القائمة الرئيسية

الصفحات

نبوءة رافي الجزء الأول


 

بقلم الكاتب: شادي إسماعيل


إهداء

هذه القصة مهداة لروح الكاتب العظيم الدكتور نبيل فاروق


إحدى المزراع الإسرائيلية 1968:

- اسمك ايه؟

- رافي.

- فين هاويتك؟

- اتفضل؟

مسك الظابط بطاقة الهاوية وبص فيها لثواني قبل ما يرجعها لرافي بشئ من الاحتقار وبعدين قاله...

- عدي.. عدي.

دخل رافي وسط الزحام وعدا من بينهم وهو شايل شنطة هدومه واللي كانت عبارة عن شنطة قماش دايبة، فيها طقم واحد قديم، ده كل اللي كان بيملكه رافي لما دخل المزرعة، وقف بعدها بين باقي الوافدين وبدأوا يسمعوا لشخص كان واقف قدامهم على مكان عالي وبيقول...

- انتوا هتفضلوا قاعدين هنا لحد ما نلاقيلكوا فرص شغل مناسبة، هتشتغلوا في الزراعة.. والناس القديمة هتعلمكوا تعملوا ايه؟.. مش عايز أي مشاكل واللي هيعمل فيكوا مشكلة هيرجع من مكان ما جِه.

بعد ما خلص الراجل كلامه، بدأ كل واحد من اللي واقفين، يطرح سؤال عليه، اتحرك رافي في وسط الزحمة وهو بيدور بعينيه على مكان هادي يقعد فيه، وبعد كام دقيقة شاف واحد واقف على جنب، قرب منه رافي وهو بيقوله...

- الواحد كان فاكر إنه خلاص رجع لوطنه، لكن واضح إننا هنعيش مهمشين حتى في وطنا.

بصله الشاب لثواني وبعدين قاله...

- عندك حق.. انا كنت جاي وفاكر إني هلاقيهم فاتحين دراعتهم وبيستقبلونا بالزهور.. لكن طلعوا بيشككوا حتى في ولائنا رغم إننا سايبين أوروبا وجايين عشان نبني وطنا.

- اه.. ناس غريبة.. معاك كبريت؟

- معايا.. امسك.

طلع الشاب علبة كبريت من جيبه وناولها لرافي اللي ناول الشاب سيجارة قبل ما يولع عود الكبريت ويولع سيجارته، بعدها خد نفس ونفخه في الهوا وهو بيرجع الكبريت للشاب ده من تاني.. بص حواليه وهو بيسأل الشاب...

- وبعدين مزارعين ايه؟.. انا عمري ما اشتغلت في الزراعة.

رمي الشاب عود الكبريت وخد نفس وخرجه وهو بيهز دماغه تأكيدًا على كلام رافي...

-  ولا انا.. انا كنت شغال بياع في محل في لندن.. وانت؟

- انا!.. انا جاي من تركيا.. كنت برضه زيك بشتغل عند الناس.. وقولت أجي وارجع الوطن بتاعي.. كنت فاكر إني هحققق أحلامي.. بس واضح إني كنت غلطان.

- انا شاؤول.

- رافي.

وقفوا الشابين يتكلموا بيأس عن أحلامهم اللي اتبخرت أول ما وصلوا الكيبوت، لحد ما فجأة قرب منهم الراجل اللي كان بيكلم الناس ونده عليهم بصوت عالي...

- انت وانت تعالوا وضموا لباقي الناس عشان أوريكوا هتعيشوا فين.

رموا الاتنين السجاير بتاعتهم واتحركوا ناحية الطابور اللي شاور عليه الراجل، بعدها اتحركوا كلهم بحركة واحدة وراه لحد ما وصلوا لعشش مبنية وقالهم...

- دي هتكون البيوت بتاعتكوا.. كل اربعة في بيت.

ميل رافي على ودن الشاب اللي لسه متعرف عليه وقاله بهمس...

- بيت الأحلام.

ضحك الشاب وهنا سأله الراجل بطريقة عصبية...

- بتضحك على ايه انت وهو؟

شاورله رافي إنه مافيش حاجة، وبعدها اختار الراجل اربعة وقرر ان دول هيقعدوا في أول بيت.. ومشي وباقي الطابور وراه، وفضل يوزع الناس لحد ما وزع رافي وصاحبه ومعاهم اتنين كمان على بيت من البيوت، دخلوا الاربعة جوة وطبعًا رافي مابطلش سخرية من منظر البيت زي مابيسميه الراجل واللي هو في الأساس عشة صغيرة، وبعد ما خلصوا تريقتهم، كل واحد فيهم اختار المكان اللي هينام فيه، كان الليل انتصف تقريبًا وقتها، وعشان كده ناموا لحد الصبح.

مع طلعة النهار اتفاجئوا بحد بيصحيهم، بصوا الاتنين للراجل اللي كان واقف قدامهم وقالهم...

- اليوم هنا بيبدأ مع بداية النهار.. انا صحيتكوا النهاردة بس عشان أول ليلة ليكوا لكن كل يوم الاقيكوا في الأرض مع بداية النهار.

سأله رافي...

- انت مين؟

- انا رابين المسؤول عنكوا.. يلا اتحرك انت وهو.

سابهم رابين وخرج بره وفي نفس الوقت قاموا الاتنين وكل واحد فيهم لبس هدومه المبهدلة وخرجوا ورا رابين.

في وسط الأرض كان واقف رافي ومعاه ناس كتير وقدامهم كان رابين واقف بيعلمهم طريقة الشغل وكل مجموعة مطلوب منها ايه.. بعدها بدأوا ينفذوا اللي قاله، وفضلوا شغالين لحد غروب الشمس.. ومع غروب الشمس رجعوا للبيت من تاني وطبعًا من التعب ناموا بسرعة، أو شاؤول هو اللي نام أما رافي فكان حاطط ايده ورا راسه وسرحان في الفراغ قدامه.

******  

القاهرة في الستينات: (صدى صوت)

- شايف يا أكرم؟.. شايف ابوك كان جميل إزاي؟

- بابا كان أجمل راجل في الدنيا.. صح يا تيتا؟

- صح يا حبيب تيتا.. تعالى في حضني.

- انا بحِبِك أوي يا تيتا.

- وانا كمان بحبك اوي يا قلبي.

- ايه يا عم أكرم.. واحنا مالناش من الحب جانب ولا الحب كله لتيتا وبس؟.. مافيش جدو؟

- انا بحبك انت كمان يا جدو.

- طب ايه ماليش حضن انا كمان زي تيتا؟

(صوت خطوات بتجري)

- الله الله.. ايه الحضن الجميل ده.

- يا سلام يا اخويا دلوقتي ضحكت.

- ايوة طبعًا.. طب بذمتك ياض يا أكرم حضني انا أحلى ولا حضن تيتا؟

- امممم.. انتوا الاتنين.

- ياض يا بكاش.

******  

إحدى المزارع الإسرائيلية 1968:

- رافي.. يا رافي.

- ايوة.. في ايه؟

- قوم يلا النهار طلع.

- صباح الخير يا شاؤول.

- صباح الخير.. يلا قبل ما رابين يقعد يزعقلنا زي كل يوم.

- ياعم سيبه يزعق ماهو بقاله 3 شهور بيزعق كان حد عبره!

- هاها على رأيك.. بس برضه قوم عشان ده معفن وأسهل حاجة عنده الجزاءات.

- طب انا هقوم واجي وراك اهو.

خرج شاؤوول من البيت، وبعدها قام رافي وهو بيقول...

- ربنا ياخدك انت ورابين وكل اللي زيكوا.

قام لبس هدومه وخرج بره، وفضِل يشتغل كالعادة هو والناس اللي معاه، لحد ما اليوم خلص بس المرة دي ومع غروب الشمس كانوا كلهم بيلبسوا هدوم نضيفة عشان يلحقوا الحفلة من أولها، هم اتعودوا إن مع نهاية كل يوم الجمعة يتجمعوا ويسهروا بما إن تاني يوم بيكون السبت وده يوم الإجازة بتاعهم، لبس رافي هدومه وراح بعدها للمكان اللي بيسهروا فيه، كان كل الكيبوتز متجمع، رجالة وستات، فوفي نص السهرة كان رافي قاعد على الترابيزة وحواليه ناس كتير قاعدين كلهم بيضحكوا  وبيهزروا، فجأة بص رافي في وش بنت قاعدة قدامه وسرح كتير قبل ما يقول بصوت عميق...

- يارون غِلِط غلطة كبيرة.. لما ماعترفش باللي عمله.. بس هو ندم.. ندم وقرر يدفع التمن.. وهيدفع قريب.

البنت كانت بتبصله وهي فاتحة بوقها.. وجنبها كانت واقفة أمها وعلى وشها نفس علامات الذهول.. ماكنوش قادرين يعرفوا إزاي رافي عرف الاس ده؟.. مستحيل كون رافي قابل يارون قبل كده، بس عرف اسمه منين؟.. وإزاي عرف علاقته براشيل.. ده السؤال اللي كان بيدور في دماغ راشيل وأمها استير، أما رافي في بعد ثواني بدأ جسمه يتشنج، ويتهز بعنف وبعدها وقع على الأرض، قاموا كل اللي قاعدين وهم بيحاولوا يفوقوه، وفي الوقت ده مالت راشيل على ودن أمها وسألتها...

- رافي عرف حكاية يارون منين؟

- ماعرفش.. بس أكيد في حاجة لازم نعرفها.. السر ده ماحدش يعرفه هنا أبدًا.

فاق رافي وقعد على الكرسي تاني، وساعتها سألته استير...

- انت عرفت الكلام اللي قولته ده منين؟

بصلها رافي باستغراب وبعدين سألها...

- كلام ايه؟.. هو انا قولت حاجة؟

رد عليه شاؤول...

- هو انت مش فاكر اللي قولته ولا ايه؟

- لا خالص.. انا ماعرفش ايه اللي حصل؟.. هو انا قولت ايه؟

بصتله استير برفعة حاجب بس اللي ردت عليه هي راشيل وقالتله...

- انت قولت إن يارون ندم على اللي عمله وإنه هيدفع التمن قريب.. قصدكك ايه بالكلام ده؟

- يارون مين؟.. وبعدين هو عمل ايه؟.. انا ماعرفش أي حاجة عن الكلام ده.

هزت استير راسها في غيظ وبعدين قالتله...

- يعني انت قولت كلام قدام كل اللي قاعدين ودلوقتي بتقول إنك ماقولتوش ماشي.. ماشي رافي.. يلا بينا يا راشيل.

خدت استير بنتها ومشيت من السهرة.. بص رافي لشاؤول وسأله...

- انا قولت اللي هي قالت عليه ده؟

ضحك شاؤوول قبل ما يقول...

- انت مصيبة رافي.

في البيت قعدوا راشيل واستير الاتنين يتكلموا بخوف عن اللي حصل وبدأ راشيل الكلام لما قالت...

- إزاي قدر يعرف حاجة عدت عليها سنين؟

- تبقى مصيبة راشيل.. تبقى مصيبة لو رافي يعرف يارون.. العار اللي هربنا منه في العراق هيطاردنا هنا كمان.. وساعتها مش عارفة هنروح على فين؟

- لا ماما.. انا متأكدة إنه مستحيل يكونوا يعرفوا بعض أو حتى اتقابلوا.

- اومال تفسري اللي حصل ده بإيه؟

- مش عارفة.. مش عارفة ماما.

- انتِ عارفة لو حد هنا عرف إنك غلطتي مع يارون زمان وانك كنتِ حامل منه من غير جواز ايه اللي ممكن يحصل؟

- عارفة.. هيطردونا وإن ماطاردوناش مش هينفع نقعد بوصمة العار دي هنا.. انا لازم اسأل رافي عن اللي يعرفه.

- هينكر وهيعمل فيها عبيط زي ما عمل من شوية.

- لا ممكن يكون عمل كده عشان اللي كانوا موجودين.. خليني اسأله بيني وبينه.

 - اللي تشوفيه راشيل، أهم حاجة الموضوع ده لازم يتقفل بأي تمن.

- حاضر يا ماما.

****** 

الصبح خرج رافي يتمشى في الكيبوت وهنا قابلته راشيل...

- ازيك رافي؟

- تمام.. ازيك انتِ راشيل؟

- مش تمام.. من ساعة اللي قولته امبارح وانا مش تمام رافي.

- انا.. انا مش عارف ايه اللي حصل؟!.. حتى مش فاكر أي حاجة من اللي انتوا بتقولوها.

بصتله راشيل ودققت النظر فيه لثواني وبعدين سألته تاني...

- يعني انت ماتعرفش حد اسمه يارون؟

- يارون.. يارون.. لا خالص.. هو ده حد انتِ كنتِ تعرفيه؟

- اه.. بس مش مهم.. عن إذنك رافي.

سايبته راشيل ومشيت وهنا ابتسم رافي ابتسامة رضا.

*****

القاهرة في منتصف السيتينات: (صدى صوت).

- بعد السهرة ما تحلو وتحس إن هو ده الوقت المناسب، تقرب من راشيل وتبدأ تنفذ، هترمي القنبلة واللي طبعًا هتلجم لسانهم هم الاتنين في الأول، بعدها هتكمل دورك عادي جدًا، ولما تفوق بقى...

- طبعًا مش هيسيبوني.. وهيفضلوا يسألوا اسئلة كتير.

- بالظبط وساعتها إنت هتعمل...

- هعمل مش فاهم حاجة طبعًا.. انا قولت كده؟.. إمتى وفين؟.. انتوا مين؟.

- برافو عليك يا أكرم.. هو ده المطلوب.. ومتوقع طبعًا إن طول الفترة اللي مابين ما انت تقول الكلام ده ومابين ما الرسالة بتاعت يارون توصل.. متوقع يكون في أسئلة ملحة من راشيل واستير.. ماهم طبعًا هيبقوا خايفين لتكون كشفت قصتهم وهتقولها لحد من اللي في الكيبوت.

- ايوة يا أيمن بيه وانا هعمل ايه ساعتها؟

- الله!.. ما انت لسه قايل هتعمل مش فاهم حاجة.

- حلو ده.

***** 

إحدى المزارع الإسرائيلية 1968...

كان عدى حوالي أسبوع على الكلام اللي قاله رافي لراشيل في السهرة، وكان واقف في وسط الأرض بيشتغل زي عادته وحواليه باقي المزراعين، لما فجأة لقى راشيل جاية تجري عليه وهي طايرة من الفرحة، قربت منه وهي بتقول بإبتسامة...

- مش معقولة رافي.. مش ممكن انت رائع.. انت ماحصلتش.

بصلها رافي وهو بيضحك بإستغراب...

- حصل ايه لده كله راشيل؟

- حصل كتير رافي.. حصل كتير.. يارون اعتذر زي ما انت ما قولت.

- يارون مين؟

- يارون اللي انت قولت عليه في السهرة من أسبوع.. اعتذر وبعتلي شيك بمبلغ كبير جدًا.

- مع إني مش فاهم ايه اللي بيحصل بس مبروك على الشيك.

- شكرًا رافي.. انت متنبئ هايل.

راشيل كانت بتقول كلامها بصوت عالي وكل المزارعين واقفين وبيسمعوا اللي بيحصل، صحيح هم ماكنوش عارفين مين يارون ولا بعت الفلوس دي عشان يعتذر على ايه؟.. لكن راشيل واستير بدأوا يحكيلهم إن يارون اللي رافي قال إنه هيعتذر اعتذر فعلًا.. وقالولهم كمان إن رافي متنبئ عظيم بيقدر يتوقع اللي هيحصل من قبل ما يحصل.

رافي كان واقف وسطهم بيحاول يوضح للناس إنه مش فاهم ولا عارف أي حاجة عن اللي الاتنين المجانين دول بيقولوه، لكن الناس صدقت راشيل وكدبت رافي نفسه وقالوا إنه بيتواضع أو إنه بيعمل كده عشان ماحدش يطلب منه حاجة.

بعد اليوم ده.. وفي حفلتهم المعتادة يوم الجمعة كان داڤي وسط الحفلة بيرقص وبيحتفل مع الموجودين، وفجأة وقف في مكانه وبص في الفراغ بعيون شاردة، الكل من حواليه وقفوا في أماكنهم، رافي كان ساكت مابينطقش، الكل كانوا مترقبين ومستنين يشوفوا ايه اللي هيحصل، وفجأة اتكلم رافي بنفس الصوت العميق وقال...

- خسارة.. ليه محراث جميل زي ده اتكسر؟!.

كلهم كانوا واقفين مش فاهمين هو بيقول ايه؟!.. وهنا سأله شاؤول...

- رافي انت بتقول ايه بالظبط؟.. وضح كلامك.

ماردش رافي على سؤال شاؤول ولا حتى بصله، وهنا قالت راشيل...

- أكيد بيتنبأ نبوءة جديدة، انتوا ناسين الأسبوع اللي فات لما عمل كده كان بيتنبأ بالفلوس اللي جت لي.. بس ياترى النبوءة المرة دي كسر المحراث ولا في حاجة تانية؟!.

كلام راشيل كان ليه مفعول السحر على اللي واقفين وفجأة بعد ما كانوا مستغربين وقفت رافي بقوا مستنينه يخلص عشان يقولهم النبوءة، بعد دقايق فاق رافي، وبسرعة انهالت عليه الأسئلة...

- المحراث هيتكسر ليه رافي؟

- انت شوفت ايه رافي؟

- قولنا في حاجة تانية هتحصل غير كسر المحراث.

كان بيتلفت في وسط الدايرة اللي عاملينه حواليه وهو بيبصلهم باستغراب وفي الأخر صرخ فيهم...

- في ايه؟.. في ايه؟

وطي صوته لما الكل سكت وقال بهدوء وتأثر...

- محراث ايه اللي هيتكسر؟.. ونبوءة إيه؟.. انا ماعرفش حاجة.. ولا اعرف الحالة دي بتجيلي ليه؟.. انا فجأة بسرح ولما بفوق بلاقيكوا بتقولوا إني قولت كلام انا نفسي مش عارف عنه حاجة.. بجد مش عارف عنه حاجة.. صدقوني انا لو بعرف اتنبأ كنت هعترفلكوا وهساعدكوا، بس انا فعلًا مش عارف إيه اللي بيحصلي ده؟!.. راشيل انتِ بتقولي إني اتنبأت بفلوس هترجعلك واعتذار من شخص اسمه يارون.. بس صدقيني انا مش فاكر حاجة من دي.. ولا حتى اعرف مين يارون ده.

ردت عليه راشيل...

- ايوة رافي بس انت قولت على اللي حصل بالظبط.. يارون اعتذر وكمان بعت فلوس كدليل ندم زي ما انت قولت.

- انا ماقولتش كده.

رد عليه شاؤول...

- لا قولت رافي.. قولت وكلنا سمعناك.

اتكلم واحد من الواقفين وقال...

- نبوءة ايه وتخاريف ايه اللي بتقولوا عليها دي؟.. بقى ده منظر صاحب نبوءة؟!

قرب منه رافي وهو بيقولوا...

- ايوة قولهم.. بذمتك انت ده منظر متنبئ؟!.. دول ناس مجانين عايزين يعملوا قصة من لاشئ.

اتكلمت استير وقالت...

- طب خلونا نتأكد.. هو دلوقتي قال إن في محراث جميل اتكسر.. وإحنا كل المحاريث عندنا جديدة وواخدين عليها ضمان سنة كمان.. خلونا نبعت كام راجل يتأكدوا من إن المحاريث كلها سليمة وماتكسرتش.

وافق كل الموجودين على فكرة استير اللي بصت لرافي بمكر وهي بتضم ايديها الاتنين على بعض قدام صدرها، وراح شاؤوول ومعاه كام راجل عشان يتأكدوا إذا كانت المحاريث سليمة ولا نبوءة رافي اتحققت وفيه محراث اتكسر.. بعد ما خرج شاؤول بص رافي لراشيل وكل الواقفين وقال...

- انتوا ليه مش عايزين تصدقوا اني مش بكدب عليكوا ولا بتهرب منكوا.. انا فعلًا ماعنديش الموهبة اللي بتقولوا عليها دي.

ردت عليه استير...

- هنشوف رافي إذا كنت بتتهرب مننا ولا فعلًا ماعندكش الموهبة عكس ما واضح للجميع.

بعد وقت طويل رجع شاؤول والافراد اللي معاه، وعلى وشهم خيبة الأمل.. وقال شاؤول بحسرة...

- للأسف.. المحاريث كلها سليمة.

زفروا كلهم في غيظ، اما رافي فبانت عليه الفرحة وقال...

- الحمدلله.. صدقتوني بقى، انا شخص عادي زيي زيكوا، يمكن اللي بتقولوا عليه ده حصل صدفة.. بس انا لسه مقتنع انه ماحصلش.

اتكلم الراجل مرة تانية وقال...

- انا كنت متأكد إن المحاريث هتطلع سليمة.. قال نبوءة قال!.

- قولهم ياعمنا.. يقولك نبوءة ومحراث اتكسر.. هاها يلا يلا خلونا نكمل حفلتنا بلا نبوءة بلا كلام فاضي.. تعالي راشيل تعالي نرقص.

(صدى صوت في عقل رافي)

- مهم جدًا يا أكرم في المرحلة الأولى إن ماحدش يحس ولو للحظة إنك عايز تبقى متنبئ أو صاحب كرامات، لازم هم اللي يقولوا بنفسهم كده.. وانت هتنكر، وتتريق عليهم كمان، وده هيخليهم يتعلقوا بالفكرة أكتر ويقينهم بقدراتك الخارقة يزيد أكتر وأكتر.

*****

اتغاظت راشيل وراحت قعدت على الترابيزة أما رافي فرقص مع واحدة من البنات اللي كانوا متأكدين إنه مافيش حاجة اسمها نبوءة والكلام ده.. وخلصت الحفلة.

تاني يوم الصبح الكل رجعوا لشغلهم وبدأوا شغل في الأرض زي العادة، بس فجأة، محراث من المحاريث الجديدة اتكسر.. وقفوا كلهم عن الشغل وبدأوا يبصوا للمحراث بإستغراب، لحد ما بص شاؤول لرافي اللي بصله وهو مبلم، وبعدين قال شاؤول...

- قولت إن موضوع راشيل صدفة مش كده؟.. طب والمحراث كمان صدفة؟.

- انا مش عارف ايه اللي بيحصل!.

- انت بتتنبأ ومش عايز تقولنا.

في الوقت ده ردد واحد من المزارعين...

- رافي بيتنبأ بالمستقبل.

اجمعوا كلهم حوالين رافي وبدأ كل واحد فيهم يسأل سؤال شخصي...

- قولي هبقى غني ولا لا؟

- شوف كده مراتي بتخوني ولا بتحبني؟

- انا عايز اعرف مين اللي سرق الخبز بتاعي؟

كانت كلها اسئلة تافهة مالهاش أي قيمة، رافي كان واقف وسطهم بيضحك عليهم، وبصراحة هو ماكنش بيضحك على جهلهم وتخلفهم بس.. لا.. ده كان فرحان جدًا بجد لإن الخطة ماشية زي ما اتقاله بالظبط.

*****  

(صوت صفارة باخرة في الميناء).

ميناء الإسكندرية في منتصف الخمسينات:

- احنا رايحين على فين يا جدو؟

- رايحين على روسيا.

- بس انا عايز اقعد هنا في مصر.

- انسى مصر خالص.. لإنك مش هترجع تاني مهما حصل.

- بس جدو وتيتا هيوحشوني.

- حتى دول انساهم.. احنا هنروح لأهلنا في روسيا.. هناك اهلك الحقيقين اللي هتعيش وسطيهم.

******  

إحدى المزارع الإسرائيلية 1968:

عدى أكتر من أسبوعين وشهرة رافي بتزيد كل يوم عن اللي قبله، الكل بقى بيتكلم عن النبوئتين اللي اتنبأ بهم رافي، بقوا بيعاملوه على إنه قديس، لحد ما في يوم اتفاجئ رافي بشخص واقف قدامه ولابس بدلة عسكرية وبيقوله...

- انت رافي؟

بصله رافي بارتباك وقاله...

- ااايوة انا رافي؟.. في ايه؟

- انت صحيح بتتنبأ بالأحداث زي ما بيقولوا؟

- لا مش صحيح.. دي كانت مجرد صدف.

بصله الشخص ده بخبث وبعدين قاله...

- طب تعالى معايا.

- على فين؟

- تل أبيب.

اتهز رافي لثواني وبعدين قال بقلق...

- تل أبيب!.. هعمل اي هناك؟

- مافيش داعي للأسئلة الكتير.. اجهز وانا مستنيك في العربية.

سابه الشخص واتحرك ناحية العربية الجيب، ودخل رافي البيت لبس هدوم نضيفة ورجع بعدها ومشي للجيب وركب، وساعتها شاف شخص تاني قاعد في العربية بس واضح إن رتبته كانت أقل من الشخص اللي كلمه، ومشيت العربية في طريقها لتل أبيب.

******* 

القاهرة في منتصف الستينات:

- بركاتك يا مولانا.

- لا مولانا ولا حاجة.. الناس هي اللي عايزة تصدق، بيتشعبطوا في أمل كداب عشان أمانيهم تتحقق.

- لا بس انت موهوب.. اللي يشوفك وانت بتتكلم لازم يصدق.

- اهو بناكل عيش.

- طب قوم تعالى معايا.

- على فين؟

- هاكلك.. بس مش عيش.. بسبوسة.

- ماشي.

****** 


تل أبيب 1969أوائل:

وقفت العربية قدام بيت فخم جدًا، نزل منها الشخص اللي استدى رافي وبعدين شاورله ينزل، نزل رافي من العربية بضعف واضح وخوف في نفس الوقت.. بص على البيت اللي قدامه بإنبهار وبعدين سأل الشخص العسكري...

- احنا فين؟

- قولتلك بلاش اسئلة كتير.. تعالى ورايا وانت هتعرف كل حاجة.

مشي الشخص العسكري ووراه رافي اللي كان بيبص على كل شبر في المكان، وبعد دقايق كان واقف في صالة انتظار واسعة وفخمة، وهنا قاله الشخص ده...

- استنى هنا لحد ما ارجعلك.

هز رافي راسه بالإيجاب وخرج الشخص من الصالة، وبعد دقايق اتفاجئ رافي بواحدة داخلة الصالة وبتقرب منه.. قام في احترام مبالغ فيه ووقف قدامها، سألته بلهفة...

- انت رافي؟

هز راسه في خضوع وقال بصوت هادي...

- ايوة انا رافي.

ابتسمت الست ابتسامة انتصار وقالت...

- شكلك زي ماحكولي بالظبط.

- مش فاهم قصدك يا هانم؟

ماهتمتش الست بسؤاله وبصت للشخص العسكري وقالتله...

- بسرعة تجهزوه للحفلة.

انحنى الشخص العسكري في خضوع وهو بيقول...

- تمام.

سابتهم الست وخرجت من الصالة وبعدها طلب منه الشخص العسكري إنه يمشي وراه، خده الشخص ده لأوضة واسعة وطلب منه يحلق دقنه، ويستحمى وبعدها يلبس البدلة اللي على السرير، هز رافي راسه بالموافقة، بعد كده خرج الشخص العسكري وسابه ينفذ المطلوب منه.. بص رافي حواليه في الأوضة وهو بيبتسم ابتسامة واسعة.

******* 

(صدى صوت في عقل رافي)

- وبعد كده ايه اللي هيحصل؟

- بعد ما تقدر تثبت لكل اللي في الكيبوت انك متنبأ، الخبر هيسمع ولإن الستات بيحبوا دايمًا يعرفوا المستقبل وخصوصًا سيدات المجتمع فهيجروا عليك.. وساعتها هيبعتوا يستدعوك.

- يستدعوني فين؟

- تل أبيب.

- تل أبيب!

- ايوة.. اتخضيت ليه؟.. هو انت فاكر احنا بنعمل كل ده ليه؟

- انا ماتخضتش.. انا بس.. انا.. وبعدين.. وبعدين انا ازاي هتنبأ بموضوع راشيل وكسر المحراث؟.. مش جايز الحاجات دي ماتحصلش؟

- أكرم.. في شغلنا مافيش حاجة متسابة للصدفة.. موضوع راشيل احنا خلصناه خلاص.. يارون كتب الشيك وعلى ضهره الإعتذار.. وأما موضوع المحراث فهو كمان خلصان.. مافيش حاجة هتحصل صدفة، كل كلمة هتقولها احنا بنغطيها وراك.. مفهوم.

- مممـ مفهوم.

(لجظات من الصمت)

- ايه تاني.. بتفكر في ايه؟

- طب وانا.. انا لما اروح هناك.. المفروض اعمل ايه؟

- ولا حاجة.. هتعمل نفس اللي عملته في الكيبوت، شخص بسيط وباين عليه الضعف.. الناس مصدقة إنه متنبئ لكن هو بيرفض كلامهم وبيحاول يقنعهم إنه شخص عادي.

- طب الكلام ده ممكن يمشي مع الناس البسيطة ويصدقوه.. لكن الناس اللي في تل أبيب هتصدق كده؟

- هيصدقوا.. لإنهم عايزين يصدقوا، الفلوس والرتب كل ما زادت.. كل ما اصحابها خافوا على مكانهم أكتر ودورا إزاي يحموا الحاجات اللي وصلولها بأي شكل.. فهناك هيصدقوك لإنهم خايفين على اللي وصلوله.. وبعدين هم هيصدقوا لما نبوئتك تتحقق.. يعني مش هيصدقوك كده وخلاص.

- وايه النبوءة اللي هقولها هناك؟

- اقعد وانا هقولك.

****** 

لبس رافي البدلة ووقف قدام المراية، بص فيها وهو مبتسم وبعدين رش من إزازة عطر موجودة على التسريحة، وبعدها قعد على السرير، ومرت ربع ساعة تقريبًا لحد ما دخل الشخص العسكري وقاله...

- جاهز؟

- جاهز.

- طب تعالى ورايا.

خرج رافي من الأوضة ومشي ورا الشخص العسكري لحد ما وصله للممر طويل في نهايته سلم وهنا قاله...

- هتمشي لأخر الممر وتنزل السلم وساعتها هتبقى في الحفلة.

هز رافي راسه واتحرك ناحية السلم، وأول ما وصل نزل سلمتين تلاتة وهنا وقف مكانه.. من مكانه كان شايف جمع غفير، سيدات المجتمع وزوجات الجنرالات، مش بس كده دول الجنرالات كمان موجودين.. اتهز رافي لثواني بس مالحقش ياخد وقته وده لما ندهت عليه الست اللي قابلته أول ما دخل وقالت...

- رافي.. انزل تعالى.

ابتسم ابتسامة خفيفة وبعدها نزل من على السلم وكانت هي في انتظاره عند نهاية السلم، أول ما وصلها قالت بابتسامة...

- كده احسن؟

بص رافي على البدلة وقالها...

- اه احسن.

- تعالى بقى عشان اقدمك للمدعوين.

مسكت الست ايده ومشيت به لحد واحد من الجنرالات وخبطت على ضهره وقالت...

- ياكوف.

 لف ياكوف وشه وبعدين بصلها بابتسامة قبل ما يبص لرافي باستغراب وهو بيجيبه من فوق لتحت وسألها...

- ايوة حبيبتي.

- عايزة اعرفك على رافي.

بصله ياكوف مرة تانية وبعدين سأله...

- انت بقى المتنبئ اللي سارة مصدعاني بالحكايات عنه؟

- انا رافي بس مش عارف بصراحة سارة هانم بتحكيلك ايه عني!

- حكتلي عن موضوع راشيل والمحراث.

- اها.. لا دي كانت صدف الناس بس هم اللي بيبالغوا.

- انا قولت كده برضه.. مافيش حاجة اسمها شخص يتنبأ بالمستقبل.

- معاك حق يافندم.

ردت سارة بحدة وقالت...

- معاه حق ايه!.. الناس كلها كانت شاهدة على اللي بيحصل.. إوعى تصدقه ياكوف.. ده بيعمل كده عشان يهرب مننا.

- وانا ههرب ليه يا هانم؟!.. صدقيني كانت صدف.

- هنشوف.. وبكرة ياكوف هو كمان هيشوف بعينيه.. تعالى لما اعرفك على صديقاتي.

ابتسم رافي لياكوف وهو بيقوله...

- عن إذنك.

- روح روح بس اوعى تنجرف وراهم.. دول مجانين.

ابتسمله رافي وهو بيمشي ورا سارة اللي شدته من ايده وراحت به ناحية دايرة من الستات، وأول ما وصلت قالت بحماس...

- اسمعوني يا هوانم.

بصولها كلهم في اهتمام وفي نفس الوقت كانوا بيبصوا على رافي اللي ككانت لسه سارة مسكاه من دراعه وكإنها خايفة يهرب منها، وقالت سارة...

- انا عايزة اعرفكوا على رافي.. المزارع المتنبئ.

- اوووه مش معقول يا سارة!.. هو ده اللي كنتِ بتحكيلنا عنه؟

- ايوة هو ده رافي.

نظرات الإعجاب كانت محاوطة رافي من كل ناحية، أما هو فكان باصص في الأرض بخجل شديد، وبعد دقيقة اتكلمت واحدة من الواقفين وقالتله...

- رافي ممكن تقولي مستقبل إليعازر هيكون عامل إزاي؟

ابتسم رافي وقالها...

- ياهانم انا مش زي ما سارة هانم بتقول.. الموضوع حصل بطريقة غريبة ماعرفش حتى ايه اللي حصل.

- ممم شكلك مش بتتكلم ببلاش.. يهودي أصلي.. طب قول انت عايز كام؟

- لا خالص مش عايز فلوس، بس هي دي الحقيقة.

- شوفي ضيفك يا سارة.. بيبخل علينا بموهبته.

- سيبوه براحته، هو لسه واصل واكيد لسه ماخدش على الجو هنا.. شوية وهيتكلم.

ابتسم رافي وبعدين قالها...

- سارة هانم ممكن اخد جولة في الحفلة لوحدي؟

- اه طبعًا اتفضل.

- شكرًا.

سابهم رافي وبدأ يلف في الحفلة وسط المدعوين وودنه بتسمع كل كلمة بتتقال من الجنرالات، لحد ما فجأة اشتغلت اغنية وبدأوا اللي واقفين يرقصوا، خد رافي جنب ووقف لوحده يتفرج على اللي بيرقصوا، لحد ما قربت واحدة منهم وشدته من ايده عشان يرقص معاها، فضِل رافي يرقص معاها وفجأة.. فجأة وقف مكانه وعينيه اتغيرت بشكل غريب، لف حوالين نفسه وهو بيبص على كل الموجودين، في اللحظة دي سارة انتبهت وطلبت منهم يقفلوا المزيكا، وقفوا كل الموجودين يبصوا على رافي اللي وقف يبص في الفراغ قدامه وبعدين قال...

- لا مش صحيح.

كله كان بيبصله باستغراب أما سارة فمالت على الستات اللي جنبها وقالتلهم بهمس...

- مش قولتكوا.. هتشوفوا بعينيكوا.

كان بيهز رافي راسه بالنفي وكإنه بيكلم حد وبعدين بص في عيون كل الموجودين قبل ما يوقف بعينه عند ست من الواقفين وقالها...

- سيلين.. البنت الجميلة اللي قطتها ماتت وهي عندها خمس سنين.. زعلت عليها كتير.. بس ابوها عوضها بقطة تانية جميلة.. هي صحيح ماقدرتش تنسى قطتها الأولى لكنها برضه حبت القطة التانية.

الست كانت بتبصله وهي مصدومة وسألته بلهفة...

- انت عرفت إزاي؟

ماهتمش رافي بكلامها وكإنه ماسمعوش، وقال وهو لسه باصص في عينيها بطريقة مرعبة...

- بس انتِ في مشكلة.. لا.. لا.. مش انتِ.. جوزك هو اللي في مشكلة.. مشكلة كبيرة.. هتحصل قريب.

سألته سيلين بقلق...

- مممـ مشكِ لة ايه؟!

في اللحظة دي شهق رافي وكإنه بيفوق من غيبوبة طويلة، بس سيلين ماسابيتوش.. جريت عليه وسألته بعصبية...

- مشكلة ايه اللي بتقول عليها؟

- مشكلة؟!.. انا قولت إن في مشكلة؟

- ايوة قولت.. وهتقولي دلوقتي ايه المشكلة اللي جوزي واقع فيها.

- صدقيني انا ماعرفش أي حاجة عن الموضوع ده.

قربت منه سارة وقالت...

- ايوة رافي بس انت فعلًا قولت إن جوز سيلين واقع في مشكلة.

- يمكن يكون كلامكوا صح.. بس انا فعلًا مش عارف ايه اللي حصل الكام دقيقة اللي فاتوا دول.

ردت سارة وهي بتبص لسلين وقالت..

- خلاص سيلين اهدي.. انا عرفت من الناس إنه فعلًا مش بيكون عارف ايه اللي اتقال وقت النبوءة.. هو مش بيكدب.. تعالى رافي.

سحبته سارة من قدام سيلين ومشيت به ورجع كل الموجودين للحفلة من تاني، بس المرة دي كانوا بيفكروا في اللي حصل، في منهم اللي صدق وانبهر وفي اللي فضِل عند رأيه ومقتنع إن رافي مجرد نصاب، ومنهم بعض الجنرالات أمثال جوز سارة، وفي نهاية اليوم طلبت سارة من الخدم يوصلوا رافي لأوضة ينام فيها، ودخل رافي الأوضة وقفل بابها عليه ونام على السرير وهو مستني تحقيق نبوئته.

****** 

القاهرة في أوائل الخمسينات:

- دلوقتي والدة أكرم ماتت.. وانا هخده وارجع به على روسيا.

- بس أكرم يبقى حفيدنا برضه يا باشا.. واحنا بصراحة مش هنقدر نستغنى عنه.

- خلاص هيقضي معايا الشتا وفي الصيف يبقى يجوا يقعد معاكوا فترة الصيف.

- تمام يا باشا.

المسكين ماشافش أبوه ولا لحق يشبع من أمه اللي ماتت وهو يدوب عشر سنين.

******

تل أبيب  اوائل 1969:

تاني يوم الحفلة وفي مكتب النائب العام، جت بلاغات كتير ضد جوز سيلين بتثبت تورطه في قضايا فساد وكانت قضية هزت تل أبيب، وصحي رافي على صوت الخادم بيقولوا...

- سارة هانم عايزاك في الصالون ضروري.

- حاضر خمس دقايق البس هدومي واجي.

خرج رافي وكان عارف إن نبوئته اتحققت، وإلا ماكنتش سارة هتستدعيه الصبح بدري كده، وبعد دقايق دخل الصالون وساعتها قامت سارة وهي مبتسمة وقالتله...

- لسه هتنكر إنك بتتنبأ بالمستقبل؟

- أنكر ايه؟.. هو ايه اللي حصل؟.. انا مش فاهم حاجة؟

- انت امبارح في الحفلة قولت إن جوز سيلين هيوقع في مشكلة كبيرة والنهاردة الصبح، الصحافة والإعلام كلهم بيتكلموا عن قضايا الفساد اللي متورط فيها جوزها، يعني نبوئتك اتحققت يا متنبئ، حاول رافي يبين اندهاشه، وقالها...

- انا مش عارف إزاي ده بيحصل؟.. بس الحقيقة.. الحقيقة اللي بيحصل ده غريب.

- غريب له.. انت عندك موهبة مش عند حد.. ليه بترفضها؟.. رغم إنها بتخرج غصب عنك.

- مش عارف.. بس انا حاسس إني مش بملك الموهبة دي.

- لا رافي.. انت غلطان.. الموهبة موجودة فعلًا.. وانا شايفة انك لازم تستغلها.

- استغلها!.. استغلها إزاي؟.. وفي ايه؟

- ماعرفش بس...

قطع كلام سارة واحد من الخدم لما دخل الصالون وهنا سألته سارة...

- عايز ايه؟

قرب الخادم منها وقالها جملة في ودنها وبعدها قالتله سارة...

- تمام.. روح انت.

بعد ما خرج الخادم، بصت سارة لرافي وقالتله...

- روح أوضتك ألبس هدومك عشان عندك مشوار مهم.

- مشوار مهم فين؟

- بعدين هتعرف.

- حاضر.

لبس رافي هدومه وبعدين رجع لسارة مرة تانية بس المرة دي كانت واقفة عند باب البيت وقالتله...

- هتروح مع الاتنين دول وبعد ما تخلص هترجع تاني.

بص رافي على الاتنين اللي قالت عليهم، وساعتها شاف اتنين لابسين بدل سودة، وواقفين قدام عربية فخمة، فسألها بارتباك...

- انا.. انا رايح فين؟

- ماتقلقش رافي.. ماتقلقش أبدًا.

هز راسه في ايجاب وبعدها مشي ناحية العربية وركب ومعاه الاتنين اصحاب البدل السودة.

***** 

(صدى صوت في عقل رافي)

- وهم في تل أبيب هيدخلوني وسطهم بسهولة كده؟

- لا طبعً وعشان كده بمجرد ما النبوءة تتحقق لازم تستعد.. لإن ده معناه إن صيتك هيسمع.. الإسرائلين بطبعهم بيشكوا في نفسهم، فما بالك بقى بواحد غريب دخل فجأة وبقى وسطهم، ومش بس وسطهم ده في قلب أخطر رجال الدولة وبيدخل بيوتهم ويتكلم مع ستاتهم، تفتكر هيسيبوك تدخل هناك بسهولة كده؟

- أكيد لا طبعًا.

- عشان كده لازم تكون مستعد يا بطل.

- مستعد لإيه؟

- انك بعد أيام بسيطة في تل أبيب هتدخل.. الموساد.

بلع أكرم ريقه بصعوبة وهو بيبص للظابط أيمن وقال بدهشة...

- الموساد!

- ايه خايف؟.

نلتقى في الجزء الثاني...


بقلم الكاتب: شادي إسماعيل.


التنقل السريع