
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل
دخلت مروة الأوضة وبعد خطوتين، الباب اترزع ومع رزعته كشاف الموبايل اتقفل، لفت وشها بخوف، بس ماكنتش شايفة حاجة في الضلمة، في نفس اللحظة اتكتب على الباب من بره الرقم 3، شغلت مروة كشاف موبايلها تاني وحاولت تشوف أي حاجة لكن حصلت حاجة غريبة جدًا، كشاف الموبايل كان عاكس صورتها في الفراغ قدامها.. كل ما بتتحرك الكشاف في أي اتجاه مش بتشوف غير انعكاس لها، بدأت تتوتر وتلف الموبايل بحركة سريعة وعشوائية لكن برضه مافيش غير انعاكسها، قفلت الكشاف من كتر الخوف، ماكنتش سامعة غير صوت انفاسها العالية، وضربات قلبها السريعة، وفجأة.. فجأة سمعت صوت بيقول...
- مروة وفيق.. الكاتبة الفاشلة.. الجميلة، طول عمرها ماكنش ناقصها حاجة، عايشة حياتها برنسيسة، اللي عايزاه بتوصله، بس مرة واحدة قررت تكون كاتبة.. وده ليه؟.. عشان واحدة من زميلاتها بقت كاتبة مشهورة، إزاي؟.. إزاي دي تبقى أحسن من مروة وفيق؟.. بس في مشكلة، هي أصلًا مابتعرفش تكتب.. وايه المشكلة، تحاول يمكن تطلع بتعرف وماكنتش واخدة بالها، حاولت وكتبت كلام ساذج زيها، وأول ما بعتته لواحد من صحاب ابوها قالها تنسي موضوع الكتابة ده لإنه موهبة وهي للأسف مابتمتلكهاش.. مروة اتهمته إنه بيحاول يحطمها من قبل ما تبدأ عشان طول عمره بيكرهها، وقفلت السكة في وشه، بس لما قفلت المكالمة، رجعت وقرت اللي هي كتباه وبينها وبين نفسها اعترفت بالحقيقة، وقطعت الورق وقررت تسمع كلام الراجل وتنسى الكتابة، لكن بسرعة رجعت وافتكرت صاحبتها المشهورة، وإزاي بتشوف الناس بيحبوها وبيتصوروا معاها، مسكت ورقة وقلم وعادت المحاولة، والمرة دي بعد ما خلصت قررت تروح لدار نشر ماتعرفهاش.. عشان ماحدش يضطهدها، فاكرة حصل ايه بعد كده؟.. ولا الشهرة نستك يا فنانة؟!.
مروة كانت واقفة بتسمع وهي بتتنفض، والدموع على وشها، ماتحركتش من مكانها بس فجأة نورت قدامها لمبة في ركن الأوضة، بصت على النور وساعتها شافت تسريحة ومراية كبيرة بس.. بس كانت شايفة نفسها قدام المراية، واقفة وبتشوف فستان من الفساتين.. بعدها قالت...
- لا ده عادي.
راحت ناحية الدولاب ورجعت بفستان تاني اقصر شوية حطته على جسمها وهي مبسوطة وبعدين قالت...
- مقفل أوي.
مشيت للدولاب ورجعت بفستان اقصر ومفتوح من فوق حتة بسيطة، ابتسمت بسعادة وهي بتقول...
- هو ده.
اختفت من المشهد لثواني قبل ما ترجع تاني بس المرة دي لابسة فستان تاني طويل لكنه مفتوح من الجنب ومفتوح من فوق، وقفت قدام المرايا ولفت يمين وشمال وهي بتتفرج على شكل الفستان على جسمها وقالت...
- ايوة هو ده اللي هيلفت النظر.. وهيخليهم مركزين معايا أكتر.
بدأت تظبط مكياجها وبعد ما خلصت لبست دهبها وخدت شنطة ايدها والدنيا ضلمت.
رجع الصوت من تاني...
- حفلة كبيرة.. فنانين ومشاهير واصحاب دور نشر، بس انتِ مين وسطهم؟.. ماهو وقتها الكتابة ماكنتش بفلوس زي اليومين دول.. ولا كان أي حد عايز ينشر أي حاجة بينشرها، وفعلًا روحتي الحفلة وبهرتي الكل بجمالك مش بقلمك، وقدرتي تعملي علاقات كتير تزوقك في الوسط.. بس مش دي المشكلة.. المشكلة كانت في اللي حصل بعد كده.. طبعًا فاكرة انتِ عملتي ايه؟
صرخت مروة وهي بتعيط...
- انا ماعملتش حاجة.. ماعملتش حاجة.
- صح انتِ فعلًا ماعملتيش حاجة.. وعشان كده هسيبك تمشي.
مسحت دموعها وبصت للسقف وهي بتقول بلهفة...
- بجد.. يعني انا اقدر امشي دلوقتي؟
- اه طبعًا تقدري تمشي.. بس هتمشي بالمنظر ده؟.. مش تظبطي مكياجك الأول.
- مش مهم.. مش مهم.
- ماينفعش يا فنانة.. ظبطي مكياجك وبعدين امشي.
- حاضر.
جريت مروة على التسريحة وبدأت تظبط مكياجها.. دقيقة وبدأ الصوت يتكلم...
- ايوة كده احلى بكتير.. نحط الروج بقى عشان شفايفنا ترجع جميلة.. ايوة كده شاطرة.
بعد ما مروة خلصت رجعت تاني ناحية الباب وحاولت تفتحه لكنه مافتحش، بصت للسقف وقالت بخوف...
- الباب مابيفتحش.
- ومش هيفتح.
- يعني ايه؟
ماردش عليها، خبطت مروة على الباب وهي منهارة في الدموع، بعدها بدأت تحس بألم في شفايفها، في اللحظة دي فهمت اللي بيحصل، حاولت تمسح الروج لكن خلاص مابقاش ينفع، قعدت على الأرض وهي منهارة في العياط، خبطت دماغها في الباب وبعد دقايق رفعت راسها للسقف وعينها ابيضت وايدها وقعت جنبها.. الرقم على الباب اتمسح.
*******
بيدخل حمزة من الباب وفي نص الأوضة الباب بيترزع وبيتكتب عليه من برة رقم 4، بيلف حمزة وشه ناحية الباب وهو منهار تمامًا، وفجأة بتولع قدامه لمبة، بيبص عليها حمزة وساعتها بيشوف ترابيزة وكرسين، وفي نفس اللحظة بيسمع صوت بيتكلم...
- ازيك يا حمزة؟.. فاكر اخر مرة لعبت كانت امتى؟.. طب فاكر كسبت يومها ولا خسرت؟.. اكيد فاكر.. حاجة زي دي ماتتنسيش ولا الفلوس قدرت تنسيك؟
بص حمزة للترابيزة ودموعه بتنزل منه زي المطر، الذكرى بدأت تلعب بعقله.. ذكرى اخر يوم لعب فيه.
اتقفلت اللمبة اللي فوق الترابيزة وولعت لمبة تانية في ركن الأوضة، شاف حمزة نفسه ساعتها قاعد على ترابيزة ومعاه 3 صحابه وقدامهم ورق كوتشينة، كان ماسك في ايده ورقتين وبيقول...
- فٌل آس.. اكسب.
مد ايده بعدها على الفلوس اللي في نص الترابيزة ولمهم، رموا اصحابه الورق وهم زعلانين على خسارتهم وقال واحد منهم...
- انا اول مرة اشوف خظك عالي كده.. انت عملت ايه؟
- عملت عمل اعملك؟.
في الوقت ده كان في صوت تليفون بيرن.. قام واحد من اللي قاعدين ورد على التليفون الموجود فوق بوفيه صغير ورا الترابيزة وبعد ثواني قال لحمزة...
- ده تليفون عشانك.
- عشاني انا!
- اه المدام.
- يادي النكد.
قام من على الكرسي وراح ناحية البوفيه.. خد السماعة من صاحبه اللي سابه ورجع للترابيزة وقال حمزة...
- الو.. خير؟
في اللحظة دي اتكلم الصوت اللي في الأوضة تاني وقال...
- حمزة الحقني.. داليا بتموت.. خمزة الحقني داليا بتموت.
ضحك الصوت بعدها قبل ما يكمل كلامه...
- ماروحتش ليه يا حمزة؟.. مممم المكسب كان اهم.. ليلة مش هتتعوض، اصلك بتخسر كل يوم.
بيسكت الصوت وبيبص حمزة ناحية النور من تاني، وبيشوف نفسه ماسك السماعة وبيقول...
- مالها يعني؟
- البنت تعبانة وسخنة نار.
- اديها أي خافض حرارة وهي هتبقى كويسة.
- ياحمزة بقولك بنتك بتموت.
- ياشيخة فال الله ولا فالك.. دور برد عادي وهيروح لحاله.. ماتكبريش الحكاية وانا كلها ساعتين زمن واجي.
- انت ايه يا اخي مابتحسش.. بقولك بنتك بتموت تقولي ساعتين واجي.. روح ربنا ينتقم منك.
- يوووه.. انتِ ولية نكد.. حتى اليوم اللي مبسوط فيه تنطيلي في التليفون عشان تعكنني عليا.
قفلت السكة في وشه، بص للسماعة لثواني وبعدين حطها مكانها وهو بيقول...
- احسن برضه.
رجع بعدها للترابيزة وقعد على كرسيه وهو بيفرك ايده وبيقول لاصحابه بحماس...
- ها.. مين عايز يخسر تاني.
رد عليه واحد منهم وقاله..
- انت هتعيش ولا ايه؟.. ما انت بتخسر كل يوم.
- لا ياحلو ده كان زمان.. يلا وريني نفسك.
- ماشي ياسي حمزة تعالى تاني.
- تعالى ياحلو.
بدأ واحد من اللي قاعدين يفرق الورق وحمزة باين عليه الانبساط، حظه كان ماشي يومها، دارت الساعة فوق راسهم اربع دورات، ومعاها قال صاحبه...
- هاهأو تخسر يا حدق.. شوفت بقى انها كانت ماشية معاك حظ مش أكتر.
رمى حمزة الورق على الترابيزة وهو بيقوله...
- هي من ساعة بوز الاخس دي ما اتكلمت والنحس حل.. مابيجيش من وراها خير ابدًا.. بس العب العب، انا معاك للاخر.
- يعني مش عايز تقتنع انك مابتعرفش تلعب.. ماشي.
قاله واحد تاني منهم...
- ما كفاية كده ياحمزة بدل ماتروح مشي.
رد عليه بعصبية...
- مالكش دعوة انت وخليك في حالك.
- الحق عليا خايف عليك.. يكش تخسر كل اللي في جيبك.. قشطه يا منص.
- هيحصل ماتقلقش.. ده زبوني.
رن التليفون مرة تانية وقام واحد من اللي قاعدين وبعد ثواني قال لحمزة...
- انت مدي رقمي للعيلة كلها ولا ايه؟
- مين تاني؟
- ماعرفش اهو واحد بيقول انه اخوك.
- يوووه يادي الليلة اللي مش فايتة عايز ايه ده راخر.
قام حمزة من على الترابيزة وهو بيطوح، ومشي لحد التليفون، مسك السماعة وقال...
- عايز ايه؟
- انت مش هتبطل اللي انت فيه ده؟
- وانت مالك؟.. اخلص عايز ايه؟
- حمزة داليا ماتت.
فاق لثواني وفضِل متسمر مكانه، وبعدين حط السماعة مكانها، وبعد دقيقة رجع وقعد على الترابيزة، سأله واحد من القاعدين...
- في ايه؟
- هاه لا مافيش.. وزع خلينا نعوض اللي خسرناه.
كانت الساعة قربت على ستة الصبح، لما صاحبه قاله..
- معاك فلوس تاني ولا هتروح مشي؟
حط وشه بين ايديه بتعب وبعدين قام وهو بيقوله...
- لا كفاية كده النهاردة.. بس بكرة هنكمل انا مش هحلك.. اروح اشوف الولية اللي في البيت دي عايزه ايه ونتقابل بالليل.. سلام.
ضلمت الأوضة ورجع الصوت من تاني...
- كنت ماشي ليلتها مش عارف انت رايح فين.. حاسس إن في حاجة نقصاك بس مش عارف ايه هي؟.. الفلوس؟.. الورق؟.. السجاير؟.. دي الحاجات اللي جت في بالك وقتها، بس ماجاش في بالك إنك خسرت أهم حاجة في حياتك.. بنتك.. لكن هتيجي في بالك إزاي!.. انت عمرك ما اعتبرتها شئ مهم في حياتك.. عشان لما ينقص تحس بغيابه.
اختفى الصوت ونورت لمبة في ركن تاني من الأوضة، وساعتها حمزة شاف نفسه وهو داخل البيت يطوح، كان سامع صوت قرآن مختلط بصوت ناس بتعيط، بص للستات اللي قاعدين على الكنبة في وش الباب، بصلهم باستغراب وسألهم...
- انتوا بتعملوا ايه هنا؟.. ومشغلين قرآن ليه؟
ماحدش فيهم رد عليه، واكتفوا انهم يخبطوا كف على كف، سابهم حمزة ودخل أوضة النوم، وساعتها شاف مراته قاعدة على كرسي جنب السرير ماسكة مصحف وبتقرأ فيه، وعلى السرير شاف داليا نايمة ومتغطية مش باين منها غير راسها، خد خطوة جوة الأوضة وقفل الباب، بعدها رمى الجاكيت على كرسي جنبه وهو بيقرب من السرير.. مراته كانت بتراقبه في صمت، قعد حمزة جنب داليا ومشي ايده على راسها وهو بيقولها...
- امك بتقول انك تعبانة.. انا عارف انها بتهول.. انتِ كويسة زي الفل ومافكيش حاجة.. صح؟.. دور برد وهتخفي وتقومي بالسلامة.. بس ماتسوقيش فيها عشان تتحججي وتغيبي من المدرسة، سمعاني.. انا هسمحلك تغيبي النهاردة بس عشان تعبانة.. لكن بكرة لازم تروحي المدرسة.. انا عايزك تبقي شاطرة وتسبقي كل صحابك.. وتطلعي الألفا على المدرسة، مش بس المدرسة.. الألفا على المحافظة كلها.. بس انتِ.. انتِ نايمة هنا ليه؟.. مش المفروض تنامي في أوضتك عشان بابا لما يرجع يعرف ينام براحته؟.. ماشي ياستي مش مهم هنام جنبك النهاردة.. يلا تصبحي على خير.
فرد حمزة جسمه جنب داليا وبعدين خدها جوة حضنه وغمض عينيه.. مراته كانت مصدومة من اللي بيعمله.. الدموع كانت مغرقة وشها، مش عارفة تقوله ايه؟.
النور قفل ورجع الصوت يقول...
- ده كان أجمد مشهد في روايتك الأولى.. بس ماحدش من القراء كان عارف إن المشهد ده حقيقي.. وإن البطل اللي انت حاولت على قد ماتقدر تشوه صورته في الرواية.. في الحقيقة هو انت ياحمزة.. أب سُكري، قُمَرتِي.. وموظف مرتشي.. فضِلت عايش في العالم بتاعك لحد ما فوقت على الحقيقة لقيت نفسك لوحدك.. والبيت فضي عليك.. داليا ماتت.. ومراتك سابت البيت.. واخواتك ماحدش فيهم طايقك.. وساعتها بس فوقت.
النهاردة هديك فرصة تجرب حظك من تاني، بس المرة دي هتلعب على حياتك.. وانت وحظك بقى.
رد حمزة بعصبية...
- انا مش هلعب الزفت ده تاني.
- مش بمزاجك يا حمزة، دي فرصتك الوحيدة عشان تخرج من هنا.
- وانا مش عايز اخرج.. موتني لو عايز.
الصوت اختفى وماردش عليه، اتلفت حمزة حوالين نفسه وهو بيصرخ...
- موتني قولتلك.. انا عايز اموت.
- بابا.. بابا.
سمع حمزة صوت داليا في ودنه، لف حوالين نفسه في الضلمة بيحاول يشوفها...
- داليا.. حبيبتي انتِ فين؟
- انا هنا يا بابا.
- انتِ فين ياحبيبتي؟.. انا مش شايفك.
اللمبة نورت على الترابيزة من تاني، ومعاها الصوت قال..
- هنغير الرهان.. لو عايز تشوف بنتك يبقى لازم تكسب.
بص حمزة للورق على الترابيزة وبعدين سأل...
- المفروض اعمل ايه؟
- اختار كرسي من الكراسي وبعدها ارفع ورقك وشوف حظك.
قرب حمزة من الترابيزة كان حواليها اربع كراسي.. كل كرسي فيهم قدامه اربع كروت.. قعد حمزة على كرسي فيهم، اتكلم الصوت وقال...
- دلوقتي انت اخترت ورقك وجه الدور تختبر حظك.. ارفع الورق وشوف كسبت ولا خسرت.
فضِل لثواني متجمد في مكانه قبل ما يمشي ايده على الترابيزة ناحية الورق ببطء شديد، خايف يخسر مايشوفش داليا، مسك أول كارت وقلبه.
اتكلم الصوت ساعتها وقاله...
- شكل حظك هيخدمك النهاردة.
قلب حمزة الكارت التاني وساعتها ابتسم.. وبحماس قلب الكارت التالت بس وشه اتغير وهنا اتكلم الصوت وقال...
- عجلة الحظ دوارة وماتأمنلهاش.. بس لسه قدامك فرصة اخيرة مع الكارت الرابع.
التوتر كان باين على حمزة وهو عمال يفرك ايده قدام الكارت، جسمه كان بيصب عرق، وهنا قاله الصوت...
- شكلك محتاج مساعدة عشان تركز.. اشرب الكاس اللي جنبك.
بص حمزة على الكاس وبعدين بلع ريقه بصعوبة، مد ايده ناحية الكاس ورجعها تاني، بس رجع ومسك الكاس وضغط عليه بقوة، فِضل متبت عليه لثواني قبل ما يسيبه بسرعة وبحركة عصبية قلب الكارت الرابع وساعتها.. ساعتها اتسمر مكانه.. الكارت الرابع خسره.. حط حمزة وشه بين ايديه في حسرة، اتكلم الصوت...
- دايمًأ قرارتك غلط.. يمكن لو روحت يومها كنت قدرت تنقذها.. ويمكن لو شربت الكاس كنت قدرت تشوفها.
قرب حمزة ايده من الكاس ومسكه، وبعد ثواني شال الكاس ورفعه على بوقه، مانزلوش غير لما فضي، بعدها رجعه مكانه، كان بيبص للورق اللي قدام الكراسي التانية، قلب الورق اللي على يمينه لقاه ورق خسران.. قلب الورق اللي على شماله وبرضه كان ورق خسران.. بسرعة شد الورق اللي قدامه وبدأ يقلب الورقة الأولى والتانية والتالتة والرابعة.. الورق.. كان خسران.
مسك الكاس ورماه على الأرض وهو بيصرخ بعصبية...
- انت عايز مني ايه؟
- مش عايز حاجة دورك انتهى.. ودلوقتي تقدر تشوف داليا.
قام حمزة من على الترابيزة وهو بيبص في السقف...
- يعني ايه؟.. وهي فين داليا؟.. رد عليا.. داليا فين؟.. داليا فيــ..... ااااه.
مسك بطنه من شدة الوجع، السم كان بينهش في جسمه، وقع على الأرض وبدأت تخرج من بوقه رغاوي بيضا.. لحد ما قطع النفس.
وفي نفس اللحظة الرقم اللي على الباب اتمسح.
******
دخل جميل الأوضة وبمجرد ما دخل الباب اتقفل، واتكتب عليه من بره رقم 2، بص جميل على الباب قبل ما يرجع ويبص في الأوضة على نور الكشاف، بس ماكنش شايف حاجة وفجأة ضرب في عينيه كشاف كبير، بعد جميل وشه عن الكشاف وحط ايده قدام عينيه عشان يحجب الإضاءة عنه، اتكلم الصوت ساعتها وقال...
- غريبة انك بتبعد وشك!.. مع انك بتموت في الأضواء.. كلب شهرة.. بتستغل أي فرصة عشان يتقال فيها اسمك.. جميل جميل.. الكاتب اللامع.. صاحب القلم الجبااار.. هاها.. انا مش عارف إزاي الناس ماقدرتش تكشف حقيقتك لحد دلوقتي؟!.. حقيقي مش عارف.. مع إنه باين.. يعني اللي يقرالك كويس هيعرف إنه مستحيل تكون دي كتاباتك.. اصل الكاتب يا جميل لازم تكون له بصمة.. لازم يسيب حتة منه على الورق.. وانت كل كتاب لك مافيهوش ولا حتة تشبهك، مافيش كتابين تقدر تحس منهم إن اللي كتبهم شخص واحد.. على فكرة انا متابعك كويس وقريت كل أعمالك.. ودي للأسف كانت أسوء عملتها، كنت قرفان وانا بقرأ كتاباتك.. مش لإنها وحشة بالعكس.. كتابات جميلة جدًا.. يمكن انت نفسك انبهرت بها وانت بتقراها، عارف ليه كنت قرفان؟.. عشان كنت بحس نفس الإحساس اللي بيحسه صاحب الكتابات دي وهو شايف اسمك مكان اسمه على الغلاف.. بس انت موهوب.. حرامي موهوب.. معلم.. دار نشر تحت أي اسم.. وإعلان صغير في الجرايد ان الدار محتاجة روايات جديدة بأقلام شابة، ومئات الشباب الطموح يقدموا، وطبعًا كلهم بيترفضوا تحت مسمى روايات لا تصلح، روايات أقل من المتوسط، وتقعد انت بقى على رواقة تقرأ وتنقي، والرواية اللي تعجبك تجري تسجلها باسمك، فاكر أول رواية سرقتها كانت بتاعت مين؟.
سكت جميل وماردش، بس بعد ثواني نورت قدامه لمبة وعلى نورها ظهر جميل في سن التلاتينات قاعد على مكتب وماسك كتاب بيقرأ فيه، وبتدخل بنت زي القمر، شكلها لسه صغيرة في أول الشعرينات، بتدخل توقف قدام المكتب وبتقول...
- استاذ جميل.
بيرفع جميل راسه من الكتاب وبيبصلها وساعتها بيفتح بوقه لثواني منبهر بجمالها بعدين بيقولها بصوت ناعم...
- ايوة انا استاذ جميل.. خير.
- انا كنت جاية بخصوص الإعلان اللي حضرتك نشرته في الجرنال.. كنت كاتب انكوا هتوقفوا جنب الشباب الصاعد وتساعدوهم على نشر رواياتهم.
- ايوة طبعًأ.. اتفضلي اقعدي.
قعدت البنت وكمل جميل كلامه...
- اهم حاجة الجيل الصاعد.. لازم نوقف جنبه، ونكون في ضهره وندعمه.. ده دورنا كمؤسسة نشر.
- انا مش عارفة اقول لحضرتك ايه؟.. حقيقي انت إنسان رائع، انا بقالي أكتر من سنتين بكتب الرواية دي وطول الوقت ماكنتش عارفة بعد ما اخلص هعمل فيها ايه ولا هنشرها ازاي؟.. بس اهو ربنا وقفلي ولاد الحلال اللي زي حضرتك.
- ماتقوليش كده.. احنا اخوات وبعدين ايه حضرتك دي!.. انتِ شايفاني خمسين سنة؟.. ده احنا اللي بينا يدوبك مايكملش عشر سنين تقريبًا.. انتِ كام سنة؟
- 23 سنة.
- ايوة كده انا صح.. مش معنى اني بقول شباب صاعد اني مش منهم يعني ولا ايه؟
ابتسمت البنت بخجل وقالت...
- لا حضرتك لسه شباب طبعًا.
- انتِ اسمك ايه صحيح؟
- اسمي ولاء.
- اسم جميل زي صاحبته.
وش البنت اتغير بس حاولت ماتصطدمش بيه وعدت الجملة، وسألته...
- هو انا المفروض اعمل ايه؟.. عشان توافقوا على نشر العمل يعني؟
- لا مش مطلوب منك حاجة.. انتِ بتخلصي الرواية وتيجي تقدميهالي وانا بنفسي هقرأها ولو الرواية مكتملة الأركان وحلوة.. ماتشغليش بالك بأي حاجة بعدها.. انا بتكفل بالنشر.
- بجد!.. يعني انا كل اللي بعمله اني بكتب الرواية بس؟
- بالظبط كده.. المهم انتِ خلصتيها ولا لسه؟
- ايوة خلصتها ومعايا نسخة منها.. اهي.
- فتحت البنت شنطتها وطلعت نسخة الرواية مطبوعة، حطتها قدام جميل على المكتب وهي بتقول...
- انا كتبتها على ايدي وبعدين روحت للمكتبة خليتهم يكتبوها على الكمبيوتر، زي ما حضرتك طلبت في الإعلان.
- برافو عليكِ يا الاء.
- ولاء يافندم.
- اه اه اسف.. برافو عليكِ يا ولاء.. معلش بقى زحمة الأسماء.. انتِ عارفة انا بيجيلي أكتر من عشرين كاتب في اليوم لما الواحد مابقاش عارف هيقرأ الكلام ده كله امتى.
- ربنا يكون في العون يافندم.
فتح جميل الرواية وفر الورق فرة سريعة وبعدين قفلها تاني وحط ايده عليه وهو بيقول...
- تمام.. واضح إن أسلوبك حلو.. اوعدك هقرأ الرواية وانا متأكد إنها هتعجبني.
- شكرًا لحضرتك واتمنى تعجبك بجد.
- الجواب باين من عنوانه.. وإن شاء الله هخلصها واتواصل معاكِ.. سيبيلي رقم اقدر اوصلك عليه عشان لما اخلص الرواية اكلمك.. بس اعذريني الموضوع ده هياخد شوية وقت.. زي ما قولتلك في كتاب كتير مقدمين رواياتهم زيك والاولوية في القراية بتكون للي قدم الاول.. بس إن شاء الله هحاول اخلصها بسرعة.
- إن شاء الله يافندم هستنى رد حضرتك.. وده رقم البيت عندنا.
كتبت البنت الرقم في ورقة وناولتها لجميل، اللي خدها منه وحطها جوة نسخة الرواية، بعدها قالها...
- اتفقنا.. نورتيني ياااا.. ولاء.. صح كده.
- صح يافندم.. عن إذنك.
- اتفضلي.. مع السلامة.
ضلمت الأاوضة واتكلم الصوت تاني...
- خرجت ولاء من عندك يومها وهي طايرة من السعادة، كانت حاسة إنها خلاص وصلت، ماكنتش عارفة إنها وقعت في إيد نصاب بيلعب بأحلام الشباب الصغير، ليه يا جميل؟.. ليه عملت في البنت دي واللي زيها كده؟
سكت جميل دقيقة وهو باصص في الأرض وماردش، لحد ما في الأخر رفع راسه وقال...
- انا عيشت طفولتي كلها بين الكتب، قريت كتب كتير ماحدش يقدر يعدها، وطول الوقت ده وانا مستني اكبر عشان اكتب وابقى زيهم.. بس لما كبرت وبدأت اكتب اكتشفت اني ماعنديش الموهبة.. مش عارف ايه كان ناقص تاني عشان اقدر اكون كاتب كبير زي اللي بقرأ كتبهم؟.. عملت كل حاجة لكن فشلت.. بس الحلم فضل جوايا وصممت اوصله بأي شكل.
- على حساب ناس تانية؟.. تسرق تعب ومجهود شباب لسه في بداية حياتهم وتخليهم يفقدوا الأمل في أي حاجة حلوة حواليهم؟
- ما انا كمان حلمي اتسرق.. كان مين اهتم؟
- مش ذنبهم.. مش ذنبهم إن ربنا مانعمش عليك بالموهبة.. لكن ذنبك انك بدل ما تبقى كاتب بقيت حرامي.
- انا كاتب وكاتب كبير.. وكل الكتابات دي بتاعتي.. ماحدش يقدر يشكك فيها.. وكلها متسجلة باسمي.
- انت مصدق نفسك؟
- ايوة.. مصدق وهفضل مصدق.
في اللحظة دي نورت لمبة في ركن الأوضة وظهر جميل على مكتبه وقدامه ولاء قاعدة على الكرسي...
- انا استنيت حضرتك تتصل بيا.. بس عدا أكتر من شهر ونص وحضرتك مابلغتنيش.
- الحقيقة يا ولاء مش عارف اقولك ايه؟.. ماكدبش عليكِ انا خلصت الرواية فعلًا.. بس...
- بس ايه يافندم؟.. الرواية وحشة؟
- بصراحة.. اللي انتِ كتباه لا يرتقي إنه يكون رواية أصلًا.. نقدر نسميها خواطر.. أو محاولة غير ناجحة للكتابة.. لكن ماترتقيش انها تكون رواية.
كانت قاعدة بتسمع كلامه والدموع نازلة على وشها.. قام من على المكتب ولف قعد قصادها ومد ايده بمنديل وهو بيقولها...
- انا مش عايزك تحبطي.. انتِ لسه قدامك السكة طويلة واكيد مع الاجتهاد والمثابرة هتنجحي في يوم من الأيام وهتكسري الدنيا.. صحيح انا قولتلك انها محاولات بس محاولات يجي منها.. مش ميؤوس منك.
بصتله ولاء وهزت دماغها وقامت وقفت وقالت...
- شكرًا يا استاذ جميل.. واسفة اني ضيعت وقتك في قراية محاولات فاشلة زي دي.. بس ممكن حضرتك ترجعلي نسخة الرواية؟
- اه طبعًا.. طبعًا.. ثانية واحدة.
راح جميل فتح درج المكتب وطلع نسخة الرواية واللي كان تحتها نسخة تانية بنفس العنوان.. بعدها قفل الدرج ومشي ناحية ولاء وناولها النسخة بتاعتها، خدتها البنت منه وخرجت من المشهد.. وقف جميل في مكانه بيبص عليها وهي خارجة وبعدين اتنهد بارتياح قبل ما يقول...
- معلش يا ولاء سامحيني بس انا كنت مكانك في يوم من الايام.
ضلمت الأضوة من تاني والمرة دي الصوت قال...
- النهاردة هتتدفع تمن اللي انت عملته زمان.
في نفس اللحظة سمع جميل صوت تنفيس هواء، ارتبك وصرخ...
- يعني ايه؟.. انت هتعمل ايه؟.
- انت عايزها تسامحك يا جميل.. بس انا مابسامحش.
فجأة في ايد اتمدت ولفيت حوالين رقبة جميل وضغطت بقوة، كان بيحاول يفلت منها لكن ماكنش قادر، الايد فضلت تضغط أكتر وأكتر وجميل ماسك الايد وبيحاول يبعدها عن رقبته بس نفسه اتخنق وقال بصعوبة...
- و..لا..ء.. انا.. اسف.
وقعت ايد جميل جنبه بعدها وقع على الأرض.. وفي نفس اللحظة الرقم اللي على باب الأوضة اتمسح.
*******
بمجرد ما دخل نون الأوضة، بابها اتقفل واتكتب عليه الرقم خمسة، لكنه ماكنش خايف، وجِه الكشاف في أركان الأوضة وهو بيحاول يستكشف اللي جواها، وفجأة سمع صوت...
- من الحب ما قتل.
رفع نون الكشاف ناحية السقف مع الصوت اللي كمل كلامه...
- اصعب حاجة على الواحد لما يثق في اللي بيحبه ويكتشف بعدها إن الشخص اللي وثق فيه وضحى عشانه بيخونه، وانت ماشاء الله عليك يا نون استاذ في الخيانة.
- انت مين؟
- مش مهم.. مش مهم تعرف انا مين.
- اومال جايبني هنا ليه؟
- صح هو ده السؤال المهم.. انا جايبك هنا ليه؟.. مممم.. فاكر اللي عملته زمان؟.. طب اسهلهالك.. فاكر قاف؟
ارتبك نون شوية قبل ما يقول...
- انت.. انت عرفت الموضوع ده إزاي؟
- اهو ده برضه سؤال مش مهم.. المهم فاكر انت عملت ايه؟
بدأت اعصابه تسيب والكشاف وقع من ايده قبل ما يقول...
- انت.. انت...
- افكرك.
نورت لمبة قدام نون وشاف نفسه قاعد على ترابيزة وقدامه بنت حلوة جدًا، وكانت بتقول...
- بس لقيتها انا هكتب تحت اسم قاف وانت تكتب تحت اسم نون.
بصلها نون شوية قبل ما يقول...
- نون.. قاف.. حلو ده.. بس مش ده المهم دلوقتي.. المهم هنقدر نوصل للي احنا عايزينه؟
- انا متأكدة يا حبيبي اننا هنقدر.. طول ما احنا مع بعض هنقدر نعمل كل اللي احنا عايزينه.
- مش عارف يا حبيبتي بس الدنيا مقفلة من كل ناحية.. تفتكري هيجي اليوم اللي هقعد انا وانتِ نفس القاعدة دي ونسمع الناس بتتكلم عن كتابات نون قاف من غير ما يعرفوا انهم قاعدين معاهم في نفس المطعم؟
- انا واثقة في حاجة زي دي.. نون انت كاتب موهوب وقلمك تقيل.
- ماهي للأسف الموهبة مش كل حاجة.. إن ماكنش لكِ واسطة مش هتوصلي.
- ليه بتقول كده؟
- دي الحقيقة يا قاف.
ضحكت البنت وهي بتقوله...
- دي أول مرة اختار اسم وتوافق عليه، لا وكمان تندهلي بيه.. دايمًا كنت بتعترض وترفض تناديني بالاسم اللي اخترته.
- ماهو انتِ برضه كنتِ بتختاري اسماء غريبة.. بلاش بقى نفتح في الكلام واقعد اتريق عليكِ تاني.
- لا لا خلاص طالما عاجبك قاف يبقى حلو أوي.
- قوليلي صحيح.. عملتي ايه في روايتك؟
- عرضتها في دار نشر واديني مستنية الرد.
- وقالولك هيردوا في قد ايه؟
- ماحددوش ميعاد.. بس انا متفائلة.
- إن شاء الله خير.
بتضلم الدنيا وبيتكلم الصوت...
- كانت مستعدة تمشي معاك المشوار خطوة بخطوة، ماكنش فارق معاها نفسها قد ماكان فارق معاها تشوفك ناجح ومشهور، بس برغم كده انت ماقدرتش كل ده وسيبتها وجريت ورا واحدة رخيصة زيك.
قاطع نون الصوت وقال بعصبية...
- لو كنت قعدت جنبها ماكنتش نفعت وكان زماني فضلت زي ما انا.
- الغريبة يا أخي انها لما جاتلك وقالتلك إن روايتها اتسرقت انت ماعملتش حاجة.
- وانت كنت عايزني اعمل ايه يعني؟.. انا كنت لسه حتة عيل مغمور ماحدش يعرفه، وفي اليوم ده بالذات اتأكدت إني صح.. وإن الفرصة لو ماصنعتهاش بنفسك عمرها ما هتجيلك.
- فتقوم سايبها ورايح متجوز واحدة بتعرف تصنع الفرص كويس.
رد عليه نون وقاله...
- مروة طول عمرها بتحلم تكون كاتبة، بس ماكنش عندها الموهبة.. وانا طول عمري بحلم اكون غني ومشهور.. بس ماكنش عندي الفلوس ولا العلاقات.. عشان كده كان لازم نتقابل.
- طب و ولاء؟.. مافرقش معاك هيحصلها ايه لما تسيبها في نص الطريق.
- ولاء إنسانة كويسة.. بس ماكنتش تنفع تكون الشخص اللي هكمل معاه حياتي.. ماينفعش تكون أكتر من مرحلة.
- مرحلة!.. يعني الإنسانة اللي ضحت بنفسها عشانك ماكنتش أكتر من مرحلة في حياتك؟!.
- ضحت بنفسها عشاني في ايه؟.
- اه طبعًا.. ما انت من بعد ما عرفت مروة والصفقة تمت ماتعرفش عنها حاجة.
بينور النور في زواية من زوايا الأوضة وبتظهر ولاء وهي قاعدة على مكتبها وبتكتب في ورقة قدامها.. كانت بتقرأ اللي بتكتبه بصوت عالي...
- حبيبي نون.. لم أكن أعلم حين تتركني أنني سأعيش تلك المعاناة.. لأني لم أتخيل أنك ستتركني يومًا.. فلم اتوقع ردةُ فعلي حول غيابك.. ولكني الآن أدركتُ كم المعاناة النابع من حبي لك، أدركت بإنك تسللت إلى روحي واحتللت كل نبضة تسري في قلبي، لم يكسرني خذلانك لي ولكن كسرني.. كم أحببتٌك بصدق.. لم يقتلني غيابُكَ بقدر ما يقتلني ذاك الطيف الذي تركتَهُ في غرفتي، يحاصرني.. يكتمُ أنفاسي ويُحِيلُ ليلي نهار.. أوتدري يا حبًا صار وجعًا.. لم أعد احتمل.. تراود عقلي كل يوم فكرة الإنتحار.. وتأبى نفسي خَشية أن اقتُلكَ في شراييني.
انهار نون في البكا وقال بصوت مخنوق...
- ولاء.. انا اسف.
- هاها اسف!.. بالبساطة دي يانون!
- انا ماكنتش عايزها تموت.. كل الحكاية انها.. اني ماكنش ينفع نكمل مع بعض.
- واكتشفت ده فجأة بعد ما عافرت معاك سنين؟.. ولا فلوس مروة وعلاقتها زغللت عينيك؟
- مروة هي كمان كانت مرحلة في حياتي وعمرنا ما حبينا بعض، كنا متفقين من الاول.. خدمة قصاد خدمة، انا هعملها رواية ولا اتنين تثبت بهم نفسها وهي هتفتحلي ابواب الشهرة.. ولما كل واحد وصل للي هو عايزه انفصلنا بهدوء.
- وذنبها ايه ولاء في وساختك دي؟.. ذنبها ايه تروح ضحية طمعك؟
- انا ماقولتلهاش تموت نفسها.. ولا كنت متخيل انها ممكن تعمل كده.
- طبعًا وهتتخيل إزاي؟.. وانت الحياة عندك كلها عبارة عن صفقات للوصول لهدف واحد بس.. دلوقتي جِه وقت الحساب ولازم تدفع تمن اللي عملته فيها.
- يعني ايه؟
في اللحظة دي سمع نون صوت فحيح حاول يوطي عشان يجيب الكشاف لكن حس إنه دايخ ووقع على الأرض، ساعتها شم ريحة غريبة، خد نفس عميق قبل ما يقول...
- دي مش ريحة رطوبة.. دي..
مالحقش يكمل الجملة وجسمه اتشنج، معاها سمع صوت الفحيح بيقرب من وشه.. غمض عينيه وفي نفس اللحظة اتمسح الرقم المكتوب على الباب.
******
بعدا ما ماتوا كلهم خلصت من الجثث بمعرفتي، ودلوقتي لازم تعرف انا ليه عملت كده.. ولاء تبقى اختي الكبيرة، اتعرفت على نون وحبته بجد، كانت فاكرة انهم هيكملوا مشوارهم سوا بحكم انهم كٌتاب شباب زي بعض، راحت لجميل وقدمتله روايتها، بس سرقها ونزلها باسمه، ولما حكت لنون اتعامل بكل سلبية وقالها إنه مش هيقدر يعمل حاجة، وقتها ولاء مافرقش معاها الموضوع رغم انها زعلت لكن قالت هتكتب رواية غيرها وأحسن طالما هي ونو مع بعض، بس في وسط الطريق قرر الواطي يتخلى عنها وده لما ظهرت مروة في حياته، أعجبت بكتاباته وشافت فيه الشخص اللي ممكن تشتريه بفلوسها، بعدته عن ولاء وطلبت منه يسيبها وهي هتعمله اللي هو عايزه، والحقيقة هو كان مستني اشارة واحدة منها عشان يبيع.. وقتها كان عندي عشر سنين.. لما صحيت في يوم وعرفت إن ولاء انتحرت، ماكنتش فاهم يعني ايه انتحار.. كل اللي فهمته يومها.. إن أختي مابقاش ينفع تكون موجودة تاني.. دخلت أوضتها ولقيتها سايبة مذكراتها اللي كانت بتكتب فيها كل اللي بيحصل معاها.. شيلتهم عندي.. كنت بقرأهم كل يوم، لحد ما كبرت وفهمت اللي حصل بالظبط.. وقررت انتقم منهم واحد واحد.. قريت كل رواياتهم عشان اعرف تفاصيل قريبة منهم.. راقبتهم وجمعت معلومات عنهم، كنت عايش مع كل واحد فيهم يومه، النفس اللي بيتنفسه بسجله، لحد ما عرفت ايه الحاجة الوحيدة اللي ممكن تخليهم يجوا لحد عندي برجليهم.. الطمع.. الطمع في رواية جديدة.. حطيت الخطة، دور على قصر مهجور ماحدش يعرف عنه حاجة، وبدأت اعمل عنه فيديوهات وارفعها واقول انه قصر مسكون، عملت صفحات كتير بتتكلم عن لعنة القصر، صفحات باسماء وهمية طبعًا، وبعد ما رسمت تاريخ لأسطورة القصر، جِه الدور إني أخليهم ياخدوا بالهم منه، اشتغلت في المطعم اللي بيقعدوا فيه دايمًا، وبدأت اقرب أكتر وأكتر، وفي يوم رميت اسم القصر قدام نون بحكم إني معجب بكتاباته وطلبت منه يكتب عنه، وفتحت الفيديوهات اللي كنت مجهزها عن القصر وبدأت اوريهاله، الموضوع عجبه، واتعمق في البحث أكتر، وساعتها قرأ المقالات اللي انا كنت كاتبها على أكتر من صفحة، وبعد ما اتأكد إن القصر ملعون بدأت الفكرة تتثبت في عقله، وهنا بدأت ارمي كلام عن القصر قصاد الباقيين عشان لما نون يفتح الموضوع يكون عندهم خلفية عنه ومايخدش وقت يقنعهم.. بصراحة ماكنتش متوقع إنه هيفشل، بس الحمدلله كان لسه الطمع جواهم زي ما هو.. وراحوا القصر برجليهم.
طبعًا بتسأل ايه ريحة الرطوبة اللي كان يقصدها نون.. الحقيقة ده كان غاز بيهدي الأعصاب ومع الوقت بيخليهم يفقدوا التركيز وتبدأ الهلاوس تشتغل في دماغهم.. وكان الغرض هو تهيئتهم للمشاهد اللي هيشفوها، واللي ماكنتش مشاهد حقيقية.. مجرد تمثيل قامت به مجموعة شباب قبضوا فلوس على ادوارهم، ومع حالة عدم التركيز اللي كانوا الخمسة فيها، والماسكات اللي كانوا الشباب لابسينها، افتكروا إن المشاهد بتتعاد.. وبدأوا يعترفوا باللي عملوه.. عارف إن الطريقة اللي حمزة خسر بها محيراك.. هقولك الخدعة فين.. أي كرسي حمزة كان هيختاره كان هيخسر، وده لإني كنت بتحكم في الترابيزة من مكاني.. ولما اختار الكرسي اللي هيقعد عليه.. لفيت الورق عشان يبقى قدامه الورق الخسران.. اما بالنسبة للعبة الأوض اللي اختفت فده برضه كان خداع بصري مش أكتر ومع حالة التشويش اللي كان فيها علي ماقدرش يميز لما حط ايده على الحيطة.. اه انا عرفت إن علي سرق رواية فارس من كلام صاحب دار النشر كان قاله على مدونة على النت.. روحت وقابلته وساعتها حكالي اللي حصل، وقالي إنه شاكك في موت فارس من يومها، خصوصًا بعد ما علي نشر الرواية بعدها بسنتين، بس للأسف ماقدرش يثبت عليه حاجة.. اظن كده انا جاوبت على كل الأسئلة اللي بتدور في دماغك دلوقتي.. بس كإعتراف بسيط انا مامسحتش أي فيديو من فيديوهات القصر وده لإن القصر بقى فعلًا ملعون.. ملعون بلعنة الحقيقة.
تمت بحمدالله
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل.