
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل
كنت ماشي في شارع من الشوارع ومعايا خالد صاحبي، لما وقفت فجأة وقولتله...
- ثانية هعمل حمام وارجعلك.
- ماشي بس ماتتأخرش.
- لا ثواني وراجع.
دخلت القهوة اللي كانت في وشنا، وبالمناسبة انا اسمي معتز، عندي 25 سنة، عايش في بورسعيد، على يمين مدخل القهوة كان في ترابيزتين قاعد على كل واحدة فيهم اتنين رجالة شكلهم في الأربعينات، اما على الشمال فكان في ترابيزة فاضية وبعدها بشوية ترابيزة تانية قاعد عليها اتنين شباب، بصيت عليهم قبل ما ادخل وكان شكلهم غريب شوية، بس الشئ الأغرب شوفته جوة لما دخلت، القهوة كانت واسعة جدًا وارتفاع السقف رهيب، تحس انها مبنية من ايام الملك فاروق مثلًا، في السقف مراوح قديمة بصراحة مش عارف لازمتها ايه!.. اكيد الهوا مش هينزل من الارتفاع ده كله، بس هم كده كده قافلينهم، ماكنوش شغالين، بصيت على اليمين كان قاعد راجل في نص الخمسينات، قدامه راجل في نفس سنه تقريبًا وبينهم ترابيزة عليها طاولة، بس ملامحهم.. ملامحهم كإنها متجمدة!.. بصيت عليهم باستغراب، بس كنت مزنوق جدًا، فجريت بسرعة على جوة، في الطريق للبوفيه كنت ببص حواليا يمين وشمال، ناس كتير قاعدة بس كلهم بنفس الملامح، وصلت لحد البوفيه ووراه كان واقف شاب في العشرينات، قربت منه وانا بقوله بلهفة...
- لو سمحت الحمام فين؟
كان باصص عليا لكن مابيردش، لفيت وشي لقيت راجل كبير قاعد على المكتب وباصص في ورقة قدامه، وفوقيه كانت صورة لعبد الناصر، استغربت من الصورة، بس ماعلقتش وقولتله بصوت عالي...
- بعد إذنك يا معلم الحمام منين؟
ماردش عليا هو كمان، كنت بخبط كف على كف وانا برجع بوشي للشاب اللي واقف ورا البوفيه...
- ماحد يرد عليا يا جدعان.
في اللحظة دي عيني جت على باب صغير شمال البوفيه، جريت ناحيته ودخلت بسرعة.. ياااه ده الواحد كان على الآخر.. بعد ما خلصت فتحت الباب عشان اخرج...
أنا إن قدَّر الإله مماتي.. لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي.
ما رمــاني رامٍ وراح سليماً.. من قــديم عناية الله جندي.
كـم بغـت دولـة عليّ وجـارت.. ثم زالت وتلك عقبى التعدي.
إنني حُــرة كســرت قـيودي.. رغم أنف العدا وقطعت قيدي.
أتُـراني وقـد طويت حياتي.. فى ميراس لم أبلغ اليوم رشدي.
ده الصوت اللي سمعته أول ما فتحت الباب، بعدها سمعت صوت حد بيخبط قطعة الدومينو على ترابيزة وهو بيقول بصوت عالي...
- هاهأو قفلت يا حلو.. انا اللي اكسب.
قولت في سري وقتها "ايه الدوشة اللي حصلت فجأة دي؟!" خرجت من الباب ببطء وانا ببص حواليا، شوفت عامل البوفيه واقف مشغول في تحضير المشروبات، وقدامي على المكتب كان المعلم قاعد وبيكتب في دفتر قدامه، اما بقيت الناس اللي على الترابيزات فكانوا مشغولين.. اللي بيلعب مع صاحبه واللي قاعد بيتكلم مع واحد قدامه، كل ترابيزة عليها اتنين بس وكإنه ترتيب مقصود!.. مشيت خطوتين لحد ما وقفت قدام المكتب وبصيت للمعلم، مارفعش وشه ناحيتي، ولا كإنه شافني، اتكلمت وقولتله...
- سلاموا عليكوا يا معلم.
كمل كتابة وكإنه ماسمعنيش!.. عليت صوتي المرة دي وانا بقرب وشي ناحيته اكتر...
- سلاموا عليكوا يا معلم.
لا حياة لمن تنادي، بصيت في الورقة اللي كان بيكتب فيها، لقيته بيرسم رسمة غريبة، كانت رسمة لشوارع ومكتوب على شارع منهم "شارع محمد علي" وعلى شارع تاني "شارع النهضة" وعلى شارع تالت "شارع رمسيس" وفي كل شارع كان بيرسم دواير في اماكن متفرقة، ماكنتش فاهم هو بيعمل إيه بس في اللحظة دي فوقت على صوت دربكة، رجعت لورا من الخضة وبصيت بسرعة ناحية باب القهوة، لقيت اتنين واقفين عند الباب وبيقفلوه بكل قوتهم، بعدها قربوا ناحيتي بخطوات سريعة، كنت واقف ببصلهم وهم بيقربوا وانا مرعوب، شكلهم كان يخض، اجسامهم قوية ورغم انهم شباب إلا انهم كان باين عليهم انهم اقوياء جدًا، رجعت بضهري لحد ماخبطت في الحيطة اللي ورايا وأول ما وصلوا عندي لفوا وشهم وبصوا للمعلم اللي على المكتب وواحد منهم قال بصوت مليان حماس...
- كله تمام ياريس.
رفع المعلم وشه ناحيتهم وابتسم بفخر وقاله...
- عفارم عليكوا يا رجالة.. تلسم ايديكوا.
سأله التاني بصوت واطي...
- هنعمل ايه تاني؟
قام المعلم وقف وبص ناحية باب القهوة قبل ما يقول...
- تعالوا ورايا.
مشي للبوفيه والاتنين وراه، واول ما دخل ورا البوفيه بص على باب القهوة التاني قبل ما يمد ايده ويزق الحيطة ناحيته، ساعتها لقيت الحيطة بتلف بالكوبايات والعِدة اللي عليها، عشان يظهر وراها باب حديد صغير، بيطلع المعلم بعدها مفتاح من جيبه وبيفتح الباب وبيقولهم...
- ادخلوا على ما بقيت الرجالة تيجي.
دخلوا الاتنين وقفل بعدها المعلم الباب ورجع كل حاجة زي ماكانت، وهو خارج بص لعامل البوفيه اللي ابتسمله ابتسامة واسعة ردها المعلم بنفس الطريقة قبل ما يرجع يقعد مكانه على المكتب ويمسك الورقة تاني، ماكنتش فاهم حاجة، مين دول؟!.. قربت من المكتب تاني وبصيت في اللي كان بيكتبه بس المرة دي.. المرة دي لقيته بيكتب حاجات غريبة.. كان كاتب في الورقة "تموين القهوة.. سكر، شاي، سحلب" كل الورقة كان مكتوب فيها اصناف من دي، بصيتله باستغراب، بس في اللحظة دي فوقت على صوت خبطة قوية، بصيت على الباب لقيت عساكر بيكسروا الباب وبعدها بيدخل قدامهم ظابط مليان شوية وبعدين بيمشي وسط الترابيزات وهو بيبص على اللي قاعدين يمين وشمال، كلهم كانوا بيبصوله بملامح قوية فيها تحدي، ماحدش فيهم رمش بعينيه، فضل يقرب لحد ما وقف جنبي بالظبط، بصيت في عينيه بس ماكنش شايفني، بص على البوفيه وبعدين بص للمعلم اللي ماتحركش من مكانه وبعدين الظابط ده قاله...
- ازيك معلم عمران؟
- خير يا خواجة؟
- مش خير معلم.. مش خير.
- في ايه يا ماجور؟.. ايه اللي حصل؟
- في خد اتجرأ وخطف ظابط من عندي.
رفع المعلم حواجبه في اندهاش قبل ما يقوله...
- اللاه ده مين اللي قدر يعمل كده؟
- لسه مش عارفين.. بس خليك متأكد إننا هنجيبهم.. ووقتها هخليهم عبرة لمصر كلها مش بس بورسعيد.
- اااه وانت جاي تدور عليهم هنا!.. تفتكر عيال بالصياعة دي قدرت تعلم عليكوا هتيجي تقعد على القهوة تشرب شاي؟
- لا انا مش جاي ادور عليهم.. انا جاي انبهك عشان لو كنت تعرفهم انت ولا أي واخد من دول.
لف الظابط وشه وهو بيوجه كلامه لكل اللي قاعدين قبل ما يبص لللمعلم ويقوله بنبرة تهديد...
- هعتبرك شريك معاهم.
بصله المعلم بصة تحدي من غير ما تتحرك عضلة واحدة في وشه، بص الظابط لعامل البوفيه وبعدين شاورله...
- انت.. تعالى.
وقف العامل لثواني قبل ما يتحرك ويخرج من ورا البوفيه ويروح ناحية الظابط ويوقف قدامه، فضل الظابط يدقق في ملامحه حوالي دقيقة، لحد ما اتكلم المعلم عمران وقاله...
- واضح إن اللي اتخطف غالي أوي عليك يا ميجور.
بصله الظابط بغضب قبل ما يبتسم ابتسامة صفرا ويقوله...
- أوي.. اللي اتخطف لو مارجعش هيروح قصاده ناس كتير.. كتير جدًا عمران.
خرج الظابط بعد الكلمتين دول ووراه عساكره، فضل كل واحد من الموجودين قاعد مكانه ماتحركش لحد ما الظابط ركب العربية واتحرك من قدام القهوة، بص العامل للمعلم وسأله...
- هنعمل ايه دلوقتي؟
- ماتقلقش طالما مشي بسرعة يبقى ماشكش في حاجة.. بس واضح إن الرجالة وقعوا على صيدة تقيلة ربنا يبارك فيهم.
قبل ما يكمل كلامه لقيت ولد عنده حوالي 17 سنة داخل جري من باب القهوة، وقف قدام المكتب وهو مش قادر ياخد نفسه بس من كتر الحماس اتكلم بسرعة...
- عرفت.. عرفت.. اللي حصل.. يابا؟
- في ايه يا محمد؟.. ايه اللي حصل؟
- الظابط.. الظابط مور هاوس اتخطف.
- ايه!.
بص بعدها ناحية البوفيه قبل مايقول بحماس شديد...
- ربنا يحميكوا.. ربنا يحميكوا يا شباب.
بعدها رجع بص لمحمد وقاله...
- انت عرفت الكلام ده منين؟
- بورسعيد كلها بتتكلم عن اللي حصل.. وبيقولوا إن الميجور قالب الدنيا عليه وحالف مايطلعش النهار قبل ما الظابط بتاعه يرجع.
- ده لما يشوف حلمة ودنه.. وانت كِن هنا وماتخرجش اليومين دول.
- حاضر يابا.
بص المعلم بعدها لكل اللي قاعدين وقالهم بصوت عالي...
- كل واحد يرجع يعمل اللي كان بيعمله يا رجالة مش عايزين نلفت الأنظار.
في ثواني كان كل واحد رجع فعلًا بص قدامه وكمل اللي كان بيعمله، بعد كده بص المعمل للعامل وقاله...
- بقولك يا علي عدي على حمودة النجار قوله يجي يصلح الباب اللي بوظوه ولاد الهِرمة.
- تمام يا معلم.
- يلا دلوقتي عشان نعرف نقفل القهوة.
- حمامة.
خرج علي من القهوة اما المعلم فقعد وابنه قعد على كرسي قدام المكتب، بعد ثواني رفع المعلم راسه وسأله...
- تفتكر اخوك فين يا محمد؟
سكت محمد شوية قبل ما يرد عليه...
- ما انا قولتلك يابا إن غريب سافر مع زمايله.
اتكلم المعلم عمران بصوت حزين...
- من غير مايقولي.. طب كان يبلغني عشان على الأقل اسلم عليه.. ولا كان حتى عدى على امك اللي مابطلتش بُكى من يوم مامشي، سلم عليها وطمن قلبها.
بص محمد في الأرض وقال...
- مسيره يرجع يابا.. مسيره يرجع.
- نفسي يطمني ولو بجاوب واحد يقولي اراضيه فين؟
- هيطمنك.. غريب طول عمره بيحبنا وعمره ما هيسيبنا قلقانين عليه كده.
- عندك حق يابني.. عندك حق غريب طول عمره حنين على الكل.
وصل علي ومعاه حمودة النجار اللي بدأ يصلح الباب على طول وبعد ما خلص دخل المكتب عند المعلم وقاله...
- ازيك يا ابو غريب؟
- ازيك يا حمودة.. اخبارك ايه؟
- في نعمة والحمدلله.. هم ولاد الكلب دول مش ناويين يغوروا في داهية؟
- هيغوروا قريب ماتقلقش.
- يسمع من بوقك ربنا.. انا صلحت الباب تؤمرني بأي حاجة تانية؟
- تسلم.. حسابك كام؟
- حساب ايه ياراجل عيب.
- لا والله أبدًا.
- ياجدع عيب.. عارف لو الواد محمد اللي كسره انا كنت حاسبتك عليه.
ضحك المعلم عمران وهو بيقوله...
- طب اقعد اشرب الشاي بتاعك.. شاي عمك حمودة يا علي.
- هوا يا معلم.
- لا انا يدوب الحق اروح ما انت عارف الحظر مش باقي عليه كتير.
- خلاص هستناك بكرة نشرب الشاي سوا.
- بأمر الله.. تصبحوا على خير.
- وانت من أهل الخير يا راجل يا طيب.
مشي حمودة وقعد بعدها المعلم على الكرسي تاني وفضل باصص عليه لحد ما خرج بعدين بص لمحمد وقاله...
- اهي البلد اللي فيها ناس من عينة عمك حمودة دي عمرها ماتوقع أبدًا ولو دخلها ألف محتل.. عارف ليه يا محمد؟
- ليه يابا؟
- لان أهلها بيحبوا بعض.. وبيخافوا على بعض.. وعمر ما في غريب يقدر يدخل وسطيهم أو يفرقهم مهما حاولوا.
بعد شوية وبدون اي مقدمات لقيت كل اللي في القهوة قاموا وقفوا وبدأوا يخرجوا واحد ورا التاني، في نفس الوقت المعلم راح ورا البوفيه واستخبى وراه، مسك علي ايد محمد وخرجوا الاتنين من القهوة مع الناس، بعدها قفلوا الباب والدنيا ضلمة في القهوة كلها، سمعت صوت خرفشة قبل ما فجأة الاقي نور شمعة، بصيت على البوفيه لقيت المعلم حاطط الشمعة على النصبة وواقف جنب الحيطة وبيلفها، بعد كده طلع المفاتيح وفتح الباب، رجع خد الشمعة وفي اللحظة دي جريت بسرعة ناحيته عشان ادخل قفل ما يقفل الباب، ما انا اكيد مش هفضل قاعد في القهوة وهي فاضية كده، دخلت جوة وبعد ثواني كان هو دخل ومعاه الشمعة اللي نورت المكان، قفل الباب كويس وبعدها حط فيشة في الكهرباء لقيت لمبة صغيرة نورت الأوضة، قفل الشمعة ودخل خطوتين لجوة، لفيت بعيني في المكان، شوفت الشابين اللي دخلوا من فترة، كانوا نايمين على شكاير تموين، قرب منهم المعلم وهز أول واحد فيهم...
- منصور.. منصور.
- ايه.. ايه.
قام منصور مخضوض لكنه هدي لما شاف المعلم عمران اللي سابه وراح يصحي الشخص التاني...
- ناصر.. يا ناصر.
قام ناصر قعد في مكانه، بصلهم المعلم بفخر وهو بيقولهم بحماس...
- عيشتوا يا رجالة.. ربنا يبارك فيكوا.
اتكلم منصور وقال...
- لسه يا معلم.. والنبي لنخلص عليهم واحد واحد ونخليهم يلفوا حوالين نفسهم.
- هم بيلفوا حوالين نفسهم دلوقتي فعلًا.. انتوا عارفين صيدة النهاردة تبقى مين؟
سأله ناصر..
- مين ياعم عمران؟
- مور هاوس.
بان على وش الاتنين الاندهاش بس اتبدلت ملامحهم بسرعة لفرحة كبيرة، قبل ما يقول منصور...
- الحمدلله.. الحمدلله إن ربنا وقعوا في طريقنا.
اتكلم ناصر...
- الحمدلله.. بس كده قيامتهم هتقوم ومش هيرتاحوا غير لما يلاقوه، احنا عارفين إن مور هاوس يبقى ابن عمة الملكة؟
رد عليه المعلم...
- ما انا بقولك قيامتهم قايمة والميجور قالب الدنيا عليه.
قاله منصور بنبرة تشفي...
- عقبال ما نجيبه هو كمان.
سألهم المعلم...
- بس عملتوها إزاي يا رجالة؟
اتكلم ناصر وهو بيضحك...
- احنا خرجنا الساعة 7 الصبح عشان نجيب الظباط الإنجليز اللي هنبادلهم بالظباط اخواتنا اللي قبض عليهم الكلب ده امبارح، كنت انا ومنصور وكان زنجير هو اللي سايق العربية ومعانا القائد عبدالله واخونا هلال، كنا ماشيين بندور على أي حد نصطاده، انا ومنصور كنا لابسين لبس شرطة، واحنا ماشيين شوفنا ولد صغير راكب عجلة وماشي في حاله، فجأة ظهر وراه مورهاوس بالعربية بتاعته وفضل يزنق عليه لحد ما الواد وقع بالعجلة، نزل بعدها وقرب منه ومسكه ونزل فيه ضرب، ما انت عارف العيال مش راحمينهم مولوتوف الفترة اللي فاتت، المهم، الدم غلي في عروقنا، قربنا منهم، والقائد عبدالله طلب مني انا ومنصور نتعامل، نزلنا على اننا ظباط مصريين وقولناله يسيب الواد واحنا هنسلمهوله، وفعلًا سابه بس هددنا إن الواد لو ماجالوش في مكتبه هينتقم مننا احنا، كان رايح ناحية عربيته وهو لسه عمال يبصلنا بعجرفة وغرور، وصل العربية الجيب بتاعته، وقف قدام الباب ورمى الطبنجة على التابلوه، بس هلال خطفها بسرعة، وفي نفس اللحظة وقبل ما يلحق يتحرك نطيت عليه ولويت دراعه لورا وهددته لو فتح بوقه هقتله، سحبته بعدها للعربية بتاعتنا رميناه جواها، حاول يضرب زنجير بس زنجير ناوله واحدة في وشه جابته الأرض، بعدها طلعنا به على شارع عرابي سلمناه للظابط عز وخرجنا، وانا ومنصور قولنا نيجي نستخبى عندك لحد مالدنيا تهدا، وبعدين نبدأ ترتيبات العملية الجديدة.. ماكناش نعرف انه هو.. بس ربنا كبير.
- تسلموا يا رجالة.. ريحوا انتوا هنا اليومين دول بقى ولو في أي جديد هبلغكوا به.
في اللحظة دي سمعت صوت خبط على الباب، اتخضوا الشابين وخدوا وضع الاستعداد لكن المعلم عمران قالهم بهدوء...
- ماتخافوش ده علي هو اللي جاي.
بصوله باستغراب فكمل كلامه وقالهم...
- عندنا عملية تانية.. لازم ولاد اللذينة دول ما يغمضوش عينهم ثانية واحدة ويعرفوا إن اللي يتجرأ ويدخل بورسعيد مش هيقدر ينعم فيها ولا يغمضله جفن.
قام المعلم ناحية الباب وفتح بالمفتاح، بعدها دخل علي ومعاه واحد تاني، سلموا على منصور وناصر وبعدين قعدوا كل واحد فيهم على شوال من الإشولة المحطوطة في الأوضة، قعد قدامهم المعلم ووجهه كلامه لعلي وسأله...
- حد شافك وانت داخل؟
- لا يا معلم انا لفيت لفة في المنطقة والدنيا أمان، هم اصلًا مشغولين الناحية التانية.
اتكلم الشاب اللي مع علي وقال...
- محاصرين المنطقة من شارع كسرى لحد طرح البحر.. ومن شارع الأمين لحد شارع محمد علي.
رد عليه منصور بابتسامة...
- خليهم يدوروا براحتهم مش هيلاقوا حاجة هناك.
بصله الشاب وقاله...
- تسلم ايديكوا.. انا اخوكوا فاروق.
ردوا الاتنين في نفس واحد...
- عيشت يا فاروق.
اتكلم علي وقال...
- فاروق ده من الناس اللي تعجبك أوي يا معلم.. راجل مجدع ودمه حر.. غير كده ده يبقى اخو الشهيد حسن.
بصوا كلهم فجأة ناحية فاروق باندهاش، فاروق اللي بان عليه التأثر وقال...
- كان اخويا الوحيد، من يوم ما دخلوا الكلاب دول أرضنا وانا بطبع المنشورات وبوزعها على الرجالة في البلد كلها، حسن كان بيساعدني في المطبعة، وطلب يوزع المنشورات بنفسه، خوفت عليه وقولتله.. انت لسه صغير.. قالي.. انا مش أقل وطنية منك ولا من الرجالة اللي بتموت كل يوم.. حاولت اقنعه إن دوره في طباعة المنشورات مهم زيه زي دور أي واحد فينا، لكنه صمم يوزع بنفسه، ويوم في التاني حسن حماسه كان بيزيد وبيطلب ورق اكتر، وماكتفاش بالتوزيع في مدرسته بس، لا ده لف يوزع في البلد كلها، لحد ما جِه اليوم اللي عرف فيه إن الرجالة خارجين عشان يكسروا قرار حظر التجول، لم اصحابه كلهم وعمل بهم مظاهرة وطلعوا على تقاطع شارع محمد علي مع التلاتيني، كان بيهتف بكل عزمه وهم بيردوا وراه بأعلى صوت، صوته رعب الإنجليز، بس حسن ماكتفاش بالهتاف، لم زمايله وجمعوا الحجارة من على الأرض وبدأوا يضربوا عساكر الإنجليز اللي خافوا ورجعوا لورا، حسن وزمايله اتقدموا اكتر وحسوا إنهم قادرين عليهم، وفجأة.. فجأة قرب ظابط إنجليزي بعربيته لحد ما بقى بينه وبين حسن كام متر وساعتها طلع طبنجته وضربه بالنار، طلقة واحدة في قلب حسن كانت كافية عشان توقف صوته اللي كان بيخلع صدورهم.. طلقة جبان في وسط الحرب.. بس ورحمة حسن ما هسيب حقه ولا حق كل اللي استشهدوا زيه.
رد عليه المعلم وهو بيهز دماغه بالموافقة...
- حسن واللي زيه رسموا الطريق واحنا بنمشي عليه.. واللي عملوه مش هيروح هدر أبدًا.. خلينا نبدأ الخطة عشان نعرف هنعمل ايه.
قعد المعلم على الأرض وفي نفس الوقت قرب علي وفاروق منه، بعدها فتح ورقة وحطها بينهم هم التلاتة، وبدأ يتكلم...
- مطلوب نعمل كماين للإنجليز في الشوراع دي، وفي نفس الوقت مجموعة تانية من زمايلنا هتضرب الدُشم بتاعتهم، مع مجموعة تالتة هتقوم بهجوم على المعسكرات.. مجموعتنا متحددلها عمل الكماين واصطياد العساكر الانجليز.. علي ورجالته هيبقوا في الشارع ده والشارع ده.. وانت يا فاروق هتحضر رجالتك وهتاخدوا الشارعين دول.
اتكلم ناصر وقطع كلام المعلم عمران...
- وانا منصور والرجالة هناخد شارعين يا معلم.
- ايوة بس انتوا خطر تظهروا دلوقتي.
- سيبها على الله الخطر في كل حتة، واهو على الأقل لو موتنا نبقى ميتين واحنا شايلين سلاحنا وبندافع مش قاعدين مستخبين.
هز المعلم دماغه وقالهم...
- ماشي يارجالة.. على خيرة الله.
فضل المعلم وقت طويل يشرحلهم ازاي هيدخلوا الشوارع ويعملوا الكماين والخنادق اللي هيستخبوا فيها.. وبعد ما كل واحد حفظ دوره تمام.. طلبوا منه منصور وناصر انهم يخرجوا عشان يبدأوا يستعدوا مع رجالتهم للعملية.. قام ناحية شوال من الاشولة، فتحه ومد ايده فيه، كان شوال قمح، فضِل يدور فيه شوية لحد ما طلع طبنجة ناولها لمنصور وبعدين مد ايده تاني وبعد شوية طلع طبنجة تانية وناولها لناصر، خبوا الاتنين السلاح في هدومهم وقال منصور...
- هنتكل على الله وإن شاء الله هنتقابل تاني.
- بإذن الله هنتقابل.. ربنا يحميكوا ويسدد خطاكم.
خرج علي مع منصور وناصر، وصلهم وبعدين قفل باب القهوة ورجع تاني، ساعتها المعلم قاله...
- هنستنى عرفة لحد ما يجي وياخد الاشولة دي وبعدها هتتحرك انت وفاروق معاه.. هتاخدوا كل واحد السلاح اللي هتحتاجوه وبعدها تبدأوا تتوزعوا التوزيعة اللي اتفقنا عليها.
سال فاروق...
- طب بعد ما نخلص هنعمل ايه؟
رد عليه المعلم عمران...
- كل واحد من رجالتك يرجع بيته عادي ولا كإن حصل حاجة، وانت يا علي تيجي الشغل بكرة عادي.
- حاضر يا معلم.
بعد شوية الباب خبط، طلب المعلم من علي يفتح الباب، قرب علي من الباب ورمى ودنه وساعتها سمع حد بيقول...
- افتح يا معلم انا عرفة.
فتح على الباب بسرعة عشان يدخل عربي اللي كان لابس جلابية ولافف شال على وشه، بص علي يمين وشمال قبل ما يقفل الباب ويرجعلهم، قرب عرفة من المعلم ومد ايده يسلم عليه...
- ازيك يا معلم؟
- تمام يا عرفة.. حد قطرك؟
- لا ماحدش فيهم فاضي النهاردة مشغولين بالعملية بتاعت الصبح.
- طب كويس.. يلا عشان نلحق نخلص قبل ما يفوقوا.
- أنا جاهز.
بص المعلم لعلي وقاله...
- هات الاشولة اللي قولتلك عليها وحملها انت وعرفة.
- ماشي يا معلم.
قالها علي ودخل جوة بسرعة وخرج وفي ايده الشوال، بصله عرفة وسبقه يفتح الباب، طلع بره بص حواليه عشان يأمن على المنطقة، بعدها شاور لعلي اللي جري رمى الشوال جوة العربية ورجع بسرعة ينقل شوال تاني وفي نفس الوقت كان فاروق مقابله بشوال منهم، وفي النهاية وبعد ما خلصوا نقل خرجوا كلهم بره، ركب عرفة العربية، اما علي وفاروق فقبل ما يركبوا سلم عليهم المعلم وقالهم...
- ربنا معاكوا يا رجالة.. منصورين إن شاء الله.
ردوا الاتنين في نفس واحد...
- إن شاء الله يا معلم.
بص لعلي وقاله...
- هستناك بكرة يا علي.. إوعى ماتجيش.
- بإذن الله هاجي.. هاجي واحكيلك على اللي عملته فيهم.
حضن المعلم علي وفاروق قبل ما يركبوا العربية ويمشوا، بعدها لف وشه وقفل باب القهوة.. والدنيا ضلمت.
ماكنتش شايف حاجة، حاولت افتح النور لكنه مابيفتحش، بدأت أحس إني بتخنق، افتكرت اني معايا ولاعة، طلعتها من جيبي بسرعة وولعت بها، لحد ما وصلت للبوفيه، كنت بدور على شمع من اللي المعلم ولع منه، دورت كتير لحد ما أخيرًا لقيت ورقة بيضا شبه قرطاس اللب ومرسوم عليها شمع، حطيتها على البوفيه وطلعت منها شمعة ولعتها، فضِلت واقف في مكاني ورا البوفيه وانا ببص في المكان على ضوء الشمعة وبسأل نفسي.. انا فين؟.. وايه اللي جابني هنا؟.. مين الناس دي؟.. وليه ماحدش فينا يعرف عنهم حاجة؟!.. فجأة سمعت صوت دوشة جاية من الراديو.. بعدها سمعت صوت عبدالناصر بيقول...
"قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس.. باسم الأمة.. رئيس الجمهورية.. مادة واحد.. تأمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية" (خطاب عبد الناصر لتأميم قناة السويس).
الباب اتفتح فجأة والشمس ضربت في وشي، ونورت المكان، حطيت ايدي قدام عيني وانا بحاول اشوف مين اللي داخل، كان المعلم عمران، فتح الباب على اخره وبعدها دخل وهو بيقول...
- يا فتاح يا عليم يا رزاق ياكريم.
قرب من البوفيه واطمن إن كل حاجة تمام، بعدها رجع قعد على المكتب وهو بيبص في ساعته وبيقول...
- هو علي اتأخر كده ليه؟
عدا وقت وهو قاعد لوحده وكان باين عليه القلق، لحد ما دخل واحد وقاله...
- صباح الخير يا معلم عمران.
- صباح الورد يا حبيبي.
قعد الراجل على ترابيزة من الترابيزات بعدها لف وشه للمعلم وقاله...
- عرفت اللي حصل امبارح بالليل يا معلم؟
- لا إيه اللي حصل؟
- انت ماسمعتش ضرب النار اللي كان شغال طول الليل ولا إيه؟.. دي العركة منصوبة من نص الليل لطالعة النهار.
- عركة ايه؟
- الرجالة عملوا كماين للإنجليز والفرنساوية في الشوارع، وهاتك يا ضرب، ادوهم علقة بنت لذينة.. وموتوا منهم ياااما.
- واحنا حد عندنا حصلوا حاجة؟
رد عليه الراجل بحزن...
- للأسف بيقولوا مات مننا اتنين تلاتة.. بس الإنجليز هم اللي بيقولوا يعني أكيد بيكدبوا عشان شكلهم مايبقاش وحش.
بص المعلم في ساعته مرة تانية وهو بيتمتم...
- ربنا يرجعك بالسلامة يا علي انت وزمايلك.
- الا علي فين بالحق يا معلم؟.. عشان يعملنا واحد عناب نحتفل باللعلقة اللي كلوها امبارح اللي مايتسموا دول.
- علي لسه ماجاش وانا هقوم اقفل عشان عندي مشوار.. روح اشرب العناب في القهوة اللي على الناصية.
- في ايه يا معلم؟
- مافيش يا حبيبي.. روح اشرب العناب هناك واحنا لما نفتح تاني ابقى تعالي.. يلا الله يباركلك.
بصله الراجل شوية قبل ما يقوم يمشي، بعدها قال المعلم...
- عليك وعلى اخبارك الطين على الصبح، ياترى انت فين يا علي؟
كنت قلقان على علي انا كمان وعايز اعرف ايه اللي حصله؟.. وفجأة، دخل فاروق من الباب، أول ما المعلم شافه وشه اتخطف، قرب فاروق وقعد على الترابيزة اللي في وش المكتب ومن غير ما يبص للمعلم قال...
- العملية نجحت الحمدلله.
- وعلي؟
- الضرب كان شديد.. الدورية كان فيها عساكر كتير، والرجالة ذخيرتها خلصت، علي اضطر يغطي زمايله عشان يقدروا يهربوا.. واستشهد وهو بيواجهم لوحده.. البقاء لله يا معلم.
خلص فاروق كلامه وبعدها قام خرج من القهوة، فضِل المعلم عمران قاعد مكانه مابيتحركش، لكني كنت شايف الدموع بتجري على خده، وبعد شوية قام من على المكتب ومشي ناحية الباب وقبل ما يخرج بص على القهوة وبعدين قفل الباب.. والدنيا ضلمت.
قعدت على الكرسي وانا حاسس بوجع في قلبي، زعلت على علي كإني اعرفه من سنين.
" كانوا يقولون في الخارج إن مصر لن تستطيع أن تقاوم، إن مصر لن تستطيع أن تقاتل، وكنت أقول لهم إنني من هذا الشعب، وأعرف عنصر هذا الشعب، إن مصر أخذت عزمها على مر الزمن أن تتحرر، إن مصر كافحت كفاحًا طويلًا ضد كل أساليب الإستعمار" (خطاب عبدالناصر بعنوان الأزهر2).
فجأة الراديو سكت، وسمعت دوشة جاية من بره القهوة، مشيت ناحية الباب، كنت شايف خيالين باينين من عقب الباب، بعدها سمعت صوت خرفشة قبل ما الخيالين يمشوا، قربت من الباب وساعتها دوست برجلي على ورقة في الأرض، وطيت جيبتها، مسكتها وروحت عند أول ترابيزة جنبي، جيبت الشمعة من على البوفيه ورجعت تاني حطيتها على الترابيزة، وولعتها وبدأت اقرأ الورقة على ضوء الشمعة...
"يا شعب بورسعيد الكريم عاملوا الاسير معاملة طيبة تليق بكرمكم، وحسب الاتفاقيات الدولية".
ضحكت وانا بقول في سري "دلوقتي بس عرفتوا الاتفاقيات الدولية!" حسيت إني عايز افتح باب القهوة واخرج احارب معاهم، انتقم لحسن وعلي وكل الشباب اللي ضحوا بنفسهم عشان بلدنا تعيش.
الباب اتفتح، وشوفت المعلم ومعاه محمد ابنه، فتحوا الباب والاتنين دخلوا، قعد المعلم على المكتب اما محمد فبدأ ينضف القهوة ويظبط الكراسي، وواحدة واحدة بدأت الناس تدخل، كان محمد هو اللي بيقدملهم الطلبات، لحد ما فجأة قال للمعلم...
- انا هروح مشوار يابا وارجع بسرعة.
- رايح فين؟
- مشوار جنبنا هنا مش هتأخر.
- ايوة مشوار فين يعني؟
- هعدي على واحد صاحبي اخد منه حاجة وارجع.. ماتقلقش ربع ساعة بالكتير.
- ماشي بس بسرعة.
- حاضر.. سلاموا عليكوا.
خرج محمد من القهوة والمعلم قعد على المكتب لحد ما عدا وقت طويل وواحد من الزباين طلب مشروب، قام ساعتها عشان يعمل طلب الزبون، وبعد ما خلصه راح قدمهوله وهو راجع شاف واحد داخل من باب القهوة، الراجل كان داخل وشه مخطوف وباين عليه إنه جاي جري.. بصله المعلم اللي شكله كان عارفه وسأله...
- في ايه يا شاويش قطشة؟
- ابنك يا معلم عمران.
- محمد ولا غريب؟
- محمد.
- ماله محمد؟
- ابنك قتل الماجور جون ويليامز.
- انت بتقول ايه يا شاويش؟
- بقولك اللي حصل.. ابنك قدر يقتله لوحده.
- وهو فين؟.. فين محمد؟
- ماتقلقش هو بخير.. جري بعدها وماحدش شافه غيري.
- احكيلي اللي حصل؟
- الميجور كان نازل من إدارة البحث الجنائي في شارع النهضة، كان متعصب وعلى اخره، ساعتها قرب محمد من بعيد وشاورله بورقة، التاني افتكر إن ابنك هيقوله معلومات تساعده يعرف طريق الظابط مورهاوس، فشاور لمحمد عشان يقرب، كنت خايف يعمل في حاجة، بس استغربت لما لقيته داخل عليه وفي ايده اليمين رغيف عيش، ضحك ويليامز في وشه وقاله يقرب أكتر، ابتسم محمد ابنك وهو بيقرب، وأول ما وصل عند العربية بتاعت ويليامز رمى الرغيف في دواسة العربية وجري، ومافيش ثواني والقنبلة انفجرت.
- ابني فين يا شاويش؟
- والله ابنك كويس و...
في اللحظة دي دخل محمد وهو بيجري، وأول ما شاف الشاويش وقف مع أبوه عرف إنه حكاله، وقف مكانه والدموع في عينيه وقال...
- حق غريب رجع يابا.. النهاردة بس هقدر اقولك إن الإنجليز قتلوا غريب.
- غريب اتقتل!
- ايوة يابا، غدروا به هو وزمايله وضربوهم بالنار.. كان أعزل ماعهوش سلاح.. لكنهم مارحمهوش.. كان لازم اخد حقه قبل ما ابلغك انه اتقتل.
المعلم عمران كان واقف بيتنفض والدموع مغرقة وشه، قرب منه محمد وحضنه، ضم عمران ابنه وهو بيقول بحرقة...
- اااااه يا غريب.
فوقت على صوت دوشة في الشارع، وواحد وقف قدام باب القهوة وقال بحماس...
- الظابط ويليامز اتقتل.. الظابط ويليامز اتقتل.
بصيت على الشارع لقيت ناس كتير بتجري ومعاها سلاح، ساعتها المعلم عمران مسح دموعه، وبص في عين محمد وقاله...
- انت جيبت حق اخوك.. بس لسه حق كل اللي راحوا.. تعالى معايا.
طلع عمران المفاتيح من جيبه وراح ناحية البوفيه، لف الحيطة، دخل جوة هو ومحمد وبعد دقيقة خرج ونده في كل اللي قاعدين...
- اجمعوا يا رجالة.. أي مصري حر عايز يحرر بلده يجي يا رجالة.
قاموا كلهم وراحوا ناحيته، ناوله محمد بندقية ناوله لأول واحد قدامه، بعدها ناول واحدة تانية للي بعده، كان بيناولهم السلاح وهو بيهتف فيهم...
- حى على السلاح.. حي على الجهاد.
كل واحد كان بياخد سلاحه ويطلع يجري عشان يلحق المظاهرة، وفي الاخر خرج المعلم عمران ومحمد من ورا البوفيه وكل واحد فيهم شايل سلاحه، مشيوا ناحية الباب بس قبل ما يخرجوا لقيته لف وبص لي، وقفت مكاني برعب، قرب مني ودقق في عيني قبل ما يقول...
- اديك عرفت اللي حصل.. وعرفت احنا مين، وعملنا ايه.
- ااا نت شايفني؟
- ايوة طبعًا من أول لحظة دخلت فيها وانا شايفك بس سيبتك عشان تعرف الحقيقة لوحدك، لما ترجع قول لصحابك اللي حصل وعرفهم بينا، وقولهم إن اللي مايعرفش ماضيه.. سهل جدًا يبيع الحاضر والمستقبل.. بالرخيص.
سابني ومشي بعدها وساب باب القهوة مفتوح، رميت نفسي على الكرسي اللي ورايا وبصيت على الحيطة وساعتها جت عيني على صورة جمال.
(صوت جمال عبدالناصر من خطاب الأزهر 2).
"إن مصر أيها الإخوة كانت دائمًا.. مقبرة للغزاة الطامعين".
أسماء لبعض الأبطال الحقيقين في معارك بورسعيد 56:
- عملية خطف الظابط الإنجليزي مور هاوس شارك فيها من الفدائيين...
(محمد حمد الله- أحمد هلال- محمد سليمان- علي زنجير).
ومن ضباط البوليس...
(عز الدين الأمير- أحمد فؤاد- سامى خضير).
- عملية قتل الميجور جون ويليامز... قام بها الشاب السيد عسران.. 17 سنة.
- عملية نسف تمثال ديليسيبس.. قام بها.. الفدائي يحيى الشاعر وشقيقه عبدالمنعم الشاعر.. والجاويش مظلات حسني عوض.
- الشهيد حسن حمود.. 15 سنة.
- الشهيد الرائد شوقي خلاف.. أول شهيد في قناة السويس.
عدد الشهداء في معارك بورسعيد وصل 743 شهيد من الجيش والشرطة والشعب، وده حسب سجلات المحافظة.
وغيرهم كتير من الفدائيين وأفراد البوليس والصاعقة، مانعرفش اسمائهم، ضحوا بأرواحهم، عشان يطردوا الاستعمار ويتم جلاء آخر جندي إنجليزي وفرنسي من القناة يوم 23 ديسمبر1956.
تمت بحمد الله
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل