بقلم الكاتب: شادي إسماعيل
سبتها يومها وطلعت شقتي وانا بعيط، حتى اهلي لازم اروحلهم بحراسة وساعتين وارجع، بدأت أحس إني في سجن حقيقي، ويومها مانزلتش طول النهار، لكن ع العشا لقيت الباب بيخبط.. قومت فتحت وساعتها شوفت قدامي عمي سلّام واقف قدامي وبيقولي...
- ازيك يا جميلة يابنتي؟
- عم سلام!.. اتفضل.
- ماينفعش يابنتي، اني كنت بس عشان اسألك هتروحي لأهلك بكرة ولا هتعملي ايه؟
- اني كنت عايزة اروح النهاردة بس خالتي مبروكة...
- ايوة ايوة قالتلي.. وبصراحة يابنتي هي عندها حق ماينفعش تطلعي من البيت لوحدك.. لازم يكون في راجل مننا معاكِ.
- ايوة يا عمي بس اني كنت عايزة ابات عند اهلي يوم ولا حاجة.
- مبروكة قالتلي كمان على موضوع البيات، هي الأصول بتقول ماينفعش بس اني هسمحلك تباتي عندهم وتاني يوم هرجع واجيبك.. مبسوطة كده؟
ابتسمت واني بقوله...
- ان شالله يخليك ياعمي.
- يلا يابتي هسيبك اني.. تصبحي بخير.
- وأنت بخير ياعمي.
بعد ما نزل قفلت الباب، كنت قاعدة ليلتها محتارة، مش عارفة احكم على الناس دي.. هم كويسين ولا وحشين؟.. وزادت حيرتي لما صحيت تاني يوم نزلت تحت لقيت عمي سلّام قاعد ومستنيني مارحش الأرض، وأول ما شافني استغرب وسألني مالبستش هدومي ليه؟.. وطلب مني اطلع البس عشان يوصلني لأهلي، وروحنا بعدها وصلني لحد البيت عندنا وسلم على ابويا وبعدين مشي بس قبل مايمشي قالي انه هيرجع الصبح بدري عشان ياخدني، طبعًا أول ما قعدت مع أمي لوحدنا مابطلتش اسئلة، بس اني كنت ساكتة مابتكلمش، لحد ما فجأة عيطت في حضنها، وبدأت احكيلها على اللي مبروكة بتعمله من يوم ما دخلت بيتها، أمي طبطبت عليا وجبرت بخاطري وقتها بس بعد شوية قالتلي
- معلش يابنتي استحملي.. انتِ لسه ياما هتشوفي، وبعدين لو على الشغل في البيت، فده عادي ناس كتير بتعمل كده.
- طب ما اخواتي متجوزين ياما وانتِ عمرك ما عملتي مع ستاتهم كده.
- لا تفرق من واحدة للتانية، اني صحيح مابعملش كده، بس في ستات كتير بتعمل كده.. وبعدين كلها سنة ولا اتنين وهيجي العيل وهي هتخف عنك من نفسها.
- وهو العيل هيجي منين ياما؟.. ما الراجل سافر.
- ماتستعجليش هيجي هيجي بإذن الله.. وبعدين لو على موضوع بياك هنا.. خليكِ في بيتك واني هبقى اجي اقعد معاكِ الكام اليوم اللي عايزة تقعديهم هنا، واهو تبقى حجة عشان حماتك تخف عنك شوية.
- يعني انتِ شايفة كده ياما؟
- يابنتي انتِ لسه شوفتي حاجة، ده في حاجات العن من كده، احمدي ربنا انها جت في دي.. قومي قومي اغسلي وشك وتعالي نقعد معاهم بره.
تاني يوم جِه عمي سلّام خدني زي ماقال وقبل ما امشي أمي فكرتني بكلامها وطلبت مني اتحمل، وقالتلي انها هتيجي اخر الاسبوع تطمن عليا وتقعد معايا يومين، رجعت البيت لقيت مبروكة قالبة وشها عليا، وأول ما شافتني سألتني بتريقة...
- اطمنتي على أمك ياختي؟.. ان شالله بخير.
- اه الحمدلله بخير وبتسلم عليكِ.
اتنهدت وهي بتقول...
- الله يسلمها.
- مش عايزة حاجة اعملهالك يا خالتي؟
- ايوة ادخلي ساعدي فايزة شوفيها بتعمل ايه واعملي بدالها وابعتيها تريح شوية.. اهي شايلة عنك من امبارح وهي حبلة.
- طب هطلع اغير هدومي وانزل اعمل اللي انتِ عايزاه.
- اطلعي بس انزلي بسرعة ماتعوءيش.
- حاضر.
فضلت عايشة على الوضع ده، حوالي شهرين، وفي الشهرين دول فايزة ولدت، جابت بنت تانية، مبروكة كانت مضايقة، عشان فايزة جابت بنت، بس في الوقت ده اكتشفت اني حامل، ماعرفش ليه مع بداية حملي تصرفات فايزة بدأت تتغير، وبدل ما تريحني زي ماكنت بريحها في حملها بدأت تزود الحمل عليا بحجة انها قاعدة بالبنات، الغريبة إن مبروكة كانت ساكتة على كل ده، بس من الناحية التانية أمي كانت بتصبرني وتقولي إن الوضع هيتغير لما اولد واجيب الواد، يعني معاملتهم معايا بقت مرهونة بالواد اللي هيجي، وعشان كده دعيت ربنا كتير يرزقني بولد، مش عشان حاجة غير إنهم يتحسنوا معايا ويخفوا الحمل عني شوية، ماكنتش عارفة حاجة عن سعيد غير الكلمتين اللي بيقولهم عمي سلّام كل فين وفين لما بيقول إنه كلمه وطمنه عليه، لكن ولا مرة قال إنه سأل عليا أو على ابنه اللي هيجي للدنيا قريب، ومرت الايام وانا على نفس الحال لحد ما جِه يوم ولادة سلّام الصغير، اليوم اللي كنت بستناه من زمان، بس طلعت كل حساباتي غلط.. في اليوم ده كان عمي يسلّام فرحان بالواد وفرحان أكتر إنه اتسمى على اسمه، اني اللي اخترت الاسم، ومبروكة كمان كانت فرحانة بالواد وطايرةبه، بس فايزة كانت قاعدة في الأوضة يومها وعينيها مليانة غل وشر، وبعد اسبوع قومت من السرير ونزلتلهم تحت وساعتها اتفاجئت.. لقيت مبروكة بتقولي...
- جرى ايه؟.. هي مافيش ولدت غيرك ولا ايه؟
كملت فايزة كلام مبروكة وقالت...
- حقة ياخالتي.. البت قعدت وبلطت، فاكرة انها عشان جابت الواد خلاص هترمي شغل البيت كله عليا.
بصتلهم هم الاتنين وماكنتش عارفة اقولهم ايه.. بس مبروكة قالتلي...
- هاتي.. هاتي الواد ده ومد ايدك مع فايزة.. بلا مرقعة كدابة.
اديتها سلّام وروحت لفايزة وانا بسألها...
- بتعملي ايه يا فايزة؟.. عايزاني اساعدك فيه.
- مش عايزة حاجة ياختي.. روحي شوفي الواد، ماهو مابقاش في غيري هنا.. انا اللي اكل واشرب واغسل.. خليكِ انتِ جنب الواد.
بصراحة ماصدقت كلامها وقومت رايحة ناحية مبروكة وقولتلها...
- هاتي الواد يا خالتي عشان ارضعه.
خدته ودخلت الأوضة جوة بس وانا في الأوضة سمعت فايزة بتقول لمبروكة...
- شايفة.. شايفة ياخالتي البت ماصدقت، خدت الواد وجريت على جوة.
- سيبك منها يا فايزة.. وبعدين البت لسه صغيرة.
ردت عليها فايزة بشحتفة...
- صغيرة!.. دلوقتي بقت صغيرة يا خالتي، ولا عشان جابتلك الواد بقت هي اللي على الحجر.. اخس عليكِ يا خالتي.
- طب خلاص صلي على النبي، وتعالي جاري هنا وانا هساعدك.
- لا يا خالتي شكرًا انا هعمل كل حاجة لوحدي.. ما انا خلاص بقيت أم البنات.
كنت سامعة كلامهم من جوة بس مكبرة دماغي، ماهو اني لو رديت مش هخلص معاها، بس دايمًا كنت بستغرب خضوع مبروكة لها، وبقول هي ليه مش بتعاملها زي ما بتعاملني؟.. يمكن عشان هي القديمة في البيت.. بس ما برضه اني جيبت الواد اللي هي ماعرفتش تجيبه، كان في حاجة غلط اني مش فاهماها.
في الفترة دي عمي سلّام مات.. زعلت عليه بس زعلت على نفسي أكتر، لإن الوحيد في البيت ده كان ساعات بيوقف معايا مات، ومابقاش معايا غير مبروكة وفايزة، واني مش هقدر عليهم لوحدي، بس ياريت جت على كده، تاني يوم موت عمي سلّام نزلوا سعيد ومسعد من بره عشان يدفنوا أبوهم، وبعد العزا، طلعت شقتي اني وسعيد وليلتها قالي...
- أني هسافر بعد بكرة.
- إيه بعد بكرة!.. وأنت هتسافر تاني ليه؟.. عمي سلّام والله يرحمه، مين هيشوف الأرض من بعده؟
- مش عارف لسه هشوف مسعد هيعمل ايه؟
- طب وهتسيبني لمين؟
- يعني إيه هسيبك لمين؟.. ما انتِ قاعدة وسط أمي وفايزة زي ما أنتِ.
- أني تعبت يا سعيد، فايزة حطاني في دماغها وكل شوية تسخن أمك عليا.. وخالتي بتسمعلها.
- أمي ماحدش بيسخنها وعيب اللي انتِ بتقوليه ده، وبعدين فايزة هتحطك في دماغها ليه؟.. هي من دورك عشان تحطك في دماغها.. ماهي عايشة معانا من قبل ما أنتِ تيجي بسنين وعمرنا ما شوفنا منها حاجة وحشة.. شيلي الاوهام دي من دماغك وعيشي يابت الناس.
ماردتش عليه ليلتها، حسيت اني مهما اتكلمت مش هيبقى في فايدة، سيبته ونمت، تاني يوم نزلنا تحت واحنا على الفطار فتحوا موضوع السفر ولقيت مسعد بيقوله...
- انت هتسافر وتكمل شغلك عادي.. واني هقعد ومش راجع تاني.. هقعد اشوف الأرض واراعيها.
بصله سعيد وقاله...
- حاضر يا اخوي اللي تشوفه، واهو تبقى جنب الجماعة عشان ماينفعش يبقوا لوحدهم.
- بالظبط كده، خميس لسه صغير وهم محتاجين راجل وسطيهم.
كنت قاعدة هموت من الغيظ، وفايزة عمالة تبصلي بشماتة إن راجلها هيفضل جنبها وراجلي هيفوتني ويسافر، وبعد اليوم ما خلص وطلعنا شقتنا اتخانقت اني وسعيد خناقة كبيرة، كان مصمم إن اخوه بيعمل الصح، وإنه لازم يسافر عشان يخلص الدين اللي عليه، ويبني شقة خميس زي ما مسعد بناله الشقة دي، طلبت منه نسيب الشقة والبيت كله ونروح نقعد في شقة برة واهو بقى عنده ورث ابوه يشتغل فيه أو يبعه، المهم يفضل جنبي اني وابنه اللي محتاجه، ماسمعش كلامي وسافر.. سابني وسطيهم وحدي وسافر.
ومن يوم ما سافر والمشاكل زادت، فايزة ومسعد بدأوا يتحكموا في كل حاجة في البيت، مبروكة حزنها على سلّام كسرها ومابقتش بتتكلم زي الأول وصوتها وطي في البيت، فايزة بقت الكل في الكل، بطلت انزل تحت زي الاول، بس في نفس الوقت بدأت اشوف حاجات غريبة في الشقة عندي، مرة دخلت أوضة سلّام ابني شوفت واحدة شكلها غريب واقفة جنبه، وأول ما حست بيا اختفت، ومرة تانية شوفتها في الحمام، وكل يوم كان الموضوع بيزيد عن اليوم اللي قبله، لحد ما فاض بيا وبدأت اخاف من الشقة والقعدة لوحدي، فلما جت أمي حكيتلها اللي بيحصل، قالتلي انها وساوس ووصتني اشغل قرآن، واحصن نفسي انا وابني بالرقية الشرعية، عملت زي ما قالت بس برضه كنت بشوفها كل فترة، كانت بتفضل واقفة تبصلي بشر وبعدين تمشي، لحد ما في يوم اتخانقت انا وفايزة خناقة كبيرة، طلعت يومها الشقة بتاعتي، ومن كتر العياط نمت، بس ليلتها شوفت الست دي في الحلم، كانت بتحاول تخنقني، وخلاص كانت هتموتني لولا إني فوقت على صوت أذان الفجر.. لكن من بعد الليلة دي بقت بتحصل حاجات غريبة، حسيت إني مابقتش انا، حتى الكلب بتاع الواد خميس اللي كان رابطه في بير السلم بقى كل ما يشوفني يجري عليا وينبح، مع انه ماكنش كده في الأول، حسيت إن في حاجة غلط، المرة دي ماقولتش لأمي، اني خد بعضي وطلعت على واحد في بلد جنبينا بيقولوا إنه بيعالج بالقرآن، روحتله وهناك قالي إني معايا واحدة من الجن، وانها شرانية ومش هيقدر عليها، وفعلًا لما حاول يساعدني كانت هتموته، كل اللي قالهولي يومها إني التزم بالصلاة والقرآن وربنا هينقذني منها، في اليوم ده لما رجعت البيت، وعند البير السلم الكلب كان نايم زي عادته، بس أول ما دخلت من البوابة قام جري وفضِل ينبح، ماعرفش ايه اللي حصل، لكن لقتني بقرب منه وانا ببص في عينيه بغِل، صوت نباحه كان بيهدا وهو بيرجع لورا، وماحستش بحاجة بعدها غير لما فوقت على صوت خميس وهو بيصرخ وبيقول...
- جميلة موتت الكلب بتاعي.. يا خالتي فايزة.. جميلة موتت الكلب بتاعي.
فتحت عيني وبصيت لقتني ماسكة رقبة الكلب وكانت مكسورة في ايدي ولسانه طالع لبره، رميتها بسرعة على الأرض وجريت على فوق، واني على السلم قابلت فايزة اللي صرخت فيا...
- موتي الكلب ليه حرام عليكِ.
قربت منها واني ببرقلها، خافت مني ورجعت لورا.. ابتسمت في وشها وسيبتها وطلعت شقتي.. كنت حاسة إني قوية، أول مرة اشوف الخوف في عيون فايزة، وبصراحة الإحساس ده نساني كل اللي حصل، وفجأة مابقيتش عايزة اللي معايا تمشي، بس ماكنتش اعرف اللي هيحصل بعد كده.
******
أول ما وصلت جميلة للنقطة دي في كلامها سمعت صوت خبط جامد على باب الاوضة، بصيتلها برعب لقيتها هي كمان مرعوبة وبتقولي...
- دي أكيد هي؟
- هي مين؟
- اوعى تفتح يا باسم.
- افتح ايه؟.. ده هي اللي هتكسر الباب.
- ماتخافش هي مش عايزاك انت.. دي عايزاني انا.
- وهي عايزة منك ايه؟
في اللحظة دي القرآن اشتغل لوحده، وفجأة اختفت جميلة وحتى صوت الخبط مابقاش له وجود!.
مسكت التليفون وقربته مني، كنت حاسس بالأمان والقرآن شغال، بس بعد دقايق بدأت أفكر في كلام جميلة، كان جوايا فضول اعرف ايه اللي حصلها بعد كده، لكن في نفس الوقت خايف.. خايف اني اشوفها تاني، وخايف من اللي ممكن تقوله، انا محتاج اشرب سيجارة، حطيت ايدي في جيبي بس ماكنش معايا سجاير.. كده لازم اروح المطبخ واجيب علبة سجاير، ده ايه النحس ده؟!.. هروح ازاي دلوقتي؟.. وايه المشكلة طالما القرآن شغال.. صح انا هاخد التليفون معايا واروح، وهم كده كده مش بيظهروا طول ما القرآن شغال، مسكت التليفون وقومت ناحية الباب، فتحته حاجة بسيطة ومديت رقبتي بصيت في الممر كان الجو هادي خالص، خرجت بهدوء ومشيت ناحية المطبخ، طلعت علبة سجاير من الخرطوشة، وولعت سيجارة، ولما اطمنت إن مافيش حاجة ظهرت قولت اقعد في الصالة براحتي، حطيت التليفون على الترابيزة وكان لسه شغال على القرآن وبعدها وقفت في الشباك اشرب السيجارة، بصيت تحت عشان اطمن إن الست اللي شوفتها في الحلم مش واقفة، وفعلًا ماكنتش واقفة، كل حاجة كانت طبيعية ومافيش أي حاجة غريبة، يااااه ايه اللي بيحصل معايا ده؟.. كل ده في ليلة واحدة؟.. اومال لو قعدت ليلتين تلاتة هيحصل ايه تاني؟!.. انا لازم امشي الصبح، ان شالله حتى اسيب الشركة خالص، ما انا مش لاقي عمري، خلصت السيجارة ورميتها في الشارع وبعدين قفلت الشباك ودخلت، بس وانا راجع سمعت صوت رعبني، الموبايل هيفصل شحن، جريت بسرعة على الترابيزة وفتحت الموبايل، كان 2 % لا ماينفعش تفصل دلوقتي، خدته وجريت على الأوضة، الشاحن فين؟.. ايوة في الشنطة.. مسكت الشنطة وفتحتها بسرعة، طلعت كل الهدوم ورميتها على الأرض بس مش لاقي الشاحن، الشاحن فين؟!.. فضيت الشنطة كلها بس ماكنتش لاقيه، وفجأة التليفون فصل، الجو كان هادي هدوء مميت، بصيت على باب الأوضة بخوف ومشيت ناحيته عشان اقفله، بس أول ما وصلتله النور قطع، طلعت الولاعة من جيبي وولعتها، بس ساعتها شوفت نفس الست واقفة قدام الباب في الممر، أول ما شوفتها قفلت الولاعة، وحاولت ازق باب الأوضة عشان اقفله، لكن في حاجة بتزوقه عشان يتفتح، في اللحظة دي سمعت صوت طفل بيعيط، ومع صوت عياطه الست دي بدأت تزمجر بصوت مخيف من ورا الباب، وفجأة لقيت الباب بيتقفل بسهولة لدرجة إني وقعت وراه، يظهر كده الست بطلت تزوقه من الناحية التانية، سندت ضهري على الباب وانا بتنهد في ارتياح، بس لما هديت اكتشفت إن صوت الطفل اختفى، حاجة جوايا خلتني اقوم من مكاني وافتح الباب، فضول غريب، نورت بالولاعة وخرجت في الممر، كنت سامع صوت همهمة جاية من أوضة الأطفال، مشيت ناحية الأوضة وانا مرعوب، الباب كان مفتوح نص فتحة، وساعتها شوفت الست واقفة قدام سرير الطفل وبتخنقه، المنظر كان مرعب، ابتسمت ابتسامة مرعبة بعد ما اتأكدت إنه مات، ولقيتها بتلف راسها ناحيتي، رجعت لورا خطوتين لكنها كانت لسه مبتسمة، وفجأة لقيت حد بيزقني من ورايا، وقعت على الأرض، وبسرعة لفيت عشان اشوف مين اللي زقني، لقيت سعيد واقف عند الباب وابتسم في وشي قبل ما يشد الباب ويقفله، وانا ببص على سعيد سمعت صوتها من ورايا.. كانت بتعمل صوت غريب.. زمجرة على فحيح.. مش قادر احدد بالظبط لكن كل اللي فاكره إني ساعتها قولت لنفسي هي دي النهاية.. لفيت وشي ناحيتها وبدأت أرجع بضهري لورا وهي بتقرب أكتر وأكتر وعلى وشها نفس الإبتسامة المرعبة.. لكن وقبل ما توصلي ظهرت قدامي جميلة، وقفت بيني وبينها، الست وشها اتغير وقتها واتحولت الإبتسامة لنظرة غضب ماقدرش اوصف بشاعتها.. صرخت جميلة في وشها صرخة عالية، اما الست فكل اللي عملته انها استنت لحد ما جميلة خلصت وفجأة انقضت عليها وضربتها على وشها، مالت جميلة ناحية اليمين شوية، لكنها اتمالكت نفسها واتعدلت تاني قبل ما تهجم على الست، كانوا بيضربوا بعد بشكل عنيف، استغليت الفرصة وقومت فتحت الباب وخرجت، بس أول ما بقيت في الممر سمعت صوت زمجرة ورايا، لفيت وشي وساعتها شوفت سعيد واقف وفي إيده سكينة رافعها لفوق، وبدأ يتحرك ناحيتي، جريت بسرعة على أوضة النوم، كان بيجري ورايا، دخلت الأوضة وقفلت الباب بسرعة، كان بيحاول يفتح الباب، لكن كنت ساند عليه بجسمي، ضربات قلبي كانت سريعة جدًا، وعشان كده أول ما سعيد بطل محاولاته رميت نفسي على الأرض، وماكدبش عليك عيطت، عيطت كإني طفل صغير، لإني وقتها كنت متأكد إني مش هخرج من البيت ده تاني، ماعرفش حصل ايه بعد كده بس الظاهر كده من العياط نمت أو أغم عليا وانا في الأرض...
كنت واقف في شقة انا ماعرفهاش، بس كنت في الصالة وقدامي ناس قاعدين على الأرض وبينهم أطباق وصواني فيها أكل، وفجأة ظهرت جميلة جاية من جوة شايلة صينية عليها أكل، ناولتها لواحد من اللي قاعدين واللي كان سعيد، خد منها الصينية وهو مبتسم في وشها وبعدين حطها جنبه وبدأ يوزع الأطباق فوق المفرش اللي على الأرض، كان في راجل قاعد وجنبه واحدة ست جنبها بنت صغيرة وعلى راس القاعدة كانت في ست كبيرة في السن قاعدة وبصة في الأرض، وقدامها الناحية التانية كان قاعد ولد صغير، من كلام جميلة فالراجل ومراته دول أكيد مسعد وفايزة واللي جنبها بنتهم، أما الست الكبيرة دي فأكيد مبروكة، والولد الصغير ده خميس أخوهم.. بعد ما جميلة ناولت سعيد الصينية لفت وشها عشان ترجع من مكان ما جت، لكنه سألها...
- مش هتقعدي تاكلي معانا؟
بصتله وقالت كلمة واحدة بس...
- لا.
ماستنتش رده ودخلت جوة، بعدها سعيد بص لأخوه ومراته وهو بيقول...
- عنها ما كلت.. يلا ناكل إحنا.
بصله مسعد وقاله...
- مراتك خلاص اتلبست.
كملت فايزة كلام جوزها وقالت...
- اه والله يا سعيد البت جميلة اتلبست.. دي من كام يوم كانت هتموت الواد.. لولاش اني لحقته وشيلته من ايديها.
- ايه الكلام اللي بتقولوه ده؟!.. ماهي كويسة اهي وزي الفل، وهي اللي واقفة عاملة الأكل كله.. هي بس هتلاقيها اعصابها تعبانة شوية.
رد عليه مسعد...
- اعصابه تعبانة ايه؟!.. بقولك مسكت الكلب بتاع الواد خميس كسرت رقبته وموتته.. وماكنتش دريانة بالدنيا.
اتكلمت فايزة وقالت...
- ياختااااي دي يومها لما نزلت اشوف ايه اللي حصل.. برقتلي تبريقة حسيت إن عينيها هتتخلع من مكانها.. بعدها ضحكت وطلعت على فوق من غير ولا كلمة.
قال مسعد بعدها...
- مرتك بقت خطر على الواد وعليك يا اخويا.. وبصراحة علينا كلنا.. اني طول غيابك ماكنتش اعرف اتكلم بس بصراحة.. اني شايف انك لازم تطلقها.
بص سعيد لمبروكة وقالها...
- وانتِ ايه رأيك ياما، شايفة إن جميلة ملبوسة؟
بصتله مبروكة لثواني قبل ماتهز دماغها بالإيجاب وتقول...
- اللهم احفظنا.. اللهم احفظنا.
اتكلمت فايزة وقتها وقالت...
- طلقها يا سعيد.. طلقها واني اجوزك ست ستها.. وبعدين خلاص انت بقى معاك الواد.. والبلد كلتها عارفة إن أمه ملبوسة، يعني ماحدش هيقدر يقولك خلي الواد مع أمه.
- طلقها ياولدي مرتك بقت شر.
- طلقها ياخوي وهنجيبلك أحسن منيها.
سعيد كان بيبص لكل اللي قاعدين وهو بيهز دماغه بالموافقة، وفجأة دخلت جميلة عليهم، كلهم بصولها بخوف، حتى سعيد اللي كان لسه بيضحك في وشهم بصلها بخوف، بس هي قالتله...
- انا هطلع انيم سلام.. وانت خلص قعدتك وابقى اطلع.
من غير ما يتكلم هز راسه وبعدها مشيت جميلة وخرجت من الشقة.. وهنا اتكلمت فايزة وهي بتبص ناحية باب الشقة...
- شايف يا سعيد.. اقسم بالله البت دي ملبوسة.. شايف بتبصلنا إزاي؟
رد عليها سعيد وقال...
- عندك حق اني ملاحظ من ساعة ما جيت الصبح انها مش طبيعية.. بصاتها غريبة.. وساكتة مابتتكلمش.
قال مسعد وهو بيوجه كلامه لسعيد...
- ديك النهار طلعت من البيت لوحدها في الليل ولما دورنا عليها لقيناها في التٌرب.. كانت قاعدة قدام تٌربة أبوك وبتبكي كنه أبوها.. ولما حاولت اقومها عشان نروح، شدت دراعها من يدي وبرقت.. بصراحة خوفت منها وكل اللي عملته إني استنيتها لحد ما قامت وحدها، ومشيت وراها لحد البيت هنا.. جميلة مابقتش جميلة يا سعيد.
- كل ده حصل في غيابي؟
- وأكتر ياخوي وأكتر.
- طب واهلها فين؟.. ماحدش قالهم؟
- اهلها قالوا زي ما حبستوها وهي سليمة خلوها عندكوا وهي مريضة.
- اخس على دي ناس!.. يعني سابوا بتهم وهي بالحالة دي!
- كان نسب طين ياخوي.. اني عارف بس ايه اللي وداك البلد دي!
- ابويا سلّام هو اللي نقاها.
- الله يرحمه.
******
فجأة الدنيا ضلمت ولقيت نفسي في طرقة اللي في الشقة هنا، وسمعت صوت طفل جاي من ناحية أوضة الأطفال، مشيت ناحية الأوضة بهدوء، وأول ما وصلت قدام الباب شوفت جميلة واقفة قدام سرير سلّام وبتبصله.. بعدها بدأت تخنقه، صرخت فيها...
- انتِ بتعملي ايه يا مجنونة؟!.. انتِ بتموتي ابنك.
لفت وشها ناحيتي وبعدين سابت الواد وقربت مني، كانت الدموع نازلة على خدها وقالتلي...
- مش انا اللي قتلته.. مش انا اللي قتلته يا باسم.
قربت مني أكتر وفجأة لقيت عياطها بيتحول لضحك هيستيري، رجعت لورا بسرعة، وش جميلة كان بيتبدل وبيتحول لوش الست التانية، وفجأة زقتني بقوة طيرتني بره الأوضة وقفلت الباب، قومت من على الأرض وانا حاسس بوجع شديد، بس المرة دي لقيت نفسي في الشقة الغريبة دي ولقتهم كلهم موجودين بس نايمين، كانوا نايمين بطريقة غريبة، نايمين في مكانهم، مسعد وسعيد نايمين على الكنب، أما فايزة مبروكة فكانوا لسه قاعدين قدام الأكل ونايمين، وخميس هو كمان نام على الأرض في مكانه، في الحظة دي شوفت جميلة داخلة من باب الشقة ومخبية ايديها وراها، بصت عليهم وبعدين فردت ايديها وساعتها شوفتها ماسكة سكينة، ابتسمت ابتسامة خبيثة وقربت من خميس وقتلته، بعدها مشيت ناحية فايزة، ضربتها بالقلم قبل تقول...
- اللي يحضر عفريت لازم يعرف يصرفه.. وإلا هيجي اليوم ويقتله.
قتلت فايزة بطريقة بشعة جدًا، مش هقدر أوصفها، وبعد ما خلصت راحت ناحية مبروكة ابتسمت قبل ما تقول...
- طول عمرك كنتِ ظالمة يا مبروكة، بس المرة دي مش ذنبك ماهو اللي فايزة كنت بتعملهولك مش هين.
بعد ماقتلتها راحت ناحية مسعد.. تفت عليه وقالت...
- اللي تمشيه مراته عمره ما يبقى راجل.
مشيت ناحية سعيد...
- ظلمتني كتير.. كنت خاضع لأهلك وفاكر إنهم عشان جوزوك بقوا خلاص واصين عليك.. عمرك ماصدقتني.. رامي ودنك لأهلك وبس.. وكإنهم ملايكة مابيغلطوش.
المنظر كان بشع، بعد ما جميلة خصلت وقفت بين الجثث وهي بتضحك ضحكة عالية، بعدها شوفت كيان بيخرج من جسمها، وجميلة بتفتح عينيها، بصت حواليها يمين وشمال وهي بتصرخ، ماكنتش مصدقة المنظر اللي هي شايفاه، وفجأة ظهرت الست دي قدامها وقالت...
- بتصرخي ليه؟.. مش هو ده اللي كنتِ عايزاه؟!
- انا ماكنتش عايزة حد يموت.. اني كل اللي كنت عايزاه اني أعيش زي البني آدمين.
- وهم دول بني آدمين.
- انتِ عملتي ليه كده؟
- عشان تعيشي زي ما انتِ عايزة.
- ابني فين؟.. فين سلام؟
- ريحتك منه.. مش دايمًا كنتِ بتلعني اليوم اللي اتجوزتي فيه أبوه، وبتقوليلي يارتني ما خلفتك.
- لا.. ابني لا.
- ابنك خلاص مات.
بصت جميلة وقتها للسكينة الغرقانة دم في ايديها، وضغطت عليها جامد وقالت...
- انتِ كمان لازم تموتي.. مش هسمحلك تعيشي أكتر من كده.
ضحكت الست ضحكة عالية وقالت...
- وهتموتنيني ازاي بقى؟
بصتلها جميلة بقلة حيلة، وسرحت لثواني قبل ما تقولها بتحدي...
- انا صحيح ماقدرش أموتك، بس انا عارفة هخلص الناس من شرك تاني إزاي.
في اللحظة دي رفعت جميلة السكينة وطعنت نفسها، حاولت الست تمنعها لكن جميلة كانت أسرع منها وطعنت نفسها أكتر من طعنة لحد ما وقعت على الأرض.
كنت واقف مكاني مذهول من اللي بشوفه، بس فوقت على صوت ضعيف جنبي...
- باااسم.. كان غصب عني.. ماحدش يعرف اللي حصل.. لازم تبلغ أهلي بكل اللي شوفته.. لازم تعرفهم إني ماقتلتش ابني ولا قتلت حد فيهم.. عرفهم إن (إينار) هي السبب وإن فايزة هي اللي حضرتها هي والدجال اللي بتروحله من يوم ما اتجوزت مسعد، عارفهم إني بريئة وماليش ذنب.. وقولهم إن مسعد هو اللي حبسني في البيت عشان ماخرجش ومنعني عنهم.. عشان يداري على مراته بعد ما كشفتها.
- حاضر هقولهم.
******
فوقت لقتني نايم على الأرض، رفعت نفس واتعدلت في قعدتي، كنت حاسس بوجع في راسي من ورا، قومت من على الأرض وفتحت الشباك لقيت النهار طلع.. لميت شنطتي بسرعة وخدت كل حاجتي ونزلت من الشقة، مشيت على الشارع وركبت توك توك وطلبت منه يوديني مكان الشغل.. واحنا في الطريق سألته...
- هو الشارع اللي انت جيبتني منه ده.. في بيت هناك بتاع سلّام تعرفه؟
- بيت الحاج سلّام؟
- ايوة هو.
- وهو في حد ما يعرفش بيت الحاج سلّام.. البيت ده حصلت فيه مجزرة.
- مجزرة إزاي؟
- ماعرفش اني كنت صغير وقتها، بس بيقولوا إن مرات واحد من ولاد الحاج سلّام قتلت العيلة كلها، وبعدين قتلت نفسها.
- طب وماحدش سِكن في البيت ده من يومها؟
- لا ماحدش في البلد كلها بيقرب من البيت ويمكن من الشارع كمان، بيقولوا إنه بيظهر فيه عفاريت.. بس انت بتسأل ليه؟
- هاه!.. لا عادي سمعت عنه حكاية كده فقولت اتأكد.
- لا البيت ده فعلًا مسكون.. ومقفول فوق العشرين سنة اهو.
وصلني الراجل لحد المكان اللي فيه الشغل وحاسبته ودخلت الشركة، وهناك قابلت استاذ فتحي، أول ما شافني كده قالي...
- صباح الخير يا استاذ باسم.. مال وشك انت مانمتش ولا ايه؟
- انام!.. وانا هنام إزاي وانتوا مبيتني في بيت مسكون.
- ايه ده انت عرفت؟!
- عرفت!.. يعني انت كنت موديني وانت عارف إن البيت مسكون؟
- بس يابني اني ماليش دعوة اتكلم مع المدير.
- ماشي يا استاذ فتحي.
سيبته ودخلت أوضة المدير، كنت داخل وانا متعصب وعلى أخري فأول ما شافني قالي...
- مالك يا باسم.. وشك بيقول إن في حاجة.
- انت قولتلي إن الشقة اللي هقعد فيها.. كان في ناس قاعدة فيها قبلي.
- ايوة صح.
- مين بقى الناس دول؟
- موظفين مغتربين زيك.
- انت كداب.. ماحدش قعد في البيت ده من عشرين سنة.
بص لتحت وبعدين قالي بهدوء...
- طب اقعد.. اقعد وانا هفهمك كل حاجة.
- تفهمني ايه؟
- اقعد وانا هشرحلك.
قعدت قدامه وانا بنفخ وبقوله...
- اتفضل اشرحلي.
- الحكاية ياسيدي إن البيت ده مقفول زي ما انت بتقول من عشرين سنة.. البيت ده بقى بتاع مين؟
- الحاج سلّام.
- عليك نور.. الحاج سلّام ده بقى يبقى عمي.
- عمك.
- اه اه عمي.. الله يرحمه.. وابويا الله يرحمه هو كمان ورث البيت عنه وبعد ما مات اني ورثته عنه.. وبيني وبينك اني مابحبش ادخله، ولما قررت أبيعه ماحدش اشتراه عشان البلد كلها عارفة اللي بيحصل فيه، وانت عارف بيجيلنا ناس زيك كده كل فترة من فرع القاهرة.. فاني قولت ايه بقى.. استخدمه كإنه تبع الشركة واهي فترة وتعدي وماحدش هياخد باله.. وفعلًا في موظفين غيرك قعدوا فيه وماشافوش حاجة.. وده شجعني أكتر وقولت يمكن اللي بيتقال ده إشاعات، بس اني مش عارف اشمعنا انت اللي شوفت!.. أكيد فيك حاجة مش طبيعية.
- حاجة مش طبيعية!.. اه بمشي على ايديا.. بص يا استاذ علي انا مش هكمل شغل هنا وهكتب للفرع الرئيسي عن البيت ده وهحذر أي حد يدخله.. وهم بقى يشوفوا هيأجروا مكان للموظفين وإلا بقى يبقى صاحب الشركة يجي يقعد في البيت ده بنفسه.. سلاموا عليكوا.
سيبته وخرجت من الشركة بس وانا على الباب افتكرت كلام جميلة فرجعتله تاني وسألته عن عنوان اهلها.. قالي على اسم البلد وبعدها سيبته ومشيت، روحت بلد جميلة وقابلت اخوها، وهناك عرفت إن ابوها وأمها ماتوا.. حكيتله اللي شوفته في البيت ووصلتله رسالة جميلة، الغريبة انه كان مصدقني من أول لحظة، وقالي إن جميلة أوقات كتير بتزوره في الحلم لكن مابتقولش أي حاجة، وهو متأكد من يومها إن أخته بريئة بس ماقدرش يثبت برائتها.. بعد ما خلصت كلامي معاه ركبت ورجعت القاهرة من تاني، وفعلًا كتبت تقرير بكل اللي حصل وحذرتهم يبعتوا حد قبل ما يأجروا مكان يسكن فيه.. بس وهي دي الحكاية اللي حصلتلي زمان.
- ياه يا عمو.. دي حكاية صعبة أوي.
- لسه في الأصعب بس كفاية كده ويلا قوم ندخل جوة عشان انا عضمي نشف من البرد.
- عندك حق ياعمو الدنيا بردت أوي.
تمت بحمد الله
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل.