القائمة الرئيسية

الصفحات

 

أستاذ صبحي "معلم التاريخ" قصص رعب

بقلم الكاتب: شادي إسماعيل


مش قادر أصدق إنه خلاص أستاذ صبحي مات ومبقاش موجود تاني ، كانت صدمة ليا ولاهل البلد كلهم، الحادثة عدى عليها وقت كبير بس لحد النهاردة ماحدش قدر ينساها ولا ينسى اللي ماتوا، وانا جيت النهاردة عشان احكيلكوا اللي حصل يمكن.. يمكن أقدر أخرج شوية من الحزن اللي جوايا خصوصاً إني ماتكلمتش مع حد من يوم الحادثة... 

أستاذ صبحي كان مدرس تاريخ في مدرسة القرية، طلع علي المعاش من أسبوعين بعد ما تم السن القانوني للمعاش، قاعد في البيت هو ومراته -الحجة زينب- لوحدهم، بناته الاتنين اتجوزوا وسافروا بره مصر، كان متعود من ساعة ما طلع معاش انه يصحى كل يوم قبل أذان الفجر يتوضى ويصلي ركعتين لله، بعد كده بينزل يروح الجامع وبفضل قاعد هناك لحد ما الاذان يأذن ويصلي الفجر جماعة، بيقعد شوية بعد الصلاة هو و اهل القرية اللي بيحبوه وبيثقوا في رأيه واللي كان عنده مشكلة بيتناقش معه فيها، بعد كده كان بيطلع يتمشى في البلد شوية ويتفرج علي الناس وهي رايحة شغلها، اتعود طول حياته انه في الوقت ده بيكون رايح شغله زي الناس دي، كان زمانه واقف في الطابور دلوقتي بيقول معلومات تاريخية مهمة للطلاب في الاذاعة، واحشه صوت الدوشة وجرس الحصة واسئلة الطلاب، حتى الطلبة الاغبيا اللي كانوا بيسألوا اسئلة ملهاش لازمة وحشوه، قد ايه محتاج يرجع تاني المدرسة، صحيح مافتش كتير علي طلعوه معاش لكنه حاسس انه زي سمكة خرجت من الماية، مايقدرش ينكر انه ارتاح شوية لما طلع معاش، ومبسوط انه بقى عنده وقت لحاجات تانية كتير، لكن في حاجة ناقصاه، ناقصه العيلة اللي عاش وسطها عمره كله، ناقصه احساسه بإنه له دور في الحياة.

بعد اللفة دي بيروح البيت وبيفضل قاعد ساعة يقرأ شوية قرآن، بعد كده بيفتح كتاب من كتب التاريخ اللي مالية المكتبة، ساعات من كتر اندماجه في القراءة مبيحسش بالوقت، الزمن بيعدي بسرعة من عصر لعصر ومن حكاية للتانية، من الفراعنة للإغريق، ومن الإغريق للرومان، من الرومان للكاثوليك، ومن الكاثوليك للاسلام، من الأموي للعباسي، ومن العباسي للطولوني، من الطولوني للإخشيدي، ومن الإخشيدي للفاطمي، من الفاطمي للأيوبي، من جالوت لحطين، من حطين لاسكندرية، ومن ريتشارد  لنابليون، من اسكندرية لدنشواي، من الباشا لفاروق، ومن فاروق لناصر، من ناصر للسادات، ومن الهزيمة للانتصار، من السادات لمبارك، نور الفجر طالع بيشع في الميدان، يناير ربيع قبل الآوان، أهل وعشيرة وظلم الجبان، يونيه.. يونيه شعب مارضاش بالهوان، تاريخ اتكتب وتواريخ بتتكتب، وحضارة يشهد عليها الزمان.

بيقفل كتاب التاريخ الممتد من قديم الأزل، التاريخ اللي عاش عمره كله بيعلمه للأجيال، كان بيحس بالفخر وهو واقف وسط الطلبة بيحكلهم تاريخ مصر، التاريخ اللي أفني حياته من أجله، بس للأسف الأجيال الجديدة مش فاهمه يعني ايه تاريخ، مش فاهمه إن اللي مالوش ماضي مالوش حاضر، افتكر ساعتها طالب من الطلاب لما وقف  قدام الطلبة كلها وقاله بسخرية...

- انت عمال مصدعنا بالتاريخ.. التاريخ، هنستفيد ايه احنا من التاريخ بتاعك ده، حاجة حصلت من سنين وخلصنا، خلينا في دلوقتي، وبصراحة انا شايف كلامك فارغ ومالوش لازمة.

حاول يتمالك أعصابه وقاله بهدوء..,

- اطلع بره.

رد الواد ببرود...

- مش خارج وريني هتعمل ايه؟

قرب من الولد وشده وخرج به بره الفصل بعدها دخل وقفل الباب، بس دخل الولد تاني وقاله وهو متعصب...

- ماشي انا هوريك ازاي تطردني من الفصل.

اتحرك ناحية الباب وهو بيكمل شرح وقفله بهدوء من غير ما يبص ناحية الولد. 

 بس دلوقتي وبعد سنين الطالب ده بقى أكبر بلطجي في القرية، الناس كلها بتخاف منه، بس الأستاذ صبحي كان دايما بيحتقره كل مايشوفه، فاكر انه شافه الاسبوع الي فات لما كان راجع البيت، كان واقف علي ناصية شارع من الشوارع زيه زي أي بلطجي، ساعتها البلطجي اعترض طريقه وقاله بسخرية...

- ايه يا مستر، سمعت انهم طلعوك معاش، وهتقعد في البيت زي الحريم لا شغلة ولا مشغلة، أبقى أقرى بقى التاريخ  بتاعك اللي مالوش لازمة ده براحتك.

بصله باحتقار وقاله...

- أولا انا أستاذ مش مستر، ثانيا النسوان هي اللي بتوقف في الشارع ترغي من غير شغلة ولا مشغلة، ثالثا بقى ودا الاهم، لما تكون بتكلمني تاني مرة ماتغلطش في التاريخ.

ضربه بالقلم في نفس اللحظة، البلطجي برغم انه راعب البلد كلها إلا انه قدام صبحي بيحس نفسه لسه عيل صغير قاعد في الفصل وبيتضرب عشان ماعملش الواجب، فضل صبحي باصص في عيون البلطجي اللي كان بيبصله بغل بس ماعملش حاجة بالعكس سابه ومشي، ضحك لما افتكر الموقف ده وحس انه برغم كل اللي الواد ده بيعمله الا انه جواه حاجة كويسة ممكن يستغلها في يوم من الايام ويرجعه عن الطريق اللي هو ماشي فيه.

تاني يوم صحي أستاذ صبحي زي عادته قبل صلاة الفجر، اتوضى وصلى الركعتين وبعدها فتح الباب عشان يروح في الجامع، في اللحظة دي سمع صوت حركة في الحوش تحت، نزل علي السلم، داس علي كُبس النور لكنه مافتحش، نزل في الضلمة، وقبل اخر سلمة اتفاجئ بضربة علي دماغه، فقد الوعي في لحظتها، بعدها في اتنين ملثمين سحبوه وطلعوا به علي الشقة تاني، خدوا المفاتيح من جيبه وفتحوا الباب براحة، دخلوا به، فضل واحد منهم معاه بيكتفه والتاني دخل يدور علي الحجة زينب، سمع صوتها بتتوضى في الحمام، نزل سكينة الكهربا، في اللحظة دي اتخضت زينب وخرجت من الحمام، مسكها من بين دراعاتها وكتم نفسها، وبسرعة ضربها بالسكينة في جنبها اكتر من خمس طعنات، بعدها سابها تقع علي الأرض جثة هامدة، وقلعها الدهب اللي كانت لبساه.

رفع سكينة الكهربا ورجع للصالة كان التاني بيفوق أستاذ صبحي...

- انت يا اخينا.. أخينا فوق.

فتح صبحي عينيه وهو ماسك دماغه من أثر الخبطة، بعدها بدأ يدرك الموقف وبان عليه الفزع...

- انتوا مين وعايزين ايه؟ زينب، زينب فين؟

- ماتقلقش مراتك كويسة..  لحد دلوقتي بس لو ماقولتش الفلوس والدهب فين مش هيحصل كويس.

- خدوا اللي انتوا عايزينه بس سيبوها ماتأذوهاش.

- جدع، فين بقى الفلوس والدهب بتاع مراتك؟

- في الدولاب جوة، في صندوق صغير في اخر الدولاب هتلاقوا اللي انتوا عايزينه فيه.

بص الأول للتاني وهو بيقوله...

- ادخل هاتهم وانا هستنى معاه هنا.

دخل التاني جاب الصندوق، ورجع بعدها بدقايق حطه قدامهم على الأرض، اتكلم صبحي في اللحظة دي...

- اديكوا خدتوا اللي انتوا عايزينه، عايز اطمن على مراتي، هي فين؟

رد عليه واحد منهم وقال...

- ماتقلقش هنطمنك عليها، قوم معايا. 

سحبوه الاتنين و وقفوه قدام جثة زينب، أول ما شافها انهار وبدأ يعيط، قعد صبحي على ركبه بيحاول يساعد مراته، وفي اللحظة دي واحد من الاتنين طلع السكينة وطعنه في نص ضهره وهو بيقول...

- انا عارف انك مش هتقدر على فراقها، ومايهونش عليا اسيبك كده.

بيوقع صبحي فوق جثة مراته وبركة من الدم محاوطاهم، بيخرجوا الاتنين من الشقة ومعاهم الدهب والفلوس.

الناس خلصت صلاة الفجر ومتجمعين كالعادة، واحد منهم بدأ الكلام وسأل...

- غريبة استاذ صبحي مجاش النهاردة، أول مرة يغيب عن صلاة الفجر!

رد عليه واحد تاني...

- عندك حق أول مرة يعملها، يكونش تعبان؟

رد شخص تالت...

- ده حتى لما كان بيبقى تعبان كان بينزل، الموضوع مايطمنش، انا هعدي عليه لما النهار يطلع واشوف في ايه وربنا يستر ويكون يخير.

هزوا كلهم راسهم وهم بيقولوا في نفس واحد...

- إن شاء الله خير، ربنا يجيب العواقب سليمة.

فعلا حوالي الساعة تسعة الصبح عدى الرجل علي البيت وخبط كتير بس ماحدش رد، مرضاش يزعجهم أكتر وقال ممكن يكونوا لسه نايمين، روح وقال لما يقابله في صلاة الظهر يبقي يعرف ايه اللي حصل.

بعد ما الناس خلصوا صلاة الظهر وقعدوا، ماكنش استاذ صبحي موجود برضو وهنا اتكلم واحد فيهم و وجه كلامه للشخص اللي راح بيته الصبح وسأله...

- انت عديت على استاذ صبحي؟

- ايوا بس ماحدش رد لا هو ولا الحاجة زينب!

- الموضوع بقى يقلق بحد،  ده كده فوت فجر وظهر عمره ما عملها!

- انا من رأيي أعدي عليه تاني جايز يكون كان نايم ولا حاجة.

- لا احنا كلنا هنيجي معاك واهو بالمرة لو تعبان نزوره، ولا ايه يا رجالة؟

رد الجميع في صوت واحد...

- ايوا كلنا هنروح، هي دي الأصول.

 وقفوا قدام باب الشقة وهم بيخبطوا وبيندهوا على صبحي لكن مافيش رد لحد ما واحد من الواقفين قال بإستغراب وهو بيشاور على الأرض...

- بصوا كده يا جدعان، ده دم مش كده؟

رد عليه واحد وهو بيدقق في الأرض...

- ايوا ده دم، ياترى دم مين ده؟

قال شخص تالت من الواقفين...

- الموضوع مايطمنش يا جدعان، انا من رأيي نكسر الباب ونطمن على الراجل ليكون حصله حاجة.

وافقوا غلى كلامه وهم بيقولوا...

- ايوا خلونا نكسر الباب ونطمن عليه.

كسروا الباب بعد ما كام راجل اقوياء ادوله بالكتف خمس ست مرات، دخلوا بعدها جوة الشقة واتفاجأوا بالجريمة البشعة اللي حصلت.

رددوا كلهم جملة واحدة...

- لا حول ولا قوة إلا بالله.

واحد منهم طلع تليفونه واتصل بالنجدة.

- عايز ابلغ عن جريمة قتل.

****** 


عربية الإسعاف واقفة والمسعفين خارجين بجثتين متغطين وبيركبوهم العربية، الأهالي كانوا متجمعين حوالين البيت فيهم اللي بيعيط وفيهم اللي بيخبط كف على كف وهو شايف منظر الجثث طالعة، الظابط كان واقف وبيتكلم مع الرجالة اللي اكتشفوا الجريمة، واحد فيهم قاله بغضب...

- مافيش غيره يا باشا اللي عمل كده، الواد مجدي.

اتكلم شخص تاني وهو بيأكد على كلام الاول...

- ايوا يا باشا الواد مجدي هو اللي كان بيكرهه ودايماً على خلاف معاه من أيام ما كان لسه عيل في المدرسة عنده.

فجأة بيدخل مجدي من وسط الناس وبيجري على عربية الإسعاف وبيحاول يوصل لجثة صبحي وهو بيعيط، الأهالي بيشاوروا للظابط عليه وهم بيقولوا...

- هو ده مجدي يا باشا، هو ده اللي قتله.

بيأمر الظابط العساكر بسرعة...

- أمسكوه.

****** 

قعد الظابط على مكتبه وقدامه مجدي، بدأ الإستجواب وسأله..

- قتلت صبحي ومراته ليه؟

- ماقتلتوش يا باشا وعمري ماقدر أعمل كده، انا هحكيلك الحكاية كلها...

بعد ما ضربني يومها فضلت باصصله بغل بس مقدرتش اعمل حاجة، سيبته ومشيت، روحت الغرزة اللي كنت متعود اقابل فيها اتنين اصحابي، بلطجية زيي يعني، منعم وفتحي، حكيتلهم اللي حصل وانا متغاظ، بعد ما خلصت، ضحكوا الاتنين عليا ولقيت منعم بيقولي..

- ضربك بالقلم وسيبته يروح بيتهم من غير ما تعلم عليه! يا كرودية.

كمل فتحي وقال..

- هو كرودية بس! دا بكرة البلد كلها هتتكلم عليه وهتديله بالجزمة لما يعرفوا  انه اتلسع بالقلم وفضل واقف زي خيبيتها، قولتلي عملت ايه يلا؟ اه افتكرت.. برقتله.

ضحك منعم علي كلامه، رديت انا ساعتها بغيظ...

- يا أخي انا مش عارف الرجل دا عاملي ايه؟! من وانا صغير بحس رهبة غريبة ناحيته، كان يبهدلني ويمرمطني قدام العيال وانا كل اللي بعمله اني اعيط واخد بعضي وامشي، وحتى دلوقتي لما ضربني بالقلم كنت حاسس اني عايز اعيط.

ضكوا الاتنين بصوت عالي واتريق عليا منعم تاني وقال..

- يا حنين، طب تعالي عيط علي صدري، انا أولى من الغريب برضو.

فتحي بطل ضحك، وقالي بنبرة كلها جد...

- بقولك ايه ياض، سيبك من شغل النسوان ده، الرجل ده لازم يتعلم عليه والا مش هنعرف نرفع راسنا في البلد تاني، اه احنا اصحاب واللي يلطك يلطنا.

سألته بإستغراب...

- يتعلم عليه ازاي بقى؟

رد عليه التاني...

- مالكش دعوة انت، احنا هنعمل  كل حاجة.

قولتله بعصبية...

- لا قولي هتعملوا ايه؟ انا مش عايز الرجل ده يتأذي.

- والنبي اقعدلنا علي جنب يا حنين.

بعدها قعدوا طول الاسبوع مختفين وماحدش فيهم ظهر ولما كلمتهم تليفوناتهم كانت مقفولة، لحد امبارح الظهر، فتحي كلمني وطلب مني اقابله عند الترب، لما روحت هناك لقيته بيطلب مني اروح المركز اقضي مصلحة هتاخد يومين، فعلا روحت وبايت هناك، بس لقيتهم داخلين عليا النهاردة ساعة الظهر ومعاهم دهب و فلوس كتير، لما سألتهم جيبتوا الحاجات دي منين؟ لاحظت انهم  ارتبكوا وكلامهم كان ملخبط، حسيت ساعتها انهم عملوا اللي قالوا عليه، واجهتهم، اعترفوا انهم قتلوه هو ومراته، زعقت معاهم  وقولتلهم اني مش هسكت ومش هشارك في الجريمة دي، حاولت انزل بس منعم وقف في طريقي، ضربته وفتحت الباب ونزلت، كنت بدعي ربنا طول الطريق ان استاذ صبحي يكون لسه عايش وان المجرمين دول يكونوا غلطوا وافتكروه مات، افتكرت ساعتها كل مواقفنا مع بعض، اكتشفت اني بحبه جدا واني كنت بعانده عشان كان بيفكرني بابويا، ابويا اللي سابني انا وامي وهرب، اكتشفت انه لما كان بيضربني كنت ببقى عايز اعيط في حضنه، انا كنت بعمل كل ده عشان كنت خايف، خايف اتعلق به ويسيبني ويمشي زي ابويا ما عمل، لما رجعت البلد وقبل ما اروح أي مكان جريت اطمن عليه، مات ولا لسه عايش، ساعتها سعادتك قبضت عليا وملحقتش اشرح اللي حصل.

في نفس اليوم اتقبض علي منعم وفتحي ومعاهم المسروقات بعد ما مجدي أرشد عن مكانهم واتعملهم كماين في مداخل ومخارج المركز قبل ما يلحقوا يهربوا، بالضغط عليهم في التحقيق اعترفوا بجريمتهم بالتفصيل وكمان أكدوا كلام مجدي وانه ماكنش يعرف حاجة عن نيتهم المسبقة بقتل الاستاذ صبحي ومراته، بعدها اتحولوا لمحكمة الجنايات اللي حكمت بإحالة أوراقهم إلي فضيلة المفتي، أما مجدي فرجع عن اللي بيعمله وبدأ حياة جديدة مافيهاش بلطجة وقرر إنه يعيش في خدمة الناس بدل ما كان بيأذيهم واتعلم إن اصحاب السوء ممكن هم نفسهم اللي يأذوا أكتر ناس بنحبها ويضيعوهم من بين ايدينا في لحظة.

تمت بحمدالله

بقلم الكاتب شادي إسماعيل 

التنقل السريع