بقلم الكاتب: شادي إسماعيل
عام 1975 في إحدي الوكالات الصحفية الأمريكية:
كان السيد جين قاعد في مكتبه الفخم في الوكالة، لما رن التليفون اللي جنبه على المكتب، وكان المتصل المدير وبيطلب منه الحضور لمكتبه فورًا، وصل السيد جين لمكتب المدير اللي في الدور الرابع و أول ما دخل لاحظ الغضب على وشه، قال في نفسه انه هيكون يوم من الايام الصعبة اللي بتتغير معاها حاجات كتير، المدير طلب من جين أنه يقعد وبعدين ناوله ورقة موجودة على المكتب، مسك جين الورقة وقرأها كويس، وكان المكتوب الآتي...
" عزيزي السيد/ جين
استمتع كثيرًا بقراءة قصصك وأحاول دائمًا أن أكتشف الجاني قبل أن أصل إلى النهاية، وأود أخبارك بأني دائمًا ما أكتشفه فعلًا، ولم أخطئ مرة واحدة في معرفته، لكن في الحقيقة بدأتُ أشعُر بالملل، واعتقد أن هذه حال بعض قرائك أيضَا، فقد أصبحت القصص معادة باختلاف الشخصيات والاماكن ولكن الحبكة في النهاية واحدة، لذا قررت أن نقوم معًا بعمل أكثر إثارة وفي هذه المرة سأكون أنا الكاتب وستلعب أنت دور القارئ الشغوف لمعرفة الحل، ولنُزيد من روعة الأمر سأضع نُصبَ عينيك هدفًا عليك تحقيقه، فإما أن تحل اللغز وإما ستقتل زوجتك، انتظر اللغز الأول قريبًا، صديقك السيد هود"
قام جين من مكانه ومسك سماعة التليفون وطلب البيت، وهو مستني حد يرد عليه كان بيسأل المدير عن اللي بعت الرسالة دي لكن ماكنش عارف مين اللي بعتها، وفي النهاية ماحدش رد على التليفون، حاول يتصل مرة كمان بس برضه ماحدش رد، نزل بسرعة وراح البيت، وأول ما وصل لاحظ إن عربية مراته مش موجودة، دخل البيت بهدوء وحاول يشوف أي حاجة غريبة لكن البيت كان هادي ومرتب، خرج من البيت وركب عربيته، لف كتير في الشوارع وهو بيحاول يدور على مراته لكن بدون فايدة، قرر أخيرًا يرجع المكتب تاني على أمل إن اللي خطفها يتكلم أو يبعت رسالة تانية، وصل المكتب وسأل اذا كان حد سابله أي رسالة لكن كانت الاجابة لا، طلع مكتب المدير اللي قام بلهفة اول ما شافه وحاول يطمن عليه وعلى مراته، ورد عليه جين وقاله...
- مالهاش أي أثر، مش موجودة في البيت ولا عند أي حد من اللي نعرفهم.
- تفتكر مين اللي عمل كده؟
- ماعرفش بس أكيد حد مجنون.
- انا بقترح انك تتصل بالشرطة.
- انت عارف ان الشرطة مش بتعمل حاجة في جرابم الخطف دي وغالبًا الفرصة الوحيدة عشان يلاقوا الضحية انها تكون اتقتلت، خلينا نستنى رسالة جديدة نشوف هيقول فيها إيه.
- زي ما تحب.. بس انا شايف ان الاتصال بالشرطة هو الحل الأفضل.
- انا هنزل مكتبي ولو في رسايل جديدة جاتلك ياريت تبلغني.
- ممكن تروح انت ولو الخاطف بعت أي رسالة هكلمك.
- لا أفضل إني ابقى موجود هنا.
- تمام اللي يريحك.
نزل جين مكتبه وهو بيفكر في سؤال المدير، مين اللي ممكن يعمل كده؟.. جين كاتب وصحفي لامع كتير من الوكالات كانت بتجري وراه، ياترى ممكن يكون حد من أصحاب الوكالات دي بيحاول يلوي دراعه عشان يشتغل معه؟!.. صحيح المهنة دي بيسمع فيها عن حاجات غريبة كتير.. لكن ماتوصلش لكده، وقتها افتكر الرسايل اللي كانت بتجيله من المتابعين لجزء القصص البوليسية الخاص به، وصل مكتبه بسرعة وخرج كل الرسايل اللي استلمها من يوم ما بدأ الكتابة في الجريدة، الاف الرسايل، عدد كبير جدًا، مش هيقدر يدور في كل ده لوحده عشان كده استدعى لورين، بنت جديدة في الوكالة وفي نفس الوقت من أحد المعجبين بكتاباته، عشان كده ماترددتش لحظة انها تساعده اول ما طلب منها ده.. وبدأوا الاتنين يدوروا في الرسايل...
"عزيزي جين أتمنى أن تكون بصحة جيدة، أردت أن أبدي إعجابي الشديد بكتاباتك وددتً لو أقابلك يومًا ما.. مارسا"
"سيد جين أنت كاتبي المفضل أتمنى مقابلتك حقا.. هِنري"
"الحلقة الأخيرة كانت رائعة، لم أتوقع أن تكون ماري هى القاتلة.. ستيف"
"سيد جين هل أنت متزوج؟.. أتمنى ألا تكون كذلك.. أماندا"
"صديقي جين، لم أكتب اليك منذ مدة ولكن دائمًا اتابع كتاباتك الشيقة، لك كل تقديري.. صديقتك هالن"
"لم أعد أستطيع قضاء يومي دون أن أطالع قصتك، أنت رائع حقا سيد جين.. ماكلين"
الرسائل كلها بنفس الطابع، مجاملات وأمنيات بالمقابلة ماكنش في حاجة ملفتة للنظر، وبعد أربع ساعات تقريبًا ماقدرش يوصل لأي حاجة ولا حتى لورين، حس انه مش هيوصل لحاجة من قراءة الرسايل، وعشان كده قرر يوقف قراية، لكن لورين طلبت منه يستمر لإن أكيد اللي بعت الرسالة حد مهتم به من زمان وممكن يكون غلط وبعت رسالة بعنوانه قبل كده، جين ماكنش بيقرأ أغلب الرسايل اللي بتوصله و دي غلطة بيلوم نفسه عليها النهاردة، لأنه لو كان بيقرأهم كان هيقدر يعرف من أسلوب الرسالة الخاطف يبقى مين، قرر يسمع كلام لورين ويكمل قراءة لفترة كمان، بس قالها تطلبلهم أكل الاول عشان يقدروا يكملوا بحث، كان طلب غريب بالنسبة للورين لكنها ماقدرتش تنكر احساسها الشديد بالجوع، وبعد فترة الأكل وصل، وهم بياكلوا كان جين بيفكر في كل الناس اللي بتربطه بهم علاقة سيئة، لكن للأسف ماقدرش يوصل لأي حد ممكن يكون مشتبه فيه، لأنه ماكنش بيختلف مع حد إختلاف يوصل به للمرحلة دي من العنف، لورين قطعت حبل افكاره وقالتله انها تعرف حد ممكن يساعدهم، طلب منها تقوم معاه حالا وتوصلوا للراجل ده، وفعلًا قاموا بسرعة من قبل حتى ما يخلصوا أكل، وفي الطريق بدأت لورين تكلمه عن الراجل، قالت إن اسمه السيد ريموند راجل عسكري متقاعد، صديق لوالدها، بس عنده مقدرة في حل ألغاز صعبة زي دي، وصلوا البيت، وفتحلهم السيد ريموند ورحب بهم جدًا، وبعد نقاش طويل مع لورين بنت صديقه عن اخبار والدها والحياة معاه، سألها عن سبب الزيارة المفاجئة، ردت لورين...
- السيد جين زي ما حضرتك عارف بيكتب قصص بوليسية في الجريدة وعنده متابعين كتير.
- اه طبعًا، بالمناسبة انا من أحد متابعنيك.
رد عليه السيد جين بامتنان...
- ده شرف كبير ليا يا سيد ريموند.
ابتسم ريموند وبص للورين فكملت كلامها...
- النهاردة الصبح وصلت للجريدة رسالة من أحد متابعين السيد جين وقال فيها انه خطف مراته، وهيقتلها لو هو ماحلش الالغاز اللي هيبعتهاله.
اتفاجئ ريموند وقال...
- مممم شئ مؤسف، ضريبة النجاح دايمًا غالية، لما تكون نجم مشهور اي حد يقدر يستبيح حياتك في اي وقت، فين الرسالة دي ممكن اطلع عليها؟
- طبعًا، اتفضل.
ناولت لورين الرسالة للسيد ريموند اللي بدأ يقرأها بتمعن شديد، في الوقت ده جين كان بيلقى نظرة على البيت ولاحظ انه مرتب بشدة وباين عليه النظام والترتيب العسكري، طبعًا لاحظ كمان صور كتير وأوسمة متعلقة في ركن خاص بانجازات ريموند، ريموند اللي قطع جولة جين وقال...
- واضح ان كاتب الرسالة شخص مهووس بك يا سيد جين.
لف جين وشه لريموند وسأله باستغراب...
- مهووس بيا انا؟!
- بالظبط، ده باين جدًا في أسلوب الكتابة، وكمان باين في الضغط على بعض كلمات معينة في الرسالة، انا عارف ان الكتاب المشهورين زيك بيجيلهم رسايل كتير من المعجبين،
عشان كده لازم اطلع على كل الرسايل اللي جاتلك خلال الفترة اللي فاتت.
- مافيش مانع هبعتلك الرسايل كلها مع لورين، ده لو مش هيسببلها ازعاج.
بصتله لورين وقالت بخجل...
- مافيش ازعاج سيد جين، انا هكون سعيدة لو قدرت اساعدك
- شكرًا لورين.
خرج جين ومعاه لورين وسابوا العجوز المتقاعد ريموند مع الرسالة، فضل يتفحصها كتير بعدين رفع راسه وقال بثقة...
- مش محتاج أقرأ كل الرسايل عشان اعرف ان انت الخاطف يا سيد جين.
******
في المكتب كان جين بيلم الرسايل كلها مع لورين، لما فجأة دخل المدير عليهم وهو في قمة الانزعاج وطلب منهم يفتحوا التليفزيون، كان الخبر مكتوب بخط عريض" السيد هود يدعو السيد جين للعب الالغاز وزوجته هى الرهان" علقت المذيعة على الخبر وقالت إن إحدي الوكالات الصحفية جالها رسالة من إمضاء السيد هود بيدعو فيها السيد جين لحل الألغاز اللي هيبعتهاله وإلا هتكون حياة مراته هى الثمن.
حاول المدير ولورين انهم يهدوا جين اللي كان بيكسر في كل حاجة تقابله على المكتب، وفجأة دخل واحد من اللي شغالين في الوكالة وقالهم ان في عدد كبير من الناس واقفين قدام المبنى وبيطالبوا جين بقبول الرهان، بصوله كلهم فارتبك وقال...
- اسف، الناس هم اللي بيقولوا كده.
ساب المكتب وخرج بسرعة، اما جين فجن جنونه أكتر، طلب منه المدير الهدوء والتفكير بحكمة وعقل، لكنه هو في الوقت كان بيلعن الناس والكتابة والوكالة وكل ما له علاقة بالموضوع ده، لورين زعقت فيه بصوت عالي...
- اهدأ، لازم تفكر ولازم تخرج للناس وتتكلم، دي فرصة عشان تقدر تحافظ على حياة مراتك.
بصلها جين بصة طويلة وهو بينهج من المجهود اللي بذله في تكسير المكتب، ارتبكت لورين وقالت بصوت هادى...
- اسفة، بس كان لازم عشان تفوق من الصدمة.
اتنهد جين وخد نفس عميق قبل ما يقولها...
- تمام، المفروض اقول ايه بقى؟
- انت لازم توافق على التحدي عشان تقدر تحافظ على حياة مراتك لأكتر وقت ممكن، لحد ما الشرطة تقدر توصلها.
- ولو قبلت التحدي وماقدرتش أوصل لحل اللغز!.. ساعتها أكون انا السبب في موتها!
- في كل الأحوال هو هيقتلها، اسفة، بس ده هيحصل سواء حليت غلط أو ماحلتش خالص، يبقى لازم على الاقل تحاول.
اقتنع جين بكلامها وقرر الخروج للناس والرد على رسالة هود، عدلت لورين لجين الكرافات الخاصة به، وقالتله...
- لازم تكون متأكد ان هود شايفك وسامعك دلوقتي عشان كده لازم تقبل التحدي بقوة وثقة.
هز جين راسه بالموافقة وبعدها خرجوا الاتنين ومعاهم مدير الوكالة، وقدام المبنى كان واقف عدد كبير من الناس والصحفيين والمراسلين والمصوريين، وقف جين بكل ثقة يستقبل أسئلة الصحفيين واللي كان منها...
- سيد جين، هل هتقبل التحدي؟
خد جين نفس عميق وبعدين بص للورين على يمينه والمدير على شماله، قبل ما يلف ويبص للصحفي اللي سألوه ويقول...
- هقبل التحدي.. بس لازم يكون عند السيد هود شئ يستاهل كل اللي عمله ده.
ضحك ضحكة مستفزة، كان بيحاول يستفز هود عشان يغلط، لكن الحقيقة انه من جواه مرعوب، فاق على صوت صحفي تاني بيسأله...
- تفتكر امتى هيبدأ التحدي؟
- للاسف دي عملية متوقفة على السيد هود، اعتقد انه لسه مالقاش اللغز المناسب عشان يبعته.
جين مستمر في الضغط على هود، بس يمكن يكون بيضغط على الشخص الغلط، وعشان كده قربت منه لورين ونصحته يحاول يقلل استفزازه لهود، لكن هو كان مصمم على الطريقة دي، وكإنه ناسي ان مراته ممكن تتعرض للخطر بسبب كلامه...
- سيد جين، تفتكر هتقدر توصل لحل الالغاز ولا هتضحي بمراتك بكل سهولة؟
سؤال صعب، كشف كل مخاوفه، بيحاول يستفز هود لكن
ماقدرش يشوف رد فعله، الصحفي استفزه في لحظة هيشوف فيها هود ضعفه، استعان جين بكلام لورين وقال...
- السيد هود ماسابليش اختيار تاني، اعتقد اني لو ماحلتش الالغاز برضه هيموتها يبقى لازم على الاقل أحاول.. وانتوا كمان ماسيبتوليش أي اختيار، جايين النهاردة وبتطالبوني إني اوافق على لعبة الرهان فيها حياة مراتي، ماحدش فيكوا فكر ولو للحظة في الإنسانة اللي حياتها متوقفة على شئ مالوش أي أهمية، ماحدش فيكوا فكر في الأسرة اللي هتتدمر من ورا لعبة بتدورا فيها على المتعة والإثارة، مافيش قدامي حل غير إني أقبل التحدي.. بس لازم تفهموا إني سواء كسب أو خسرت فانتوا مشتركين مع هود في جريمته.
جين كان بيتكلم بتأثر وفي نهاية كلامه سمح لدموعه تنزل، والهدوء حل على المؤتمر لدقايق لحد ما قال واحد من اللي واقفين...
- انا معاك سيد جين.
واحد ورا التاني ورا التالت، لحد ما كل اللي واقفين رددوا الجملة، بصلهم جين بصة طويلة، بعدها دخل بسرعة للمبنى، اما مدير الوكالة فكمل باقي المؤتمر مع الصحفيين، ولورين دخلت ورا جين اللي فتح باب المكتب والغضب ماليه، بس فجأة وقف مكانه لما لمح على المكتب ظرف ومكتوب عليه "اللغز الاول" بص جين للورين باستغراب، وبعدها قرب من المكتب ومسك الظرف، فتحه بسرعة وساعتها لى في الظرف دبلة، بصلها لثواني قبل ما عينيه تدمع ويضغط على الدبلة بايده، بعدها خرج ورقة من الظرف وبدأ يقرأها وكان المكتوب الآتي...
" عزيزي جين
خطابك كان حماسي.. أحييك على محاولتك استفزازي، بس انا مش هلومك وهعتبر ده مجرد تنفيس عن غضبك، واتمنى تركز على هدفك، ودلوقتي ميعاد اللغز الاول.."
بدأ جين يقرأ اللغز واللي كان عبارة عن مجموعة من أرقام وحروف مالهاش أي علاقة ببعض، الرقم 50، a08، ورسمة لقلادة رمز ديني، القلادة كان واضح إن مكتوب عليها حاجة بس مش واضحة، وجنب القلادة كان مكتوب هنا فقط ستجد راحتك.
بص جين في الورقة بس ماكنش فاهم حاجة، طلبت منه لورين تشوف الرسالة، ناولها الورقة وهو سرحان، وبعد ما قراتها بصتله باندهاش وقالتله...
- تفتكر يقصد ايه باللغز ده؟
رد بشرود...
- مش عارف.. ومش فاهم ايه علاقة الارقام بالحروف بالجملة المكتوبة!.. انا مش فاهم أي حاجة!.
في اللحظة دي دخل مدير الوكالة وسأل جين...
- صحيح اللي سمعته؟
- سمعت ايه؟
- البرامج كلها ناقلة خبر إنك استلمت الرسالة اللي فيها اللغز الأول.
فتح جين التلفزيون وساعتها سمع المذيعة بتقول...
- دي الرسالة اللي وصلت للسيد جين من السيد هود، أكيد ماحدش فينا فاهم الأرقام والرسمة والحروف علاقتهم ايه ببعض، بس اعتقد إن اللغز له حل عند السيد جين، وزي ما مكتوب في الرسالة اللغز لازم يتحل قبل يومين وإلا هيكون السيد جين خسر الرهان.
قفل جين التلفزيون بغضب، وبعدين بص للمدير ولورين وقالهم بصوت عالي...
- مدخل الإعلام في كل خطوة وده معناه إنه عايز التحدي يفضل على الشاشة.. بيدور على الشهرة على حسابي.
رد عليه المدير...
- مش ده المهم دلوقتي.. المهم إنت عندك حل للغز ده؟
سكت جين وبعدين رد باستغراب...
- تفتكر إيه اللي ممكن افهمه من لغز زي ده؟.. ارقام وصور مالهاش أي تفسير.
- ماتنساش انه مديك يومين بس.
- هو قرر اللعب وانا هلعب معاه.. بس بطريقتي.
- قصدك ايه؟
- بعدين هتفهم.. انا لازم امشي دلوقتي.
سألته لورين بلهفة...
- رايح فين؟
- مش مهم، المهم تاخدي الرسايل دي وتوديها للسيد ريموند يمكن يقدر يوصل لحاجة.. وطبعًا مش محتاجة تاخدي اللغز هو أكيد شافه على التلفزيون.. كلميني على تليفون البيت لو وصلتوا لأي حاجة.. انا هبقى هناك.
حرج جين بعد ما أدى أوامره للورين، والحقيقة هو ماكنش مقرر هيعمل ايه.. بس حس إنه لازم يبعد عن الضوء شوية عشان يقدر يفكر بهدوء، ضغط هود وضغط مدير الوكالة ولورين والصحفيين قدام المبنى، كل ده مخليه مش قادر يركز ويوصل لتفكير يواجه به هود، بصعوبة قدر يتجاوز الصحفيين قدام المبنى ويوصل لعربيته ويركبه، بعد ما خرج من نطاق المبنى، بدأ جين يفكر في الرسالة، وفي اللي بيحصل من أول اليوم، وهنا غير مساره ولف بالعربية في اتجاهه للبيت، أول ما وصل دخل بسرعة على أوضة المكتب، وفي الأوضة كانت موجودة شاشة صغيرة، خاصة بكاميرات بتصور الحركة قدام البيت وفي الجراج، فتح جين الشاشة وقعد قدامها وبدأ يرجع بالتسجيلات لأول اليوم، قدامه على الشاشة كان مكتوب تاريخ النهاردة وجنبه الساعة 9 صباحًا، في اللحظة دي شاف جين مراته ميرا وهي خارجة من البيت ولابسة هدوم تدل على إنها راحة مشوار مهم، بعدها شافها وهي داخلة الجراج بتركب عربيتها وبتتحرك بعيد عن البيت، قفل جين الشاشة ورجع قعد على مكتبه وولع سيجارة وبدأ يفكر، ميرا خرجت لوحدها، ومارجعتش تاني، ياترى كانت رايحة تقابل مين؟.. سؤال مهم الإجابة عليه لإنه مفتاح اللغز الحقيقي، لغز إختفائها، خطرت في باله فكرة فقام من مكتبه وراح ناحية التليفون وداس على زرار الرسايل الصوتية، أول رسالة كانت بصوته...
- ميرا لو انتِ في البيت ياريت تردي عليا.
تاني رسالة كانت بصوت صديقة لها...
- مساء الخير ميرا، هنتقابل بكرة ولا غيرتي رأيك؟.. أكدي عليا أول ما تسمعي الرسالة.
بسرعة اتصل جين بالرقم واستنى لحد ما الخط اتفتح.. وساعتها قال بلهفة...
- مساء الخير مادلين.. كنت عايز اسألك عن ميرا ياترى قابلتيها النهاردة زي ما كنتنوا متفقين؟.. هي قالتلي انكوا هتتقابلوا.
- لا ماقابلتهاش، وقلقانة عليها من ساعة ماشوفت الخبر في التلفزيون.
- هو انتِ شوفتي الخبر؟
- ايوة جين، قولي هي ميرا فعلًا اتخطفت؟
- مش عارف بس لحد دلوقتي دي الحاجة الوحيدة المؤكدة.
- أرجوك طمنبي عليها جين.
- لو وصلت لحاجة هبقى اعرفك.. انا بس كنت محتاج اتأكد اتقابلتوا النهاردة ولا لا؟
- لا هي اتصلت بيا امبارح متأخر ولغت الميعاد.
- هي اللي لغيت الميعاد؟
- بالظبط قالت إنها مش فاضية بكرة.
- ماقتلكيش مش فاضية ليه؟
- لا جين ماقالتش.
- شكرًا مادلين.. لو وصلت لحاجة هبلغك.. باي.
- باي.
قفل جين الخط وحيرته زادت أكتر.. بس قرر يسمع بقيت الرسايل المسجلة يمكن يقدر يوصل لحاجة، لكن الرسايل كانت كلها رسايل عائلية من حماته أو من أمه، ماكنش فيها حاجة مهمة أو غريبة.. وده خلاه هيتجنن، ميرا كانت خارجة تقابل مين؟.. في وسط تفكيره رن تليفون البيت.. اتفزع ومسك السماعة بسرعة ورد بلهفة...
- الو.
سمع صوت لورين من الناحية التانية بتقوله...
- سيد جين ازيك؟
- مش تمام لورين.. قوليلي وصلتوا لحاجة؟
- لا لسه، انا قاعدة مع السيد ريموند ولحد دلوقتي قرينا اغلب الرسايل بس مافيش حاجة واضحة.
- اومال بتتصلي ليه؟
- السيد ريموند كان عايز يسألك عن حاجة، بصراحة مش عارفة اي هي.
- تمام خليني اكلمه.
سمع جين صوت ريموند بيقوله...
- جين.. تفتكر معنى اللغز ايه؟
- مش عارف!.
- في حاجة لاحظتها في الرسالة هقولك عليها يمكن تساعدك.
- حاجة ايه؟
- الجملة المكتوبة في اخر اللغز.. بتقول "هنا فقط ستجد راحتك" صح؟
- مظبوط.
- الجملة دي على ما أتذكر كنت قريتها زمان في ايام خدمتي العسكرية، كانوا بعتونا نخدم في منطقة من المناطق البعيدة عن المدينة، وفي مرة كنا راجعين من المنطقة اللي بنخدم فيها وبسبب السيول الغزيرة اضطرينا بعد حوالي ساعة اننا نوقف في الطريق وساعتها دورنا على أي مكان نقضي فيه الليل لحد ما النهار يطلع ونقدر نتصل بأي حد يساعدنا، الطريق كان مهجور، مشينا كتير على رجلينا وسط السيول لحد ما في النهاية شوفنا من بعيد يافطة كبيرة منورة ومكتوب عليها كلمة فندق وتحتها كان مكتوب الجملة دي، المبنى كان ضخم بس الحقيقة ماكنش فندق بالمعنى المعروف، هو يعتبر سكن مناسب لقضاء ليلة واحدة على الطريق.. تفتكر ممكن يكون المكان ده هو المقصود؟
- مش عارف!.. انت تفتكر كده؟
- اعتقد لو مشينا ورا الفرضية دي، يبقى الرقم a08 المقصود به رقم الغرفة، بس اللي مش قادر افهمه هو رقم 50 والرسمة بتاعت القلادة.. لو الفرضية صحيحة فانت الوحيد اللي تقدر تعرف معناهم، اما لو ماكنتش زورت المكان ده قبل كده يبقى اعتقد كلامي كله مجرد ترتيب خاطئ.
- انا مازورتش المكان ده قبل كده.. ممكن تقولي العنوان بالظبط؟
كان ريموند بيقول العنوان في نفس الوقت اللي جين كان بيكتب وراه في ورقة قدامه كل حرف بيقوله، وبعد ما خلص ريموند، سأله جين...
- تفتكر لو كلامك صح.. ممكن يكون عايزني اروح هناك؟
- اعتقد كده.
- شكرًا ريموند.. انا مقدر مجهودك.
- ماتشكرنيش.. دي فرصة عظيمة عشان استعيد جزء من أيامي العسكرية الجميلة.. بالتوفيق جين.
قفل جين الخط ومسك الورقة المكتوب فيها العنوان وبدأ يفكر، الطريق من بيته للعنوان ده تقريبًا عشر ساعات، عشر ساعات من حياة مراته ممكن تضيع على الفاضي.. بس في نفس الوقت المجازفة مطلوبة وممكن توصله لحل اللغز.. قرر إنه هيروح ويجازف، دخل أوضته ولبس بالطو تقيل، وبعدها خد مفاتيح عربيته وخرج من البيت.. بس بعد ما خرج بدقايق رن تليفون البيت، ودي كانت المكالمة...
- هالو هنا منزل جين من فضلك اترك رسالتك بعد سماع الصفارة.
- جين نسيت اقولك المكان هناك مهجور بقاله أكتر من عشر سنين.. اعتقد الفرضية غلط.. مافيش حد عايش هناك دلوقتي.. انسى كل اللي قولتهولك.
في نفس توقيت المكالمة كان جين خرج بعربيته في طريقه للفندق المهجور، وبعد عشر ساعات أو أكتر شوية وصل جين للفندق، قدامه كانت اليافطة موجودة لكن مضلمة، نزل من العربية ووقف قدام اليافطة وبدأ يحاول يقرأ الكلام اللي عليها، كان في جزء كبير منها مفقود وده أكيد بفعل العواصف والسيول، بس من الحروف الباقية اتأكد جين إن الجملة فعلًا هي نفس الجملة المكتوبة في اللغز، بس على المبنى الضخم اللي قدامه واللي كان مضلم، وشكله مهجور بقاله فترة طويلة، وشاف على الأرض قطع أثاث مرمية، وكإن المبنى تعرض للسطو أو لهجوم عنيف، مشي بهدوء وثبات لباب المبنى، نور االكشاف اللي معاه، وزق الباب، الباب اللي عمل صوت تزييق عالي، وعلى نور الكشاف دخل جين المبنى، وبدأ يتحسس خطواته، وصل لحد الريسيبشن واللي كان عبارة عن فاصل خشبي صغير ووراه كرسين وعلى الحيطة برواز خشب متعلق عليه مفاتيح الغرف، في اللحظة دي حس جين بالذاكرة بتنشط في دماغه وبدأ يشوف منظر قديم من الذاكرة..
(فلاش باك).
كان واقف جين قدام الريسيبشن وباين إنه متعصب، بص للست العجوزة اللي كانت واقفة قدامه وسألها بحدة...
- فين أوضة أليكس؟
- انت مين؟
- انا صديقه.
- بس أليكس مش موجود.
- تمام.. هستناه فوق لحد ما يرجع.
بصتله العجوزة بقلق وسكتت، وفي اللحظة دي خرج جين مسدس من جيب البالطو ووجهه ناحية العجوزة اللي رفعت ايديها بتلقائية وبدأ جسمها يرتعش وقالتله بصوت مهزوز...
- أرجوك.. أرجوك انا ست عجوزة وماعملتش حاجة.
- لو عايزة تحافظي على حياتك قوليلي فين أوضة أليكس؟
بايد مرتعشة شاورتله الست على المفتاح، وكإنها بتطلب الإذن من جين تتحرك عشان تناوله المفتاح، شاورلها تروح تجيبه من على الحيطة، وبهدوء نفذت العجوزة الأمر وناولت جين المفتاح، بعدها شاورتله على السلم اللي بيطلع لفوق وقالت بصوت ضعيف...
- رابع أوضة على الشمال.
خد جين المفتاح وبص للعجوزة بصة تحذيرية فهمتها كويس، وعرفت إنها لو عملت أي حركة فـ جين هيقتلها، طلع جين الدور الي فوق.
******
المبنى حاليًا كان متهالك، وعشان كده جين لما فاق من المشهد اللي افتكره قرر يطلع الدور اللي فوق، السلم كان عليه بقايا هدوم وعفش قديم متكسر، حاول جين يتفاداه، ويطلع لفوق، كان بيقول في سره وقتها "الغرفة a08”" لسه فاك رقم الأوضة لحد دلوقتي.. وصل جين للدور التاني ودخل ناحية الشمال، عدا من قدام الأوضة الأولى وبص عليها من عند الباب وشاف قد ايه الأوضة كانت متبهدلة، فضِل ماشي لحد الأوضة الرابعة، وقدام الباب وقف وبص على الرقم، وساعتها افتكر اللي حصل أول مرة دخل فيها الأوضة زمان.
(فلاش باك).
كان واقف جين قدام الأوضة وبيبص على الرقم وفي ايده المفتاح، مسك المسدس بايده اليمين وحط المفتاح في الباب بايده الشمال وبدأ يفتح الباب، وبسرعة دخل جين الأوضة وهو موجه مسدسه قدامه، تحسبًا لأي هجوم مفاجئ، بص اللي حصل إنه مالقاش أي حد في الأوضة، دور في كل مكان بس ماكنش في أي حد، وفي اللحظة دي وقف جين وبص من الشباك بعد ماقفل نور الأوضة زي ما كان، وقرر إنه هيستنى أليكس لحد ما يرجع، استنى حوالي ساعتين لما فجأة شاف شاب أسمر عريض ماشي في الشارع بيتطوح وباين عليه السُكر، خرج جين من الأوضة ورمى ودنه عشان يسمع إذا كانت العجوز هتحذر أليكس ولا هتديله المفتاح التاني وتسيبه يطلع من غير مايعرف بوجوده، وفعلًا سمع صوت أليكس طالع على السلم وبيغني.. دخل جين الأوضة مرة تانية واستخبى في ركن ورا الشماعة، فتح أليكس الباب ودخل.
********
مد جين ايده وزق الباب اللي عمل صوت تزييق، ودخل الأوضة، كانت كل حاجة فيها مقلوبة، السرير ماكنش عليه حتى مرتبة، والدولاب مفتوح ومحتوياته كله على الأرض، دخل جين الحمام، وساعتها سمع صوت نقطة ماية بتنزل من الحنفية بانتظام، وجِه الكشاف ناحية مصدر الصوت وكانت حنفية البانيو، قرب منها وحاول يقفلها، بس في اللحظة دي حس بايد بتمسك ايده وبتحاول تشده للبانيو، قاوم جين مقاومة شديدة، وفي النهاية الايد سابته لدرجة إنه كان هيوقع على ضهره، اتنهد جين بارتياح إنه قدر يخلص من الايد دي، وقرر يخرج من الحمام، بس عند الباب سمع صوت همس "جين.. أخيرًا رجعت" لف وشه ناحية الصوت واللي كان مصدره مراية الحمام، وجِه الكشاف ناحية المراية وساعتها شاف وش أليكس في المراية، كان بيبصله بعيون مليانة غضب وحقد، قرب جين من المراية عشان يتأكد من اللي شايفه، كان سامع صوت أليكس في ودانه...
- أرجوك جين.. أررجوك ماتقتلنيش.
سمع صوت الطلقة وهي بتخرج من مسدسه، وفي اللحظة دي صرخ ألأيكس صرخة عالية، رجع معاه جين خطوتين لورا بعيد عن المراية.. ولما فاق بعد ثواني خرج يجري من الحمام، بس وعند باب الحمام، شاف أليكس واقف قدامه عند باب الأوضة، كان واقف وفي إيده بالطة، كان لابس نفس الطقم اللي كان لابسه يومها، وفي مكان لرصاصة في قلبه وقميصه غرقان دم من أثر الرصاصة، بصله جين برعب وبلع ريقه بصعوبة في نفس اللحظة اللي ابتسم فيها أليكس وبدأ يتحرك ناحية جين، جين اللي رجع خطوتين تلاتة لورا مع حركة أليكس ناحيته، وفضِل جين يرجع لحد ما بقى ضهره في ركن الأوضة، ابتسم أليكس ابتسامة واسعة لما أدرك إن جين اتزنق في الكورنر ومابقاش له مفر، قرب منه ببطء لحد ما بقى بينهم خطوة واحدة بس وفي اللحظة دي رفع أليكس ايده بالبالطة ونزل بها ناحية جين، لكن وقبل ما يوصل لراس جين، اتسمرت ايده في الهوا مع صوت أول طلقة، بعدها اتنفض جسمه من الطلقتين التانيين، جين كان بيضرب نار بعشوائية، وفجأة وقع أليكس على الأرض وغمض جين عينيه في انهيار.. بعد لحظات فتح جين عينيه بس مالقاش أليكس ولا لقى البالطة، نور الكشاف في المكان وساعتها شاف قدامه مكان الطللقات معلم في درفة الدولاب، رمى الكشاف جنبه على الأرض ونزلت دموعه من عينيه، وفي اللحظة دي ضرب فلاش في وشه، بص ناحية الفلاش شاف واحد ماسك كاميرا ومبتسم، قام جين من مكانه، بس قبل ما يتحرك الباب اتقفل وسمع صوت المفتاح بيلف في الكالون، مسك جين الأوكرة وحاول يفتح الباب لكن بدون فايدة، جري على الشباك وشاف الشاب وهو بيجري ناحية عربيته، حاول جين يضرب عليه نار، لكن المسافة كانت بعيدة والضلمة كانت حاجبة الرؤية، رمى المسدس في غضب، وبدأ يحاول الخروج من الأوضة، وبعد حوالي نص ساعة كان قدر جين يكسر الباب ويخرج، بس هنا ومع أول خطوة حس بحاجة تحت رجله، ولما بص لقى صورة من الصور، وطى جين جاب الصورة وساعتها شاف أليكس مبتسم، قلب الصورة وشاف على ضهرها جملة واحدة بس وهي "تم الحل اللغز بنجاح"
ماكنش فاهم أي حاجة، بس اللي كان بيفكر فيه وقتها هو إنه يخرج من المكان ده بأسرع ما يمكن.. وفعلًا خرج من المبنى لكن أول ما وصل لعربيته لقى الكاوتش مضروب بالنار.. لعن اللي عمل كده وقرر يستنى لحد النهار ما يطلع ويشوف اي عربية معدية تاخده لأقرب نقطة يركب منها للمدينة.
الرحلة استغرقت من جين حوالي 15 ساعة عشان يوصل بيته، وأول ما وصل قلع هدومه وخد شاور، بعدها فتح التلفزيون عشان يتابع الأخبار، واتفاجئ بالمذيعة بتنشر رسالة جديدة من السيد هود بيقول فيها"استطاع السيد جين حل اللغز الأول، وينتظر مني اللغز الثاني واللذي سيصله قريبًا.. تهانينا سيد جين"
علقت المذيعة على الخبر وقاالت...
- إزاي يكون اللغز علني والحل سري.. من حق المتابعين إنهم يعرفوا حل اللغز وإلا هنبدأ نفكر في إن السيد جين متآمر وإنه مافيش خاطف من الأساس ودي كلها لعبة عشان يعمل دعايا لقصصه البوليسية.
قفل جين التلفزيون وهو بيشتم المذيعة، بعدها مسك صورة أليكس وفضِل يبص فيها قبل ما يقول...
- موتك كان لعنة كبيرة عليا.. بس ياترى لعنتك هتخلص امتى أليكس؟
رن تليفون البيت، لكن جين ماتحركش من مكانه، فضل قاعد لحد ما سمع الرسالة الصوتية وكان صوت ريموند بيقول...
- مبروك جين لوصولك لحل اللغز، لكن تفتكر اللغز التاني هيكون في فندق ولا؟...
يتبع في الجزء الثاني...
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل.