
بقلم الكاتب: شادي اسماعيل
أنا ياسين ، ياسين إبراهيم، اتولدت في دولة عربية وعيشت عمري كله هناك، يعني حوالي 35 سنة عايش بره مصر، بس بعد ما أبويا وأمي ماتوا في حادثة، ماقدرتش اقعد في البلد اللي كنا فيها وقررت إني أرجع بلدي الأصلية.. وحقيقي في الأول قابلت مشكلة كبيرة، وهي إني أوصل لأهلي، بس الحمدلله قدرت أوصلهم بعد بحث طويل، وأهلي اللي لقيتهم لما رجعت كانوا شخصين، عمي صالح وعمتي صباح، وده لأن للأسف عمي الكبير يحيى كان مات من عشر سنين ومالحقتش أشوفه، بس تعرف.. أنا كنت بسأل نفسي دايماً، هو ليه أبويا ماكنش بينزل مصر وليه ماحدش من قرايبنا يعرفنا ولا احنا نعرف حد، بس عرفت إجابة السؤال ده أول ما رجعت، وعرفت كمان ليه أبويا ماكنش بيجاوبني أبداً لما كنت بسأله، أنا لما وصلت البيت عند عمتي، اللي فتحت لي الباب كانت بنت زي القمر، فضلت واقف قدامها مش عارف ابدأ منين ولا أقول إيه ؟ لحد ما سألتني باستغراب...
- أفندم، عايز إيه حضرتك؟
- اااا.. مش ده بيت المهندس محمد؟
- ايوة مين بقى حضرتك؟
- اااا.. أنا.. أنا
- انت مين؟.. ومالك مش مجمع كده ليه؟
- مش مجمع!.. ايوة عندك حق أنا مش مجمع فعلاً، أنا ياسين إبراهيم القاضي.
بصت لي باستغراب أكتر، وبعدها قالت، أو ماقلتش بمعني أصح...
- يييـ ياسين ابن خخخ اللي.
- ايوة، انتِ أكيد بنت عمتي صباح.
- ااا.. أنا أنا...
قولتلها وأنا بضحك...
- مالك مش مجمعة ليه؟
- لا بس.. بس.. ازاي؟
في الوقت ده خرجت عمتي صباح من وراها وبصت لي باستغراب وهي بتقول...
- في إيه يا ميرنا ومين ده اللي واقفة معاه على الباب، انت مين يا ابني وعايز إيه ؟
ميرنا ماردتش عليها وفضلت بصالي، لكن أنا اللي رديت عليها وقولتلها...
- ازيك يا عمتو؟
- عمتو!!.. انت مين وتعرفني منين عشان تقولي عمتو؟
- أنا ياسين ، ياسين ابن أخوكِ إبراهيم.
كانت واقفة مسهِمة، بس بعد ثواني قربت مني ودققت في ملامحي وحطت ايدها على وشي وقالت وعينيها مدمعة...
- انت شبه ابوك الخالق الناطق.
فضلت تمشي ايدها على وشي وكإنها بتتأكد من الشبة الكبير بيني وبين أبويا، بعدها حضنتني حضن كنت محتاجله من يوم ما أبويا و أمي ماتوا، عيطت معاها لما قالت لي وهي لسه حضناني...
- أبوك ماجاش معاك ليه؟
رديت عليها وأنا مخنوق من العياط...
- بابا ومأما ماتوا في حادثة.
ضمتني أكتر وصوت عياطها بقى عالي، بس بعد دقيقة سابتني ومسحت دموعها من على وشها ومدت ايدها تمسح دموعي أنا كمان وقالت لي بحنية...
- تعالى ياحبيبي، تعالى ادخل.
خدتني من ايدي ودخلنا جوة، كل ده وميرنا واقفة مكإنها مش فاهمة أي حاجة ومش باين عليها أي رد فعل.. وبعد ما دخلنا الشقة قعدتني على كنبة الانتريه وقعدت جنبي وهي تقريباً حضناني، كانت بتبص لي بشوق وحنان غريب وقالت لي وهي بتطبطب عليا...
- وحشتني يا ياسين، وحشتني أوي يا حبيبي.
ماكنتش فاهم وحشتها ازي وهي عمرها ماشافتني!.. يمكن تكون سمعت عني من أبويا قبل كده، بس أبويا ماكنش بيكلمهم أصلاً، مش مهم، جايز تكون عاطفية بطبعها، في الوقت ده ميرنا سألت بشك...
- بس احنا إيه اللي يأكدلنا إنك فعلاً ياسين ابن خالي؟
طلعت الباسبور من جيبي عشان أوريهولها، بس عمتي قامت من مكإنها وجابت صورة من على الحيطة وبصت فيها كتير وبعدين قالت لميرنا...
- انتِ مش شايفة الشبه الكبير بينهم؟!
بصت لي بعدها وهي بتفرجني على الصورة وكملت كلامها...
- شايف يا ياسين ، شايف أبوك، كان نسخة منك وهو في شبابه، أنا مش محتاجة ورق عشان اتأكد إن انت ابن اخويا، وحتي لو ماكنتش شبهه، أنا إحساسي عمره ماخيب أبداً، وأنا من ساعة ماشوفتك وأنا حاسة إن إبراهيم هو اللي دخل عليا، حاسه روحه فيك، يااه.. زيارة استنيتها 33 سنة، كل يوم بقول لنفسي الباب هيخبط وافتح الاقيه قدامي، بس لا الباب بيخبط ولا هو بيجي، والنهاردة بس حسيت إن السنين اللي عديتها مارحتش هدر، وأهو ربنا عوضني بيك عنه.
أحاسيس ومشاعر أكبر من اللي توقعتها بكتير، ماقدرتش أمسك نفسي ولقتني بدمع وأنا بحضنها، بعد شوية سألتني وهي بتبص على باب الشقة...
- بس أنا مش شايفة معاك شنط ولا حاجة، هو مش انت لسه جاي من السفر، أومال حاجتك فين؟
- لا ياعمتو أنا هنا بقالي أسبوعين تقريباً.
- أسبوعين!.. اخِص عليك، ولسه جاي النهاردة؟
- غصب عني والله، أنا ماكنتش عارف أوصلكوا إزاي، لحد ما في الآخر ربنا كرمني وعرفت أوصل لحد وهو اللي دلني على العنوان.
- مين ده؟
- ااا...
في الوقت ده الباب خبط، قامت ميرنا عشان تفتح وسمعتها بتقول...
- ازيك يا خالو، اتفضل، مش هتصدق مين عندنا يـ...
- ياسين .
دخل من الباب راجل طول بعرض، مش باين عليه ملامح السن الكبير اللي هو فيه، بص لي بحدة وقالي...
- إيه اللي رجعك يا ابن عالية، لما الحاج عمارة قالي أنه دلك على عنواننا، جيت عشان أشوف ولاد الحرام شكلهم بيبقي عامل ازاي؟
قومت عشان امسك فيه، بس عمتي مسكتني من ايدي وقامت هي ناحيته...
- صالح، ياسين يبقى ابن أخوك وأمه كانت مرات أخوك، يعني مش ابن حرام، عيب اللي انت بتقوله ده.
- انتِ لسه مصدقة أنه ابن اخوكِ.
في الوقت ده عمتي سكتت شوية قبل ما ترجع وترد عليه من تاني...
- ايوة مصدقه وهفضل طول عمري مصدقه.
- قصدك إيه بالكلام ده؟
- ماقصديش، يا ترحب بابن اخوك، يا تسيبه في حاله.
- مش هرحب به يا صباح و هفضل شايفه ابن حرام و بيتك مش هدخله تاني طول ما الشيطان ده فيه.
خرج بعدها و رزع باب الشقة وراه، بعد كده عمتي قربت مني و قالت لي...
- سيبك منه، هو طول عمره كده مش بيطيق أبوك ولا أمك.
- لا يا عمتو.. أنا عايز افهم هو قصده إيه بالكلام ده؟
- مش وقته خالص دلوقتي، انت لسه جاي وأنا عايزة افرح بيك، أنا هقوم دلوقتي اعملك أكل إنما إيه .. هتاكل صوابعك وراه، وكمان هخليك تقول ياريتني جيتلك من زمان يا عمتو.
سابتني ومشيت قبل ما أقول أي كلمة، بصيت ساعتها لميرنا فابتسمت لي وقالت...
- هي عمتك كده، قلبها سابق عقلها دايماً.
ابتسمت وأنا بقول لها...
- طيبة جداً، بس قوليلي بقى، انتِ عندك كام سنة واتخرجتي من كلية إيه ؟.. يعني، احكيلي عنك.
- أنا عندي 25 سنة، اتخرجت من هندسة قسم اتصالات، بشتغل في شركة كبيرة من شركات الاتصالات.
- عظيم، حلو إنك تشتغلي حاجة بتحبيها.
- اممم، يعني... الميزة بس إنك بتشتغل بحب ومش بتحس بالملل أو الزهق من الشغل.
- ده صحيح.
- قولي أنت بقى، عندك كام سنة ومعاك إيه وبتشتغل فين؟
- أنا يا ستي عندي 35 سنة، خريج إدارة أعمال وكنت مدير في شركة من الشركات المالتي ناشيونال.
- ياااه.. وسيبتها وقررت ترجع مصر فجأة كده؟!
- غبي، صح؟
- من غير زعل، وبصراحة، اه.
- أنا قولت كده برضه، بس هقولك على حاجة، الشغل والفلوس مش دايماً بيكونوا كل حاجة، بعد وفاة بابا ومأما حسيت اني عايش لوحدي، واكتشفت فجأة اني ماعنديش عيلة توقف جنبي أو تكون معايا في أي مناسبة، فقررت انزل مصر وأدور على أهلي و أعيش وسطيهم.
- جايز يكون كلامك صح، بس أنا لو مكانك مش هعمل كده.
- عشان ماجربتيش تعيشي لوحدك بس.
- ممكن، طب عن إذنك بقى أدخل أشوف عمتك عشان ماتوقفش لوحدها.
- اتفضلي.
دخلت ميرنا المطبخ وأنا قعدت لوحدي في الصالة، عدت حوالي ساعة ونص، كنت بلعب في الموبايل شوية، أو ميرنا بتخرج تتكلم معايا وترجع تاني للمطبخ، وعمتي برضه خرجت مرتين قعدت شوية و رجعت، لحد ما في الآخر الأكل خلص وكلنا وقعدنا بعدها في الصالون نشرب الشاي، ساعتها عمتي سألتني...
- اومال أنت قاعد فين دلوقتي يا ياسين ؟
- أنا قاعد في فندق في وسط البلد.
- فندق!.. لا سيبك من الكلام ده، أنت تروح تجيب شنطتك وتيجي عشان تقعد معأنا هنا.
لاحظت إن ميرنا اضايقت من كلامها وبصراحة كان معاها حق، وعشان كده رديت على عمتي...
- ربنا يخليكِ يا عمتو، بس أنا مرتاح في الفندق، وبعدين ماينفعش أجي اقعد معاكِ وانتِ وميرنا عايشين لوحدكوا.
- وفيها إيه يعني!.. ما أنت ابن خالها.
- معلش يا عمتو، خليني كده أحسن عشان أبقى على راحتي، وانتوا كمان تبقوا على راحتكوا.
ارتاحت ميرنا لما سمعت ردي، بس عمتي ماكنش عاجبها إني اقعد لوحدي، وعشان كده قالت...
- طب خلاص، يبقي تروح تفتح بيت جدك وتقعد فيه، أنا هتصل بالبنت اللي بتيجي تنضف لي الشقة واخليها تيجي بكرة تنضفلك شقة ابوك.
- ياه.. هو انتوا مابيعتوش البيت كل ده؟!
بصت في الأرض شوية وحسيت ملامح وشها اتغيرت، بعدها قالت بصوت مليان حزن...
- أنا ماقدرتش أبيعه، وحتى لما أعمامك صمموا يبيعوه مالقوش مشتري.
- ليه.. هو البيت وحش أوي كده؟!
- لا مش قصة وحش، بس يعني...
سكتت شوية، فسألتها...
- بس إيه يا عمتو؟
- مافيش يا حبيبي مافيش، أنا بكرة هروح أنضف الشقة وانت أعمل حسابك من بكرة بالليل هتبات فيها.
-حاضر يا عمتو اللي تشوفيه.
بعد ساعتين استأذنت من عمتي ومشيت و احنا متفقين إنها هتروح بكرة تنضف الشقة و أنا هروح أقعد فيها، و فعلاً ده اللي حصل، كلمتني تاني يوم على الساعة 5 و قالت لي إنها خلصت، خدت شنطي و روحت البيت، كانت أول مرة أدخل بيت جدي، حسيت إحساس غريب ساعتها، حسيت بالحنين مع إني ماجتش البيت ده ولا مرة، بس في حاجة جوايا كإنها كانت متعلقة بالمكان ده قبل كده، طلعت الدور التالت اللي كان فيه شقة أبويا، ومع طلوعي عمتي فتحت لي...
- أدخل يا ياسين ، أدخل يا حبيبي.
دخلت و أنا متردد، كنت حاسس إني شوفت المكان ده قبل كده، بصيت حواليا، العفش كان قديم وكل حاجة في الشقة بتقول إن العمر اللي عدى ليلة مش سنين، على الحيطة كانت صورة لأبويا وأمي الله يرحمهم، شكلهم كان حلو وهم حاضنين بعض وبيضحكوا، حطيت الشنط على الأرض واتقدمت خطوات كمان وعمتي ماشية جنبي، حسيت ريحتهم في المكان، مشيت ناحية الأوضة بتاعتهم وفتحت الباب بهدوء ودخلت، في اللحظة دي اتخايلت بخيال قاعد على السرير، بس أول ما فتحت النور مالقتش حاجة! ولما دخلت الأوضة، لقيت هدومهم القديمة لسه متعلقة على الشماعة اللي في ركن الأوضة، ولقيت صورة على الكومودينو، قربت منها وأنا مستغرب، مسكتها وساعتها اتأكدت، في الصورة كان أبويا واقف بيضحك وجنبه أمي بنفس ابتسامتها، بس كان في طفل صغير نايم في سرير أطفال موجود قدامهم في الصورة، في اللحظة دي عمتي قربت مني، كان في دموع مغرقة وشها، ف سألتها و أنا مش فاهم حاجة...
- مين الطفل ده؟
- الطفل ده.. انت يا ياسين .
- أنا.. أنا ازاي؟!.. أنا اتولدت بره مصر وعمري ما نزلت مصر أبداً.
- لا يا حبيبي، انت اتولدت هنا على السرير ده، اتولدت على ايديا.
- ازاي ياعمتو!.. بس بابا ومأما عمرهم ما جابولي سيرة عن الموضوع ده، وحتى أوراقي مكتوب فيها إني اتولدت هناك.
- ده موضوع طويل، بلاش تدور فيه أحسن، إنسى اللي حصل يا ياسين و ماتسألش عن الماضي يا حبيبي.
- لا مش هنسى، أنا عايز أعرف إيه اللي حصل؟
- يا حبيبي قولتلك بلاش تـ...
في اللحظة دي الباب خبط...
- مين اللي بيخبط، هي ميرنا جاية؟
- لا ميرنا زمإنها في الشغل، استني أشوف مين؟
- لا خليكِ انتِ يا عمتو، أنا اللي هفتح، ده بيتي دلوقتي.
خرجت عشان افتح الباب، و أول ما فتحت لقيت عمي صالح واقف قدامي و وشه مليان غضب، بصت له بنفس النظرة و أنا بقوله...
- انت جاي هنا ليه؟
زقني و دخل الشقة وهو بيقول بصوت عالي...
- والله عال، ابن عالية فتح البيت وقعد فيه وكمان بيقولي إيه اللي جابك هنا!!.. انت اللي مين فتحللك البيت ده و أذنلك تقعد فيه؟
خرجت عمتي على صوته، أول ما شافها راح ناحيتها و زعقلها...
- ده اللي كان ناقص يا صباح، تدخلي ابن عالية بيت أبويا عشان ينجسه زي ما أمه نجسته زمان.
أول ما قال كده، جريت عليه وأنا متعصب...
- لولا إني مِحتِرم سنك ولولا إنك المفروض عمي، كان هيبقى ليا تصرف تاني معاك، إمشي اطلع بره.
- انت بتطردني من بيتي يا ابن عالية!.. صحيح عيل ابن حرام.
- احترم شيبتك وماتخلينيش أمد ايدي عليك.
قرب ناحيتي وهو بيرفع ايده عشان يضربني، في اللحظة دي عمتي زعقت فيه...
- صالح، مالكش دعوة بيه و اتفضل أمشي من هنا، امشي وماتجيش الشقة دي تاني، ولو حاولت تهوب ناحيته انت عارف أنا ممكن اعمل إيه .
برقلها أوي و بعد كده قالها...
- انتِ بتقوليلي أنا الكلام ده يا صباح!.. وعشان مين؟.. عشان العيل اللي مش عارفين ابن مين ده؟!.. إخص عليكِ يابنت أبويا.. إخص.
بص لي قبل ما يخرج باحتقار وقالي...
- وانت بقى وريني هتعرف تقعد في الشقة دي ازاي؟.. بكرة تحصل أمك، سلام يا.. يا ابن عالية.
خرج و رزع الباب وراه، وقتها عمتي قعدت على الكنبة وهي بتعيط، قربت منها وسألتها...
- بتعيطي ليه دلوقتي يا عمتي؟.. هو مشي خلاص وأكيد مش هيجي تاني.
- أنا عارفة إنه مش هيجي تاني، بس أنا خايفة عليك.
- خايفة عليا من إيه ؟!
- أنا ماكنتش ناوية أقولك، بس دلوقتي لازم تعرف عشان تقدر تخلي بالك وتحمي نفسك.
- في إيه يا عمتي؟!
دخلت أوضة أبويا و أمي، و بعد دقيقة خرجت و معاها أجندة، ناولتهالي وقالت لي...
- أمك الله يرحمها كانت بتكتب كل اللي بيحصل في الأجندة دي و تقريباً نسيت تاخدها معاها قبل ما تسافر، بعد موت جدك و لما أعمامك قرروا يبيعوا البيت، دخلت الشقة عشان ألِم حاجتهم، ولقيت الأجندة دي.. و بعد ما قريت اللي فيها قررت إني مش هبيع البيت مهما حصل.
- فيها إيه الأجندة دي يا عمتو؟
- اقرأ وانت هتعرف.
- بس أمي عمرها ما قالت لي عن الأجندة دي.
- ويعني هي كانت قالتلك انك اتولدت هنا، أمك كانت عايزة تقطع علاقتك بالماضي كله، بس واضح إنك لازم تعرف كل حاجة عشان تقدر تكمل، أنا همشي دلوقتي، أنا جيبتلك الأكل وماليتلك التلاجة، يعني مش هتحتاج تخرج من البيت، خلي بالك من نفسك.
- في إيه يا عمتو!.. انتِ بتودعيني ولا إيه ؟
- بعد الشر عنك يا حبيبي، أنا بس مش مطمنة للي صالح ممكن يعمله، لكن إن شاء الله خير.
- ماتقلقيش، أنا هعرف اتعامل معاه لو فكر يعمل حاجة.
- لا انت ماتعملش أي حاجة، ولو جالك هنا إوعى تفتح، وكلمني على طول وأنا هجيلك.
ماكنتش فاهم سبب قلقها ده، و بعدين لما هي قلقانة أوي كده، جابتني هنا ليه؟.. المهم سلمت عليا ومشيت و دخلت أنا قعدت على الكنبة و قدامي كانت الأجندة على الترابيزة، فضلت باصص عليها شوية وبعدين مسكتها، بس حسيت اني جعان، فقومت اعمل أي حاجة أكلها، دخلت المطبخ ولقيت عمتي كانت مظبطه كل حاجة فعلاً، عملت ساندوتشات و كوباية شاي وبعدها خدتهم وخرجت في الصالة بره، قعدت وحطيت الأكل على الترابيزة، بس.. بس ساعتها لاحظت إن الأجندة مش موجودة، راحت فين دي؟ دورت على الأرض وتحت الترابيزة لكن مالقتهاش، نزلت بصيت تحت الكنبة، ماكانتش موجودة برضه، في اللحظة دي حسيت بخيال و زي ما يكون الدنيا ضلمت، رفعت راسي ووقتها شوفتها، كانت واحدة ست بس مش قادر أعرف هي مين، شعرها مغطي وشها كله، كانت لابسه فستان أبيض بس غرقان دم من عند بطنها، كنت مرعوب وأنا شايف المنظر ده، ماكانِتش بتتحرك، فضلت واقفة قدامي بثبات، و بعد دقايق إختفت، قومت قعدت على الكنبة و بدأت أخد نفسي و أنا بحاول استوعب اللي شوفته، ماكنتش عارف دي مين ولا بتظهرلي ليه؟.. لكني فجأة سمعت صوت غريب جاي من ناحية الأوضة، كان صوت موسيقى، قعدت ثواني و أنا بركز في الصوت، أنا عارف الموسيقى دي كويس جداً، أيوة صح، دي الموسيقى اللي أمي كانت بتشغلها دايماً، قومت دخلت الأوضة بسرعة، وأول ما فتحت الباب الصوت بقى أوضح، بس ساعتها شوفت الست دي واقفة بترقص، كان ضهرها ليا، كانت بترقص وكإنها ماسكة في ايد حد أنا مش شايفه، فضِلت واقف اتفرج عليها لحد ما فجأة لفت ناحيتي وبصت لي، المرة دي ماكانش في شعر على وشها، بس وشها كان كله محروق، صرخت وخرجت بسرعة و أنا بقفل الباب ورايا، بس وأنا بجري ناحية الصالة اتكعبلت في السجادة الموجودة في الطرقة، وساعتها شوفت قدامي مفتاح، كان مفتاح قديم جداً، مسكته و في اللحظة دي سمعت صوت باب بيتفتح، لفيت ورايا وبصيت على باب الأوضة، لكني لقيته مقفول زي ماهو، قومت بهدوء و روحت لحد الكنبة و قعدت و أنا ماسك المفتاح و بفكر، ياترى المفتاح ده بتاع إيه بالظبط؟.. ماقدرتش أوصل لاجابة وعشان كده قررت أجرب أفتح بيه كل البيبان، قومت فعلاً بس عديت من قدام أوضة أبويا و أمي وماجربتش فيها المفتاح، روحت ناحية الأوضة التانية وجربته،وساعتها اكتشفت إن المفتاح ده صغير على الباب، و ده معناه إنه مش مفتاح باب، أكيد مفتاح حاجة تانية أصغر، دخلت الأوضة وفتحت النور، الأوضة ماكنش فيها غير سرير لفرد واحد وجنبه كومودينو وقدامهم دولاب صغير، روحت ناحية الدولاب وفتحته، بس كان فاضي، دورت بعيني بسرعة جواه يمكن يكون فيه درج أو أي حاجة، لكن برضه مافيش، قفلت الدولاب وساعتها سمعت صوت جاي من ورايا، لفيت ومالقتش حاجة، بس لاحظت إن درفة الكومودينو مفتوحة، قربت منها بهدوء وساعتها شوفت صندوق صغير موجود جوة الكومودينو، طلعت الصندوق وحطيت المفتاح وفعلاً فتح، أول ما الصندوق اتفتح لقيت جواه ورق كتير وصور، مسكت صورة منهم وبصيت فيها، إيه ده؟.. ازاي؟!!.. الصورة كانت لأمي وعمي صالح بس.. بس كان حاضنها بين دراعاته وهي بتضحك ومبسوطة، في اللحظة دي شوفتها واقفة عند باب الأوضة بتضحك بصوت عالي جداً، صوت ضحكتها كان مزعج، وفجأة صحيت من النوم!
لما فوقت لقتني نايم على الكنبة، بصيت حواليا لقيت الأكل و كوباية الشاي زي ما هم، أنا نمت ازاي و امتى؟.. واول ما افتكرت اللي شوفته، قومت جريت على الأوضة وفتحت الكومودينو، بس مالقتش حاجة، الصندوق فين؟.. سؤال ماكنش له إجابة، قلبت الشقة كلها وبرضه مالقتوش ولا لقيت المفتاح، قعدت مكاني وأنا بكلم نفسي بصوت مسموع...
- ازاي أمي والراجل اللي اسمه صالح ده حاضنين بعض!.. هي أمي كانت وحشة فعلاً زي ما الراجل ده قال؟
-وهي لو شريفة إيه اللي هيخليها تترمي في أحضان أخو جوزها وهي فرحانة أوي كده؟!
- لا أكيد في حاجة غلط، أمي مستحيل تعمل كده.
- هيكون في إيه غلط يعني؟
- ماعرفش.. بس أنا حتى مش متأكد إذا كان اللي شوفته ده حقيقة ولا مجرد أحلام.
- حقيقة، أكيد حقيقة.
- وانت عرفت منين؟
- ما هو يعني إيه اللي هيخليك تحلم بحاجة زي دي؟
- مش جايز كلام عمي زفت ده هو اللي أثر عليا وخلاني أرسم الصورة دي في أحلامي.
- امممم، والله هو جايز، بس جايز برضه تكون حقيقة وساعتها تبقى الست الوالدة لامؤاخذة يعني...
- استغفر الله العظيم، ياخي أخرج من دماغي بقى وسيبني في اللي أنا فيه دلوقتي.
- براحتك، أنا كنت عايز احذرك بس عشان ماتعيشش مضحوك عليك اللي باقي من عمرك زي ما عيشت اللي فات كله.
- لا لا أكيد في حاجة غلط.
فوقت من سرحاني وكلامي مع نفسي على صوت الباب بيخبط، اتخضيت لثواني وبعدها اتشجعت وقومت افتح، فتحت الباب بس مالقتش حد، بصيت على السلم، لكن برضه ماكنش في أي حد، دخلت وقفلت الباب، وأول ما قعدت على الكنبة سمعت الباب بيخبط تاني، خبطة، اتنين، تلاتة، قومت تاني، وبرضه مالقتش حد قدام الباب، رجعت وأنا متعصب وبقول "مين السخيف اللي بيعمل كده؟ لو شوفته دلوقتي مش هسيبه".. قعدت على الكنبة وبعد ثواني سمعت الخبط للمرة التالتة، بس ساعتها قررت إني مش هقوم وركزت، الخبط كان منتظم وبطريقة موسيقية، بعد دقيقة لقيت أمي خارجة من ناحية الأوضة وكانت لابسة هدوم شفافة، بصت ناحيتي وبعدها جريت على الباب وفتحته من غير ما تسأل مين بره، واول ما فتحت الباب شوفت عمي صالح داخل وبيقفل الباب وراه بسرعة، وأول ما دخل حضنته وقالتله...
- صالح، وحشتني أوي يا حبيبي.
- انتِ كمان وحشتيني يا روحي، أنا أول ما شوفت إبراهيم نازل قولت لازم أجيلك.
- كنت عارفة انك هتيجي.
- طب مش يلا ندخل جوة بقى.
- يلا ياحبيبي.
عدوا من ناحيتي وساعتها الاتنين بصوا لي، في اللحظة دي لقيت أمي وقفت وقالت له وهي بتبص لي...
- ثواني يا صالح.
- في إيه يا حبيبتي.
قربت مني بهدوء وهي بتبص لي، حسيت بالرعب، كانت مبتسمة ابتسامة مرعبة، مالت بجسمها ناحيتي، قربت مني جداً، أنفاسها بقت في أنفاسي، كتمت نفَسِي، بعدها خدت حاجة من جنبي ومشيت، بصيت على ايدها، كان معاها الأجندة، ابتسمت في وشي وخدت صالح من ايده ودخلت الأوضة، قومت دخلت وراهم، فتحت باب الأوضة لكن مالقتش حد جوة، راحوا فين دول؟.. رجعت الصالة وأنا بسأل نفسي بغيظ.. "ازاي؟ ازاي الأجندة كانت جنبي وأنا ماخدتش بالي منها؟!".. في الوقت ده لمحت خيال بيقرب عليا، ماكانتش الست اللي بتظهر لي كل مرة، لا، دي واحدة غيرها، شكلها كان عادي مش مرعب، قربت مني بهدوء، ف بدأت أحس بالخوف رغم إن ملامحها هادية، لكن فكرة إنها طيف في حد ذاتها كانت رعباني، قربت مني أكتر وهمست في ودني.. "الدور التاني".. قالت كده وبعدت عني، بصت لها، بس لاحظت إن نظراتها اتغيرت ووشها بان عليه الرعب، كانت باصة ناحية الطرقة اللي بتوصل لأوضة النوم، بصيت عشان أشوفها بتبص على إيه ، وساعتها سمعت ضحكة مرعبة جاية من هناك، ثواني وخرجت أمي، كانت مبتسمة جداً، بس بالتدريج ابتسامتها بدأت تختفي واتحولت لغضب وهي بتبرق للست اللي واقفة قدامي، الست اللي فجأة صرخت واختفت، ومع اختفائها كانت أمي واقفة في أول الطرقة بتضحك بصوت عالي وبعدها دخلت ناحية الأوضة تاني.
أنا مش فاهم أي حاجة، مين دول؟.. وليه الست دي خايفة من أمي؟!.. هي قالت الدور التاني، أكيد في حاجة هناك عايزاني أعرفها، أنا لازم انزل الدور اللي تحت وأعرف الست دي عايزة تقولي إيه ، بس هدخل الشقة ازاي؟
قومت دورت على أي حاجة افتح بيها الباب، بعد ربع ساعة كنت لقيت اللي أنا عايزه، نزلت تحت و وقفت قدام الباب وبصيت يمين وشمال، بعد كده بصيت على السلم عشان اتأكد إن مافيش حد موجود خالص، وفي ثواني طفشت الباب ودخلت، قفلت الباب بهدوء، الدنيا كانت ضلمة كحل، طلعت موبايلي ونورت الكشاف، سميت بسم الله ومشيت جوة الشقة، كنت حاسس إن في حد موجود في المكان بس مش قادر أشوفه بسبب الضلمة، وفجأة، بدأت أسمع صوت همس في ودني، ماكنتش فاهم اللي بيتقال، بس الصوت كان مزعج جداً، في اللحظة دي سمعت صوت باب بيزيق، مشيت ناحية الصوت، كان باب أوضة من الأوض، وجهت الكشاف ناحية الأوضة وساعتها شوفت المشهد ده، صالح كان واقف وقدامه على السرير ست نايمة جسمها على السرير و رجليها على الأرض، صالح بص ناحيتي، وشه كان مخطوف وباين عليه الفزع، بص للست دي شوية وبعدين شالها على كتفه و جه ناحيتي، بعدت عن طريقه، خرج من الأوضة، مشيت وراه، دخل أوضة تانية، وأول ما وصلت اكتشفت اني في الحمام، قلع الست هدومها وعلقها ورا الباب، في اللحظة دي وجهت الكشاف على وش الست، كانت الست اللي طلبت مني انزل هنا، قرب صالح من السخان وفتحه على الاخر، بعدها فتح الماية و خرج من الحمام، خرجت وراه، كان واقف قدام الباب بيبص عليها والحزن باين على وشه، بعد دقيقة قفل الباب ومشي، خرج وساب الشقة كلها، في اللحظة دي الصوت رجع يهمس في ودني تاني، بس المرة دي قدرت افهم اللي بيتقال، الصوت كان بيوجهني ناحية الأوضة اللي كان واقف فيها صالح، دخلت الأوضة فعلاً بس مش عارف أنا بدور على إيه ولا المفروض اعمل إيه ؟.. في اللحظة دي سمعت صوت حاجة بتخبط على الدولاب، كان صوت خبط منتظم، فتحت الدولاب ووجهت الكشاف، بس ماكنش في غير هدوم متعلقة على الشماعة، نورت بالكشاف وخرجت الهدوم كلها بره وفضيت الدولاب خالص عشان الاقي قدامي الصندوق، خرجته من الدولاب وحطيته على السرير، حاولت افتحه زي ما فتحت الباب، لكنه خد وقت طويل على ما اتفتح، نورت بالكشاف جوة الصندوق وشوفت نفس الصور اللي شوفتها في الشقة عندي، كانت صور بتجمع أمي بعمي صالح وهم مع بعض، وتحت الصور كان في ورق كتير، مسكت ورقة منهم و نورت بالكشاف وبدأت أقراها...
حبيبي صالح...
لا أُصدق حتى الآن أننا صرنا معاً، ولكنني لا زلتُ أحلم كل ليلة باليوم الذي ستحملني فيه إلي بيتنا الدافئ، حيث نعيش معاً إلي الأبد... حبيبتك المخلصة عالية.
ولما مسكت الورقة التانية لقيت فيها...
..... لقد أخبرني عمارة بأن مكروهاً قد أصابك، لا أستطيع أن أصف لك مدى قلقي وأنا بعيدة عنك، ولا أستطيع أن أكون جوارك في تلك المحنة، ولكن.. أنت من حذرني الإقتراب من عائلتك، أرجوك طمئنني... المخلصة لك عالية.
أما الجواب التالت...
حبيبي صالح..
لا تعرف مدى سعادتي بلقائنا اليوم، حمدت الله كثيراً أنه قد تقبل دعائي و أعادك إليَ سالماً، لقد كنت أموت كل ليلة من القلق، ولكنك ها قد عُدتَ من جديد إيه ا الفارسُ النبيل.. المخلصة لك عالية.
وفي الجواب الرابع...
حبيبي صالح..
يدفعني الشوق إليك، أذهب كل يوم إلي مكاننا وأنتظرك ولكنك لا تأتي، فأعودُ و الدموع في عيني، أريد أن أراك قريباً.. لقد تركتُ لك مع الخطاب شالاً من الحرير علَهُ يُذكرُك بي فتشتاق إليَ وتأتي على عجل... المخلصة لك علياء.
ماكنتش مصدق اللي بقراه، أمي كانت على علاقة بعمي قبل ما تتجوز أبويا، ازاي ده حصل، بس برغم كده فضولي خلاني أكمل، كنت عايز اعرف علاقتهم انتهت ليه، وليه أبويا اتجوز أمي من الأساس.. ولما مسكت الورقة الخامسة لقيت فيها...
عزيزي صالح...
لا أعرفُ سبب تفاجُئِكَ بخبرِ مولودُنا الجديد، ماذا كنت تنتظر بعد ما حدث بيننا؟.. كنت أعتقد بأنك ستفرح وأن ذلك سيجعلك تقدم موعدُ زفِافِنا، ولكنك حقاً فاجئتني بصُراخِكَ في وجهي واتهامُكَ لي بأني على علاقةُ بشخصٍ آخر، كيف يمكن لي أن أُحبَ غيرُك وانت من تمنيتُ أن أكون معه حتى الموت، كيف استطعت أن تفكر في خيانتي لك، لقد آلمتني بحق.. حبيبتك علياء.
وفي الجواب السادس كان مكتوب...
صالح...
إلي متى ستظل تتجاهل رسائلي؟.. إلي متى سياسين تمرُ الجفاءُ بيننا، لقد أتممت شهري الأول وسوف يكبر بطني قريباً، وانت لم تجد حلاً لتلك المشكلة سوى الإبتعاد، هل ستتخلى عن حبيبتك بتلك البساطة؟.. أين عهودك بأنني سأكون ملكة متوجة على عرش قلبك؟.. أين ما أسمعتني من عذب الكلام وحلاوته؟.. هل تقبل لي الفضيحة يا صالح؟.. أوبعدَ كل ما فعلته من أجلك تتركني؟
صالح...
لقد وصلني خطابك الذي أرسلته مع عمارة وقرأتُ ما فيه، لم تُعجبُنِي نبرةُ الخِطاب، هل حقاً تُهددنُي بأنك سَتكشِفَ أمري إذا لم أبتعد عن إبراهيم؟!.. أعتقد أنك لست بتلك الحماقة يا صالح، فأنا أعرفُكَ جيداً، أنت أجبنُ من أن تعترفَ بابنك، و أجبنُ من أن تقفَ في وجهِ أخِيك، فلو أنك تملُك تلك الشجاعة لكنتُ في كنفِكَ الآن، لا تحاول أن تُراسلَنِي مُجددأ وإلا سأكون أنا من ستُخِبر أخيكً بالحقيقة... حبيبةُ أخِيك علياء.
رميت الجوابات على جنب من غير ما أقرأ الباقي، كان في الصندوق سلسلة على شكل قلب، فتحتها، كان فيها صورة أمي وعم صالح، وكان في صورة مقطوعة نصين ومش باقي منها غير نص واحد فيه صورة صالح، ماكنتش قادر استوعب كل اللي أنا شايفه ده، مش مصدق، أمي كانت حامل فيا من عم صالح مش من أبويا!.. يعني أنا فعلاً ابن حرام زي ما قال صالح، بس ازاي؟.. ازاي أبويا أو عمي بقى بمعنى أصح، وافق يتجوز أمي وهو عارف إنها حامل؟.. و إزاي هي قِبلِت عليه كده؟.. طب ياترى كان عارف إن صالح هو السبب في حملها، ولا عاش ومات من غير ما يفرق معاه إنه يعرف أبو الابن اللي هو بيربيه العمر كله يبقى مين؟
في اللحظة دي سمعت صوت الباب بيتفتح، لميت الحاجة وحطيتها في الصندوق بسرعة و خبيته تحت السرير، قفلت نور الكشاف وخرجت بره بهدوء، بس فجأة النور اتفتح، كنت واقف عند باب الأوضة وقصادي الناحية التانية كان صالح واقف قدام باب الشقة، بص لي وضحك...
- كنت عارف إني هلاقيك هنا، جاي تدور على إيه يا ابن عالية؟
- أنا مش ابن عالية.. أنا ابن صالح، ابنك انت.
ضحك باستهزاء وقالي...
- هي أمك فهمتك كده قبل ما تموت؟!.. الله يرحمها عاشت خاينة وماتت كدابة، حتى ابنها اللي جابته من الحرام استخسرت تقوله الحقيقة.
- أمي ماقالتليش حاجة، هي كانت بتقولك انت، أنا قريت الجوابات اللي كانت بتبعتهالك.
وشه اتغير وجاب ميت لون، فكملت كلامي وقولتله بزعيق...
- وكمان شوفتك وأنت بتقتل مراتك، قتلتها ليه؟
سكت وماكنش عارف يرد، المفاجأة كانت باينة عليه، بس بعد دقيقة استجمع قوته وقالي...
- قريت الجوابات!.. وأنت بقى صدقت إني ابوك فعلاً، مش كده؟.. وبعدين مراتي إيه اللي أنا قتلتها؟!.. مراتي ماتت مخنوقة من الغاز وهي بتستحمى.
- أنت كداب، أنت اللي قتلتها، خنقتها على السرير وبعدين دخلتها الحمام وفتحت الغاز عشان تبعد الشُبهة عنك.
- بص يااض.. أنت كده كده مش هتخرج من هنا سليم، ومن حقك تعرف الحقيقة قبل ما تموت، ايوة... أنا وأمك كنا بنحب بعض زمان، وبعد اللي حصل بيننا، جت وقالتلي إنها حامل، بس أنا ماصدقتهاش، وبعدها راحت لفت على أخويا وضحكت عليه، حاولت كتير ابعدها عنه، بس ماكانتش بترتجع، هو اتجوزها وهو عارف إنها شايلة عيل من الحرام، الله يرحمه قال يُستُر عليها ويكسب ثواب، كنت خايف عليه في الأول، بس بعد كده بدأت أغير منه وحبها شعلل في قلبي من تاني، خصوصاَ بقى لما شوفت معاملتها له وقد إيه بتحبه، ف حاولت أقربلها بس كانت بتصُدني، زقيت عليها رجالة كتير يحاولوا معاها، بس صانت أبوك وحافظت على شرفه، عرفت وقتها إنها ماخنتنيش وان اللي في بطنها كان مني فعلاً، لكن ناري ماهديتش وحلفت اني أبعد بينها وبين إبراهيم بأي طريقة، خدت الشال بتاعها اللي كان في الصندوق ومعاه صورة قصتها من الصور اللي كنا متصورنها مع بعض، وروحت لدجال، دجال خليته يعمل عمل يفرق ما بينهم، والغريبة بقى انهم وقعوا في بعض كام يوم بس، وبعد كده رجعوا أحسن من الأول، الموضوع كان مستفز عشان كده هددت أمك لو ماسابتوش وبِعدِت عنه هقتلها هي وابنها، كانت فاكراني بهوش، بس لما اعترفتلها إن أنا اللي قتلت سهام مراتي اللي كان عاملة زي البومة وقرفاني في عيشتي، خافت، خافت ولقيت إبراهيم بعدها بكام يوم بيفاتح أبويا انه عايز ياسين افر وياسين يب البلد خالص، ساعتها حسيت بالغيرة أكتر، يعني أنا قتلت مراتي بسببها وهي تسافر معاه وتعيش متهنية.
قاطعته ساعتها وسألته باستغراب...
- ثانية بس.. أنت عمال تتطلع نفسك ملاك والناس كلها شياطين وولاد ستين في سبعين، مراتك إيه اللي قتلتها عشان أمي؟.. هي كانت قالتلك روح اقتلها؟
- هم شياطين فعلاً، مش أنا اللي بطلعهم كده، و ايوة أمك هي السبب في قتل سهام، لاني قتلتها بعد ما فتحت الصندوق وشافت اللي فيه، دخلت عليها لقيتها بتقرأ الجوابات وبتقلب في الصور وهي بتعيط، أول ما شافتني قامت وقفت وقالت لي...
- انت ازاي حقير كده؟
فرديت عليها بغل..
- احترمي نفسك يا سهام ورجعي الحاجة دي مكإنها وماتسأليش عن حاجة ماتخصكيش.
- هو إيه ده اللي مايخصنيش!.. مرات أخوك كانت حبيبتك وحِملت منك، والغلبان هو اللي بيشيل غلطكوا، وطبعاً تلاقي الهانم مقرطساه زي ما انت مقرطسني.
- قولتلك لمي نفسك يا سهام.
-ألم نفسي، قولي يا صالح غلطت معاها تاني بعد ما أخوك اتجوزها ولا لا؟.. اتاريك كل ما نتجمع بتبقى مش على بعضك وهي قاعدة، اتاري نار الحب مشعللة ما بينكوا و أنا و أخوك الغلبان مش داريانين، بس لا.. أنا هفضحك وهفضحها وهخلي سيرتكوا على كل لسان يا شوية أنجاس.
- قولتلك هاتي الحاجة دي ولمي دورك.. مش كفاية اني مش طايقك.
- انت لسه شوفت حاجة، اوعى كده إبعد عني، و ديني لا افضحكوا.
كانت واخدة الصور وخارجة بره، شديتها من ايديها وضربتها بالقلم، فضلت تصرخ، زقتها ع السرير وفضلت أضرب فيها بالأقلام، بعدها شوفت عالية قدامي مكإنها ، مسكت رقبتها وخنقتها، خنقتها عشان غدرت بيا وبأخويا، ولما فوقت، لقيتها قاطعة النفس، خوفت اتكشف فاخترعت حوار الغاز ده، عرفت بقى إن أمك هي السبب في قتلها؟
- أنت مجنون، اكيد مجنون، لا يمكن تكون طبيعي أبداً.
- مش هتفرق بقى.. قول اللي انت عايزه، أنت كده كده ميت، وابقى سلملي على أمك وقولها إنها وحشتني رغم كل اللي عملته فيا أنا واخويا ومراتي.
قرب مني وهو بيشمر دراعاته، بس في اللحظة دي الباب اتفتح ودخل عم عمارة ومعاه ياسين .. ايوا ياسين اللي قال...
- ازيك يا صالح؟
بص له صالح باستغراب، وبعدين سأله...
- انت مين؟.. مين ده يا عمارة وإيه اللي جايبكوا هنا؟
مسك ياسين ايد عمارة قبل ما يرد على صالح وشاورله ياسين، بعدها قرب من صالح وقاله...
- أنا ياسين .. ابنك يا أبويا.. يا صالح.
- يييـ.. سً.. ازاي؟.. أومال.. أومال أنت مين؟
كان بيبص لي ساعتها والدهشة على وشه، ف رديت عليه بابتسامة...
- أنا فارس.. أخو ياسين الصغير، بس مش الصغير اوي يا أونكل.
- ازاي؟
ضحك ياسين وقاله...
- أنت فاكر إن أنت بس اللي بتعرف تخطط وتنفذ وتقتل، ده ابنك طلع أجدع منك، أمي الله يرحمها ممتتش في حادثة زي ما عم عمارة قالك، لا هي كان عندها كانسر، وقبل ما تموت بيومين قالت لي كل اللي انت عملته، وقالت لي كمان انك قتلت مراتك واعترفت لها بكده، وطلبت مني ما انزلش مصر أبداً، بس بعد موتها فكرت كتير و شوفت قد إيه انت أذيتها و أذيت أبويا اللي هو أخوك، وكمان أذيت مراتك المسكينة اللي ماكنش ليها أي ذنب غير إنها اتجوزتك، قررت ساعتها انك لازم تدفع تمن كل اللي عملته، و أولهم تمن رميتك ليا السنين دي كلها، لما قابلت عم عمارة طلع عارف كل حاجة، وبالمناسبة هو اللي بوظ العمل اللي انت عملته زمان، وعرف أمي كل حاجة يومها، وبالمناسبة برضه أبويا عرف بعد ما سافروا ان انت اللي غلطت مع أمي وعشان كده قطع علاقته بالعيلة كلها من يومها، قطع علاقته بيكوا عشان ماكنش قادر يبص في وشك، بس الغريبة يا أخي انك مابطلتش وساخة بعد العمر ده كله، وكإنها بتجري في دمك، روحت لنفس الدجال تاني عشان تخليه يبعت واحدة من بتوعه وتوهم فارس إن أمه كانت خاينة فعلاً زي ما انت قولتله، مصمم تشوه سمعتها حتى وهي ميتة عشان مش قادر تستوعب إن ربنا بعتلها اللي ينقذها، وفضلت انت كده.. لوحدك.
كنت قادر أحس بالنار اللي قايدة جوة صالح، كانت عينيه حمرا زي الدم من كتر الغضب وهو بيعض على شفايفه بعد ما حس بغبائه، كمل ياسين كلامه وقال...
- دلوقتي جه وقت الحساب، كل اللي أنت قولته لفارس اتسجل، والبوليس في الطريق، وبكده ابقى رجعت حق أمي وأبويا ومراتك كمان، وحتى عم عمارة كمان خد حقه لما شارك في كل اللي حصل وكان بيلعب بيك كل شوية ويكلمك عشان تروح لفارس عند عمتي، وكمان لما كلمك عشان تيجي هنا دلوقتي ونسجلك كل ده، ولسه هياخد بقية حقه لما ارجعله نصيبه في الدكان اللي طردته منه بعد ما كان أبوه شريك فيه بالنص مع جدي، كل واحد خد حقه يا صالح إلا أنا، أنا.. ابنك اللي رميته واتبريت منه، وقولت عليه ابن حرام، لسه ماخدتش حقي منك.
بص له بخوف وقاله...
- و و وااا..أنت عايز تاخد حقك ازاي يا ابن صالح؟
- ابن صالح.. كان نفسي اقولك حلوة بس مش قادر لإنها أوسخ من ابن الحرام، انت عمرك ما كنت صالح ولا كنت أبويا، انت شيطان ماشي على الأرض وكده وكده هتتعدم لما البوليس يجي.
في اللحظة دي دخل البوليس وقبض على صالح.. صالح اللي بمجرد ما قبضوا عليه قبضوا ونزل معاهم من البيت، جت له سكتة قلبية ومات.. تقريبًا من الصدمة او من الحزن، مش عارف.. ومايخصنيش إن اعرف، المهم إن بعد كده البيت كله بقى ملكي، وده لما يس سافر للدولة اللي كنا فيها ورجع لشغله ولحياته، وسابلي البيت، أما عمتي، فتنازلت عن نصيبها وقالت إنها مش عايزة حاجة من البيت الملعون ده، وأنا اتنازلت عن المحل كله لعمارة لأني شوفت انه حقه.. بعدها بسنة اتجوزت أنا وميرنا في البيت، ولسه لحد دلوقتي بحاول أدور على الأجندة بس مش لاقيها، وتقريباً كده مش هتظهر تاني أبداً... بس الست لسه موجودة وكل شوية بشوفها وهي بترقص على نفس الموسيقى مع أبويا.
تمت بحمد الله
بقلم الكاتب: شادي اسماعيل