
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل
- وحدوووه.
(صوت جماعي)
- لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله.
- البقاء لله يا جماعة.
- ونعم بالله يا عم سلامة.. خد امضى على الورقة دي.
- هات ياسيدي.. صحيح الإنسان مش أكتر من ورقة.. بورقة بيدخل الدنيا وبورقة بيخرج منها.
مضيت على الورقة وبعدين وقفت استنى جنب العربية، ولحد ما الأمانة تيجي، خليني استغل الوقت ده واعرفك بنفسي.. انا سلامة الغراب، والحقيقة لقب غراب ده مالوش علاقة بلقب عيلتي، ده لقب طلع عليا بسبب الشغلانة اللي بشتغلها، بس بصراحة هو احسن من لقب حانوتي، يبان اسم شيك كده ومش أي حد هيفهم المعنى، يعني لو قولت لحد سلامة الغراب مش هيتجنب التعامل معايا زي ما بيحصل لما بقول سلامة الحانوتي، تقريبًا انت كمان اتشائمت مني دلوقتي لما عرفت شغلانتي، بس هعمل ايه يعني ماهو انا وزمايلي لو ما اشتغلنهاش، مش هتلاقي حد يقوم بالمهمة دي في أي حالة وفاة لك، ويمكن حتى مش هتلاقي حد لمؤاخذة لما تموت يدفنك.. وبعدين انا مش عارف الناس بتتشائم ليه؟!.. مع إن الموت هو الحاجة الوحيدة المؤكدة في الدنيا دي.. ثانية واحدة اشوف ابراهيم عايز ايه...
- ازيك يا عم سلامة؟
- الحمدلله يا هيما.. انت اخبارك ايه؟
- في نعمة الحمدلله.. بس غريبة جاي بنفسك النهاردة؟.. اومال الواد سفروت فين؟
- سفروت ياسيدي سافر البلد عشان أمه تعبانة شوية.
- لا ألف سلامة عليها.. ابقى سلملي عليه والنبي.
- الله يسلمك.. قولي بقى ايه الموضوع؟.. انا شايف زحمة كتير.. كل الناس دي جاية تستلم الأمانة.
- مافيش ياسيدي، الواد ده أبوه راجل محبوب أوي، وكمان هو وحيد ابوه وأمه، ده اللي انا عرفته من كلامهم وهم واقفين يعني، بيقولك بقى انه مات في حادثة.
- لا حول ولا قوة إلا بالله.. ده عنده كام سنة؟
- 25 سنة.
- ياعيني ده لسه شاب.
- وأي شاب، ده كان زينة الشباب.
- هو انت تعرفه يا هيما؟
- الحقيقة لا، بس ده اللي الناس اللي واقفه بيقولوه.
- يلا ربنا يرحمه، ماهو مابيروحش غير الطيبين اليومين دول.
- طب افتح الباب بقى ياعم سلامة عشان الأمانة وصلت.
(صوت جماعي)
- لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله.
- زقوا التابوت جوة يا رجالة.. ايوة بس كده، راسك بقى يا استاذ عشان نقفل الباب.
قفلت الباب وبعدين بصيت للي كانوا شايلين التابوت وقولتلهم...
- شوفولنا بقى حد عارف المدفن عشان يركب معايا.
رد واحد من اللي واقفين وقالي...
- انا هركب معاك.
- انت قريبه؟
- اه انا ابن عمه.
- طب يلا بينا عشان نتكل على الله.
ركبنا العربية وبعدها اتحركت وشغلت قرآن زي ما انا متعود دايمًا، انا لسه فاكر الآية اللي كانت شغالة يومها...
" وَلا تَحسَبَنَّ اللَّـهَ غافِلًا عَمّا يَعمَلُ الظّالِمونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فيهِ الأَبصارُ*مُهطِعينَ مُقنِعي رُؤوسِهِم لا يَرتَدُّ إِلَيهِم طَرفُهُم وَأَفئِدَتُهُم هَواءٌ"
وفاكر وقتها الشاب اللي كان راكب جنبي قالي بدون مقدمات...
- ممكن توطي الصوت شوية؟
استغربت وقولتله...
- ده قرآن يعني عشان...
- ايوة ايوة عارف.. بس عادي وطي الصوت كده كده احنا سامعين.
- ماشي اللي تشوفه.
وطيت الصوت زي ما طلب، وبعدين بصيتله لاقيته بيعيط بحرقة، كان شكله وانفعالاته غريبة، ده حتى طلع علبة سجايره وقالي...
- ممكن اشرب سيجارة؟
- لا مش ممكن، دي عربية نقل موتى، ويمكن يكون قريبك شاب صالح والملايكة معانا دلوقتي.. هتطفشهم بسجايرك.
- طيب طيب.. بس شد شوية.
- انا ماشي براحة عشان الناس ماتوهش مننا.
سكت وماتكلمش بعدها لحد ما وصلنا للمدافن وساعتها نزل بسرعة من العربية، وطريقته خلتني اراقبه بفضول، أول ما نزل ساب كل اللي بيحصل وراح وقف مع تلاتة شباب على مدخل الممر اللي فيه المدفن، ومدخلش مع بقيت المشيعين، فضلوا واقفين هم الأربعة وسط العربيات اللي راكنة، اما انا فاستنيت لحد ما نقلوا الجثمان ورجعوا التابوت في العربية تاني، بعدها خدت حسابي ومشيت، لكن كان نفسي اعرف حكاية الواد اللي ركب معايا ايه قبل ما امشي.. بس مش مهم الواحد ياما بيورد عليه أشكال وألوان، هي الشغلانة دي كده، بتوريك حقايق البشر، لانك بتشوفهم في اللحظة الوحيدة اللي مستحيل يتجملوا فيها، اللحظة اللي مابتفرقش ما بين فقير وغني، او بين جاهل ومتعلم.
بعد ما خلصت روحت على الدكان، وفي اليوم ده نقلت جثمانين بعدها، واخر اليوم روحت البيت، ركنة العربية تحت وطلعت، خدت دش واتعشيت، بعدها دخلت في السرير ويدوب لسه هغمض عيني، جالي تليفون...
- ايوة يا سفروت.
- ايوة ياعم سلامة.
- عامل ايه ياض والحاجة عاملة ايه؟
- الحاجة تعيش انت ياعم سلامة.
- لا حول ولا قوة إلا بالله.. امتى ده حصل؟
- الصبح.
- وماعرفتنيش ليه يابني؟
- دماغي ماكنتش فيا والله يا عم سلامة.
- البقاء لله يا حبيبي شد حيلك.
- الشدة على الله، انا قولت بس اكلمك عشان ماتعملش حسابك عليا اليومين دول.
- لا لا، براحتك، خليك جنب اخواتك الفترة دي هم اكيد محتاجين لك.
- تسلم ياعم سلامة.
- البقاء لله ياحبيبي مرة تانية.. ولو احتاجت أي حاجة كلمني على طول.
- الله يخليك دايمًا سداد.
قفلت معاه وحطيت التليفون جنبي على الكومودينو، وساعتها دماغي بدأت تودي وتجيب، الواد سفروت ده انا اللي مربيه على ايدي، ولما سيبت البلد وجيت هنا شبط يجي معايا، ومش أصول اعرف إن أمه ماتت واسيبه في الظرف ده، انا لازم اروحله، الصبح إن شاء الله هطلع على البلد، وليه الصبح ما دلوقتي في يومها، صح الواجب ماينفعش يتأجل، قومت لبست هدومي وعرفت مراتي إني نازل البلد عشان اعزي سفروت وابقى جنبه، نزلت تحت، ركبت عربيتي ودورت لكن العربية مابتدورش، قعدت بتاع ربع ساعة أحاول أدورها لكن مافيش فايدة، بصيت في ساعتي وقتها لاقيت الساعة 10 بالليل، طبعًا مش هلاقي حد يصلحها دلوقتي، بصيت على العربية التانية وقررت أسافر بها، وكده كده انا رايح اعزي يعني مش هتفرق كتير لو دخلت بعربية نقل موتى يعني، ركبت العربية واتحركت، بس الغريبة اني لما دورت العربية التسجيل اشتغل على نفس الآية اللي الواد قالي اوطي الصوت عندها الصبح، بصيت على التسجيل شوية قبل ما اتحرك، ماعرفش ليه كنت حاسس إن في حد معايا في العربية، لدرجة إني لفيت ورايا أكتر من مرة عشان اتأكد إن مافيش حد، المهم، في نص الطريق تقريبًا ركنت عند استراحة عشان انزل اجيب كوباية شاي واشرب سيجارة لإني مش بدخن في العربية دي، دخلت الإستراحة، طلبت الشاي، ووقفت قدام البوفيه مستني الراجل يناولهولي، لفيت وشي ناحية العربية وساعتها.. ساعتها شوفت حد قاعد على الكرسي اللي جنبي، دققت النظر أكتر وانا بخرج من الإستراحة وماشي ناحية العربية، لكن ماكنش في حد، وقفت مكاني وانا مركز على الكرسي اللي جنبي، لحد ما فوقت على صوت الراجل بتاع الإستراحة بينده عليا...
- الشاي ياسطى.
لفيت وشي وروحت خدت منه الشاي ورجعت تاني، ومن الإستراحة لحد العربية عيني ما اتشالت من على الكرسي اللي جنبي، وأول ما وصلت بصيت من الإزاز بس برضه مافيش حد، استعاذت بالله من الشيطان الرجيم، ولفيت الناحية التانية، حطيت كوباية الشاي على الكبوت وطلعت علبة سجايري وولعت سيجارة، كنت بحاول انسى الموضوع واقنع نفسي انه تهيؤات، خلصت الشاي ورميت السيجارة وبعدها فتحت الباب وركبت، كنت حاسس بخوف ورهبة من العربية مش عارف ليه؟.. دورت وأول ما القرآن اشتغل حسيت اني هديت شوية، اتحركت بالعربية وطلعت على الطريق، وبعد كام متر بدأ الطريق يضلم، وبدأت أرجع احس بحاجة معايا في العربية، كنت بقنع نفسي إنه تأثير الخوف اللي جوايا، وانه مافيش حاجة، فوقت على صوت كلاكس قوي جاي من ورايا، بصيت في المراية اللي في النص وساعتها لفيت الطارة كلها ناحية اليمين وبعدها دوست فرامل على الأخر، كان.. كان في حد بيبصلي من المرايا، فضِلت لثواني خايف الف ورايا، رفعت راسي ببطء وحاولت استجمع شجاعتي وبصيت في المراية تاني، لكن.. لكن ماكنش في حد، المرة دي لفيت بسرعة وبصيت ورا، برضه مافيش حد، وفجأة سمعت صوت بيقول...
- انا جنبك ياعم سلامة.
حسيت اني اتشليت، ماكنتش قادر الف وشي تاني، خصوصًا لما سمعت الصوت ده بيقول...
- الظالم بيفتكر انه هيقدر يهرب بعملته، بينسى إن في عقاب ربنا، وإنه مُطلع وعارف كل شئ.. حتى لو ماحدش شافه.. ماتخافش ياعم سلامة انا مش هأذيك.. انا عايزك تساعدني.
في اللحظة دي لفيت جسمي واتعدلت في الكرسي بتاعي، ومن غير ما ابص جنبي سألته بلسان تقيل...
- ااا نت مين؟.. وووعايزني اساعدك في ايه؟
- انا شاهين.. اما عايزك تساعدني في ايه؟.. فدي قصة طويلة لازم احكيهالك الأول عشان تعرف هتساعدني ازاي.
- ايوة بس انا...
- انت الوحيد اللي هتقدر تساعدني، أرجوك.
- طب قولي ايه الحكاية؟
- انا هحكيلك اللي حصل من الأول...
انا ونبيل اتولدنا في نفس الشهر، ومن ساعتها واحنا ماتفرقناش ابدًا، ورغم انه ابن عمي إلا إن كل اللي يشوفنا يقول علينا اخوات، كنا شبه بعض في كل حاجة، بنحب نفس الحاجات وبنخرج في نفس الأماكن، وتقريبًا اصحابنا كانوا دايمًا بيكونوا نفس الشلة، يعني الخمسة ستة اللي بنعرفهم مابيتغيروش، لحد ما الايام تفرقنا وانا ونبيل نصاحب شلة جديدة، وهكذا، لحد ما اتعرفنا عىل الشلة الأخيرة، اللي انت شوفتهم ساعة الدفنة.
كنت بسمعه وانا باصص قدامي ومافكرتش الف وشي وابصله، وسألته وانا لسه باصص قدامي...
- يعني نبيل هو اللي كان راكب العربية الصبح؟
- ايوة هو.
- طب وليه طلب مني اوطي القرآن؟
- ماتستعجلش يا عم سلامة.. هتعرف كل حاجة دلوقتي.. خليني أكملك...
بعد ما خلصنا الثانوية، دخلنا الجامعة وفي الفترة دي اتعرفنا انا ونبيل على ناصر، كان معانا في نفس الكلية، ماكنش وسيم بس برغم كده كان بيصاحب بنات كتير، مش عارف كانوا بيعجبوا به على ايه!.. وقضينا الترم الأول كله انا ونبيل وناصر، ماتعرفناش على حد جديد بس نبيل كانن منبهر بطريقة ناصر في التعرف على البنات، وحاولت كتير ابعده عنه لكن ناصر كان من الشخصيات اللي بتفرض نفسها على أي حد تعرفه، في الترم التاني ناصر عرفنا على واحد جديد اسمه سالم، بصراحة ماكنتش حابب الموضوع بالذات انه من طرف ناصر فأكيد هيكون شبهه وبنفس طباعه، لكن الحقيقة سالم كان مختلف تمامًا عن ناصر، يعني كان شخصية هادية ومش بتاع بنات زي ناضر ولا حتى بيشرب سجاير، حسيت انه يشبهني انا أكتر مايشبه نبيل أو ناصر وعشان كده وفي وقت قصير بقى صاحبي الانتيم، اما نبيل فبدأ يميل لناصر، عدت الأيام، ودخلنا سنة رابعة وفي يوم كنا قاعدين في الجامعة وناصر كعادته، مش عاتق الرايحة ولا الجاية، وفجأة لقينا واحد داخل علينا، كان شكله بلطجي أو صايع، مسك في خناق ناصر، ولما حاولنا نفهم السبب، اكتشفنا إنه عاكس واحدة تبعه، لمينا الموضوع، وكلمة في التانية بقى الدولي صاحبنا الخامس، كان اسمه محمود بس بيندهوله بالدولي، كنا شلة مختلفة في كل حاجة، وتقريبًا ماكنش في حاجة واحدة بتجمعنا، لكن ماقدرش أنكر اني كنت فرحان انهم موجودين في حياتي، وده لاني كنت وحيد ابويا وأمي، يعني ماليش أي حد غيرهم، بعد ما اتخرجنا، انا ونبيل كنا عارفين طريقنا وهو اننا هنشتغل في شركة ابويا، اما الباقيين فدخلوا الجيش، وبعد ما خلصوا جالي سالم وطلب مني اشغله في شركتنا، وبحكم انه كان اكتر حد فيهم شبهي في الطباع وافقت على طول وكلمت ابويا ونزله الشغل، وبالنسبة لناصر والدولي تقدر تقول انهم استحلوا القعدة، والغريبة إن ماحدش فيهم كلمني عشان يشتغل زي ما سالم طلب، الفترة اللي بعد كده بقت عبارة عن اننا بنشتغل احنا التلاتة وبالليل بنخلص ونروح القهوة نقابل ناصر والدولي، لحد ما في يوم لقيت ناصر قدامي في الشركة...
- ناصر!.. خير في ايه؟
- فين سالم؟
- سالم في مشوار، خير في ايه؟
- مافيش كنت عايزه في موضوع كده.
- يابني ماتقول في ايه؟.. سالم راح يخلص شوية أوراق واحتمال يتأخر، قولي ولو في حاجة اقدر اساعدك فيها.
- بصراحة انا.. انا...
- في ايه يابني؟
- بصراحة يا شاهين انا محتاج فلوس.
- فلوس!.. وهو ده اللي انت مكسوف تقوله.. قولي عايز كام؟
- يعني 500 جنيه.
- بسيطة يا صاحبي.. خد الفلوس اهي.
طلعت من جيبي الفلوس واديتهاله، وهو خدهم وشكرني وبعدها قام مشي على طول، بس اللي استغربته اني لما حكيت لسالم لما رجع على اللي حصل، عرفت إن ناصر كلمه قبل ما يجي وسالم قاله إنه مش معاه وكمان قاله إنه مش في الشركة، يعني ناصر كان جاي وعارف إن سالم مش موجود، وقتها حسبتها إنه اتكسف يقولي بشكل مباشر فعمل الحركة اللي عملها، بس كل ده عادي، اللي مش عادي بقى هو اللي ناصر قاله بالليل لما روحنا وقعدنا مع بعض في القهوة، يومها طلب مني نقعد لوحدنا، قومت معاه وقعدنا على ترابيزة تانية بعيدة عن الباقيين وبدأ كلامه وقال...
- بقولك ايه يا شاهين.. انا عايز اطلب منك طلب؟
- اطلب يا ناصر.
- انا عايزك تشغلني معاك في الشركة زي سالم.
فرحت بطلبه وقولتله بلهفة...
- بجد.. عايز تشتغل معانا.
- اه ياريت لو ينفع يعني.
- طبعًا ينفع.. عايز تبدأ من إمتى؟
- من بكرة لو انت موافق.
- موافق.. هستناك بكرة تيجي وتستلم الشغل.. بس عايز اسألك.. انت ايه اللي غيرك فجأة كده؟
بص في الأرض وقالي بصوت حزين...
- بصراحة انا كنت في نص هدومي النهاردة وانا بمد ايدي عشان اخد منك الفلوس، وقولت لنفسي ليه ابقى في الموقف ده، ناقصني ايه عشان أكون زيك أو زي سالم وانا اللي طلع فلوس واديها للناس.. استحقرت نفسي أوي، وقررت اني لازم اشتغل واعتمد على نفسي.
- ده أحسن قرار انت خدته في حياتك يا ناصر.
- عارف.. واوعدك اني هرفع راسك ومش هخذلك أبدًا.
- والله فرحتني يا ناصر.. انا مبسوط بك جدًا.
قومنا بعدها قعدنا معاهم وكملنا السهرة ومشيت بعد ما أكدت عليه اني هستناه الصبح في الشركة، وفعلًا تاني يوم لقيته داخل عليا المكتب، ماكنتش مصدق انه اتغير بجد وبقى انسان ايجابي أخيرًا، سلمته الشغل وبسرعة علمته كل اللي هيعمله، وبعدها سيبته ورجعت مكتبي، مرت ايام واحنا على الحال ده، وكل يوم بعد الشغل بنروح نقعد على القهوة زي عادتنا لكن لاحظت إن الدولي مختفي ومابقاش بيجي يقعد معانا، سألت عليه وعرفت إنه مختفي من الحتة كلها وماحدش يعرف عنه حاجة، فضلت اتابعه ايام، لحد ما فجأة ظهر، دخلت القهوة لاقيته قاعد على كرسي وشكله متغير، دقنه طويلة وعينيه حمرة، وهدومه مبهدلة، قعدت على الكرسي اللي جنبه وقولتله...
- ازيك يا دولي؟
رفع كوباية الشاي اللي في ايده وشرب منها من غير ما يرد عليا، سألته تاني...
- انت كنت فين الفترة اللي فاتت؟.. انا سألت عليك كتير.
بص لي شوية وبعدين لف وشه الناحية التانية وقال بصوت عالي...
- هات الشيشة بتاعتي ياولعة.
بعدها بص لي تاني وقالي...
- بتسأل عليا ليه؟
- ليه؟!.. عشان احنا اصحاب وانت مننا.
ابتسم بسخرية قبل ما يقول...
- منكوا!.. منكوا انتوا مين؟
- في ايه يا دولي!.. انت نسيت ان لك اصحاب ولا ايه؟
- لا انا ماليش اصحاب، جايز تكونوا انتوا اصحاب زي ما بتقول.. لكن انا مش من اللي انت بتقول عليهم دول.
- يابني مالك؟.. احكيلي.
- بقولك ايه يا عم شاهين.. سيبني في حالي الله يرضى عليك، وركز انت في حالك وفي اللي حواليك.
- يعني ايه اركز في اللي حواليا؟
- ماعرفش بقى.
جاب ولعة الشيشة وناول اللاي للدولي، اللي بدأ يسحب الأنفاس بشكل مقزز، وانا ببصله، سحب نفس طويل ونفخه قدامه قبل ما يقولي...
- صحيح اخبار الواد ناصر ايه؟.. علق المزة ولا لسه؟
- مزة ايه مش فاهم!
ضحك ضحكة ممزوجة بكحة...
- مش بقولك ركز مع اللي حواليك، هو انت صدقت الدور اللي عمله عليك بتاع هكون انسان جديد، والحبتين دول!
- ايوة صدقت وهو فعلًا اتغير وشايف شغله.
- ياض افهم، ناصر اصلًا مش في دماغه شغل هو طلب منك كده عشان يعلق البت اللي شغالة عندكوا، ويومين تلاتة وهيسيب الشغلانة.. بس لما يوصل للي في دماغه.
- لا واحدة واحدة كده واحكيلي.. مين البنت اللي انت تقصدها؟
- لا ماعرفش بس هو يومها رجع وحكالي.. وقالي انها تحل من على حبل المشنقة، ومش هيسيبها غير لما يوقعها.. وبالليل قالك على الشغل.. شيطان الواد ناصر ده.
- طب سيبك من ناصر دلوقتي.. وخلينا فيك.. انت كنت فين؟
- كنت في مصلحة كده خلصتها وجيت.. هو انت فاكر ان مافيش شغل غير عند ابوك؟.. ولا مستنيني اجي اقدم فروض الولاء والطاعة واقولك لوسمحت اعطف عليا وشغلني في شركة دادي.. يا حبيب دادي.
- انا ماقولتش كده، وبعدين انا بحاول اقف معاكوا بحكم اننا اصحاب وعِشرة، مش عشان اتحكم فيكوا زي ما انت فاهم.
- ياسيدي ماتدوقش.. المهم اطمن انا كويس وشغال وزي الفل.
- طب الحمدلله.. انا هقوم امشي مش محتاج حاجة؟
- لا شكرًا.. غير الحجر يا ولعة.. الحجر ده فضي وبوخ.
بصيتله وبعدها قومت ومشيت، مش عارف هو ليه اتكلم معايا بالشكل ده؟.. انا فعلًا ماكنتش اقصد أي حاجة غير إني أقف جنبهم واساعدهم كإنهم إخواتي، لكن واضح إنه فاهم الموضوع غلط أو... مش عارف بصراحة هو بيفكر إزاي؟!.. اما ناصر فانا لازم اعرف كلام الدولي عنه صح ولا لا؟.. لإنه لو فعلًا كان شغال عشان الموضوع ده هيكون لي معاه تصرف تاني، لما رجعت الشركة بدأت اراقب ناصر، وساعتها اتاكدت إن كلام الدولي صح، ناصر كان بيقرب من فريدة، والغريبة انها كانت متجاوبة معاه، عمره مافشل إنه يوقع أي واحدة، لكن كله إلا فريدة، مش عشان جوايا حاجة ناحيتها، لكن فريدة إنسانة طيبة وغلبانة، وانا عارف ظروفها كويس، مش بتاعت لعب وناصر ماينفعهاش، بس بما إنها متجاوبة معاه فانا مش هقدر اتدخل، كل اللي هقدر اعمله إني اتكلم معاه وده اللي حصل...
- انا شايف ان انت وفريدة قريبين من بعض.
- ودي حاجة تزعلك؟
- لا خالص يامعلم.. بس عايز اقولك انها مش زي البنات اياهم.
- مش فاهم.
- ناصر انت فاهمني كويس.. انا وانت عارفين انت بتعمل ايه مع أي واحدة بتعرفها، عشان كده بقولك بلاش فريدة.
- ماتخافش يا شاهين.. انا بحب فريدة بجد ومش ممكن العب بها أبدًا.
- طب وناوي على ايه معاها؟
- هتجوزها طبعًا.. بس انا مستني لما اقف على رجلي.. انت عارف الظروف.
- ماشي يا ناصر وانا هصدقك، بس خلي بالك لو حسيت انك بتلعب بها انا اللي هقفلك.
- الله الله، في ايه يا عم شاهين، مابراحة انت هتوصيني على فريدة ولا ايه!
- انا قولت اعرفك بس عشان لو في حاجة في دماغك.
- لا ماتقلقش مافيش حاجة في دماغي.
مارتاحاتش لكلامه يومها، بس زي ماقولتلك انا مش هقدر اتدخل بينهم، وكمان ماينفعش اروح اقولها حاجة عنه، ده مهما كان صاحبي.
عدت الأيام وموضوع ناصر خدني بعيد عن نبيل وسالم، ماكنتش مركز مع حد فيهم، لحد ما فوقت على كارثة، كنت نايم لما صحيت على رنة تليفوني، بصيت على الشاشة كان الدولي هو اللي بيتصل، الساعة كانت 2 ونص بالليل تقريبًا، رديت بسرعة...
- ايوة يا دولي.
- الحقني يا شاهين.. الحقني بسرعة.
- في ايه؟
- نبيل ابن عمك وقع مني ومش عارف ماله مابينطقش.
- انت بتقول ايه؟.. وقع منك فين؟
- هبعتلك اللوكيشن بس تعالى بسرعة.
لبست ونزلت جري، واول ما وصلت للوكيشن كلمته...
- انا وصلت انتوا فين؟
- ادخل العمارة اللي قدامك واطلع الدور التالت.
نفذت اللي قاله وقبل ما اوصل لقيته واقف على الباب، دخلت بسرعة وانا بسأله...
- نبيل فين؟
- في الحمام.. تعالى.
جريت وراه واول ما دخلت لاقيت نبيل واقع في أرضية الحمام، قربت منه وساعتها مالقتش نبض، بصيت للدولي وانا بزعق فيه...
- ده لازم يروح المستشفى حالًا.
- لا مستشفى لا.
- لا ليه؟!
- ابن عمك واخد جرعة زيادة.
- انت بتقول ايه؟
- اللي سمعته.. ولو روحنا المستشفى هتفتح علينا سين وجيم.
- اكيد انت اللي ادته الزفت ده.. بس مش وقته حسابك معايا بعدين، شيله معايا عشان نوديه المستشفى.
- انا مش هاجي معاك في حتة.
- قولتلك شيله معايا ننزله العربية وبعدها غور في أي داهية.
شيلناه احنا الاتنين وأول ما دخلناه العربية لقيت الدولي سابني ومشي، بصيت عليه بغيظ قبل ما اركب واتحرك بالعربية، ماكنتش عارف أروح به على فين، بس فجأة جِه في دماغي مستشفى بتاعت ابو واحد صاحبي، طلعت عليها ووانا في الطريق كلمته، فهمته الوضع وطمني اني ماقلقش من حاجة، واول ما وصلت لقيته مديهم خبر، وفي ممرضين مستنيني على البوابة، خدوا مني نبيل وجريوا به عشان يسعفوه، دخلت وراهم ووقفت في الممر قدام الأوضة، وبعد نص ساعة تقريبًا لقيت صاحبي جاي...
- ايه الأخبار يا شاهين؟
- مش عارف!.. من ساعة ما دخلوا وماحدش خرج يطمني.
- ماتقلقش إن شاء الله خير.. بس هو من امتى ونبيل ليه في الكلام ده؟
- مش عارف انا اتفاجئت زيي زيك كده بس لما يفوق ابقى اشوف الموضوع ده.
- طب تعالى معايا.
خدني وروحنا الكافتريا طلبلي قهوة وقعد بيحاول يهديني، وفي وسط الكلام سألني...
- انت ناوي تقول لعمك؟
- اكيد لا.. انا هتكلم معاه لما يفوق واشوف حل بيني وبينه.
- عين العقل.
خرج نبيل بعد مدة طويلة ونقلوه لأوضة من الأوض، ولما بقى قادر على الكلام دخلت وقعدت معاه...
- حمدالله على السلامة.
- الله يسلمك يا شاهين.. انا كنت هموت.
- طب كويس انك عارف، انك كنت هتموت.. ومش بس كده انت كمان كان ممكن تتحبس دلوقتي لولا إن ساهر يبقى صاحبي.
- انا مش عارف اشكرك ازاي؟
- ماتشكرنيش، انا عايزك تفوق لمصلحتك وتبعد عن القرف ده وترجع نبيل اللي انا عارفه.
- ان شاء الله.. ان شاء الله يا شاهين.. اقوم انا بس من الرقدة دي.
- قولي صحيح.. الشقة اللي انا جيبتك منها.. بتاعت مين؟
- هاه.
- الشقة بتاعت مين يا نبيل؟
- دي.. دي.. دي شقة مأجرها بسهر فيها.
- اممم عشان تشرب الزفت ده براحتك.. طيب الشقة دي تسيبها وبلاش السكة دي.
- اه.. اه طبعًا، انا أول ما اخرج هروح لصاحبها واديله المفتاح.
- ماشي.. شد حيلك بقى عشان تخرج بسرعة قبل ما حد ياخد باله.. وانا هقولهم إني بعتك سفرية تخلص شوية شغل.
- تسلم يا اخويا.
- اه والدولي ده ماعدتش عايزك تعرفه تاني.. اهو رماك ومشي أول ما الدنيا عكت.
- الواطي.. ده لما اقومله بس.
- لا تقومله ولا ماتقوملوش.. ابعد عنه من سكات.
- حاضر.
سيبته ومشيت، وتاني يوم روحت الشركة زي ما متعود، بس في اليوم ده لاحظت إن فريدة ماجتش، وناصر كمان مش موجود، الموضوع كده مريب، اتصلت بناصر لاقيت تليفونه مقفول، اما فريدة فردت عليا وقالت إنها تعبانة واستأذنت تاخد النهاردة اجازة، اطمنت شوية بعد المكالمة دي، وقولت اهم حاجة انها بخير حتى لو ماجتش عشان تروح تقابله، وفي وسط تفكيري في ناصر وفريدة، لقيت باب المكتب بيخبط وداخل منه استاذ محجوب مدير الحسابات، قرب من المكتب وهو بيقولي...
- محتاج اراجع معاك شوية أوراق.
- اتفضل يا استاذ محجوب.
- طبعًا انت عارف اني بعتبرك ابني.
- اه طبعًا وحضرتك عارف انا بحبك قد ايه.
- عارف.. عشان كده ماروحتش لابوك وجيت اتكلم معاك الأول.
- خير يا استاذ محجوب في ايه؟.. قلقتني.
- الواد صاحبك ده اللي اسمه سالم.
- ماله سالم؟
- عيل شيطان، البيه بيلعب في الحسابات.
- سالم!.. ازاي؟
- بيشتري البضاعة بتمن أقل من اللي بيسجل به.. ولإنه عارف انك بتثق فيه، فكان متأكد انك مش هتدور وراه.
- وانت عرفت ازاي؟
- ناس حبايبي بيتعاملوا معانا بقالهم مدة، اتصلوا بيا وبلغوني إن الجودة قليلة مع انهم بيشتروا بنفس السعر، استغربت طبعًا ولما عاينت البضاعة لقيت معاهم حق، واكتشفت إن البيه بيشتري نفس المنتج بجودة أقل ويسجله بسعر الجودة الأصلية، وبيضرب الفرق في جيبه.. انا المفروض ابلغ الحاج وهو هيبلغ البوليس.. بس قولت اقولك انت الأول يمكن لك رأيي تاني.
كنت مصدوم من اللي بسمعه، سالم يعمل كده!.. بعد كل اللي عملته معاه!.. يمد ايده ويسرقني وكمان يسوء سمعة الشركة وسط السوق، فوقت على صوت استاذ محجوب...
- ها يابني هتعمل معاه ايه؟
- سيبلي الورق ده يا استاذ محجوب وانا هتصرف معاه.
- تمام اللي تشوفه.
خرج من المكتب وسابني للأفكار تلعب في دماغي، انا عملت ايه في حياتي عشان اعرف ناس بالمنظر ده؟!.. كلمت سالم وطلبت منه يجي المكتب، وأول ما وصل دخل وهو مبتسم...
- خير يا شاهين؟
- اقفل الباب وتعالى.
بص لي باستغراب وبعدين هز راسه وهو بيقول...
- ماشي.. وادي الباب.
رجع قعد قدامي على المكتب وقال بابتسامة...
- في ايه بقى مالك مبوظ كده ليه؟.. البت فرقعتلك ولا ايه؟
رميت الملف قدامه وقولتله...
- قولي كده ايه اللي مكتوب في الفايل ده؟
فتحه وقلب فيه وبعدين رفع راسه وقالي...
- دي المشتريات بتاعت الشهر اللي فات.. مش فاهم في ايه؟
- انت اشتريت بالأسعار دي؟
ارتبك شوية قبل ما يقولي...
- طبعًا اومال هكون اشتريت بايه يعني؟!
- واحنا من امتى بنشتري المضروب بسعر الأصلي؟
بلع ريقه وهو بيبصلي قبل ما يتكلم...
- مممـ.. مضروب ايه؟.. احنا.. احنا مابنشتغلش غير في الأصلي.
- طب كويس انك عارف، اومال بتشتريلنا بضاعة مضروبة ليه؟
- انا.. انا مش بتشري مضروب، ممكن يكون اضحك عليا أو...
- هاهاها.. اضحك عليك.. بص يا سالم، انت قدامك حل من الاتنين، ياما ترجع البضاعة المضروبة دي وتجيب بدالها بضاعة أصلية ياما هبلغ البوليس، وانا عشان كنت في يوم بعتبرك صاحبي هديك مهلة شهر ترجع فيه البضاعة.
- شاهين انا مش هقدر اجمع المبلغ ده.. وبعدين...
- يبقى هتتحبس.. مافيش حل تالت يا سالم.
- ايوة بس...
- الكلام خلص.. اتفضل.
قام وقف وراح ناحية الباب، وقبل ما يخرج بص لي بصة استعطاف لكني بصيت قدامي فخرج وقفل الباب وراه.
عدوا يومين ولقيت ناصر اختفى، ولما كلمته ماردش عليا، سألت نبيل عنه، قالي انه مايعرفش حاجة عنه، ماكنش قدامي حل غير إني اسأل فريدة، دخلت مكتبها...
- صباح الخير يا فريدة.
- صباح الخير يا استاذ شاهين.
- بقولك ماتعرفيش ناصر مختفي بقاله يومين ليه؟
- ناصر!.. لو سمحت يا استاذ شاهين انا مش عايزة اسمع اسم البني آدم ده تاني.
- هو مش انتوا مرتبطين والمفروض في خطوبة وجواز ولا انا فاهم غلط؟
- هو قال لحضرتك كده!.. ده انسان قذر ومستحيل يكون بيني وبينه أي حاجة.
- هو ايه اللي حصل؟
- حضرتك ممكن تسأله.
- انا مش فارق معايا ناصر، انا بسألك عشان انتِ اللي تفرقي معايا، انتِ زي أختي لكن هو كده كده انا عارف من زمان إنه قذر.
- يعني حضرتك كنت عارف وماقولتليش!
- انا لقيتك مبسوطة معاه فماحبتش اتدخل، كنت فاكر إنه اتغير بجد.
- اتغير!.. اللي زي ده عمره ما يتغير.
- طب ممكن اعرف ايه اللي حصل؟
- لو سمحت انا مش عايزة اتكلم في الموضوع ده.
- طب خلاص.. اهدي انا مش هجيب سيرته تاني.
كانت بدأت تعيط ففضلت اسيبها لوحدها، وعشان كده خرجت من المكتب، بس جوايا حلفت إني مش هسيب ناصر قبل ما احاسبه على اللي عمله في فريدة، دورت عليه كام يوم بعدها لكن مالقتوش، لا بيجي الشركة ولا بيروح القهوة، بطلت ادور وقررت استناه لما يظهر لوحده، في الوقت ده بدأت اقرب من فريدة، بصراحة في الأول كانت صعبانة عليا وماكنش في حاجة جوايا ناحيتها، لكن كل يوم كنت بحس اني بتعلق بها عن اليوم اللي قبله، وإن إحساسي بها اتغير وبدأ يقلب بحب، وفجأة لقتني بصارحها، والغريبة ان هي كمان صارحتني، روحت اتقدمت لها وقرينا الفاتحة، واتفقت مع اهلها إن الخطوبة تكون بعد اسبوعين.
المهلة اللي ادتها لسالم خلصت والشهر عدا، بس لقيته جايلي المكتب وبيطلب مني اديله مهلة شهر كمان عشان يجمع بقيت المبلغ، من جوايا كنت عايزه يدفع تمن غلطته مش عايز أذيه وخلاص، عشان كده وافقت، طلب مني اسامحه وارجع اتعامل معاه زي الأول واعتبرها غلطة ومش هتتكرر، لكن في الحقيقة رفضت وقولتله إن اخر تعامل بينا هيكون بمجرد مايرجع البضاعة الأصلية وبعدها مش عايز اشوفه تاني.
نبيل في الفترة دي كان قريب مني جدًا، وقالي إنه خلاص بطل الهباب اللي كان بيشربه، وحتى ماعدش بيشوف الدولي خالص، وبدأ يركز في شغله تاني، اما انا فكنت مشغول مع فريدة في ترتيبات الخطوبة، لحد ما جِه يوم الخطوبة، وكان يوم جميل جدًا، وبعد ما الفرح خلص، روحت مع فريدة البيت، ووانا نازل من عندها لقيت نبيل بيكلمني...
- ايه يا عريس.. انت فين؟
- لسه نازل من عند فريدة.
- طب هتعمل ايه؟
- هروح انا مش قادر هلكان خالص.
- لا لا هلكان ايه، قابلني يا معلم.
- يابني خليها بكرة مش قادر ارو في حتة.
- اسمع مني بس وقابلني.
- طيب انت فين.
بعتلي اللوكيشن بتاعه، وأول ما وصلت ساب عربيته ونزل ركب معايا، قولتله ساعتها...
- يعني لازم نخرج النهاردة.
- الليلة ليلتك يا عريس.. ولازم افرح بك.
- طيب ياسيدي هنروح فين؟
- الشقة عندي.
بصيتله باستغراب وانا بقوله...
- شقة ايه؟
- الشقة اللي انت جيت خدتني منها قبل كده.
- هو انت لسه مأجر الشقة دي؟
- ياعم ماتفهمنيش غلط، انا بطلت زي ما قولتلك بس سايبها كده عشان المناسبات اللي زي دي.
- طب واحنا هنروح نعمل ايه هناك؟
- هنسهر، وبعدين ده اشتريت جهاز بلايستيشن مخصوص عشان أروق عليك.. عدي الأول على أي مطعم نجيب أكل، اصل اكل الأفراح ده مابيسدش معايا.
- هتلاقيك ضارب طبقين تلاتة في الفرح.
- أربعة وحياتك بس برضه ماشبعتش.. شوفلنا حاجة كده ترُم العضم.
- ماشي.. مع إني كلت عند فريدة.
- الله يسهله ياسيدي.. بس برضه هتاكل معايا.
اتحركت بالعربية وبعد ما جيبنا الأكل روحنا على الشقة، لما دخلنا لقيت الشقة مبهدلة، بصيتله باستغراب، فقالي بسرعة...
- صدقني ماجتش هنا بقالي كتير، بس انت عارف اخوك لبخة ومابيعرفش يعمل أي حاجة.
حط الأكل على السُفرة ودخل يجيب أطباق من المطبخ، بدأنا ناكل بس انا ماكنتش قادر ويدوب قاعد عشان مايزعلش، وبعد ما خلص أكل قومنا قاعدة على الكنبة قدام الشاشة وبدأنا نلعب بلايستيشن، كنا بنضحك ونهزر لحد ما فجأة الجرس رن، بصيتله وسألته...
- انت مستني حد؟
ارتبك شوية قبل ما يقولي...
- بصراحة دول العيال جايين وعايزين يصالحوك.
رميت الدراع في الأرض، وقومت وقفت وانا بزعق فيه...
- انا كنت عارف إن الجاية دي وراها حاجة.
- اقعد بس يا شاهين ولا وراها حاجة ولا بتاع، العيال حسوا بغلطهم وجايين عشان يراضوك.
- وانا مش عايز اشوفهم.. اتفضل مشيهم ياما همشي انا.
- اقعد بقى ماتبقاش حِمَئي.
سابني وراح فتح الباب وبعدها لقيت التلاتة داخلين ورا بعض، ناصر كان داخل وهو عمال يغني ويستظرف، والاتنين بيصقفوله، بعدها قرب مني الدولي وقالي...
- ايه يا عريييييس.. عامل ايه؟
بصيتله وسكت، فاتكلم سالم وقاله...
- ياعم مش هيرد عليك.. ماهو احنا خلاص مابقيناش قد المقام.
اتكلم نبيل وقتها وقالهم...
- في ايه يا رجالة احنا جايين نصلح مش نبوظ.
رد عليه الدولي...
- ماهو اللي مش عايز يرد علينا ياعم نبيل.
- طب اقعدوا كده وصلوا على النبي.
قعدوا كلهم اما انا ففضلت واقف لحد ما نبيل شدني من دراعي وقعدني، بعدها اتكلم وقالي...
- بص يا شاهين الرجالة معترفين انهم غلطوا في حقك.. وجايين النهاردة عشان يصالحوك.
اتكلم ناصر وقاله...
- الله وهو انا غلطت في ايه؟!.. عرفت واحدة وماتفقناش سيبتها وهو راح خطبها، ده انا اللي المفروض ازعل.
- وانت سيبتها عشان مااتفقتوش؟.. ولا هي اللي سابتك لما طلبت منها تيجي معاك هنا؟
- مش فارقة كتير، المهم انك خطبت حبيبة صاحبك.
- ماتقولش صاحبي بس.
شاورله نبيل يا سكت، وبعدين بص لسالم وقاله...
- انت غلطان يا سالم ولا مش غلطان؟
- لا غلطان، حقك عليا يا شاهين.
- يعني بعد ما خنت ثقتي وسرقت الشركة جاي تقولي حقك عليا!.. طب والبضاعة المضروبة اللي انت جيبتها هلبسها انا؟!
- انا هسوقهالك.
- اه وتسوء سمعة الشركة معاها مش كده؟!
- طب اعمل ايه طيب ياشاهين؟
- ترجع البضاعة زي ماقولتلك وتجيب بدالها فلوس أو بضاعة أصلية.
في اللحظة دي الدولي طلع علبة سجاير وبعدها لقيته طلع سيجارتين وقام ناحية نبيل وقاله...
- صباح الفل يا بلبل.
بصله نبيل وبعدين بص لي، سألته وقتها...
- هو انت لسه بتشرب الزفت ده.
- لا ده.. ده الدولي مايعرفش بس اني بطلت.
رجع الدولي مكانه وهو بيضحك وبيسأل نبيل...
- الله انت لحقت تبطل امتى، ده احنا لسه كنا سهرانين امبارح.. صحيح التكنولوجيا غيرت كل حاجة.
بصيت لنبيل وزعقت فيه وانا بقوم...
- انا كنت عارف إنه مافيش فايدة فيك وإنك هتفضل ماشي وراهم لحد ما يضيعوك، بس المرة دي انا هقول لأبوك بقى وهو يتصرف معاك بمعرفته.
روحت ناحية باب الشقة ونبيل بيجري ورايا...
- شاهين افهم بس.. يا شاهين استنى.
كنت ماشي للباب لما فجأة حسيت بحاجة خبطت في دماغي وبعدها ماحسيتش بأي حاجة.
- ايه اللي انت عملته ده يا سالم؟
- ايه؟!.. عملت ايه؟.. انا عملت اللي لازم يتعمل.
قعد نبيل جنب جثتي وهو بيحاول يفوقني لكن الدم كان نازل زي النافورة من دماغي، بعدها حط ايده على رقبتي قبل ما يرفع راسه ناحيتهم ويقول...
- ده مات.. شاهين مات.
اتكلم ناصر بجحود وقال...
- اهو ارتاح وريحنا.. ابن عمك كان مقرف أوي.. فاكر نفسه كل حاجة وهو ولا حاجة.
كمل سالم كلامه وقال...
- كان عايز يحبسني، يبقى يشوف بقى هياخد الفلوس إزاي!
- انتوا ايه؟!.. حجر!.. انتوا قتلتوا شاهين.
رد عليه ناصر...
- لا ياصاحبي.. انا ماقتلتش حد، اللي قتل هو سالم.. وانت دمه في ايدك، انا ماليش دعوة بالموضوع ده.
طلع الدولي سيجارة من علبته وقعد على ركبه قدام نبيل وحطله السيجارة في بوقه، بطلع الولاعة وولع له السيجارة، وبعدها ولع سيجارته وبص لكل واحد فيهم شوية قبل ما يقول...
- احنا كلنا قتلناه.. واللي هيفكر يخلع هيشيلها لوحده والتلاتة هيشهدوا عليه.. نعقل كده ونشوف هنخلص من الجثة دي ازاي.
رد عليه سالم...
- صح كده يا دولي احنا هنشلها مع بعض.
نبيل كان بيبصلهم وبيبص على جثتي، كان باين عليه الحيرة، مش عارف يصرخ ولا يسكت، بس في الاخر خد نفس من سيجارته وسألهم...
- هنعمل ايه دلوقتي؟
رد عليه ناصر...
- نرمي في أي حتة.
سألهم سالم بخوف...
- بس كده هنتكشف، لو لقوا الجثة ودوروا وراها هيعرفوا كل حاجة.
سأله نبيل...
- طب والعمل؟
سكتوا كلهم دقيقة لحد ما اتكلم الدولي وقالهم...
- لقيتها، احنا هننزل به ونركبه العربية، وبعدها هنطلع على أي حتة مقطوعة وهناك...
*******
(صوت أجهزة إفاقة)
- اه.. اه.. انا فين؟
فتحت عيني لقتني نايم على السرير، بصيت جنبي شوفت جهاز محطوط وعليه أرقام، حاولت اقوم لكن حسيت بصداع شديد في دماغي، مافيش دقيقة ودخلت ممرضة من الممرضات، قربت مني وقالت...
- حمدالله على السلامة ياعم سلامة.
- الله يسلمك.. انا فين؟
- انت في المستشفى.
- المستشفى!.. هو ايه اللي حصل؟
- بيقولوا انك عملت حادثة ودخلت في شجرة على الطريق بس من ساعتها وانت في غيبوبة.
- من ساعتها!.. هو انا بقالي قد ايه هنا؟
- بقالك 3 ايام.
- طب مين من اهلي موجود؟
- كلهم هنا.. قاعدين بره.
- طب لو سمحت اندهيلي المدام.
- حاضر بس الدكتور يطمن عليك الأول وبعدها هندخلهم.
جِه الدكتور وكشف عليا وبعد كده دخلت مراتي والعيال، وكان معاهم سفروت، طلبت من الدكتور أروح، ووافق بالعافية بعد ما مضاني على إقرار اني هخرج على مسؤوليتي، رجعت البيت ودخلت نمت في السرير، قعدت ساعات احاول افتكر اللي حصل قبل الحادثة بدقايق لكن ماكنتش فاكر أي حاجة خالص، كل اللي فاكره هو اني وقفت في استراحة عشان اشرب شاي وبعدها اتحركت بالعربية وشوية والطريق بقى ضلمة، لا انا قبل ما اركب العربية شوفت حد قاعد في الكرسي اللي جنبي.. ايوة صح، وهو نفسه اللي ظهرلي قبل الحادثة في المرايا، كان اسمه.. اسمه.. شـ.. شـ.. شاهين.. شاهين، بدأت افتكر كل حاجة شوفتها، الدم كان بيجري في عروقي، وقررت اقوم ابلغ، ورغم محاولات مراتي وعيالي عشان ماخرجش لكن انا صممت انزل واتصلت بسفروت يجي عشان يوديني القسم، وهناك حكيت للظابط على كل اللي شوفته، ماكنش مصدقني في الأول، لكن طبت منه يسأل أهل شاهين عن التفاصيل اللي حكيتها واللي ماحدش يعرفها غيرهم هم وخطيبته، ولما سألهم أكدوا على كل اللي قولته، حتى محجوب أكد كلامي عن سالم، وساعتها استدعوا نبيل ولما واجهته باللي حصل كان واقف قدامي مصدوم، لحد ما انهار في النهاية واعترف، قال انهم بعد ما نزلوا من البيت ركبوه العربية وطلعوا على الطريق وهناك قلبوا العربيةعشان تبان إنها حادثة.. تم القبض عليهم كلهم واتقدموا للمحاكمة.. ومن يومها وانا قررت إني مش هسافر بعربية نقل الموتى تاني مهما حصل.
تمت بحمدالله
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل