القائمة الرئيسية

الصفحات

 

مرياح قصص رعب

بقلم الكاتب: شادي اسماعيل

- انا فين وايه اللي جابني هنا؟.. افتحوا الباب.

فضلت أصرخ من ورا القضبان، بس ماحدش كان بيرد عليا، مش عارف عدى وقت قد ايه وانا هنا، لكن تقريبًا من ساعة مافوقت، فات يجي خمس أو ست ساعات، سألت السؤال لنفسي بهدوء ومن غير زعيق المرة دي، انت فين وايه اللي جابك هنا؟.. عقلي حاول يدور على إجابة يجاوبني بها، مش فاكر حاجة، يأست وكنت قربت اتجنن، لكن فجأة سمعت صوت جاي من بعيد، قومت جريت ناحية القضبان، حاولت ابص على اللي جاي لكني مش شايف حد، بصيت ناحية اليمين شوية، وبعدين بصيت ناحية الشمال، كنت بحاول اخرج راسي من بين القضبان عشان اشوف، وفجأة سمعت حد بيقولي...

- بتعمل ايه؟

لفيت ناحية اليمين وساعتها شوفتهم، اتنين شكلهم غريب، الأول كان طويل جدًا وجسمه ضخم، اما التاني فكان قصير وضعيف، منظرهم كان مرعب، وعشان كده رجعت لورا بسرعة وانا ببصلهم بخوف وسألتهم...

- انتوا مين وعايزين مني ايه؟

بص الطويل للقصير اللي جنبه وضحكوا الاتنين ضحك هستيري، استغربت ضحكهم واستنيت لحد ما خلصوا وبعدها سألتهم...

- هو انتوا بتضحكوا على ايه؟

- انت مش عارفنا فعلًا؟

- لا انا مش فاكر حاجة، هو انا اعرفكوا قبل كده؟

بص الطويل للقصير وقاله...

- مش قولتلك يا غندر، البشر اغبى الكائنات.

- عندك حق يابابا، دول اغبيا أوي؟

بصتلهم بغيظ وقولتلهم...

- ايه ياعم انت وهو، انتوا بتتكلموا كده ليه؟!.. وبعدين بشر ايه اللي اغبيا، ده على اساس انكوا مش بشر يعني؟

رد القصير ببرود وهو بيهز دماغه...

- تؤ مش بشر.

الكلمة رعبتني، خلتني بلعت ريقي بصعوبة وانا بقوله...

- يعني.. يعني ايه مش بشر؟! اومال انتوا ايه؟

- احنا جن.

في اللحطة دي أغم عليا، ماعرفش فوقت بعد قد ايه، لكن لما فوقت لقيت نفسي قاعد على الأرض وراسي مسنودة على الحيطة، فتحت عيني ببطء وانا حاسس بوجع في دماغي من ورا، حطيت ايدي على مكان الألم، وفجأة لقيت الاتنين واقفين قدامي، بصيتلهم برعب والدموع اتسحبت من عيني بسرعة وانا بسألهم...

- انتوا عايزين مني ايه؟ وانا هنا ليه؟

رد عليا الطويل...

- ولما انت بتخاف مننا اوي كده، ايه خلاك عايز تيجي هنا؟

- انا!.. انا اللي كنت عايز اجي هنا؟!

- طبعًا، ماحدش بيجي هنا غير بمزاجه.

- انا مش فاكر أي حاجة حصلت قبل كده.

- ده طبيعي بعد اللي عمله فيك السيد مرياح.

- مرياح مين؟! وعمل فيا ايه؟

- مرياح هو سيدي وسيد قبيلتي، اما اللي عمله فيك، فمش هقدر اقولك عليه.

- طب انا هنا ليه؟

- لانك عصيت أوامره، وده عقوبته شديدة.

- أوامره!.. وهو كان عايز مني ايه طيب؟

- مش عارف، بس هو طلب مني احبسك هنا بتهمة عصيان الأوامر.

- طب وهو انت مين؟

- انا سجانك، واسمي عَقِيل، وده ابني غندر.

- طب انا هخرج من هنا امتى؟

- لما يأمر سيدي مرياح.

لف عًقًيل وشه وراح ناحية الباب وخرج، بعد ما قفل باب الزنزانة قالي...

- يا إنسي، في ايدك الخلاص، بس لما تفهم.

سابني ومشي بعدها، ماكنتش فاهم هو قصده ايه وايه اللي هو عايزني افهمه؟

فضلت قاعد مكاني ببص على حيطان الزنزانة بيأس وسؤال جوايا بيتردد، ياترى مين مرياح وعايز مني ايه؟ فجأة سمعت صوت ومعاه بدأت أحس اني دايخ ، الصوت كان بيعلى أكتر وأكتر وانا بقفل عيني وبغيب عن الوعي...

- خالد.. خالد.. ياخااااالد.

فتحت عيني لقيت نور النجفة اللي في سقف الأوضة ضارب في وشي، حطيت ايدي على عيني وبصيت على اللي بينده، كان أكرم صاحبي...

- خير يا أكرم في ايه؟

- ايه ياعم، الساعة بقت5 المغرب، انت مش عندك شغل ولا ايه؟

قومت مخضوض وانا بقوله...

- يا نهار ابيض، ده الشيفت معاده 3، انت ازاي تسيبني نايم كل ده يا أكرم؟

- ياعم انا دخلت صحيتك مرتين، اول مرة انت رديت عليا وقولتلي ماعنديش شغل، ورجعت افتكرت انك قولتلي انه عندك شغل مهم النهاردة، ف دخلت وصحيتك تاني، بس المرة دي رديت عليا بعصبية وصوتك كان غريب اوي، فخوفت لاتقوم تضربني وقولت ماليش دعوة، انت أدرى بشغلك.

كنت بسمعه وعلى وشي علامات تعجب، وبعد ماخلص سألته...

- صوتي كان غريب ازاي؟

- ماعرفش بس كان تخين أوي ومتعصب.

- انت متأكد إن انا اللي كنت بتكلم؟

ضحك وهو بيقولي...

- اومال هيكون خيالك مثلُا!.. وبعدين قوم يلا عشان تلحق اللي فاضل من الشيفت.

- لا لا انا مش هروح النهاردة، هكلمهم اعتذرلهم بأي حِجة وخلاص.

- يابني قوم ويتخصملك ساعتين أحسن ما يتخصملك اليوم كله.

- لا انا تعبان اصلًا ومش قادر، وكده كده مش هتفرق يعني، هو اليوم كله بكام ياحسرة.

- اللي يريحك، انا هخرج بقى عشان الماتش هيبدأ.

- هو مين اللي هيلعب؟

- مصر وتونس.

- اه صحيح ده النهاردة، طب شغل القناة وانا هفوق واجي اتفرج معاك.

- ماشي يلا.

خرج أكرم وشغل التلفزيون بصوت عالي جدًا زي ما متعود في الماتشات المهمة، وانا فتحت تليفوني بصيت على كام رسالة كده وبعدها قومت من على السرير، اه بالمناسبة، أكرم يبقى صاحبي وقاعد معايا في شقتي اللي ورثتها عن أهلي، اتعرفت عليه من فترة، هو مش قاعد معايا دايمًا، بس ساعات بيتخانق مع أهله، فبيجي يقعد معايا، صحيح.. انا عرفتك على صاحبي قبل ما اعرفك على نفسي، انا خالد، عندي 23 سنة، خلصت جامعة وشغال تلي سيلز في شركة من شركات العطور، ابويا مات بقاله سنتين، وأمي ماتت وانا عندي خمس سنين، وعشان كده عايش في الشقة دي لوحدي، ويمكن ده سبب رئيسي اني اوافق على وجود أكرم معايا في البيت أغلب الوقت، هو دايمًا بيحسدني عشان عايش لوحدي، مايعرفش إن الحياة لوحدك هي جحيم لايُرى من الخارج، لكن يًحس إذا ما انغمست فيه، سامحني، الفصحي ساعات بتخرج غصب عني وده بسبب قرأتي الدايمة للكتب، تقريبًا دي الهواية الوحيدة اللي بمارسها، صحيح أكرم حببني في الكرة، لكن بالنسبة لي لسه القراءة هي رقم واحد.

قومت من السرير وخرجت ناحية الحمام، كان أكرم قاعد على الكنبة اللي في الصالة قدام الشاشة، وقفت وراه وانا بتفرج على اللاعيبة داخلة أرض الملعب، المذيع كان متحمس أوي وهو بيقول "لاتعرف المصري من التونسي إلا من خلال حمله الأعلام الوطنية المصرية والتونسية"

فعلًا شكل الجمهورين كان حلو جدًا، دخلت الحمام بسرعة عشان الحق ارجع قبل الماتش ما يبدأ، بس وانا خارج سمعت المذيع بيقول "المنتخب التونسي اليوم يلعب بمُعز حسن في حراسة المرمي، ثلاثي دفاع، منتصر الطالبي في جهة اليسار، بلال العيفة على اليمين، وفي القلب ياسين مرياح"

وقفت مكاني أول ما سمعت الاسم الأخير "مرياح" انا سمعت الاسم ده فين قبل كده؟.. حاولت افتكر لكن ذاكرتي ماسعفتنيش، سمعت ساعتها صوت أكرم بينادي عليا بصوت عالي...

- يلا يا ياخالد الماتش بدأ.

رديت عليه...

- جاي اهو يا أكرم، بقولك ايه انا هدخل أعمل شاي الاول، اعملك معايا؟

- ماشي، بس متتأخرش عشان الماتش شكله جامد.

دخلت المطبخ، ماليت البراد وحطيته على النار، ركنت ضهري على الرخامة وانا مستني الماية تغلي، ساعتها اتردد الاسم في دماغي بطريقة غريبة، زي ما يكون حد غيري بينطقه بالصوت التخين اللي كان بيقول أكرم انه كلمه وانا نايم "مرياح.. مرياح.. مرياح.. مرياح.. مرياح" بعدها سمعت صوت زمجرة وحد بيقول بلسان تقيل وصوت مرعب"مرياح".. كنت حاسس إن الأرض بتلف بيا ومش قادر أقف، اتحركت عشان اخرج الصالة، وأول مارفعت جسمي من على الرخامة، وقعت على الأرض وماحستش بحاجة.

فتحت عيني لقتني نايم على الأرض، قومت قعدت بصعوبة وساعتها بصيت حواليا، لقتني بين أربع حيطان في نفس الزنزانة، ونفس الوجع في راسي من ورا، مشيت لحد القضبان وبعدين ندهت بصوت عالي...

- يا عَقِيل، يا غندر، خرجوني من هنا.

كنت بخبط على القضبان الحديد وبصرخ بكل مافيا من صوت...

- يا عَقِيل يا غندر، ارجوكوا خرجوني من هنا.

فضلت اصرخ لحد ما فجأة ظهر عَقِيل قدامي من العدم، ولما رجعت لورا من المفاجأة، صرخ فيا...

- ايه في ايه؟ بتزعق كده ليه؟!

- خرجني من هنا، انا ماعملتش حاجة عشان تحبسوني؟

- ما انا قولتلك خلاصك في ايدك، انت اللي مش عايز تفهم.

- افهم ايه بالظبط؟

- مش مسموحلي اقولك، وانت لو عايز تخرج لازم تشغل دماغك، ودلوقتي ارجع ورا ومش عايز اسمع دوشة تاني.

- يا عَقِيل اسمعني، انا عايز ارجع بيتي، امي وحشتني.

- انسى امك ياانسي، مش هتشوفها تاني، ده لو خرجت من هنا حي.

- طب.. طب خليني اقابل مرياح، انا عايز اتكلم معاه.

- سيدي مرياح مابيتكلمش مع مساجين، واحسنلك ماتقابلوش لانه ممكن يأمر باعدامك وقتها.

- طب انا جعان.

- هجيبلك تاكل مع ان ده ممنوع عليك.

- شكرًا يا عَقِيل.

- بس ياريت تبطل دوشة وإلا العقاب هيكون شديد.

- حاضر.

سابني عَقِيل ومشي، رجعت قعدت مكاني على الأرض تاني، بعد شوية لقيته جايب أكل زي ماوعدني، بعدها سألته...

- هو انا لوحدي في المكان هنا ولا في حد غيري؟

بص لي بغضب وقالي...

- مش كتير اللي بيغلطوا غلطتك، وعشان كده نادر لما اتنين بيتجمعوا في المكان هنا.

سابني وخرج، بصيت على الأكل اللي جابه، كانت صينية حجمها متوسط عليها طبق رز وبولة شربة، ووو.. ايه ده؟ دي.. دي بولة دم، كان في طبق كبير في نص الصينية متغطي بغطا استيل، مديت ايدي بتردد ورفعت الغطا، وساعتها رجعت لورا بسرعة، اللي في الطبق كانت راس بني آدم، زقيت الصينية برجلي بعيد، ورجِعت على الحيطة بضهري، حسيت اني عايز ارجَع، وفعلًا بعد ثواني رجَعَت، في الوقت ده سمعت صوت جاي من بعيد...

- خالد يا خالد.

حسيت بدوخة في دماغي وزي مايكون حد ضربني على وشي بالقلم...

- خااااااالد.

اغم عليا وماحسيتش بحاجة.

- انت يابني، فوق الله يخرب بيتك.

فتحت عيني لقيت أكرم قاعد قدامي وبيضربني على وشي، بصيت له باستغراب وانا بقوم اقعد، وساعتها لقتني نايم في أرضية المطبخ، استغربت وقبل ما اقول اي حاجة سألني أكرم بلهفة...

- انت كويس؟

- هو ايه اللي حصل؟

- ماعرفش.. انت قولتلي داخل تعمل شاي وحسيت انك اتأخرت، ولما ندهت عليك ولقيتك مش بترد، قومت عشان اشوفك ف لقيتك واقع على الأرض.

- انا مش عارف ايه اللي حصل بس كل اللي فاكره اني...

- انك ايه؟

- مش فاكر حاجة، قومني يا أكرم عشان حاسس اني تعبان.

- هات ايدك طيب.

سندني أكرم لحد ما قعدني على الكنبة قدام التلفزيون، بصيت على الشاشة لقيت الماتش في الدقيقة 20، افتكرت.. انا كنت داخل والماتش لسه بيبدأ، واسم.. اسم.. "مرياح" ايوة "مرياح".. ايه ده؟ ثانية واحدة، مين اللي نطق الاسم في ودني دلوقتي ده؟.. اتلفتت حواليا يمين وشمال، بص لي أكرم باستغراب وسألني...

- في ايه ياعم خالد؟ ماتروشناش معاك بقى.

- لا مافيش، انا كنت ببص على حاجة كده.

- طب اهدى بقى خلينا نركز في الماتش عشان شكلنا هنتغلب كتير.

- بنلعب وحِش ولا ايه؟

- زي الزفت، ماروحناش الماتش اصلًا.

- طب قوم اعمل الشاي بقى عشان انا حاسس اني مصدع ومش قادر.

- طب انت محتاج نروح لدكتور ولا حاجة؟

- لا لا، هو ممكن ارهاق من ضغط الشغل الفترة اللي فاتت، هشرب الشاي وهبقى كويس ان شاء الله.

- ماشي.

دخل أكرم عشان يعمل الشاي وانا بصيت في الشاشة وكملت فرجة على الماتش، شوية و جِه أكرم وشربنا الشاي وبعد شوية الشوط الأول خلص، فقومت زقولتله وانا قايم...

- ماتش يحرق الدم، انا هدخل اوضتي اعمل شوية حاجات كده على ما يخلص.

- ياعم اقعد، كيروش هيعدل الخطة الشوط التاني وهنكسب.

- ياعم كيروش مين بس الله يرضى عليك، ده ده لوحده يحرق الدم، هبقى اجي اقعد معاك لما الماتش يخلص.

- ماشي.

دخلت أوضتي وقفلت الباب، قعدت على طرف السرير وبعدها فتحت درج الكومودينو وطلعت منه صورة قديمة، صورة ليا انا وأمي وابويا، كان عندي ساعتها 3 سنين تقريبًا، بدأت اكلم نفسي وانا باصص للصورة...

- انا عارف انك مش فكراني وانك مالحقتيش تقعدي معايا، بس انا فاكرك كويس، وفاكر كل حاجة عملتيها عشاني.. انتِ وحشتيني أوي، وحشني حضنك.. عارفة لما كنت صغير في المدرسة، كانوا العيال واحنا مروحين كل واحد فيهم بيجري على حضن أمه اللي مستنياه قدام البوابة، كان بيبقى نفسي اخرج في يوم الاقيكي مستنياني، بس للأسف ماكنتيش بتيجي، ماكنتش عارف ايه السبب، سألت بابا كتير لكنه ماكنش بيجاوب، ف كنت بروح كل يوم وانا مكسور من جوايا، ولما كبرت شوية رجعت سألته تاني، بس في مرة صرخ في وشي وقالي.

في اللحظة دي خبط أكرم على باب الأوضة، رميت الصورة في الدرج بسرعة وقفلته، بعدها مسحت دموعي ورفعت راسي وقولتله...

- ادخل.

فتح الباب ودخل وقف قدامي وقالي...

- الماتش ده رخم أوي وشكلنا هنخسر، بقولك ايه، ماتيجي ننزل، انا جعان وكده كده عايز اغير جو.

سكِتت شوية وبعدين قولتله...

- ماشي، اديني خمس دقايق بس البس واجي معاك.

- خلاص هستناك بره.

- ماشي وانا مش هتأخر.

قومت لبست هدومي، وخرجت بره لقيت الماتش في الدقيقة 70 تقريبًا، اتفرجت على دقيقتين وبعدين قولت لأكرم...

- مش يلا ولا ايه؟

- اه يلا، ياعم شوط انت بتعمل ايه!

- يلا يا أكرم.

قفلت الشاشة ورميت الريموت على الكنبة، روحنا ناحية الباب وهو بيقولي بعصبية...

- لاعيبة تعبانة وربنا.

- عشان كده مش بحب اتفرج على كورة.

خرج أكرم وانا بصيت ناحية أوضة ابويا وأمي بصة أخيرة، وقفلت أنوار الشقة والباب ونزلنا.

مشينا شوية.. بس واحنا معدين قدام القهوة سمعت المعلق بيقول "جول.. با با با.. جول في منتهى الروعة.. جول، هكذا هم التوانسة في اللحظات الأخيرة يفعلوها"

وقف أكرم ساعتها قدام الشاشة بتاعت القهوة وهو بيشتم شتايم بشعة، وتقريبًا كل اللي في القهوة كانوا بيشتموا نفس الشتايم، وكمان كان في منهم اللي حاطط ايده على راسه في حسرة وندم، بصيتلهم باستغراب وبعدين قولت لأكرم بصوت عالي...

- ايه ياعم أكرم ماتهدى شوية، ده ماتش كورة، مش مستاهل كل ده.

- ياعم ماتش كورة ايه.. دي لاعيبة مش حاسة بقيمة تي شيرت مصر اللي هي لبساه.

- ياعم وذنب اللاعيبة ايه، ماهم عملوا اللي عليهم.

رد عليا واحد من اللي واقفين بعصبية...

- عملوا اللي عليهم ايه ياعم، دول لاعيبة شِبعت خلاص، فلوس وعربيات، وهيروحوا دلوقتي ولا في دماغهم الناس اللي دمها اتحرق واتنكدت دي.

- طب اديك قولتها اهو.. هو هيروح مش في دماغه، انت بقى دمك محروق ليه؟

- عشان اسم مصر ياجررع، طب هو ماعندوش دم يبقى يروح يقعد في بيتهم، لكن اللي يلعب باسم مصر لازم يبقى عنده نخوة ويعرف قيمة فانلة بلده.

- طب اهدى بس يابرنس، وهاردلك.

- هو انت تونسي ولا ايه؟

- لا والله مصري.

- اومال ايه هاردلك دي!

- انا اسف ياسيدي حقك عليا، يلا ياعم أكرم الله يباركلك.

بص أكرم للشاب ده وقاله...

- لاعيبة ماتستاهلش الفلوس اللي بتاخدها.

رد عليه الشاب...

- اه والله يا اوساذ، عالم ماعندهاش دم.

شديت أكرم من ايده وانا بشاور للشاب وبقوله...

- سلاموا عليكوا يانجم.

قالي وهو بيبص للشاشة بغيظ...

- وعليكوا السلام، والله واتبهدلنا من غيرك ياابو صلاح.

أكرم طول الطريق كان ماشي مضايق جدًا وعمال يتكلم في الماتش، وطبعًا انا كنت مقدر عصبيته، لكني مش قادر اجاريه في الكلام لاني مش بفهم في الكورة خالص، دخلنا المطعم وطلبنا الأكل وهو برضه لسه عمال يتكلم في الماتش، وفضل يرفي لحد ما قاطعته...

- بقولك ايه ياعم أكرم، انا مش ناقص صداع بالله عليك، خلاص خسرنا واللي حصل حصل، مش هنقعد في سيرة الماتش طول اليوم.

- عندك حق، انا بس دمي محروق، البطولة كانت حلوة وحرام تروح من ايدينا.

- قدر الله وماشاء فعل، انا عايز أكل بمزاج بقى، ممكن؟

- ماشي ياسيدي، اتفضل كُل.

كلت شوية وبعدين بصيت له وسألته...

- صحيح، انت هتعمل ايه النهاردة؟.. هتروح ولا هتيجي معايا البيت؟

- لا أروح ايه!.. ده انا مش طايق نفسي النهاردة وابويا كده كده مش طايقني، يعني لو روحت هنتخانق تاني وهرجع ابات عندك، فانا هاخدها من قاصيرها واجي معاك على طول.

- ماشي.. يبقى أحسن برضه.

وبعد الغدا، اتمشينا شوية في الشارع وبعدين عدينا على سينما، وساعتها بصيتلها وقولتله...

- بقولك ايه، مش انت بتحب السينما؟

- اه.. اشمعنا؟

- طب ماتيجي ندخل الفيلم ده.

- هي طلبت معاك سيما، ماشي، بس انت اللي هتعزمني.

- ماشي ياسيدي، يلا وانا اللي هعزمك.

دخلنا السينما وبعد ما خلصنا الفيلم خرجنا واحنا مبسوطين وميتين من الضحك، كان فيلم كوميدي ولذيذ، وواحنا بنتمشى فاجئني أكرم لما قالي...

- تعرف اني بحسدك على حياتك.

- عارف.

- لا بجد مش بهزر، احساس جميل انك تعيش لوحدك، من غير أب بيمسك لك الساعة ويدخلك في تحقيقات، روحت فين وجيت منين؟.. ولا أم كل شوية تتخانق معاك عشان

حاجات تافهة، عيشة مقرفة.

شوطت برجلي طوبة صغيرة كانت موجودة على الرصيف وبعدين قولتله من غير ما ابصله...

- متهيئلك، وجود الأب والأم في حياتنا نعمة كبيرة، بس مابنحسش بيها غير لما نفقدها، يمكن صحيح بيخنقونا شوية بالتحقيقات وتقييد الحرية، بس ده بيكون لمصلحتنا، مش عشان هم حابين يتراخموا علينا.

- مش عارف بقى.. بس انا ساعات بحس ان ابويا بيكون قاصد يعمل كده عشان يضايقني، بدليل اني لما بتعب مش بلاقيه خايف عليا، بالعكس، ده بيفضل يتريق عليا ويقول اني عيل طري وبدلع.

- يمكن ابوك بطبعه قاسي حبتين، إنما هو أكيد بيحبك.

- طب ما انت ابوك كان بيحبك، ليه ماعملش معاك كده؟

- مش عارف، جايز كان طبعه كده، وجايز عشان أمي ماتت وانا صغير، بس الحقيقة انه كان أب حنين.

- يابختك ببه والله.

- يا ابني ماهو مات خلاص، هتحسدني على الراجل حتى بعد مامات؟!

ضحك وهو بيقولي...

- انا قصدي يابختك انك قدرت تعمل معاه ذكريات حلوة، عارف، انا لو ابويا مات دلوقتي مش هلاقي أي ذكرى حلوة تجمعني بيه.

- ياه!.. للدرجة دي؟!

- وأكتر كمان، انت مش قادر تتخيل انا عايش في ايه.

- ربنا يهديهولك.

- يارب.

كنا وصلنا عند البيت، اديت أكرم المفتاح وقولتله...

- اطلع اسبقني وانا هشتري شوية حاجات للتلاجة واحصلك.

- طب اجي معاك.

- لا لا، اطلع انت وانا هحصلك، عشان كمان عايز اعمل تليفون كده وانا ماشي.

- ماشي ياعم، الله يسهله.

- ياعم اطلع بلا الله يسهله، وزي ما انت عارف، اياك تدخل أوضة ابويا.

- نفسي اعرف فيها ايه الأوضة السرية دي؟

- هبقى اقولك.

طلع اكرم وانا اشتريت الحاجة وبعدها طلعت فوق، ولما دخلت من باب الشقة، لقيته قاعد قدام الشاشة وبيتفرج على فيلم أجنبي، دخلت على المطبخ ورصيت الحاجة وبعدها سألته...

- اعملك شاي معايا؟

- ياريت.

خلصت الشاي وخرجت بره حطيت الصينية على الترابيزة، وقعدت على الكرسي اللي جنب الكنبة، مد أكرم ايده وخد كوبايته وانا خدت كوبايتي، اتفرجنا على الفيلم وبعدها حسيت براسي بتتقل وجفوني بتغمض لوحدها.

لما فتحت عيني كنت ساند براسي على الحيطة، بصيت قدامي لقيت عَقِيل واقف عند القضبان بيبص لي ومبتسم، اتعدلت في قعدتي وساعتها شوفت صينية الأكل زي ماهي في مكانها، بصيت عليها باشمئزاز وانا حاطط ايدي على بوقي عشان مارجَعَش، ضحك عَقِيل ضحكة عالية وقالي...

- خلاصك في ايدك، ياتاكل ياتموت.

- راس مين دي؟

- مش عارف، ولا عامل نفسك ناسي؟

- ناسي ايه؟! انا ماعرفش مين ده؟

- لا انت عارف كويس، انت بس محتاج ترجع بالذاكرة لورا شوية.

- ارجع بالذاكرة ازاي؟.. ما تقولي مين ده وتريحني؟

- حاضر، هقولك.

قبل ما عقيل يتكلم حسيت روحي بتتسحب مني، وبعدها سمعت صوت حد بيصرخ...

- خالد.. خااااااااااالد.

فتحت عيني وانا مفزوع، لقتني قاعد على الكرسي مكاني، بس فجأة لقيت أكرم على الكرسي اللي قدامي ومتربط، لسه هقوم من مكاني لقيت حاجة وقعت من حجري على الأرض، بصيت عليها.. كانت.. كانت سكينة، وطيت جيبتها وبعدين بصيت له وسالته...

- مين عمل فيك كده؟

- أرجوك ماتقتلنيش يا خالد، انا ماعملتلكش حاجة.

- اقتلك!.. وانا هقتلك ليه يابني؟!

بص لي بذهول وهو بيقولي...

- اومال كتفتني كده ليه؟.. والسكينة دي بتعمل ايه في ايدك؟

- انا اللي بسألك، مين كتفك كده؟

- ماعرفش، بس أكيد انت اللي كتفتني كده، انا شربت الشاي وبعدها ماحسيتش بحاجة، ولما فوقت لقيتك نايم على الكرسي والسكينة على رجلك.

لما خالد قال كده، ساعتها سمعت صوت في ودني بيقول...

- القرار قرارك، اما هو أو انت.

- انت مين؟.. وعايز مني ايه؟

- انا مرياح، وانت اللي استدعتني.

- انا ماستدعيتش حد.

- مش معقولة كل مرة هفكرك، ايه نسيت!.. نسيت اللي حصل في الأوضة دي.

بصيت على أوضة ابويا، كنت شايف نفسي وانا داخل الأوضة وشايل كوباية شاي، بعدها خبطت على الباب ودخلت وقفلت الباب ورايا، جريت بسرعة روحت ناحية الأوضة وفتحت الباب ووقفت قدامه، كنت شايف ابويا قاعد على السرير وانا بقدمله الشاي وبقوله...

- اتفضل يابابا.

خد مني كوباية الشاي وهو بيقولي...

- تسلم ايدك يا خالود.

فضلت باصص عليه وهو بيشرب الشاي بهدوء وبعدين سألته...

- صحيح يابابا، هي ماما ماتت ازاي؟

وشه اتغير وحط الكوباية على الكومودينو وهو بيقولي...

- يوووه.. انت مابتزهقش من ام السؤال ده؟

- لا انا عايز اعرف ماتت ازاي؟

ولع سيجارة في توتر، وبعدين شرب من كوباية الشاي وقالي...

- امك ماتت موتة ربنا.

سألته ببرود ومن غير أي احساس...

- يعني انت ماقتلتهاش عشان خانتك مع عمو فريد؟َ!

بص لي بعيون مليانة غضب...

- انت.. انت ازاي تقول حاجة زي دي على أمك ياكلب انت؟!

- مش انا اللي قولت.

- اومال مين ابن الكلب اللي قالك الكلام ده؟

- مرياح.

- مرياح!.. مرياح مين؟!

- اللي واقف وراك دلوقتي ده.

اتوتر اكتر وبص وراه ببطء وخوف، ماكنش شايفه، وعشان كده لف وقالي...

- واقف ورايا فين ده؟.. مافيش حد، مالك يا خالد؟

ابتسمت وانا بقوله...

- ماهو انت مش هتقدر تشوفه.

- انا.. انا..

مالحقش يكمل الجملة ووقع على السرير، في اللحظة دي اتحركت بسرعة جيبت كرسي التسريحة وقعدته عليه، كنت شايف مرياح بيساعدني وهو مبتسم، بعدها ربطته كويس وقعدت قدامه على طرف السرير واستنيته لحد ما فاق، واول مافتح عينيه بص لي بفزع وهو بيحاول يفك نفسه، ولما ماعرفش صرخ فيا...

- فٌكني يابن ال.... فُكني.

هزيت راسي ببرود وانا بقوله...

- لا مش هفُكك غير لما تجاوب عليا وتقولي امي ماتت ازاي؟

رد بعصبية وغيظ...

- قولتلك امك اتنيلت ماتت موتة ربنا.

- لسه مصمم تكدب!.. بس على فكرة، لو ماقولتش الحقيقة انا هقتلك.

- تقتلني!.. خالد.. خالد ياحبيبي بلاش اللي انت بتفكر فيه ده، ده انا ابوك اللي بيحبك.

- انت اللي حرمتني من امي سنين كتير، وانا بقى عايز اعرف ليه؟

- يابني والله ماكنش ليا ذنب في موتها، هي أجلها انتهى لحد كده.

- بس مرياح بيقول غير كده، بيقول ان انت قتلتها وعلى السرير ده.

- مرياح مين ده كمان؟!.. وبعدين لو انا قتلتها، مش كان زماني محبوس وواخد اعدام؟!

- لا ماهو بيقولي انك قدرت تثبت انها خاينة وعشان كده ماتحبستش.

- طب.. طب ومرياح ده يعرفني منين؟

- مرياح ده صاحبي، وهو اللي جاوبني على السؤال اللي انت رفضت لسنين تجاوبني عليه، وساعتها عرفت انت ليه ماكنتش بتجاوبني.

- يابني اعقل وفُكني.

- ماما ماكانتش تستاهل منك كل ده.

عيط بهستيرية وهو بيقولي...

- انا السبب.. انا السبب، كان لازم اتأكد انك بتاخد الدوا بنفسي.

- طب ما انا باخد الدوا، مرياح مش بيروح مع الدوا، مرياح صاحبي قولتلك، ومش هيسيبني أبدًا، ولا انت عايز تقتله هو كمان زي ماقتلتها؟

- اوعى تسمع كلامه يا خالد، انا ماقتلتش أمك ولا أمك كانت خاينة زي ماهو بيقولك.

- ولما هي مش خاينة قتلتها ليه؟

- يابني ماقتلتهاش.. والله العظيم ماقتلتها.

بصيت ساعتها جنبي وسألت مرياح...

- تفتكر بيقول الحقيقة ولا بيكدب عشان اسيبه؟

بعد شوية هزيت راسي وانا بقوله...

- انا كمان رأيي كده.

اتكلم ابويا وقالي بتوسل...

- خالد أرجوك فُكني، اقولك فُكني وانا هجاوبك على اللي انت عايزه.

- مرياح بيقولي انك بتضحك عليا عشان توديني المستشفى تاني، وانا مش عايز اروح هناك تاني، انت عارف بيعملوا فيا ايه هناك؟.. طبعًا ماتعرفش.

- خلاص.. خلاص.. مش هوديك هناك تاني، والله العظيم ماهوديك، اوعدك.

- وعدتني قبل كده وبرضه ودتني، بس المرة دي انا مش هصدقك، انا مش هقبل اني اتعذب تاني.

قومت روحت ناحيته ووقفت وراه، مسكت دقنه بايدي الشمال ورفعت راسه لفوق وانا بقوله...

- مش هتعذب تاني أبدًا.

مشيت السكينة على رقبته بايدي اليمين، الدم ضرب زي النافورة، بصيت لمرياح ساعتها وانا ببتسم، ابتسم في وشي وهو بيهز دماغه.

كنت واقف مصدوم من اللي بشوفه، خرجت بعدها وقفلت الباب، وانا حاسس اني هموت، ساعتها لقيته في وشي، مرياح، بص لي وهو مبتسم وقالي...

- افتكرت انا مين؟

- انت اللي خلتني قتلته، انا كنت بحبه.

- ده كان اتفاقنا من الاول.

- اتفاق ايه؟.. انا ما اتفقتش معاك على حاجة.

بص ناحية أوضتي، فبصيت للأوضة باستغراب وبعدين روحت هناك، فتحت الباب، وساعتها شوفت نفسي وانا قاعد على السرير وماسك في ايدي كتاب شكله غريب، كنت قاعد بقرأ وباين عليا الرعب، بعدها سمعت نفسي وانا بقول كلام مش مفهوم، كنت بردد الكلام أكتر من مرة، ومرة واحدة شوفت مرياح، رجعت لورا من الخوف، ابتسم في وشي وقالي...

- انت عارف معنى استدعائك ليا؟

- ايوة عارف.

- هتقدر تنفذ؟

- هقدر.

- عارف لو مانفذتش هيحصل فيك ايه؟

- هتحبسني في العالم بتاعك؟

- أو هقتلك.. القربان يتسلم في ميعاده.

- هعملك كل اللي انت عايزه بس انت كمان تنفذ طلباتي.

- وايه طلبك؟

- عايز اشوف أمي، عايز اعرف ليه سابتني ومشيت؟

- طلب بسيط.

تمتم مرياح بكلام مش فاهمه، وساعتها شوفت أمي واقفة قدامي وبتضحك في وشي، جريت عليها بس مرياح منعني لما قالي...

- اياك تلمسها.

وقفت مكاني وانا بقولها...

- أمي.. سيبتيني ليه؟

- غصب عني ياحبيبي، أبوك هو السبب.

- عمل ايه ابويا؟

- اسأله وهو هيجاوبك.

- هو مابيرضاش يجاوبني.

- عشان مش هيعرف يقولك انه...

وفجأة اختفِت، جريت على المكان اللي كانت واقفة فيه...

- أمي.. أمي ماتسيبنيش تاني ياأمي.

بصيت لمرياح وقولتله...

- رجعها تاني أرجوك، خليها تقولي ايه اللي حصل.

- مش هينفع دلوقتي، لازم تقدم القربان الأول وبعدين تطلب طلب تاني.

قفلت الباب بسرعة ولفيت وشي ناحية الصالة، ساعتها لقيت مرياح واقف قدامي...

- فاكر اول قربان قدمته كان ايه؟

- كان القطة بتاعتي، قتلتها يومها في الحمام وسلمتهالك بايدي.

- وطلبت مني بعدها تشوف امك تاني، بس انا قولتلك ان ابوك قتلها عشان خانته مع عمك فريد.

- وقولتلي اني لو عايز اشوفها تاني، لازم اقدم قربان بشري المرة دي.

- وقتلت ابوك.

- وشوفت امي بعدها.

- وحشِتك؟

- جدًا.

- انت عارف بتعمل ايه كل مرة عشان تشوفها؟

مشيت ناحية الترابيزة ومسكت السكينة، قربت من أكرم بهدوء، كان بيحاول يفُك نفسه من الربطة اللي مربوطها لكن ماقدرش، بصت له والدموع بتنزل من عيني...

- سامحني يا أكرم، غصب عني.

- لا، أرجوك.. بلاش يا خالد.

وقفت وراه ومسكت دقنه ورفعت راسه...

- مابقاش ينفع خلاص.

- لااااا.

مشيت السكينة على رقبته، الدم ضرب زي النافورة، وفجأة ظهرت قدامي أمي، كانت قاعدة على الكنبة ومبتسمة، رميت السكينة على الأرض ومشيت ناحيتها، نمت على رجلها، لعبت في خصلات شعري، ونمت نوم عميق.

لما صحيت، لقيت الشقة نضيفة، روحت ناحية اوضة ابويا، كان في ديب فريزر محطوط مكان الدولاب، فتحته، وساعتها لقيت راس أكرم وبقية جسمه موجودين فوق باقي الأكياس القديمة، ابتسمت وانا بقول بتريقة...

- احلى حاجة فيك يا مرياح النضافة.

أكرم ماكنش الضحية الأولى، بصراحة هو كان أسهلهم وده بسبب علاقته السيئة بابوه المفتري، الراجل مافكرش يسأل حتى ابنه بيبات فين لما بيسيب البيت، ولما عرفت كده واتأكدت ان ماحدش يعرف مكانه ولا حد هيسأل عليه، اختارت انه يكون ضحيتي الجديدة، وده لما خليته يسبقني وروحت الصيدلية وجيبت المنوم اللي بصرفه بروشتة العلاج النفسي اللي الدكتور كاتبهولي، بعدها حطيت المنوم في الشاي، ومن هنا بيجي دور مرياح، هو اللي بيستلم مني الضحية، بيكتفها كويس وانا يدوب اصحى على التنفيذ، اشوف أمي واقعد معاها لحد ما انام، وبعدها بيستلم مرياح القربان يقطعه ويشيله في التلاجة وبعدها ينضف الشقة، الدكتور بيقولي إن مرياح مش جن حقيقي وانه شخصية خيالية من اختراعي، بس انا مش مجنون عشان اخترع شخصيات خيالية، مرياح موجود، اومال مين اللي بياخد القربان مني وبيقطعه ويشيله؟ ومين اللي بينضف الشقة؟ مرياح بيكره الدوا، وبيقولي إن الدكتور عايز يموته، انا مش هقبل إن ده يحصل، عشان كده اتصلت بالدكتور وقولتله اني تعبان ومحتاجه يجيلي البيت ضروري، مش عارف ليه مرياح المرة دي كان بيبص لي وهو حزين مش مبتسم زي كل مرة.

******

بعد ماخلصت قراية، قفلت المذكرة وانا بقول للظابط اللي قاعد قدامي...

- ده يافندم كل اللي كان مكتوب في مذكرات خالد.

بص لي بأسف وسألني...

- تفتكر يا دكتور خالد مريض فعلًا ولا بيدعي المرض عشان يفلت من كل الجرايم اللي ارتكبها؟ احنا لحد دلوقتي بس اتعرفنا على بقايا 10 جثث.

- لا.. خالد مريض فعلًا يافندم ومحتاج يتعالج.

- طب وهو انت عرفت منين انه هيهاجمك؟

- طبيعة مرض خالد ماتخليهوش يطلب مني طلب زي ده، وعشان كده شكيت في طلبه وجهزت نفسي للتعامل مع أي شخصية هتظهر، وزي ماتوقعت، حاول معايا الأول انه يخدرني، بس فشل، ولما شكيت وماشربتش الشاي اللي قدمهولي، هجم هجوم صريح، بس الحمدلله كنت مستعد وصعقته بالصاعق وبعدها ربطته واتصلت بيكوا.

- الحمدلله انك كنت مستعد وإلا كان زمانك في الديب فريزر.

ضحكت وانا بهز دماغي...

- الحمدلله يافندم.

المريض النفسي مش شخص مجنون، لابس هدوم مقطعة وماشي يزعق في الشارع، بالعكس، هو شخص عادي جدًا، وهادي جدًا، ممكن تكون بتقابله في الجامعة، في الدرس، في الشغل، او على القهوة، وحتى ممكن  يكون عايش معاك في عمارة واحدة وانت ماتعرفش، عشان كده لازم نكون حذرين في التعامل مع اللي حوالينا ومانديش الأمان لأي حد بسهولة، وكمان لازم نحاوط على أولادنا ونعرف هم بيروحوا فين وبيجوا منين، بس بهدوء وبحب، مش بعنف وخناق، وكمان ماينفعش نسيبهم يباتوا بره من غير مانعرف هم بايتين فين ومع مين... لأنهم وارد يكونوا بايتين مع مريض نفسي عايش معاه.. مرياح.

تمت بحمد الله 


 بقلم الكاتب: شادي اسماعيل


التنقل السريع