القائمة الرئيسية

الصفحات

 

ورشة شرف قصص رعب شادي إسماعيل

بقلم الكاتب: شادي إسماعيل

 

انا اسمي علي.. بشتغل في محل سوبر ماركت، وهحكيلكوا النهاردة حكاية يمكن لو كان حد حكهالي ماكنتش هصدقها.. بس للأسف انا عيشت فيها بتفاصيلها.. وقررت إني احكيها رغم كل الألم اللي مريت به جوة الحكاية دي.. بس يمكن تكون عبرة لأي واحد ظالم أو قلبه قاسي.. يمكن يعرف ظلمه بيعمل ايه في الناس.. ودلوقتي خلونا نبدأ الحكاية...

كان أول يوم نفتح فيها السوبر ماركت.. وبالمناسبة هو كان بتاع واحد قريبي.. كلمني وقالي إنه عايز يفتح المشروع ده وعايزني اقف معاه فيه.. جهزنا كل حاجة وعملنا افتتاح والدنيا كانت زي الفل.. وعلى الساعة 2 بالليل تقريبًا.. قريبي قالي إنه هيطلع وهينزلي على الساعة 8 ولا حاجة.. قولتله ماشي.. وبعد ما طلع هديت الإضاءة وقعدت على الكرسي ومسكت موبايلي وبدأت اقلب فيه.. الوقت ده عادة بيكون ممل.. اصل انا مش أول مرة اشتغل الشغلانة دي.. ويمكن ده السبب اللي خلى قريبي يكلمني أول ما فكر في المشروع.. وعشان الجو كان هادي بدأت احس إني بنام.. بس قاومت وحطيت السماعات في ودي وشغلت حاجة اسمعها.. وفي وسط الاغاني اللي كانت شغالة بدأت الاحظ صوت خبط أو دق.. شيلت السماعات وركزت.. اه كان في صوت دق.. زي ما يكون حد بيدق في الحيطة.. الصوت كان جاي من ناحية تلاجات الاجبان اللي في اخر المحل.. قومت ومشيت ناحية الصوت.. بس لما وصلت مالقتش حاجة وبرغم كده الصوت كان لسه مستمر.. قربت من الحيطة اللي في ضهر التلاجة وحطيت ودني عليها بس ماكنش في صوت.. انا قولت ساعتها يمكن الدق ده من عند الجيران.. بس جيران ايه اللي هيدقوا دلوقتي؟.. وبعدين جيران ايه اللي هيبقوا قاعدين في الأرضي؟.. بصراحة الصوت ده كان معصبني بس هعمل ايه؟.. مافيش حاجة في ايدي اعملها وعشان كدة رجعت قعدت على الكرسي تاني ولبست الهاند فري.. عدت حوالي عشر دقايق لما فجأة سمعت صوت حاجة بتدب في الأرض.. قومت بسرعة اشوف ايه اللي بيحصل.. بس كل حاجة كانت في مكانها.. ماكدبش عليكوا كنت خايف.. والموضوع بدأ يقلب معايا برعب.. وهنا قررت اشغل قرآن.. فتحت الموبايل ووصلته بالسماعات اللي في المحل وشغلت قرآن بصوت عالي.. مع مرور الوقت بدأ احس براحة.. والمكان هدي خالص.

لما النهار طلع وعلى الساعة 8 الصبح لقيت قريبي داخل المحل وأول ما شاف منظري قالي...

- يخرب عقلك ياض يا علي انت عامل كدة ليه؟

- خلاص انا مش شايف.

- طب روح انت ارتاح وانا هقعد مكانك.

- ماشي.

وانا خارج على الباب لفيت وشي وقولتله...

- بقولك صحيح.. طول الليل كان في أصوات غريبة.

- اصوات غريبة!.. اصوات غريبة إزاي يعني؟

- مش عارف بس كان في دق زي مايكون في حد بيدق بشاكوش.. وبعدها في حاجة اترزعت ولما قومت اشوف ايه اللي بيحصل مالقتش حاجة.

ابتسم وهو بيقولي...

- لا ده انت شكلك مسقط على الاخر.. روح ياعلي.. روح ونام كويس.

على(بيتاوب): اااه عندك حق انا شكلي مسقط.. يلا سلاموا عليكوا.

خرجت من المحل وكل الي بفكر فيه الاي توك توك يوصلني للبيت ويا سلام لو يوصلني للسرير.. كنت تعبان جدًا.. وقفت التوك توك وطلبت منه يوصلني عنوان بيتي.. وأول ما وصلت طلعت فوق وطبعًا اترميت على السرير زي ما انا بهدومي.

لما صحيت من النوم بصيت في الموبايل ولقيت الساعة تقريبًا 9 بالليل.. قومت من على السرير ودخلت خدت دش وبعدها حسيت إني جعان جدًا.. دخلت قلبت في الحلل شوية وكلت على الواقف في المطبخ، ودي حاجة بتستفز أمي جدًا.. بس باكل وانا سامع تهزيئي ومابهتمش.. وبعد الأكل خرجت في الصالة قعدت جنبها شوية ضحكت وهزرت معاها.. وبعدين قولتلها...

- انا هقوم انزل المحل بقى عشان اتأخرت.

- ماشي ياحبيبي ربنا معاك.

نزلت من البيت وركبت توك توك للمحل وأول ما دخلت لقيت قريبي بيقولي...

- حمدالله على السلامة ياسي علي.. 12 ساعة نوم.

- ياعم ما انا واقف امبارح طول النهار والليل غير إن احنا بقالنا اسبوع بنرص في المحل.. مستكتر عليا 12 ساعة؟!

- طب تعالى ياسيدي.. تعالى استلم عشان انا ماعدتش قادر.

- ماشي.

استلمت منه وبعدها قعدت على الكرسي واليوم مشي عادي لحد ما الرجل خفت على الساعة 1 بالليل.. دخل زبون وقالي...

- هاتلي علبة بوكس لو سمحت.

لفيت ورايا مالقتش سجاير.. نزلت تحت البنك عشان اجيب خرطوشة جديدة.. ولما طلعت لقيته بيقولي...

- هو ايه صوت الخبط ده؟

- انت كمان سامعه؟

- انا كمان!.. ما الصوت واضح اهو.. ده زي مايكون في حد بيكسر الحيطة.

- مش عارف والله بس تقريبًا الناس اللي ورانا بيعملوا حاجة عندهم.

- ربنا معاك بقى في الصداع ده.

- العلبة اهي.

- شكرًا.

اداني الفلوس وخرج.. بعدها بصيت ناحية التلاجة اللي فيها الجبن وانا بقول في سري "الصوت ده جاي منين؟.. ماهو مش طبيعي" خطرت في دماغي فكرة وقتها.. فخرجت برة المحل وشديت الباب نزلته ولفيت الشارع التاني عشان اشوف الناس اللي ورانا دي بتعمل ايه؟.. وصلت عند العمارة ولقيت البواب قاعد في الشارع فقربت منه...

- سلاموا عليكوا.

- وعليكم السلام.

- لو سمحت يابلدينا.. خفوا الدق شوية.. الدنيا ليل والواحد مصدع.. يعني ممكن تشتغلوا بالنهار.

- دق ايه؟.. وشغل ايه اللي بتقول عليه ده؟

- هو الدق اللي عندي في المحل ده مش جاي من عندكوا؟

- لا حنا مابنعملش حاجة.

- ازاي يعني.

- هو ايه اللي ازاي يابني!.

- طيب خلاص.. خلاص.. ممكن يكون انا اللي بتهيألي.

- اكيد بتهيألك.. احنا ماعندناش حد شغال ولا بيدق في حاجة.

- ماشي سلاموا عليكم.

- وعليكم السلام.. لا حول ولا قوة إلا بالله.

سيبته ومشيت وانا هتجنن!.. الصوت ده جاي منين؟.. البواب مابيكدبش فعلًا مافيش حد شغال جوة العمارة.. ماهو لو في حد البواب مش هيقعد كدة.. رجعت المحل تاني وقعدت على الكرسي.. وصوت االدق كان لسه شغال.. بس حسيت إنه بدأ يكون اهدا.. ساعتها قولت في عقلي "لا ده شكل البواب بيشتغلني!.. ماهو اشمعنا الصوت هدي لما انا روحت عنده؟.. شكله كدة بيعمل حاجة مش عايز حد يعرفها.. يكنش بيحفر على اثار؟.. ايه يا علي العبط ده!.. اه صحيح اثار ايه اللي هتبقى تحت عمارة زي دي.. اموت واعرف الصوت ده جاي منين؟" فوقت على صوت خبطاات متتالية.. حوالي اربع خمس خبطات ورا بعض.. اتفزعت وقومت دخلت جوة المحل ووقفت قدام التلاجة وانا ببص ناحيتها.. ماكنتش عارف ببص على ايه؟.. بس برضه.. ماعلينا هو إحساس عبيط انا ماكنتش فاهمه.. المهم قررت ابطل الجنان ده بقى واعمل نفسي مش واخد بالي.. روحت ناحية البنك وشغلت السماعات على صوت القرآن.. وقولت في عقلي "عشان لو في عفريت يخرج" قعدت مكاني وحاولت ماركزش مع الصوت وسرحت في القرآن.. لحد ما فوقت على صوت الموبايل بينبهني إنه هيفصل شحن.. طلعت الشاحن من الدرج ووصلته بالكهربا وقبل ما احط الموبايل على الشاحن النور قطع.

ماكدبش عليك خوفت وقتها.. بدون مبرر.. بس موضوع الدق ده موترني بشكل غريب.. شغلت كشاف الموبايل وحطيته على البنك وريحت ضهري في الكرسي.. طبعًا بعد ما النور قطع وكل الأجهزة اتقفلت صوت الدق بقى أوضح.. خصوصًا إن الشارع كمان هادي وتقريبًا ماحدش ماشي فيه.. فضلت باصص ناحية التلاجة وانا مركز أوي مع الخبطات المنتظمة اللي كانت بتدق في الحيطة.. ومرة واحدة سمعت صوت حد بيكح.. وفي نفس اللحظة صوت حاجة معدن اترزعت على الأرض وبعدها زحفت على السيراميك.. وقتها مسكت الموبايل وقومت جري خرجت من المحل.. المحل كان عالي عن الشارع بحوالي خمس سلمات.. قعدت على تاني سلمة وانا بقول لنفسي "وبعدين بقى في اللبش ده؟.. يعني انا هفضل قاعد في الشارع كدة لحد النور مايجي؟" بعد شوية لفيت وشي وبصيت على المحل من جوة.. بس ماكنش في حاجة.. حاولت استجمع شجاعتي وقومت وقفت ومشيت بهدوء ناحية المحل.. الكشاف اتقفل لإن الموبايل فصل فحطيت الموبايل في جيبي وبدأت ادخل واحدة واحدة جوة المحل.. ماكنتش سامع أي خبط.. ودي حاجة طمنتني اكمل.. وقفت عند البنك وانا بحسس على الطريق عشان اوصل للكرسي بس فجأة سمعت صوت غريب.. كان صوت زي مايكون حد بينشر خشب.. ايوة صوت منشار خشب بيقطع حاجة.. وبرضه كان جاي من عند التلاجة.. وقفت مكاني وانا مرعوب لكن في حاجة خلتني الف وشي ناحية الصوت.. ولقتني بمشي بهدوء للتلاجة.. كل ما بدخل جوة المحل كل ما الصوت بيكون أوضح.. ومرة واحدة شق الصمت صوت كحة عالية (مؤثر صوتي كحة عالية) اتسمرت في مكاني بعد الصوت ده، وقولت بصوت كله خوف...

- مين هنا؟

استنيت ثواني بس ماحدش رد عليا، ورجعت اسمع الكحة لكن المرة دي بصوت اهدى شوية.. وبعدها سمعت حد بيقول...

- انت مين؟

قلبي وقف مع السؤال ده، ماكنتش عارف اعمل ايه؟.. رغم إن انا سألت وكنت مستني حد يرد عليا بس أول ما اتلكم اترعبت.. فضِلت سكت لثواني لكن حصلت حاجة غريبة.. انا لقيت المكان بينور قدامي وشوفت واحد واقف وقدامه بنك خشب كبير.. البنك ده يعني ترابيزة كبيرة بيشتغلوا عليها النجارين.. لقيته واقف ورا البنك اللي كان عليه شباك خشب، وشاكوش صغير ومسامير كتير، وجنبهم منشار طويل.. بصيت للحاجة دي باستغراب وبعدين بصيت للراجل اللي لقيته بيكح كحة فظيعة وحط ايده على بوقه.. بعد ما خلص قالي...

- انت مين؟.. ودخلت هنا إزاي؟

- دددددخـ.. دخلت فين؟.. المحل ده بتاعنا.. انت اللي مين وظهرت فجأة كدة ازاي؟

بص لي وهو مبرق وبعدين لف من ورا البنك ومشي ناحيتي.. رجعت خطوتين لورا بس هو قرب مني وقالي...

- محل ايه اللي بتاعكوا ياله؟

- الـ.. الـ.. المحل ده.. المحل ده بتاعنا.

- انت هتستعبط يلا.. كح.. كح.. الله يخرب بيت الكحة وسنينها..

سابني بعدها وراح ناحية البنك وطى على الأرض وبعدها جاب إزازة ماية وشرب منها.. ولما خلص رجع الإزازة مكانها تحت البنك.. ولف وشه وبص لي..

- انت مين ياض؟

- انا اسمي علي.

- اهلًا وسهلًا ياسي علي.. جاي هنا ليه؟

- انا مش جايلك.. انا قولتلك إن المحل ده بتاعنا.

- بتاعكوا انتوا مين؟

- واحد قريبي مأجره.

- الله.. يعني انتوا مأجرين المحل.

- ايوة.

- عملوها ولاد فاطمة.. ماشي ماشي.

- انت مين؟.. وازاي ظهرت كدة؟.. وايه الحاجات دي؟

لف وشه وبص على البنك وقال...

- دي عدت الشغل بتاعتي.

- وايه اللي جابها هنا؟

- ده محلي ياله.

- محلك ازاي؟.. انت مين؟

- انا شرف.. الأسطى شرف.. احسن نجار فيكي يا بلد.

- ايوة دخلت هنا ازاي بقى؟

- تاني هيقولي دخلت هنا إزاي؟.. يابني المحل ده بتاعي.. وانتوا مأجرينه من شوية حرامية ونصابين.

- لا مافهمتش.

- اقعد وانا هحكيلك.

طلع ساعتها قعد على البنك اما انا فقعدت جنبه وبصيتله..

- قولي ايه الحكاية؟

- ماشي هقولك...

كنا اربعة.. عباس الكبير.. وأسامة اللي بعده.. ورستم.. وانا اصغر واحد فيهم.. عباس واسامة كانوا اخواتي انا ورستم، من الأب.. ماهو اصل أم عباس الله يرحمه لما ماتت ابويا اتجوز أمي اللي جابتني انا ورستم.. عباس بقى هو وأسامة زي ما تقول كدة ماكنوش بيحبوا أمي من يوم ما دخلت البيت، وعشان كدة راحوا اتربوا عند خالتهم، الله يرحمها ويسامحها.. هي كمان ماكنتش تحب أمي خالص.. مع إن أمي كانت ست طيبة وفي حالها.. بس انت عارف بقى عشان ابويا اتجوزها بعد اختها فزعلت على اختها.. حقها.. بس اللي مش حقها إنها تقسي العيال على ابوهم واخواتهم، وكبرنا كلنا بنحاول نبص في وش بعض بالعافية.. العيال كان جواها غل مالوش اخر.. مهما حاولنا انا وأمي ناخدهم في صفنا مافيش فايدة.. وفضل اللي في القلب في القلب.. التلاتة كانوا تعليم عالي.. انا الوحيد اللي ماكملتش.. خدتها من قاصرها وخرجت من التعليم.. خرجت من التعليم عشان اخف الحمل عن ابويا اللي مابقاش قادر يشتغل بعد الحادثة اللي عملها وخد اجازة مفتوحة بدون مرتب، لسه فاكر الايام دي كويس.. كان رستم في تالتة جامعة وانا يدوب في أولى إعدادي.

روحت اشتغلت في ورشة الأسطى حامد.. كان أحسن نجار في المنطقة.. وفضلت اشتغل واتعلم والحياة ماشية.. وكان حلم حياتي يبقى عندي ورشتي.. بتاعتي لوحدي.. وابقى الأسطى شرف.. طبعًا الحلم ده كان كابوس بالنسبة لهم.. ازاي البهوات المتعلمين اخوهم يبقى حتة نجار.. كانوا مستعيبنها.. حتى رستم شقيقي كان مستعر مني.. طب انا اعمل ايه؟.. ماهو مش بايدي.. وكمان انا مابعملش حاجة حرام.. انا بكسب فلوسي بعرق جبيني.. حاولت كتير افهمهم الكلام ده.. بس هم ماكنوش طايقني.. دول حتى كانوا مانعين عيالهم يقعدوا معايا أو يسلموا عليا.. عباس واسامة كانوا عايشين برة لكن رستم بنى شقة فوق ابويا وقعد فيها.. وهو كمان كان محرج على عياله يقعدوا معايا.. الموضوع ده كان مضايقني صحيح.. بس كنت بكبر دماغي واقول طالما مابعملش حاجة غلط يبقى هم حرين في تصرفاتهم، وفضلنا كدة لحد ما بقى عندي 28 سنة.. وساعتها أمي ورثت من بيت ابوها.. وفي نفس الوقت ابويا سوى معاشه.. يومها لقيت ابويا قعد معايا وبدأ الكلام...

- اخبار الشغل ايه يا شرف يابني؟

- الحمدلله يابا تمام.. اهي ماشية.

- ربنا يرزقك بالحلال يابني ويوسع عليك.

- اللهم آمين ياحج.

- في موضوع كدة عايز اتكلم معاك فيه انا وامك.

- موضوع ايه ياحج؟

- امك زي ما انت عارف ورثت من جدك بعد ما اخواتها باعوا البيت.. وانا سويت معاشي.. وقبضت مكافأة نهاية الخدمة.. فكنا يعني انا وامك بنفكر في حاجة كدة.

- حاجة ايه؟

- انا عارف إني ماعملتلكش حاجة زي اللي عملتها لإخواتك.. وعارف كمان إنك خرجت من المدرسة عشان تخف المصاريف عني.. وانا حاسس بالذنب من ناحيتك انا وامك.

- ماتقولش كدة يابا.. وبعدين حاسس ببالذنب ليه؟.. هو انا لاسمح الله طلعت عيل بايظ؟.. انا راجل بشتغل وبكسب بحلال والحمدلله.. وبعدين كفاية انك ربتني احسن تربية.. دي عندي بالدنيا.

- انت احسن في عيالي دي حاجة مش انا بس اللي شايفها.. الناس كلها بتقول كدة.. رغم إن اخواتك متعلمين تعليم عالي لكن التعليم ماغيرهمش للأسف.

- ربنا يهديهم ياحج.. انا مش زعلان منهم.

- يارب يابني ربنا يهديهم ويبارك فيك.. المهم خلينا في موضوعنا.. احنا قررنا نديك الفلوس دي وتشتري بها محل وتعمل الورشة اللي كان نفسك فيها.

كلامهم فاجئني.. وماكدبش عليك كنت فرحان من جوايا.. حلم بحلمه بقالي سنين.. تعبي وشقايا هشوفه قدامي أخيرًا.. بس قولتله...

- انت بتتكلم ياحج؟

- اه بتكلم جد.. ودي حاجة ينفع الهزار فيها.

- ايوة يابا بس اخواتي....

- اخواتك خدوا زمان اللي انت ماخدتوش.. واللي هم خدوه اكتر بكتير من الفلوس.

- مش عارف اقولك ايه يا حج؟

- ماتقولش حاجة.. الصبح تروح تدور على محل يكون سعره حنين ولما تلاقيه قولي عشان اسحبلك الفلوس ونروح سوا نخلص فيه.

- ربنا مايحرمنيش منكوا يا حاج.

- ولا يحرمنا منك ياحبيبي.

دخلت اوضتي وانا طاير من على الأرض طير.. ياااااه حلمي هيتحقق وابقى صاحب ورشة.. ماكنتش مصدق.. مانمتش ليلتها.. قعدت اتخيل المحل وهرص الحاجة فيه ازاي؟.. والزباين وهم داخلين يتفقوا معايا على الشغل.. حلم جميل.

تاني يوم صحيت بدري زي عادتي وروحت الورشة لقطت كام مرمة.. وعلى الضهر كدة قولت للصبي ياخد باله من الورشة على ما اروح مشوار وارجع.. ماهو صاحب الورشة كان بيستأمني عليها وبيسبهالي ويدوب ينزل اخر النهار يشقر ولو في فلوس بياخدها ويمشي.. المهم.. سيبت الصبي في الورشة وروحت لواحد سمسار حبيبي وقولتله طلبي.. فتح النوتة بتاعته وقالي على كام محل.. اخترت اتنين منهم وقومنا عشان نشوفهم.. دخلنا أول محل لقيته ضيق وتقسيمته ماعجبتنيش.. بعدها روحنا المحل التاني لقيت صاحبه قافش على مبلغ أكبر من اللي ابويا قالي عليه.. بيني وبينك رجعت يومها الورشة وانا مضايق.. يعني مافيش الفلوس المحلات زي الرز.. في فلوس مافيش محلات.. مالها عاكسة معايا ليه؟.. وقعدت اكلم نفسي على الكرسي قدام الورشة لحد مافوقت على صوت عم جادالله...

- سلاموا عليكوا.

قومت وقفت وانا بسلم عليه...

- وعليكم السلام ازيك ياعم جادالله.. تعالى اتفضل اقعد.

قعد على الكرسي وانا جيبت كرسي تاني وقعدت قدامه...

- ازيك يا راجل يا طيب؟

- ازيك يا شرف يابني.. مالك كنت قاعد مهموم ليه؟

- والله زهقت ياعم جادالله.. الواحد كل ما يقول فرجت ترجع تقفل تاني.

- يا عبيط.. الدنيا مش عايزة اللي يقفش ويتقمص.. الدنيا عايزة اللي يسايسها.. ويمشي معاها واحدة واحدة.. هيوصل.

- اديني بحاول ويارب اوصل.

- هتوصل إن شاء الله.. قولي ايه اللي معاندة معاك فيه؟

- دلوقتي انا حلم حياتي زي ما انت عارف يكون عندي ورشة.. وكانت واقفة على الفلوس.. والفلوس اهي جت.. بس مش لاقي المحل.

- ممممم.. يعني انت مشكلتك إنك مش لاقي محل.

- ايوة ياعم جادلله.

- انت معاك كام؟

- يعني حوالي 70 ألف.

- 70 الف.. لا محلولة إن شاء الله.

- محلولة ازاي بس؟

- قوم تعالى معايا.

- على فين؟

- تعالى معايا ومالكش دعوة.

قومت معاه.. ولقيته واخدني وجايين على المحل هنا.. وقف تحت البيت وضرب الجرس.. دقيقة واحدة بصتله من البلكونة.. طلب منها تحدف مفتاح المحل.. وبعد ما حدفته وطيت جيبته وناولتهوله.. قالي ساعتها...

- لا خليه معاك.. افتح المحل.

فتحته ورفعت الباب الصاج.. وساعتها شوفت المحل.. دخل عم جادالله من ورايا وفتح النور اللي كان جنب الباب وهو بيقولي...

- عايز تتفرج وتاخد راحتك.. ولو عاجبك انا هخلصهولك.

- بسم الله ماشاء الله.. المحل حلو أوي ياعم جادالله.. ده بتاع مين ده؟

ابتسم وهو بيقولي...

- انت لك اكل ولا بحلقه.

- لا بجد بتاع مين؟

- ده ياسيدي محل اختي.. جوزها مات في حادثة الله يرحمه وهي معذورة في قرشين عشان تدفع باقي فلوس العربية للتاجر اللي هو اشتراها منه.. قصة طويلة كدة، المهم إنها قررت تبيعه.. وانا كنت مكلم كام سمسار عليه.. بس طالما انت ناويت يبقى انت أولى.

- الله يباركلك ياعم جادلله.

- شوفت بقى مش قولتلك الدنيا عايزة اللي يسايسها.

- عندك حق.

- طب قولي.. ايه رأيك؟.

- انا اشتريت خلاص.. وكفاية انه من وشك السِمِح يا راجل ياطيب.

- انت جدع يا شرف وتستاهل كل خير.

- الله يخليك يا عم جادالله.. انا بكرة هروح انا والحاج نسحب الفلوس واجيبه يتفرج على المحل ونخلص الأوراق بإذن الله.

- على خيرة الله يابني ربنا يديك خيره ويكفيك شره.

- اللهم آمين.

روحت يومها حكيت لابويا كل اللي حصل.. كان فرحان إني قدرت الاقي محل كويس.. وأمي كمان كانت فرحانة لفرحتي.. بس قالتلي ساعتها...

- كان نفسي ابقى بباركلك على فرحك.

- ياما الجواز مش هيطير.. بس انا مش هتجوز غير وانا واقف على رجلي.

- يابني عايزة افرح بعيالك قبل ما اموت.

- بعد الشر عنك ياست الكل.. ربنا يطولنا في عمرك.

- ماحدش ضامن الموت من الحياة.. وانا عايزة اطمن عليك.

- اطمني ياحبيبتي.. انا بيني وبينك كنت محوش قرشين على جنب هشتري بهم العِدة بتاعت المحل.. وإن شاء الله سنة ولا اتنين بالكتير اجمع قرشين واتجوز.

- يعني ماينفعش تشوف محل تاني ارخص شوية وتجيب العِدة بالباقي والقرشين اللي انت محوشهم تتجوز بهم؟

- ياما افهميني.. الجواز مصاريف ومسؤولية.. وانا لو دخلت بالعافية هفضل عايش طول حياتي بالعافية.. لازم ادخل وانا مستريح.

رد عليها ابويا وقالها...

- ابنك بيتكلم صح.. وبعدين مافرقتش 28 من 30 لو كان بدري شوية كنا هنقول عشان فرق السن بينه وبين عياله لكن خلاص كدة كدة مش فارقة سنتين.

- الله عليك ياحج وانت فاهمني.

- ماتستعبطش ياض انا بحوشها عنك لكن عارف لو سوقت فيها وماتجوزتش بعد سنة ولا سنتين زي ماقولت.

- لا ماتقلقش يا حج3 سنين وهتلاقي حفيدك بيتنططلكوا هنا وقالب دمغاكوا.

تاني يوم نزلنا انا وابويا سحبنا الفلوس وروحنا لعم جادالله قابلناه وبعدها طلعنا على المحل.. عجب ابويا جدًا زي ماتوقعت.. وخلصنا الأوراق ومضينا العقود والحمدلله أخيرًا بقى عندي ورشة باسمي.

ماحدش من اخواتي كان عرف لحد دلوقتي.. وبيني وبينك انا كنت خايف من رد فعلهم.. وبعد اسبوع كانوا عندنا عشان يزوروا ابويا.. كلهم كانوا متجمعين.. وساعتها ابويا قال...

- مش تباركوا لاخوكوا شرف.

بصولي كلهم وبعدها اتكلم عباس وقال بسخرية...

- على ايه.. يكنش نوى يتجوز اخيرًا؟

رد عليه اسامة...

- يتجوز ايه؟.. هو شرف بتاع جواز.

بصيتلهم وانا مضايق بس ابويا هو اللي اتكلم...

- اخو اشترى محل جديد وبقى عنده الورشة بتاعته.

ضحك اسامة ضحكة عالية قبل مايقول...

- مبروك.. يا اسطى...... شرف.

سكته عباس وقال...

- استنى يا اسامة.. وشرف جاب فلوس المحل منين يابابا؟

- يخصك في ايه؟

- لا يخصنا ياحج.. احنا عارفين إنه ماعهوش تمن المحل.. ييبقى اشتراه منين بقى؟

- اشتراه زي ما اشتراه ماحدش فيكوا لي دعوة بالموضوع ده.

رد رستم وقاله...

- يعني ايه ماحدش لي دعوة يا بابا؟.. انا عارف هو جاب الفلوس منين.. طبعًا حضرتك اديته فلوس المكافأة وماما ادته الفلوس اللي طلعتلها من بيت جدي الله يرحمه.. مش كدة؟

- ايوة كدة.

قام عباس وقف وقال بعصبية...

- هو ايه اللي كدة ياحج!.. ازاي يعني تعمل حاجة زي دي؟

كلهم سكتوا مع جملة عباس.. اللي كان باين عليه إنه فاق وحس بكلامه بس مابقاش ينفع يرجع في موقفه.. ابويا بصله بغضب دقيقة وبعدين قاله...

- انت هتعلمني اعمل ايه وماعملش ايه يا باشمهندس؟

- ياحج الفلوس دي مش حق شرف لوحده.

- مش حق شرف لوحده؟!.. اومال حق مين يا عباس؟

- حقنا كلنا.

- حقكوا في ايه؟

سكت عباس وماردش.. كمل ابويا وقاله...

- ماتنطق حقكوا في ايه؟.. قصدك ورثكوا مش كدة؟.. عايز تورثني بالحياة يا عباس؟

اتنهد عباس قبل ما يقول...

- استغفر الله العظيم.. ياحاج.. ياحاج ربنا يطولنا في عمرك انا مش قصدي كدة.. بس ليه شرف ياخد مبلغ زي ده لوحده؟

- اقعد ياباشمهندس وانا اقولك.. وإن كنت عايز نتحاسب وتورثني بالحياة.. ماعنديش مانع.. اقعد وهنتحاسب، هتتحاسبوا كلكوا قدام عيالكوا.. اقعد.

قعد عباس وهو بيبص لكل اللي قاعدين.. اما انا فبصيت لعيالهم وقولتلهم...

- ادخلوا جوة ياحبايبي على ما نخلص.

رد عليا ابويا...

- لا ياشرف.. سيبهم.. سيبهم يشوفوا اباهتهم وهم واقفين قدام جدهم بيورثوه بالحياة.. عشان لما يكبروا ورجليهم تشيلهم وصوتهم يتخن يقفوا نفس الوقفة دي ويورثوهم على حياة عينهم.

اتكلم رستم وقال...

- يابابا ماحدش فينا قال كدة.. بس بصراحة ده ظلم.. وانتي كمان يا ماما بتديله فلوسك.

لف ابويا وشه وبصله...

- ظلم!.. انتوا اخر ناس تتكلم عن الظلم يا دكتور.. لو حد لي حق في القاعدة دي يتكلم عن الظلم فالحد ده هو شرف.. شرف اللي انتوا ظالمينه طول حياتكوا.. بتعاملوه دايمًا على إنه أقل منكوا.. مع إنه في الحقيقة أحسن واحد فيكوا.. دايمًا شايفينه الصنايعي اللي هدومه مبهدلة وايده مشققة.. وانتوا البهوات المحترمين.. اصحاب البدل والكارفتات.. مع إن مش ذنبه.. مش ذنبه إني ماقدرتش اصرف عليه زي ماصرفت عليكوا.. ماقدرتش اهتم به زي ما اهتميت بيكوا.. وانتوا بدل ماتعوضوه وتشيلوه بدالي.. رفعتوا ايديكوا عنه.. واستعريتوا منه.. وجايين دلوقتي باصينله في كام ملطوش.. تعالى يا عباس هات شهادة الهندسة وخد الفلوس.. ولا انت يا اسامة هات بالطو المحاماة بتاعك وخد الفلوس.. وانت يا دكتور.. اديله الدكتوراة بتاعتك اللي معلقها في كل حتة وخد الفلوس.

كانوا كلهم ساكتين وباصين في الأرض.. بصلهم ابويا وقال...

- ايه سكتوا ليه؟.. ماحدش فيكوا ناوي يتنازل عن شهادته.. تمنها اغلى مش كدة؟.

اتكلمت انا ساعتها وقولتله...

- بعد إذنك يا حج.. انا هرجع المحل واديهم الفلوس.

رد عليا عباس بتريقة...

- يا سلام يا اخويا وماقولتس كدة ليه من الأول؟.. ولا جاي دلوقتي تعمل فيها الملاك البري.

- انا...

قاطعني ابويا وقال بعصبية...

- قال وانا رفضت.. وهو مش محتاج يعمل حاجة.. الطيبة والخبث بيبانوا في عين البني آدم يا عباس مهما حاول يمثل.

بصله عباس بصة غضب.. بعدها قام وقف وقال لمراته...

- يلا يا عفاف.. هاتي العيال وتعالي ورايا.

خرج من الباب وابويا بص عليه قبل ما يلف وشه ويقول...

- عيل جاحد.

اسامة بص لي وقام وقف قبل مايقولي...

- مبسوط انت كدة.. مبروك عليك الورشة وابوك.. يلا يا سهام.

خرج من الباب وابويا بيبص عليه وهو ساكت.. بعدها بص لرستم وقاله...

- ايه!.. مش هتقوم انت كمان يادكتور؟

اتنحنح رستم وقام وقف...

- ماشي ياحج اللي تشوفه.. يلا عشان نطلع يا سهير.

بعد ما مشيوا كلهم، بصيت لابويا وقولتله...

- ماكنش له لزوم ياحج اللي حصل ده.

- لا له لزوم.. كل واحد لازم يلزم حده.. ولازم يعرفوا ان انت زيك زيهم ويمكن احسن كمان.

عدا على الموضوع ده حوالي شهر أو شهر ونص وماحدش فيهم جِه زار ابويا وأمي نهائي.. حتى رستم اللي عايش معانا في نفس البيت.. مانزلش ولا مرة.. وبعد الشهر ونص.. قابلتها.. حياة.. وهي حياة فعلًا.. خطفتني من أول نظرة.. نسيت قدامها كل اللي الكلام اللي كنت بقوله لأمي.. يعني إني اجهز نفسي وادخل من وسع والكلام ده.. ولقتني فجأة قررت اتجوز.. أمي ماكنتش مصدقة نفسها من الفرحة.. بس كان في مشكلة واحدة.. الشقة والعفش.. ماكنتش لسه حوشت أي حاجة.. فقولت لأبويا وأمي إننا هنروح نتقدم وناخد سنة ولا سنة ونص اكون جهزت نفسي.. بس أمي رفضت وقالتلي...

- لا ده انا ماصدقت.. انت هتتجوز السنة دي.

- ازاي بس يا ست الكل؟!.. ما انتي عارفة اللي فيها.

- مالكش دعوة انت.. انت هتتجوز هنا في الشقة.

- لا مش هينفع.

- ياسيدي اتجوز في الشقة لحد ما توقف على رجلك.

- ايوة ياما بس كدة هتقل عليكوا.

- تتقل علينا!.. ده انت هتملى البيت عليا انا وابوك ولا ايه ياحج.

- امك عندها حق.. واديك شايف اخواتك ماحدش فيهم بيعبرنا ولا بيبص في وشنا.. اتجوز في الشقة وخليك معانا بدل ما نموت وماحدش يحس بينا.

- بعد الشر عنكوا ياحج.. ليه بتقول كدة؟.

- دي الحقيقة يابني.. انت لو مش موجود وانا وامك حصلنا حاجة ماحدش هيحس بينا لحد ما ريحتنا تطلع.

- ماتقولش كدة يابا.. ماتقولش كدة.

ردت امي عليه وقالتله...

- جرى ايه يا حج يعني الواد جاي يفرحنا تقوم معكنن عليه.. سيبك من كلام ابوك وخلينا في فرحتك.. قولي بقى هتروح امتى تتقدم؟.

- انا قولت اخد رايكوا وشوفوا الميعاد اللي تحبوه وانا هتفق مع ابوها عليه.

- الخميس الجاي كويس.. ولا ايه ياحج؟

- على خيرة الله.. خلاص يابني اتفق مع ابوها على الخميس الجاي.

- حاضر ياحج.

روحنا قعدنا مع ابو حياة واهلها والحمدلله الموضوع مشي زي الفل.. وابويا حدد ميعاد الفرح بعد شهرين.. في خلال الشهرين دول كنت وضبت أوضة نوم جديدة وظبطت شوية حاجات بسيطة في البيت.. وعدوا الشهرين واتجوزت حياة.. كانت انسانة نضيفة بمعنى الكلمة.. شالت ابويا وامي على راسها.. ودي حاجة قدرتها العمر كله.. وبعد سنة ونص ربنا رزقنا بابني الأول.. صالح سميته صالح على اسم ابويا.. ملى البيت علينا.. وتقريبًا ابويا وأمي ماكنوش بيسيبوه، بس بعد سنة حصل اللي ماكنتش متوقعه.. ابويا مات.. مات الراجل الوحيد في حياتي اللي حبني من قلبه واتمنالي أكبر.. موته كسر ضهري.. بس هي دي سنة الحياة.

عدينا بفترة صعبة.. بس الايام بتمشي مابتوقفش.. حتى لو انت وقفت هتفرمك وتكمل.. وعشان المسؤولية اللي كانت في رقبتي حاولت افوق نفسي واقف على رجلي تاني.. ومافيش كام شهر وحياة فاجئتني إنها حامل.. بصراحة ماكنتش عامل حسابي.. بس كل تدابير ربنا خير.. وعدت شهور الحمل ودخلت حياة عشان تولد.. لكن دخلت وماخرجتش.. اللي خرجت هي حياة تانية.. بنتي.

موت ابويا ومراتي في خلال سنة خلاني مش قادر افكر ولا اشتغل ولا اعمل أي حاجة.. أمي كعادتها شالت عني حِمل تربية العيال.. بس انا.. انا كنت في عالم تاني.. اكتر اتنين حبتهم في حياتي راحوا مني في سنة واحدة.. بالمناسبة انا طول الوقت ده ماعرفش حاجة عن اخواتي.. حتى هم مايعرفوش حاجة عن ابوهم أو امهم.. يدوب حضروا الدفنة والعزا ومشيوا زي الأغراب.. ومرت الأيام.. وصالح دخل المدرسة وحياة بقت في الحضانة.. وساعتها لقيت أمي في يوم قعدت معايا وقالتلي..

- ابوك الله يرحمه قبل ما يموت سابلك الورقة دي.

- ورقة ايه؟

- امسك اقرأ وانت تعرف.

مسكت منها الورقة وقريتها.. ابويا كاتبلي عقد ايجار دايم للشقة!.. بصيتلها وانا مستغرب...

- ليه عمل كدة؟

- كان عارف إنه لما يموت وانا احصله اخواتك هيطردوك وهيبيعوا البيت.. وعشان يطمن عليك وكمان يضمن إن البيت مايتبعش كتبلك العقد ده.

- طب وليه ماقاليش؟

- عشان كان عارف إنك مش هتوافق.. العقد ده مش بس عشان يحميك.. العقد ده عشان البيت مايتبعش.. اوعى تبيع البيت ياشرف.. البيت كان غالي عند ابوك وغالي عندي انا كمان.

- مش هبيعوا ياما.. مهما حصل.. ومن غير عقد.. لإن البيت ده اغلى حاجة في حياتي دلوقتي.. انا اتولدت هنا واتربيت هنا.. وهموت هنا.

- بعد الشر عنك ياحبيبي.

وبعد القعدة دي بشهرين، قومت على صوت صالح...

- بابا.. بابا.. قوم يابابا.

- في ايه ياض يا صالح؟

- تيتا عايزاك.

قومت بسرعة وجريت على أوضة أمي لقتها بتكح جامد...

- مالك ياما؟

- مش عارفة(كح كح).. شكلها كدة(كح كح) خلاص يا شرف.

- قومي.. قومي ياما اودي لدكتور.

- مالوش لازمة الدكتور(كح كح).. هيعمل ايه يعني؟

- ياما ابوس ايدك قومي معايا نروح للدكتور.

- خلي بالك من نفسك ومن عيالك ياشرف واوعى(كح كح) اوعى تنسى وصية ابوك.

- مش هنسى بس عشان خاطري أمي معايا.

ابتسمت ومسكت ايدي لثواني قبل ما ايدها توقع جنبها على السرير..

- اما.. ياما.. لا ياما لا.

“يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي” بصوت محمد صديق المنشاوي.

بعد العزا اخواتي مشيوا زي ماعملوا في عزا ابويا بالظبط.. والباب اتقفل عليا انا والعيلين.. دخلتهم اوضتهم عشان يناموا.. وساعتها صالح سألني..

- بابا احنا كدة مش هنشوف تيتا تاني؟

- لا ياحبيبي.. تيتا مش هـ...

ماقدرتش امسك دموعي وحضنته..وساعتها لقيته بيطبطب عليا.. قد ايه كنت محتاج للحضن ده.

عدا شهر كنت بحاول اخرج من اللي انا فيه وفي نفس الوقت اكتشفت إن امي كانت شايلة عني حِمل تقيل أوي.. تربية طفلين في السن ده مش سهلة على أي راجل بس هعمل ايه؟.. ارادة ربنا.. وبعد شهر اتفاجئت بعباس جاي وبيزورني في المحل...

- سلاموا عليكوا.

- وعليكم السلام.. عباس!

- ايه مال وشك اتقلب كدة ليه؟

- لا ماتقلبش ولا حاجة.. اتفضل.. هات كرسي للباشمهندس يابني.

- لا لا انا مرتاح كدة.

- ماتخافش هينضفهولك.. يعني هدومك مش هتتوسخ.

- لا شكرًا.. انا جاي اقولك كلمتين وهمشي.

- طب قول.. خير.

- احنا اتفقنا إننا هنبيع البيت.. انا اتكلمت انا واسامة مع رستم وهو ماعندوش مانع وقولنا نعرفك عشان نعرف رأيك.

- بس انا مش هبيع.

- ايه!.. مش هتبيع ليه بقى؟

- عشان ذكرياتي كلها في البيت ده.

- ذكرياتك!.. انت اكيد بتهزر صح؟

- لا مش بهزر.. البيت ده ابوك عاش فيه سنين طويلة.. وأمي الله يرحمها هي كمان عاشت نص حياتها فيه.. ومراتي ماليش ذكريات معاها غير في البيت ده.

- الله يرحمهم يا شرف.. كل اللي بتتكلم عنهم ماتوا، ممكن تبقى تروح تقرالهم الفاتحة وتزورهم وتقعد بقى تستعيد ذكرياتك معاهم براحتك.. لكن احنا محتاجين نبيع البيت.

كلامه عصبني وعشان كدة قولتله...

- وانا مش هبيع.

- خلاص براحتك.. عامة كدة كدة موافقتك من عدمها مش هتفرق لإن احنا اغلبية.

ابتسمت وانا بقوله...

- اه صح انت ماتعرفش.

التوتر بان عليه وقالي...

- ماعرفش ايه بالظبط؟

- مش ابوك اجرلي الشقة بعقد ايجار دايم قبل ما يموت.

- ايه التخريف اللي انت بتقوله ده؟

- لا ده مش تخريف يا حبيبي.. دي أوراق رسمية.. ابقى خلي الأغلبية تنفعك بقى.

- انا هوديك في داهية.. انا هحبسك.. بتمضي الراجل على أوراق في غيابنا.. والله لاحبسك.

- اعلى ما في خيالك اركبه.

- هتشوف يا شرف.. هتشوف.

سابني ومشي وانا ابتسمت على منظره لثواني قبل ما اقول...

- الله يرحمك يابا.. الله يرحمك ياحبيبي.

شرف نفذ تهديده ورفع عليا قضية تزوير.. بس المحكمة حكمتلي بصحة العقد، وكدة التلاتة بقوا قدام أمر واقع، لازم اوافق يا اما البيت مش هيتباع.. لانه لو اتباع من غير الشقة دي مش هيجيب ملاليم، وكمان ماحدش هيرضى يشتري بيت وفي مستأجر دايم.. قعدوا كتير يحاولوا معايا بعدها بس كنت برفض.. ولمدة سنتين رفضت.. وبعدها صبرهم نفذ.. وعملوا اخر حاجة ممكن كنت اتوقعها.

يومها وصلت صالح وحياة للمدرسة وطلعت على ورشتي زي كل يوم.. ووانا قاعد في الورشة، لقيت عيل من اهل الشارع جاي يجري...

- الحق ياعم شرف بيتك بيولع.

- انت بتقول ايه؟!

طلعت جري على البيت وهناك لقيت الشقة بتولع والنار ماسكة في كل حتة فيها.. حاولنا نطفي الحريقة بس كان خلاص النار حرقت كل حاجة.. بعد ما الحريقة خلصت.. دخلت الشقة.. كل حاجة اتحرقت.. الحيطان اللي ياما سمعت صوت ضحكنا وضحكت معانا.. لونها بقى اسود كئيب.. وعلى الأرض كانت البراويز اللي متعلقة لابويا وأمي وحياة.. وكلهم محروقين.

بعد كام ساعة فوقت من الصدمة وافتكرت العيال.. روحت المدرسة جيبتهم بس طلعت على الورشة ماروحتهمش على البيت.. لما وصلت خليت الصبي يروح يجيبلهم أكل عشان يتغدوا.. وقعدت جنبهم.. مكانتش عارف اعمل ايه؟.. العيال دول ذنبهم ايه؟.. هروح بهم فين دلوقتي؟.. الوقت اتأخر وبدأوا يقلقوا..

- بابا احنا مش هنروح؟

- لا ياحبيبي بابا عنده شغل كتير النهاردة.. وانا خايف عليكوا فهتباتوا معايا هنا.

سألتني حياة وهي بتبص حواليها...

- هنا فين يابابا؟

ماكنتش عارف ارد اقولها ايه.. بس لقتني بقولها...

- مممم فين؟.. فين؟.. اه بصي انا هعملك سرير ماحصلش.

نضفت البنك وظبطته.. البنك عندي كان فيه من تحت زي رف كدة بعين فيه العِدة الرفيعة، وكنت بقفله بباب جرار.. شيلت العِدة ونضفت مكانها كويس وبعدها واقنعتهم إنه سرير من دورين، حياة هتنام تحت وصالح فوق.. اقتنعوا بالفكرة وفرحوا بها.. دخلتهم يناموا وقولتلهم إني هشتغل.. وبعد ما ناموا.. سحبت كرسي وقعدت في ركن الورشة.. كنت ببص عليهم وهم نايمين على الخشب وقلبي بيتقطع...

- انا تعبت يابا.. تعبت ومابقتش قادر.. وصيتك بقت تقيلة أوي.. عيالك مابيشبعوش فلوس ياعم صالح.. مابيشبعوش.. ولو نالوا مال قارون مش هيشبعوا.. وعيالي مالهمش ذنب يدفعوا تمن ده كله.. يرضيك يا حاج صالح؟.. يرضيك اللي هم في ده؟.. انا عارف إنه مايرضيكش.. وعارف إنك لو كنت موجود ماكنتش هتوافق يتبهدلوا كدة.. لو كنت موجود ماكنش كل ده حصل يابا.. اعمل ايه؟.. قولي اعمل ايه؟.. سامحني يابا.. انا مضطر اوافق على بيع البيت.. عيالك مش هيسيبوا عيالي في حالهم.. والنبي ماتزعل مني ياحج صالح.. انت عارف إنه على عيني.

غمضت عيني يومها والدموع على خدي.. والصبح الصبي وصل وفتح باب الورشة.. وأول ماشافني جري عليا...

- ياسطا شرف.. ياسطا شرف.

فتح صالح عينيه.. وحياة فتحت الباب الجرار وقاموا الاتنين على صوت الصبي بتاعي.. وساعتها شافوني واقع على الارض والصبي بيهز فيا.. وكانت اخر مرة يشفوني فيها.

ماعرفش راحوا فين بعدها؟.. بس من يومها وانا مافارقتش المحل ده ولا لحظة.

******

بعد ماخلص شرف كلامه.. بصيتله والدموع في عيني وقولتله...

- ازاي.. ازاي قدروا يعملوا فيك وفي عيالك كدة؟

شرف (بدموع وصوت مبحوح): مش عارف.

- طب انا.. انا في حاجة ممكن اعملها عشانك؟

- لا مافيش.. الحكاية دي عدا عليها يجي 20 سنة.. انا كل اللي بطلبه منك تسيبلي المحل اعيش فيه بهدوء.. ده اخر مكان شوفت فيه ولادي.

- حاضر انا.. انا هسيبلك المحل.

- ارجوك.

- حاضر والله.

- انا بشكرك جدًا.. جدًا.

اختفى شرف بعدها، بصيت حواليا مالقتوش، ومافيش ثواني والنور جِه، وساعتها لقتني قاعد على تلاجة المجمدات.. وتحت رجلي إزازة الماية مليانة على اخرها.. يعني ايه؟!.

ماكنتش فاهم ايه اللي بيحصل.. لكن قررت اني همشي من المحل زي ماوعدت شرف.. والصبح لما قريبي جِه عشان يستلم الوردية حكيتله كل اللي حصل.. وطلبت منه يشوف محل تاني.. وساعتها رد عليا...

- انت عبيط ياعلي.. محل تاني ايه اللي اشوفه.. روح ياعلي روح نام وتعالى في ميعادك.

- لا مش هاجي تاني.. وانت لازم تسيب المحل.

- طب ياسيدي ماتجيش تاني انت حر.. بس حوار اسيب المحل ده فكك منه.

- اسمع اللي بقولك عليه.

- روح يا علي عشان احنا لسه على الصبح ومش عايز اتخانق معاك.

- ماشي براحتك.

سيبته ومشيت وروحت شوفت شغلانة في محل تاني.. بس بعد يومين لقيته بيكلمني وهو مخضوض..فسألته...

- في ايه مالك؟

- ولا يا علي المحل طلع مسكون ياله.. انت مابتخرفش.

- هو انت كنت فاكرني بخرف؟!

- ايوة انا كنت بخدك على قد عقلك بس بقالي يومين بشوف حاجات غريبة والبضاعة بتتكسر وبتترمى على الأرض.. ولما سألت في المنطقة قالولي إن شرف صاحب المحل هو اللي قاعد فيه وبيطلع لللي بيأجره مرة واحدة بس بيحكيله الحكاية ولو مشي بيسيبه في حاله لكن لو مامشيش بيوريه النجوم في عز الضهر.

- ما انا قولتلك.

- انا خايف ومش عارف اعمل ايه؟

- سيب المحل وهو مش هيعملك حاجة.


تمت بحمد الله 


 بقلم الكاتب: شادي إسماعيل



التنقل السريع