القائمة الرئيسية

الصفحات

التنقل السريع

     

    حرب الشيطان شادي إسماعيل قصص رعب

    بقلم الكاتب: شادي إسماعيل 

    فتحت عيني على صوت عصافير.. أول ما فتحت لقيت نور أبيض ساطع في وشي.. كانت السما، اتعدلت في قعدتي، بصيت حواليا لقتني نايم في أرض زراعية كلها خضرة، قومت بهدوء وساعتها حسيت بدوخة بسيطة، كنت مصدع مش عارف ليه؟.. بصيت على مرمى البصر شوفت ناس قاعدين، مشيت ناحيتهم، وبعد مشي كتير وصلتلهم أخيرًا.. أول ما شافوني بصولي باستغراب.. وأنا بصراحة كنت مستغرب شكلهم، واحد منهم قالي...

    - أنت مين؟

    بصيتله لثواني وبعدين قولتله...

    - مش عارف!.. هو إحنا هنا فين؟

    - أنت في أرض الله.

    - ما كل الأرض أرض الله.. أنا قصدي المنطقة دي اسمها ايه؟

    - لا هنا مافيش اسامي.. الأرض من حقنا كلنا نستخدمها.. لكن أنت جيت إزاي؟

    - ماعرفش.. أنا صحيت لقيت نفسي هنا.

    - طب وجاي ليه؟

    - ماعرفش.

    ابتسم الشخص ده وبعدين مد ايده ناحيتي وهو بيقولي...

    - أنا اخوك مؤمن.

    مسكت ايده وسلمت عليه وقولتله...

    - اهلًا وسهلًا.

    طبطب على كتفي بعدها وخدني وسط الناس اللي كانوا قاعدين معاه وبعدين لقيته بيعرفني عليهم، كنت بهز دماغي بابستامة وأنا ببص لكل واحد فيهم، وبعد ما خلص بص لي وقالي...

    - شكلك فقدت الذاكرة.

    - تقريبًا كده، أنا مش عارف إيه اللي حصلي؟

    ابتسم وقال...

    - ماتقلقش، إن شاء الله خير.. دلوقتي اخدك ونروح للشيخ سلام يشوفك.

    أول ما سمعت اسم الشيخ سلام حسيت بحاجة جوايا اتنفضت، ماعرفش ايه اللي حسيت به ده، بس جسمي ماكنش مظبوط، حاولت اسيطر على نفسي عشان ماحدش ياخد باله، بعدها ابتسمت في وش مؤمن وقولتله...

    - ياريت.

    قعدنا وقت طويل كل واحد منهم بيحكي حكاية شكل وكانوا كل شوية يبصولي وهم مبتسمين ويسألوني عن رأيي في الكلام اللي اتقال، لحد ما لقتني مرة واحدة بسأل مؤمن وبقوله...

    - هو الشيخ سلام هنروحله امتى؟

    بص لي وبعدين قال...

    - دلوقتي لو عايز.

    - اه ياريت لو ينفع نروحله دلوقتي.

    - طب ومستعجل ليه؟

    - مش أنت بتقول إن هو اللي هيقدر يعالجني من فقدان الذاكرة.

    - أنا ماقولتش كده، بس الصراحة هو يقدر.

    - طب يلا مستنين ايه؟

    - يلا.. عن إذنكوا يا رجالة هنروح لحد الشيخ سلام ونرجع.

    قومنا مشينا، بس في الطريق لاحظت حاجة غريبة، البلد كلها تقريبًا لابسة نفس اللبس، وكمان كلهم بيبصولي باستغراب وكإنهم عارفين إني غريب، الناس هنا ملامحها مختلفة، وشوشهم بيضا ومنورة، وروحهم حلوة، كلهم تقريبًا يعني مش واحد أو اتنين، لا.. دي البلد كلها، اما البيوت فكانت بيوت عادية وأغلبها أو كلها من دور واحد، وفي بيوت من دورين بس الدور الأرضي غالبًا بيبقى محلات، مش محلات زي اللي احنا عارفينها، لا دي دكاكين صغيرة، فضِلنا ماشيين شوية حلوين لحد ما وقفنا قدام بيت من البيوت وساعتها مؤمن قالي...

    - هو ده بيت الشيخ سلام.

    بعد ما خلصت جملته خبط على الباب خبطتين ورجع وقف جنبي، كنت مستني الباب يتفتح، بس ماتفتحش، قرب مؤمن من الباب وخبط مرتين كمان لكن برضه الباب ماتفتحش، وهنا سألته...

    - هو الشيخ سلام مش موجود؟

    - شكله كده مش موجود، تعالى ونبقى نعدي عليه كمان شوية.

    - لسه هنرجع كل ده؟

    - لا لا.. احنا هنروح البيت عندي.. وهو قريب من هنا.

    - طب كويس.. يلا بينا.

    مشي وأنا مشيت معاه لحد ما وصلنا للبيت عنده، بعدها فتح الباب ودخل وأنا فضلت واقف مكاني.. بص لي وقالي..

    - اتفضل ادخل.

    - ماتشوف يمكن في حد ولا حاجة.

    - لا أنا قاعد لوحدي.. اتفضل ادخل.

    دخلت وهو قفل الباب ودخل معايا، البيت كان عبارة عن صالة واسعة، وفي الوش باب مقفول وعلى شماله باب تاني، اما على يمينه فكان في سلم بيطلع على السطح، لإن البيت دور واحد زي ما قولتلك، اما على يميني أنا بقى كان في قعدة معمولة من الأسمنت، واخدة شكل الكنبة، ومفروش عليها كليم مخطط أبيض في أحمر، شاورلي مؤمن عشان اقعد على الكنبة دي، وبعدها مشي هو ناحية الباب المقفول ودخل منه، وبعد دقيقة أو دقيقتين لقيته خارج ومعاه جلابية نضيفة، قرب مني وقالي وهو بيناولني الجلابية...

    - البس الجلابية دي عشان ترتاح بدل اللي أنت لابسه ده.

    - لا شكرًا.. أنا مرتاح كده.

    - اسمع بس.. خد البس دي واقعد براحتك، وماتتكسفش مافيش غيري أنا وأنت هنا.

    - تمام شكرًا.

    خدتها منه وحطيتها جنبي، وبعدين سألته...

    - هو أنت قاعد لوحدك ليه؟

    قعد جنبي وبعدين قالي...

    - أنا اقولك، ابويا وأمي كانوا قاعدين معايا هنا، بس فجأة ابويا تعِب تَعَب شديد ومات، ومافيش كام سنة وأمي حصلته، ومن ساعتها وأنا قاعد لوحدي.

    - الله يرحمهم، بس أنت مافكرتش تتجوز ليه؟

    - لا أنا كده أحسن.

    - تمام، تفتكر الشيخ سلام هيبقى في بيته إمتى؟

    - والله هو مالوش مواعيد، الشيخ سلام مشغولياته كتير الله يكون في عونه.

    - ليه هو بيشتغل ايه؟

    - حاجات كتير.. بيعالج الناس بالقرآن، وبيعلم الأطفال في الكُتاب.. وإمام جامع.. وكمان تاجر شاطر.

    - بيتاجر في ايه بقى؟

    - بيتاجر في العطارة.

    - ماشاء الله.. وبيجيب وقت منين لكل ده؟

    - الحقيقة أنا كمان مستغرب زيك كده، بس هو بيقول إن ربنا بيعينه عشان بيسعى في مساعدة الناس.

    - يارب يقدر يساعدني.

    - ماتقلقش إن شاء الله هيساعدك.. قوم أنت بس غير هدومك وأنا هروح اجيب أكل وارجع.

    - ماشي.. بس انا....

    - اه ادخل الأوضة دي وغير فيها براحتك واعتبرها أوضتك طول ما أنت قاعد معايا.

    شاورلي على الأوضة اللي على اليمين ووصلني لحد هناك وبعدها سابني ومشي عشان يجيب الأكل.. دخلت الأوضة وبصيت حواليا لقيتها أوضة فاضية، مافيش غير مكان هو شبه السرير بس معمول من الأسمنت هو كمان زي الكنبة اللي برة، ومحطوط عليه فرش عشان مايبقاش ناشف على الجسم، أما جنب الباب فكان فيه لمبة جاز متعلقة على الحيطة بمسمار، وبقيت الأوضة فاضية، الناس دي عايشة عيشة غريبة، غيرت هدومي ولبست الجلابية، وبعدها حطيت هدومي على السرير ده، لو ينفع نقول عليه كده يعني!.. وخرجت قعدت برة على الكنبة، بصراحة كنت حاسس إني مبسوط أو عشان يكون تعبيري أوضح مرتاح، حاسس إني مش عايز امشي من هنا.. فضِلت قاعد لحد ما الباب اتفتح وشوفت مؤمن داخل وفي إيده صينية كبيرة، بصيتله بإستغراب، بس هو قالي وهو شايل الصينية...

    - هات البتاع دي وحطها هنا.

    - بتاع ايه؟

    - اللي هناك عند الحيطة دي.

    بصيت على الحيطة لقيت ترابيزة صغيرة جدًا مسنودة عليها، شبه الكرسي، قومت جيبتها وساعتها قالي...

    - حطها هنا.

    حطيتها في نص الصالة زي ماقال، ووقتها نزل مؤمن بالصينية على الترابيزة دي، وقعد على الأرض وقالي...

    - اقعد واقف ليه؟

    قعدت قدامه ولقيته رفع المفرش الأبيض اللي كان على الصينية وهنا شوفت أطباق أكل كتيرة، كان فطير وعسل بطحينة وعسل أبيض وجبنة وقشطة، بصيت على الأكل وقولتله...

    - ايه ده كله؟!.. أنت جيبت الأكل ده منين؟

    - من عند خالتي، روحت وخليتها تحضره، وقولتلها تعملك غدا محترم.

    - تاعب نفسك معايا.

    - مافيش تعب ولا حاجة، وبعدين اديك قاعد بتونسني بدل ما أنا قاعد لوحدي.. يلا مد ايدك.

    - بسم الله الرحمن الرحيم.

    بدأنا أكل وبعد ما خلصنا لقيته شال الصينية وحطها على جنب وأنا رجعت الترابيزة مكانها، وبعدها قعدت على الكنبة، جه قعد جنبي واتكلمنا شوية، كان بيحكيلي عن بلدهم والعادات اللي فيها، وبعد ما خلص قالي...

    - ماتقوم تناملك شوية على ما يجي ميعاد الشيخ سلام.

    - وهو ميعاده إمتى؟

    - مش عارف، أنا هنزل اروح مشوار وهعدي عليه ولو لقيته هبلغه إننا هنروحله.. وهاجي اخدك ونروح.

    - ماشي.. أنا فعلًا حاسس إني عايز انام، الأكل عندكوا حلو أوي.

    - بالهنا والشفا.. طيب ادخل نام وأنا هنزل البلد.

     دخلت الأوضة عشان انام ومؤمن نزل زي ما قال، فردت ضهري على السرير الأسمنت ده، وبصراحة كنت متوقع إنه هيبقى صلب، بس ماحسيتش بحاجة، وكأنت نومة مريحة جدًا، غمضت عيني ونمت.

    - توك توك.

    (صوت فرامل التوك توك)

    - رايح فين ياعم الحاج؟

    - اطلع وأنا هقولك.

    ركب الراجل ورا، واتحركت أنا بالتوك توك وكان قاعد جنبي طفل عنده حوالي 9 سنين.. بصيت في الساعة وقتها لقيتها كأنت داخلة على 2 بالليل، والشوارع كلها فاضية، مشيت كتير وهو ساكت مابيتكلمش.. لفيت وشي ساعتها وقولتله...

    - هو أنت رايح فين يابا؟

    - هاه.. رايح...

    طلع راسه من التوك توك وبص يمين وشمال وبعدين قالي...

    - هو احنا إيه اللي جابنا هنا؟

    رديت عليه باستغراب...

    - مش أنت اللي قولت اطلع وأنا هقولك.. أنا مشيت وأنت سكت فـ افتكرت إني ماشي صح.

    - لا لا.. الطريق مش من هنا خالص.. سامحني يابني.. أنا بس سرحت شوية.

    - ولا يهمك يابا.. الطريق منين؟

    *******

    فتحت عيني على ايد بتهزني، كان مؤمن، قومت اتعدلت في قعدتي، وبصيتله باستغراب، وسرحت وأنا بفكر في الحلم اللي شوفته، وقولت بصوت مسموع...

    - مين الراجل ده؟.. والطفل.. الطفل اللي كان جنبي ده مين؟.

    - راجل ايه؟.. وطفل مين؟

    بدأت احكيله عن الحلم اللي شوفته وبعد ما خلصت قالي...

    - أنت مش فاكر شكل الطفل ده خالص؟

    - لا.. أنا أول مرة اشوفه.

    - طب والراجل اللي ركب معاك البتاع اللي اسمه ايه.. التوك توك ده.. مش فاكر خالص شوفته فين؟

    - برضه لا.. أنا مش فاكر أي حاجة.

    - خير، إن شاء الله خير.

    - أنت عديت على الشيخ سلام صحيح؟

    - اه عديت عليه.. بس مالقتوش.. ولما سألت قالولي هيجي كمان شوية.

    - هو فين كل ده؟

    - العلم عند الله.. ماتقلقش إحنا لسه في نص اليوم.

    - أنا عايز اعرف أنا مين.

    - إن شاء الله هتعرف وهترجع مكانك.

    - يارب يا مؤمن يارب.

    - بس خليني اسميك اسم عشان اعرف اندهلك به.

    - ماشي هتسميني ايه؟

    - ممممم.. هسميك.. هسميك مختار.

    - مختار!.. ممم حلو مختار.

    بص لي مؤمن لثواني وبعدين قالي...

    - يعني عجبك الاسم ده؟

    - ماشي.. مش وحش.

    - طب قوم يلا يا مختار.

    - اقوم على فين؟

    - هتيجي معايا ننزل البلد شوية وبعدها نعدي على الشيخ سلام.

    - ماشي يلا.

    نزلنا اتمشينا في البلد شوية وبصراحة الجو كان جميل جدًا، وعدينا على كام واحد مؤمن يعرفهم، وعرفهم عليا باسمي الجديد مختار.. كنت بدأت احب الاسم ده، المهم الليل دخل وساعتها ميلت على مؤمن في وسط القعدة وقولتله...

    - مش يلا نروح للشيخ سلام؟

    - اه يلا.

    قومنا استأذنا من الناس اللي كنا قاعدين معاهم ومشينا في طريقنا للشيخ سلام، وصلنا قدام البيت، وخبط مؤمن خبطتين ورجع وقف جنبي.. اتسنيت الباب يتفتح بس ماحدش فتح، خبط مؤمن مرة تانية خبطتين ورجع تاني، ووقتها قالي...

    - يظهر كده إنه مش موجود.

    - يعني ايه مش موجود.. طب ماتشوف ممكن نلاقيه فين ونروحله.. مش أنت بتقول إنه تاجر يعني أكيد عنده محل.

    - اه عنده محل.

    - طب خلاص تعالى نروحله المحل ونشوفه.

    - يلا نروح المحل.

    مشينا من قدام البيت وروحنا المحل، بس هناك قابلنا شاب وقالنا إن الشيخ سلام مش موجود، اتعصبت أكتر وقولت لمؤمن...

    - هو ايه يعني زيبق!.. إزاي مش عارفين نقابله؟

    رد عليا بهدوء...

    - ما أنا قولتلك الراجل مشغولياته كتير.. أهل البلد كلهم بيطلبوه وهو عمره ما اتأخر عن حد.

    - وجاي يتأخر عني انا؟!.. طب مش هو إمام الجامع زي ما بتقول.

    - اه إمام الجامع.

    - خلاص العشا قربت تأذن تعالى نروح الجامع وأكيد هنقابله هناك.

    - ماشي بينا على الجامع.

    وصلنا الجامع ودخلنا جوة صلينا ركعتين وقعدنا مستنين صلاة العشا، وفعلًا الأذان أذن وبعدها شوفت واحد بيتقدم عشان يصلي بينا، فسألت مؤمن...

    - هو ده الشيخ سلام؟

    - لا ده شيخ بيصلي بينا لما الشيخ سلام مابيجيش.

    - يعني حتى الجامع مش عارفين نلاقيه فيه.. هيكون راح فين يعني؟

    - ممكن يكون خرج برة البلد وراح بلد تانية.. ولو كده يبقى مش هنقدر نقابله قبل أسبوع.

    - أسبوع!

    - الله أكبر.

    الإمام بدأ الصلاة وساعتها سكتنا وبدأنا الصلاة وراه، وبعد ما خلصنا خرجنا من الجامع، وفي طريقنا للبيت كنت حاسس بإباط شديد...

    - أسبوع!.. يعني أنا هفضل بالمنظر ده إسبوع؟

    - أنت مكبر الموضوع ليه؟

    - وأنت شايف الموضوع مش كبير؟!.. أنا فاقد الذاكرة ومش عارف أنا مين؟.. ولا جيت هنا ليه؟

    - ياسيدي اديك منورنا اسبوع لحد ما الشيخ يرجع.. اعتبر نفسك مسافر الفترة دي.

    - ياريتها بالبساطة دي.. على الأقل لو مسافر هبقى عارف أنا مسافر فين ولمين.. لكن أنا دلوقتي مش عارف اي حاجة خالص.

    - ربك كريم.. ربك كريم يا مختار.

    وصلنا البيت ودخلنا جوة، ومن كتر ما أنا مضايق استأذنت من مؤمن وقولتله إني محتاج انام، حاول يخليني اقعد معاه لحد ما أفك، بس أنا اصريت ادخل انام، وفعلًا دخلت الأوضة وقفلت الباب، قعدت على السرير وأنا بفكر هقضي الاسبوع ده إزاي؟.. طبعًا بالنسبة لواحد فاقد الذاكرة زيي، فأنا ماكنش عندي أي معلومات أو ذكريات اسرح فيها، وعشان كده زهقت ونمت.

    ******

    كنت قاعد في التوك توك وباصص للراجل اللي قاعد ورا وهو بيقول...

    - لا لا.. الطريق مش من هنا خالص.. سامحني يابني.. أنا بس سرحت شوية.

    - ولا يهمك يابا.. الطريق منين؟

    - بص هترجع ورا وتدخل من الشارع الجاي شمال وبعدها تدخل اول حارة يمين في تاني حاودة شمال.. البيت هناك.

    نفخت في ضيق وبعدين لفيت وش التوك توك ورجعت زي ما قال.. دخلت الشارع في الحارة في الحاودة، بس.. بس ماكنش في بيوت!.. بصيت حواليا وبعدين سألته...

    - هو بيتك فين يابا؟

     ماردش عليا، ساعتها لفيت وشي ورا وأنا بقوله...

    - بيتك فيـ...

    الراجل اختفى، راح فين ده؟.. نزلت من التوك توك أنا والطفل اللي كان قاعد جنبي، بس المرة دي لما نزلت اكتشفت إني في أرض واسعة مافيش حواليا أي شوارع أو بيوت ولا حتى طريق، مافيش غير أرض فاضية وواسعة، سألني الطفل بخوف...

    - إيه اللي بيحصل؟

    - مش عارف.. بس تعالى هنا خليك جنبي.

    - حاضر.

    قرب الطفل مني وأنا مسكت ايده وفضلت ابص حواليا، الدنيا كأنت ضلمة كحل، بدأت أحس بالخوف، لكن اتمالكت نفسي عشان خاطر مانقلش خوفي للطفل، وفجأة سمعت صوت صفير ريح، كإني واقف في الصحرا بالظبط، لفيت حوالين نفسي وبعدها قولت للطفل...

    - يلا بينا نمشي من هنا بسرعة.

    ركبنا التوك توك، ودورت عشان امشي، بس أول ما اتحركت حسيت بهزة قوية في الأرض.. بعدها لقيت قدامي سور عالي ظهر من العدم، الطفل بدأ يخاف ويعيط.. طبطبت عليه وحاولت اطمنه لكن الحقيقة أنا كمان كنت خايف.

    لفيت وش التوك توك ورجعت عشان امشي الناحية التانية، ماكنتش عارف رايح فين.. بس اكيد أحسن ما افضل واقف مكاني.. فضِلت ماشي في الأرض اللي واضح إنها مابتنتهيش.. مش قادر أوصل لآخرها.. ومرة واحدة ظهر قدامي بيت كبير جدًا.. وقفت بالتوك توك وفي اللحظة دي البيت نور كله.. وكان نور أحمر.. الطفل صرخ وقال...

    - ايه ده يا بابا؟

    ******

    قومت من النوم مفزوع وحاسس إني بنهج كإني كنت بجري، وفي ودني سمعت اخر جملة في الحلم..

    - ايه ده يا بابا؟

    قولت ساعتها بصوت مسموع...

    - بابا!.. يعني اللي في الحلم ده إبني؟!.. طب هو فين؟.. وياترى هو مع مين دلوقتي؟.. يعني أنا متجوز وعندي ابن.. طب ومراتي؟.. مراتي مين؟.. لا لا أنا مش هينفع استنى اسبوع، أنا لازم اشوف صرفة اقابل بها سلام ده، حتى لو هسافرله البلد اللي هو فيها، فين فين مؤمن؟..

    قومت من على السرير ومشيت ناحية اللمبة الجاز، واللي كان جنبها كبريت، ولعتها وبعدين مسكتها في ايدي وخرجت من الأوضة، بصيت على مؤمن في الصالة لكن ماكنش موجود، مشيت ناحية الأوضة بتاعته وخبطت على الباب، مرة واتنين لحد ما لقيته فتح ووقف قدامي وهو بيحاول يفوق نفسه، وقالي...

    - خير يا مختار؟

    - أنا ليا ابن يا مؤمن.. ليا ابن.

    بص لي باستغراب وقال...

    - لك ابن!.. إزاي؟

    تعالى وأنا هحكيلك، مشيت ناحية الكنبة اللي في الصالة وهو جِه ورايا وبعد ما قعدنا بدأت احكيله الحلم، ولما خلصت قالي...

    - طب وأنت متأكد إن اللي شوفته ده ابنك فعلًا؟.. مش يمكن مجرد حلم؟

    - لا يا مؤمن أنا اكيد الذاكرة بترجعلي أو عقلي بيحاول يستعيد جزء منها، بس أنا متأكد إنه مش حلم ده حقيقة.

    - وايه اللي مأكدلك؟

    - إحساسي، إحساسي بالطفل في الحلم ماكنش عادي، أنا كنت خايف عليه لإنه ابني فعلًا.

    - طب اهدا.. اهدا، لو كلامك صح فده معناه إنه في أمل كبير ذاكرتك ترجع الحمدلله.

    - الحمدلله بس أنا عايز اقابل الشيخ سلام النهاردة بأي شكل.

    - وهتقابله إزاي؟!.. احنا مانعرفش هو فين.

    - ماعرفش بس لازم نشوف صرفة.

    - خلاص الصبح نعدي عليه تاني وإن شاء الله يكون رجع.. قوم نام دلوقتي والصباح رباح.

    - لا أنا مش جايلي نوم، ادخل أنت كمل نومك وأنا اسف إني ازعجتك.

    - مافيش إزعاج ولا حاجة.. ماتقولش كده.. أنا هدخل انام واصحيك على أذان الفجر.

    - إن شاء الله.

    قام مؤمن دخل أوضته وأنا فضِلت قاعد على الكنبة في الصالة، وجنبي اللمبة الجاز، كان بيدور في عقلي الحلم الأخير، ومنظر ابني، وكل ما كنت بفتكره كنت بتأكد أكتر إنه ابني، أحساسي به إحساس أب بإبنه، فوقت على حاجة بتتحرك قدامي، خيال.. خيال ظاهر في ظل اللمبة الجاز، مسكت اللمبة وقومت وقفت بس ساعتها الخيال اختفى!.. قعدت مكاني على الكنبة، وحطيت اللمبة جنبي، ومرة تانية رجع الخيال، قولت في عقلي أكيد تهيؤات، لكن سمعت في ودني همس غريب، وصوت حد بيقول...

    - مختار.. إوعى تنسى العهد يا مختار.

    الجملة اترددت في ودني مرتين بصوت تخين ومرعب، ومع ترددها كان الخيال بيكبر أكتر وأكتر، بلعت ريقي بصعوبة ومسكت اللمبة وايدي بترتعش وعليت اضائتها على الآخر، بس قدامي كان في خيال بيرقص، ده أكيد خيال من اللمبة، لالا مش حقيقي، مشيت ناحية الأوضة بس وأنا على الباب سمعت صوت الهمس في ودني...

    - كل اللي هنا بيضحكوا عليك.. الحق ابنك يا مختار.. وإوعى تنسى العهد.. إوعى تنسى العهد يا مختار.

    لفيت وشي ناحية الصالة وبعد ما الصوت اختفى دخلت الأوضة بسرعة وقفلت الباب، جريت على السرير وحطيت اللمبة جنبي وأنا بقول...

    - اعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. اعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

    عدت حوالي خمس دقايق على ما بدأت اهدى واتمالك اعصابي، وبعدها بدأت افكر في اللي سمعته، الحق ابني من ايه؟.. ومين دول اللي بيضحكوا عليا؟.. أنا مش فاهم حاجة!.. وعهد إيه ده؟.. فجأة حسيت راسي بتتقل ولقتني بفرد جسمي على السرير غصب عني وغمضت عيني.

    ******

    البيت نور كله.. وكان نور أحمر.. الطفل صرخ وقال...

    - ايه ده يا بابا؟

    - ماعرفش!.

    بلعت ريقي بصعوبة وأنا بدقق في البيت، بس ده ماكنش بيت عادي، ده كان قصر.. قصر كبير، الطفل كان لسه بيعيط، بصيتله وقولتله...

    - ماتعيطيش يا حسن، احنا هنخرج من هنا.

    - هنخرج ازاي يا بابا؟.. أنا عايز اروح.

    - قولتلك هنروح وبطل عياط.

    - حاضر.

    في اللحظة دي شوفت الراجل من تاني، كان واقف قدامي عند مدخل القصر، واقف وبيشاورلي عشان اروحله، لكن منظره كان غريب.. ماكنش الراجل المسالم اللي ركب معايا التوك توك من شوية، لا.. كان حد تاني نفس الملامح بس جسمه أطول وشعره بقى طويل جدًا.. وساند على عصاية أنا متأكد إنها ماكنتش معاه لما ركب التوك توك، وفي وسط ما كنت عامل ابصله باستغراب اتفزعت فجأة لما سمعت صوت جوايا بيقول...

    - تعالى يا مختار.. انزل ماتخافش.

    الصوت كان مرعب.. مافكرتش كتير ولقتني بمسك الدريكسون عشان اتحرك بالتوك توك، بس الغريبة إنه بدل ما يتحرك وقف والمكنة بطلت، وساعتها رجع الصوت جوايا من تاني...

    - مافيش هروب يا مختار.. اللي بيدخل هنا مابيخرجش تاني.

    وقتها جسمي اتنفض وصرخت بصوت عالي...

    - أنت عايز ايه؟

    - أنا الي هغير حياتك وهخليك تشوف اللي عمرك ما شوفته.

    - أنا مش عايز اشوف حاجة.. سيبني اروح أنا وابني.

    - هتروح على فين؟.. ولمين؟.. أنت راجل فقير مافيش حيلتك أي حاجة.. فقير المال وفقير الأهل.

    - لا أنا مش فقير.. أنا مش فقير، وابني هو أهلي.

    - طب وأنت هتعيش لابنك قد ايه؟.. ولما يكبر مين هيكونوا أهله؟

    - أرجوك سيبني.. سيبني امشي.

    - قرب يا مختار.. قرب ماتبقاش جبان.

    حسن مسك في هدومي وعياطه زاد، ماكنتش عارف اقوله ايه عشان يسكت!.. هو أكيد مش سامع اللي الراجل ده بيقوله لإن الكلام كان جوايا.. كإني بتكلم مع نفسي.. بصيت لحسن ورجعت بصيت حواليا واكتشفت إن الراجل معاه حق مافيش مجال للهروب.. حتى لو نزلت جريت.. هجري على فين؟.. ومنين الإتجاه الصح أصلًا؟.. عشان كده بعد تفكير قررت أروح بمزاجي واشوفه عايز مني ايه؟.. بصيت لحسن وقولتله بصوت واطي...

    - احنا هننزل دلوقتي ونروح للراجل ده.

    - لا يابابا بلاش.. بلاش والنبي.

    - اسمع يا حسن.. احنا مش هنعرف نخرج من هنا غير لو روحنا وشوفنا الراجل ده عايز ايه.. جايز بعدها يسيبنا نرجع بيتنا تاني.. المهم تسمع كلامي.. هتفضل واقف جنبي ماتتحركش.. ومهما حصل ماتسيبنيش وتروح في أي حتة.

    - حاضر يا بابا.

    - يلا بينا.

    مسكت ايد حسن ونزلنا من التوك توك.. وساعتها سمعت صوت الراجل جوايا وأنا بقرب عليه وكان بيقول...

    - احسنت الاختيار.. هنا مكانك.

    - أنا مكاني في بيتي.

    سمعت صوت حسن بيسألني...

    - أنت بتكلم مين يا بابا؟

    - اسكت يا حسن.

    رد عليا الراجل...

    - من هنا ورايح ده بيتك ومكانك.

    وقفت وقتها واتسمرت رجليا في الأرض وحسن هو كمان وقف جنبي بالظبط، بصيت في عين الراجل لقيت عينه لونها أحمر.. بس تدريجيًا بدأت ترجع لطبيعتها تاني.. وفي اللحظة دي سألته...

    - أنت مين؟

    - ده سؤال مالوش إجابة.. وياريت ماتسألوش تاني.

    - عايز مني ايه؟

    - قرب وادخل القصر وأنت هتعرف لوحدك.

    فكرت لثواني بعدها اتحركت ناحيته، وأول ما وصلت عنده أنا وحسن، حسيت بصهد رهيب، ابتسم في وشي وبعدين بص لحسن وابتسم ابتسامة واسعة أوي.. بس نظرته لحسن طولت، لدرجة إني قولتله...

    - أنت عايز منه ايه؟.. خليك معايا انا.

    ماهتمش بكلامي وفضل باصص لحسن، ساعتها مسكت راس حسن عشان اخبيه ورايا لكن اتفاجئت بحسن بيزق ايدي، ولما بصيتله لقيت عينيه لونها بقى أحمر.. بعدها بص للراجل وابستم، ابتسمله الراجل ده وشاور براسه ناحية القصر، وهنا هز حسن راسه بالموافقة مع ابتسامة خفيفة وساب ايدي وطلع السلم اللي بيودي لباب القصر.

    صرخت فيه...

    - حسن.. أنت رايح فين يا حسن؟

    ماكنش بيرد عليا، كمل طريق لحد باب القصر، ولما حاولت امشي ناحيته سمعت الراجل ده بيقولي...

    - حسن خلاص مابقاش معاك.. ولو عايزه يرجع يبقى لازم تعمل المطلوب منك.

    - وايه المطلوب مني؟

    - تروح للشيخ سلام وياتجيب منه العهد يا تقتله.

    - الشيخ سلام مين اللي اقتله؟.. وعهد ايه؟

    - هتعرف لما توصل.

    - أنا مش هقتل حد أنا.

    - خلاص يبقى تنسى ابنك، وهرجعك زي ما جيبتك.. قولت ايه؟

    سكت وفكرت بيني وبين نفسي، أنا لو ماعملتش اللي بيقول عليه مش هقدر اشوف حسن تاني، وفي نفس الوقت أنا مش هقدر ارفض واواجهه واخد حسن، أنا اصلًا مش عارف حسن راح فين، مافيش قدامي حل غير اني اسمع كلامه، بس مش هقتل، اه أنا هروح اقابل سلام واجيب منه العهد، مع إني مش فاهم حاجة.. رفعت راسي وبصيتله لقيته مبتسم ابتسامة خبيثة وكإنه عارف اللي بفكر فيه، اتنهدت وقولتله...

    - أنا هعمل اللي قولت عليه.. بس بشرط ماتأذيش حسن.

    - طول ما أنت بتنفذ كلامي حسن هيفضل بخير.

    - اتفقنا.. اروح لسلام إزاي؟

    في اللحظة دي ومن غير مقدمات حط ايده على راسي وبدأ يتمتم بكلام غريب.. جسمي كان بيتنفض وعيني بتقفل لوحدها وفجأة الدنيا ضلمت.

    ******

    قومت من النوم مفزوع، واتعدلت في قعدتي، أنا كده فهمت كل حاجة، أنا هنا عشان اقتل سلام، بس أنا مش هقتل.. مش هقتل.. ساعتها سمعت صوت همس في وداني...

    - هتقتل يا مختار.. هتقتل وإلا ابنك هيتقتل.. حسن هيتقتل.

    - أنت ليه بتعمل فيا كده؟.. اناماعرفكش.

    - مش لازم تعرفني.. بس لازم تسمع كلامي وإلا...

    - لا حسن لا.. أرجوك.. أرجوك بلاش.. بلاش ابني.

    في اللحظة دي باب الأوضة اتفتح ولقيت مؤمن واقف قدامي.. كان بيبصلي بقلق واضح، بصيتله بشك وسألته...

    - الشيخ سلام عارف اللي بيحصل؟

    سكت ثواني قبل ما يرد عليا ويقول...

    - ماعرفش.

    قومت وقفت واتحركت ناحيته وأنا بقوله بصوت ضعيف...

    - ابني هيموت.. وأنت عارف اللي بيحصل والشيخ سلام أكيد عارف.. ساعدني يا مؤمن.. ساعدني أنقذ ابني.. وإلا مش هيبقى قدامي غير حل واحد.. أنت عارفه كويس.

    بص في الأرض وبعدين قالي...

    - مش هينفع دلوقتي.

    - هو ايه اللي مش هينفع؟

    - مش هينفع تقابل الشيخ سلام دلوقتي.

    - ليه؟

    - ماعرفش، بس هو رافض يقابلك وطلب مني اخليك عندي لحد ما هو بنفسه يجيلك.

    - يعني هو فعلًا عارف اللي بيحصل.

    - ايوة عارف.

    ساعتها سمعنا صوت الباب بيخبط، بصيت لمؤمن بقلق، وهو كمان كان باين عليه القلق، بس راح عشان يفتح الباب، خرجت وراه وأول ما الباب اتفتح لقيت قدامي راجل كبير في السن وباين عليه الهيبة والوقار، بص لمؤمن وبعدين بص لي وابتسم وساعتها سمعت مؤمن بيقوله...

    - شيخ سلام!.

    - ازيك يا مؤمن؟

    - الحمدلله يا شيخ.. ايه اللي جابك دلوقتي؟.. مش احنا اتفقنا...

    قطع الشيخ سلام كلامه ودخل البيت وهو لسه بيبصلي وبعدين اتحرك خطوتين ناحيتي وقال...

    - ضيفك مستعجل للقا ووقت اللقا حان، يبقى ليه نأجل؟

    ابتست في وشه وقولتله...

    - طال الميعاد يا سلام.. من زمان وأنا مستني اللحظة دي.

    - وادي الوقت حان.

    - وقت موتك.

    - موتي له وقت بس ماعتقدش إنه هيبقى على ايديك.

    في اللحظة دي هجم عليا الشيخ سلام ومسكني من هدومي ورجعني في الحيطة، وبدأ يقرأ قرآن، كنت حاسس إن دماغي هتنفجر، ووجع شديد في جسمي كله، حاولت ابعده عني بس كان ماسكني بإحكام، وفجأة صرخت فيه، وساعتها خرج من بوقي دخان أسود، ولقتني بقوله بصوتي العادي...

    - أنت بتعمل ايه يا شيخ سلام؟

    وقف قراية قرآن وبص لي قبل ما يقول...

    - مختار حمدالله على السلامة، ماتقلقش ابنك في أمان، أنا ماكنش ينفع اقابلك قبل ما ارجعه.

    - ترجعه منين؟

    - من المكان اللي الشيطان ده كان حابسه فيه، ابنك بخير ومستنيك.

    - مستنيني.

    - ايوة، أنا هوديك له.. بس الاول لازم...

    - حاسب يا شيخ سلام.

    شديته بسرعة وبعدته قبل ما الضربة تيجي فيه، وساعتها السكينة غرزت في دراعي، السكينة اللي حاول مؤمن يقتل بها الشيخ سلام، صرخت من الوجع وأنا ببص لمؤمن اللي عينيه كان لونها أحمر، نفس لون عين الشيطان لما كان بيكلمي عند القصر، رفع ايديه بالسكينة تاني، بس المرة دي الشيخ سلام هجم عليه ووقعه على الأرض، وكتف ايده وبدأ يقرأ قرآن، كان بيقرأ بصوت عالي، ومؤمن جسمه كان بيتشنج تشنج فظيع، بس مع قراية الشيخ سلام بدأت ايده تسيب السكينة واحدة واحدة، وساعتها بعدته عنه، لحد ما صرخ صرخة عالية وخرج من بوقه دخان أسود، وفي اللحظة دي سمعت صوته، كان بيزمجر بغضب وبيقول...

    - هنتقابل تاني يا سلام، الحرب لسه ماخلصتش، ويا أنا يا انت.

    فتح مؤمن عينيه وشهق شهقة عالية وساعتها اتفاجئ من منظره على الأرض والشيخ سلام ماسك ايديه، وسأل باستغراب...

    - هو ايه اللي حصل؟

    رد عليه الشيخ سلام...

    - ماحصلش حاجة قوم.. قوم اقعد.

    اتعدل مؤمن في قعدته وأول ما شافني اتخض من منظر الدم وسألني بلهفة...

    - مين اللي عمل فيك كده؟

    بصيت على الجرح وقولتله وأنا مبتسم...

    - ماتقلقش.. دي حاجة بسيطة.

    قرب مني الشيخ سلام وربط الجرح بشال أبيض خفيف كان ربطه على راسه فوق العمامة، وبعدها قعدني على الكنبة عشان ارتاح، بس أنا سألته...

    - حسن فين؟.. ابني فين؟

    - ابنك كويس والحمدلله، هترجع تلاقيه مستنيك.

    - ارجع منين؟.. أنا فين اصلًا.

    - هحكيلك كل حاجة...

    أرضنا طول عمرها أرض خير وسلام، ناسها عايشين في حالهم ومالهمش دعوة بأي حد، وفضِلنا كده من أيام جدود الجدود، لحد ما في يوم زارنا حرب هو واتباعه، اتحكموا في نفوس البشر، وسوسوا لهم بكل شر، الناس بدأوا ياكلوا في بعض، مابقوش يفرقوا الحلال من الحرام، مابقاش في فرق بين الكبير والصغير، ولا الإبن وأبوه، السرقة زادت والقتل انتشر، وبين يوم وليلة أرضنا بقت مرتع لهم، ماكنش في غير مجموعة قليلة بس اللي ماقدروش عليهم، وده لإنهم كانوا محافظين على دينهم، قررت أنا والمجموعة دي إننا لازم نواجه حرب وأتباعه ونطردهم من أرضنا، وفي اليوم ده قامت معركة كبيرة بينا وبينهم، للأسف اضطرينا نموت ناس كتير من اللي كانوا ملبوسين من أتباعه، وفي النهاية انتصرنا عليهم، وتم بينا العهد، إنه مايدخلش أرضنا تاني ولا يحاول يتعرض لأي حد فيها، بس من يومها وهو بيحاول بكل الطرق إنه يرجع، وعشان يرجع مافيش قدامه غير حل واحد إني أموت.. لإنه مش هيقدر يرجع وأنا موجود.

    - يعني هو كان عايزني اقتلك بداله؟

    - لا هو كان عايزك توصل لحد هنا وساعتها هو اللي هيقتلني لإنه عارف إنك مش هتقدر تقتل.

    - بس حضرتك عرفت منين اللي حصل بيني وبينه؟

    - أنا مراقبه خكويس.. لإني عارف إنه مش هيهداله بال غير لما يرد اللي اتعمل فيه.. ودي مش أول مرة يحاول يدخل عن طريق إنسي زينا.. بس لما عرفت إنه مهددك بابنك كان لازم ارجعه الأول قبل ما اهاجمه.

    - طب وحسن فين؟

    - زي ما أنت سيبته هترجع دلوقتي تلاقيه.

    - وأنا هرجع إزاي؟

    - غمض عينيك.

    غمضت عيني وحط الشيخ سلام إيده على راسي وبدأ يقول كلام مش واضح، وبعدها ماحستش بحاجة.. لما فتحت عيني لقيت نفسي واقع على الأرض والدنيا ليل، اتعدلت في قعدتي لقيت التوك توك قدامي وحسن نايم جوة.. قومت بهدوء وركبت التوك توك، حطيت ايدي على راس حسن ولعبت في شعره، وساعتها فتح عينيه ولقيته بيقولي...

    - ايه يا بابا.. كل ده بتشتري حاجات؟

    ابتسمت في وشه وقولتله...

    - معلش يا حبيبي.. يلا بينا عشان نروح.

    - اه يلا عشان أنا عايز انام.

    دورت التوك توك وطلعت ولما وصلنا البيت دخلت حسن ينام ورجعت بعدها قدعت في الصالة وأنا بفكر في اللي حصل.. ياترى الأرض دي فين؟.. واللي حصل ده حلم ولا علم؟.. مش مهم المهم إني رجعت لإبني وبيتي، وأهم حاجة إن الشيخ سلام خلى حسن ينسى اللي حصل في الليلة دي.. أما انا، فأنا عمري ماهنسى اللي حصل أبدًا بيني وبين حرب.

    اقرا ايضاجريمة الفندق
    اقرا ايضاالميكروباص

    تمت بحمد الله


     بقلم الكاتب: شادي إسماعيل