القائمة الرئيسية

الصفحات

مسكن الشيطان الجزء الثاني


بقلم الكاتب: شادي إسماعيل

سيبت منه ومشيت واتأكدت إن تخميني صح.. رجعت على المكتب وهناك قريت الملف من تاني.. تقرير المعمل الجنائي بيأكد إن مافيش أي بصمات لا على السكينة اللي كانت في جسم الضحية ولا على أي مكان في الشقة.. مافيش غير اثار العنف اللي سببها الجيران وهم بيكسروا باب الشقة، قطع الهدوء صوت التليفون وساعتها لقيت دكتور الطب الشرعي بيطلب مني اروحله هناك عشان عايز يقولي معلومات مهمة.. قومت بسرعة وروحتله.

أول ما وصلت قابلني بره أوضة التشريح وساعتها قالي...

- في حاجة غريبة جدًا.

- حاجة ايه؟

- الضحية ماتت بسبب غيبوبة سكر.

- ايه؟!.. غيبوبة سكر؟!

- ايوة بس مش ده بس اللي غريب؟.. في مشكلة تانية.

- مشكلة ايه تاني؟

- الضحية اتعرضت لمحاولة القتل مرتين.. بعد موتها.

- انت بتقول ايه يا دكتور؟.. اتعرضت للقتل إزاي؟.. إذا كانت هي أصلًا ميتة بغيبوبة سكر زي ما انت بتقول.

- انا هوضح لحضرتك.. الضحية ماتت بغيبوبة سكر.. بس بعد ساعات من موتها دخل القاتل وخنقها.. كان فاكر إنها نايمة.. وده واضح من اثار الخنق على رقبتها.. نيجي بقى للمحاولة التانية ودي اللي باينة أوي وهي طعنة السكينة.. الضحية اطعنت بعد موتها بساعات طويلة، وواضح إن القاتل في الحالتين مختلف لإنه لو نفس القاتل كان هيتأكد الاول انها ما ماتتش بالخنق وساعتها كان هيعرف إنها ميتة فمش هيحتاج يقتلها بالسكينة.. وكمان مش هيحتاج الوقت الطويل بين المحاولتين، لكن القاتل التاني مختلف عن الاول ولما دخل كان ناوي يقتلها فافتكرها نايمة وضربها بالسكينة على طول وماخدش باله إنها ميتة أصلًا.

كنت مصدوم من اللي بيقوله، مين ممكن يعمل في إنسان حاجة زي دي؟!.. وليه أصلًا اتنين يبقوا عايزين يموتوها في نفس الوقت؟!.. سالته وقتها...

- الضحية ماتت امتى؟

- بص حضرتك هو انا مش هقدر احدد ساعة الوفاة بالظبط.. بس الجثة دي ماتت من خمس ايام والنهاردة اليوم السادس.

- تمام هستنى تقريرك يا دكتور.

- تمام يافندم.

خرجت من عنده وانا بفكر في اللي قاله.. ولقتني رايح للشركة اللي بيشتغل فيها فهيم.. اتخض أول ما شافني وقال...

- باشا.. ازيك؟

- تمام.. انت اخبارك ايه؟

- الحمدلله.. خير يا باشا؟

- لا إن شاء الله خير.. قولي يافهيم، انت كنت فين يوم الثلاثاء بالليل؟

- يوم الثلاثاء.. يوم الثلاثاء..

- ايه لحقت تنسى؟!

- لا يا باشا ثواني هفتكر.. ايوة افتكرت اليوم ده كنا معزومين عند نسايبي.. وفضِلنا سهرانين هناك طول الليل.. ورجعنا تقريبًا على الساعة واحدة بالليل.

- الساعة واحدة بالليل؟

- اه والله ياباشا.. ماهو العيال أجازة بقى وكده فسهرنا.

- انت في اليوم ده حصل بينك وبين سميرة حاجة؟

ارتبك وسألني...

- حاجة!.. حاجة ايه سعادتك؟

- يعني محاولتش تقربلها وهي بعدتك عنها.. ماعرضتش عليها الجواز مثلًا؟

طلع منديل من جيبه ومسح عرقه وهو بيبلع ريقه وقالي...

- بص يا باشا انا هاجي معاك من الاخر.

- حلو انا احب اللي يجيب من الاخر.. اتكلم وانا سامعك.

- بصراحة كده.. انا كنت معجب بسميرة الله يرحمها.. وفعلًا عرضت عليها الجواز أكتر من مرة بس هي كانت بترفض ماعرفش ليه؟!.. مع إني كنت شاري وعايزها في الحلال.. بس هي بقى تقريبًا كان في حد في حياتها وماقلتليش.. او ماكنتش طايقاني.. مش عارف بصراحة.. بس هي دي كل الحكاية بيني وبينها.

- ومراتك ماحستش ولا مرة إنك عايز تجوزها؟

- لا حست وواجهتني.. بس انا بصراحة أنكرت.

- قولتلها ايه بقى؟

- قولتلها نا بحبك يا ألفت وبعدين سميرة صغيرة عليا، ده انا لو اتجوزت بدري كنت خلفت قدها.

- وهي صدقتك؟

- لا بس عملت نفسها مصدقاني عشان الحياة تمشي.. اصل انا عارف مراتي.. تتشال وتتحط بس ماتقدرش تخرب بيتها.. لإنها بتحبني وانا كمان والله.. بس حضرتك عارف الواحد ساعات كده بيتهف في عقله ويعمل حاجات غصب عنه.

- ايوة هي دي بقى يتهف في عقله ويعمل حاجات غصب عنه.. عملت ايه بقى غصب عنك؟

- لا لا يا باشا مش اللي في دماغ سعادتك.. انا كان قصدي على إني فكرت اتجوزها.

- يعني انت محاولتش تأذي سميرة؟

- عليا النعمة ماحصل.. انا أذي سميرة!.. ليه؟.. انا عرضت عليها الجواز ورفضت دي كل الحكاية.

- يعني ماخوفتش تقول لمراتك؟.. زي ما هددتك.

- لا ما هي هددتني كتير.. ماقتلتهاش ليه من أول مرة.. سميرة كانت أطيب من انها تخرب بيوت.

- تمام.. هشوف إذا كنت بتقول الحقيقة ولا بتكدب.

اتخض وسألني بلهفة...

- هتشوف إزاي سعادتك؟

- ماتقلقش.. بعدين هتعرف.

سيتبه ومشيت وطلعت بعدها على العمارة، وهناك قابلت خليل قاعد قدام البوابة، أول ما شافني قام وقف وهو بيقول...

- باشا.. منور العمارة.

- ازيك يا خليل؟

- في نعمة الحمدلله يا باشا.

- قولي يا خليل.. يوم الثلاثاء اللي فات مين دخل أو خرج من العمارة بالليل؟

سرح شوية وبعدين قالي...

- انا مش فاكر بالظبط يا باشا.. بس احاول افتكر.. يوم الثلاثاء.. يوم الثلاثاء، ايوة.. يوم الثلاثاء بالليل مافيش حد خرج، كلهم كانوا راجعين قبل المغرب، استاذ يحيى رجع في ميعاده على المغرب وركن العربية وطلب مني اغسلها، وحتى الست سميرة الله يرحمها كانت راجعة على العصر كده، وسلمت عليا وبعدين طلعت ومانزلتش تاني، واستاذ عبد البديع كده كده مابينزلش غير كل فين وفين.. والست سمية شرحه.

- طب وفهيم ومراته؟

- استاذ فهيم.. استاذ فهيم.. لا يومها استاذ فهيم كان بره هو والعيال ورجعوا على الساعة واحدة بالليل.. ايوة حتى اني كنت مستغرب لإنه مش عوايده يسهر.. وبعد ما رجع قفلت البوابة ودخلت نمت.

- وماحستش بأي حركة غريبة بعدها؟

- لا يا بيه.. كل حاجة كانت تمام.

- طيب قولي استاذ عبد البديع فوق؟

- ايوة زي ماهو في شقته.

- شكرًا يا خليل.

سيبته وطلعت شقة عبدالبديع ورنيت الجرس.. بعد دقايق فتح الباب.. أول ما شافني استغرب وقالي...

- أمير بيه؟!

ابتسمت في وشه وقولتله...

- محتاج اتكلم معاك شوية.

- اتفضل طبعًا.

دخلت جوة وبعدها قفل الباب ومشي قدامي وطلب مني اقعد على كرسي الأنتريه.. قعدت وهو قعد قدامي.. وبعدين سألني...

- تحب حضرتك تشرب ايه؟

- لا ولا أي حاجة.

- لا إزاي؟.. حضرتك شرفتني في بيتي يبقى لازم تشرب حاجة.. قهوة؟

هزيت دماغي وقولتله...

- قهوة.. سادة.

دخل عشان يعمل القهوة وساعتها شوفت برواز صغير محطوط في وسط المكتبة اللي قدامي.. قومت مشيت ناحية البرواز وبصيت فيه.. كانت صورة لعبد البديع بس واضح إنه كان أصغر بكتير من دلوقتي.. وكانت جنبه بنت صغيرة بتضحك.. بصيت على باقي المكتبة لقيت صور تانية للبنت دي، بس كانت لوحدها، ومراحل عمرية مختلفة.. فوقت على صوته وهو بيقول...

- القهوة يا أمير بيه.

لفيت وشي وبصيت ناحيته وانا بقوله...

- بنتك؟

هز دماغه وابتسم ابتسامة خفيفة وقالي...

- اه ريهام بنتي.

مشيت ناحيته وقولتله...

- ما شاء الله ربنا يخليهالك.

قعد على الكرسي واتنهد تنهيدة عميقة قبل ما يقول...

- مابقاش ينفع خلاص.. ريهام ماتت.

- انا اسف.

- ولا يهمك يافندم.. هي ارتاحت وانا كمان ارتحت.

استغربت جملته ولقتني بسأله بفضول...

- هي كانت مريضة؟

- اه السرطان كان بينهش في جسمها.. بس خلاص دلوقتي مابقتش تحس بالوجع وانا كمان ارتحت من وجعي عليها.

- ربنا يرحمها.. هو انت قاعد في الشقة لوحدك؟

- اه مراتي ماتت بعد ما ولدت ريهام بسنة تقريبًا.. وانا ماقدرتش اتجوز تاني بعد المرحومة.. كانت حب حياتي وحسيت إني مش هعرف اعيش مع واحدة بعدها.. وكمان ريهام غنتني عن أي حد.. لما كنت بشوف ضحكتها كنت بفتكر أمها الله يرحمها.

- الله يرحمها.

رفع راسه وشاورلي على الصينية وقال...

- اشرب قهوتك قبل ما تبرد يا أمير بيه.

مديت ايدي ناحية الصينية وخدت الفنجان وبعدين سألته...

- صحيح عايز اسألك.. يوم الثلاثاء اللي فات.. انت كنت فين؟

- كنت هنا في الشقة.. انا عادة مابخرجش غير كل فين وفين.

- طب والأكل والشرب؟

- ببعت خليل يجيبلي كل اللي انا محتاجه.

- مممم طب فاكر في اليوم ده بالليل حصلت أي حاجة غريبة؟

- يوم الثلاثاء.. لا ماعتقدش.

- لا مافيهاش اعتقاد.. ركز وحاول تفتكر.

- انا اليوم ده كنت بتفرج على ماتش كورة وخلص تقريبًا الساعة 9 ودخلت بعدها نمت ماصحيتش غير بعد الفجر.. وفاكر إني لما صحيت ماكنش في حاجة غريبة.. حتى وقفت في البلكونة لقيت خليل بيغسل العربيات بتاعت السٌكان زي عادته.. وشوية وبتاع الفول اللي قدام العمارة فتح.. وطلبت من خليل يجيبلي منه، نزلتله السبت فيه الطبق والفلوس وهو راح جابه ورجع حطه في السبت ومعاه الباقي.. بعدها دخلت فطِرت.. ولما خلصت عملت شاي ورجعت قعدت في البلكونة وشوية وشوفت استاذ يحيى نازل.. وبعده بربع ساعة استاذ فهيم نزل.. يعني تقريبًا كل السٌكان يومهم كان ماشي عادي.

- طب ما لاحظتش حد فيهم مرتبك.. متوتر؟

- لا كلهم كانوا طبيعين جدًا.. بس حاجة واحدة اللي استغربتها يومها.

- ايه هي؟

- فهيم بعد ما نزل من العمارة، لقيته وقف فجأة وبص لفوق وأول ما شافني سلم عليا ودي كانت أول مرة يسلم عليا وهو رايح الشغل.

- يعني هو كان قاصد يخليك تشوفه؟.. ده اللي انت عايز تقوله؟

- ماعرفش.. بس ده اللي حصل.

- طب ما خليل موجود.. اشمعنا كان قاصد ان انت بالذات تشوفه؟

- لا خليل ماكنش موجود وقتها.. كان بيجيب العيش.

- مممم.. طب وبعد كده، الكام يوم اللي فاتوا قبل ما تكسروا الباب وتكتشفوا الجثة مالحتش حاجة غريبة على حد فيهم؟

- لا كلهم كانوا طبيعين جدًا.

- تمام.. شكرًا يا استاذ عبدالبديع.. وشكرًا كمان على القهوة والضيافة الحلوة دي.

- العفو يافندم.

- عن إذنك.

- ثانية اقوم اوصل سعادتك.

- لا مالوش داعي انا عارف السكة خليك انت.

خرجت من باب الشقة ووقفت لثواني وبصيت لفوق.. بعدها طلعت دورين ورنيت الجرس.. دقايق وفتحت الباب ألفت.. أول ما شافتني اتخضت وسألتني...

- خير يافندم في ايه؟

- مافيش حاجة انتِ مالك اتخضيتي كده ليه؟

- انا مش متعودة افتح الباب الاقي وكيل نيابة قدام الباب.. وبعدين من ساعة اللي حصل لسميرة وانا مش قادرة اتلم على اعصابي.

- طب اهدي انا محتاج اتكلم معاكِ كلمتين.

- اتفضل سعادتك.

دخلتني جوة وكان في ولد من ولادها قاعد معانا.. سألتها سؤال مباشر...

- كنتِ فين يوم الثلاثاء بالليل؟

رد الولد بتلقائية...

- كنا عند تيتا.

مسكت ايده وهي بتقوله بحدة...

- اسكت انت وماتتكلمش تاني.

بصتلي بعدها وقالت...

- كنت عند ماما بزورها.

- لوحدك؟

- لا انا وفهيم والعيال.

- ورجعتوا امتى؟

- حوالي الساعة واحدة واحدة وشوية مش فاكرة بالظبط.

- طب وانتوا راجعين.. ماحستيش بأي حركة غريبة على السلم؟.. ماسمعتيش صوت وانتِ معدية قدام شقة سميرة؟

- لا العمارة كانت هادية جدًا.

- طب الفترة اللي قبل ما تكسروا الباب.. مالاحظتيش تصرفات غريبة من حد من السٌكان.

- خالص.

- الفت انتِ كنتِ تعرفي إن فهيم جوزك.

قطعت كلامي وقالتلي...

- ثانية واحدة يافندم.. علي ادخل جوة ياحبيبي هخلص مع عمو واندهلك.

- ايوة يا ماما بس انا...

- قولت ادخل جوة.

- حاضر.

بعد ما ابنها دخل جوة بصتلي وقالت...

- كنت عارفة.. كنت عارفة انه عايز يتجوزها.

- واتقبلتي الموضوع بسهولة كده؟

- لا واجهته.. وهو أنكر.

- وانتِ صدقتيه؟

- لا طبعًا.. بس كان لازم اعمل نفسي مصدقاه.

- لحد ما ترتبي أمورك.

- أمور ايه اللي ارتبها!.. انا صدقته عشان عايزة أعيش واربي عيالي.. هستفيد ايه لما اكدبه واتخانق معاه واطلب الطلاق!.. ولا حاجة، عيالي هيتبهدلوا ويبقوا عايشين طول حياتهم ما بيني وبينه، وحياتهم هتدمر.. كل ده ليه؟.. عشان أب أناني.. ما يروح يتجوزها، ويولعوا هم الاتنين ببعض.. أهم حاجة مستقبل عيالي.

- انا مش مصدق صبرك وهدوئك ده.

- غريب مش كدة؟.. صدقني حضرتك هو ده اللي أي ست عاقلة هتعمله.. واللي تعمل غير كدة وتقولك راجلي وماينفعش واحدة غيري تاخده تبقى عبيطة.. إذا كان هو ماتمسكش بيها وسابها، تتمسك هي به.. مايروح يعمل اللي هو عايزه.. وانا كمان التفت لبيتي وعيالي ونفضل عايشين كدة اتنين غُرب تحت سقف واحد.. بيضحكوا على بعض بكلمتين عشان الحياة تمشي.

- انتِ بجد ست غريبة.. بس لو كان كلامك ده صح.. فانا أحييكِ على عقلك وتفكيرك في مصلحة عيالك وده مش معناه إني برر تصرفات جوزك.

- ماحدش يقدر يبرر الغلط.. بس إذا كان هو غلط مش معناها إن انا كمان اغلط.

قومت وقفت وانا بقولها...

- عندك حق.. شكرًا لوقتك.

ندهت عليا وقالت...

- أمير بيه.. فهيم استحالة يكون هو القاتل.. انا عارفاه كويس بيخاف من خياله.. مستحيل يقتل.

- هيبان.. كل حاجة هتبان.

سيبتها وخرجت من الشقة، ونزلت على السلم بس فجأة سمعت صوت باب بيتفتح.. وحد بيقول...

- يابني.. انت يابني.

بصيت ناحية مصدر الصوت لقيت الست سمية واقفة عند باب شقتها وبتشاورلي وهي بتقول بصوت واطي...

- تعالى.

قربت منها، بصت حواليها وبعدين دخلتني وقفلت الباب.. سألتها باستغراب...

- في ايه يا حاجة؟

- انا عندي حاجة مهمة وعايزة اقولك عليها من يومها بس خايفة.. خايفة القاتل يعرف ويعمل فيا حاجة.

- حاجة ايه دي؟

- يوم الحادثة كنت واقفة بالليل على الساعة 10 كده في المطبخ، كنت بعمل حاجة اشربها.. وفجأة سمعت صوت خبط جاي من ناحية الباب الوراني.. فتحت الباب وبصيت بس مالقتش حاجة، قولت يمكن قطة خبطت صدنوق الزبالة ووقعته.. بس وانا داخلة جوة لمحت حد بيجري على السلم.. لمحته للحظات بيني وبينك خوفت اصرخ ليجي ويعمل فيا حاجة.

- طب تقدري توصفي شكله.. جسمه أي حاجة من اللي شوفتيها؟

- لا.. انا ست كبيرة ونظري بشوف به بالعافية.. غير إن الدنيا كانت ضلمة كُحل.. وكمان الموضوع ماخدش ثواني.. بس خليني اقولك ايه اللي حصل تاني يومها.

- هو حصل حاجة تانية؟

- اه.. انا طبعًا بعد الخضة دي ماعرفتش انام وبقيت مرعوبة طول الليل.. وقفلت باب المطبخ كويس وحطيت وراه صندوق الزبالة عشان لو حد حاول يفتحه اسمع صوت الصندوق لما يوقع على الأرض.. وفجأة على الساعة 3.. 3ونص كده سمعت صوت رجلين على السلم الوراني، كانت صوت خطوات واضحة.

- طب ماصرختيش ليه يا حاجة وندهتي على أي حد؟

- يابني انا على ما اقوم واوصل لحد هناك يكون هو روح اساسًا.. وبعدين ما انا قولتلك انا ست كبيرة واخاف يعمل فيا حاجة وانا لوحدي في الشقة.. بس هو ده كل اللي حصل.

- طب انتِ شاكة انه يكون حد من العمارة؟.. ولا حد غريب؟

- مش عارفة بس الخطوات اللي سمعتها يومها انا حاسة اني سمعتها قبل كده.

- سمعتيها قبل كده؟.. يعني تقدري تعرفيها لو سمعتيها تاني؟

- لا مش عارفة.. بس أمانة عليك ماحدش يعرف اني قولتلك حاجة.. انا مش عايزة اموت زي سميرة وماحدش يعرف عني حاجة غير لما ريحتي تطلع.

- ماتخافيش يا حاجة سمية.. ماحدش هيعرف حاجة.. بس قوليلي.. صوت الخطوات كان قريب ولا بعيد؟

- سكتت شوية وبعدين قالتلي...

- والله يابني مش فاكرة.. انا اللي فكراه قولته.

- ماشي يا حجة.. بس ممكن ادخل المطبخ بتاعك اشوف حاجة.

- اه طبعُا اتفضل.

دخلت المطبخ وبعدها فتحت الباب الخلفي وبصيت على العمارة كلها من ورا، كنت قادر اسمع بوضو صوت اغلب السكان، وده معناه إن الصوت بيسمع في المكان.. إزاي ماحدش قدر يسمع حاجة؟!.. مع إن الست الكبيرة في السن سمعت!.. دخلت وقفلت الباب.. وبعدها خرجت من الشقة، رجعت المكتب، بس طول الطريق كنت بفكر في القضية من الاول للاخر.. وعلى ما وصلت المكتب كنت عرفت القاتل او الاتنين قتلة بمعنى أدق.. بس المشكلة دلوقتي إن مافيش أي دليل عليهم، ولازم المجرم يعترف بنفسه.. وصلت المكتب وطلبت منهم يجيبوا يحيى.. أول ما دخل المكتب طلبت من العسكري يفك الكلبشات من ايديه.. وبعدها طلبت من يحيى يقعد.. قعد قدامي وساعتها قولتله...

- بص يا يحيى انا اتأكدت إن انت ماقتلتش سميرة.

ابتسم وهو بيقولي بلهفة...

- بجد يافندم.. يعني انا هخرج؟

- اه.. تقرير الطب الشرعي اثبت انها ماتت بسبب غيبوبة سكر، يعني هتخرج بس انا عايزك تساعدنا نعرف مين اللي حاول يقتلها بالسكينة وماكنش يعرف انها ماتت قبل ما يوصل عشان يقتلها.

- إزاي يافندم؟

- دلوقتي ماحدش غيري انا وانت يعرف ان سميرة ماتت بسبب غيبوبة السكر فالقاتل لحد دلوقتي متخيل إن هو اللي قتلها، ولسه خايف، وعلى فكرة هو واحد من جيرانكوا في العمارة.

- مين يافندم؟

- لا ده اللي انت هتساعدنا فيه.

- مش فاهم.. ايه المطلوب مني؟

- احنا هنروح الشقة دلوقتي وهتدخل مسرح الجريمة.. وهتعمل نفسك بتمثل الجريمة.. وانا هطلب منهم كلهم يكونوا موجودين.. ووانت بتمثل الجريمة هكون انا متابعهم كويس.. وساعتها هعرف مين فيهم اللي عمل كده.

 سكت شوية وبعدين قالي...

- ايوة يافندم بس انا مش عارف الجريمة حصلت إزاي أصلًا.

- انا هقولك هتعمل ايه.. ها قولت ايه؟.

- تمام يافندم.. انا موافق.

- طب جهز نفسك بقى عشان دورك مهم جدًا.. تمثيلك لازم يبقى متقن عشان هيساعدنا كتير في كشف القاتل.

بعد ما فهمته هيعمل ايه بالظبط روحنا على العمارة، وهناك طلبت من السكان كلهم يكونوا موجودين.. وبعدها بدأ يحيى تمثيل الجريمة وقال...

- انا دخلت من الباب الوراني للمطبخ.. الباب كان مفتوح، مع إن نور المطبخ كان مقفول.. بصيت حواليا يمين وشمال عشان اتأكد إن ماحدش شايفني.. بعدها دخلت جوة المطبخ، ولحسن الحظ نور الصالة كان والع ومنور الطريق.. خرجت راسي من المطبخ عشان اشوف إذا كانت سميرة صاحية وبتتحرك في الشقة ولا نايمة في أوضتها.. ولما اتأكدت إنها مش بتتحرك في الشقة خرجت من المطبخ، بعدها مشيت ناحية أوضة النوم، الباب كان مفتوح نص فاتحة، مديت ايدي على الأوكرة وبالمناسبة كنت لابس جوانتي عشان البصمات.

يحيى كان بيمثل كويس جدًا، وكل اللي واقفين كانوا بيتفرجوا بإنبهار.. ماعدا واحد بس منهم ماكنش مهتم تمامًا باللي بيحصل وكإنه عارف اللي حصل ومش محتاج يتفرج على الإعادة.. كمل يحيى بعدها وقال...

- فتحت الباب بهدوء شديد كده، ورميت عيني على السرير.. كانت نايمة اتسحبت براحة ومشيت ناحية السرير، الغريبة انها كانت متغطية في عز الحر ده!.. قربت منها أكتر وبعدها خرجت السكينة من جنبي، بصيت عليها بصة أخيرة، قبل ما انزل بالسكينة في بطنها، طعنتها طعنة واحدة.. طعنة مليانة كره وحقد.. كانت كافية عشان تموت.. وفي ثواني الدم بدأ يغرق السرير.. ساعتها فوقت وشيلت ايدي من على السكينة.. وبعدها بصيت حواليا، عيني جت على الدولاب.. فتحته ودورت على أي فلوس أو مجوهرات تكون عيناها.. وفي وسط الهدوم لقيت الفلوس.. روزمتين.. ايوة هم كانوا كده بالظبط...

وقف يحيى أول ما حس إنه بدأ يقول الحقيقة.. بص لي بعدها والفلوس في ايده وقالي بإرتباك...

- ازاي؟.. الفلوس دي جت هنا إزاي؟!.

ابتسمت وانا بقوله...

- انا كنت عارف إن انت اللي خدت الفلوس.

بعدها بصيت لعبد البديع وسألته...

- ايه رأيك في تمثيله يا عبد البديع؟.. فاشل مش كده؟

بص لي بصة عميقة وبعدين قالي...

- وانا مالي إذا كان تمثيله حلو ولا وحش؟

- إزاي بقى.. مش لازم تقول رأيك في الدوبلير بتاعك.. انا ماستغربتش لما المعمل الجنائي قال إن المكان مافيهوش بصمات.. لإن في واحد عارف كويس هو بيعمل ايه.. انت كنت فاكر إن تنضيفك لمسرح الجريمة هيبرأك.. بس اللي حصل العكس.. تنضيف مسرح الجريمة خلى شكِ يروحلك انت بس.. لإن ولا واحد منهم يعرف يخبي البصمات بالشكل الدقيق ده.. ياراجل ده انت ساعدت يحيى وخبيت بصماته من على باب الأوضة وباب المطبخ، وحتى لما شوفتني وانا واقف في شقة الست سمية وببص على العمارة من السلم الوراني.. ماتخضتش لإنك عارف إنها ست كبيرة ومش هتقدر تفيدنا بحاجة حتى لو كانت سمعتك، انا شوفتك وانت واقف بتراقبنا من ورا الشباك.. بس اللي مش فاهمه انت ليه مسحت بصمات يحيى من على الدولاب؟

- انا ماقتلتهاش.

- ده صحيح.. عندك حق.. انت فعلًا ماقتلتهاش.. لإنها كانت ميتة قبل ما انت تدخل وتحاول تقتلها.. ويحيى كمان لما دخل عشان يقتلها ويسرق الفلوس كانت هي ميتة.

عينيه برقت وقال باندهاش...

- كانت ميتة!.. إزاي؟

ابتسمت وانا بقوله...

- ما سألتش نفسك ليه واحدة نايمة في سريرها لوحدها في عز الحر ده.. ليه متغطية ببطانية؟!.. انا اقولك ليه.. سميرة كان عندها السكر، وقبل ما تموت، كانت راجعة من عند منة بنت عمتها، كان في مشكلة وهي بتحلها، بس المشكلة دي كانت مأثرة عليها جدًا، ومع التفكير وحرقة الدم والزعل، السكر نزل عندها جامد، قامت عشان تاخد دوا السكر لكن للأسف الأنسولين كان خلص.. ساعتها رمت الحقنة زي ما المعمل الجنائي لقاها على الأرض هنا بالظبط.. دقايق وبدأت تحس برعشة في جسمها من أثر أزمة السكر.. ماقدرتش تمشي لحد التليفون في الصالة، وكل اللي عملته انها اتغطت من البرد اللي كانت حاسة به، وبعدين دخلت في غيبوبة وماتت، وبعد ساعات دخل يحيى عشان يسرق الفلوس اللي سلمهالها بنفسه في البنك الصبح، بس ماكنش يعرف انها خرجت من البنك وراحت ادت منة 80 ألف جنيه وكل اللي باقي عشرين ألف بس.. عرف كده بعد ما دخل وخنقها على أساس انها نايمة، وبعدين فتح الدولاب وقلب في وسط الهدوم وساعتها مالقاش غير العشرين ألف.. اتصدم طبعًا بس خدهم أهو عشان مايبقاش قتلها على الفاضي.. وبعد كام ساعة دخلت انت.. وزيك زي يحيى ماخدتش بالك إنها ميتة أصلًا.. ورفعت السكينة ونزلت بها على بطنها.. كنت بتكرهها ليه؟.. ليه كنت عايز تقتلها؟.. عملتلك ايه عشان الغل والحقد ده كله؟.. سميرة ماعملتش حاجة تستاهل عليها الموت.

- لا عملت.

بصيتله انا وكل الموجودين، بص في عيني وكمل كلامه...

- عملت.. سميرة زيها زي ريهام.. بنتي اللي رمتني من سنين وعمرها ما فكرت تسأل عليا.. بنتي اللي بشحت منها السؤال وكمان مش بلاقيه.. سميرة زيها زي ريهام.. يوم ما عِرِفت إن أبوها وامها ماتوا طلعت عشان اعزيها.. تخيل لقيتها قاعدة ولا في دماغها!.. حسيت اني طالع اعزيها في الكلب بتاعها.. ماكنش باين عليها الزعل خالص.. شوفت في عينيها نفس الجحود اللي كنت بشوفه في عين ريهام وهي بتكلمني.. كان نفسي اقوم واخلص منها يومها.. بس مسكت نفسي بالعافية.. ومن ساعتها وانا بفكر في طريقة اخلص بها منها.. كنت براقبها كل يوم تقريبًا، بس كل ما اجي انفذ تحصل حاجة وتمنعني عنها.. لحد ما شوفت الغبي ده وهو خارج من عندها يومها، قررت ساعتها انه الوقت المناسب عشان اخلص منها، استنيت شوية، وبعدين دخلت الشقة ، كان سايب باب المطبخ الوراني مفتوح، بعدها دخلت الأوضة لقيتها نايمة زي ما توقعت.. لإني كنت متخيل إن يحيى اضعف من انه يقتلها.. قربت منها ورفعت السكينة ونزلت بها في بطنها.. ضغطت عليها جامد.. كنت ببص عليها ومش شايف غير بنتي اللي رمياني بقالها سنين.. بنتي اللي كسرت كلامي وهربت مع الواد اللي هي عايزة تتجوزه، بنتي اللي بعد ما عيشت حياتي كلها بدور على سعادتها.. بتتهمني انا اني السبب في تعاستها.. كان لازم تموت.. وماحدش يتسجن عشانها كمان.. وعشان كده نضفت المكان من بصمات يحيى.. بعدها خرجت من المكان.

- وطبعًا فهيم استغل الفرصة ورمى علبة السجاير بعد ما لقاها في جاكيت يحيى.

سكت شوية وبعدين بص ناحية فهيم وقال...

- ايوة.. فهيم هو اللي استغل إن يحيى ساب الجاكيت معاه لما كان بيفتح الباب وخد علبة السجاير ورماها تحت الترابيزة.. كان فاكر إني مش واخد بالي.. بس للأسف مالحقتش اشيلها.

ارتبك فهيم وقال...

- انت.. انت كداب.. انا مالي ومال القصص دي.

- انا مش كداب، انا اعترفت بجريمة قتل.. هخاف اعترف بحاجة تانية ليه؟.. انت اللي خدت علبة السجاير ورميتها.. كنت عايز تلبس يحيى فيها، عشان بتغير منه لإنها كانت رفضاك انت وبتتكلم معاه.. انا فاكر كويس انت كنت بتبصلهم إزاي لما كنا بنتقابل.. ولا لما كنت بشوفك من فوق وانت واقف قدام العمارة بتغلي لو شوفتهم واقفين مع بعض.

بصيت لعبد البديع وقربت منه...

- انت مريض.. بتحاسب الناس على حاجات مالكش حق تحاسبهم عليها.. انت مالك إذا كانت زعلت على أهلها ولا مازعلتش.. مش من حقك.. مش من حقك تتدخل في حياة الناس وتحاسبهم.. وافرض انها مازعلتش عليهم دي جريمة تستاهل الموت عشانها؟!.. مش مطلوب مني اقعد اعيط قدامك عشان تعرف إني زعلان على اللي مات ولا من حقك أصلًا تسال إذا كنت زعلان ولا لا.. كل الحكاية إنك كنت بتكرهه بنتك وعايز تحاسبها على إنها سابتك لوحدك، ومالقتش حد ترمي عليه الحقد ده غير سميرة.. حطيت نفسك مكان أبوها اللي مات.. واتهمتها تهمة تريح بيها ضميرك وتلاقي سبب تنتقم منها عشانه.. انت بجد مريض.. وبنتك كان معاها حق على فكرة.. اللي زيك سبب في تعاسة كل اللي حواليه.. أو قتلهم زي ما انت عملت في سميرة.

اتقبض على الاتنين بتهمة الشروع في قتل سميرة، واتحولوا للمحكمة.. القصة دي عدها عليها وقت طويل جدًا.. لكن لحد دلوقتي بفتكرها رغم إنه فات عليها سنين وانا طلعت على المعاش.. بس بفتكر إزاي ممكن الإنسان الشر جواه يغلبه بالشكل ده زي ما عبد البديع شر نفسه وحقده على بنته انتصر عليه ووصله إنه يرتكب جريمة قتل، وإزاي الشر في نفس يحيى خلاه يفكر يسرق واحدة وثقت فيه، ولجأتله في أزمتها.. والشر الكامن في نفس فهيم اللي حاول يرمي التهمة على يحيى وهو عارف إنه برئ لإنه ماكنش يعرف موضوع السرقة.. وكمان بفتكر رحمة ربنا.. رحمة ربنا اللي أنقذت سميرة وكتبتلها الموت في هدوء وسلام، قبل ما تشوف اللي كانوا ناويين يعلموه فيها بساعات بسيطة.. القدر كان غريب جدًا في القضية دي عشان كده عمري ما هنساها طول حياتي.


تمت بحمد الله 


بقلم الكاتب: شادي إسماعيل


التنقل السريع