القائمة الرئيسية

الصفحات

التنقل السريع

    سالم ليزا زغلول قصص رعب

    بقلم الكاتبة: ليزا زغلول

    (اسعااااااااااااااااااف، جدي بيروح مني)

    لما صرخت، كل الناس كانوا واقفين بيتفرجوا وماحدش فيهم حاول يمد ايده ويساعدني، بصيت لجدي اللي جسمه كان مليان جروح وقولتله...
    - جدي.. قوم يا جدي بالله عليك، خليك معايا عشان خاطري، أنا ماليش حد غيرك في الدنيا ...ماتسيبنيش.
    كان ماسك في كف ايدي ومتبت أوي وبيتكلم وهو مش قادر، بس أنا ماكنتش سامع منه حاجة لأن صوت السرينة بتاعت عربية الاسعاف وهي داخلة علينا كان عالي جدا، شديت على ايده وأنا بحاول إن صوتي مايبنش انه مهزوز...
    - خلاص يا جدي الاسعاف وصلت أهي، اطمن، إن شاء الله كل حاجة هتبقى كويسة وأنت هتبقى تمام وبخير، مش هتموت يا جدي صدقني.
    ركبت معاه الاسعاف اللي اتحركت بسرعة على المستشفى، لكن جدي كان طول الطريق بيحاول يقولي حاجة، بس الماسك اللي على وشه كان مانعه، ومع محاولة جدي للكلام، الدكتور اللي كان موجود في عربية الاسعاف بصلي وقالي...
    - أنا هحقنه بمهدئ خفيف لأنه لو فضل يتحرك كده، دمه هيتصفى على ما نكون وصلنا.
    - تمام.. اللي أنت شايفه صح اعمله.
    حقنه بمادة مهدئة واستسلم للنوم، وأول ما وصلنا بيه المستشفى دخلوه على أوضة العمليات، وبعد دخوله، فضلت واقف على رجلي جنب الباب، كنت خايف ومرعوب لا يروح مني زي أبويا وأمي، القلق والتوتر اللي كنت حاسس بيهم في الوقت ده، ماكنوش مخليني قادر اخد نفسي أو حتى أفكر في اللي ممكن يكون حصل لجدي على المركب، ووصله للحالة اللي هو فيها دلوقتي.. كل شوية كنت ببص في الساعة، عدي تقريبا نص ساعة كأنها ساعات كتير، الوقت كان بيعدي ببطء وأنا واقف على أعصابي ومش قادر أستحمل، بس فجأة، باب أوضة العمليات اتفتح وفي ممرضة خرجت منه، وقفتها وحاولت أتمالك نفسي وسألتها بخوف...
    - طمنيني على جدي، هو عامل إيه دلوقتي؟
    - ادعيله، حالته حرجة جدا لأنه نزف دم كتير.
    - طيب هو هيخرج من العمليات امتي؟
    - لسه بدري.. دكتور الجراحة بيخيط الجروح اللي كانت في جسمه وبعد كده هيعملوله قسطرة للقلب، وده عشان الرسم اللي اتعمله جوه بَين إن الحاج عنده مشاكل في القلب ومحتاج تدخل جراحي حالا.
    - طب والعملية دي خطيرة؟.. يعني هتاخد وقت كتير؟
    - في العادي القسطرة مابتاخدش وقت وبتبقى سهلة جدا ومافيش منها خطر، بس جدك نزف كتير، والقسطرة دي على حسب، يعني وهم بيعملوها لو احتاجوا يركبوا دعامات، اه هتاخد وقت كتير، فحاول تستريح على كرسي من الكراسي اللي هناك دي وأنا هجيبلك الإقرار تمضيه وادعيله إن ربنا يطلعه منها على خير، أستأذنك بقى عشان أستعجل دكتور القلب.

    مشيت وسابتني واقف مصدوم، بصيت لباب أوضة العمليات بقلة حيلة وماكنتش عارف أعمل إيه؟.. الوقت كان بيعدي ببطء فظيع، ولما حسيت إن رجليا مابقتش شايلاني، قعدت على الأرض في نفس المكان اللي كنت واقف فيه، بالنسبالي الكراسي اللي في نص الممر دي بعيدة أوي وأنا عايز ابقى جنب جدي وخلاص، ومع قعادي، الممرضة رجعت ووقفت قدامي ومدتلي ايدها بكام ورقة...
    - امضي عليهم عشان نبدأ عملية القسطرة.
    خدت منها الورق ومضيت عليه من غير ما أقراه، بعدها قعدت تاني على الأرض وغمضت عيني من كتر التعب، غصب عني سندت راسي على الحيطة وأنا بقول بصوت مسموع...
    - يا رب، اشفيه ونجيه من اللي هو فيه عشان خاطري.. يارب، أنا ماليش غيره.

    ******

    المكان من حواليا كان ضلمة أوي، ناديت على جدي كتير بس هو ماردش، حاولت أقوم من مكاني وأدور على أي زرار نور في الحيطة اللي كانت ورايا، بس الحيطة كانت طويلة أوي.. ففضلت حاطط ايدي عليها وماشي لحد ما استوعبت اني في ممر، مش أوضة زي ما كنت فاكر، أنا قبل ما أغمض عيني كنت قاعد على الأرض جنب أوضة العمليات ومستني جدي يخرج بالسلامة، معقولة أنا لسه في نفس الممر؟.. طب هو المكان بقى ضلمة كدة ازاي، والناس اللي كانوا هنا راحوا فين؟... سمعت صوت خطوات جاية من ورايا، وقفت جنب الحيطة عشان ماحدش يخبط فيا وفتحت عينيا على وسعها، بس برضه ماشوفتش حاجة من الضلمة، حسيت بنفس بارد بيخبط في وشي، كان في حد واقف قدامي وانا مش شايفة، بس من غير مقدمات، سمعت صوت ضحكة، صوت خبيث، ماعرفش حسيت ليه ساعتها إن الصوت ده مش طبيعي..

    - سالم، يا سالم، هههه، أنا هنا يا سالم... أنت مش شايفني؟

    أنا فعلا ماكنتش شايف حد، صاحب الصوت كان مستفز، لوشت بايدي شمال ويمين عشان أعرف ده واقف فين، بس ماوصلتش لحاجة.. وفجأة، جسمي كله اتنفض وحسيت بالبرد بيزحف في جسمي .
    فتحت عيني بضعف لقيت الممرضة واقفة قدامي...
    - قوم اقعد على الكراسي، ماينفعش تقعد على الأرض كده، لو الدكتور خرج ولقاك بالشكل ده هيبهدلني، أنت بقالك خمس ساعات قاعد نفس القعدة دي.. قوم، هيجيلك رطوبة من البلاط.
    اتسندت على الحيطة وقومت وقفت، جسمي كله فعلا كان مكسر، وبعد ما قومت وخدت نفسي رديت عليها بتعب...

    -ماليش دعوة، انا مش هتحرك من هنا إلا لما تطمنيني على جدي الأول.
    - ماتخافش، جدك الحمد لله كويس والعملية بتاعته عدت على خير، هم بس بيقفلوا الجرح وهيخرج على طول.
    - طب انا عاوز اشوفه لو سمحتي.
    - مش هينفع دلوقتي خالص لأنه هيطلع على العناية وهيفضل تحت الملاحظة شوية، لما يتنقل لأوضة عادية، ممكن تشوفه في وقت الزيارة.
    - أنا عايز أطمن عليه مش أكتر.
    -ماشي، لما حالته تسمح هبقى أدخلك العناية تبص عليه، اقعد على الكراسي اللي هناك ده بقى، ماتجبليش الكلام.
    - ماشي.. حاضر.

    روحت قعدت على أقرب كرسي لأوضة العمليات وعنيا كانت متعلقة بالباب، الباب اللي أول ما اتفتح جريت على الدكتور اللي خرج منه وقولتله...

    - طمني يا دكتور؟
    بص للممرضة وقالها ...
    - مين ده؟
    - هو ده اللي جاب الحالة يا دكتور.
    - أنت اسمك إيه؟
    - اسمي سالم.
    - طيب يا سالم.. الراجل اللي جوه ده يبقالك إيه؟
    - جدي يا دكتور.
    - طيب هو جدك إيه اللي حصله؟ دي خناقة ولا إيه بالظبط عشان المستشفى تبلغ.
    - ماعرفش والله اللي حصل، أنا يادوب جيبته هنا.
    - لا لازم تعرف لأن في نيابة وتحقيقات وأنت اللي جيبته هنا، يعني أكيد عارف اللي حصله، على العموم احنا هنبلغ وهيتفتح محضر عادي وهياخدوا أقوالك لحد ما جدك يفوق، وبعد ما يفوق ويقدر يتكلم هيتاخد أقواله هو كمان عشان نفهم منه اللي حصل.
    - ماشي يا دكتور.. مافيش مشكلة.
    - تمام، ارتاح لحد ما أبعتلك حد من التمريض يناديك لما النيابة توصل.
    - معلش بس.. هو جدي فين؟
    - اتنقل العناية، في الدور اللي فوق، وللأسف، مش هينفع تشوفه دلوقتي خالص.
    - ماشي يا دكتور... اللي تشوفه.
    سيبت الممر وطلعت وقفت قدام العناية لحد ما الممرضة ندهت عليا...
    - تعالى.. الدكتور عايزك.
    أول ما دخلت مكتبه قالي...
    - تعالي يا سالم اقعد، حضرة الظابط عاوز يسألك كام سؤال لحد ما الحاج يفوق ويتفتح محضر رسمي...
    - احكيلي اللي حصل يا سالم؟
    - بص يا افندم، احنا عندنا مركب صغيرة بنخرج نصطاد عليها، ولما جدي خرج امبارح بالليل، مارضيش ياخدني معاه، ده طلب مني أقعد أذاكر عشان داخل على إمتحانات وثانوية عامة وكدة ولأن أنا ماليش غيره، فسمعت كلامه وفضلت قاعد أذاكر لحد ما نمت بعد الفجر، بس مرة واحدة صحيت على مكالمة منه، كانت الساعة 8 إلا ربع الصبح.. رديت عليه بسرعة لأنه مش من عادته أنه يغيب كده، لكن لما رديت، اتخضيت.. اتفزعت عليه لما لقيته مش قادر يتكلم وبيقولي استناني في المكان اللي بنربط فيه المركب على البر، قفلت معاه بسرعة وجريت على المكان، فضلت مستنيه هناك بتاع نص ساعة، أو بالظبط لحد ما لمحت المركب بتاعنا جاي من بعيد وجدي فيه، وكل ما كان بيقرب، قلبي كان بيتقبض أكتر، ولما وصل، رمالي الحبل، ربطت المركب واستنيته يطلع بس ماطلعش، فنطيت على المركب عشان أشوف في إيه، وقتها لقيت جدي سايح في دمه وماسك صدره من ناحية قلبه، اتصلت بالإسعاف وخرجته من المركب، ولما الإسعاف وصلت جابوه على المستشفى هنا، لكن.. لكن هو حصله إيه، أو إيه اللي عمل فيه كده.. أنا ماعرفش.
    بعد ما خلصت كلامي، الدكتور قال للظابط...

    - عشان أكون صريح معاك يا افندم أنت وسالم، الجروح اللي في جسم الحاج عزمي مش عادية.
    - يعني إيه يا دكتور مش عادية.. مش فاهم؟
    - يعني مش جرح بسكينة أو قَطر.. لا.. ده في تمزق شديد وتهتك في الاوعية الدموية اللي قريبة من الجروح دي.
    -فهمت يادكتور، بس دلوقتي خلينا مانسبقش الأحداث ونحط فرضيات عشان مانعملش بلبلة في البحر للصيادين، أنا هستجوب الحالة بنفسي لما تفوق وهعرف منه إيه اللي حصل، وساعتها اكيد كل حاجة هتنكشف.
    الدكتور بصلي وقالي...

    - اطمن يا سالم، جدك حالته مستقرة، هو هيفضل في العناية وتحت الملاحظة شوية، ولحد ما يفوق، تقدر تروح البيت وتذاكر واحنا هنا هناخد بالنا منه.. ولو حصل حاجة، أكيد هنبلغك.

    خرجت من عند الدكتور بعد ما شكرته هو والظابط، أنا اول مرة أحس باليتم، ماقدرتش اسيبه وأمشي، وبسبب احساسي وخوفي عليه، وقفت قدام باب العناية تاني لحد ما لقيت الممرضة بتنادي عليا...

    - عايزينك تحت في الحسابات.

    هزيت راسي ونزلت على السلالم عشان أروح الحسابات، كنت بقدم رجل وأأخر التانية، عارف أنت مقولة جالك الموت يا تارك الصلاة، أنا كل اللي كان في محفظتي مايكملش الخمسين جنية، مش عارف هجيب فلوس المستشفى والعملية وكل ده منين، وبعد وصولي للحسابات وقفت قدام الموظف اللي قالي...

    - حساب العملية والدعامتين 270 ألف، ده غير اننا محتاجين فلوس تحت الحساب عشان قعدة الحاج في المستشفى .
    الموظف كان بيتكلم ببرود فظيع، عدلت نضارتي وطلعت المحفظة وعديت اللي فيها وبصيتله...
    - هو أنا بس ممكن...
    حسيت ساعتها بايد بتتحط على كتفي وبتطبطب عليا...
    - ولا يهمك يا أستاذ، ساعة زمن والفلوس كلها تكون عندكوا وبزيادة كمان، ده كله الا الحاج عزمي.
    بصيت ورايا باستغراب، كان الحاج فرحات، صاحب جدي الأنتيم.. أول ما شوفته ابتسمت وقولتله...
    - كتر خيرك يا حج، بس أنت عارف اننا مانقدرش ندفع الفلوس دي كلها.
    - اسكت أنت، مالكش دعوة خالص باللي بيحصل، دي حاجة بيني وبين عزمي، ثم أنت ليه ماكلمتنيش أول ما حصله كده ؟.. يعني أعرف من الناس الغريبة إن صاحب عمري بين الحياة والموت!.. صبرك بس عليا، وماتقلقش، لما يقوم بالسلامة أنا وهو هنتفاهم في موضوع الفلوس ده، أنا عليا جمايل لعزمي، لو دفعت عمري كله قصادها مش هقدر أوفيها.
    - معلش.. اصل دماغي ماكنتش فيا.

    حمدت ربنا أنه سخرلي الحاج فرحات في الوقت ده، وبعد ما خلصنا الحسابات طلعنا قعدنا على القهوة اللي قدام المستشفى وحكيتله اللي حصل، وبعد ما خلصت كلامي، هو كمان كان مستغرب لأن اللي بينزلوا البحر عارفين بعضهم كويس، يعني مستحيل حد من بلدنا يكون هو اللي أذى جدي بالشكل ده.
    وعلى الساعة اتناشر بالليل، الحاج فرحات وصلني البيت وقالي...

    - أنا كنت عاوزك تيجي تبات عندنا، بس أنت دماغك ناشفة زي جدك بالظبط.
    - مش هينفع والله... اصل..
    - فاهم فاهم.. بس طالما أنت مصمم، يبقى لازم تقفل على نفسك كويس، وبكرة الصبح هتلاقيني عندك عشان نروح لعزمي المستشفى .
    - حاضر، إن شاء الله.

    دخلت وقفلت على نفسي باب البيت وأنا بفكر في حاجة، الحاج فرحات غير انه صاحب جدي، فهو تاجر مواشي كبير عندنا في البلد، يعني مايهموش الفلوس.. بس.. بس أنا كنت محتار، احنا هندفعله الفلوس دي كلها ازاي، احنا لو بيعنا البيت بالأرض اللي حواليه بالمركب، ماعتقدش انها هتكفي الفلوس اللي هو دفعها لعملية جدي!
    طردت كل ده من دماغي ودخلت اتوضيت وصليت ركعتين شكر لله وحاولت أقعد أذاكر شويه، بس للأسف، انا ماكنتش قادر أركز، فقفلت الكتاب ودخلت نمت، ولما صحيت تاني يوم، صحيت بسبب كابوس ماكنتش قادر أخد نفسي من اللي شوفته فيه... بس مش ده اللي يهمني، انا اول ما صحيت لبست بسرعة وجريت على المستشفى، وأول ما وصلت وقفت قدام العناية وكنت بسأل الممرضات عليه في الرايحة والجاية، وفضلت اسأل زي المجنون لحد ما لقيت الممرضة اللي شوفتها امبارح، فضلت اتحايل عليها تخليني ابص عليه ولو لثواني، والحمد لله انها ردت عليها وقالتلي...

    - اطمن، هو فاق، ولما الدكتور يعدي عليه هدخلك تشوفه في السريع، بس ما تتأخرش جوه، دي عناية، يعني ممنوع فيها الزيارات، بس أنا مقدرة حالتك وباين عليك انك مانمتش وقلقان عليه.
    - اه والله العظيم، أنا ماليش غيره.
    - ربنا يخليهولك.
    فضلت واقف قدام باب العناية لحد ما لقيتها جت وخدتني في أوضة كده وعقمتني كويس ودخلتني العناية معاها، وقفت جنبه، حس بوجودي، أنا متأكد أنه حس بيا لأنه فتح عينيه أول ما دخلت، وطيت على ايده وبوستها هي وراسه وقولتله...

    - حمد لله على سلامتك يا جدي.
    صوته كان ضعيف وتعبان، لكنه رد وقالي...
    - الله يسلمك يا سالم.
    - الحمد لله انك بخير، قولي يا جدي، هو إيه للي حصلك؟
    - مافيش حاجة يا ابني، ناس غريبة هجموا على المركب، كانوا مفكرين إن تحت القبة شيخ، ولما اتصدموا ضربوني.
    - بس يا جدي الدكتور بيقول إن الجروح دي مش بألات حادة .
    - وهو مين اللي انضرب.. انا ولا الدكتور؟
    - ماشي يا جدي، ارتاح أنت دلوقتي وأنا بره، لو احتاجت أي حاجة خلي واحدة من الممرضات تقولي.
    خرجت ووقفت قدام العناية، كان في حاجة جوايا بتقولي إن جدي بيكدب عليا، ولما الحاج فرحات جه، دخل بص عليه هو كمان وطلع قعد معايا شوية.

    - بقولك إيه ياسالم، جدك وصاني أقولك إنك تروح البيت وتذاكر، ماتشغلش بالك بيه.. هو هيبقى كويس.

    وبعد اللي قاله، سمعت كلامه فعلا وروحت، بس ماكنتش عارف أقعد في البيت، أنا.. انا حاسس إن في حاجة بتخنقني، خدت الكلوب وكام كتاب من بتوعي وطلعت من البيت، ماحستش بنفسي الا ورجلي وخداني ناحية المكان اللي المركب مربوطة فيه، وقفت زي المسحور، خايف أقرب منها وفي نفس الوقت مش عارف همشي أروح فين، بس في الاخر نطيت في المركب وحيطت الكلوب على جنب وبدأت أذاكر.. لكن.. لكن كان في حاجة غريبة في المركب، حاسس اني مش لوحدي، سامع صوت حد بيتنفس جنبي، كان نفسه بارد جداً لدرجة إن جسمي كله اتنفضت، بصيت حواليا بخوف وقولت بصوت عالي...
    اقرا ايضاطاسة الخضة
    اقرا ايضادكتورة العزبة
    اقرا ايضاجحيم

    - أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

    وفي نفس اللحظة المركب اتهز جامد وكان هيتقلب بيا، ومع هزته الكلوب فجأة انطفى مني والمكان بقى ضلمة تمامًا!
    بلعت ريقي بصعوبة وكنت حاسس إني بتنفض من جوايا، خايف اتحرك من مكاني، فضلت قاعد في نفس المكان، مابتحركش، كنت سامع صوت خبط خفيف على المركب بس مش عارف الصوت ده جاي من المركب ولا من بره، وفجأة، سمعت نفس الصوت اللي كان بيضحك وبينادي باسمي في المستشفى ....

    - سالم.. ههههه.. سالم، أنت اللي جيت برجليك.

    بصيت حواليا بخوف، أنا طول عمري بكره الضلمة، الجو كان برد أوي، ضميت كفوفي وقعدت انفخ فيهم عشان احس بالدفا... وبعد ثواني، الصوت اختفى بالتدريج وسمعت صوت ناس بتتكلم ...
    فتحت عيني بصعوبة وبصيت حواليا، الصبح كان طلع والدنيا كانت منورة، مش عارف أنا نمت امتي وازاي! جسمي كان مكسر، قومت بصعوبة وخرجت من المركب من غير ما اخد الكتب أو الكلوب، وصلت المستشفى ووقفت قدام العناية عشان أدخل اشوف جدي، بس عرفت انهم نقلوه لأوضة عادية، خدت رقم الأوضة من الاستقبال، دخلت عليه لقيته نايم، سحبت الكرسي وقعدت جنبه، وبعد شويه، حسيت بيه وهو بيحرك ايده وفتح عينيه، ولما لقاني قاعد قدامه سألني...

    - بتذاكر ولا لا يا سالم؟.. أنت امتحاناتك خلاص قربت.
    - من غيرك يا جدي مافيش حاجة ليها معني، لا المذاكرة ولا الدنيا كلها.
    - أنا مش دايملك يا ابني، أنا طولت أو قصرت همشي، فانت لازم تاخد بالك من نفسك وتدور على مصلحتك.
    - ماتقولش كده على نفسك، ربنا يخليك ويديك طولة العُمر.
    - سالم.. ماتخلنيش قلقان عليك يا سالم.
    - حاضر يا جدي هذاكر... اطمن بقى وماتقلقش..

    فضلت قاعد معاه شوية، بس برضه كنت حاسس اننا مش لوحدنا، من أول ما دخلت المركب امبارح بالليل وأنا بتحصلي حاجات غريبة، زي ما تكون في عيون بصالي ومركزة معايا، رغم إن مفيش غيري أنا وجدي في الاوضة، وبعد شوية من القلق والتوتر، جدي لاحظ اني مش مظبوط.

    - اطمن.. أنا بقيت كويس، قوم روح البيت ونام شوية، انت شكلك تايه ومش مركز، ولما تصحى، شوفلك لقمة اتقوت بيها وذاكر، وأنا كده كده كلها كام يوم وهخرج من هنا.
    - بس أنا مش عاوز أمشي وأسيبك يا جدي.
    - اسمع الكلام يا سالم، أنا مش حمل مناهدة، كفاية اللي الظابط عمله فيا النهاردة.
    - عمل إيه يا جدي؟
    - ماكنش مصدق يا ابني إن في ناس غريبة هجمت عليا في البحر.
    - ماشي يا جدي.. خلاص.. همشي... اللي يرضيك هعمله... مع إن أنا كمان مش مصدق زيه.

    قومت بوست راسه وخرجت من الاوضة بتاعته، كنت ماشي تايه ومش دريان بالدنيا من حواليا، روحت البيت وحاولت أنام، ماعرفتش، فقولت اذاكر شوية، بس اكتشفت إن الكتب بتاعتي سيبتها في المركب، الساعة كانت 2 ونص العصر، خدت بعضي وروحت عند المركب، نطيت وخدت الكتب والكلوب، وقبل ما أطلع لمحت في جنب من الخشب اللي تحت، حاجات شكلها غريب كده، سيبت الحاجة من ايدي وقربت من الرسومات اللي على الخشب وساعتها اتصدمت، بلعت ريقي وبصيت حواليا وخدت حتة قماشة قديمة من اللي على المركب وبليتها في الماية وحاولت امسح بيها اللي كان مكتوب، بس ماكنش بيتمسح، ده منقوش على الخشب بتاع المركب نفسه من جوه، رميت القماشة من ايدي وقولت لنفسي بصوت عالي...

    - ليه كده بس يا جدي ؟.. ليه كده؟

    في اللحظة دي خدت الكتب والكلوب وخرجت من المركب وروحت البيت وأنا حابس دموعي، أول ما دخلت وقفلت الباب عليا، رميت كل اللي في ايدي وقعدت على الارض وبدأت أربط اللي حصل ببعضه، جدي أكيد لما خرج في الليلة اللي جراله فيها كده، كان قاصد يحضر حاجة، ماهي الحاجات اللي شوفتها منقوشة على المركب دي، أنا فاكر كويس انه حذرني منها لما لقاني برسمها في مرة وأنا صغير، العلامات والنقوش دي ماكانتش موجودة قبل كدة، والدكتور كمان قال إن الجروح اللي في جسم جدي مش عادية، يبقى أكيد اللي هو فيه ده بسبب اللي حضره، وهو نفسه اللي سمعت صوته في المركب والمستشفى!
    قطع تفكيري صوت بحركة في المطبخ، قومت من على الأرض عشان أشوف في إيه، وبمجرد ما دخلت، لقيت التلاجة مفتوحة بس مافيش حد موجود، بصيت في المكان باستغراب وفتشت البيت كله، بس وأنا طالع من أوضة جدي وبقفل بابها ورايا، لمحت ضل بيتحرك جوه بسرعة!.. في البداية كدبت عيني وقفلت الباب، بس قبل ما امشي من قدام الأوضة سمعت صوت جاي من جوه، اه كان صوت جدي هو اللي بينادي عليا...

    - يا سالم، انت يا واد يا سالم.

    كنت خايف ومش عارف أعمل إيه، أنا جدي في المستشفى، اومال مين اللي جوه ده؟.. لميت كتبي من على الأرض بسرعة ودخلت اوضتي وقفلت على نفسي الباب، فضلت صاحي طول الليل وخايف عيني تقفل او أنام، كنت سامع صوت خطوات رايحة جاية قدام باب الاوضة، ومعاها حد بيقف لثواني يخبط على باب أوضتي ويقولي...
    - سالم.. أنت لسه صاحي ياسالم؟!
    كنت بحط ايدي على بوقي عشان أكتم نفسي، ومن خوفي ورعبي، ما اتنقلتش من مكاني غير تاني يوم، او بالظبط، لما حسيت إن الدنيا بره أمان، فتحت باب الاوضة وخرجت على الشارع على طول، مابصتش ورايا، وصلت المستشفى ودخلت الحمام بتاعها، غسلت وشي وظبطت هدومي وروحت أشوف جدي، بس لما دخلتله اتفاجئت انه بيقولي...

    - انا هرجع البيت معاك، خلاص، الدكتور كتبلي خروج يا سالم.
    - ترجع البيت ازاي!.. وبعدين أنت متأكد انك بقيت كويس يا جدي؟
    - أيوه.. الحمد لله.

    وفعلًا، خدته ورجعنا البيت، دخلته أوضته زي ما طلب مني، لكن بعد ما دخلته، وقفت، كنت ببص للركن اللي شوفت فيه الضل بخوف.. وفضلت متسمر في مكاني لحد ما جدي قالي ...
    - روح اعملنا كوبايتين شاي وبعد كده اجري ذاكر.
    - هو أنت عادي كده.. مسموحلك تشرب شاي؟
    - اه.. بس شوية صغيرين.
    - ماشي.
    دخلت المطبخ ووقفت أعمل الشاي، بس وأنا بصبه حسيت إن في ايد ماسكه البراد فوق ايدي!.. اتفزعت وسيبت البراد والشاي السخن اتدلق عليا، صرخت من الوجع وسمعت ساعتها صوت جدي وهو بينادي عليا.. روحتله وانا كاتم الوجع وسألته...
    - مالك يا جدي.. في إيه؟
    - إيه صوت الخبط ده؟
    - مافيش.. ده البراد بس وقع من ايدي.
    - طيب.. خلى بالك على نفسك يا سالم.
    - ماتقلقش، انا هروح أعمل غيره.
    - لا ماتعملش خلاص، روح ذاكر.
    دخلت الاوضة ومسكت الكتاب، كنت حاسس إن في حاجة غلط، مش عارف أركز، الكلام كان بيتمسح من قدامي ويرجع تاني بعد ثواني، بصيت حواليا باستغراب ووقفت قدام المراية وقولت لنفسي...
    - يمكن اللي أنا فيه ده ارهاق وتوتر، لا لا.. انا لازم أنام وأرتاح.
    وحاولت فعلا بس ماعرفتش، انا لسه حاسس إن في حد معايا ومراقبني، الاحساس ده كان مخليني مرعوب، كنت بتفادى إني أقعد مع جدي وقت طويل عشان ميلاحظش إن فيا حاجة غريبة، بس أنا ماكنتش طايق نفسي ومش عارف أعدي اللي هو عمله.. وبعد مرور كام يوم، طلب مني أساعده عشان يروح المركب، بس وقتها أنا رفضت.
    - لا ياجدي، أنت تعبان ولسه خارج من عملية، مستحيل أخليك تنزل البحر دلوقتي.
    - أكل العيش مر يا سالم، انا هنزل اشتغل على قدي كده، أهو أي حاجة تيجي تشيل من الدين اللي علينا لفرحات.
    - مش هيحصل يا جدي، وان كان ولابد، فأنا هسيب المدرسة ومش داخل الإمتحانات وهكمل مكانك على المركب.
    - لا يا سالم، أنا عايز أرفع راسي بيك، عايزك تبقى دكتور قد الدنيا.
    - خلاص، يبقى تسيبني أذاكر وأطلع بالمركب في نفس الوقت.. واهو ربنا يقدملنا اللي فيه الخير.
    مش هنكر إني كنت خايف اطلع بالمركب بعد اللي حصلي فيها، وعشان كده قررت اطلع بالنهار، وأهو ابقى في وسط الصيادين ولو حصلي حاجة يلحقوني، جدي كان رافض الموضوع خالص بس أنا اقنعته لما قولتله إني هاخد كتبي معايا وهذاكر على المركب.. وفي النهاية وبعد زني واصراري، وافق بصعوبة، بقيت بطلع كل يوم بعد الفجر بالمركب، وأرجع قبل المغرب، بس في يوم اضطريت أبات في البحر، كلمت جدي وبلغته عشان مايبقاش قلقان عليا، وأول الشمس ما بدأت تغيب شغلت الكلوب، كنت خلاص رميت الشبك في البحر وفتحت الكتاب وقعدت أذاكر.. لكن وقتها كنت كل شوية ببص حواليا بقلق، ومرة واحدة حسيت إن جسمي بيترعش والمركب بيتهز جامد، قفلت الكتاب ومسكت في المركب وحاولت أرجع بيه، بس مع كل محاولة، كنت بحس إن المركب هيتقلب بيا، فاستسلمت وقعدت في ركن ومسكت موبايلي واتصلت بجدي كذا مرة بس ماكنش بيرد، بصيت حواليا باستغراب، ماكنتش عارف أنا فين.. ده المركب مشي في الماية لوحده من غير ما أحس، ماكنتش مستوعب اللي بيحصل من حواليا، لكن فجأة لمحت نور طالع من جنب المركب، قربت بالكلوب لقيت الرموز اللي كان جدي حافرها بتطلع نور، ومع نورها لمحت قطة سوده قاعدة على حرف المركب.. لما رفعت الكلوب ناحيتها نطت في الماية واختفت، في اللحظة دي الخوف اتملك مني وجسمي كان كله بيترعش، قعدت في أرضية المركب وانا باصص للسما، وكل ما أجي أستغفر أحس بنار بتاكل جسمي وأبقى مش قادر أخد نفسي، ومع كل اللي بيحصل ده، الموبايل بتاعي رن، مديت ايدي ومسكته وفتحت الخط، ماكنتش قادر اتكلم، كنت حاسس إن في حد قاعد ورايا وبيخنقني.
    - مالك يا سالم، متصل عليا كذا مرة ليه.. في إيه يا ابني ؟أنت كويس؟
    ماكنتش قادر اتكلم وانا سامع صوت جدي وهو بيزعق، الكلام كان بيتوه من على لساني...
    - أنــــا.. أن.. أنا بموت يا جدي.
    المكالمة فصلت وفجأة المركب رجع يتهز تاني، بس المرة دي كان بيتهز بشكل أعنف، حسيت إني دايخ وبطني وجعاني، حاولت أقرب من الماية عشان أغسل وشي وأفوق، بس رجلي الشمال كانت منملة ومش قادر أحركها، خبطت جامد في أرضية المركب وفضلت أصرخ لحد ما حسيت إن صوتي خلاص راح، بصيت حواليا لقيت المركب في وسط ضباب كتير، ماعرفش ليه سمعت صوت جدي وهو بينادي عليا، وفجأة لقيته واقف معايا على المركب وفاتحلي درعاته وبيقولي...
    - سالم.. تعالي يا حبيبي.
    - جدي.. أنت وصلت هنا ازاي يا جدي؟
    - سالم ...
    صوت جدي بدأ يتغير وبقى تخين أوي، نطقه بقى غريب، حتى شكله وجلده.. جلده اللي بدأ يقع ومعاه جسمه كان بيدوب قدام عينيا، كان بيقرب مني ببطء وأنا بزحف بضهري لورا لحد ما وصلت لأخر المركب وكنت هتقلب من عليه.. بس فجأة...
    شهقت بفزع وفتحت عينيا، النهار كان طلع والمركب في مكانها من امبارح مااتحركتش، بلعت ريقي وبصيت حواليا باستغراب.. معقولة كل اللي حصل ده كان كابوس؟ مافكرتش كتير، انا شديت الشبك وخدت المركب ورجعت ربطتها في مكانها وطلعت من البحر وأنا في ايدي الكتب بتاعتي والسمك اللي الشبك طلعه، سيبته لواحد هناك يبيعه، وطلعت على البيت، وأول ما وصلت دخلت أوضة جدي عشان أطمن عليه، لقيته في سابع نومة، حمدت ربنا إن اللي حصل ده ماكنش حقيقة وانه كان كابوس وخلص على خير، دخلت أوضتي بعدها وحطيت الكتب على المكتب واترميت على السرير، وبعد خمس دقايق، اتنفضت من مكاني ودخلت الحمام، خدت حمام سخن وطلعت قعدت في الصالة شوية لحد ما حسيت إن جدي صحي لما سمعت كحته، دخلت عليه الاوضة وقعدت جنبه على السرير، كان جسمي كله بيترعش وجدي خد باله.
    - مالك يا ابن الغالي ؟
    - مفيش حاجة يا جدي.. ماتقلقش.
    - عينيك بتقول غير كده يا سالم، قولي يا حبيبي، في إيه، نفضة جسمك وتوهان عينيك وراهم كتير .
    - أنا بيحصلي حاجات غريبة يا جدي.
    - مش فاهم يا سالم.. تقصد إيه ؟
    - انا هحكيلك كل حاجة من الاول.. ولا.. ولا أنت عارف؟
    - عارف إيه.. ما تحكي يا سالم ...
    حكيتله كل حاجة من يوم ما خرج بالليل ورجع تاني يوم الصبح تعبان واتنقل على المستشفى، مرورًا بكل اللي حصل معايا، سواء في البيت او المركب، ولما خلصت كان بيبصلي بضيق وقالي بقلة حيلة...
    - أنا ماكنش قصدي إن كل ده يحصل، أنا اسف يا سالم.
    - اسف.. طب وليه يا جدي ؟.. ليه عملت كده؟
    - كنت عاوز أزود رزقنا وأمنلك مستقبلك، بس الدنيا قلبت معايا بالعكس واللي موجود على المركب بيزاولك وماحدش هيصرفه غيري، أنا لازم أروح المركب حالا يا سالم.
    - لا يا جدي مش هيحصل، أنا هجيب شيخ يبص عليها.
    - أي حد غيري هيحاول يصرفه هيتأذي يا ابني.
    - أنت مش هتتحرك من البيت يا جدي، أنا ماعنديش استعداد أخسرك.
    - يا ابني سيبني الله لا يسيئك، انا هنضف اللي عملته في المركب ولو ليا عمر هرجع باذن الله.
    - انسى يا جدي.. الموضوع ده خلص خلاص.
    فضلت سهران معاه، ولما نام واطمنت عليه، روحت أوضتي وقعدت أذاكر على المكتب، بس فجأة حسيت بحركة ورايا، وقبل ما أدور وشي عشان اشوف إيه اللي بيحصل؟.. حسيت بخبطة جامدة نزلت على دماغي من ورا، دوخت، كنت سامع أصوات كتيرة أوي بس ماكنتش شايف حاجة، الدنيا كانت مشوشة ومرة واحده اتقلبت من على الكرسي ووقعت على الارض وفقدت الوعي، وماحستش بنفسي غير وأنا سامع صوت الحاج فرحات وهو بيقولي...
    - سالم، واد يا سالم.. أنت إيه اللي منيمك هنا.
    فتحت عيني وبصيتله باستغراب، دماغي كان لسه بيوجعني كأني لسه واخد الخبطة دلوقتي، حطيت ايدي على دماغي وقت ما كرر كلامه...
    - ياض ياسالم انطق.. في إيه ؟
    قومت وقفت وبصيت حواليا وأنا مش عارف أنا جيت هنا ازاي، كنت بلف حوالين نفسي وفي الاخر بصيتله...
    - أنا اخر حاجة فاكرها يا حج فرحات إن جدي كان نايم وأنا دخلت أوضتي عشان أذاكر، بس في حد خبطني على راسي ووقعت على الارض، وبعد الخبطة ماحستش بنفسي غير لما سمعت صوتك دلوقتي، أنا مش فاهم إيه اللي بيحصلي بالظبط!
    - ياابني أنا روحت البيت عشان أبص على جدك مالقتهوش، ولما دورت عليك، انت كمان ماكنتش موجود، فقولت اجي أشوفك في المركب، وفعلا، لقيتك هنا.. نايم على الارض، بس المركب مش موجودة.
    - طيب وجدي؟
    - يا ابني ماانا لسه قايلك.. مش في البيت .
    - يبقى أكيد عملها.
    - عمل إيه ؟
    - طلع بالمركب .
    - ودي فيها إيه، ماهو كان بيطلع بيها على طول.
    - انت مش فاهم حاجة يا حاج فرحات، وسع كده من طريقي.
    بصيت على المراكب اللي كانت مربوطة جنبنا ونطيت في أقرب مركب وفكيت الحبل بتاعه، لكن وقتها استغربت لما لقيت الحاج فرحات بيقولي ...
    - رجلي على رجلك، مش هسيك الا لما نلاقي عزمي ونطمن عليه.
    كنت بدور على جدي زي المجنون، بس المركب ماكنلوش أثر، وفضلنا على الحال ده لحد ما الدنيا بدأت تليل و لقيت الحاج فرحات بيشدني من ايدي وبيقولي ...
    - هناك يا سالم، في مركب هناك يا واد، دي المركب بتاعتكوا.
    قربت من المركب، الحاج فرحات كان بينادي على جدي وأنا ماسك قلبي بأيديا وبدعي في سري ...
    - يا رب.. يارب هات العواقب سليمة.
    لما جدي ماردش علينا، ربطت المركبين ببعض ونطيت على المركب بتاعنا عشان أشوف إيه اللي حصل، وأول ما بصيت في أرضية المركب، ماحستش بنفسي غير وأنا برمي نفسي عليه وبصرخ ...
    - جدي.. لااااا.. لا.. لا ياجدي لا.
    في اللحظة دي الحاج فرحات طلع تليفونه واتصل بكام صياد من البلد وقالهم على المكان اللي احنا فيه، فضلت قاعد جنبه ومش قادر أبطل عياط، هو ضحى بنفسه عشان ينقذني، ولما الصيادين وصلوا حاولوا يخرجوني من المركب، بس أنا ماقدرتش اسيبه، فضلت قاعد جنبه ومكفي عليه، هدومي كلها اتبهدلت من الدم، مسكت السكينة اللي كانت مغروزة في قلبه وحاولت اشيلها، بس ماعرفتش..
    - يا جدي.. قوم.. ماتسبنيش يا عزمي.. أنا ماليش غيرك.
    بس خلاص، كل حاجة كانت انتهت، بصيتله بقلة حيلة قبل ما أسيب المركب وقولتله...
    - مش مسامحك عشان روحت وسيبتني بطولي، سامعني، مش مسامحك.
    الحاج فرحات حاوطني بدراعه وفضل يطبطب عليا...
    - وحد الله، وحد الله يا ابني وادعيله.
    ولما وصلنا البر كنت تايه، الوقت كان بعد العشا، ووقتها، البلد كلها كانت واقفة، كل الناس كانت مستنية تعرف مين اللي مات و إيه اللي حصله؟.. ده غير إن كان في اسعاف واقفة، أول ما طلعوا جثة جدي من المركب طلعوا بيها على المستشفى، وبعد وصوله لهناك، اجراءات الدفن اتأخرت شوية، كنت واقف طول الليل مع الحاج فرحات في المستشفى وحاسس إن الدنيا خلاص جابت اخرها معايا، ووقت ما كنت واقف والدموع مغرقة وشي، شوفت نفس الظابط بتاع المرة اللي فاتت.. الظابط اللي جه وقف جنبي وقالي...
    - البقاء لله.. شد حيلك ياسالم.
    - الشدة على الله يافندم.
    - أنا مقدر اللي أنت فيه ومش هسألك دلوقتي على أي حاجة، بس بعد الدفنة لازم نتقابل ونتكلم.
    هزيت راسي ومشيت وسيبته لما الحاج فرحات قال إن خلاص، جدي هيطلع عشان يندفن بعد صلاة الضهر، واللي قاله حصل، دفنناه والحاج فرحات كان عامل شادر صغير جنب البيت عشان ناخد فيه العزا، كنت قاعد تايه، مش عارف أربط حاجة من اللي حصلت في بعضها لحد دلوقتي!

    ******

    بص في الأرض وسكت، سيبت القلم من ايدي ورفعت النضارة وقولتله ...
    - كمل، وأنت إيه اللي في حكايتك دي يدخلك هنا يا سالم؟ أنا مش شايفة حاجة من اللي أنت حكيتها تدخلك الأحداث!
    مسح دموعه وقالي...
    - أنا هنا عشان متهم بقتل جدي.
    - ازاي وانت قولت إنك كنت على البر والحاج فرحات شاهد على ده وجدك كان مقتول في البحر أصلا؟
    - هم مالهمش دعوة بكل ده، انا كل الأدلة أثبتت إني القاتل، بصماتي في المركب وعلى السكينة اللي اتقتل بيها، كل حاجة كانت مترتبة ضدي، جدي كان غلطان لما فكر أنه لما يموت نفسه في المركب هيبقى بيصرف اللي حضره.
    - تقصد إيه مش فاهمة؟
    - أقصد إن اللي أنا فيه ده مش طبيعي
    - انا مقدرة الوضع اللي أنت فيه، وأوعدك إني هساعدك ومش هسكت إلا لما تخرج من هنا وبرائتك تظهر.
    هز راسه وسكت، خرجت من عنده وأنا قلبي واجعني أوي عليه وقررت أساعده مهما الأمر كلفني.. وعشان كده أول حاجة عملتها، إني روحت البيت بتاع عزمي جد سالم، وفضلت أسأل الناس لو حد فيهم عارف حاجة عن الحادثة اللي حصلت على المركب من 3 شهور، بس ماكنش حد بيرد عليا، كلهم كانوا بيسيبوني ويمشوا لدرجة إني دورت على بيت الحاج فرحات اللي سالم حكالي عنه، ولما وصلتله، رحب بيا أوي، لكن لما سألته عن سالم حفيد الحاج عزمي، وشه قلب وقام وسابني، مشيت وراه وفضلت اتحايل عليه عشان يساعدني إني أثبت براءته، لكنه دخل بيته وقفل في وشي الباب، وكده خلاص.. مافضلش قدامي غير الشط والمركب.
    روحت الشط، وهناك سألت الصيادين اللي واحد منهم بس رد عليا، ومع رده شاورلي من بعيد عليها، كانت مربوطة بعيدة شوية، المركب كان شكلها غريب وقديمة أوي، ماكنتش مستوعبة ازاي المركب دي كانت بتنزل الماية من تلات شهور من غير ما تغرق!
    ناديت على ولد من اللي كانوا في المركب اللي جنبها وطلبت منه يساعدني انزل المركب دي، لكنه رفض في الأول، بس بعد شوية محايلة ساعدني انزل المركب وطلع منها، كنت ببص لأرضية المركب وبدور على الكتابة اللي سالم قال عليها، بس مالقتهاش، المركب كان قديم وعادي، مافيش فيه أي حاجة تلفت الانتباه.. الا... حاجة كانت محشورة في ركن بين الخشب بتاع المركب، قعدت في الارض ومديت ايدي وحاولت أطلعها، حاجة جوايا كانت بتقولي إني هلاقي دليل براءة سالم هنا، وبعد شوية مجهود طلعت الحاجة اللي كانت ملفوفة واكتشفت إنها كراسة، كانت على الارجح حد قاصد انه يخبيها في المكان ده، مسكتها في ايدي وقلبتها يمين وشمال وبعدين فتحتها، وبدأت أقرأ فيها، كل ما كنت بقرا أكتر كنت بتصدم، ماكنتش عارفة أستوعب، فقفلت الكراسة وحسيت إن قلبي بيدق بسرعة وهيقف من كتر الخوف، معقول في بني ادم بالشر ده، حد ممكن يألف قصة عشان يداري على جريمة هو عملها، آه الكراسة دي كانت مذكرات سالم اللي فيها اعترافات بخط ايده...

    24 أغسطس..
    أنا بدأت أحضر وكتبت الطلاسم النهاردة ونورت، معني كده إن خلاص قربت أنفذ اللي أنا عاوزه، القمر مكتمل، كل حاجة هتبقى تمام.

    30 أغسطس..
    جدي عرف باللي بعمله على المركب بس دارى عليا وحاول معايا، لا واداني فرصة تانية عشان أبعد عن الطريق ده، بس أنا مش قادر، انا في حاجة بتشدني غصب عني.

    7 سبتمبر..
    جدي ضحك عليا وقالي انه هيطلع البحر لوحده المرة دي، بس هو حاول يمسح الطلاسم اللي مكتوبه على جسم المركب عشان كده الخادم أذاه وكان هيموته، بس ربنا ستر ولما رجع البر وحكالي اللي حصل وتعب ودخل المستشفى، صعب عليا، فوعدته بعد ما خرج على خير اني هقفل موضوع السحر ده نهائي .

    18 سبتمبر..
    انا ماقدرتش أقاوم ورجعت تاني.. رجعت أعمل طقوس السحر من ورا جدي، وفي الليلة اللي بلغت عزمي فيها اني هبات في البحر، قلبه ماكنش مطمن، زي مايكون حاسس باللي هعمله، وعشان كده حاول يمنعني، لكنه ماقدرش يوقفني.

    23 سبتمبر..
    من يومها وأنا قاعد في البحر بالمركب، جدي جالي المركب عشان يرجعني معاه، بس اتخانقنا وشدينا مع بعض وقتلته بدم باد، ماكنتش حاسس بنفس وأنا بعمل كده، أنا فضلت قاعد قدام جثته أكتر من ساعة وانا مش مستوعب اللي حصل، أنا قررت أسيبه وأرجع، بس قبل ما أرجع فتحت النوتة كالعادة وكتبت اللي حصل بالملي، وكالعادة برضه هخبي النوتة زي ما بعمل كل مرة عشان ماحدش يلاقيها.
    وباقية الكراسة كانت فاضية.. ماعدا الصفحة الأخيرة لأن كان مكتوب فيها...
    أنا هسيب جثته في المركب هنا وارجع بالمركب اللي جه بيها واقعد على البر.. هقعد وكأني مستنيه وأكتشف اللي حصله مع الناس .

    ******

    قفلت الكراسة ورميتها على ارضية المركب وانا بسأل نفسي...
    - عيل عنده تقريبًا 17 سنة وبالشر ده.. أومال لما يكبر هيعمل إيه، ده حلال فيه وجوده في الأحداث، لا أحداث إيه، ده مفروض يتعدم.
    وفي النهاية قررت أخد المذكرات دي وأتصرف فيها بشكل رسمي، حطيتها في شنطتي ووقفت وبصيت حواليا على الولد اللي ساعدني انزل المركب، بس ماكنش موجود، فقررت أعتمد على نفسي وأخرج لوحدي، بس فجأة المركب اتهزت جامد، مسكت فيها عشان ما أقعش في المايه، لكن المركب كانت بيتهز بطريقة مرعبة، وفجأة.. فجأة اتقلبت بيا ووقعت في الماية، ماكنتش عارفة أفكر في أي حاجة في الوقت ده غير اني أنقذ نفسي، بس الغريب إن كان في حاجة بتشدني لتحت، أنا كنت بغرق، جسمي كله مشلول.. مش عارفة أحركه، لكن فجأة حد قرب مني تحت المايه وشدني لفوق وطلعني، وعلى ما استوعبت اللي حصل كان الولد اللي انقذني جاب بطانيه ومدلي ايده بيها، أخدتها منه ولفيت بيها نفسي، كنت هموت من البرد، لكن مع البرد اتصدمت لما قالي...
    - اللي حصلك ده مش صدفة، أي حد بيقرب من المركب دي بيتأذي .
    - أنا مش هسكت، انا معايا مذكرات سالم اللي بخط ايده، اللي زي ده شر ولازم يتحاسب على كل اللي عمله.
    مديت ايدي على الشنطة عشان اطلع منها المذكرات وأوريها للولد، بس لا لقيت الشنطة ولا المذكرات ولا الموبايل، وقتها الولد تقريبا فهم اللي حصلي، وعشان كده ضحك وقالي...
    - كلنا عارفين إن سالم ماختارش طريق السحر، ده مكتوب عليه.. ورث وخده من أمه، ولما أبوه حاول ينجده من مستقبله الاسود، بعته عند جده وفكر انه كدا بينقذ ابنه، لكن للأسف القدر مش بيتعاند وماحدش بيقدر يهدي حد أو يضله مهما كان قلبه عليه.. كله مكتوب والقدر سكينته نافذة... واه.. ماتدوريش على الحاجة اللي ضاعت منه، أكيد اللي ورا سالم خفوها.

    تمت بحمد الله

     بقلم الكاتبة: ليزا زغلول.