما صوتهم اختفى فتحت الباب ونزلت، وبمجرد ما لمست الأرض حسيت بسخونية جامدة تحت رجلي، وطيت تحت الكارافان وساعتها شوفت شق كبير في الأرض وجواه نار لونها احمر، كان نفس الشق اللي شوفته في الحلم، بعد ثواني سمعت صوت خبطة جامدة، لفيت وشي وساعتها شوفت معدة من المعدات والأرض بتبلعها، ساعتها جِه في بالي يعقوب ومرام، جريت بسرعة ناحية عربية من عربيات الموقع، كسرت الغطا وطلعت السلكين ولمستهم ببعض والعربية دارت، اتحركت بعدها لبيت يعقوب، اول ما وصلت نزلت بسرعة وخبطت على الباب، مرام فتحت والهدوء باين عليها، استغربت هدوئها ودخلت من غير استئذان وانا بزعق فيها...
- انتوا ازاي قاعدين كده والبلد بتدمر، يعقوب فين؟
اول ما خلصت جملتي لقيته في وشي، كان قاعد على الكرسي في هدوء وباصص في الفراغ، اتعصبت اكتر وقولتله بغضب...
- انت قاعد كده ازاي؟ النار بتبلع البلد يا يعقوب، قوم معايا.
سكت شوية وبعدين قام وراح ناحية المكتبة اللي كانت في الصالة وجاب صورة منها، قرب مني وهو بيمسح التراب من على الصورة وبيفرجني عليها وقال...
- دي صورتي وانا صغير على شط مدينة الضباب، ماكنتش لسه اتسمت مدينة الضباب، ده ابويا ودي أمي والطفل الصغير اللي على ايديها ده اخويا، لما هربت يومها كنت عيل صغير مش فاهم.
- يعقوب مش وقته الكلام ده، وبعدين ايه اللي انت ماكنتش فاهمه؟
- ماكنتش فاهم إن الوطن عمره مابيتعوض يا يوسف، انا عيشت حياتي بالطول والعرض، لفيت كتير وشوفت كتير، بس ماقدرتش انسى، ولقيت روحي بتسحبني لحد هنا غصب عني، مش هقدر اجرب الغربة تاني، حتى لو هموت دلوقتي.
- يعقوب اللي انت بتقوله ده مش هيحصل، وبعدين احنا هنرجع تاني، انا هبقى ارجعك.
- انا عملت اللي انت عايزه واقنعت الصيادين انهم بمشوا عشان انت عندك حق، هم مالهمش ذنب، وانت هتاخد مرام دلوقتي وتمشوا، لكن انا مش هقدر.
اتكلمت مرام وهي بتقرب منه وبتحضنه...
- وانا مش هسيبك يا بابا.
مشى ايده على شعرها بحنية وهو بيقول بصوت هادي...
- انتِ لسه قدامك العمر طويل ممكن تبعدي وترجعي، لكن انا مش ضامن لو مشيت هلحق ارجع ولا لا، امشي مع يوسف يا مرام ولما ترجعي هتلاقي روحي موجودة هنا ومستنياكِ.
- انا مش همشي من غيرك.
- يلا يا يعقوب مافيش وقت.
- خد مرام وامشي يا يوسف وخلي بالك منها.
في اللحظة دي البيت بدأ يتهز، صرخت في يعقوب عشان يمشي معانا لكنه رفض وناول الصورة اللي كانت في ايده لمرام، وبعدها بص لي وقالي...
- خدها وامشي يسرعة يا يوسف.
شديت مرام من ايديها وهي بتحاول تقاوم وتروح ناحية يعقوب، ركبتها العربية وبعدين لفيت ناحية الباب عشان اركب بس ساعتها لقيت شق كبير حصل بيني وبين بيت يعقوب، يعقوب اللي كان واقف على الباب بيبص لي وهو بيبتسم، ركبت العربية بسرعة واتحركت ناحية مخرج المدينة، مرام كانت منهارة في العياط وعمالة تبص وراها، لحد ما شوفت في المرايا بيت يعقوب والأرض بتبلعه، الدموع اتسحبت من عيني وقتها، اما مرام فكنت حاسس انها هتموت من القهرة على يعقوب، حاولت انسى الحزن واركز في الطريق اللي بقى عبارة عن ضباب كثيف وشقوق بتبلع كل حاجة في طريقها، كنت بفادي الناس اللي بتجري وسط الضباب وهي بتصوت، والشقوق اللي كانت بتزيد بسرعة في الأرض، موقف اشبه بيوم القيامة، اعصابي مابقتش متحملة، صوت الصراخات مع مشهد النار والضباب كنا بيموتني، لكن لازم اخرج من هنا عشان مرام، فضلت ماشي لحد ما في الاخر وصلت لطريق ممهد وساعتها وقفت بالعربية ونزلت، قعدت على الأرض وانا منهار في العياط، بصيت على المدينة من ورايا ماكنش في غير الضباب وانقاض لبقايا مدينة اهلها كانوا راجعين وفاكرين انهم هيعيشوا على ذكرى اللي راحوا.. ماكنوش يعرفوا ان هما كمان هيكونوا ذكرى نفس المكان.
(صوت صراخ طفل)
- ايه يا يعقوب يا حبيبي؟!.. ماتنام بقى عشان بابا ينام ويعرف يروح الشغل الصبح.
- اممم لسه مش عايز ينام؟
- لسه، ماتقومي تسكتيه وتسيبيني انام انا ياحبيبتي.
لفت وشها الناحية التانية وهي بتضحك وقالت...
- تؤ النهاردة دورك ياحبيبي.
مديت ايدي على الكومودينو جنبي وجيبت الصورة اللي ادهالنا يعقوب قبل ما يموت بصيت فيها وسرحت شوية وبعدين بصيت في وش ابني وانا بقوله...
- تيجي احكيلك حكاية مدينة الضباب.
سكت يعقوب ساعتها و ابتسم وكأنه كان عايز يسمع الحكاية، ابتسمت وقولتله...
- اسمع يا سيدي، كان يا مكان...
******
هذه القصة مستوحاة من أحداث مدينة سينتراليا، وسينتراليا هي مدينة في مقاطعة كولومبيا في ولاية بنسيلفانيا، بالولايات المتحدة وتلقب بمدينة الأشباح، بعد ما تم إخلاء المدينة بالكامل بسبب حريق عرضي حصل في منجم فحم، الحريق حصل سنة 1962 ولكن الغريب إن النار لسه مشتعلة لحد دلوقتي، لما صدر أمر بالإجلاء سنة1981، كان عدد سكان المدينة 1000 نسمة تقريبًا، لكن العدد فضل ينقص بعد كده لحد ماوصل لـ 12 شخص سنة 2005، وفي سنة 1992 تمت مصادرة جميع ممتلكات المدينة، في سنة 2002 تم حذف الرمز البريدي للمدينة، وبعدين العدد نقص تاني لحد ما بقى 9 أشخاص سنة 2007، وده خلى المدينة أقل مدينة سكنية في ولاية بنسيلفانيا، وفي أكتوبر 2013 تم الوصول لاتفاق بين سلطات الولاية وآخر المقيمين للسماح لهم بمواصلة الاقامة في سينتراليا مع ضمان مصادرة ممتلكاتهم.
تمت بحمد الله
بقلم الكاتبين: شادي اسماعيل ولمياء الكاتب