بقلم الكاتبة: إيناس رمضان
طول عمري وأنا بصرف ومش بيهمني عمري ما فكرت الفلوس بتيجي إزاي ولا حتى إنها مهمة، الفلوس بالنسبة ليا كانت زي الورق بضيعها من غير حساب لحد لما جت جدتي وعاشت معانا، وكانت كل ما تشوفني مبسوط ولا بشتري حاجة جديدة كانت بتقولي...
- الفلوس أتعملت عشان نصرفها فى حاجة مفيدة مش نرميها على الأرض.
كنت دايما اقولها...
- الفلوس أتعملت عشان ننبسط بيها يا تيتا.
- الكلام معاك مامنوش فايدة بس ربنا يكفيك شرها ويرزقك خيرها.
كنت بستغرب الكلمة بس بصراحة ماكنتش بعلق عليها يا دوب ابتسم وابوس ايدها وامشي، الكلمة دي أنا معرفتش معناها غير بعد ما عشت المعنى نفسه والدنيا وريتني وشها التاني، اللي عمري ما كنت أتوقع إني ممكن أشوفه، أنا كنت عايش في حي راقي من أحياء ٦ اكتوبر في مدرسة من مدارس الطبقة الراقية زي ما بيقولوا، عمري ما أتمنيت حاجة إلا وبابا حققهالي بسافر في الصيف أوروبا، بلعب رياضة في نادي كبير حياتي كانت زي الحلم لناس كتير تتمنى تعيش فيه، بابا كان بيشتغل رجل أعمال وأنا ابنه الوحيد، اسمي ساجد و كان ليا أخت عندها أربع سنين، حياتي كانت عادية كل يوم أروح المدرسة أرجع على البيت اتغدي واريح شوية وبعدين أنزل على النادي أتمرن سباحة، وبعدين أرجع اقعد مع تيتا شوية كنت بحب حكاياتها، والقعدة معاها اصلي تيتا دي حكاية لوحدها من ساعة ما ماما ماتت، بعد ولادة أختي وهي جت من الصعيد وقعدت معانا، من وقت ما جت وهي اللي بتاخد بالها مننا، على قد ما تقدر حتى الأكل رفضت تخلي الطباخ هو اللي يعمله، وبقت هي اللي بتطبخ بنفسها، أختي بتحبها جداً ومتعلقة بيها، حنيتها علينا عوضتنا عن غياب أمي، هي صحيح كانت كتير بتوبخني على الفلوس اللي بصرفها، بس عادي أنا اتعودت منها على كده، كنت بقول إن كل الشباب اللي في سني ومن الطبقة بتاعتي بيصرفوا كده، بس الحقيقة إني كنت بدور في شراء الحاجات الجديدة حتى لو مش محتاجها، والخروجات عشان أهرب من الحزن اللي ملى قلبي بعد وفاة ماما اللي بنسي بيها الكابوس اللي بشوفه كل يوم من ساعة ما أمي ماتت، أو من ساعة ما انتحرت آه هي دي الحقيقة اللي بنحاول نخبيها حتى عن نفسنا، ماما جالها اكتئاب ما بعد الولادة وانتحرت، وللاسف أنا اللي شوفتها أول واحد، كل يوم بيتكرر معايا نفس الكابوس بشوفها وهي معلقة نفسها بحبل في السقف، شكلها كان مرعب حسيت إني مشلول من الصدمة، مقدرتش اتحرك من مكاني ولا قدرت أنطق، كنت بحاول اصرخ بس صوتي خاني ومطلعش وفجأة رجليا ماشلتنيش ووقعت من طولي، كنت بقنع نفسي لما فوقت إن ده كابوس ومحصلش، بس الحقيقة إن ده حصل فعلاً وهي اختارت إنها تسيبنا وتمشي، قعدت فتره طويلة بتعالج من الصدمة اللي جاتني، وبابا ساعدني كتيرهووتيتا عمل كل حاجة عشان يخرجني من اللي أنا فيه سفرني بره وغير الشقة والمنطقة كلها عشان يساعدني انسى، حاولت كتير بس كل ما بنام بيتكرر معايا الكابوس بحلم بيها وهي متعلقة وبتنادي عليا عشان أنقذها بجري عليها وأقرب منها عشان اشيلها، بس فجأة بلاقيها بعدت وكأن بيني وبينها مسافات كبيرة بسمع صريخها، وهي بتقول ...
- الحقني يا ساجد مش عاوزة أموت.
ساعتها بقوم من النوم وأنا بصرخ صوتها بيكون لسه بيتردد في وداني، ماحبتش أحكي لبابا عن حاجة لأني كنت عارف ومتأكد إن نفسيته تعبانة أكتر مني بس هو بيحاول يخبي ويبان اقوى عشاني أنا واختي، أنا كنت عارف هو قد إيه كان بيحب ماما، عمره ما كان بيقعد أغلب النهار في الشغل غير بعد ما ماتت، لدرجة إن شكله كان مرهق وتعبان، ده أنا مره بعد الكابوس ما جاني كنت حاسس إني مخنوق ومحتاج أقعد في مكان واسع ومفتوح، وأنا خارج من أوضتي رايح على الجنينة سمعت صوته وهو بيعيط، كان قاعد في اوضته مموت نفسه من العياط، عشان كل الأسباب دي كنت بدور على اي حاجة تسعدني واعملها، بدل ما اتجنن وفي يوم بابا رجع البيت في اليوم ده حسيت اني مليش مزاج اروح المدرسة، وقعدت في البيت كنت قاعد قدام التلفزيون، ومهد أختي كانت بتلعب بلعبها على الأرض، وبابا جه مكونتش متعود منه أنه يرجع في الوقت ده، أول لما شوفته استغربت وسألته أنت كويس يا بابا ؟.
- اه يا ساجد كويس.
- اومال إيه اللي رجعك بدري كده.
- تعبان شوية هدخل أوضتي ارتاح، مش عاوز حد يصحيني سيبوني نايم لما اصحى لوحدي.
بابا كان باين على وشه التعب والحزن أنا عمري ما شوفت الحزن ده على وشه ده حتى لما ماما ماتت مكنش حزين بالشكل ده شوية وتيتا دخلت عنده الأوضة لما قولتلها أنه جه، بس خرجت وشها كان متغير في الوقت ده حسيت إن في مصيبه مش عارف ليه، حاولت افهم من تيتا في إيه بس كانت ساكتة وقالتلي ...
- ابوك عنده شوية مشاكل في الشغل، بس عادي هو في شغل من غير مشاكل.
كلام تيتا خلاني اطمنت شوية، كملت لعب مع مهد، ودخلت أنا كمان عشان ارتاح شوية مفيش ربع ساعة، والباب خبط كان بابا والحزن كان مغطي ملامحه كأن فيه مصيبة كبيرة حصلت قالي ...
- ساجد سامحني يا بني كان نفسي أسيبك مستور طول حياتك بس أنا مش عارف إزاي ده حصل .
كان بيتكلم كلام مش مرتب ومش مفهوم، ماكنتش فاهم حاجة منه.
- بابا حضرتك تعبان طمني في حاجة عاوز تقولهالي...
- أنا فى مصيبة يا ساجد خسرت كل فلوسي فى البورصة، أنا لحد دلوقتي مش قادر افهم إيه اللي حصل ولا مستوعب اساسًا.
- مش مهم يا بابا كل حاجة تتعوض، نبيع العربيات والشالية أو حتى نبيع الأرض اللي فى زايد، وأنا واثق إنك هترجع تقف على رجلك تاني.
- كل ده هيتحجز عليه من البنك، عشان القروض اللي كنت واخدها حتى البيت اللي إحنا قاعدين في هيتحجز عليه، شوفت المصيبة اللي احنا بقينا فيها أول مرة أحس إني عاجزومش عارف اتصرف ازاي، حتى اصحابي حاولت استلف منهم بس مفيش حد فيهم رد عليا بعد ما عرفوا إني خلاص البنك هيحجز على كل ممتلاكاتي.
- مش مهم حتى لو كل حاجة راحت، أنا معاك يا بابا وهساعدك ونبدأ من جديد.
وأنا بكلمه وقع على الارض.
- بابا مالك أنت حاسس بإيه.
- أنا هموت يا ساجد خلي بالك من نفسك ومن اختك.
- - ماتقولش كده بعد الشر عنك أنا هتصل بالإسعاف.
- خلاص يا ساجد مفيش وقت أنا هموت.
بابا غمض عينيه وقطع النفس، شلته مش عارف ازاي جاتني القوة وجريت ركبته العربية، ورحت به اقرب مستشفى كنت بصرخ وأنا داخل به وبقول...
- الحقوني دكتور بسرعة بابا بيموت.
دكتور الاستقبال اخده بسرعة على غرفه العناية، وركبوله جهاز تنفس الدكتور جه وسألني
- هو عنده أمراض مزمنة؟ إيه اللي حصل عشان يوصل للحالة دي؟!
اتكلمت مع الدكتور وفهمته اللي حصل، والحمد لله على بالليل كانت الحالة استقرت شوية، وطلب يشوفني أول لما قعدت جنبه بصلي وعيونه أتملت دموع كنت يا دوب سامع صوته بالعافية وقالي ...
- خد جدتك وأختك وروح على البلد هناك في...
بابا مقدرش يكمل الكلمة ومات عيطت كتير كنت حاسس إني هموت وراه، بس لما بصيت لمهد وتيتا اللي بقيت مسؤول عنهم قولت لنفسي لازم افوق، لو مش عشاني عشانهم هما، قبل ما اكلم تيتا في موضوع السفر لقيتها بتقولي...
- احنا ملناش قعاد في البلد دي يابني خلينا نروح بلدنا واهو بيت جدك الله يرحمه موجود وكبير.
رديت وأنا مخنوق كنت حاسس الكلام بيطلع مني بالعافية.
- بابا وصاني بكده قبل ما يموت.
لميت هدومي ولعب مهد جزء منها طبعا اللي ينفع يتشال، والمتعلقات الشخصية بتاعتي اللي سمحوا بيها واخدت تيتا وأختي وسافرنا، طول الطريق وأنا دماغي بتودي وتجيب هبدأ إزاي وهعمل ايه، آخر فلوس كانت معايا هي اللي مسافرين بيها حسيت دماغي من كتر التفكير هتنفجر، حطيت دماغي على الشباك ونمت محستش بنفسي والغريبة إن الكابوس اللي كنت بشوفه ماشفتوش، ماحستش بحاجة غير بإيد اتحطت على كتفي قمت من النوم مخضوض، كانت تيتا قالتلي ...
- خلاص وصلنا محطة الأقصر.
كانت أول مرة أزور فيها الأقصر، روحنا على البيت كان بيت كبير وله جنينة، ماكنتش متخيل أنه كبير كده ولا بالجمال ده البيت من جوه كان السقف بتاعة معمول بالخشب المزخرف، وفي نافورة شكلها حلو أوي في وسط البيت، تقريبا البيت والاثاث اتصمموا على النظام المملوكي، الاغرب بقى الجنينة اللي كانت جميلة وفيها أشجار ورد كتير تيتا بصتلي وقالت...
- لما مشيت من البيت أديت المفاتيح لعثمان ابوك شغله مخصوص عشان ياخد باله من البيت والجنينة، وكان كل أول شهر يبعتله مرتب عشان كده البيت كأنه مش مهجور .
دخلت اتفرج على الأوض اللي في البيت كانت كتير أوي، بس اللي كان مفاجأه بالنسبة ليا هي وجود مكتبه كبيره كان فيها كتب كتير، واضح عليها إنها كتب قديمة وفي منها مجلدات شكلها غريب وفيها مكتب وفي جنب الشباك كنبة خشب، هي صحيح شكلها مش ماشي مع المكان بس يمكن كانت ديكور موجود زمان، كنت مستغرب إن كل الجمال ده موجود ومع ذلك بابا عمره ما جابنا هنا، بعد جولتي في البيت اخدت أدوات الرسم بتاعتي وخرجت للشارع كنت عاوز أرسم كنت حاسس إن كل الحزن اللي جوايا هيروح لما أعمل حاجة بحبها رسمت النيل والمعبد، كان في مجموعه من السياح قاعدين على النيل واحد فيهم طلب مني إني ارسمهم، رسمتهم والرسمة عجبتهم أوي وداني فلوس، كنت مبسوط ومن بعدها كنت كل ما بشوف سياح على الكورنيش ارسمهم واخد فلوس، اشتريت لوحات وأدوات رسم وبقت دي شغلانتي، بس في مرة وأنا راجع البيت سمعت صوت تيتا عالي، وكان في راجل بيتكلم معاها بيقول ...
- هتفضلي لحد ميته يا هانم وانتي مدارية عليها، ما كفاية بقى طلعيها وادي كل واحد حقه.
- صدقني يا همام معرفش طريقها مات واخد سره معاه، مش كفاية اننا سبنا البلد ومشينا مش كفاية ولدي مات غريب، البيت قدامك دور في لو لقيت حاجة خدها.
لما سمعت تيتا بتقول كده دخلت بس أول لما شافني بصلي بصه غريبة، ومشي وقال ...
- مسير الحي يتلاقى تاني يا هانم.
- مين ده يا تيتا؟!
- واحد من قرايبنا كان، عاوز قرشين يفك بيهم ديقته كان فاكر الحال لسه زي ما هو، المهم طمني عليك أنت كويس؟
-اه الحمد لله بس واقع من الجوع.
بعد ما أكلت دخلت أوضة عشان أنام فيها، أول لما بدأت أنام شميت ريحة شياط ملت الأوضة، حاولت اقوم اشوف في إيه بس ماقدرتش كنت حاسس إني متكتف، ايد عبارة عن كتله نار مسكت ايدي بس ماقدرتش أصرخ، وفجأة لقيت نفسي جوه قصر كبير جدرانه مرسوم عليها زخارف فرعونية، وفيه أصوات كتير وناس بتجري شكلهم غريب، ولبسهم كمان الصوت كان بيزيد خليط ما بين صريخ مع جري زي ما يكون في هرج، والمشهد اتغير فجأة لقيت نفسي جوة أوضة كانت جميلة أوي وكان في واحدة قاعدة على كرسي وحاطة تاج استنتجت إن دي الملكة، وكان قاعد جنبها شاب وسيم وكان واضح انهم بيتكلموا في موضوع مهم، قربت منهم وسمعت الملكة بتقول ...
- أنت صاحب دم ملكي أنت لازم اللي تكون وريث للعرش يا بنتاؤول.
- بس الملك اختار يا أمي اختار رمسيس الرابع يكون خليفه ليه.
- الكلام ده مش هيكون أبداً أنت اللي هتكون خليفة ليه، وهتكون ملك على مصر أنا رتبت كل حاجة يا مع قائد الجيش ومع الكاهن الأعظم لأمون وقادة من الجيش انضموا لينا، ده غير ساحرات القصر ودول من اهم الأدوات اللي هتساعدنا، أنت عارف إن ليهم اهمية كبيرة عند رمسيس التالت، بس أنا اغريتهم بعطايا أكتر ووعدتهم إني أرجع مدارس السحر تاني، بعد رمسيس ما اغلقها وخلاها قاصره على طلبة العلم الديني فقط، ومع انتصاف القمر في السماء، الجيش هيتحرك ضد الملك وحراسه كل اللي بيدين بالولاء للملكة تي، هيكون معانا خليك مستعد أول لما أديك الإشارة، رئيس الحرس الملكي والكاهن الأعظم هيعلنوك الملك فى القصر والعامة اكيد هتوافق.
- طب والملك هيعمل إيه أنا خايف ليكون الأمر ده في هلاكنا أنتِ مش عارفة، الملك بيحب رمسيس الرابع إزاي لو اصابه مكروه أكيد هيقتلنا.
- مين قالك إن الملك رمسيس التالت هيعيش اساسًا ده هيموت، الملك لازم يموت أنت فاهم هو ووريث العرش وكل اللي ليهم ولاء ليه، ويبدأ عصر جديد عصر الملك العظيم بنتاؤول.
كنت حاسس إني مش مستوعب اللي بسمعه، والأغرب إني فاهم اللهجة اللي بيتكلموا بيها كويس، بس كان نفسي اعرف إيه اللي حصل وخرج الأمير من غرفة الملكة ومشي في القصر، وهو ماشي قابل أميرة جميلة لما شافها ابتسم وسلم عليها وقال....
- ميرت آمون، أنا اتكلمت مع الملكة تي على جوازنا وهي موافقة ومرحبة جدا.
- أنا متأكدة إن الملكة تي هتوافق لأنها بتحبني لكن هل رمسيس التالت هيوافق قصدي الملك.
اخد نفس عميق وقال...
- اوعديني يا مريت مفيش حد يعرف حاجة من اللي هقولها...
- أكيد طبعًا.
- الملكة تي قررت إني أنا اللي هكون ولي العهد .
- يعني إيه ورمسيس أخوك الأكبر المفروض أنه هو اللي هيكون ملك كمت.
- وأنا كمان ابن رمسيس التالت وأنا أحق منه بالحكم واقوي منه، كل الحروب اللي خاضها الملك أنا كنت فيها لكن الملك بيحبه اكتر مني، حاولت كتير افهم السبب بس ما معرفتش بس مش مهم المهم إني هكون الملك.
- أنا خايفة عليك يا بنتاؤول بلاش أنت عارف عقوبتك لو الخطة فشلت هتكون إيه.
وهنا المشهد اتغير ولقيت نفسي في المشهد الأول، أصوات كتير مختلطة بين صراخ نساء وأصوات سهام وأسلحة حرب مع أصوات جري وأصوات رجال بتردد يعيش الملك المعظم رمسيس التالت.
وقفت ورا عمود ضخم بس الأرض اتحولت لبحر من الدماء، وكان في ستات كتير مدبوحين ومرميين على الأرض، وشوفت الأمير بنتاؤول ماشي ناحية غرفة وماسك خنجر في ايده، وأول لما دخل الأوضة مشي على الملك ودبحه، منظر الملك وهو بيبص عليه كأنه في ذهول ومش مصدق إن ابنه ممكن يقتله ويعمل كده، وفجأه المنظر أتغير تاني ظهر من وسط كل ده شاب طويل مفتول العضلات وداس برجله على جثث، النساء اللي على الأرض وقال بصوت عالي...
- ده هيكون جزاء اللي هيتأمر على الملك الخيانة، ملهاش تمن غير الموت ساحرات القصر اللي كانوا مكرمين عند الملك شاركوا في الخيانة كانوا فاكرين إن الملك رمسيس ما كنش عارف انهم بيتآمروا عليه، وأن الملك عنده ساحرات تاني أوفى منهم وأكثر إخلاص للملك ولكميت العزيزة، وعقابًا لهم هيتم دفنهم في مقابر العامة، وتُلف أجسادهم بجلد المعاز حتى تكون لعنة عليهم في العالم الآخر، اما الباقية فسوف يحاسب كلا بحسب دوره في المؤامرة، وذلك بعد محاكمه رؤوس المؤامرة الملكة تي يُحكم عليها بالذبح، الأمير بنتاؤول يدفن في تابوت ويوضع فيه وهو حي وبعد موته، يُلف جسده بجلد الماعز، ولا يوضع معه اي شىء من ممتلكاته، وترمي أحشائه ولا توضع فى اواني جنائزية، ويرتدي تلك القلادة الملعونة التي تمنع روحة من التعرف على جسده في العالم الآخر، والأميرة ميرت آمون العزيزة، تطعن بخنجر مسموم وتترك حتى تموت وتدفن على هيئتها التي ماتت عليها، ويُلف جسدها بجلد الماعز.
وفعلًا اتحرك خطوات وكان في واحده ست جميلة و ايديها مربوطة بحبل، وطلع خنجر ودبحها فورًا المنظر كان مرعب وبعدها جابوا صندوق والحرس حط في بنتاؤول كان بيصرخ وبيترجاه يعفوا عنه، ولكن رمسيس الرابع أشار للحرس أنه يتحط داخل التابوت والحرس نفذ الأمر وتم قفل التابوت عليه، وحملوه وتم وضعه في غرفة التحنيط، وبعدها شوفت حد بيبص عليا وبيقرب مني ومن الرعب قمت من النوم وأنا بصرخ، حمدت ربنا إن تيتا ما صحيتش على صوتي حرفيا كانت كل حتة في جسمي بتترعش، شربت كوباية مايه كانت جنبي وقعدت على الكنبة شوية، كنت بحاول أستوعب اللي حصل معايا، بس ماكنتش فاهم حاجة فتحت الشباك وبصيت منه لقيت عم عثمان، قاعد في الجنينة وقدامه أناء فخار وفي نار، نزلت قعدت معاه قولتله مش جايلي نوم اتكلمنا في الاول عن تعليمي وهعمل إيه، بما اني مش هقدر على مصاريف المدرسة اللي في القاهرة، وسألني فكرت هتعمل إيه في حياتك أنت واللي في رقبتك دول ؟.
اتحرجت حسيت أنه بيسألني عشان مرتبه اللي المفروض بياخده،
- على فكرة يا عم عثمان أنت ممكن تمشي من بكرة لو حابب مفيش حد هيلومك ولا يزعل منك لأن حقك تعمل كده .
- - ليه يا ابني بتقول كده هو أنا اشتكيتلك من حاجة، أنا بس عاوزك تخلي بالك من اللي جاي وتعرف هتعمل إيه، لكن أنا لحم كتافي من خير أبوك، وبعدين جدك الحج هو اللي رباني .
- صحيح يا عم عثمان طب ما تحكيلي عنه أصلي تيتا ماحكتليش عنه كتير يادوب حكايات عادية زي أنه كان قلبه تقيل ومش بيخاف، وأنه كان متعلم.
- ايوه جدك كان معاه البكلوريا ده كان بيتكلم انليزي ولغات تاني كتير وكان بيشتغل ترجمان للأجانب، غيرأنه كان بيعرف يقرأ اللغه القديمة بتاعت جدودنا، الله يرحمه بقى.
- هو كان بيشتغل ترجمان وبس أصلي سمعت من تيتا أنه كان عنده مصنع طوب.
- جدك كان بيشتغل في حاجات كتير، كان عامل مصنع طوب مش الطوب بتاع اليومين دول الاحمر، لأ الطوب الأبيض ده وكان مشارك ولاد عبد الرسول فيه.
- كمل يا عم عثمان أنا سامعك مين عبد الرسول ده!.
- معلش يا ولدي أنا تعبت ومش قادر الصبح بقى علينا وعليك بخير.
قمت من عنده وروحت على أوضة المكتبة، بتاعة جدي عشان ماكنتش قادر أنام، دورت في الكتب كانت أغلبها كتب قديمة عن الحضارة المصرية القديمة، وخرايط استغربت وجود خرائط ليه جدي مهتم بيها، هو اساسًا إيه فايدتهم لواحد زي جدي، وأنا ببص فيهم اتلمحت بحاجة بتجري قدأمي جريت بسرعة كبيرة، خوفت ليكون فأر، بصيت عليه مكنش له أثر، ركزت شوية ووقفت مكاني عشان أعرف هو فين، لحد لما سمعت صوت خفيف كان جاي من تحت الكنبة بصيت تحت الكنبة كنت سامع الصوت بس مش شايف حاجة، وأنا بدور أتكررت نفس الصوت بس المرة دي كان صوت خبط وجاي من جوه الكنبة، لما دورت لقيت الكنبة ليها سحارة فتحتها لقيت فيها حاجة غريبة، السحارة كان فيها صندوق خشب كبير وعليه قفل رفعت الصندوق بصعوبة كبيرة، دورت على مفتاح القفل جنب الصندوق، كان في قطعة قماش جوه السحارة، فتحتها لقيت مفتاح شكله غريب، جربته على القفل وفتح بصيت في الصندوق حسيت إني بحلم، كان في قلادة قطعة من الذهب مرسوم عليها جعران وله جناحات لونها أزرق، ومكتوب عليها بحروف مفردة اسم آمون وفي تمثال كان ملفوف في كتان لما شلت الكتان من عليه انبهرت بجماله، التمثال معمول بحرفية عالية جدا لوجه ملك وده اللي عرفته لما قريت الحروف اللي محفورة عليه الملك المعظم رمسيس الرابع، وفي كام بردية كنت مستغرب الحاجات اللي لاقتها، جريت على تيتا ووريتها الحاجة اللي لاقيتها بس على غير المتوقع، كنت فاكر إنها هتفرح إن الأزمة اللي احنا فيها خلاص هتنفك، اصل الحاجة دي حرفيًا قادرة تغير حياتنا درجة، بس تيتا وقفت شوية تبص للحاجة وشوية تقولي...
- لقيتها فين يا ريتك ما طلعتها أنا لو كنت شوفتها قبلك كنت هرميها.
- ليه يا تيتا بتقولي كده.
حطت أيدها على رأسها وعيطت كنت، واقف ببصلها باستغراب هي ليه بتعمل كده؟
رفعت وشها وقالت ...
- اللي أنت شايفه ده هو اللي كان السبب في موت جدك وهو السبب في إن ابوك يسيب البلد.
- ازاى مش فاهم حاجة.
- هحكيلك كل حاجة.
- جدك زمان وهو شاب كان صاحب واحد اسمه احمد عبد الرسول جدك كان بيشتغل هو واحمد ترجمان للسياح ده غيرإن جدك كان شاطر اوي في قراية البرديات واللغة الفرعونية لما أحمد ومحمد فدول بقى كانوا ناس اغنياء، عندهم أرض وكان عنده أغنام ومعيز كتيراوي وجدك كان من سن أحمد تقريبا، وكمان من العيلتين كانوا قريبين أوي من بعض وفي يوم وهو بيرعي الغنم في معزة شردت منهم وجريت في الجبل، جري وراها جدك عبد الرحمن ومحمد أخو احمد الصغير، بس لما وصلوا عند الجبل المعزة كانت اختفت، دوروا عليهم كان صوتها طالع جريوا على مكان الصوت لقيوا بير وشافوا المعزة وهي واقعة جواه، محمد جري على أحمد وقاله...
- نعمل ايه عبد الرحمن جدك قالهم...
- هروح اجيب حبل واربط محمد لأن جسمه رفيع ويدخل يجيبها واحنا نرفعة.
- وافقوا.
وجدك جاب الحبل ونزلوا بيه محمد بس بعد ما نزل، غاب في البير شوية واحمد وجدك نادوا عليه لحد لما رد وقالهم أنه كويس بس طلب ان احمد وعبد الرحمن ينزلوا بسرعة ليه، وفعلا نزلوا ساعتها كانوا هيتجننوا من اللي شافوه البير كان اخره ممر طويل شوية دخلوا فيه، وبعدها كان فيه باب من الحجر بس الغريبة إن الباب بمجرد ما زقوه اتفتح، وشافوا حاجة ولا في الأحلام مقبرة مليانة تماثيل دهب بكل الاحجام، فيها خناجر مصنوعة من الدهب واليد بتاعتها كلها أحجار كريمة، وفيه كراسي وكل كرسي مصنوع من الذهب وكل واحد فيهم منقوش عليها اسم الملك، والشعار بتاعه، المنظر كان هيطير عقلهم و في صندوق في برديات كتير، محمد واحمد ما اهتموش بالبرديات وكانوا مبهورين بالتماثيل، عبد الرحمن مسك البرديات وقري واحده منهم وكان مكتوب فيها خروج بني إسرائيل من مصر، كان مكتوب فيها قصة الخروج واللي حصل فيها والمدة اللي قضوها في مصر، ده غير الخريطة اللي كان مرسوم فيها الطريق اللي المفروض هيمشوا فيه، البرديات كان مكتوب فيها حاجات كتير عنهم، جدك اخد البرديات وحطها جوه هدومة، ودخل عندهم عشان يشوف التوابيت ولحظة قرب من تابوت كان مكتوب عليه هذا التابوت ملعون والأمير النائم فيه ملعون، سيدخل العالم الآخر وهو محاط بتلك اللعنات لأنه قتل الملك العظيم رمسيس الثالث، لقد فعل جرم كبير بقتل أبيه بيده، وكان فوق التابوت موجود زي سلسلة أو زي ما جدك كان مسميها قلادة تقريبا، وكان بيقول ان القلادة دي السحرة عاملين عليها سحر أسود، يأذي من يتقرب من التابوت أو يأخذ القلادة، عشان لصوص القبور، جدك اخد القلادة وفتح التابوت هو واحمد و أول لما شافوا منظره الرعب ملي قلوبهم، وعاوزة اقولك إن الأمير ده هو اللي كان السبب في موت جدك بعد كده، الأمير كان فاتح بوقه كأنه بيصرخ، شكل المومياء كان مرعب واضح أنه اندفن وهو لسه عايش حتى التابوت بتاعه كان ناقش عليه بضوافره في الخشب.
كلامها عن الأمير صدمني ده نفس الأمير اللي أنا شوفته في الحلم حسيت فجأة أنى فقدت احساسي بالمكان والزمان و100 سؤال جه في دماغي هو ليه خلاني اشوف حياته ويا ترى إيه الحاجة المشتركة اللي ما بيني وبين جدي !.عشان يظهرلنا احنا طب يا ترى إيه هي الرسالة اللي عاوز يوصلهالنا !.، وأنا سرحان تيتا كملت وقالت ...
- سرحت في إيه.
- مفيش ياريت تكملي كان ناقش إيه بضوافره؟
- سوف أعود للحياة مره آخري وانتقم من كل أولئك اللذين كانوا سبب في موتي، بس محدش فيهم فهم حاجة هما فرحوا بالكنز وفرحوا باللي أخدوه منه، وبعد ما خرجوا من المقبرة كل واحد فيهم حلف إن الموضوع يبقى سر ومحدش يحكي الموضوع لحد، حتى لو كان اقرب الناس ليه لحد لما يشوفوا، هيعملوا إيه ومن يومها جدك رجع وهو معاه برديات الخروج ومعاه القلادة، ومن ساعتها وهو في كل ليلة يقوم بالليل يصرخ، ويقول ...
- راجل شكله مخيف بيمد إيده حوالين رقبتي، ويحاول يخنقني ومهما حاولت أجري بعيد عنه، بيجري ورايا وبيكون عاوز يموتني،
- كنت بقوله أقرأ قرآن يمكن كابوس ولا حاجة، بس كله مكتوب.
وتيتا بتتكلم بان على ملامحها التعب والإرهاق عشان كده قولتلها ...
- مع أني نفسي اسمع الحكاية كلها بس كفاية كده نكمل بكره وماتخافيش هشيل كل حاجة في مكانها.
تيتا زي ما يكون كانت مستنية كلامي ده، طلعت على أوضتها، وأنا قعدت شوية فكرت في الكلام اللي هي قالته...
معقولة الأمير اللي قالت ان جدي شافه هو نفسه اللي حلمت به، أنا شوفته وهما بيحطوه جوة الصندوق وشوفته لما إيده مسكتني وأنا في الأوضة، كان طويل ولا بس لبس لونه اسود وشكله كان مخيف، بس ليه ظهر لي أنا وعاوز مني إيه اكيد في سر، أول لما الصبح طلع أستنيت عم عثمان وسألته عن جدي
- هو مات ازاي؟ ومع إصراري عليه قالي ...
- أنه مات جوه مستشفى الأمراض العقلية.
- يعني إيه جدي مجنون.
- لأ يا ابني جدك كان عاقل أوي بس هو من بعد موضوعه مع ولاد عبد الرسول، وهو بقى كل يوم يشوف واحد لا بس اسود وعاوز يموته حتى النوم مبقاش يقدر ينام، وفضل كده لحد لما عقله راح وأتجنن وفي الآخر مات.
- طيب وأولاد عبد الرسول في حد منهم جراله حاجة.
- لأ يا ساجد يا بني مفيش حد حصله حاجة بالعكس دول كانوا زي الفل وكانوا من وقت للتاني يطلعوا، تمثال دهب، ولا سلسلة دهب ويبيعوها، إنما جدك محدش عرف هو ليه حصله كده بس أكيد الحكاية فيها سر.
بس أنا بالنسبة ليا ما كنش سر أصلها باينه اهي، هو الوحيد اللي اخد القلادة اللي كانت فوق تابوت الأمير، اكيد السحر اللي في القلادة، أو يمكن قرين الأمير هو اللي عمل كده في جدي، اخدت الصندوق اللي كان في البرديات والتمثال والقلادة، وكنت هدفنهم تحت شجرة في الجنينة، يمكن لما احس انه خلاص بقى برا البيت يخليني احس بالامان وماشوفش كوابيس تاني، بس تيتا شافتني وأنا خارج وقالتلي...
- الصندوق ده لازم يفضل جوه البيت ومايخرجش منه.
- ما تخفيش يا تيتا أنا هشيله في مكان أمين لحد لما اتصرف في اللي فيه.
- فاكر يا ساجد لما دخلت البيت بعد ما رجعنا هنا وسمعت صوتي وأنا بصرخ في راجل شكله كان غريب وأنا قولتلك أنه قريب لينا والحقيقة أنه مش قريبنا، ده همام ده كان مشارك جدك في مشروع وكان جدك متفق معاه أنه يتصرف في البرديات، وكان هو حلقة الوصل بينه وبين الخواجة اللي هيشتريهم، بس جدك مات ومن بعدها والخواجة بقى همه حاجة واحدة بس انه عاوز ياخد البرديات بأي تمن، أنا معرفش مين اللي عاوزهم أو محتاجهم في إيه، لدرجة انه مستعد يدفع فيهم اي مبلغ مقابل أنه ياخدهم، بس طريقة كلام همام خوفتني منهم، عشان كده بقولك خلي الحاجة في البيت لحد لما أشوف هنتصرف ازاي.
- أنا موافق ان الصندوق يفضل هنا بس لازم نلاقي حل وفي اقرب وقت.
خرجت من البيت وقولت ...
- لعم عثمان أنا عاوز اروح عند ولاد عبد الرسول عاوز افهم الحكاية كلها وفعلا، أخدني وروحت عندهم واللي عرفته من ابن احمد عبد الرسول ان القلادة فعلًا مسحورة بسحر أسود ولازم تتدفن، أو ترجع في مكانها الاصلي حولين الأمير، ومعنى كده إن الكابوس اللي شوفته ده حقيقة حصلت، ومكتوبة في البرديات تحت اسم مؤامرة الحريم، وقالي...
- الأفضل أن برديات الخروج دي والتمثال أسلمهم للشرطة وهما يتولوا الحفاظ عليهم وعشان كمان أبعد اي شر ممكن يطول عيلتي.
تمت بحمد الله
بقلم الكاتبة: إيناس رمضان