القائمة الرئيسية

الصفحات

لوحة الموت قصص رعب


بقلم الكاتب: شادي إسماعيل 

 

مساء النور، أتمنى تكون خير، في الأول خليني اعرفك بنفسي انا شاكر.. شاكر علوان، طبعاً ده مش اسمي الحقيقي، بس بصراحة عجبني الاسم، انا رسام مشهور و انت اكيد هتعرفني، وعشان كده مش هقول اسمي الحقيقي، طب وايه اللي هيخلي فنان مشهور يحكي حكايته لواحد مايعرفوش؟.. ده السؤال اللي هتسأله لنفسك وانت بتقرأ كلامي ده دلوقتي مش كده؟.. بس انا هجاوبك، ولا اقولك، خلينا نأجل الاجابة على السؤال ده للاخر وانت اكيد هتعرف بعدها لوحدك، و دلوقتي نبدأ الحكاية...


المعادي 1990

كنت واقف ورا الإزاز بتفرج على المطر، كنت بسمع الاغنية اللي شغالة في الخلفية وبردد معاها

"Ever and ever, forever and ever my destiny, Will follow you eternally "

 بعد دقايق دخلت جوة، قعدت على الكنبة، مسكت كيس التبغ وبدأت ألف سيجارة، وبعد ما ولعتها مسكت كوباية القهوة في الايد التانية و ريحت ضهري لورا، الموسيقى كانت بترسم في خيالي أجمل مدينة في العالم، مدينة مش موجودة غير في عقلي انا وبس، كانت نايمة في حضني على الشاطئ، كنا بنتفرج على القمر لما فجأة قومت شغلت نفس الأغنية ومديت لها ايدي، ضحكت ضحكة رقيقة وبعدها مسكت ايدي وقامت من على الكرسي، كنا بنرقص على الايقاع، كنت قادر أشم ريحة البيرفيوم بتاعها، كنا هناك انا وهي بس، مافيش غيرنا في المدينة كلها.

انتبهت فجاة لما السيجارة لسعت ايدي، طفيتها وحطيت كوباية القهوة على الترابيزة اللي كانت موجودة قدامي، وفي اللحظة دي بصيت على اللوحة اللي كانت على الحامل، ابتسمت وفتحت كيس التبغ وبدأت ألف سيجارة تانية وانا بفتكر اللي حصل بيني وبينها...

******

المعادي 1985

كنت قاعد نفس القعدة وبلف سيجارة، وهي كانت قاعدة وسانده ضهرها لورا، نفخت دخان سيجارتها في الهوا وهي بتضحك بصوت عالي...

- انا مش عارفة ايه حبك في لف السجاير؟

- مزاج، أصل انا أحب أعمل كل حاجة على ايدي كده، وابقى عارف أصلها وفصلها، جواها ايه وبراها ايه؟

ضحكت تاني وسألتني...

- حتى الستات؟

بصيت عليها بطرف عيني وانا بقولها باستغراب...

- حتى الستات ايه!.. مش فاهم؟

- قصدي يعني حتى الستات بتحب تكون عاملهم على ايدك!.. وعارف جواهم ايه وبراهم ايه؟.. عارف أصلهم وفصلهم زي ما بتقول؟

مشيت لساني على ورقة التبغ ولفيت السيجارة وبعدين رجعت بضهري لورا جنبها، حطيت ايدي الشمال على كتفها وبصيت في عينيها وقولت بهمس...

- والله هو المفروض كده، بس معاكِ انتِ ده ماحصلش، يعني قابلتك، اتعرفنا، حبيتك، وبقالنا سنتين مع بعض، كل ده وانا ماعرفش عنك حاجة لحد دلوقتي.

خلصت جملتي وبعدها لفيت وشي الناحية التانية وولعت السيجارة، في اللحظة دي قربت هي من الترابيزة وطفت سيجارتها، رجعت تاني وخدت سيجارتي من بوقي وقالت لي...

- طب انت مش عايز تعرف انا مين؟

- تؤ، مش فارق معايا، المهم عندي اني بحبك، مش مهم بقى انتِ تطلعي مين؟.. بنت مليونير، بنت شحات، من هنا أو من أي حتة تانية، مش مهم، يكش حتى تكوني عفريتة، برضه هحبك.

ضحكت أوي أول ما قولت كده، وقالت لي...

- عفريتة؟!.. متأكد انك هتحبني فعلاً لو كنت عفريتة؟

ضحكت وقولتلها بلخبطة...

- يعني ماقصدش المعنى الحرفي، دي صيغة مبالغة، معلش عديها.

نامت وحطت راسها على رجلي خدت نفس وناولتني السيجارة وهي بتنفخ الدخان في الهوا قدامي، سرحت شوية وهي بتضحك مع نفسها وقالت...

- عفريتة، طب تفتكر لو انا كنت عفريتة، شكلي كان هيبقى عامل ازاي؟

قولتلها وانا بضحك بسخرية...

- يا نهار أبيض، لا لا مش هقدر أتخيل، وبعدين انتِ قفشتي في الجملة اوي كده ليه؟

بصت لي وهي بتقول بدلع...

- لا لا.. عشان خاطري قول، شكلي كان هيبقى عامل ازاي؟

- يعني.. هتبقي طويلة جداً مثلاً، وايدك أطول مني انا شخصياً.

ماقدرتش أكمل وصف وضحكت جداً على المنظر اللي كان في خيالي وقتها، بس الغريب بقى انها استنت لحد ما خلصت ضحك وبعدين قالت باهتمام...

- اه، كمل.. وايه تاني؟

- ايه يا ماما، مالك قلبتي الموضوع جد كده ليه؟

قامت من على رجلي ساعتها واتنهدت وهي بتقول...

- ماقلبتوش جد ولا حاجة، انا هقوم امشي انا.

قولتلها باستغراب...

- تمشي تروحي فين؟ ما تباتي معايا النهاردة.

ردت بحدة...

- لا.

رفعت حواجبي في استغراب، قربت مني وباستني على خدي وبعدها همست في ودني...

- هسيبك بقى تبات مع العفريتة اللي في خيالك، باي.

قامت من مكانها واتحركت ناحية الباب، ضحكت انا وقتها بصوت عالي وقولتلها...

- ماشي، بس خليكِ فاكرة ان انتِ اللي سيبتيني ليها.

ردت عليا بجدية غريبة...

- طبعًا.. ما المُعجبات بقوا كتير حواليك، حتى العفاريت، ياريت بس تقدر عليها وما تخافش منها.

خرجت وقفلت الباب وراها، بعد دقايق قومت دوست على زرار الكاسيت عشان الموسيقى تشتغل بصوت عالي جداً، بعدها دخلت المطبخ عملت كوباية قهوة، ورجعت قعدت على الكنبة تاني، كنت بهز راسي مع الموسيقى وانا بلف سيجارة لما فجأة سمعت صوت جوة دماغي...

- تفتكر شكلي عامل ازاي؟

ثِبِتت مكاني لثواني، كنت بحاول اتأكد من اللي سمعته، بس بعدها كبرت دماغي وكملت لف وكملت اندماج مع الاغنية، لكن مافيش دقيقة ورجع الصوت من تاني...

- بقى انا ايدي أطول منك؟

في اللحظة دي قومت من مكاني بسرعة وقفت الموسيقى، وبدأت أبص حواليا يمين وشمال وفي السقف، ماكنش في أي حاجة في الشقة، رجعت قعدت مكاني على الكنبة وانا بحاول أقنع نفسي انها خيالات، وعشان كده شغلت الموسيقى من تاني قبل ما اقعد، ماكنتش مركز مع الموسيقى، كنت براقب الصوت عشان انتبه لما اسمعه، فضلت كده حوالي عشر دقايق، بس ماسمعتش حاجة، ارتاحت وولعت السيجارة وانا بأكد لنفسي انها كانت خيالات، شربت كوباية القهوة وانا سرحان مع الموسيقى، بس وانا بحط الكوباية على الترابيزة قدامي، عيني جت على الحامل اللي كان عليه لوحة بدأت فيها، بس لسه ملامحها ماظهرتش، وفي اللحظة دي سمعت نفس الصوت في دماغي بيقول...

- اللوحة دي ناقصها حاجة، تفتكر ناقصها ايه؟

المرة دي ماهمنيش الصوت قد ماهمني التركيز في اللوحة، فضلت ابص لها كتير وانا بفكر.. يا ترى فعلاً ناقصها ايه؟

****** 

المعادي 1990

فوقت على صوت جرس الباب، قومت فتحت وساعتها لقيت قدامي جمعة، حارس الفيلا...

- اتفضل يا استاذ شاكر دي الحاجة اللي سعادتك طلبتها، وده الباقي.

- خليه عشانك يا جمعة.

- توشكر يابيه.

سابني ومشي بعدها، قفلت الباب ودخلت جوة على المطبخ، رصيت الحاجة اللي هو جابها ووقفت على البار، بصيت ساعتها على الكنبة وافتكرت كلامنا في مرة من المرات

******

المعادي 1983 

كنت واقف على البار بعمل حاجة نشربها، لما لقيتها نازلة من فوق وهي لابسة بيجامة من بيجاماتي، كانت واسعة عليها شوية، ابتسمت ابتسامة خفيفة لما عيني جت في عينها، قربت مني وهي بتفرد دراعاتها جنبها وبتبص على البنطلون بسخرية، ضحكت انا ساعتها بصوت عالي وهي كمان ضحكت...

- عاجبك منظري كده؟!

- حد قالك تنزلي البسين بهدومك!

- يا سلام.. انا برضه اللي نزلت بهدومي، ولا حضرتك اللي زقتني!

ضحكت وانا بقولها...

- بصراحة كان نفسي اجرب حاجة جديدة.

- تقوم تنزلنا البسين، في عز التلج ده وبالليل.

- بس ماتنكريش انه كان وقت لطيف.

- لطيف ايه!.. انا مش حاسة بجسمي من البرد، لو تعبت هتكون انت السبب على فكرة، وساعتها هعديك عشان نتعب سوا.

- ماشي ياستي.. موافق.

قَربِت من البار وقعدِت على الكرسي قدامي، بعد كده سألتني...

- انت بتعمل ايه كل ده؟

- والله هو انا كنت داخل اعمل حاجة نشربها، بس حسيت اني جعان فقولت اعمل حاجة ناكلها الاول، انتِ جعانة، صح؟

- اه جدًا، هتعملنا ايه بقى؟

- لازانيا.

- واو، انت بتعرف تتطبخ اكل ايطالي؟

- اه اتعلمته وانا هناك، بعد ما ابويا وامي ماتوا السنة اللي فاتت، لقيت نفسي قاعد في الفيلا دي كلها لوحدي، ف زهقت وقولت اسافر اغير جو، وكمان اتعلم حاجات جديدة في الرسم، وهناك بقى اتعلمت أكل ايطالي كتير، وشوفت حاجات غريبة بس جميلة في نفس الوقت، منهم اللوحة اللي هناك دي مثلاً.

بصت وراها ناحية اللوحة اللي كانت محطوطة في ركن جنب الباب اللي بيطلع على البسين، بعدها قامت بشغف و راحت ناحيتها، ابتسمت انا من شكلها وهي بتتحرك بلهفة، وقفت قدام اللوحة وبعدها بصت لي وكأنها بتستأذن ترفع الستار عن السر العظيم اللي مخبيه، شاورت لها بالموافقة، وفي اللحظة دي رفعت الغطا بحركة سينمائية، وقفت لحظات ثابتة في مكانها، بصيت عليها شوية بس بعد دقايق ندهتلها...

- سارة.. يا سارة.

بصت لي بعدها وهي مبرقة وسألتني...

- اللوحة دي.. انت جيبتها منين؟

- كنت بزور مدينة هناك اسمها بافيا، وانا ماشي لقيت جاليري عارض لوحات قديمة جدًا، دخلت وقولت اتفرج، ولما دخلت شوفت اللوحة دي، فضلت واقف قدامها زيك كده بالظبط، وبعدها قررت اني اشتريها، صاحب الجاليري كان رافض يبيعها بس بعد ما عرضت عليه مبلغ محترم وافق يدهالي، بس أدي حكاية اللوحة.

ابتسمت ابتسامة غريبة وبعدين قالتلي...

- انت فاكر ان دي حكاية اللوحة؟!

هزيت كتافي وانا بقولها...

- ده على الأقل اللي اعرفه.

سمعت وقتها صوت جرس الفرن، ف قولتلها...

- ثواني وهدوقك أحلى لازانيا هتاكليها في حياتك.

روحت ناحية البوتجاز، فتحت الفرن وخرجت منه الأكل وحطيته على الرخامة، ساعتها كانت سارة رجعت للوحة تاني وفضلت واقفة قدامها، جهزت الأكل في الأطباق وانا براقبها وبعدين خدت الطبقين و خرجت، قعدت على الكنبة وانا بحط الاطباق على الترابيزة وبعدها سألتها بضحك...

- هتاكلي ولا هتفضلي واقفة عندك كده؟

قربت مني بهدوء لحد ما قعدت جنبي، وساعتها سألتها باستغراب...

- انا عارف إن اللوحة غريبة وتشد بس مش للدرجة دي، مالك.. في ايه؟

- تفتكر قتلها ليه؟

- بصراحة مش عارف، وده اللي عاجبني في اللوحة، الغموض اللي حواليها، ماحدش يقدر يفهم اللوحة تقصد ايه غير اللي رسمها.

- انت تعرف إن اللوحة دي ليها قصة غريبة؟

- لا مش عارف، قصة ايه؟

قالت بقلق وخوف واضح...

- اللوحة دي رسمها رسام اسباني اسمه خوسيه، خوسيه كان فلاح فقير من الريف، وفي يوم كان بيتمشى مع اصحابه في شوارع مدريد، ولانهم فقرا ماكنوش بيعملوا حاجة غير انهم يتمشوا في الشارع، رغم المطر اللي كان مغرق شوارع المدينة، و رغم إن تقريبًا ماكنش في غيرهم، لكنهم كانوا مبسوطين، لحد ما فجأة وهم واقفين تحت تندة محل من المحلات عشان يحتموا من المطر، وقفت قدامهم عربية بيجرها حصانين، ظهرت من العربية بنت جميلة بفستان وردي، بصت على باب المحل وبعدها بصت لخوسيه، فردت الشمسية ونزلت، دَخلت المحل بسرعة، خوسيه كان بيراقبها في صمت، ساب اصحابه و راح وقف قدام باب المحل، كان بيتابعها لما في لحظة خدت بالها وبصت ناحيته، ابتسمت له ساعتها، ارتبك و رجع وقف مع اصحابه، مر وقت طويل وبعدها خرجت البنت من المحل، كان خوسيه لسه واقف مستنيها عشان يشوفها للمرة الأخيرة، ركبت العربية وقبل ما تقفل الباب، بصت له تاني وابتسمت، بعدها اتحركوا الحصانين واختفت العربية تحت المطر، قرروا اصحابه انهم يرجعوا البيت بعد ما المطر هدي، بص ساعتها على يافطة المحل قبل ما يتحرك معاهم، ولما رجع الكوخ ماكنش بيفكر في أي حاجة غير ضحكتها، ومن بعدها بقى بينزل المدينة كل يوم ويقف عند نفس المحل، بس عدى شهر والبنت مابتجيش، ف زهق وفقد الأمل، وقرر وقتها يدخل المحل ويسأل عنها، ودخل فعلاً بس فضل واقف محتار مش عارف يسأل عنها ازاي وهو مايعرفش هي مين؟.. فضل واقف في حيرته لثواني لحد ما صاحبة المحل قالت له...

- ماعندناش وظايف، اتفضل امشي؟

ابتسم وقال لها...

- انا مش جاي أدور على وظيفة.

بصت له من فوق لتحت باحتقار...

- ماهو انت أكيد مش جاي تشتري، هيئتك بتقول انك فقير من فقرا الريف، وانا مش بدي فلوس للفقرا.

المرة دي حس بوجع جواه، حس بقد ايه هو قليل، اتكسف يسأل عليها بعد ما صاحبة المحل عرته وكشفت له حقيقته، قال ساعتها بينه وبين نفسه "اذا كانت صاحبة المحل شايفاني شحات، هي هتشوفني ازاي؟".. كان ماشي في الشارع بيجر خيبته وحس إن المدينة عمرها ما هتقبل واحد فقير زيه، عمرها ما هتقبل أن يعيش على أرضها في يوم من الأيام، كان بيعدي الشارع لما فجأة شاف الأحصنة هتخبطه، رجع لورا بسرعة في نفس اللحظة اللي سواق العربية كان بيشد اللجام عشان يوقف الاحصنة فيها، اتأسف للسواق اللي ماكتفاش بأسفه و برضه شتمه وقاله ازاي يسيبوا امثالك يمشوا وسط الناس، ماحاولش يرد على الراجل، سابه ومشي حتى من غير ما يعدي الشارع وكمل في الاتجاه اللي كان ماشي فيه، كان حاسس بالذل أكتر، بس بعد دقيقة لقى العربية بتوقف جنبه، بص للسواق بغيظ المرة دي وقرر انه لو حاول يشتمه، هيضربه، لكنه اتفاجئ بيه بيشاور له يروح ناحية الباب، مشي ببطء وبخوف ووقف قدام الباب، بعد ثواني الباب اتفتح، ولقى قدامه البنت اللي كان بيدور عليها، ابتسمت له ومدت ايدها، بص لها لثواني وبعدين مسك ايديها و ركب العربية، كان قاعد قدامها، مقالش ولا كلمة، كان قاعد سرحان في جمالها وفي ابتسامتها، هي كمان مقالتش أي حاجة، كان باين عليها الخجل، بعد مدة العربية وقفت، بص لها باستغراب، وساعتها ابتسمت وفتحت الباب ونزلت وهي بتشاور له ينزل معاها، كان حاسس بالقلق، بس هي مسكته من ايده وطلبت منه ينزل، ف نزل معاها وساعتها لقى نفسه واقف وسط حديقة كبيرة مليانة شجر، حس بالامان وابتسم لها، وهي كمان ابتسمت له وبعدها جريت ناحية شجرة موجودة قدامهم، فضل متابعها لحد ما وصلت هناك وبصت له، ابتسم وجري ناحيتها، أول ما وصل شاف أجمل منظر شافه في حياته، الحديقة كانت بتطل على النهر، وعلى مرمى البصر شلال جميل، بصت له هي وقتها وقالتله...

- انا اليخاندرا.

لهجتها بتدل على انها مش اسبانية، ابتسم في وشها وهو بيقول...

- اليخاندرا.. و انا خوسيه.

نطقت اسمه بطريقتها...

- خو.. خوسَـ يه.

ضحك على طريقة نطقها وبعدين سألها...

- انتِ منين؟

- من روما.

- المدينة المقدسة، اها.

ابتسمت وهي بتهز راسها تأكيدًا على كلامه، بعدها سألته...

- انت مش من مدريد، صح؟

- صح، انا من الريف.

- تفتكر الريف أجمل ولا المدينة؟

- الريف جميل بس المدينة أجمل، خصوصًا بعد ما شوفتك.

ابتسمت بخجل و بصت ناحية النهر، وبعد ثواني قالتله...

- انا والدي من ايطاليا من عايلة كبيرة هناك، و أمي من هنا، من الريف، اتقابلوا صدفة وحبوا بعض، ولما انا اتولدت ماما سمتني اليخاندرا على اسم جدتها، بنيجي زيارة كل سنة مرة، ماما كانت دايمًا بتقول إن الريف أجمل من المدينة.

- اه، وعشان كده بتتكلمي اسباني كويس.

- وكمان اعرف اسبانيا أكتر منك.

الحكاية بتقول ان خوسيه واليخاندرا حبوا بعض جدًا، ورغم الفرق الاجتماعي الرهيب بينهم، إلا إن اليخاندرا ماكنش فارق معاها المستوي الاجتماعي، لكن و زي كل الاساطير اللي عرفناها، والد اليخاندرا رفض الحب ده وقال إنه مش هيسمح لها تكرر قصته مع أمها، لانه ببساطة هو كان الطرف الغني في الحكاية، يعني هيقدر يعيش أمها في مستوي أحسن، لكن خوسيه مش هيقدر يعيشها في المستوي ده، وبرضه ككل الأساطير هربت اليخاندرا في اليوم اللي كانت العيلة مقررة الرجوع فيه لروما، هربت و راحت عاشت مع خوسيه في الريف، وهناك اكتشفت ان خوسيه بيعرف يرسم وده بعد ما شافت اللوحة اللي رسمهالها بعد أول لقاء بينهم، مر وقت وكانت اليخاندرا بتحاول تقاوم صعوبة الحياة، بس الوضع كان أصعب بكتير من قدرتها، خوسيه كان عايش في فقر شديد، طلبت منه تنزل تساعده في الشغل، لكنه رفض و قال انه مش هيقدر يشوفها بتجمع الحطب، طلبت منه يرسم ويبيع لوحاته، قالها انه حاول وماحدش وافق يشتريها، وكمان مش هيلاقي وقت للشغل الأساسي لو بدأ يرسم، وبعد سنة كانت اليخاندرا حامل، وده زود الحِمل على خوسيه، بس المشكلة انه وبسبب الفقر الشديد والحَمل، اليخاندرا جسمها أصبح ضعيف جدًا وكل يوم كانت بتدبل عن اليوم اللي قبله، لحد ما في يوم رجع خوسيه من الشغل ودخل الكوخ، لقاها واقعة على الأرض، جري عليها وحاول يفوقها، لكنها كانت ماتت، وبموت اليخاندرا انتهت حياة خوسيه فعليًا، عاش بعدها شخص بائس وحزين، إنمت قرر يطلع حزنه، في الرسم، رسم حياتهم مع بعض، من أول يوم شافها فيه لحد ما ماتت، رسم كل التفاصيل والمواقف اللي جمعتهم سوا، حتى منظر موتها لما دخل عليها ولقاها واقعة على الأرض، رسمه، عدت سنة وهو مش بيعمل حاجة غير انه بيرسم ويرسم ويرسم، كان بيقول ان الرسم بيحسسه بوجودها وانها ماماتتش، بس بعدها بدأ يسمع صوت في دماغه، قال انه كان صوت اليخاندرا، بتوعده انها تساعده وتخليه من اثرياء المدينة، وكمان وعدته إنهم هيعيشوا مع بعض حياة أحسن من الأول، حس انه بدأ يتجنن، بس بعدها اكتشف حاجة غريبة، بقى بيرسم بطريقة عمره ما رسم بيها، لوحاته بقت مبهرة بشكل مش طبيعي، أول مرة في حياته يحس أنه رسام، والصوت بعد كده طلب منه ينزل روما ويعرض لوحاته هناك، بيقول انه استلف فلوس الرحلة من اصحابه وخد لوحة من اللوحات وسافر لروما، ماكنش عارف هو صح ولا غلط، او هيقدر يرجع ولا لا؟.. بس كان مؤمن جدًا بالصوت اللي جواه، دخل قصر من القصور اللي أصحابها مشهورين بحبهم للوحات، وهناك حس بالفخر لما شاف انبهار صاحبة القصر باللوحة، وعشان كده طلب مبلغ كبير، والغريب انها وافقت عليه و دفعت الفلوس، وده عشان يرجع خوسيه والسعادة مالية قلبه، ومن يومها سلم نفسه للصوت اللي في دماغه، صوت اليخاندرا، وفي خلال فترة قليلة بقى خوسيه من اثرياء المدينة فعلاُ، قال إن كل لوحة رسمها، اليخاندرا هي اللي كانت بتوحيله بفكرتها، هي اللي كانت بتحرك الريشة على اللوحة، لحد ما في يوم وقع في المحظور، قابل بنت جميلة، عجبته ومع الوقت حبها، وبعدها بدأ الصوت يختفي وكل ما يحاول يرسم، اللوحة بتطلع أوحش من لوحاته اللي كان بيرسمها في الكوخ زمان، حاول يتواصل مع اليخاندرا كتير لكنها ماكنتش بترد عليه، لحد ما بدأ يكتئب والحزن يرسم ملامحه على وشه، كان قاعد في القصر بتاعه لوحده، بعد ما البنت هجرته بسبب جنونه واكتئابه، وكمان الخدم ماقدروش يستحملوا ثورات غضبه وعصبيته ومشيوا واحد ورا التاني، ولما القصر فضي عليه، بدأ يسمع الصوت من جديد.. "زي ما وعدتك اني اساعدك واخليك غني، انا برضه اللي هفقرك واموتك".. حاول كتير يعتذر لها عن خيانته ليها، لكن اليخاندرا ماقبلتش اعتذاره، وخيانته جرحتها جرح شعلل نار الحقد والغضب جواها، وبعد فترة قليلة اتفاجئ الجميع بان القصر بيولع، وبعد ما النار اطفت لقوا خوسيه محروق في أوضة من أوض القصر، بس بعدها اكتشفوا انه كان محتفظ بكل اللوحات اللي رسمها في حياته في القبو اللي النار مطالتوش، اللوحات كلها اتعرضت في مزاد علني واتباعت، واللوحة دي كانت اخر لوحة رسمها خوسيه، لوحة بين فيها المعاناة اللي عاشها وندمه الشديد على خيانته لاليخاندرا، واللي اشترى اللوحة هو رسام شاب، بعد فترة هجر مراته وعياله، وبعدها اشتهر وبقى غني، لكنه برضه اتجنن وانتحر في النهاية، و من بعده اللوحة راحت لواحد تاني، ومن التاني للتالت ومن التالت للرابع، كلهم بيغتنوا ويشتهروا وبعدها يا بيتجننوا او يموتوا، از ينتحروا، لحد ما في يوم واحد من اللي اشتروا اللوحة اكتشف مذكرة في ضهرها، ولما فتحها وقرأ اللي فيها عرف ليه كل اللي اشتروا اللوحة حصل فيهم كده، وهو الوحيد اللي عاش وبعدها ماحدش يعرف اللوحة راحت فين.

لما سارة خلصت، سألتها باهتمام...

- و ليه بقى كل اللي اشتروا اللوحة حصل فيهم كده؟

- الخيانة، الخيانة هي سبب موتهم.

- خيانة.. خيانة ايه؟

- كل اللي بيشتري اللوحة بيسمع صوت اليخاندرا وبتوعده بالشهرة والفلوس، وبعدها بتشوف هيخلص لها ولا هيخونها.

- يخلص لها ازاي يعني مش فاهم؟.. طب خوسيه كان جوزها، لكن دول ناس غريبة، هيخلصولها ليه؟

- ماعرفش!.. الحكاية اللي بتقول كده، والكاتب موضحش حاجة تانية.

- كاتب ايه؟.. هو انتِ قريتي الكلام ده في كتاب؟

- اه قريته في كتاب.

- اسمه ايه بقى الكتاب ده؟

- لوحة الموت.

- لا لا.. اللي بتقوليه ده مش منطقي ابدا، وبعدين ما انا اشتريت اللوحة اهو وماسمعتش صوتها لحد دلوقتي، وكمان ماكنش في حاجة في ضهر اللوحة لما جيبتها.

ابتسمت وبعد كده قالت...

- ومين قالك، مش جايز تسمع صوتها، وأكيد مش هتلاقي المذكرة بعد العمر ده كله يعني.

- لا ماسمعتش ومش هسمع، ومايهمنيش المذكرة موجودة ولا لا، انتِ عايزة تخوفيني وخلاص؟

- براحتك، انا بس خايفة عليك.

- لا ماتخافيش، انا كويس ومابسمعش حاجة.

****** 

المعادي 1990

شغلت الموسيقى اللي متعود اسمعها وانا برسم وبعدها قعدت قدام الحامل، مسكت الفرشة وبدأت أرسم اللوحة الجديدة...

****** 

المعادي 1985 

قومت وقفت وانا ببص للوحة والصوت بيتردد في ودني، ياترى اللوحة ناقصها ايه؟.. قعدت على الكرسي ومسكت الفرشاة، بس وقتها كنت حاسس إن في حد تاني هو اللي بيرسم مش انا، ماكنتش قادر أسيطر على نفسي، سيبت ايدي للفرشاة، قومت من على الكرسي وكملت رسم وانا واقف، ايدي كانت بتتحرك بسرعة غريبة وبإتقان شديد، كأني رسمت اللوحة دي قبل كده ألف مرة، وبعد ساعة فوقت، بصيت على اللوحة، كانت بنت جميلة، انا عمري ما شوفتها في حياتي، رسمتها ازاي، ومين دي؟.. سمعت صوت في دماغي وقتها بيقول.. "اليخاندرا".. قربت من اللوحة ببطء، كان في قلادة مرسومة على صدر البنت، القلادة دي انا عارفها كويس، لا مش ممكن تكون هي، سارة، سارة هي اليخاندرا؟.. قعدت على الكنبة وانا بحاول استوعب واجمع الخيوط ببعضها...

انا اشتريت اللوحة في أول سنة 83.. بعدها و أول ما رجعت مصر اتعرفت على سارة، لا، هي اللي اتعرفت عليا، كنت واقف في معرض من المعارض عشان اعرض لوحتي المتواضعة، واللي اتعرضت بسببها لسخرية من بعض النقاد، لحد ما جت وقفت قدام اللوحة وبعدها قالت...

- واو، جميلة اوي اللوحة دي.

رديت عليها..

- ميرسي يا فندم.

- انا هشتريها.

بعدها طلبت مني طلب غريب شوية، طلبت اني اوقع باسمي على ضهر اللوحة، وفي يوم كنت قاعد في الفيلا وفجأة لقيتها جاية تزورني، استغربت من زيارتها الحقيقة، لكنها قالت انها حابة تتعرف عليا أكتر وانها معجبة بفني و لوحاتي، وماصدقت وقتها إن حد أمن بيا وبفني، ومن ساعتها و سارة مابتفارقنيش أبدًا، بس انا ماعرفش عنها حاجة غير اسمها، فضلت جنبي وشجعتني أرسم وما وقفش رسم خالص، وهي اللي كانت بتعرض لوحاتي وتبيعها، وفي خلال وقت قصير بقى ليا اسم في الوسط الفني، وسعر لوحاتي بقى خرافي، وبعدين اللوحة كانت موجودة دايمًا في المكان ده، اشمعنا ماسألتش عنها غير بعد شهور من معرفتنا، وكمان من بعد ما اشتريت اللوحة بشهور برضه؟.. أكيد كانت عايزة توصلي الرسالة، بس سؤال.. ليه سارة أو اليخاندرا دي ظهرت لي انا؟.. في الحكاية اللي هي حكتها ماظهرتش لضحاياها، وكانت مجرد صوت، وبعدين انا ماخونتهاش أصلاً، في حاجة غلط!

انا مش هستنى لما تجنني، انا لازم اعرف الحكاية دي حقيقتها ايه، اتصلت بواحد صديقي صاحب مكتبة من المكتبات وسألته عن كتاب باسم لوحة الموت، بس أكدلي إن مافيش كتاب بالاسم ده عدى عليه، سواء عربي أو مترجم، ساعتها خدت قرار إني اسافر بافيا، لازم أروح للراجل اللي اشتريت منه اللوحة واعرف أصل الحكاية.


****** 

المعادي 1990

خلصت رسم اللوحة، وقومت ناحية البار، صبيت كاس، رجعت قعدت على الكنبة ولفيت سيجارة، بس المرة دي ماكانتش سيجارة عادية، ولعت السيجارة وخدت نفس، بعده شربت الكاش، بدأ المفعول يشتغل، قومت ناحية البار وجيبت الإزازة كلها ورجعت مكاني، سيجارة في التانية، كاس في التاني في التالت في العاشر، وبعدها كنت في عالم تاني.

انا واليخاندرا واقفين قدام النهر تحت الشجرة، كانت بتغني اغنية اسبانية مش فاهم منها حاجة، لكن احساسها كان واصلي، بعدها مِسكت ايدي وبدأنا نرقص، ضحكتها كانت بتحرك جوايا مشاعر ماقدرتش اقاومها، اندمجنا في الرقص، وفجأة شوفت قدامي سارة، كانت واقفة بتبص علينا بغضب، بعدها قربت مني بسرعة والشر باين في عينيها، في اللحظة دي وقفت قدامها اليخاندرا وزقتها لورا

******

بافيا- شمال ايطاليا 1985

وصلت المدينة و روحت الحي اللي كان فيه الجاليري، أول ما دخلت هناك مالقتش حد، ندهت على صاحب المحل، بعد دقايق خرج راجل عجوز من أوضة موجودة في اخر الجاليري، بصيت له باستغراب وسألته...

- فين صاحب الجاليري؟

- انا صاحب الجاليري، اقدر اساعدك ازاي؟

رفعت حواجبي وقولتله...

- انت مش صاحب الجاليري، لو سمحت انا محتاج اتكلم معاه شخصيًا في مسئلة ضرورية.

بص لي باستغراب وقال بنبرة حادة...

- انا صاحب الجاليري، يا تقول محتاج ايه، يا تتفضل.

- طب حضرتك اشتريت الجاليري ده من فترة قريبة مثلًا؟

- ماحصلش.. انا صاحب المكان من عشرين سنة، ايه مشكلتك؟

- انا كنت هنا من سنتين واشتريت لوحة من واحد تاني و...

قاطعني...

- انت المصري اللي اشتريت اللوحة من روجر مش كده؟

- ده صحيح، هو كان اسمه روجر، مش هو صاحب المحل يعني؟

ضحك الراجل ضحكة عالية، وبعدين اداني ضهره وهو بيلوح بايده في الهوا و بينطق لفظ معناه شتيمة بشعة، راح ناحية المكتب وقعد، روحت وراه وقعدت قدامه، قرب مني وقالي بهمس...

- سمعتها؟

- ماهو ده اللي انا جيت عشانه، مين اليخاندرا دي وليه بتظهرلي؟

عقد حواجبه و رجع لورا وسألني بتعجب...

- اليخاندرا!!!.. ظهرتلك ازاي؟

- ظهرت لي في صورة بنت جميلة اسمها سارة.

- اها، لا سارة مش هي اليخاندرا.

- ازاي؟.. و سارة كانت لابسة نفس القلادة اللي كانت مرسومة على صدر اليخاندرا؟.. وبعدين مين خوسيه؟

- خوسيه؟!.. مين حكالك حكاية خوسيه؟.. سارة برضه؟

- اه سارة هي اللي حكتهالي.

- ماتصدقهاش، انا هحكيلك الحكاية الاصلية اللي كانت مع اللوحة، وعلى فكرة، انا مشيت روجر عشان باعلك اللوحة، وكمان بعهالك من غير المذكرة اللي هتساعدك في مواجهة سارة.

- يعني فعلاً كان في مذكرة مع اللوحة؟

- طبعا.. بس انا متأكد إن سارة حكتلك حكاية تانية خالص عشان تلعب بيك، اسمع مني بقى الحكاية الحقيقية...

خوسيه كان شاب فقير جدًا، وكان متجوز من اليخاندرا اللي بالمناسبة كانت بنت عمه، يعني فقيرة زيه، بس الاتنين كان الحب بيجمعهم، وبعد فترة من جوازهم اليخاندرا بقت حامل، فكروا كتير في مستقبل الطفل اللي جاي، وهنا اقترحت اليخاندرا على خوسيه انه يروح يعرض لوحاته على زوجات الأمراء والملوك اللي بيسكنوا القصور وبيحبوا الفن، واهو ممكن يقدر يجمع فلوس من بيع اللوحات، لكنه كان رافض لانه مش بيحب الطبقة دي من الناس ومش عايز يتعامل مع حد منهم، الحقيقة إن خوسيه كان بيقول كده عشان ماكنش واثق في نفسه، لكن مع إصرار اليخاندرا خضع لرغبتها وراح، وفعلاً باع أول لوحة لأميرة مرات أمير، رجع الكوخ والفرحة مش سايعاه، حضن اليخاندرا واحتفل معاها بفلوس أول لوحة، بعدها بدأت ثقته في نفسه تزيد، و رسم اللوحة التانية، والمرة دي خد اللوحة وراح قصر كانت بتسكنه ملكة وحيدة، بائسة، ماعجبهاش رسم خوسيه و وبخته على اللوحة السيئة اللي رسمها، حس بالإحباط ولم اللوحة عشان يخرج من القصر، لكن في اللحظة دي طلبت منه يستني، قربت منه، بصت له باعجاب وقالت له انها مستعدة تشتري اللوحة دي وكل لوحاته، وانها كمان هتخليه اغنى و أشهر شخص في المدينة، ولكن بشرط، انه يقعد معاها في القصر ومايخرجش لمدة سنتين كاملين، العرض كان مغري، فكر انه يرفض بس ساعتها شاف صورة اليخاندرا قدامه وهي بتجمع الحطب، و وقتها فكر إن الفلوس والشهرة هتخليه يعوضها عن الذل والفقر اللي شافته طول حياتها، وكمان عشان خاطر طفلهم اللي جاي، الملكة مادتوش وقت اكتر من كده عشان يفكر وسألته عن قراره، خوسيه وافق، وافق من أجل اليخاندرا الجميلة، وطلب منها يروح الكوخ يبلغ مراته ويرجع، لكنها رفضت وقالت إن العقد بدأ من اللحظة اللي وافق فيها، وادته فلوس مقابل أول لوحة من لوحاته، وفي نفس الوقت خلت الخدم يلبسوه أحسن لبس ويعدلوا من هيئته، وخلال ايام كان خوسيه اتبدل بشخص تاني، لكن قلبه ما اتبدلش وفضل جواه حب اليخاندرا زي ماهو، بس كان لازم ينفذ الاتفاق، كان عبد لرغبات الملكة، عاش في القصر من أجل سعادتها هي وبس، وهي في المقابل كانت ملتزمة بالعقد وبتبيع له كل لوحاته، وفعلاً بدأ يذيع صيته، مش في المدينة بس، لا ده في الإمبراطورية كلها، وعلى الجانب التاني اليخاندرا ماكانتش تعرف عنه أي حاجة بعد ما اتقطعت اخباره، أول فترة من غيابه نزلت المدينة دورت عليه، لكن مالقتوش، ف رجعت الكوخ وبدأت تعد الأيام والليالي على أمل رجوعه، لحد ما في يوم جالها واحد من حراس الملكة وقالها إن خوسيه مات، قلب اليخاندرا اتكسر وماتحملش فكرة موته، الحزن والاكتئاب أثروا على صحتها وخصوصًا إنها حامل، و ده كله خلاها مش قادرة على الشغل والفقر زاد وبدأ جسمها يضعف يوم عن يوم، لحد ما ماتت، خوسيه ماكنش يعرف أي حاجة عن اليخاندرا، وكان ملتزم بالعقد اللي بينه وبين الملكة، بس بعد موت اليخاندرا بفترة كان خوسيه مع الملكة في حفل الإمبراطور، كان بيحضر الحفل الملوك والأمراء وعلِية القوم، وكمان عامة الشعب، وفي الحفلة، واحد من أصدقاء خوسيه شافه وهو قاعد في المقصورة جنب الملكة، استناه لاخر الحفلة، وقبل ما خوسيه يركب العربية، اتسلل صديقه من بين الحراس ونده عليه، لف وبص له، بس قبل ما يروح له شدته الملكة وفكرته بالعقد وانه لو ما التزمش بيه هتدمر حياته، ومش حياته هو بس.. لا وحياة اليخاندرا كمان، ف رجع مكانه تاني، بس في اللحظة دي سمع صديقه وهو بيقوله إن اليخاندرا ماتت هي والجنين، اتحركت الأحصنة في نفس اللحظة، وبعدت بعيد، وفي القصر.. حاولت الملكة تنسي خوسيه اللي حصل بعلاقة.. جسده بس اللي كان حاضر فيها، لكن عقله وقلبه كانوا مع اليخاندرا، لحد ما لاحظت الملكة دموعه بتنزل على خده، قامت ساعتها وهي بتشتمه بأبشع الألفاظ، فضل خوسيه على السرير بيفكر في اليخاندرا، وطفلهم اللي مات معاها، اكتئب فترة طويلة، والملكة كل ده بتحاول معاه، مرة بالترهيب ومرة بالترغيب، لكنه ماكنش بيستجيب لها، لحد ما في يوم قرر إنه يرجع للرسم تاني، نزل القبو وقفل على نفسه وبدأ يرسم، كان بيرسم بحزن كل لحظة جمعته باليخاندرا، حتى انه رسم نفسه وهو راجع بالفلوس واليخاندرا بتقابله ومولدهم على ايدها، فضل ايام وايام، والملكة ماتعرفش بيرسم ايه، لحد ما لقته في يوم داخل عليها الأوضة، قرب منها وحضنها، عنفته وبعدته عنها، لكنه قرب تاني وخدها في حضنه، وبعدها نيمها في السرير و أول ما استسلمت له خنقها، ضغط بكل قوة على رقبتها لحد ما ماتت بين ايديه، نزل بعدها وطلب من الخدم يخرجوا بره القصر بأمر من الملكة، وبعدها ولع في القصر و حرق نفسه عقابًا وندمًا على اللي عمله، وبعد ما النار هديت اكتشفوا اللوحات في القبو اللي ماطالتوش النار، كل اللوحات اتباعت بس الغريب إن اللوحة الأخيرة اللي رسمها كانت ملعونة، وده عرفناه لما بدأ كل واحد يشتري اللوحة يموت أو يتجنن، بس لما اللوحة جت لي، اكتشفت المذكرة اللي في الضهر، ولما قريتها قدرت اعرف السبب.

- ايه السبب، واشمعنا اللوحة الأخيرة دي؟

- لان زي ما شوفت، اللوحة مشهدين، مشهد لخوسيه وهو بيقتل الملكة عريانة في السرير، وجنبهم مشهد لخوسيه نفسه وهو بيتحرق، والنار موصولة بين رجليه للسرير، خوسيه رسم الصورة وكتب المشهدين في المذكرة قبل ما يطلع ينفذ انتقامه منها، وروح الملكة سكنت اللوحة.

- وال.. وال.. الملكة دي كان اسمها ايه؟

- ماري.

-ماري!.. طب لو ماري هي الشيطانة، انا ليه بسمع صوت اليخاندرا؟

- اليخاندرا مالهاش صوت ولا بتظهر، اليخاندرا ماتت وماحدش سمعها أو شافها من ساعتها، لكن ماري هي اللي روحها الشريرة سكنت اللوحة زي ماقولتلك، وقررت تنتقم من كل واحد هيحتفظ بيها، لانها بتفضح قذارتها ودنائتها.

- طب والحل ايه عشان ماري ماتقدرش تعمل أي حاجة للي محتفظ باللوحة؟

قام راح ناحية خزنة موجودة جنب المكتب، فتحها وطلع منها المذكرة، ناولهاني وقالي...

- دي المذكرة اللي كتبها خوسيه، انا زودت عليها التعويذة اللي هتحبس روح ماري في اللوحة ومش هتخليها تقدر تخرج تاني غير لو المذكرة بعدت عن اللوحة.


******

المعادي 1990

خدت المذكرة منه ومشيت، ولما رجعت مصر حطيتها في ضهر اللوحة، ومن ساعتها وسارة اختفت والصوت كمان اختفى، طبعًا انت بتسأل انا ليه بكتبلك الكلام ده مع إن روح ماري اللي اتجسدت في شكل سارة اتحبست في اللوحة، انا هقولك.. قوم افتح ضهر اللوحة وبص عليها كويس، مش هتلاقي المذكرة لانها بطريقة ما اختفت، انا اسف، ياريت تسامحني، بس ده كان شرطها الوحيد عشان تسيبني في حالي، وهو اني انقل اللوحة لشخص تاني، ماتحاولش تدور عليا لاني بعد ما هبيعلك اللوحة هسافر ومش هتقدر توصلي، نصيحة مني حاول تتخلص من اللوحة وتديها لحد تاني، وإلا.... ربنا معاك.. 

******

الإسكندرية 2022

انا كده نقلت لك كل اللي كان مكتوب في المذكرة بتاعت شاكر، انا اشتريت اللوحة دي من شهر واللي باعهالي اداني معاها المذكرة وقالي متفتحهاش غير لما تعلق اللوحة، وبعد ما قريتها عرفت اني لبست لعنة الله أعلم إذا كنت هقدر أخلص منها ولا لا؟.. الله اعلم كام واحد اشترى اللوحة دي بعد شاكر وليه ماحدش فيهم كتب حكايته زي ما شاكر عمل؟.. ياترى ماكنش عندهم الوقت الكافي ولا خافوا على اسمهم ولا ايه اللي حصل.. مش عارف!.. بس انا قررت ابعت الكلام ده خصوصًا بعد ما سمعت صوتها، واتاكدت بنفسي إن الحكاية حقيقية، وبعتت الكلام ده، عشان أي حد يسمعه وبيفكر يشتري لوحة، يتأكد قبل ما يشتريها أصلها ايه وايه الحكاية وراها؟ وياريت.. ياريت تتأكد من ضهر اللوحة قبل ما تشتريها.



تمت بحمد الله 

بقلم الكاتب: شادي إسماعيل 

التنقل السريع