بقلم الكاتب: شادي إسماعيل
دخل الدكتور الأوضة، بص على المكتب وخد ملف بعد ما اتأكد من عنوانه، بعد كده راح ناحية الباب وقفل النور وخرج تاني.
مشي في الممر لحد ما وقف قدام الأوضة الأخيرة، خبط على الباب ودخل، قدامه كانت ست قاعدة على طرف السرير وباصة في الأرض، شعرها نازل على وشها، لابسة لبس المستشفيات، عباية بيضا طويلة، بس كان لبسها متوسخ. سحب كرسي من جنب الباب وقرب منها وقعد، رَفعت وشها وبصت عليه وبعدين وطت راسها تاني للأرض، كانت ست في التلاتينات، بشرتها بيضا، عينيها واسعة وده كان مخليها جميلة، على الرغم من الشحوب اللي باين عليها، قرب الدكتور منها بالكرسي أكتر وسألها بهدوء...
- ازيك يا فيروز؟.. انا الدكتور رفعت المشرف علي حالتك.
ماردتش عليه وفضلِت بصة في الأرض، ف كمل كلامه وقالها...
-انتِ عارفة انتِ هنا ليه، صح؟
ماجاوبتش عليه، بَعَد وشه وهو بينفخ في ضيق، بدأت فيروز تدندن بصوت غير واضح وهي بتحرك رجليها مع نغمة صوتها الحزينة...
- فيروز انتٍ لو ماتكلمتيش هيعدموكِ، لازم تتكلمي.
استمرت فيروز في الدندنة وصوتها عِلي أكثر، رفع رفعت صوته عشان يكون أعلى من صوتها...
- كل الأدلة ضدكِ ولو ماتكلمتيش معايا مش هقدر أساعدك.
كالعادة صوت دندنتها كان بيعلى كل ما يتكلم، ساب رفعت الأوضة وخرج، بس قبل ما يخرج سابلها الملف اللي كان معاه على السرير، بصت فيروز للملف، بس ماحاولتش تقرب منه، بالعكس، دي بعدت عنه لحد ما وصلت لاخر السرير وهي بتبص على الملف بخوف.
اما في المكتب، ف رفعت كان قاعد وقدامه النسخة الأصلية من الملف اللي كان مكتوب عليه "النزيل 101"، فتح الملف وجواه كان في مذكرة مكتوب عليها "مذكرات النزيل 101" بدأ يقرأ وفي ودنه لحن فيروز الحزين.
"انا فيروز عاصم، عندي تلاتين سنة، ولو ينفع اكدب فانا عندي خمسة وعشرين سنة، دايمًا بحس إن السن ده منتصف العمر، مش عارفة ليه؟.. ومش عارفة إذا كان ده حقيقة ولا خيال؟.. وان كنت هتأكد في يوم من الأيام، لما يجيني الموت وانا على سريري في سن الخمسين، أو هعرف إني كنت غلط لما يجيني الموت وانا بسوق بسرعة جنونية، واخبط في عربية وقفت قدامي فجأة وأموت وانا في الأربعين، وساعتها هعرف إن منتصف العمر كان العشرين، أو حتى لو زارني يومًا ما في أوضتي في دار المسنين وانا عجوزة بتخرف، بلغت من العمر أرذله، وقتها هتأكد بإن العمر ماكنش لسه انتصف قبل الرسالة دي، عامة انا حاسة بإن سن ال 25 هو منتصف العمر، واني هطلع صح في النهاية، انا بكتب دلوقتي ومش عارفة مين هيقرأ الكلام ده؟.. وهل هو شخص واحد ولا أكتر؟.. لكن انا هكلمك على إنك شخص واحد بتقرأ كلامي، وهحكيلك كل اللي حصل...
اول ليلة ليا في القصر كانت هادية هدوء قاتل، ممكن تعتبر إن ده أمر عادي، لكن انا مابحبش الهدوء، دايمًا بميل للأماكن اللي فيها دوشة وزحمة، بحب اقابل ناس غريبة وأكون معهم صداقات، ممكن تكون عميقة في بعضها وسطحية في البعض الآخر، المهم إن الليلة دي كانت هادية بشكل مخيف، وإن كان هدوئها مادامش كتير.. انا وصلت القصر الصبح، كنت راجعة من سفر بعيد، وعشان كده بعد ما عبده دخل الشنط ومشي، خدت جولة في قاعة القصر وبعدين طلعت على فوق، كنت تعبانة جدًا ومحتاجة انام، ف دخلت أول أوضة قابلتها، ولما فتحت الباب، اتفاجئت من اللي شوفته، الأوضة مترتبة ونضيفة، مين عرف إني جاية ونضف الأوضة؟.. انا متأكدة إني ماقولتش لحد، مش مهم، ابقى اشوف الموضوع ده لما اصحى. حطيت الشنطة اللي جيبتها معايا وانا طالعة، حطيتها على السرير وفتحتها عشان اخرج هدوم البسها، خرجت قميص نوم مناسب للجو الحر اللي احنا فيه، بعدها دخلت الحمام عشان اخد شاور، بس أول ما دخلت لفت نظري نضافته وكإنه لسه متنضف من دقايق، بس الأغرب إني لاقيت كل الحاجات اللي بَفضل استخدمها موجودة، الموضوع كان مريب، بس التعب اللي انا حاسة بيه مش طبيعي، مش مخليني مركزة في أي حاجة دلوقتي، دخلت البانيو ولقيت جنبي مشغل موسيقى، شغلته وساعتها سمعت الموسيقى اللي بحبها، بدأ الموضوع يثير فضولي، بس قررت استمتع بالحمام بتاعي وأجلت الحكاية لحد ما افوق.
بعد نص ساعة تقريبًا خلصت وخرجت، وساعتها حسيت إني فايقة شوية، بدأ عقلي يفكر في اللي بيحصل وانا بسرح شعري، بس ماديتلوش فرصة، وأول ما خلصت، رميت نفسي على السرير وروحت في نوم عميق.
لما فوقت كان الليل دخل، كنت حاسة إني عايزة انام تاني، لكن الجوع هو اللي صحاني، قومت من السرير وبصيت من البلكونة، ندهت على عبده وطلبت منه يروح يجيب أكل، قالي إنه جاب شوية معلبات وعصاير وحطهم في التلاجة، لكني طلبت منه يروح يجيب أكل حلو ينفع للغدا، نفذ الأمر بسرعة ومشي، وانا رجعت للأوضة من تاني، وكان النوم خلاص راح من عيني، قعدت على السرير ومسكت تليفوني وبدأت اتصفح واحد من مواقع التواصل الإجتماعي، وفجأة، ظهرت قدامي اقتراحات الصداقة، قررت اتخطاها بسرعة كعادتي، لكني رجعت تاني لما لمحت صورة للقصر، ضغطت على الأكونت، ولما الصفحة اتفتحت كبرت الصورة، وساعتها شوفت واحدة عندها تقريبًا أربعين سنة، كانت واقفة في حديقة القصر اللي ظاهر في الخلفية، كانت بتضحك وفي ايديها طفل صغير، طفل شكله قبيح جدًا، الحساب كان باسم ليلي، ماكنش مكتوب غير ليلي، حاولت ادور في صفحتها عن أي معلومة، بس مافيش.. مافيش غير الصورة دي بس!.. قومت بسرعة غيرت هدومي وانا على اخري وبقول لنفسي "انا دلوقتي عرفت ايه السر في إن القصر بالنضافة دي، الحيوان بيأجر القصر في غيابي، والله لاعلمك الأدب يا عبده الكلب انت.. نزلت تحت بسرعة وانا بنادي عليه بصوت عالي، لكن تقريبًا المفاجأة نستني اني بعته يجيب غدا، قعدت على كرسي الصالون وانا مستنياه يوصل بفارغ الصبر، عدت ربع ساعة، وبعدها لقيته بيفتح الباب وداخل، ماديتلوش فرصة وقابلته بوابل من الشتايم والألفاظ الشنيعة، بص لي باستغراب وسألني...
- جرى ايه ياست هانم، انتِ بتتكلمي كده ليه؟
- ده على اساس انك مش عارف!.. ولا فاكر إني مغفلة ومش هعرف اللي بتعمله.
- الله.. واني عملت ايه بس؟
- بتأجر القصر في غيابي ياحيوان!
- قصر ايه اللي هأجره ياهانم!!
مانكرش إني شوفت نظرة تعجب حقيقية في عينيه خلتني للحظات أصدقه، بس رجعت بعدها وكملت زعيق معاه، كان مصمم انه ماعملش حاجة من دي، بس انا صممت إنه يلم حاجته ويمشي، وفعلًا.. لم حاجته وسلمني المفاتيح ومشي، بس قبل مايمشي، رجع تاني وعاد كلامه، قال إنه مالوش علاقة بالموضوع ده، وانه كان صاين العيش والملح والعشرة الطويلة اللي بينا، ماهتمتش بكلامه، فسابني ومشي، ودلوقتي جِه دور الهانم اللي حاطة صورة القصر بتاعي وفرحانة بيه أوي ده، كأنه ملكها.. فتحت تليفوني وحاولت ابعتلها رسالة، لكنها كانت قافلة كل حاجة، ف اضطريت ابعتلها طلب صداقة، وقعدت تقريبًا نص ساعة ماسكة التليفون وببص على صفحتها، كنت مستنياها تقبل الطلب، بس في الاخر زهقت ورميت التليفون جنبي وقومت أدور على علبة سجايري، اه.. انا ماخرجتش السجاير من الشنطة، مشيت ناحية الشنط اللي كانت لسه جنب الباب، فتحت الشنطة وخرجت منها لفة كبيرة، ومن اللفة خرجت علبة سجاير، ولعت سيجارة، ومع اول نَفس منها، سمعت صوت إشعار، جريت على التليفون بسرعة، بس للأسف ماكانتش هي، ولعت السيجارة الخامسة وانا لسه ماسكة التليفون وببص فيه، كانت الساعة عشرة تقريبًا لما بدأت اهدا واحس انه مالوش داعي افضل قاعدة بالشكل ده، قومت ودخلت المطبخ عشان اعمل نسكافيه. شوفت شنطة الأكل وافتكرت إني كنت صاحية من النوم أصلًا عشان جعانة، فتحت الشنطة وخرجت وجبة من الوجبتين وقعدت على ترابيزة في المطبخ، وبدأت أكل بشراهة، وبعد ما خلصت، عملت شاي بدل النسكافيه وخدته ومشيت ناحية الليفينج، حطيت الشاي على الترابيزة وقعدت على الكنبة ومسكت الريموت، فتحت الشاشة اللي كانت متعلقة على الحيطة قدامي، واللي اتفتحت على فيلم أبيض وأسود بحبه جدًا (نهر الحب) وبدأت اتابع الفيلم، كانت الساعة قربت على 11 بالليل لما سمعت صوت غريب، بصيت على مصدر الصوت لقيته واقف عند الباب وبيبص لي، وشه مليان دم وفي ايده سكينة بتلمع!
******
دخلت الممرضة المكتب وهي بتصرخ...
- يا دكتور رفعت.. يا دكتور رفعت.
ساب رفعت المذكرات ورفع راسه وهو بيسألها بفزع...
- في ايه يا فاتن؟
ردت عليه وهي بتحاول تاخد نفسها...
- فيروز.. فيروز يا دكتور.
قام من مكانه ساعتها وسألها...
- مالها فيروز؟!
- حاولت تهرب، ولما مسكناها اتهجمت علينا وعورت ممرضة زميليتنا.
- طب هي فين دلوقتي؟
- في الجنينة بره.
خرج يجري على الجنينة وفاتن وراه، وأول ما وصل، لقى أربع ممرضين مكتفينها وهي بتحاول تتخلص منهم، قرب منها ومسك ايديها وقالها...
- ماتخافيش يا فيروز، انا جنبك ومش هسيبك ابدًا.
بصتله بنظرة غريبة وبعدين ابتسمت، وبدأت تهدأ، وقتها طلب رفعت من الممرضين انهم يسيبوها ويمشوا، وبعد كده خد فيروز ومشيوا لحد أقرب دكة في الجنينة وقعدوا عليها، كانت قاعدة بصة للارض ونظراتها زايغة، سابها لدقايق قبل ما يتكلم...
- عايزة تسيبينا وتروحي على فين؟
لفت وشها ناحيته وبصتله لثواني وبعد كده اتكلمت...
- انا ماكنتش عايزة امشي، انا كنت جايالك بس هم اللي مش فاهمين.
بدون سبب واضح خاف رفعت من جملتها ومن الطريقة اللي قالتها بيها، بس حاول مايظهرش ده قدامها، لكنه حاول برضه يجاريها في الكلام...
- طب اديني جيتلك اهو، كنت عايزاني في ايه بقى؟
- كنت عايزة اقولك إني بحبك.
اتصدم من الكلمة الأخيرة، والمرة دي ماقدرش يخبي صدمته وبحركة لا إرادية بعِد عنها...
- بتحبيني انا؟!.. انتِ لسه شايفاني وماتعرفنيش أصلًا.
دققت النظر فيه بطريقة مرعبة قبل ما تقوله بهدوء...
- مين قالك إني ماعرفكش؟.. انا عارفاك من زمان.. وبحبك برضه من زمان.. هو انت مش بتحبني؟
ماكنش عارف يقولها ايه؟.. الطريقة اللي بتتكلم بيها مش طريقة واحدة مجنونة، بالعكس، دي طريقة واحدة عاقلة جدًا وعارفة هي بتقول ايه بالظبط، يمكن تكون حالة تعلق مرضي، بتحصل عادي بين المريض والدكتور، ايوة بس ده بيكون بعد فترة طويلة من العلاج، لكن هو قابلها من يومين!.. ماكنش عارف يرد عليها بايه، شرف المهنة بيمنعه يجاريها في الكلام، بس في نفس الوقت، هو عايز يعرف برضه هي مجنونة ولا عاقلة وبتلعب بيه؟.. وعشان يعرف قرر وقتها إنه يأجل الكلام لوقت تاني وقالها...
- طب تعالي ندخل جوة ونبقى نكمل كلامنا بعدين عشان عندي شغل كتير دلوقتي، هخلصه وابقى أعدي عليكِ.
في الأول رفضت، لكن بعد ما وعدها إنه هيعدي عليها فعلًا، قامت معاه ودخلها أوضتها، بس قبل ما يخرج ندهت عليه...
- رفعت.
بصلها، ف ابتسمت بهدوء وقالتله...
- هستناك يا رفعت.. إوعى ماتجيش.
نظرتها كانت مرعبة رغم ابتسامتها، بصلها وهو بيهز دماغه في خضوع، بعدها قفل الباب ومشي بسرعة، رجع المكتب وهو بيفكر في كل كلمة وكل حركة حصلت في قعدتهم مع بعض، هي مجنونة؟.. ولا عاقلة وبتسبُك الحكاية عليه عشان يقتنع؟.. طب ممكن يكون شافها قبل كده بره المستشفى؟.. مش فاكر، اسئلة كتير كانت بتدور في دماغه بس كلها بدون إجابات، وعشان كده قرر يكمل قراية، يمكن يقدر يوصل لإجابات على كل الأسئلة، مسك المذكرات وبدأ يقرأ من تاني...
كان واقف بجسمه الضخم ده وماسك السكينة في ايده ووشه متغطي بالدم وامعائه كلها بره، نظرته كانت ثابتة في عيني، نظرة مليانة غضب، مرت ثواني كانها دهر بحاله، حسيت ببرودة في جسمي، نظرته كان فيها تهديد مخيف، بصيت للسكينة اللي كانت بتلمع في ضوء الشاشة، وحسيت ان ضربات قلبي بتعلى، غمضت عيني، واستنيته يقرب مني ويغرس السكينة في قلبي، انا.. انا هموت بالبطئ، اتمنى ماحسش بالوجع، بدأت أسمع صوت أنفاسه، حركته بطيئة جدًا، انفاسه بتدغدغ اعصابي، حطيت ايدي على عيني عشان ماشوفش خياله من ورا جفوني، استنيت الموت.. خطوة.. اتنين.. تلاتة.. اربعة.. هموت دلوقتي.. خمسة.. حسيت بالدموع بتجري على خدي.. ستة.. نفسي بيتخنق.. سبعة.. شامة ريحته في المكان.. تمانية.. ريحة قذرة.. تسعة.. انكمشت على نفسي.. عشرة، اختفى.
ببساطة اختفى، بنفس البساطة اللي حسيت بيها وانت بتقرأ دلوقتي، اختفى لكن نظرته ماختفتش من ذاكرتي أبدًا، دي فضلت معايا وبتطاردني في أي مكان أروحه، وكل مرة بفتكرها، بخاف منها كانها أول مرة اشوفها.
قدرت اتنفس واستوعب الموقف بعد عشر دقايق تقريبًا، كنت خايفة، لكني فَضلت إني ما اتحركش من الاوضة، انا ماعرفش هو راح فين وممكن اقابله تاني ولا لا، وعشان كده فضِلت قاعدة مكاني، بس بعد دقايق الفضول بدأ يتسرب جوايا، انا عارفة كويس إن الفضول في الحالات دي بيقتل صاحبه، ايوة.. انا مش هغامر بحياتي زي ابطال هوليوود واروح ادور على الشبح، وماخبيش عليك، انا اجبن ١٠٠ مرة من انه يحركني فضول قاتل زي ده، قومت من على الكنبة بحذر وانا بتلفت حواليا، بصيت بره يمين وشمال، ولما مالقتوش، قفلت الباب عليا بهدوء عشان مايسمعنيش ويرجع، فتحت كل الأنوار اللي في الاوضة وسيبت التلفزيون شغال، دورت على تليفوني، بس افتكرت ساعتها اني سيبته بره، غبية.. غبية، انا اتحبست هنا للصبح، ده لو هيمشي الصبح زي كل العفاريت المحترمين اللي بنسمع عنهم، يارب يكون محترم زيهم ويمشي، حاولت انام، ماقدرتش، نظراته مش بتفارق خيالي، وكل ما اغمض عيني الاقيه قدامي، بس حقيقي ماعرفش انا نمت امتى او ازاي؟.. كل اللي اعرفه اني فوقت على صوت تصفير، الصوت كان بيتضح تدريجيًا مع انفراجة جفوني، الرؤية كانت مشوشة، لكن واحدة واحدة بدأت اجمع على ضوء الشاشة صورة لكيان اسود واقف قدامي، كان بيصفر بهدوء شديد وكإنه بيعزف مقطوعة حافظها كويس جدًا، اللحن كان بيلعب براسي بشكل غريب، بدأت احس انه بيتملك من جسمي ببطء، حاولت اقاوم، ماقدرتش، كان عارف هو بيعمل ايه بالظبط، وخليني أوصفلك الكيان ده زي ما شوفته، طفل.. اعتقد كده إن عنده حوالي عشر سنين، شعره ناعم، ماقدرتش أحدد لونه بسبب الإضاءة الباهتة، مع اني متأكدة إني كنت فاتحة كل الأنوار، بس اعتقد كده إن لون شعره بني، عينيه واسعة بشكل جميل، لابس هدوم دايبة وان كان باين عليها انها من نوع غالي، لا إراديًا بدأ جسمي يتحرك مع اللحن، قومت وقفت قدامه في خضوع وانا مستنية أوامره، اتحرك ببطء وانا وراه، خرج من الباب المفتوح على اخره، مش عارفة مين اللي فتحه كده!.. اللحن كان ساحر، كنت ماشية وراه زي مملوك بيتبع سيده، راح ناحية أوضة المكتب وفتح الباب بكل هدوء ودخل وانا وراه على طول، الأوضة ضلمة جدًا، لكن باشارة واحدة من ايده الاباجورة نورت، اتحرك ناحية المكتب وانا برضه وراه، ووقف قدام الورق، ساعتها رقبتي لاإراديًا نزلت ناحية رزمة ورق محطوطة على المكتب وقريت، وكان مكتوب على أول ورقة "النزيل 101".
اللحن اتغير وساعتها فوقت من السحر اللي كنت فيه، لقيته بيشاورلي عشان اقعد علي الكرسي، قعدت بخوف وبدأت في قراية الصفحة التانية واللي كان مكتوب فيها الآتي...
"مرحبا بك أيها النزيل، اعلم بإنك علي وشك الدخول الى عالمي، ستدخل مجبرًا ولن تخرج الان، سيتحتم عليك الاستسلام، ولكن.. عليك أن تقرأ أولًا، خلاصك في كلماتي، نجاتك في عقلك".
الكلمات دي كانت كفيلة تخليني اموت في مكاني أو اهرب فورًا، لكن للأسف نظرة من عينيه الواسعة كانت كافية إني مافكرش في أي حل من الحلول دي، حسيت انه لسه قادر يتحكم في جسمي، ويدوب ساب لي حرية التصرف في عيني وحرية التفكير بعقلي، مش قادرة افهم هو ازاي بيتحكم في جسمي كده؟.. اتقلبت الصفحة قدامي لوحدها وكان مكتوب...
"أعتذر لك عن قلة الراحة في هذا القصر، لم تنم جيدًا، أليس كذلك؟!.. هذا هو الحال هنا.. فالموتي لا ينامون، أعلم.. أعلم بإنك لم تمُت، ولكنك ستفعل بعد قليل ... ستموت"
حسيت بضربات قلبي بتزيد بسرعة ونفسي بيتخنق، المرة دي قومت وقفت، واول مالقيت جسمي اتحرر، جريت على الباب من غير ما ابصله، لكن وبنفس السرعة، الباب اتقفل بعنف، في اللحظة دي عيطت، رجلي مش شايلاني، جسمي كله بيتنفض، قرب مني ومسك طرف هدومي وشده مرتين، عيطت أكتر، عيطت وانا بتوسل له "أرجوك انا مش عايزة أموت.. مش عايزة أموت".. شد هدومي مرة تانية، لكن المرة دي بإلحاح، لفيت وشي وانا مغمضة عيني، مش عايزة اشوفه، مش عايزة عيني تيجي في عينيه واستسلم للموت بإرادتي، حسيت بايده بتمسك ايدي، مشي بيا كام خطوة، كنت ماشية معاه وانا ببكي في صمت، وقف، وفجأة لقيته بيزقني عشان اقعد، قعدت على الكرسي، والغريبة اني اول ما قعدت، حسيت بايده بتمشي على خدودي وبيمسح دموعي، كنت لسه مش عايزة افتح عيني، لكن الخوف بيدمر أعصابي، لمسته كانت حنينة جدًا، المرة دي الفضول خلاني افتح عيني، لقتني قاعدة على الكرسي قدام المكتب وهو واقف قدامي بيبكي، الدموع مغرقة وشه، لكنه ماكنش مهتم بيها وكان بيمسح دموعي انا، انهرت في العياط اكتر، قرب مني وباسني على جبيني، وبعدها ماعرفش ايه اللي حصل؟.
لما فتحت عيني لقيت نفسي نايمة على الكنبة، بس الغريب إني كنت حاسة بلمسته على خدي، هو كان حلم ولا حقيقة؟.. نور الشمس منور الأوضة، والتلفزيون لسه شغال عليه فيلم نهر الحب، باب الأوضة كان مقفول، شكله كان حلم مرعب، بس الحمد لله اني فوقت منه.
اتنهدت براحة وقومت عشان ادخل الحمام، لكن وانا داخلة الحمام لمحت باب أوضة المكتب مفتوح، اتجمدت مكاني وانا ببص عليه، فكرت وقتها إني ادخل واشوف ايه اللي جوة، بس لا، انا مش هعمل كده، دخلت الحمام وقفلت الباب، وبعد دقيقة واحدة تقريبًا، لمحت خيال من تحت عَقب الباب، بعدها حسيت وكإن في حد بيبص من خرم الباب، حاولت انجز واقوم بسرعة، وبعد ما قومت وفتحت الباب، مالقتش حد، نفخت بارتياح ولفيت عشان اغسل ايدي ووشي، فتحت الحنفية وبدأت اغسل ايدي، وفي اللحظة دي عيني جت في المرايا، صرخت بصوت عالي ورجعت لورا، بس بعد ثواني قربت من المراية تاني وانا بمشي ايدي على وشي، كنت بحاول اتأكد من اللي شوفته، على وشي بصمات ايديه كانت واضحة، وعلى جبيني أثار شفايفه، كان لونهم اسود زي الفحم، وقفت مكاني لدقايق وانا بحاول استوعب الموقف، بعدها فوقت ونزلت براسي ناحية الحوض وبدأت اغسل وشي، الاثار كانت بتتمسح بصعوبة شديدة، لكن في الاخر راحت كلها، خرجت من الحمام وانا حاسة برعب شديد، وساعتها عيني جت على أوضة المكتب تاني، لازم ادخل واعرف ايه اللي بيحصل، مشيت ناحية الأوضة، كنت مترددة، بس جوايا احساس بيقولي إن الموضوع ده مش هينتهي غير لما اعرف كل حاجة.
******
"فيروز وراها سر كبير، مش مجرد حالة بتدعي المرض" كتب رفعت الجملة دي في ورقة قدامه، بعدها قام عمل كوباية قهوة ورجع لف سيجارة تبغ وولعها، وبدأ يقرأ في المذكرات من تاني...
اترددت كتير في الدخول، الخوف أقوي من اني اتغلب عليه، لكن جت في دماغي عِبارة "خلاصك في كلماتي..نجاتك في عقلك" وده معناه إني لازم اقرأ لو عايزة اعيش، وخدت أخيرًا أول خطوة جوة الأوضة، الجو كان برد مع اننا في الصيف، أو يمكن انا اللي حسيت كده بسبب ارتفاع الادرينالين، ماكنش فيه حاجة غريبة تلفت الإنتباه، بس لمحت على كرسي محطوط في الزاوية دبدوب أسود شكله غريب، قربت منه، وساعتها اتفاجئت إن في عين من عينيه مش موجودة، باين كده إن حد حاول يصلحها فحط مكانها زرار بدلة، حاولت المس الدبدوب، بس قبل ما ايدي توصله، سمعت صوت قوي، لفيت بسرعة، اكتشفت إن الباب هو اللي اترزع بعنف واتقفل، يمكن الهوا اللي عمل كده!.. طبعًا كنت بقنع نفسي بالكلام ده، المهم لفيت تاني للدبدوب، بس.. بس ماكنش موجود، الموضوع مابقاش يطمن أبدًا، انا لازم اقرأ عشان اخلص من اللي بيحصل ده، بصيت على المكتب، كان الورق لسه موجود زي ماهو، مشيت ناحيته وقعدت على الكرسي، وفي اللحظة دي حسيت بأنفاس باردة على رقبتي، لفيت وشي بسرعة، لكن ماكنش فيه غير الفراغ، ماهتمتش ولفيت وشي وبدأت اقرأ، وده اللي كان المكتوب...
"انا كمال عاطف، كنت عايش مع امي وجوزها اللي جِه بعد ابويا، بصراحة عمو رشيد كان طيب جدًا معايا، دايمًا بيقعد يلعب معايا، ولما كنت بنام كان بيجي ينام جانبي ويحكيلي قصص وهو بيلعب في شعري لحد ما اروح في النوم، عمو رشيد في التلاتينات تقريبًا، أمي كانت بتحبني جدًا وبتخاف عليا، وده بعد ما عِرفِت إن عمو رشيد مابيخلفش، انا سمعتها في مرة بتتكلم معاه في الموضوع ده، وعشان كده كانت بتخاف عليا من أي حاجة، أمي كانت بتشتغل طول اليوم، كانت بتخرج الصبح ومابترجعش غير المغرب، أما عمو رشيد، فكان بيخرج معاها الصبح بس بيرجع عالضهر، ومن ساعة ما يرجع بقى بيفضل قاعد معايا، نلعب ونضحك ونعمل الغدا سوا، كإن ربنا عوضني بيه عن ابويا، وعوضه بيا عن موضوع الخِلفة ده، وفي يوم لقيت عمو رشيد راجع من بره ومعاه شنطة هدايا كبيرة، حطها على الترابيزة قدامه وبعدين ندهلي، جريت عليه بسرعة وبلهفة الأطفال وانا عيني مركزة على الشنطة، ولما سألته وقولتله، فيها ايه الشنطة دي؟.. شالني وقعدني على رجليه وهو بيمسح على شعري وقالي بابتسامة.. تفتكر جيبتلك ايه؟.. رفعت كتافي ببراءة في اشارة مني إني مش عارف، ابتسم مرة تانية وفتح الشنطة وخرج منها دبدوب قطن، لونه اسود بشع، شكله مقرف، بصيتله بخيبة أمل، فسألني..
- ايه!.. ماعجبتكش الهدية؟
- لا مش حلوة، وشكلها يخوف اوي.
- لا ماتخافش، ده دبدوب جميل، صحيح هو لونه أسود بس هيسليك.
- طيب.
نزلني من على رجليه واداني الدبدوب، في اللحظة دي اتفاجئت لما لاقيت الباب بيتفتح وشوفت امي داخلة، جريت عليها بسرعة، نزلت على ركبتها وحضنتني، وريتها الدبدوب، وساعتها بصت عليه باشمئزاز وسألتني...
- مين اللي جابلك القرف ده؟
- عمو رشيد.
قامت وقفت ومشيت بيا لحد الصالون اللي كان قاعد فيه عمو رشيد، سلم عليها، لكنها ماردتش وطلبت مني اطلع أوضتي، وفعلًأ نفذت كلامها، بس مش بالظبط، انا وقفت على السلم عشان اسمع هم هيقولوا ايه؟.. كانوا بيتكلموا بصوت عالي، مش فاكر كانوا بيتخانقوا ليه بالظبط، بس اللي فاكره إنه كان موضوع مهم وهي رجعت بدري مخصوص من الشغل عشان تتكلم معاه فيه، وفي وسط الكلام سمعت أمي بتزعق لعمو رشيد عشان الهدية الوحشة دي، وبعدها سمعت صوت خطواتها جاية ناحية السلم، فجريت بسرعة على أوضتي، ودخلت وانا شايل الدبدوب في ايدي، منظره كان يقبض القلب، حطيته على الكرسي اللي جنب السرير، وقعدت العب بالالعاب التانية، بس غصب عني كنت كل شوية أبص عليه، مرت الأيام والدبدوب مكانه، وكل شوية ابص عليه واخاف اقربله، وعمو رشيد كان زي ماهو، بيلعب معايا وبالليل بيجي الأوضة يحكيلي حكاية لحد ما أروح في النوم، وأمي برضه كانت زي ماهي، بتخرج الصبح وبترجع المغرب، تقعد معايا شوية صغيرين وبعدين تسيبني وتنام، لحد ما جت ليلة ممطرة، ليلة فاكرها كويس أوي."
في اللحظة دي سمعت الباب بيتفتح وهو بيزيق، رَفعت راسي، لقيته اتفتح حتة صغيرة، قومت ناحية الباب عشان اشوف ايه اللي بيحصل، فتحت الباب على أخره، مالقتش حد، بس لاحظت إن الأثاث اتغير، شكله بقى اقدم، خرجت من الاوضة اللي فجأة حسيت انها دخيلة على القصر من كتر حداثتها جنب الأثاث ده، مشيت خطوتين وبصيت على الحمام، لكنه ماكنش موجود ومكانه كان في حيطة، حيطة متعلق عليها صورة لإحدي السيدات العرايا، شكلها بيرجع للعصر الروماني، وقدام الحيطة كان في جرامافون كبير، القاعة كمان اختلفت بالكامل، وقدام السلم كان في تمثال من الجرانيت شكله مسروق من واحد من المتاحف، وقدام التمثال من الناحية التانية، كان في صالون دهبي ضخم، الكنبة الكبيرة كانت ساندة على الجدار اللي في الوش، ومتعلق فوقيها لوحة لواحد من الفنانين المشاهير دي "لوحة العشاء الاخير" لو لم تخونني ثقافتي يعني، وعلى اليمين كرسين كبار زي أسدين قصر النيل، ووراهم بعض التحف الفنية، وعلى الشمال كرسيين زيهم، المساحة كانت فاضية كلها تقريبًا، ماعدش في وجود لأي أوض، حتى المطبخ مكانه اتغير، ماهتمتش ادخله وطلعت لفوق، البرق نوره كان معدي من باب القصر وبينور السلم قدامي، وصوت الرعد كان مرعب، الممر اللي بين الأوض كان ضلمة بشكل مخيف، فتحت باب أول أوضة قدامي ودخلت، كانت ضلمة كحل، لكن بعد دقيقة، البرق رجع من تاني، وساعتها شوفت الشباك وفي طفل واقف قدامه، رجعت بضهري لورا وخبطت في الباب، فضِلت اراقبه في صمت، ماتحركش من مكانه وماحسش بوجودي، كان بيمشي ايده على ازاز الشباك وكإنه بيلاعب المطر، اتنفضت فجأة لما سمعت صوت خطوات جاية ناحية الأوضة، بصيت حواليا بسرعة وجريت ناحية الشماعة واستخبيت وراها، وفي نفس اللحظة شوفت الطفل بيجري وبيستخبى تحت الغطا، الباب اتفتح ودخلت ست في اواخر العشرينات، كانت لابسة روب طويل وشعرها نازل على كتفها، دخلت وبصت على السرير من بعيد وقالت بصوت مسموع...
- لحقت تنام؟.. خلاص، انا همشي ومش هحكي حدوتة النهاردة.
رفع الطفل رأسه بسرعة وقال بلهفة...
- لا مانمتش يا مامي، تعالي احكيلي الحدوتة.
ابتسمت الست وهي بتقرب من السرير، بعدها حضنت الطفل ونامت جنبه وبدأت تحكي الحدوتة وهي بتلعب في شعره، كنت حابسة انفاسي ورا الشماعة، وبعد حوالي ربع ساعة، نام الطفل، باسته الست على جبينه وشدت عليه الغطا وخرجت، واول ما الباب اتقفل خرجت من ورا الشماعة وبدأت أدور في الأوضة على أي حاجة تساعدني افهم ايه اللي بيحصل، ماكنتش عارفة بدور على ايه، لكن فجأة لقيته قدامي، الدبدوب، في نفس المكان اللي الولد قال عليه، قاعد على الكرسي، لاحظت إن عينيه سليمة، مش زي ماشوفته أول مرة في المكتب، بصيت له شوية وكنت حاسة إن هو كمان بيبص لي، كان موقف مرعب، خصوصًا لما البرق نور الأوضة، وقتها ظهر خيال ضخم لثواني واختفي، وفي الكام ثانية دول، سمعت صوت خطوات بتقرب من الباب.. المرة دي نزلت تحت السرير، ماكنش في وقت ارجع للشماعة، ووانا نايمة على الأرض، شوفت رجلين بتقرب من السرير، وقفت قدامي بالظبط، فضلِت كده حوالي خمس دقايق وبعدها لفت حوالين السرير، لفيت معاها بعيني وانا تحت السرير لحد ما وقفت قدام الكرسي اللي عليه الدبدوب، وساعتها سمعت صوته، كان صوت راجل، اعتقد رشيد لاني سمعته بيقوله...
- أنت اللي بعدته عني، دبدوب حقير زيك بقي بالنسبة له أهم مني، وللاسف انا اللي جيبتك بنفسي.. بس خلاص، جه الوقت اللي هخلص فيه منك، وللأبد.
اتحرك رشيد بهدوء وخرج وقفل الباب، طلعت بسرعة من تحت السرير، وزي ماتوقعت، الدبدوب ماكنش موجود مكانه، رشيد خده عشان يخلص منه، وقتها سمعت صوت ورايا، لفيت وشي، وساعتها شوفت كمال صحي، كان قاعد على السرير وبيفرك في عينيه، اتجمدت في مكاني عشان مايحسش بيا، يمكن ينام تاني، بس لقيته بيبص على الكرسي وكإنه بيطمن على الدبدوب، اتفاجئ إنه مالقهوش، وفي رد فعل غريب، شال الغطا وقام بهدوء وهو بيقول "تاني ياعمو رشيد، قولتلك ١٠٠ مرة سيب عزت في حاله عشان هيأذيك".. عدى من قدامي لدرجة إني حسيت بجسمه بيلمس جسمي، راح ناحية الكومودينو وخرج لفة قماش، وساعتها شوفت تميمة شكلها غريب مكتوب عليها كلام، جابها وقعد على الأرض قدامي، وبعدها رفع راسه ناحيتي وبص لي، بلعت ريقي بصعوبة، نظرتي لُه كانت مليانة رعب، أما نظرته، فكانت مليانة خوف، بص لي شوية وبعدها قالي...
- ماينفعش تكوني هنا دلوقتي، لازم تمشي حالًا.
ماكنتش عارفة أعمل ايه؟.. لكنه مادنيش فرصة افكر وصرخ في وشي "قولت دلوقتي حالًا".. جريت بسرعة من الأوضة، بس بصيت عليه بصة أخيرة قبل ما اقفل الباب، وساعتها لاحظت ان عينيه اتحولت للون الأبيض، وبدأ يتمتم بكلام مش مفهوم، قفلت الباب من الخوف، وفضِلت ماسكة الأوكرة وكإني بتأكد ان التعويذة دي مش هتخرج من الأوضة وتقتلني، لفيت وشي عشان امشي، لكن ساعتها.. ساعتها شوفت عزت أو الدبدوب ده واقف قدامي، بص لي لثواني وبعدها عدى من بين جسمي وكإنه سراب، فتح الباب ودخل الأوضة، وبعدين قفل الباب تاني، في اللحظة دي أغم عليا، ولما فوقت، قولت يارتني لو مافوقتش.
******
في اللحظة دي دخلت ممرضة من الممرضات وهي بتصرخ...
- دكتور رفعت، تعالى معايا بسرعة.
- في ايه؟
- فيروز منهارة في اوضتها.
قام بسرعة من مكانه، خرج من المكتب وراح لأوضة فيروز، أول ما دخل لقى فاتن قاعدة على السرير وفيروز نايمة في حضنها، بص لمنظرهم وساعتها فاتن شاورتله فيما معناه انها نامت، ثواني وسندت راس فيروز على المخدة وبعدها اتسحبت بهدوء وخرجت بره، بص رفعت على فيروز وحس بالشفقة عليها، كان بيسألها في سره، ياترى شوفتي ايه وصلك لكده؟.. قفل النور وخرج بره الأوضة وشد الباب، وساعتها سأل فاتن...
- ايه اللي حصل؟
- ماعرفش يادكتور، انا سمعتها مرة واحدة بتصرخ وبتتشنج، جريت عليها وساعتها شوفتها نايمة في السرير ومتكلفتة بالبطانية وبتتنفض ياحبة عيني، واول ما رفعت الغطا، صوتت أكتر وحاولت تبعد عني، لحد ما فوقتها ولما شافتني اطمنت، بعد كده قالتلي انها سمعت حد بيخبط، وكانت شايفة خياله من تحت عقب الباب، وبعدين شافت الأوكرة بتتحرك بعنف والشخص ده بيحاول يقتحم الأوضة، ماكانتش عارفة تعمل ايه.. كل اللي قدرت عليه انها تخبي نفسها تحت الغطا، بس شوية وحست بيه وهو بيفتح الباب وبيقرب منها، وساعتها صرخت.
رفعت كان مستغرب اللي فاتن بتحكيه، بس كل اللي قالهولها...
- خليكِ قريبة منها يافاتن وماتسيبهاش غير لما تتأكدي انها نامت.
- والله انا جنبها دايمًا يا دكتور.
- تمام.
رجع المكتب بعدها وساعتها عينيه جت على المذكرات وحس انه لازم يكمل قراية عشان يفهم أكتر، ف فتحها وده اللي كان مكتوب...
"فتحت عيني عشان الاقيني نايمة على الأرض في الممر بين الأوض، حاولت اقوم، لكن راسي كانت تقيلة جدًا زي مايكون في حد خابطني على دماغي، قاومت الدوخة وعدلت جسمي، بس فجأة شوفت قدامي حاجة خلتني اتجمد في مكاني، خيال.. خيال بيقرب ببطء، رفعت راسي عشان اشوف خيال مين، شوفت راجل قاعد على كرسي وبيحركه بايديه ناحيتي، وشه كان من غير ملامح، وعينيه.. عينيه كان في واحدة منهم مش موجودة ونازل من تجويف العين دم كتير مغرق صدره، حركة ايده كانت بطيئة وهو بيحرك الكرسي وكأنه مُنهك، فضِل يزحف بالكرسي لحد ما وشي بقى في مستوى ركبته، رجعت بجسمي لورا شوية عشان اشوف وشه، بص لي لثواني من غير ما يتكلم، بعدها لقيته بيحط ايده على العجل وبيتحرك تاني، في اللحظة دي خدت وضع دفاعي، بس لقيته بيتحرك ناحية أوضة كمال، فتح بابها ودخل واختفى جواها، وقعت على الأرض وانا منهارة في العياط، أصعب حاجة لما تحس بالعجز، كنت حاسة وقتها اني عايزة أموت واخلص من كل ده، نزلت تحت وقررت اني مش هطلع الدور التاني ده أبدًا، دخلت أوضة المكتب وبصيت على المذكرات وانا بقول في سري.. دي لعنتي اللي لازم اخلص منها، بس مش هقدر اخلص قبل ما اقرا المكتوب فيها، قربت من المكتب وقعدت على الكرسي وبدأت اقرا تاني وكان مكتوب الآتي...
"ايها النزيل.. انت بتعيط!.. بتعيط ليه من دلوقتي؟.. لسه بدري على العياط.. انت لسه ماشوفتش الحقيقة كاملة، اللي جاي أفظع وأبشع، بالمناسبة، شوفت اللي عمله رشيد؟.. حاول يتخلص من عزت، اربع سنين بيحاول يتخلص منه، مع اني حذرته كتير، لكنه ماكنش بياخد تحذيري بجد، رشيد غبي وهيأذي نفسه، انا كنت بحبه جدًا، بس عزت قالي انه بيأذيني، مش عارف ازاي!.. وعشان عزت عمره ماكدب عليا فانا مصدقه، المهم خليني دلوقتي اكملك بقية الحكاية، ليلتها قومت من النوم وبصيت على الكرسي اللي جنب السرير، مالقتش عزت، دورت عليه في الأوضة كلها بس مالقتوش، ساعتها عرفت إن كلامه صح، هو قالي إن رشيد هيحاول يتخلص منه، وعشان كده اداني تميمة، وقالي لو رشيد حاول يخلص منه اقرأ المكتوب على التميمة دي، وعملت اللي قال عليه بالظبط، بعد كده قعدت مستني النتيجة، وفعلًا شوية ولقيته داخل من الباب وقعد مكانه بكل هدوء، بصيتله وانا مبتسم، ابتسم في وشي وغمزلي بعينيه، بس ساعتها الابتسامة اختفت من على وشي، لاني لاحظت إن عين عزت الشمال مش موجودة، قربت منه ومشيت ايدي مكان عينيه المخلوعة، اتألم شوية، بس رجع بعدها وقالي...
- ماتخافش انا هبقى كويس.
- لا انا لازم اعالجك بسرعة.
روحت ناحية الكومودينو وخرجت علبة صغيرة محتفظ بيها، كان فيها دبابيس البدلة بتاعت بابا، وفي العلبة دي لقيت زرار من زراير البدل، خدت الزرار ورجعت العلبة مكانها، وفي نفس الدرج كان في إبرة وفتلة، خدتهم وروحت ناحية عزت، وكان لسه بيتألم، لكنه محتفظ بابتسامته عشان مايقلقنيش، فاكر اني مش حاسس بوجعه، حطيت الزرار مكان عينيه، بعدها غمضت عيني نص تغميضة وانا بحاول ماشوفش المنظر، مديت ايدي بالإبرة وعديتها من فتحة الزرار، حسيت بجسم عزت بيتنفض تحت ايدي، وعشان كده وقفت العملية، لكنه مسك ايدي وطلب مني ابقى شجاع واكمل، بصيت له بدموع وقولتله...
- عشان خاطرك هعمل اي حاجة.
مسحت دموعي وفتحت عيني وبدأت أركز عشان مايحسش بالوجع مكان الإبرة، كنت بعرق بشكل فظيع، وكنت بخيط الغرزة العاشرة تقريبًا لما بصيت على ايدي، وبعدها رجعت كل اللي في بطني جنب السرير، منظر بشع، اتعدلت بعد ماخلصت ترجيع وكملت العملية، وفي ربع ساعة كانت عين عزت الجديدة ركبت في مكانها، بس عزت نفسه كان أغم عليه من الوجع، نيمته في السرير وشديت عليه الغطا وفضلِت سهران طول الليل جنبه عشان اطمن عليه، والصبح لما صحي لقاني قدامه، حركت ايدي قدام وشه ولما اتاكدت انه شايف بالعين الجديدة، حضنته من الفرحة، قالي ساعتها انه مبسوط عشان انا أول واحد هو شافه بالعين الجديدة اللي ركبتهاله، انا كمان كنت مبسوط ان العملية نجحت، بعدها وعدته إني هجيبله حقه من عمو رشيد، لكنه طلب مني استنى كام يوم لحد ما هو اللي يرتب للموضوع، ف وافقت على كلامه وطلبت منه ينزل معايا تحت عشان نفطر، بس قالي إنه مش عايز يشوف رشيد دلوقتي خالص، وانه محتاج ينام، شديت عليه الغطا، وقبل ما اسيبه قولتله بابتسامة "عينيك الجديدة بتلمع" ضحك بالعافية وقالي اسيبه عشان ينام، ف سيبته وقفلت عليه باب الأوضة ونزلت.
تحت كان عمو رشيد قاعد على الكنبة، دخلت قعدت قدامه من غير ما اتكلم ولا كلمة، وهو كمان بص لي وماتكلمش، كان في لعبة بازل على الترابيزة خدتها وقعدت على الكرسي اللي قصاده وبدأت ارتبها، اما هو، فرفع الجورنال قدام وشه ومانزلوش أبدًا، كنت ببص عليه من وقت للتاني، وفي مرة لاحظت ان في جرح في ايده الشمال، ماكنش جرح عميق، بس شكله جرح سكينة، ياترى عزت هو اللي عمل فيه كده؟.. بس عزت قالي إنه مش هينتقم منه دلوقتي، ممكن يكون هو اللي عور نفسه وهو بيحضر الفطار، بصراحة ماهتمتش لاني كنت فرحان باصابته، واتمنيت انها لو كانت في عينيه عشان يحس باللي عزت حس بيه، بصيت بين ايديا لقيت البازل اترتبت، أخيرًا قدرت أرتبها"
يتبع في الجزء الثاني...
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل
