القائمة الرئيسية

الصفحات

التنقل السريع

     

    لعنة الكف قصص رعب شادي إسماعيل

    بقلم الكاتب: شادي إسماعيل 


    انا اسمي باسم، يمكن حياتي عمره ما ابتسمت، بس ابويا كان شايف غير كده لما اتولدت، وبرغم إنهم بيقولوا إن لكل واحد نصيب من اسمه إلا إنني الحقيقة ماخدتش أي حاجة من اسمي، مش عارف العيب فيا انا ولا في الظروف، خلينا نرجع للحكاية، انا عايش في القاهرة مع أمي وإخواتي.. ومعايا مراتي وابني، بس كلنا عايشين في بيت واحد، كل واحد فينا واخد شقة وقاعد فيها، خليني اقولك إن ده اخر الحكاية، اما أولها.. أولها بيبدأ من وانا لسه في ثانوية عامة.

    حالتنا وقتها كانت صعبة جدًا ماكنش حيلتنا ولا جنيه، كنت بخرج اشتغل عشان اقدر اصرف على نفسي وعلى دروسي، ابويا كان ميت بقاله خمس سنين، يعني من وانا في ابتدائي، واخويا الكبير كان يدوبك بيساعد أمي ومش حمل مصاريف دراستي، مع إنه صمم أكمل تعليمي رغم إني قولتله اخرج من التعليم عشان نوفر المصاريف للبيت، بس هو مارضاش وانا وواحدة واحدة بدأت اشيل عنه واتكفل بمصاريفي في الدروس.

    وزي ما انت سمعت حياتنا كانت متشقلبة، وفي يوم وانا راجع من الدرس، كنت ماشي في الشارع بشوط الطوب اللي قدامي، وسرحان في الفلوس اللي طلبها مني الأستاذ قدام زمايلي قبل الحصة ما تخلص، وفجأة شوطت طوبة، بس بعدها سمعت صوت صرخة، رفعت راسي لقيت ست عجوزة ماسكة رجليها وبتبص عليا، ارتبكت وقولتلها بسرعة...

    - انا اسف يا أمي.. انا اسف ماكنتش اقصد.

    - حد يمشي يشوط الطوب؟

    - حقك عليا.

    قربت منها عشان اطمن عليها، بس أول ما عيني جت في عينيها حسيت برعشة غريبة في جسمي، ورجعت لورا، وهنا بدأت اركز في ملامحها، ست عجوزة وشها مليان تجاعيد، بشرتها سمرة، عينيها تحس إنهم داخلين لجوة، لابسة عباية سودا، واضح إنها ماتغسلتش من شهور، كل التفاصيل دي خلتني احاول امشي بسرعة، فقولتلها...

    - انتِ كويسة؟

    - لا.. رجلي بتوجِعِني.. ومش عارفة هروح الدار كيف!.

    - انتِ بيتك بعيد عن هنا؟

    - لاه خطوتين، اعدي الطريق وادخل الشارع.. ممكن تسندني لحد الدار؟

    بلعت ريقي وانا بقولها...

    - اه طبعًا ممكن.

    قربت منها ومسكت ايدها بس وانا بحاول ماقربش أوي، لكن لقيتها مسكت ايدي وتبتت عليها وقالتلي...

    - اسمك ايه؟

    - باسم.

    ابتسمت ابتسامة غريبة قبل ما تقول...

    - باسم!.. اومال مافيكش من اسمك ليه؟

    - مش فاهم.

    - مش مهم تفهم.

    عدينا الطريق ودخلنا الشارع، وبعدين سألتها..

    - هو بيتك فين؟

    - الحارة الجاية.

    دخلنا الحارة ومشينا جنب كام بيت لحد ما في الاخر قالتلي...

    - بس إهنه، هي دي داري.

    بصيتلها ثواني وبعدين قولتلها...

    - طب عايزة مني حاجة قبل ما امشي؟

    سكتت شوية وبعدين قالت بصوت مرعب...

    - لو وريتك يا حزين سكتك منين.. تقول ايه؟.

    - مش فاهم.

    - حزين وعبيط.. هات كف الإيد.

    مدت ايدها ناحيتي وساعتها بصيتلها بخوف ورعب، بس حاجة جوايا قالتلي امد ايدي ناحيتها، وفعلًا لقتني بمد ايدي وبحطها في ايديها.. ابتسمت في وشي قبل ما تنزل عينيها على كف ايدي، وبعد ثواني لقيتها قالت...

    - يييييي، ايه ولدي ده؟

    سألتها بقلق...

    - في ايه؟!

    - طريقك واعر، وصحتك هزيلة، لكن نسوانك كتيرة.. مش واحدة.. دول تانين الأولى بالياء والتانية بالعين، توك فقير لكن بتصير أمير.. ومن تاني هتتعب والمرض فيك ينخر.. بس هتتعافى، ولك الحياة تضحك.. شهرة هتنول، وفلوس بالكوم، زواج اتنين ومرض مرتين.. كفك غريب يا ولدي!.

    ******

    كلامها هو اللي كان غريب، انا كنت ساعات بسمع أمي بتتكلم مع جيرانها عن قراية الفنجان والكف والحاجات دي، بس كان اخري الكلام الفاضي بتاع قدامك سكة سفر، وفلوس في الطريق والحاجات العبيطة دي، بس دي أول مرة اسمع الترتيب العجيب ده، ولاحظت إن كل حاجة قالتها هتحصل مرتين، يعني هتعب مرتين وهتجوز مرتين، وحتى الفلوس.. حتى الفلوس هيبقى معاها شهرة.. الست دي أكيد بتخرف، عشان كده بصيتلها وضحكت، ضحكت ضحكة عالية قبل ما اقولها...

    - انتِ بتضحكي عليا صح؟

    - وهستفيد ايه؟.. اني خبرتك بكل اللي شوفته في كفك.. بدك تصدق صدق.

    - طب اظن انتِ كنتِ محتاجة اني اوصلك للبيت، واديكِ وصلتي ممكن امشي؟

    - اتفضل.

    نظرتها كانت غريبة، بصيتلها بخوف ومشيت.. مشيت وانا تقريبًا كنت بجري مش بمشي، وأول ما خرجت من الحارة لفيت وشي لقيتها لسه واقفة قدام بيتها وبتبص ناحيتي، في اللحظة دي جريت بجد.

    أول ما وصلت بيتنا دخلت أوضتي بسرعة، بصراحة كنت لسه مخضوض من كلامها، بس بعد ساعة تقريبًا هديت وبدأت افسر الكلام براحة، الست دي مش من مصلحتها أي حاجة عشان تقول كده، وبعدين هي ماتعرفنيش، يعني لو ماكنتش خبطت الطوبة فيها، أكيد ماكنتش هقابلها وكان كل واحد مننا راح في طريقه، بس كلامها برضه مش داخل دماغي، يعني ايه هتجوز مرتين؟.. وهتعب مرتين؟.. وبعدين فلوس ايه وشهرة ايه اللي هي بتقول عليهم؟.. انا مافيش حيلتي جنيه، لا لا دي أكيد كانت حابة تعاقبني عشان خبطت الطوبة في رجليها فقالت تخوفني.. ايوة صح هي كانت قاصدة تخوفني.. فوقت على صوت خبط الباب، وبعدها أمي دخلت الاوضة، أول ما شافتني قاعد على السرير قالتلي...

    - مالك يا باسم؟.. قاعد كده ليه؟

    - مافيش يا ماما.. لسه راجع من الدرس وتعبان شوية، هنام عشان اصحى اذاكر.

    - لا انت مش تعبان، هو انا مش عرفاك، انت بتفكر في ايه؟.. في حد زعلك في الدرس؟

    - لا خالص.

    - يابني قول الاستاذ زعلك في حاجة؟

    - لا عادي يعني ماقلش حاجة.. انا بس ايـ..

    - انت ايه؟.. فيك ايه احكيلي.

    - بصراحة حصل موقف وانا راجع غريب جدًا وحاسس إني خايف.

    قربت مني وقعدت على السرير وهي قلقانة وسألتني...

    - موقف ايه؟.. قولي ايه اللي حصل؟

    بدأت احكيلها اللي حصل بيني وبين الست العجوزة، وهي كانت بتسمعني باهتمام شديد، بس أول ما خلصت لقيتها ابتسمت وقالتلي...

    - يخرب عقلك يا باسم، انت صدقت الست دي؟

    - لا طبعًا.. بس كلامها يخوف.

    - ياحبيبي كذب المنجمون ولو صدفوا.. يعني حتى لو حصل اللي بيقولوا عليه فدي صدفة مش معناها إنهم صادقين.

    - انا عارف يا ماما، بس انا بوصفلك إحساسي وقت ماكانت ماسكة ايدي وبتقول الكلام ده، كنت مرعوب.

    - لا ياحبيبي ماتترعبش ولا حاجة، ده كلام فارغ.

    - هيييح طيب، انا هنام بقى عشان اصحى اذاكر ساعتين بالليل.

    - ماشي.. اه اخوك سابلك فلوس الدرس، كان جاي عشان يديهالك قبل ما تمشي بس مالحقكش.

    - ربنا يخليه ليا، ان شاء الله هبقى اديهم للأستاذ بكرة في المدرسة.

    - ماشي ياحبيبي.. تصبح على خير.

    - وانتِ من أهل الخير يا ماما.

    خرجت أمي وقفلت النور والباب وانا فردت ضهري على السرير وغمضت عيني ونمت.. لما صحيت كنت تقريبًا ناسي اللي حصل، ومافتكرتش غير لما اخويا فتح الموضوع بعد ما أمي حكتله وطبعًا خدنا الكلام في سكة الهزار والتريقة، وعدت الأيام ودخلت الجامعة.

    في الجامعة كانت حياتي بدأت تستقر شوية، صحيح مافيش فلوس كتير بس قدرت اشتغل طول السنة بدل شغل الاجازات أو المصالح الطياري اللي كنت بعملها في الثانوية العامة، وده لإن الجامعة اللي كنت فيها ماكنتش محتاجة حضور يومي، يدوب بروح اخر اسبوع اجيب الملازم بتاعت المراجعة النهائية واقعد احفظها وادخل الامتحان وارجع اكمل شغلي، وبكده قدرت اجمد قرش، بس كل ده انتهى في ثانية لما قابلت يارا، يارا البنت الرقيقة والجميلة اللي قدرت تخطف قلبي في ثانية واحدة، ماعرفش حصل إزاي؟.. بس يمكن عشان كنت أول مرة أحب، أو يمكن عشان هي جميلة فعلًا وتخطف العين والقلب، مش عارف الحقيقة!.. بس ده اللي حصل.. ومن يوم ما شوفتها وانا قررت اسيب كل اللي في ايدي واروح الجامعة، هي بطبعها كانت ملتزمة في الدراسة جدًا، ده اللي عرفته لما سألت عنها، قالولي إنها من باب الجامعة للمدرج، ومن المدرج لباب الجامعة، لا بتوقف مع حد، ولا بتقعد حتى في الكافتريا مع صحباتها البنات، والأغرب بقى إني لما مشيت وراها في يوم لقيت أمها بتيجي تاخدها بالعربية من قدام باب الجامعة، يعني مقفولة مقفولة، مافيش فرصة اتكلم معاها ولو خمس دقايق.. الحقيقة كان موضوع رخم بالنسبة لي.. بس ماكنتش قادر اشيلها من دماغي وعشان كده عملت أغبى حركة عملتها في حياتي.. انا استنيت امها قدام الباب الجامعة وأول ما شوفتها قربت من العربية، وقفت قدام الشباك وقولتلها...

    - ازي حضرتك يا طنط؟

     بصتلي باستغراب قبل ما تسألني...

    - انت مين؟

    - انا.. انا باسم زميل يارا في الكلية.

    - اه اهلصا وسهلًا.. في حاجة؟

    - لا انا بس. انا كنت عايز رقم عمو.

    - عمو!.. عمو مين؟

    - والد يارا.

    - وعايزه في ايه بقى؟

    - اااا.. ااا.. اصل انا.. انا.

    في اللحظة دي شوفت يارا معدية من جنبي وبتلف عشان تركب العربية، عيني سرحت معاها لحد ما قعدت في الكرسي، فوقت على صوت أمها بتقولي...

    - انت ايه بقى؟

    - هاه.. انا.. انا كنت عايز اتقدم ليارا.

    ضحكت على كلامي وبعدين قالتلي...

    - ركز في مذاكرتك عشان تنجح وتتخرج وتعرف تشتغل.. وسيبك من الكلام ده دلوقتي.

    - انا قصدي خير والله.

    - حتى لو قصدك خير.. لسه بري على الكلام ده، ركز في مذاكرتك أهم.. مع السلامة.

    اتحركت بالعربية من قبل حتى ما أرد عليها، فضِلت واقف مكاني شوية وانا حاسس بالغيظ، بعدها خدت بعضي ومشيت، ماكنتش عارف رايح فين، بس حسيت إني محتاج امشي وافكر في اللي حصل.. أمها كان معاها حق.. جواز ايه اللي بفكر فيه ده؟.. انا بصرف على نفسي بالعافية.. الواحد شكله بيخرف، بس انا بحبها.. ياعم حب ايه؟.. اتخرج خليك تشتغل وتعرف تعيش زي البني آدمين.. صح الحب هيعطلني.

    روحت البيت يومها وانا مقرر انسى يارا واسيبها في حالها، والتفت لمذاكرتي وحياتي عشان أوصل للي بحلم به.. وعدا كام اسبوع وفي يوم طلعت رحلة مع اصحابي في الجامعة، كنا في مدينة مش هقول اسمها، وفي اخر اليوم عدينا على ملاهي، وواحنا جوة كنا ماشيين ناحية لعبة من الألعاب لما فجأة شوفت قدامي مكنة شكلها غريب، كنت أول مرة اشوفها، الشاب اللي واقف على المكنة بيقول إن المكنة دي بتقرأ كف الإيد، قول ما سمعته بيقول كده وقفت وافتكرت كلام الست العجوزة.. ابتسمت وقولت لاتنين من اصحابي كانوا ماشيين معايا..

    - انا هجرب اللعبة دي؟

    ضحكوا عليا وقالولي...

    - تجرب ايه ياعم!.. ده نصب.

    - مش نصب هو تسالي.. وبعدين إحنا جايين نلعب.

    قربت من الشاب وقولتله...

    - المكنة دي بتقرا الكف إزاي؟

    - حط ايدك هنا، وهي هتطبع كف ايدك وتطلعلك ورقة فيها القراية.

    - تمام.

    بص لي وقالي...

    - اسمك ايه؟

    - باسم.

    - مواليد كام بالظبط؟

    قولتله تاريخ ميلادي بالظبط وهو كان بيكتب الحاجات دي وهو واقف ورا المكنة، بعدها شاورلي عشان احط ايدي على المكنة من قدام، حطيت ايدي في المكان اللي قال عليه، وكان حاجة زي اسكنر بيصور الإيد، وبعد دقيقة أو دقيقتين خرجت ورقة، كل ده كنت واخد الموضوع هزار وضحك وحتى اصحابي كانوا بيهزروا وواقفين يتريقوا عليا، الشاب ناولني الورقة وخد مني الفلوس.. وبعدها مسكت الورقة عشان اقراها، بس هم فضلوهم خلاهم يحاولوا يشدوا الورقة، فتبت عليها وبعدت عنهم، وبعدين فتحت الورقة وبدات اقرأ ، وده اللي اتكتب في الورقة بالظبط...

    "شخصيتك قوية، بس مشكلتك إنك بتعمل حساب للناس في مواقف كتير، حاول تستخدم شخصيتك الحقيقية وماتحجمهاش، وبلاش تحاول تظهر بدور المثالي، خليك على طببيعتك هتوصل لحاجات كتير جواك ماكنتش تعرفها عن نفسك"

    دي كانت مقدمة في الأول تحت عنوان شخصيتك، بعدها لقيت سطور فردية، أول سطر كان مكتوب فيه رقم الحظ 6، اتصدمت لإن ده رقم حظي فعلًا.. تحتها يوم الحظ السبت، ايه ده!.. كملت قراية بفضول، والسطر اللي بعده كان مكتوب فيه الصحة.. هتتعرض لتعب شديد بس هتقدر تتعالج منه، بدأت احس بالخوف ورفعت راسي وبصيت على المكنة والشاب اللي واقف قدامها، بعدها رجعت وكملت قراية، الزوجات.. اتنين!.. الأولى أول حرف ياء.. والتانية أول حرف عين!.

    ياء!.. يارا!!.. هزيت دماغي وانا بقول...

    - لا.. لالالا، دي مش مكنة ولا لعبة، في حاجة غلط.

    نزلت لاخر سطر وكان مكتوب المستقبل.. شهرة وغنى.

    مع نهاية السطر الأخير وقفت مبلم، مش فاهم ايه ده!.. اصحابي قربوا مني لما شافوا منظري وواحد منهم سألني...

    - مالك يا باسم في ايه؟

    - اللي مكتوب هنا غريب.

    - غريب ليه؟.. وريني كده.

    مسك الورقة مني وانا سيبتها لإني كنت شارد في الشاب اللي واقف قدام المكنة، وبعد دقيقة سمعت صاحبي بيقول...

    - يابن اللاعيبة هتتجوز اتنين ويبقى معاك فلوس وهتبقى مشهور.. لك حق تستغرب فعلًا.

    ماردتش عليه وسيبتهم وروحت ناحية الشاب، كنت ببصله بغيظ، اما هو فكان واقف بيضحك مع زبون تاني، وأول ما عينيه جت عليا ابتسمته اختفت، اكيد اتخض من منظري، قربت من المكنة وشيلت ايد الزبون من عليها وانا بقول للشاب...

    - المكنة دي ايه بالظبط؟

    - في ايه يا عم انت؟.. مالك؟

    - قولتلك المكنة دي عبارة عن ايه بالظبط؟

    - هو ايه اللي عبارة عن ايه؟.. انت عبيط ياعم ولا ايه؟

    بص لي الزبون اللي كان واقف وقالي باستغراب...

    - ايه ياسطى في ايه؟.. مالك واخد الموضوع جد كده ليه؟.. احنا بنهزر.

    - البتاع دي مش هزار.. بتاع دي قالت حاجات حقيقية.

    اتخض الزبون من كلامي وشال ايده بعد ما كان مُصِر إنه يجرب اللعبة، وقالي...

    - انت بتقول ايه؟.. البتاع دي بتقول حقيقة بجد؟

    - ايوة.

    بصيت للشاب لقيت وشه اتغير وارتبك، فسألته...

    - البتاع دي ايه بالظبط؟

    - ماعرفش، انا لسه شاريها قريب وماحدش قال قبل كده اللي انت بتقوله ده.

    - كل اللي مكتوب في الورقة بتاعتي حقيقي.. إزاي؟

    - والله ما اعرف.. ومش يمكن تكون ماتلخبط ولا حاجة.

    - متلخبط!.. هتلخبط في حياتي؟

    - طب خلي الراجل يكمل ونشوف إذا كان حقيقة ولا لا؟

    - ماشي.. خليه يكمل.

    بص لي الزبون بقلق وبعدين قال للشاب...

    - لا ياعم الله الغني عن دي لعبة، انا هروح العب المنخل احسن.

    سابنا ومشي وساعتها الشاب قالي...

    - عاجبك كده، انت جاي تقطع عيشي.

    بصيت جنبي لقيت اصحابي الاتنين واقفين، قولت لواحد فيهم...

    - حط ايدك خلينا نشوف.

    - ماشي بس انت اللي هتحاسب.

    - تمام.. حط ايدك.

    حط صاحبي ايده على المكنة وبدأ يقول اسمه وتاريخ ميلاده للشاب، وبعد دقيقتين طلعت الورقة، مسكتها بلهفة وناولتها لصاحبي اللي بدأ يقرأ، وانا ماكنتش قادر استتى فسألته...

    - هاه الكلام ده حقيقي؟

    هز راسه بالنفي وهو بيقولي...

    - لا.. ده كلام مالوش علاقة بيا خالص.

    مسكت الورقة وقريت اللي فيها وبعدين قولت للشاب...

    - يبقى انت غيرت اسمه أو تاريخ ميلاده عشان تغير اللي هيتكتب.

    بص لي بغيظ وبعدين قالي...

    - والا انا سايبك تعمل كل ده وواخدك على قد عقلك.. بس هتزود عن كده هيبقى ليا معاك كلام تاني.

    - لا وريني الكلام التاني ده كده.

    ادخل صاحبي وبعدنا عن بعض وبعدها خدني على جنب وقالي...

    - ماتروق يا عم باسم.. ماكنتش لعبة دي.

    - ياعم دي مش لعبة.. دي بتقول الحقيقة.

    - حقيقة ياعم انت عبيط.. بقولك ايه يلا بينا من هنا.. وبعدين نبقى نشوف الموضوع ده.

    مشيت معاه لإني اقتنعت إني لو قعدت اتكلم من هنا للسنة الجاية ماحدش فيهم هيفهم الموقف زي ما انا فاهمه.

    خدت منه الورقة بتاعتي اللي كنت سيبتها معاه وكملنا الرحلة بس طبعًا انا كنت في عالم تاني مش معاهم خالص، وكل تفكيري وانا راجع في الاتوبيس بالليل كان في الست العجوزة الي لقتني سامع كلامها في وداني وشايفها في خيالي كإنها واقفة قدامي، وانا بقرأ نفس الكلام اللي هي بتقوله.. كنت هتجنن من الصدفة ده لو ينفع اسميها صدفة مع إني مقتنع إن اللي بيحصل ده عمره مايبقى صدفة خالص.. المهم وصلت القاهرة ولما دخلت البيت لقيت أمي قاعدة مستنياني، كانت قلقانة لإن تليفوني كان فاصل زي ما هي بتقول بس الحقيقة انا ماكنتش واخد بالي، وماركزتش مع التليفون بسبب الموضوع اللي كنت بفكر فيه، اطمنت وهديت لما شافتني وبعد كده سألتني...

    - اخبار الرحلة ايه؟

    - الحمدلله كانت كويسة.

    - اتبسطت؟

    - اه تمام.

    - هو ايه اللي اه تمام؟!.. مالك؟

    - لا مافيش.

    - اومال وشك متغير ليه؟.. ده شكل واحد راجع من رحلة مع اصحابه؟

    - يعني المفروض يبقى شكلي إزاي يعني؟

    - انت بتكلمني كده ليه؟

    - مافيش يا ماما.. تعبان بس ومحتاج انام.. تصبحي على خير.

    - لا تعالى هنا.. احكيلي ايه اللي حصل؟

    - ماحصلش حاجة.

    - اقعد يا حبيبي وقولي فيك ايه؟

    قعدت جنبها وطلعت الورقة من جيبي وقولتلها...

    - فاكرة كلام الست العجوزة اللي حكيتلك عنه وانا في ثانوية عامة؟

    - الست العجوزة.. الست...

    - يا ماما الست اللي قابلتني وقالتلي هتتعب وتتجوز مرتين.

    - اه اه.. مالها؟.. وايه اللي فكرك بها؟

    - امسكي اقراي الورقة دي.

    خدت مني الورقة وبدأت تقراها وبعد ما خلصت قالتلي...

    - مش فاهمة في ايه؟

    - هو ايه اللي مش فاهمة!.. يا ماما الورقة مكتوب فيها نفس كلام الست بالظبط.

    - وانت جيبت الورقة دي منين؟

    - لعبة كده في الملاهي بتقولي اسمك وسنك وبيطلعلك الورقة دي.

    - لعبة!.. وهي في ألعاب بالمنظر ده؟

    - مش عارف بس ده اللي حصل، والغريب ان كل اللي مكتوب اتقالي من الست.. تفتكري صدفة؟

    - ما انا قولتلك يابني كذب المنجمون ولو صدفوا.. وبعدين اصلًا هم اغلبهم بيقولوا نفس الكلام.. واللي عامل اللعبة دي هتلاقيه واحد زي الست دي بتاع قراية الكف والحاجات دي.

    - مش عارف بقى يا ماما بس انا مش مطمن.

    - ياحبيبي ماتحطش في دماغك، وسيبك من الكلام الفاضي ده وركز في مستقبلك.

    - حاضر.. انا هدخل انام عشان مش قادر تعبان جدًأ.

    - ماشي.

    سيبتها ودخلت الأوضة، وبعد ما غيرت هدومي وفردت ضهري على السرير، افتكرت حاجة مهمة، الورقة مكتوب فيها اسم أول زوجة بحرف الياء، يعني انا ممكن اتجوز يارا فعلًا؟.. ياه لو ده حصل، يبقى حلم من احلام حياتي اتحقق، جرا ايه يا عم باسم انت هتصدق الكدب والدجل ده ولا ايه؟.. انا مش مصدق بس نفسي الموضوع ده يتحقق، طب نام بقى وسيبك من الكلام الفارغ ده.. ونمت.

    عدا على الموضوع ده حوالي 3 سنين وبقيت في سنة رابعة، وفجأة عرفت إن يارا اتخطبت لواحد مهندس، كان يوم صعب جدًا عليا حتى إني يومها روحت قعدت على الكورنيش طول الليل، وماعرفش ليه وقتها جِه في بالي كلام الست العجوزة ولقتني بقول لنفسي، شوفت بقى اهي يارا اتخطبت يعني كلام الست والكلام المكتوب في الورقة كان تخريف.. صح كان تخريف فعلًأ.. بس انا هعمل ايه دلوقتي بعد ما هي اتخطبت، انت عبيط يالا؟!.. هتعيش حياتك هي الحياة بتوقف على انسانة قابلتها وماكنش لك نصيب معاها، انا فعلًا لازم اشوف حياتي.. بعد ما اتخرجت، الحياة لخبطت معايا جامد، الشغل اللي اشتغلته ماكنش الشغل اللي بحلم به أو بمعنى اصح ماكنتش لاقي نفسي في الشغلانة دي، كنت حاسس إن مكاني مش هنا، بس ماكنش قدامي غيرها وكنت مجبر أكمل، وفي يوم اتعينت عندنا موظفة جديدة، هي بصراحة ماكنتش جميلة، أو بمعنى أصح جمالها مش ملفت، إنسانة عادية، ماكنتش مهتم بوجودها، ولا حتى اعرف عنها أي حاجة، مجرد زميلة في الشركة بقابلها الصبح وانا داخل واخر النهار وانا خارج، يعني صباح الخير، ومساء الخير وشكرًا على كده، لحد ما في يوم مدير الشرطة عمل فطار جماعي في رمضان، وعزمنا بره الشركة، طبعًا كنا في المطعم قبل الفطار بساعة ونص عشان نلحق نطلب الأكل ويجهز على الفطار، وطول الوقت ده كنت ملاحظ إنها بتتكلم بعفوية وتلقائية رهيبة، بصراحة سحرتني طريقة كلامها، وبدأت اتشد لها، وبعد الفطار قعدنا ساعتين تقريبًا نتكلم كلنا بس انا ماكنتش مركز غير معاها هي بس، لرجة انها لاحظت ده، وبصتلي أكتر من مرة وابتسمت، وده شجعني اخر القعدة اني اعرض عليها اوصلها، ووافقت، وفي الطريق قولتلها...

    - انا ماعرفكيش كويس، ماجتش فرصة نتعرف قبل كده، انتِ مين بقى؟

    ضحكت ضحكة رقيقة قبل ماتقولي...

    - كل التركيز اللي كنت مركزه في القعدة ده وماعرفتنيش؟!

    اتحرجت من كلامها بس ابتسمت ابتسامة عبيطة وقولتلها...

    - لا هو مش تركيز، بس الواحد تقدري تقولي كده ساعات بيسرح ومابيخدش باله.

    - لا والله.

    - اه والله، المهم انتِ مين بقى؟

    - ماشي يا سيدي هقولك، انا اسمي يسر.. من القاهرة عايشة مع ابويا وأمي واختي.. هاه عايز تعرف ايه تاني؟

    - لا كده كفاية.. الباقي بقى هعرفه بعدين.

    - بعدين ازاي يعني؟

    - يعني الكلام هيجيب بعضه.

    - اها طب قولي بقى انت مين؟

    عرفتها على نفسي واخواتي وأمي وماحستش بالوقت لحد ما فوقت من اللحظة الجميلة دي وهي بتقولي...

    - انا هنزل هنا بقى.. على جنب ياسطى.

    وقف التاكسي ونزلت يسر وبعدها كملت انا مع السواق وطلبت منه يوصلني للبيت، بس في الطريق كنت بفكر في كل كلمة اتقالت بينا، كنت مبسوط جدًا لحد ما فجأة افتكرت ولقتني بقول بيني وبين نفسي.. حرف الياء.. يسر مش يارا.. يعني العرفاة والورقة كانوا يقصدوا يسر بس انا اللي مافهمتش عشان ماكنتش اعرف غير يارا، ايه يابسم انت هتصدق ولا ايه؟.. لا انا مش مصدق بس.. بس ايه يامعلم ده كلام تخاريف، ااه هو كلام تخاريف، وبعدين انا هسيب واحدة معجب بها عشان كلمتين اتقالوا زمان.. هو انا عبيط ولا ايه؟.. لا لا انا هكمل مع يسر واسيبها على ربنا بقى.

    وصلت البيت وأول ما دخلت لقتني محتاج اكلم يسر، بس منعت نفسي وقولت.. مش معنى إنها ادتك رقمها تقوم مدلوق ومكلمها أول ما تروح، اتقل ياض، اتقل ماتبقاش خفيف.. غيرت هدومي ونمت.

    الحياة بعد كده بيني وبين يسر مشيت تمام وزي الفل، اتفقنا على كل حاجة وروحت اتقدمتلها، واتخطبنا، كانت إنسانة جميلة جدصأ روحها حلوة وحسها هادي مش بتاعت مشاكل ولا طلبات، كنت محظوظ بوجودها في حياتي، بس ولإن الحياة مش دايمًا هتديك كل اللي نفسك فيه، حصل اللي ماكنتش متوقعه.

    كنت خارج من الشركة يومها ومعايا يسر، كنا متفقين نروح بعد الشغل نتفرج على شوية حاجات هنجيبها في بيتنا، لإنه خلاص مش فاضل على الفرح غير شهر واحد بس خصوصًا إننا كتبنا الكتاب من اسبوعين، المهم اشترينا الحاجات اللي محتاجينها وبعدين وصلتها وبنفس التاكسي طلعت على الشقة اللي مأجرها عشان اتجوز فيها، طلعت الحاجات فوق في الشقة ونزلت، بس وانا بعدي الطريق عشان اركب ماخدتش بالي من الميكروباص اللي جاي في وشي بسرعة جنونية، حاولت اتفاداه بس مالحقتش، وكل اللي حسيت به هو اني طاير في الهوا وبعدها اترزعت على الأرض.. مافتحتش عيني تاني غير وانا نايم على السرير في المستشفى، كان جنبي اخويا وأمي، أما يسر فماكنتش موجودة، وأول حاجة سألت عليها...

    - يسر فين؟

    بصتلي أمي وهي بتدمع، أما اخويا فقالي بنبرة حادة...

    - سيبك منها وخليك في اللي انت فيه.

    - هو ايه ده، فين يسر؟.. وبعدين ايه اللي انا فيه؟

    - يسر خلاص مابتقش لك.

    اتعدلت في قعدتي وانا متعصب وبقوله...

    - ايه اللي انت بتقوله ده!.. انا...

    وقفت كلام لما شوفت منظر رجلي.. رجلي الشمال مبتورة، فضِلت باصص على رجلي ومتنح، أمي قربت مني وطبطبت على كتفي وهي بتعيط.. بصيتلها وقولتلها...

    - هو.. هو ايه اللي حصل؟.. رجلي فين؟.. فين رجلي؟

    ماقدرتش تتكلم من كتر العياط، واللي اتكلم كان اخويا اللي قالي...

    - الدكتور قال إن رجلك لازم تتبتر وإلا هيكن في خطر على حياتك.

    - مين اللي وافق على الكلام ده؟

    ماحدش فيهم رده، صرخت فيهم بصوت ماليان دموع...

    - مين فيكوا وافق على الكلام ده؟.. ردوا عليا؟.. مي ناللي وافق إن رجلي تتقطع؟

    - ماكنش في حل تاني.

    قالها اخويا قبل ما يخرج من الأوضة، أما أمي فحضنتني وعيطت في حضنها كتير جدًا.

    عدت ساعات على ما قدرت افوق من الصدمة، بعدها قولت لأمي...

    - انا عايز اكلم يسر.

    - ماتكلمش حد.. سيبك منها وانساها.

    - ما انا لازم افهم، لازم افهم هي إزاي باعتني بالسهولة دي؟

    - في حاجات أحسنلك ماتفهمهاش.. وبعدين عايز تفهم ايه؟.. ماهي واضحة.. احمد ربنا إنك عرفت حقيقتها قبل ما كنت تتجوزها ويحصلك اللي حصل، ساعتها كنت هتخسر كل حاجة.

    - وانا كده ماخسرتش حاجة؟

    - لا ماخسرتش، انت الكسبان، اللي زي دي خسارتها مكسب.. اما بالنسبة لرجلك فده ابتلاء من ربنا ولازم تصبر وتحتسب.

    ماردتش عليها، ماكنش عندي رد، أي رد هقوله ممكن يكون غلط كبير أو اعتراض على مشيئة ربنا، بس كان في نار قايدة جوايا.

    بالليل أمي روحت واخويا فضِل بايت مرافق معايا، بس كان نايم وقتها وانا كنت ساند راسي على ضهر السرير وسرحان، كنت بفكر في كل لحظة مرت بيني وبين يسر، الدموع كانت بتجري على خدي، لما فجأة سمعت صوت الست العجوزة في ودني " طريقك واعر، وصحتك هزيلة، لكن نسوانك كتيرة.. مش واحدة.. دول تانين الأولى بالياء والتانية بالعين، توك فقير لكن بتصير أمير.. ومن تاني هتتعب والمرض فيك ينخر.. بس هتتعافى، ولك الحياة تضحك.. شهرة هتنول، وفلوس بالكوم، زواج اتنين ومرض مرتين.. كفك غريب يا ولدي!.".

    انا كده عرفت أول واحدة بنفس الحرف وكمان تعبت أول تعب!.. يعني كل اللي قالت عليه الست دي ممكن يحصل.. بس هيحصل ازاي؟.. مين اللي ممكن ترضى بيا بعد اللي حصل؟.. وبعدين هشتغل ايه برجل واحدة؟.. لا أكيد كلامها مش هيتحقق.. انا خلاص مابقيتش نافع في أي حاجة.

    فضِلت فترة طويلة مسيطر عليا الإحساس ده، إني فعلًا مابقاش ليا لازمة في الحياة، مجرد عالة على اللي حواليا خصوصًا بعد ما استغنوا عني في الشغل، لدرجة إني فكرت كتير أخلص من حياتي بس خوفي من عقاب ربنا هو اللي كان بيمنعني.. لحد مافي يوم وانا قاعد على النت شوفت فيديو عن تعليم مهارات إزاي تبدأ مشروعك أونلاين، دخلت على الفيديو وبدأت اركز في الشرح وواحدة واحدة اتعلمت انفذ كل حاجة زي ما مطلوب، بس وقفت وسألت نفسي انا هعمل ايه باللي اتعلمته؟.. وساعتها جت في بالي فكرة وقولت ليه ما اعملش موقع وابيع عليه أونلاين، بدأت انفذ الفكرة، وبصراحة الموضوع كان متعب جدًا، لدرجة إني فقدت الأمل أكتر من مرة إن الموضوع هينجح، بس ماكنش قدامي أي حل تاني غير إنه ينجح، كنت متأكد من جوايا إني لو فشلت المرة دي ممكن اعمل أي حاجة في نفسي.. وإصراري الشديد للنجاح، خلاني أسهر ليالي طويلة بتعلم وبنفذ اللي بتعلمه، أهم حاجة في الموضوع كانت الصبر، محتاج تصبر وماتستعجلش على الوصول، اعمل اللي عليك واتأكد إنك هتوصل بس إمتى دي بتاعت ربنا.. وعشان كده عملت اللي عليا، تعبت واشتغلت على نفسي وطورت من موقعي، وبدأت اعرض حاجات مش موجودة في السوق وحاولت اوفرها بسعر مناسب، ومع دعاية للموقع، بدأت الناس تدخل وتشتري وانا اخد عمولتي من التسويق، وواحدة واحدة قررت أبيع لحسابي، وعلى نفس الموقع، الفلوس زادت.. زادت بشكل سريع وغير متوقع، اما بالنسبة لرجلي، فبعد ما بقى معايا فلوس قدرت الحمدلله اركب طرف صناعي وتقريبًا رجعت طبيعي تاني، واستمرت الحياة على الوضع ده بقى عندي اصحاب وبخرج معاهم، وعايش حياتي، لحد ما في يوم كنت قاعد في كافيه من الكافيهات مع الشلة بتاعتي وشوفتها.. كانت جميلة بشكل غريب، تخطفك أول ما تشوفها، بصيتلها كتير، بس الغريبة انها كانت قاعدة لوحدها، فضِلت مراقبها حوالي ساعتين، وهي قاعدة لا في حد جالها ولا باين انها مستنية حد أصلًا.. قررت اقوم واكلمها، بس لما جيت اقوم افتكرت موضوع رجلي فقعدت مكاني مرة تانية، وقولت خلاص انا خدت نصيبي ومالوش داعي احرج نفسي، وعدا اليوم وبعده ايام، ولاحظت انها كل مرة بتيجي لوحدها، بتقعد على قد ما بتقعد وبعدين تمشي، الموضوع غريب بالنسبة لي، بس زي ما قولتلك انا شيلت فكرة الإرتباط من دماغي، وفي يوم، كنت حاسس إني زهقان من القاعدة في البيت فنزلت روحت الكافيه لوحدي، وبعد شوية لقيتها دخلت وقعدت على الترابيزة اللي قدامي، ماعرفش ليه أول ما شوفتها قدامي المرة دي نسيت كل اللي قولته وحسيت إني عايز اقوم واكلمها، يمكن عشان كنت لوحدي وده شجعني أكتر، يعني لو رفضت مش هيبقى قدام اصحابي، وماحدش هيعرف حاجة، وفعلًا قومت ووقفت قدام ترابيزتها وقولتلها...

    - ممكن اتكلم معاكِ شوية؟

    بصتلي باستغراب قبل ما تقولي..

    - اتفضل.

    قعدت على الترابيزة وبعدين فكرت بسرعة ابدأ منين...

    - بصراحة انا بشوفك بقالي فترة بتيجي لوحدك بتقعدي شوية وبعدين تمشي لوحدك.. انتِ مالكيش اصحاب؟

    - هو انت جاي عشان تسأل إذا كان ليا اصحاب ولا لا؟

    - لا خالص والله، انا بس.. بصراحة انا معجب بكِ وكنت عايز..

    - عايز تعرف في حد في حياتي ولا لا؟.. مش كده؟

    - هو كده.

    - لا مافيش.

    - طب بصي انا هقولك نبذة عن نفسي وبعدها نكمل كلامنا.

    - اتفضل.

    - انا اسمي باسم، شغال في شركة صغيرة على قدها كده، موظف يعني.. والحقيقة عندي مشكلة صغيرة.

    - مشكلة ايه؟

    - انا عملت حادثة زمان ورجلي اتقطعت فيها ودلوقتي ماشي بطرف صناعي.

    بصتلي باستغراب وبعدين قالتلي...

    - ايوة فين المشكلة؟.. مش فاهمة!

    - يعني انتِ مش شايفة إن دي مشكلة؟

    - لا مش انت بتروح شغلك وبترجع وبتخرج مع أصحابك.. يبقى فين المشكلة؟

    - طب الحمدلله.. بما انك مش شايفة إن الموضوع ده مشكلة ممكن اعرف إذا كنتِ توافقي تتجوزيني ولا لا؟

    رفعت حواجبها وقالتلي باندهاش...

    - انت متخيل انك بتطلب مني الجواز وانت لسه معرفني على نفسك من خمس دقايق؟

    - لا عادي خدي وقتك، بس انا بحب الحاجة تبقى رسمي فلو ماعندكيش مانع اتقدملك وخدي وقتك براحتك تعرفيني واعرفك.. مش مستعجلين.

    - طب بص، انا اسمي تقى، عايشة مع بابا وماما.. ماليش اخوات.. بشتغل في شركة صغيرة برضه زيك.. مابحبش الدوشة ولا بحب الاختلاط مع الناس.. عشان كده دايمًا تلاقيني لوحدي.. بس ليا صاحبة واحدة بس لكن مش موجودة دلوقتي.. مسافرة مع جوزها.. ده مختصر لحياتي أو تقدر تقول إنه كل حاجة عني أصلًا.

    عجبتني شخصيتها جدًا.. زاد جمالها، واتقدمت عشان اخطبها، وكان يوم حلو جدًا، بس بعد ما روحت كلمتني في التليفون وقالتلي...

    - انت ايه اللي عملته مع بابا النهاردة ده؟

    - عملت ايه مش فاهم؟

    - انت يابني بتستهبل، ايه كمية الدهب اللي اتفقت عليها دي، وبابا عمال يقولك اهم حاجة تبقوا مبسوطين، وابدأوا على ققدكوا وانت عمال تفتح صدرك وهجيب دهب مش عارف بكام وعفش بكام.. انت هتجيب الكلام ده كله منين؟

    ضحكت وانا بقولها...

    - هو ده اللي مزعلك؟

    - ايوة طبعًا.. انا عايزة نبدأ حياتنا براحتنا، وبعدين مش حلو انك تقول كلام وبعد كده ماتنفذوش.

    - ومين قالك إني مش هنفذه؟

    - وانت هتنفذه ازاي؟.. ما انا عارفة اللي فيها.

    - متأكدة إنك عارفة اللي فيها؟

    - قصدك ايه مش فاهمة؟

    - بصراحة انا خبيت عنك حاجة صغيرة كده؟

    - حاجة ايه؟

    - انا مش بشتغل في شركة زي ما قولتلك.. انا صاحب موقع بيع أونلاين.

    - موقع ايه ده؟

    قولتلها اسم الموقع واتصدمت جدًا لما سمعت اسمه لدرجة إنها ماصدقتنيش وقالتلي...

    - انت أكيد بتهزر.. صح؟.. سيبك من الهزار دلوقتي وخلينا في اللي انت عملته في الاتفاق.

    - انا مابهزرش، انا بتكلم بجد.

    - يعني يه بتتكلم بجد؟!.. وليه بقى ماقولتليش من الاول؟

    - عادي يعني ماجتش مناسبة.

    - ماجتش مناسبة ولا كنت بتختبرني.. عامة انا عمري ما كنت الإنسانة اللي بتبص لواحد عشان فلوسه.. وحتى لو كنت قولتلي وانا ماكنتش موافقة عليك ماكنتش هقبل.. مع السلامة.

    - استني بس.. انا ماكنش قصدي والله.. هي جت كده.

    - طيب انا هقفل دلوقتي ونتكلم بعدين.

    قفلت السكة وكان معاها حق بصراحة تزعل، وعشان كده تاني يوم روحتلها البيت اصالحها، وبعد محايلات كتير وبمساعدة ابوها وامها اتفهمت الوضع أخيرًا والموضوع عدا، بس واحنا قاعدين بنتكلم بعدها قالتلي وهي بتضحك...

    - بس على فكرة مش انت لوحدك اللي مخبي حاجات.

    - يعني ايه؟.. انتِ مخبية عني حاجة؟

    - اه طبعًا.. انت فاكر إن انت بس اللي بتعرف تخبي؟

    ابتسمت وقولتلها...

    - وانتِ مخبية ايه بقى؟

    - مش انا قولتلك إن اسمي تقى؟

    - ايوة؟

    - ده مش اسمي حقيقي.. انا اسمي الحقيقي عبير.

    في اللحظة دي وشي اتغير ولقتني بقولها...

    - عبير!.

    - ايوة.. مالك اتخضيت كده ليه؟.. وحش عبير ولا ايه؟

    - لا مش وحش.

    كنت حاسس إن في جردل ماية ساقعة ادلق عليا، ولقتني فجأة بقولها...

    - انا لازم امشي دلوقتي هبقى اكلمك تاني.

    - في ايه؟

    - لا مافيش.. هكلمك لما أوصل.

    قومت مشيت بسرعة، وانا في العربية كنت حاسس إن الدنيا بتلف بيا، كلام الست العجوزة كان في ودني "الأولى بالياء والتانية بالعين" لا مش هينفع مش هينفع يبقى في تانية، انا أول مرة عملت الحادثة، المرة دي مش عارف ايه اللي ممكن يحصل؟.. لا مش هينفع أكمل.. مش قولتلك إنك بتصدق كلامهم.. ايوة بصدق، اتجوزت أول واحدة بحرف الياء زي ما قالت، عملت حادثة وتعبت زي ما قالت، بقيت غني برضه زي ما هي قالت، ودلوقتي برف التانية وتطلع بحرف العين زي ما العجوزة قالت، لا مش هكمل، انا مش ضامن ايه اللي ممكن يحصل، جايز اموت، بس هي قالتلك برضه انك لو تعبت هتتعافى.. لا مش ضامن، واشمعنا دي اللي مش ضامنها؟.. ماعرفش، انا كل اللي عايز اعرفها دلوقتي هسيبها إزاي؟.. هتهون عليك تعمل فيها كده؟.. للأسف لا بس مش هقدر.. مش هقدر.

    لقتني بمسك التليفون وبكلمها، أول ما فتحت قولتلها...

    - تقى انا اسف بس انا مش هقدر أكمل معاكِ.. انتِ أكيد هتلاقي حد أحسن مني.

    - ممكن افهم ايه اللي بيحصل؟

    - مش لازم تفهمي، بس اللي لازم تفهميه إني حبيتك بجد، وكان نفسي أكمل معاكِ.

    - ايوة.. ايوة، وطبعًا اكتشفت إنط هتموت قريب ومش عايزني اترمل بدري.. مش كده؟.. اقولك على حاجة انا استاهل اكتر من كده إني وافقت من الأول.

    - تقى ماتقوليش كلام مالوش داعي.. صدقيني الموضوع مش زي ما انتِ فاهمة.

    - ربنا يسهلك وانا فعلًا هلاقي الأحسن، مع السلامة.

    قفلت السكة في وشي، كنت مقدر الحالة اللي هي فيها، انا لو لفيت الدنيا كلها مش هلاقي زي تقى، بس مش هيفنع، فضِلت الف بالعربية، وأول ما رجعت البيت لقيت أمي في وشي قاعدة ومستنياني، سلمت عليها ومشيت ناحية أوضتي لكن وقفتني وقالتلي...

    - انت ايه اللي انت عملته ده؟

    - عملت ايه؟

    - تقى كلمتني وحكاتلي اللي حصل واللي انت قولتهولها.. ليه عملت كده؟

    - طالما حكتلك يبقى اكيد انتِ عرفتي السبب.

    - يابني الشيل الكلام ده من دماغك، انت كده بتكفر بربنا، لا حول ولا قوة إلا بالله.

    - يا أمي.. يا أمي كل حاجة حصلت، حتى الفلوس اللي ماكنتش احلم اشوفها مش تبقى ملكي وفي ايدي، حصلت، انتِ عايزاني اتجوزها واعمل حادثة ولا اتعب ولا اموت.

    - الاعمار بيد الله مش بكلام العرافين، وبعدين هو انت لولا الحادثة كان زمانك وصلت للي وصلتله؟.

    - طب ما ده اللي هي قالته.. هتجوز وهتعب وهيبقى معايا فلوس.

    - طب وليه ماتقولش إن ده تدبير ربنا وإنك لو ماكنتش عملت الحادثة ماكنتش هتعرف حقيقة الإنسانة اللي معاك، وبرضه ماكنتش هتعرف باب الرزق اللي اتفتحلك، ليه ماحسبتش إن ربنا دبر كل ده عشان توصل للنعمة اللي انت فيها؟

    - خايف.. خايف اتجوزها وتحصل مصيبة ماقدرش عليها.

    - صدقني انت كده بتشرك بالله، وكمان بتظلم إنسانة مالهاش أي ذنب بالتخاريف اللي في دماغك وعمرك ما هتشوف خير أبدًا.

    سيبتها ودخلت أوضتي، فعلًا كان معاها حق، انا بشرك بالله وبظلم إنسانة كل ذنبها إنها فتحتلي قلبها، بس برغم كل ده صممت إني أبعد، وفضِلت مؤمن بكلام العرافة العجوزة، وعدت سنة، ماكنتش عارف اعيش فيها بعيد عن تقى، وكنت بتابعها من بعيد لبعيد، لحد ما فجأة كنت في المستشفى مع واحد صاحبي عشان ابوه بيعمل عملية ومحتاج متبرعين بالدم، اتبرعت بس اتفاجئت بالدكتور بيقرب مننا وبيسأل...

    - مين فيكوا باسم.

    - انا يا دكتور.. خير؟

    - معلش تعالى معايا.

    حسيت بالقلق ومشيت معاه، وقفنا بعيد شوية عن صحبي واهله وساعتها قالي...

    - انا اسف إني ابلغك بالخبر ده، بس نتيجة التحاليل بتاعتك بتقول إن عندك فيرس سي.

    - فيرس سي؟

    - للأسف، هو لسه في المرحلة التانية، يعني ممكن تتعالج منه بإذن الله.. اهم حاجة تروح تكشف وتتابع مع دكتور متخصص.. ربنا معاك.

    سابني ومشي وانا واقف مصدوم من اللي قاله، إزاي؟.. إزاي ده حصل؟.

    بعد اليوم ده روحت معمل تحاليل، عشان اتأكد، ماعرفش ليه كنت حاسس إن في حاجة غلط، بس للأسف النتيجة كانت بتأكد كلام الدكتور اللي في المستشفى، انا مصاب بفيروس سي، كنت هتجنن، وقولت في نفسي.. ما انا ماتجوزتهاش ليه بقى اتعب؟.. وانت كنت فاكر إنك لما تبعد عنها هتغير القدر، رجعت البيت وانا مش قادر استوعب اللي انا فيه، وعرفت أمي اللي حصل، اتصدمت من الخبر وعيطت شوية، بس بعد كده مسحت دموعها وقالتلي...

    - شوفت اديك سيبتها وماتجوزتهاش وبرضه تعبت، ويمكن تموت، يعني قدرك نافذ مهما عملت ومهما حاولت تهرب منه.. يمكن لو كنت اتجوزتها وسيبت كلام العرافة على جنب، وأمنت إن كل حاجة بايد ربنا، يمكن ماكنتش تعبت، بس اللي انت فيه ده نتيجة شركك بالله وتصديقك لكلام العرافة.

    - عندك حق.. من البداية كان عندك حق بس انا اللي كنت بكابر أو كنت خايف مش عارف.. انا تايه أوي يااما.. تايه ومحتاج اعرف الطريق.

    - الطريق معروف بس انت اللي مش عايز تمشي فيه؟

    - دليني عليه.

    - قوم يابني صلي ركعتين توبة لله واستغفر لذنبك، ونصيحة مني.. امشي في طريق ربك وانت تكسب دايمًا.

    قومت عملت اللي قالت عليه، ودعيت ربنا يغفرلي ذنبي، ودعيته كمان يقدرني ارجع تقى.

    رحلة العلاج كانت طويلة، بس قررت اني اتعالج وانا واثق في ربنا وواثق إنه هيشفيني، وفي وسط ده طلبت مني أمي احاول ارجع تقى، لكن قولتلها إني مش هرجعها غير لما اتعالج وابقى زي الاول، ما انا مش هظلمها أول مرة ودلوقتي ارجعها عشان تبقى جنبي وانا تعبان، مش هبقى ظالم في الاول وأناني في الاخر، بس اتفاجئت بتقى بتزورنا في البيت، قالت إن أمي حكتلها كل حاجة، وحكتلها عن تعبي، وهي قررت تيجي وتوقف جنبي.. ومن اليوم ده وانا حياتي بدأت من جديد.. تقى أصرت نتجوز قبل حتى ما اخلص علاج، وفعلًا ده اللي حصل.. وكملت العلاج وهي معايا، ودلوقتي معايا بنتين زي القمر.. انا بحكيلك كل اللي حصل عشان لازم تبقى عارف، لا مش لازم تبقى عارف.. انت لازم تبقى مؤمن من جواك ومتأكد إن قدرك مافيش منه هروب، ولو عاندت القدر صدقني انت الخسران.. آمن بالله وبمشيئته وبقدره، وإن صابك ماتكره فاصبر واحتسب.. آه وياريت بلاش تقرأ الكف ولا الفنجان، ابعد عن السكة دي حتى لو على سبيل الهزار، لإنها باب من أبواب الشرك بالله.. ولعنة هتطاردك لحد ما تموت.

    اقرا ايضادكتورة العزبة
    اقرا ايضاجحيم
    اقرا ايضاجريمة الفندق

    تمت بحمد الله 


    بقلم الكاتب: شادي إسماعيل