القائمة الرئيسية

الصفحات

التنقل السريع

     

    شريفة الخياطة قصص رعب شادي اسماعيل

    بقلم الكاتب: شادي إسماعيل 

    ساعات كتير بنجني على نفسنا من غير ما نحس، أو يمكن ذنوبنا بتلاحقنا ومابنقدرش نتخلص منها مهما حاولنا، بس الذنب اللي أنا عملته مايتساهلش ادفع تمنه غالي أوي كده.. أنا عارفة إني غلطت، لكن مش الغلط الكبيراللي يستحق ده كله.

    خلوني احكيلكوا الحكاية من ساعة ما بدأت.. اه قبل ما احكي، أنا فاطمة وعندي 20 سنة.

    يومها كنت نايمة وأنا مبسوطة لإني كنت راجعة من فرح واحدة صاحبتي، ودي كانت أول مرة أحضر فرح حد من صحباتي، وبصراحة كلنا كنا متجمعين ولابسين على سنجة عشرة، حتى أنا كنت حاسة بنفسي أوي يومها، الطقم كان هياكل مني حتة، وده مش رأيي ولا غرور مني، ده رأي كل البنات اصحابي وكمان امهاتهم، اه على ذكر الأمهات، كان نفسي أمي تحضر معايا، بس للأسف هي مش فاضية، دايمًا قاعدة على ماكنة الخياطة ومابتقومش من عليها، مش عارفة ليه ساعات كتير بحس إني عبء عليها.. ويمكن لو أنا ماكنتش موجودة، كانت اتجوزت بعد ابويا الله يرحمه ما مات، بس تلاقيها خافت إنها تجيبلي جوز أم من كتر الحاجات الوحشة اللي بنسمعها، تفتكروا أنا فعلًا ممكن أكون السبب في تعاستها وإنها اضطرت تعيش الحياة دي عشان تحافظ عليا؟.. أنا شايفة كده، ماعرفش ده صح ولا غلط؟.. عمومًا أنا فخورة إنها أمي، بس ساعات بفتقدها في مواقف كتير بسبب شغلها، وده بيضيع فرحتي في المواقف دي، بحس إني لوحدي وماليش حد.. وبرغم كده كنت راجعة يومها مبسوطة، قلعت الطقم ورجعته مكانه ودخلت السرير عشان أنام.. لكن بعد شوية بدأت احس بحاجة بتلمس خدي، افتكرتها دبانة أو ناموسة وحاولت ابعدها بايدي، بس مافيش ثواني ورجعت تلمس وشي من تاني، المرة دي اتقلبت الناحية التانية بزهق، كنت بدأت افوق شوية وحسيت بحاجة بتتحرك جنبي، زي ما يكون في خيال أو حاجة واقفة قدامي، عارف لما تبقى مغمض عينيك بس بتحس برضه إن في سواد قدامك، ده اللي حسيته وقتها، وبسبب احساسي ده فتحت عيني ببطء...

    - عايزة إيه يا ماما؟.. سيبيني أنام بقى.

    لكن لما فتحت ماكانتش أمي اللي واقفة قدامي، ده كيان غريب، اول ما شوفته قومت بسرعة واتعدلت في قعدتي، وبمجرد ما فوقت، اختفى!.. بصيت حواليا يمين وشمال، ماكنش في حاجة!.. أنا متأكدة إن كان في كيان غريب واقف قدامي، ايوة أنا متأكدة من اللي شوفته، حسيت بالخوف وقومت فتحت النور، مسكت الموبايل وشوفت الساعة كانت 3:30 بالظبط، أنا نمت ده كله إمتى؟.. أنا فاكرة إني لما دخلت أنام كانت الساعة 1.. معقولة نمت ساعتين ونص!.. في حاجة غلط بتحصل، بس أنا مش فاهماها، طبعًا ماعرفتش أنام بعد كده وفضِلت ماسكة الموبايل بقلب فيه، كنت بتفرج على الصور بتاعت الفرح وأنا مبتسمة، الصور كانت ليا أنا وصحابي، لكن فجأة ظهرت صورة ليا لوحدي، كنت لابسة الفستان بس.. ايه ده!.. وشي شكله غريب كده ليه؟.. أنا كنت مبتسمة ابتسامة مرعبة وفي دم على الفستان!.. قلبت الصورة بسرعة من كتر ما منظري كان بشع، إنما بعد ثواني رجعت وجيبت الصورة مرة تانية، والمرة دي الصورة كانت طبيعية ومافيهاش أي حاجةّ!.. كبرتها عشان اتأكد، وفعلًا، ماكنش في حاجة، الفستان زي ماهو مافيش عليه دم وأنا ابتسامتي طبيعية جدًا، ايه اللي بيحصل ده؟!.. أنا يظهر كده تعبانة ومش مركزة، لازم أنام، ايوة أنا هنام ولما اصحى هبقى كويسة.. وفعلًا نمت.

    لما فتحت عيني حسيت إني جسمي واجعني اوي وزي ما يكون حد ضاربني، وقتها لقيت نور الشمس ضارب في الأوضة، بصيت في ساعة الموبايل واكتشفت إننا بقينا بعد الضهر، يااه.. ده أنا نمت كتير أوي.. فردت دراعاتي يمين وشمال في محاولة إني افك جسمي، بعدها قومت من على السرير ودخلت الحمام، بس قبل ما ادخل رميت السلام على أمي اللي كانت قاعدة في الصالة قدام ماكنة الخياطة...

    - صباح الخير يا ماما.

    ماردتش عليا، أو يمكن ماسمعتهاش، المهم دخلت الحمام، ووأنا قاعدة في الحمام، كنت حاسة بحاجة غريبة، زي مايكون في حد حواليا، بس أنا ماكنتش شايفة حاجة، ومع الوقت بدأت أحس بنفس، صوت النفس كان جاي من ورا ستارة البانيو لدرجة إني مديت ايدي وأنا قاعدة في مكاني وشديت الستارة، لكن برضه ماكنش في حاجة وراها، بدأت احس بالخوف، وعشان كده قومت بسرعة وغسلت ايدي وخرجت من الحمام، لما خرجت في الصالة، مالقتش أمي على ماكنة الخياطة، فندهت عليها بصوت عالي، لكن ماردتش، هتكون راحت فين؟.. دخلت أوضتها مالقتهاش، ودخلت المطبخ برضه مالقتهاش، هنا بدأت اقلق، معقولة لبست ونزلت في الوقت القصير اللي قضيته في الحمام ده؟!.. دخلت أوضتي جيبت موبايلي وكلمتها.. الجرس خلص وماما ماردتش، فرنيت مرة تانية، وبرضه ماردتش، القلق زاد جوايا بشكل مش مبرر، حسيت إن حصلها حاجة، مش عارفة ليه دايمًا بحس الإحساس ده لما بتغيب عني؟.. ومع احساسي ده، فضِلت ارن عليها لحد ما أخيرًا ردت عليا...

    - ايه ياماما انتِي فين ومابترديش على التليفون ليه؟

    - في ايه يا فاطمة!.. مالك متعصبة كده ليه؟

    - ما أنا بكلمك بقالي كتير وانتِي مش بتردي، وبعدين مش تقوليلي قبل ما تنزلي.

    - يعني هصحيكِي من النوم عشان اقولك إني نازلة؟

    - تصحيني من النوم ايه؟.. ما أنا لسه كنت داخلة الحمام قدامك وانتِي قاعدة وقولتلك صباح الخير.

    - امتى ده؟.. أنا نازلة من الصبح.

    - صبح ايه يا ماما انتِي هتجننيني؟!.. أنا لسه شايفاكِي من يجي ربع ساعة.

    - ربع ساعة ايه؟!.. بقولك أنا نازلة من الصبح بدري.

    - طب انتِي فين؟

    - أنا في الأزهر بجيب قماش عشان في فستان هيتسلم بعد يومين.

    - ماشي يا ماما.. أنا هنزل اجيب فطار.

    - ماشي هتلاقيني سايبالك فلوس على الماكنة.

    - شكرًا ياماما.

    قفلت معاها وروحت ناحية الماكنة عشان اخد الفلوس، بس أول ما وقفت قدام الماكنة، افتكرت المشهد اللي حصل وأنا داخلة الحمام، ماهو لو أمي نزلت من الصبح زي مابتقول ، اومال مين اللي شوفتها وأنا داخلة الحمام وقولتلها صباح الخير؟!.. بصيت على الكرسي اللي ورا الماكنة وماكنتش مرتاحة، وعشان كده، مديت ايدي خدت الفلوس، وقبل ما اتحرك.. في حاجة مسكت ايدي، حاولت افك ايدي لكن كان في حاجة ضاغطة عليها جامد، شديتها مرة واتنين لحد ما في الأخر ايدي اتفكت، وساعتها، وقعت على الأرض بسبب إني كنت بشد ايدي جامد وفجأة فكت.. كنت قاعدة على الأرض وأنا ببص للماكنة بخوف، وبعد ثواني، قومت بسرعة وجريت على باب الشقة، خدت المفتاح اللي ببقى سايباه على المرايا اللي جنب الباب، وخرجت جري، لكن وأنا قدام باب الشقة افتكرت إني لابسة بيجامة بيت، اكيد مش هنزل الشارع كده، وبعدين بقى، لازم ادخل اغير هدومي، وقفت مترددة شوية وحاولت اطمن نفسي، قولت إن اكيد مافيش حاجة وده كله مجرد تهيؤات، كنت عارفة إني بضحك على نفسي، ماهو مافيش تهيئوات هتمسك ايدي وتضغط عليها، لكن كان لازم اقول كده جوايا واصدق عشان اقدر ادخل اغير هدومي، إنما.. إنما كل ده اتهد لما دخلت من باب الشقة، أنا وأنا لسه على الباب، سمعت صوت أنا عارفاه كويس.. صوت الماكنة.. ماكنة الخياطة كانت شغالة، مشيت كام خطوة لحد ما بقيت قادرة اشوفها قدامي.. كانت شغالة فعلًا، بس ماكنش في هدوم تحت الإبرة، والغريب إني لما بصيت تحت، لقيت الدواسة بتتحرك وكإن في حد فعلًا حاطط رجله عليها وبيشغلها، فضلت باصة للماكنة بس لاحظت إن صوتها بيعلى أكتر وأكتر، ومع صوتها العالي، حركة الدواسة بقت اعنف، ومع تركيزي في حركة الدواسة بدأت اسمع صوت همس في ودني، كان صوت حد بيهمس بكلام غريب أول مرة اسمعه، حسيت إن روحي بتتسحب مني وبدأت دماغي تتقل، وغصب عني، لقتني بقرب من الماكنة بهدوء شديد، وكل ما اقرب الهمس بيعلى وصوت خبط الماكنة بيزيد أكتر وأكتر، وأول ما وقفت قدامها، كل حاجة وقفت فجأة، الصوت في ودني وقف وصوت الماكنة وقف ولقيت عليها قماشة ماكنتش شايفاها في الأول، القماشة كانت محطوطة تحت الإبرة ومكتوب عليها كلام بالخيط، كلام اخر حرف فيه كان تحت الإبرة بالظبط، شديت القماشة وبدأت اقرأ اللي عليها واللي كان مكتوب كالآتي...

    "لقد أصبحت ملكي الآن وإلى الأبد، ولن تستطيع الخروج من دائرتي مهما حاولت"

    يعني إيه الكلام ده ومين اللي كاتبه؟.. ويعني ايه بقيت ملكه؟.. ودايرة ايه اللي مش هعرف اخرج منها؟.. ماكنتش لاقيها اجابات للأسئلة دي، بس كل اللي فكرت فيه ساعتها هو إني لازم اخرج من البيت حالًا، جريت على أوضتي وقفلت الباب عليا بالمفتاح، بعدها غيرت هدومي وفتحت الباب وبصيت على الصالة وكإني بهرب من حد عايش معايا بجد، وأول ما مالقيتش حد في الصالة، خرجت جري على باب الشقة وفتحته وجريت على برة، القماشة كانت معايا، حطيتها في شنطة وخدتها معايا، ماكنتش عارفة اروح في ولا اسأل مين عن حاجة زي دي؟.. بس لقتني بطلع موبايلي وبتصل بواحدة صاحبتي...

    - ايوة يا سها.. أنتِ فين؟

    - أنا في البيت.. هكون فين يعني؟

    - طب أنا جاية لك دلوقتي.

    - دلوقتي!.. ماشي تعالي.. بس أنتِ كويسة؟

    - اه أنا كويسة.. ماتقلقيش.

    قفلت معاها وركبت مواصلات لحد البيت عندها، لما وصلت، فتحتلي سها ودخلتني أوضتها، بعدها قفلت الباب وسألتني بهلفة...

    - مالك يابنتي في ايه؟

    - مش عارفة.. في حاجة غلط بتحصل معايا من امبارح.

    - حاجة ايه؟

    فتحت الشنطة اللي كانت في ايدي وخرجت منها القماشة وناولتها لـ سها، خدتها مني باستغراب وأول ما بصت على الجملة المكتوبة قالتلي...

    - ايه ده؟

    - ماعرفش.. أنا لقيت الجملة دي مكتوبة على القماشة.

    - مين اللي كتبها؟

    - ماعرفش.. بس اللي حصل ان أنا شوفت...

    وبدأت احكيلها كل اللي حصل معايا من ساعة ما رجعت من الفرح لحد ما روحت عندها، كانت بتسمعني وهي فاتحة بوقها ومصدومة، وبعد ما خلصت سألتها...

    - تفتكري ايه التفسير للي بيحصل معايا ده؟

    - هاه.. لا مش عارفة تفسير، بس هو مش كويس.. أكيد مش كويس... طب انتِي عرفتي أمك؟

    - لا أنا نزلت على طول وماتصلتش بيها.

    - طب كلميها وقوليلها انك عندي عشان ماتقلقش عليكِ.

    - حاضر.

    اتصلت بأمي مرة واتنين وتلاتة بس ماكنتش بترد، واخر ما زهقت رميت التليفون بملل...

    - أنا مش فاهمة ايه الحكاية.. كل ما اكلمها ماتردش.

    - جايز مش سامعة التليفون.

    - خلاص بقى.. لما تشوفه تبقى تكلمني هي.

    - طب اهدي بس، أنا هقوم اعمل فطار عشان نفطر سوا.

    - لا مالوش لزوم.

    بصت ناحيتي وقالتلي بتريقة...

    - مالوش لزوم!.. طب اقعدي ياختي ساكتة.. أنا مش هتأخر.

    - طب اجي معاكِ اساعدك.

    - لا خليكِي عشان الواد حسن اخويا هنا، وأنتِ عارفة، طول ما هو موجود مابيبطلش لف في الشقة.. مش عارفة بيلف على ايه والله.. بس كل ما اشوفه لازم يكون بيدور على حاجة.

    ضحكت وأنا بقولها...

    - خلاص تمام.. هقعد أنا هنا.

    بعد ما خرجت سها من الأوضة مسكت التليفون وحاولت اتصل بأمي مرة تانية، بس كالعادة ماردتش، وقتها وعشان اكسر الملل فتحت لعبة على الموبايل وقعدت العب لحد ما سها جابت الأكل.. وواحنا قاعدين بناكل قالتلي...

    - بس جامد الفستان بتاع امبارح.. جايباه منين؟

    - مش جايباه ولا حاجة، دي ماما اللي مفصلاهولي.

    - امك طول عمرها شاطرة، أنا الفستان اللي عملتهولي يوم فرح البت سمر بنت خالي، كان جامد جدًا.. أنا بفكر اعمل بيدج لأمك على الفيس بوك وامسكهالها وابقى مديرة اعمالها.

    ضحكت وأنا بقولها...

    - اللي يسمعك كده يقول إن أمي نورين فرح ولا هشام ابو العلا.

    - وهي الناس دي يعني بدأوا مشاهير!.. ما كلهم بدأوا من الصفر، اطلعي أنتِ منها بس، ولما تتشهر ماتنطيش فيها.

    - ياستي ربنا معاكوا.

    وبعد الفطار قعدنا شوية وكنت نسيت اللي حصل، وفي نهاية قعدتنا، قولت لـ سها إني هروح عشان اشوف أمي لإني بدأت اقلق عليها، خدت القماشة ورجعتها في الشنطة ومشيت، وأول ما وصلت قدام باب الشقة حسيت برهبة واترددت، بس في الاخر استجمعت شجعتي وفتحت الباب، واول ما دخلت وبصيت في الصالة ومالقتش أمي، ندهت بصوت عالي...

    - ماما.. يا ماما.. انتِي فين؟

    دخلت المطبخ ومالقتهاش، ولما روحت ناحية أوضتها ووأنا على الباب، شوفتها نايمة على السرير، بصراحة زعلت ساعتها وقولت بصوت مسموع...

    - يعني أنتِ رجعتي من بره ونمتي ومافكرتيش تسألي أنا فين.. ماشي يا ماما.

    سيبتها وروحت أوضتي، غيرت هدومي وبعدها قعدت على السرير، كنت مضايقة من تصرف أمي، ازاي ترجع وماتلاقنيش في البيت وماتفكرش تتصل بيا ولا تشوفني فين؟.. عيني جت ساعتها على الشنطة اللي كان فيها القماشة، بصيتلها دقيقة وبعدين قومت خرجت القماشة منها ورجعت قعدت على السرير وفردتها قدامي وبدأت اقرأ الكلام مرة تانية...

    "لقد أصبحت ملكي الآن وإلى الأبد، ولن تستطيع الخروج من دائرتي مهما حاولت"

    كنت سامعة الصوت في ودني بيقرأ الكلام معايا بطريقة مرعبة، بس الغريبة إني لقتني بردد الكلام تلقائي وغصب عني، وفضِلت اردده وأنا حاسة إن دماغي بتتقل وعيني بتوسع لوحدها، ماكنتش شايفة الكلام، وبرغم كده كنت برضه كنت حاسة إني حفظاه، ومرة واحدة، ماحستش بحاجة والدنيا ضلمت.

    كنت في مكان ضلمة، ماكنتش شايفة حاجة بس شامة ريحة وحشة وحاسة بخنقة غريبة، وقتها بدأت اسمع صوت حاجة بتتكسر وزي مايكون دق هون، الصوت كان بيعلى بالتدريج، ومعاه بدأت اسمع همس في ودني.. لفيت حواليا، بس ماشوفتش حاجة من الضلمة، الهمس كان مستمر مع صوت الدق، ومرة واحدة ظهر قدامي، كان راجل لابس لبس غريب وقاعد على كرسي وقدامه ترابيزة صغيرة محطوط عليها هون نحاس وجواه الايد بتاعته، وجنب الراجل، كان في حيوان ماكنتش قادرة اشوف راسه، مسك الراجل ايد الهون ووطى على شماله وخبط على حاجة في الأرض، لما بصيت عليها طلعت مني صرخة غصب عني، الراجل كان بيدق على جمجمة بني آدم، كسر منها جزء وبعدها شاله وحطه في الهون وبدأ يدق مرة تانية، وبعد شوية، رجعه على الترابيزة وحط ايده جنبه قبل ما يرفعها، وساعتها ساعتها شوفته ماسك حاجة شبه الورقة، بس دي مش ورقة، دي جلد، فردها على الترابيزة ومسك سكينة موجودة جنب الهون وقام وقف، قرب من الحيوان وبدأ يطعنه طعنات قوية في بطنه، الحيوان كان مستسلم تمامًا، فضل الراجل يطعنه والدم ينزل من بطنه، لحد ما الحيوان وقع على الأرض، وساعتها بس قدرت اشوف راسه، كان خنزير، أول ما وقع، الراجل قعد على الكرسي مرة تانية، مسك حاجة شبه العصاية وبدأ يغطسها في دم الخنزير ويكتب بيها على الجلد اللي قدامه، كان بيكتب كلام معناه مرعب، وجنب كل جملة كان بيرسم حروف شكلها غريب واشكال اغرب، وبعد ماخلص كتابة، مسك الهون وفضا اللي فيه على الجلد.. العضم اللي حوله لتراب في الهون، رماه على الجلد وبدأ يفرده بايده، كنت حاسة إن العضم بيدوب في الكلام بشكل غريب، كل ما كان بيفرده على الورقة كان الكلام بيبرز أكتر وتراب العضم بيختفي وكإنه اتبخر، وأول ما خلص وفرده كله على الجلد وشال ايده، ساعتها قدرت اشوف الكلام، كان بارز وكإنه محفور، بعدها لم الجلد وقفله كويس جدًا قبل ما يلف عليه حبل، حط اللفة دي في بطن الخنزير اللي قتله من شوية، وقعد على ركبته قدامه ومد ايده على الترابيزة وخد إبرة كبيرة جدًا، إبرة زي اللي بيخيطوا بها المراتب، مسكها وبدأ يخيط بطن الخنزير اللي كانت مفتوحة على اخرها، ايديه كانت غرقانة بدم الخنزير، جسمه كان عرقان بشكل غريب، ولما خلص، مسح وشه بايده الغرقانة دم وقام وقف وهو بينهج، خد نفسه قبل ما يوطي تاني، وفجأة، شال الخنزير ورفعه على ضهره، كإنه شايل شكارة رز وخرج بيه، لما مشيت وراه اكتشفت إن اللي خرج منه ده مش باب شقة أو باب أوضة، ده باب خيمة!.. خرجت وراه وساعتها شوفت الصحرا حواليا يمين وشمال وشوفته ماشي قدامي، رغم إني كنت مرعوبة بس كنت عايزة اعرف ايه اللي هو بيعمله ده، وعشان كده مشيت وراه، وبعد دقايق، وقف ورمى الخنزير على الرمل، وقتها شوفت جنب الخنزير، كوريك، مسكه الراجل وبدأ يحفر في الرملة، وبعد دقايق وقف حفر وشال الخنزير ورماه في الحفرة.. نزل وراه وبدأ يظبط جسم الخنزير جوة الحفرة، بعدها فتح بوق الخنزير على الأخر وبدأ يقول كلام غريب.. كان بيقول تعاويذ صعبة جدًا، ومع كلامه، بدأت اسمع اصوات كتير متداخلة، ومع كلامع الرملة بدأت تتحرك في شكل دائري وكإن في إعصار، ومرة واحدة، ظهر كيان اسود ودخل من بوق الخنزير، مع دخوله، قفل الراجل بوق الخنزير بسرعة، وفي لحظة، لقيت جسم الخنزير بيتنفض جامد وفتح عينيه قبل ما يقفلهم تاني في نفس الثانية، بعدها قام الراجل وطلع من الحفرة وبدأ يردمها، لما خلص، كان باين عليه التعب، مشي ببطء لحد الخيمة وأنا كنت ماشية وراه، ومع أول خطوة جوة الخيمة، لف وشه فجأة وبص لي.. اتسمرت في مكاني، كان بيبصلي وكإنه متأمل في الفراغ، قرب مني، رجعت خطوتين لورا، قرب أكتر، قرب لحد مابقى وشه في وشي، حبست أنفاسي، فِضِل واقف لثواني وبعد كده لف وشه وكمل جوة الخيمة، اتنهدت بارتياح، قعد على الكرسي مرة تانية وبعدها بص ناحيتي وابتسم قبل ما يمد ايده تحت على يمينه ويرفعها، كان ماسك حاجة أنا مش شايفها، حاجة حطها قدامي على الترابيزة.. صرخت صرخة عالية.. اللي قدامي كانت.. كانت راسي أمي!

    قومت من النوم مفزوعة، ومش قادرة اخد نفسي، بصيت حواليا وقومت جريت على أوضة أمي، فتحت النور لقيتها لسه نايمة، قربت منها وأنا بنده عليها...

    - ماما.. ماما... ياماماا..

    ماكنتش بترد، هزيتها جامد بس برضه مابتردش...

    - ياماما.. فوقي يا ماما.

    كانت قاطعة النفس خالص، بدأت ادمع وأنا بزقها عشان تفوق...

    - أمي.. فوقي يا أمي.

    لسه مش بترد عليا، لكن فجأة سمعت أنين طالع منها، هزيتها تاني.. أنينها كان بيزيد، بدأت تتحرك بجسمها يمين وشمال، ومرة واحدة، قامت اتعدلت، اتخضيت، من المفاجأة بعدت عنها ووقفت جنب السرير، وبمجرد ما قامت لقيتها بتقول...

    - لا.. لا.. مش هعمل كده.. لا.

    قربت منها ومسكت دراعها...

    - فوقي يا أمي.. فوقي.

    - ابعدوا عننا.. انتوا عايزين مننا ايه؟

    - هم مين دول يا أمي؟.

    - قولتلكوا لا.

    بدأت تهز راسها يمين وشمال وهي بتردد كلمة لا، مسكت راسها وبصيت في عينيها وأنا بهز فيها...

    - فتحي عينك يا ماما.. فتحي عينك.

    فتحت عينها ببطء وبصتلي، إنهارت في العياط، ومع انهيارها حضنتها، لكن بمجرد ما حضنتها بعدتني عنها وهي بتقولي...

    - أنا فين؟.

    - انتِ في البيت.

    - ايه اللي حصل؟

    - ماعرفش.. أنا دخلت لقيتك قاطعة النفس.. ولما هزيتك بدأتي تقولي كلام غريب وتكلمي حد وتقولي ابعدوا عني، مش هعمل كده.. كنتِ بتكلمي مين ياامي؟

    - ماعرفش.. بس يظهر كده كان كابوس.. كابوس بشع.

    - في حاجة غريبة بتحصل من امبارح يا ماما.

    - حاجة ايه؟

    بدأت احكيلها كل اللي حصل معايا، كانت بتسمعني باهتمام، ومع اهتمامها، لاحظت إنها كانت خايفة ومرعوبة، وبعد ما خلصت، ركزت معايا اكتر وقالتلي...

    - الراجل اللي شوفتيه في الحلم ده شكله ايه؟

    - شكله عادي يعني.. طويل وبشرته سودة وعينيه...

    قاطعتني...

    - خلاص ماتكمليش.

    - ماكملش ايه؟.. انتِي عارفاه ولا ايه يا ماما؟

    - لا وأنا هعرفه منين؟.. بس ده.. ده اللي كان في الحلم دلوقتي.

    - وعمل معاكي ايه؟

    - شوفته وهو قاعد في الخيمة زي ما أنتِ شوفتيه، بس اللي كان جنبه على الأرض وسايح في دمه ماكنش خنزير، اللي كان جنبه.. اللي كان جنبه...

    - مين اللي كان جنبه يا ماما؟

    - انتِ اللي كنتِي جنبه يا فاطمة، كنتِي نايمة وغرقانة في دمك، وهو ابن ال.. كان بيغطس العصاية في دمك وبيكتب بيها على جلد مفتوح قدامه زي الورقة، أول ما شوفت كده جريت عليه وشديت الجلد منه عشان اقطعه، بس أول ما مسكته حسيت بنار في ايدي، بعدها في حد شدني من شعري لورا، حاولت افلت منه، لكن ماقدرتش، وساعتها وقف في وشي وهو مبتسم ابتسامة مرعبة وقالي.. لو عايزة ترجعي تاني، لازم اعمل اللي يقول عليه، بس أنا قولتله لا.

    - وهو عايزك تعملي ايه يا أمي؟

    - عايزني.. عايزني.. لا لا لا.. مش هقولك.

    - ليه؟

    - كده، بس ماتخافيش، ده كابوس وراح لحاله.. وإن شاء الله مش هيرجع تاني.

    مش عارفة ليه مارتحتش لكلام أمي وحسيت إنها مخبية عني حاجة كبيرة؟.. بس اللي حصل بعد اليوم ده كان شئ مرعب.. شئ مستحيل كنت اصدقه لو ماشوفتوش بعينيا.

    تاني يوم على طول قومت من النوم الصبح وخرجت من أوضتي، كنت رايحة الحمام اغسل وشي، وقتها لقيت أمي قاعدة على الماكنة زي عادتها والماكنة شغالة، بصيت ناحيتها وقولتلها بصوت عالي...

    - صباح الخير يا أمي.

    المرة دي استنيت اسمع ردها بس ماردتش، وقفت ولفيت وشي ناحيتها، امي كانت قاعدة على الماكنة وحاطة رجليها على الدواسة وبتدوس عليها بسرعة غريبة، لما بصيت على عينيها لقيتها باصة في الفراغ قدامها ومش باصة على الماكنة، قربت منها، ومع قُربي، شوفت قماشة تحت الإبرة وامي بتلفها بسرعة غريبة، قربت أكتر وأنا بصرخ فيها...

    - مالك يا ماما؟.. أمي.. ردي عليا.

    عينيها كانت مقلوبة وهي مكملة في اللي بتعمله، ولما حاولت امسك ايدها، زقتني زقة قوية وقعت بعدها في الأرض، بس وأنا واقعة عيني جت على فيشة الكهربا، قومت بسرعة وشدتها، في اللحظة دي الماكنة وقفت، بس رجل أمي اللي كانت على الدواسة ماوقفتش، والغريب، إن الإبرة كانت بتتحرك، وقفت ابص على ايديها والقماشة اللي كانت مسكاها، وفجأة، الإبرة غرزت في ايديها، الدم نزل من صوباعها، حاولت امسك ايديها بس زقتني تاني، والمرة دي، بدأت تكتب على القماشة بالدم، قررت إني مش هدخل وهستنى لما تخلص.. وفعلًا، وقفت اتفرج عليها لحد ما لاقيتها بتشهق شهقة عالية ومرة واحدة عينيها رجعت طبيعية تاني.. وأول ما فاقت، جريت عليها بسرعة...

    - مالك يا ماما؟... احنا ايه اللي بيجرالنا ده!

    بصتلي باستغراب وقالتلي...

    - في ايه يا فاطمة.. مالك؟

    لما سألتني السؤال ده، مسكت ايديها، ساعتها خدت بالها من صوباعها المتعور، مسكته بايديها وهي بتحاول توقف الدم وقامت جريت على الحمام، بصيت عليها لحد ما دخلت الحمام وبعدها لفيت وشي وبصيت على القماشة، وزي المرة اللي فاتت، كان مكتوب عليها جملة جديدة، واللي كان مكتوب كالآتي...

    "تعرفين الشروط.. وتعرفين بأن الدائرة لا تغلق إلا..."

    ده الكلام اللي كان مكتوب بالماكنة، اما الكلمة اللي بعد كده فكانت مكتوبة بالدم، "بالموت".. ماكنتش فاهمة حاجة، يعني ايه تعرفين الشروط؟.. وأمي هتعرف حاجة زي دي منين؟.. ودايرة ايه دي اللي بتتقفل بالموت؟.. في اللحظة دي خرجت أمي من الحمام، فرفعت القماشة في وشها وأنا بسألها...

    - ايه الكلام المكتوب ده؟

    بصت على القماشة وبعدين قربت مني ومسكتها، كنت متوقعة ترد عليا، بس لقتها مسكت القماشة ولفتها وحططتها بين قماش الشغل...

    - ولا حاجة.. اهو قرف بنشوفه وخلاص.

    - يعني ايه قرف بنشوفه وخلاص؟.. ايه اللي بيحصل ده يا ماما؟

    قعدت على الماكنة مرة تانية وهي بتقولي...

    - قولتلك ولا حاجة.. شوفي أنتِ وراكِي ايه.. يلا.

    - هو ايه اللي ولا حاجة؟!.. اومال اللي بيحصل معايا ومعاكِي ده اسمه ايه؟

    نفخت نفخة جامدة قبل ما تقولي بزعيق...

    - ماقولتلك شوفي وراكِي ايه.. أنا عندي شغل وعايزة اخلصه.

    بصيتلها لثواني وبعدين هزيت دماغي..

    - ماشي يا ماما.. اللي تشوفيه.

    سيبتها ودخلت أوضتي وأنا متعصبة ورزعت الباب ورايا، قعدت على السرير وأنا هتجنن، أنا بقيت متأكدة دلوقتي إنها عارفة حاجة ومخبياها عني.. بس ياترى، ايه هي الحاجة دي؟.. ماكنتش قادرة حتى اتخيل ممكن تكون ايه.. وفي وسط ما أنا بحاول اوصل لطريقة اخليها تقولي السر اللي مخبياه عني، سمعت صوت همس في ودني، ومعاه حسيت بخيال بيقرب مني، رفعت راسي وبصيت ناحيته، كان كيان شكله بشع، ابتسم ابتسامة مرعبة وهو بيقرب مني، رجعت لورا في السرير وأنا ببصله، ابتسامته زادت وقرب أكتر، بصيت حواليا عشان اشوف مكان اهرب منه، ماقدرتش، ومع خوفي، غصب عني صرخت فيه...

    - أنت عايز مني ايه؟.. أنا ماعملتكلش حاجة.

    ماكنش مهتم بكلامي، حسيت إنه بيتلذذ بخوفي، وده لما وقف مكانه وفضِل يبص عليا وأنا برجع لورا، كان مبتسم ابتسامة مخيفة، بس فجأة، لف وشه ناحية باب الأوضة وملامحه اتغيرت وبدأ يبان عليه الغضب.. وفي نفس اللحظة، سمعت صوت أمي بتخبط على الباب من برة...

    - افتحي يا فاطمة.. افتحي الباب بسرعة.

    - الحقيني يا ماما.. ارجوكِ الحقيني.

    - ماتخافيش يابنتي.. مش هيقدر يعملك حاجة.

    زمجر الكيان ده زمجرة عالية وبرقلي قبل ما يمشي ناحيتي، رجعت لورا، والمرة دي وقعت على الأرض، كان واقف قدامي على الناحية التانية من السرير وأنا واقعة على الأرض وعيني في عينه، ومع أول خطوة لُه، سمعت صوت أمي من بره، كانت بتقول كلام غريب مش قادرة افهمه، بس الكيان ده كانت ملامح وشه بتتتغير وعينيه بتحمر، وكل ما يحاول يقرب مني، في حاجة بتمنعه، صوت أمي كان لسه جاي من بره، ماكنتش عارفة هي بتقول ايه بالظبط، بس هو كان كلام قريب من الكلام اللي الراجل قاله في الكابوس.. استغليت الفرصة وطلعت جري على الباب، حاول يتحرك ورايا، لكن كان في حاجة مكتفاه، فتحت الباب وساعتها لقيت أمي واقفة قدامي، أول ما شافتني حضنتني بخوف، ودي كانت فرصته، أمي سكتت عن اللي هي بتقوله واتشغلت بيا، وساعتها اتحرك الكيان ده، وفي لحظة شد ايدي وبعدني عنها وضربها ضربة قوية على وشها، بعدها لف وبص لي قبل ما يبدأ يتحرك ناحيتي، زحفت على ايديا وأنا برجع لورا...

    - ان.. ان.. انت عايز ايه؟

    قرب مني وماهتمش باللي بقوله، لكن في لحظة شوفت من وراه أمي، امي اللي قامت من على الأرض وصرخت بعلو صوتها...

    - مون توکي چيو هو، تون هن کي نٿي رکي سگهين، ۽ تون هن کي پري رکڻ وارو آهين.

    (الترجمة: أخبرتك انه لا يمكنك الحصول عليها، وسوف تبتعد عنها).

    لف الكيان وشه وبص ناحية أمي اللي بقى شكلها غريب، عينيها إحمرت بشكل بشع وبوقها كان نازل عليه دم من أثر الخبطة اللي خبطهالها، اما هو، ف كان بيبصلها وهي بتصرخ، وبعد صرخاتها قالها..

    - مان هن کان منهن نه موزيندس، هوء مون سان كذ ايندي، آآ تون مري ويندين.

    (الترجمة: لن أبتعد عنها.. ستأتي معي وانتِي، سوف تموتين).

    رديت عليه أمي بصوتها الغريب وقالتله...

    - اهو تون آهين جيڪو هاطي مرندو.

    (الترجمة: بل انت من سيموت.. والآن).

    بعد ما قالت الجملة دي حصلت حاجة غريبة!.. أمي طارت من على الأرض وماعرفش إزاي ده حصل؟!.. بس شوفتها بتطير وبتنقض على الكيان ده وبتزقه زقة جامدة، بعدها وقفت قدامه وقالتله...

    - مان توهان کي هتي ذيان تو، توهان کي منهنجي كاليه دط گهرجي.

    (الترجمة: أنا من وضعتك هنا، يجب أن تستمع لكلامي).

    رد عليها الكيان وهو بيقرب منها...

    - تون غدار آهين آآ توکي مرنو آآي پوندو.

    (الترجمة: انت خائن ويجب أن تموت).

    بعدها انقض على أمي وضربها ضربة قوية على وشها، بس الغريبة إنها ماوقعتش على الأرض، بالعكس، دي استحملت الضربة وردتهاله بضربة أقوى، وفِضلوا الاتنين يضربوا في بعض لحد ما في الآخر قدرت أمي تخنق الكيان ده وتقتله.. وبعد موته، وقعت على الأرض واغم عليها، كنت قاعدة مكاني على الأرض ومصدومة من اللي شايفاه، ايه اللي بيحصل ده؟.. وأمي بتتكلم كده ليه؟.. وجابت القوة دي كلها منين؟.. قومت ومشيت ناحيتها، كانت بتتنفض في مكإنها، بصيتلها والدموع في عينيا وسألتها...

    - انتِي كويسة؟

    عيطت وقالتلي بصوت ضعيف...

    - سامحيني.. وادعي ربنا يسامحني.

    غمضت عينيها بعد الجملة دي...

    - أمي.. أمي.

    ماتت.. ماتت اخر حاجة كانت باقية لي.. بعد الدفنة والعزا، المولد اتفض والباب اتقفل عليا لوحدي.. يومها قعدت في الصالة وأنا ببص على البيت الفاضي من حواليا، مابقاش في حد في حياتي.. ابويا مات وأمي ماتت وعيلتي ماحدش فيهم يعرفني.. وفي وسط ماكنت بفكر في حالي، عيني جت على الماكنة، افتكرت اللي حصل واترددت في ودني كلمة أمي قبل ما تموت "سامحيني وادعي ربنا يسامحني".. كانت عايزاني اسامحها على ايه؟.. وربنا يسامحها على ايه؟.. ايه السر اللي خبتيه عليا يا أمي؟.. لازم اعرف.. بس هعرف إزاي؟.. ايوة أنا عرفت هعرف إزاي.

    كان ليا واحدة صاحبتي زمان عمتها ليها في العلاج الروحاني والحاجات دي، أنا فاكرة إن كلنا كنا بنخاف منها في المدرسة زمان بسبب الموضوع ده، بس هعمل ايه، هي الوحيدة اللي هتعرف تقولي السر اللي أمي خبته عليا.. ماكنش معايا رقمها، وعشان كده روحتلها البيت، والحمدلله، ماكانتش غيرت عنوإنها، حكيتلها اللي حصل وطلبت منها توديني لعمتها.. خدتني وروحنالها، واول ما دخلت الست وشها اتغير لما شافتني، بصيتلها بخوف، فبصتلي بغضب.. ومع نظراتنا صاحبتي قالتلها...

    - فاطمة تبقى صاحبتي من زمان ياعمة.. وهي يعني عندها مشكلة وعايزة تعرف حلها منك.

    - مشكلتها كبيرة.. واحسنلها ماتدورش في الماضي.

    مش عارفة ليه كانت بتتكلم وكإني مش موجودة، بس برغم كده، بصيتلها بتحدي وقولتلها...

    - بس أنا عايزة اعرف الماضي.

    - مش هتتحملي.

    - لا هتحمل.

    - طب اقعدي هنا.

    قعدت جنبها ولقيتها حطت ايدها على قورتي وبدأت تقول كلام غريب.. وواحدة واحدة لقيت الدنيا بتسود في عيني لحد ما فجأة لقتني في صالة بيتنا، كانت أمي لسه صغيرة في السن وكانت قاعدة مع واحدة، والواحدة دي كانت بتقولها...

    - قولتي ايه بقى؟

    - انتِي مجنونة يا ولية أنتِ؟.. أنتِ فاكرة إني ممكن اوافق على الكلام ده؟

    - وماتوافقيش ليه يااختي؟.. أنتِ عارفة كل واحدة هتاخدي عليها كام؟

    - ولو.. ماينفعش.

    - دي الواحدة بألف جنيه.

    -معقول!

    - ايوة.. وأنتِ مش هتعملي حاجة، أنتِ كل اللي عليكِي انك هتحطي اللي هدهولك في البطانة.. ودُمتم.. لا وايه، الزباين اللي هيجولك قد كده، ماهو كل واحدة هتلبس فستان من عندك، اللي معاها هيخليها تجيبلك صاحبتها.

    - طب وانتوا هتستفيدوا ايه من حاجة زي دي؟.. يعني أنا اعرف واحد يعمل عمل لحد يعرفه وعايز يأذيه، لكن يعمل عمل لحد مايعرفوش!.. ليه؟

    - أنتِ اصلك مش فاهمة.. ده مش عمل، الهدف من الموضوع ده انهم يسيطروا على ناس كتير عشان يبقوا اتباع ليهم.

    - يإنهار أسود.. وأنتِ موافقة على كده إزاي؟

    - وأنا مالي.. ما أنا معاهم.. يعني مش هيعملولي حاجة.

    - لا ياختي لا.. مش هعمل كده.

    بعدها المشهد اتغير ولقيت أمي لابسة اسود وقاعدة مع الست في بيت غريب، والمصيبة اني لقيت امي بتقولها...

    - أنا موافقة على الطلب اللي طلبتيه مني قبل كده.

    - واشمعنى دلوقتي؟

    - الحال اتغير، الراجل مات ومابقاش ليا ضهر استند عليه، والبت بنتي، لسه صغيرة، وبصراحة، الماكنة مش جايبة همها.

    - ماشي.. خليني ادورها كده في دماغي وارد عليكِي.

    - مش محتاجة تدوريها في دماغك.. أنا عارفة انك لسه محتاجة الموضوع وأنا كمان محتاجاه، ف خلينا نبدأ على طول ونخلص.

    - ماشي ياختي.. بكرة هجيبلك الحاجة وتبدأي.

    المشهد اتغير وشوفت امي واقفة في الصالة، وبعد ما خلصت الفستان مسكت حتة قماشة صغيرة وفتحتها، القماشة كان عليها كلام ورسومات شيطانية، قلبت القماشة على ضهرها وبدأت تخيطها في الفستان.

    المشهد اتغير تاني، وساعتها شوفت أمي واقفة مع الراجل اللي شوفته في الحلم، كانت عنده في البيت وسمعته بيقولها...

    - دلوقتي بعد موت سعاد أنتِ اللي هتبقي مكانها، هو مبسوط من شغلك واختارك أنتِ بالذات.

    - وأنا ماعنديش مشكلة.

    - بس في حاجة.. هو هيفضل معاكِي طول حياتك وهتنفذي كلامه.. يعني جواز مافيش.. أنتِ هتبقي ملكه هو وبس.

    - بس الفلوس.

    - هتزيد طبعًا.

    - ماشي.. وأنا موافقة.

    بعد كده المشهد اتغير وشوفت أمي بتخيط فستان زبونة من الزباين، وبعدها، فتحت القماشة وخيطتها في الفستان.. وبعد ماخلصت، علقت الفستان على الاستاند ونزلت وسابت البيت، خرجت أنا من الأوضة ووقفت في الصالة..

    - ماما.. ياماما.. راحت فين دي؟.. طب مش كانت تقولي إنها نازلة، أنا هروح فرح صاحبتي بايه دلوقتي؟.. طيب، بما إنها مش موجودة أنا هاخد فستان من دول احضر بيه الفرح وارجعه مكانه تاني.

    قربت من الاستاند وخدت الفستان اللي هي كانت لسه مخلصاه، ولبسته ونزلت بيه.

    المشهد اتغير وشوفت أمي واقفة مع الراجل وبتقوله...

    - أنا ماكنتش اعرف إنها ممكن تلبس فستان من دول.

    - دي مشكلتك.

    - احنا شغالين مع بعض بقالنا كتير وعمري مارفضتلك طلب، وده أول طلب اطلبه منك.. ارجوك بلاش بنتي.

    - مش بمزاجي، ما أنتِ عارفة الشروط.. عشان بنتك تعيش، لازم تموتي.

    - اموت!

    - ده الشرط وأنتِ عارفاه من الأول.

    - لا أنا ماينفعش اموت.. ماينفعش أموت بعد اللي عملته ده كله.

    - وأنتِ فاكرة إنك هتفضلي عايشة على طول ولا ايه؟!

    - لا.. بس مش دلوقتي.. شوف أي حل تاني.

    - مافيش حل تاني.. أنتِ بس اللي تقدري تفدي بنتك.

    المشهد اتغير وبدأت اشوف اللي حصل معأنا الفترة الأخيرة.. بعدها شوفت أمي بتكتب جواب وبتشيله وسط هدومها في الدولاب.. وبعدها، فتحت عيني.

    لما فتحت بصيت للست والدموع مغرقة وشي.. ومع بصتي ليها بصت بعيد وبعد كده بصتلي بحزن وقالتلي...

    - مش قولتلك ان الماضي هيتعبك.

    - أمي.. أمي ليه عملت كده؟

    - الشيطان اتمكن منها.

    - أنا لازم اقرأ الجواب.

    - روحي.. ربنا معاكِي يابنتي.

    سيبتها ومشيت.. رجعت البيت بسرعة وفتحت دولابها.. خرجت الجواب وبدأت اقرأ فيه، كانت بتحكيلي كل اللي أنا شوفته عند الست وفي الاخر لقيتها كاتبة...

    "فاطمة، أنا عارفة إنك بعد اللي قريتيه ده مش هتبقي طايقاني.. وحقيقي مافيش أي حاجة هقولها ممكن تغفر ذنبي.. ماكنش في مبرر إني ادخل الطريق ده غير إني كنت إنسانة طماعة، جشعة، حقيرة، فكرت في نفسي وفي دنيتي ونسيت افكر فيكِي وفي ربنا.. ربنا اللي مش عارفة لما اقف بين ايديه هقوله ايه؟.. تفتكري ممكن يسامحني؟.. أنا بقولك لا، ربنا ممكن يسامح على أي حاجة إلا الشرك بيه، وأنا مش بس اشركت بالله، ده أنا كمان أذيت عباده، وادي ربنا عاقبني في الدنيا وخلاني ادوق من نفس الكاس.. أنا عمري في يوم ما كنت اتخيل إن أنتِ تتأذي بنفس الطريقة، عمري ما جربت إحساس أي أم من امهات البنات اللي أذيتهم طول حياتي.. عمري ماجربت حسرتهم على بناتهم وهم شايفينهم بيضعيوا قدام عينيهم.. أنا إنسانة خاطية وماستحقش غير الموت، الموت اللي طول عمري بخاف منه عشان خايفة من حساب ربنا.. بس خلاص، أنا هضطر اواجهه واروحله برجلي عشان خاطرك يا فاطمة، أنا عارفة إن دي حاجة ماتشفعليش، بس يمكن تكون دي أول حاجة صح اعملها في حياتي من يوم ما دخلت الطريق ده، سامحيني يافاطمة.. سامحيني يابنتي وادعي ربنا يسامحني.. وارجوكِي، انسيني وكملي حياتك.. أنا ماستحقش تفكري فيا أبدًا ولا حتى استحق أكونلك أم.. وفي الآخر عايزة اقولك حاجة، الفلوس اللي كنت باخدها هتلاقيها في صندوق كبير تحت السرير ومفتاحه في الظرف"

    ماكنتش قادرة اتمالك دموعي، عيطت كأني ماعيطش قبل كده طول عمري، وبعد ما هديت شوية، مسكت المفتاح وقومت وقفت وبصيت على السرير اللي كان مقفول من الجنبين، وعشان كده رفعت المرتبة وبدأت اشيل مُلل السرير وفعلًا لقيت صندوق كبير، كان مقفول بقفل، حطيت المفتاح وفتحت القفل، وساعتها شوفت قدامي فلوس مالهاش عدد، فلوس بعملات أجنبية، ودهب كتير جدًا.. كنت مصدومة من اللي قدامي.. بس ماكنتش عارفة هعمل ايه؟.. قفلت الصندوق تاني ورجعت كل حاجة مكانها.. عدت فترة وأنا مش قادرة استوعب كل اللي حصل.. حياتي كانت عبارة عن كدبة كبيرة عيشت فيها مع إنسانة ماكنتش اعرف عنها أي حاجة.. إنسانة إيه.. دي شيطانة من شياطين الإنس، شيطانة باعت نفسها لشيطان الجن وخسرت الدنيا والاخرة عشان ولا حاجة.. ايوه.. أنا كل الفلوس اللي جمعتها طول حياتها طلعتها للفقرا، لكن للأسف، أنا ماكنتش قادرة اساعد أي حد من اللي هي أذتهم.. بس.. بس أنا بنتها.. وعشان كده عمري ما بطلت اطلب من ربنا انه يسامحها... ما هو مهما كان.. هي أمي وماتت، وحتى موتها برضه كان عشاني.. او بمعنى أوضح.. فدية ليا عشان اعيش..

    تمت بحمدالله

    بقلم الكاتب: شادي إسماعيل

    اقرا ايضاجحيم
    اقرا ايضاجريمة الفندق