القائمة الرئيسية

الصفحات

كتاب اميتا قصص رعب


بقلم الكاتب: شادي إسماعيل 


(صوت جرس التليفون)

- الو.. مساء الخير.

- مساء الخير.. مين معايا؟

- احنا المفروض هنا ماحدش فينا بيقول اسمه للتاني، بس خلينا نتفق انك تندهلي ميم وانا اندهلك أ.

- مابحبش حرف الألف.

- اشمعنا؟

- لأنه أول حرف في كلمة الأمل وانا مش شايف أي أمل.

- الحياة مش سودة اوي كده.

- مش مهم، المهم انت عامل ايه؟

- انا تمام الحمدلله، وانت؟

- مش تمام.. مش تمام خالص.

- انا هنا عشان اسمعك.. ياريت تحكيلي.

- انا قررت اخلص من حياتي.

******

عبد الرحمن فؤاد.. ده اسمي، سني 25 سنة، عايش لوحدي في شقة جدي بمصر الجديدة، بشتغل في جمعية من الجمعيات الخيرية، وظيفتي اني برد على التليفونات اللي بتيجي واللي بتكون من ناس عايزين يتكلموا بس مش لاقين اللي يسمعهم، فبيتصلوا بيا أو بمعنى أدق بيتصلوا بارقام الجمعية وانا او غيري بنرد عليه، أغلب اللي بيتصل بينا بيكون تقريبًا على شفا الانتحار، دي حاجة اتعودنا عليها، ودورنا بيبقى اننا ننقذه ونحاول نبعده عن اللي بيفكر فيه، ربنا وفقني وقدرت ابعد ناس كتير عن التفكير ده، لحد مافي يوم روحت الجمعية كالعادة وقعدت على المكتب بتاعي وبدأت استقبال التليفونات، اول تليفون كان من واحدة انهت علاقة مع خطيبها وحاسة بالوحدة، بس الحمدلله ماكنتش بتفكر في الانتحار، المكالمة اللي بعدها كانت من شخص عجوز فضل يحكيلي عن المعاملة السيئة اللي بيتعاملها من اولاده وقد ايه احساسه بالوحدة خلاه يستنى الموت كل يوم لكنه مابيجيش، عرضت عليه يغير روتين حياته ويحاول يخرج من البيت، قالي انه جرب كل حاجة ممكن تتعمل لكن في النهاية بيرجع البيت وبيحس بالوحدة بتحضنه وكأنها كانت مفتقداه، بصراحة مكانتش قادر اقدمله حلول كتير، لكن هو قصر عليا المسافات وطلب مني طلب واحد وهو اني اوعده بمكالمة واحدة يوميًا اطمن فيها عليه واحسسه انه مش لوحده، وطبعًا وعدته بكده، والحمدلله قفل وهو مبسوط، بعد المكالمة دي حطيت السماعة على المكتب وماعرفش ليه افتكرت جدي الله يرحمه، ياترى يوم ما مات حس بالوحدة زي العجوز ده؟.. انا يومها ماكنتش معاه، ايوة انا فاكر اني كنت مسافر مع صحابي في المصيف وبعد4ايام رجعت، اول مادخلت الشقة شميت ريحة صعبة جدًا، مشيت ناحية الصالة وساعتها شوفت راس جدي ظاهرة من الكرسي اللي كان قاعد عليه، الريحة بقت اصعب لما قربت، لفيت قدامه ووقتها لقيت جثته متحللة، اتصدمت من المنظر وقربت منه وانا بهزه بس بدون فايدة، كان في ايده كتاب بيقرأه قبل ما يموت، والغريبة اني لما حاولت اشيل الكتاب من ايده حسيت كانه متبت فيه بشدة، وبصعوبة قدرت اشيله من بين ايده، خدت الكتاب من غير ما ابص فيه وحطيته على الترابيزة وبعدها طلعت تليفوني واتصلت بواحد صاحبي، جالي بسرعة وبدأنا في اجراءات الدفنة والعزا، ومن يومها وانا بقيت عايش لوحدي.

فوقت على صوت زميلي في المكتب اللي جنبي بينده عليا...

- عبد الرحمن.. عبد الرحمن.

- ايه يا سليم.. في ايه؟

- لا مافيش لقيتك سرحان بقالك كتير فقولت ارخم عليك.

- طول عمرك رخم.

- لا ياراجل.

- اومال، ايه اخبار المكالمات النهاردة؟

- الحمدلله هادية لحد دلوقتي ربنا يستر بقى واليوم يعدي من غير خساير.

- يارب.

لفيت وشي بعدها وبصيت في الشاشة وبدأت استقبل المكالمات من جديد،ومافيش خمس دقايق والتليفون رن...

- الو مساء الخير.

- قصدك صباح الخير.. الساعة دلوقتي 12 ودقيقة يعني بقينا في يوم جديد، يوم جديد هيعدي زيه زي غيره.. مُمِل بدون أي هدف، حياة بائسة وكل يوم بتزيد بؤس عن اللي قبله، عارف يا استاذ كام واحد ماتوا النهاردة حول العالم، مئات!.. تؤتؤ.. الاف.. تؤتؤ.. ملايين، ملايين يا استاذ ماتوا.. ولم تعبأ بهم الحياة، هل حضرتك النهاردة زعلت على واحد فيهم.. وقفت مثلًا دقيقة حداد على روح ماتت في مكان ما ولا تدري عنها شيئًا، طبعًا ماعملتش كده، وده ليه؟ لاننا مابنحسش ببعض، الصراعات المادية اللي فرضوها علينا خلتنا عايشين في خلاط كبير.. خلاط بيفرمنا واحد ورا التاني وماحدش فينا فاضي يبص للي جنبه، اصلك لو التفت.. سكينة الخلاط هتقطعك حتت، المهم انت عامل ايه؟

كنت مستغرب كلامه جدًا، حسيت انه مجنون أو غير متزن، لكن ده العادي، ما انا زي ماقولتلك اغلب اللي بيكلمونا بيكونوا على شفا الانتحار والمنتحر بيكون عارف انها لحظاته الأخيرة فطبيعي انه يقول كل اللي في نفسه حتى لو كلام مالوش علاقة ببعضه، رديت عليه بهدوء...

- انا تمام الحمدلله، حضرتك اخبارك ايه؟

- انا تمام.. زي الفل.

- حضرتك تحب اندهلك بايه؟ لو مش عايز تقول اسمك براحتك مافيش مشكلة.

- انا اسمي سمير.

- اقدر اساعدك ازاي يا استاذ سمير؟

- مش هتقدر تساعدني بحاجة انا اتصلت عشان اقولك اني بستعد للموت.

- تستعد للموت ازاي؟!.. مافيش سبب في الدنيا ممكن يخليك تنتحر.

- ومين قالك اني هنتحر.. بس تقدر تقول اني قاعد مستني موتي.

- ممكن توضح لي أكتر؟

اتنهد تنهيدة عميقة قبل مايقول...

- هيـــــي، ياريتني كنت اقدر اوضح.. لكن انا نفسي مش عارف هموت ليه ولا هموت ازاي؟

- استاذ سمير لو في أي حاجة مضايقاك احكيلي.

- لا مافيش.. انا بس حبيت انه يكون في شخص في العالم بيشاركني اللحظة دي.

- أرجوك يا استاذ سمير ماتاخدش أي قرار وانت في الحالة دي.

انفعل ساعتها وقال بصوت مختلط بالدموع...

- انا ماخترتش حاجة، انا كل اللي علمته اني فتحت الكتاب وساعتها.. وساعتها عرفت اني هموت.

- كتاب ايه؟

- كتاب غريب اسمه أميتا.

أول ما قال الاسم حسيت اني اعرفه أو شوفته قبل كده، فسألته...

- أميتا!.. ده كتاب ايه؟

- كتاب ملعون واللي بيفتحه بيتلعن بلعنته.. باساك مش مجرد جن بيرعبك أو بيعاقبك.. باساك بيستحوذ عليك، بيسلبك عقلك وارادتك.

- مين باساك ده؟

- باساك هو الشيطان اللي بيكلمني جوة الكتاب.

- بيكلمك ازاي؟

- ماعرفش لكنه حكالي حكاية غريبة عن قوته وازاي بيقدر يسيطر على عقول البشر، كل ده ماكنشش مخوفني.. اللي خوفني هو اني.. اني لقيته في اخر صفحة كاتب كل الاخطاء اللي ارتكبتها في حياتي.. وبعدها بيتوعدني بالموت.

كلامه كان في نبرة مرعبة، جسمي اتهز لثواني وحاولت اغير دفة الكلام، فقولتله...

- حضرتك بتشتغل ايه؟

- بشتغل مهندس.. قصدي كنت بشتغل قبل ما افتح الكتاب.. لاني من ساعتها مابخرجش من البيت.

- عشان انقلك اللي حصل قبل ما اموت، يمكن انسان في العالم يفتكرني في يوم من الايام ويطلب لروحي الغفران.. انا خلاص كده كده ميت.

- استهدى بالله يافندم مافيش حاجة من الكلام اللي حضرتك بتقوله ده، اكيد حضرتك كنت بتمر بفترة سيئة ومحتاج تتكلم مع حد شوية أو تغير جو وتقابل ناس جديدة.

قاطعني بضحكة مرعبة...

- البشر دايمًا مش بيقتنعوا بالحقيقة مع انها قدام عينيهم.

الصوت كان متغير المرة دي، اللي قال الجملة دي واحد صوته تخين وواثق من نفسه جدًا عكس الشخصية المهزوزة اللي بتكلمي من اول المكالمة، حاولت اتأكد فقولتله...

- حضرتك بتقول ايه؟.. الصوت مش واضح.

- البشر دايمًا مش بيقتنعوا بالحقيقة مع انها قدام عينيهم، اتأكدت كده ولا اعيدهالك تاني؟

في رعشة مرت بجسمي أول ما خلص جملته، كمل كلامه وقال...

- قاعد بتحاول تنقذ ناس بائسة رغم انك بائس أكتر منهم، مفتقد للحياة اللي بتحاول تمنحها للناس تانية.

صوته كان فيه نبرة بتشدني لي، وحسيت اني عايز اسمعه أكتر، كمل كلامه وسألني...

- انت محتاج حد تتكلم معاه، احكيلي مالك؟

- جدي وحشني.. اوي، حاسس بالوحدة من غيره، سنين وانا عايش معاه من بعد موت ابويا وامي، كان كل دنيتي بس فجأة مات.

- الموت هو الحقيقة الثابتة زينا بالظبط ولكن البشر برضه مش قادرين يتقبلوها.

- انا ماعترضتش وعارف ان كلنا هنموت، انا بس مش قادر اكمل لوحدي.

- بس انت مش لوحدك.. جدك قبل مايموت سابلك كنز عظيم.

- كنز ايه ده؟

- افتح المكتبة وانت هتوصله لوحدك.

- طب ما تقولي الكنز ده عبارة عن ايه؟

- هنتكلم تاني بس لما توصل للكنز.. اما دلوقتي في مهمة لازم انجزها.

بعد الجملة دي سمعت صوت صراخ في التليفون والشخص اللي كان بيكلمني في الأول سمعته بيقول وهو بيعيط...

- لا ماتقفلش.. ماتسبنيش لوحدي، باساك ارجوك.. لا.. انا مش عايز أموت.. مش عايز أموت.

حل الصمت وبعد دقيقة الخط قطع، قفلت الجهاز وقومت خرجت بره المكتب، وقفت في الشارع وانا بحاول استوعب اللي حصل في المكالمة وفجأة جِه في دماغي المشهد الأخير بيني وبين جدي، ولقتني بشوف صورة الكتاب اللي كان في ايده.. كنت شايف كلمة أميتا على الغلاف، وقفت تاكسي وطلبت منه يوديني على البيت، وانا في الطريق كلمت سليم قولتله اني مش هكمل شغل النهاردة، طول الطريق كنت بفكر.. ليه جدي يحتفظ بكتاب زي ده؟!.. انا عمري ماشوفته بيقرأ في كتب السحر أو أي كتب ليها علاقة بالجن والعفاريت، وصلت قدام البيت وطلعت بسرعة للشقة، فتحت الباب ودخلت جري ناحية المكتبة، كنت بدور بين الكتب على الكتاب اللي قال عليه، لكن كتب المكتبة خلصت والكتاب مش موجود، في حاجة غلط، رميت الكتب كلها على الأرض وقعدت جنبهم وبدأت أدور من تاني، بس ماكنش موجود برضه، قومت بصيت في المكتبة كويس يمكن يكون واقع وراها بس للأسف ماكنش موجود، قعدت على الكرسي بإحباط، ياترى الكتاب راح فين؟.. انا فاكر اني عينته في المكتبة يومها، ماحدش بيدخل ويخرج غيري.. هيكون راح فين؟.. عيني جت وقتها على المكتبة ولمحت زرار صغير جنب المكتبة من تحت، قومت ناحيته ودوست عليه بس ماحصلتش أي حاجة غريبة، قعدت مكاني وانا بضحك وبقول "اكيد يعني جدي مش هيكون عامل اوضة سرية.. ماهو مش المفتش كرومبو" بس لما قعدت اترددت في دماغي جملة باساك "افتح المكتبة وانت هتوصله لوحدك" ممم يقصد ايه بكلمة افتح المكتبة، افتح المكتبة.. كده مافيش معنى غير انه يقصد افتح المكتبة فعلًا.. قومت روحت ناحية المكتبة وخبطت على الحيطة اللي في ضهرها وساعتها اكتشفت انها من خشب، فضلت ادورعلى طريقة افتح بيها المكتبة لكن ماقدرتش اوصل لحل، عشان كده دخلت جيبت شاكوش وقررت اني اكسر الجدار الخشب، بس لما رجعت الصالة لقيت تليفوني بيرن، كان وليد صاحبي...

- ايوة يا وليد.

- تعالالي بسرعة يا عبد الرحمن.

- في ايه يابني مالك؟

- عمي مات.

- لا حول ولاقوة إلا بالله.. طب مسافة السكة واكون عندك.

رميت الشاكوش فوق الكتب ونزلت بسرعة عشان اروح لوليد، وانا في الطريق كلمته تاني قالي اروحله على بيت عمه على طول، وصلت هناك وقدام البيت لقيت عربيات شرطة وجنبهم عربية اسعاف، طلعت بسرعة على السلم بس قبل ما اوصل للدور التاني كانوا اتنين مسعفين نازلين وشايلين نقالة عليها عم، ووراهم كان وليد وابوه والاتنين منهارين في العياط، نزلنا كلنا لحد عربية الاسعاف وبعد مادخلوا الجثة قفلوا الباب واتحركوا بالعربية، وفضلت واقف انا ووليد وابوه اللي قولتله ساعتها...

- البقاء لله ياعمي.

- ونعم بالله ياحبيبي.

بصيت لوليد وقولتله...

- شد حيلك يا وليد.. شد حيلك ياحبيبي.

لقيته بيحضني وبيقول بعياط...

- سمير مات يا عبد الرحمن.. سمير مات.. مش قادر اصدق.. ده لسه في عز شبابه.

في الوقت ده قرب ابوه منه وطبطب عليه وقال...

- امسك نفسك يا وليد مش كده.. انا عارف انكوا كنتوا اصحاب بس ده قضاء ربنا.

استأذنت ابوه اني اخده ونقعد في العربية واحاول اهديه شوية بعيد عن الزحمة والتحقيقات، مشينا لحد العربية وهناك لقيته بيديني المفاتيح وبيطلب مني اسوق والف بيه في أي حتة، نفذت اللي قاله واتحركنا، وبعد خمس دقايق بص لي وقال بصوت ماليان دموع...

- مين يصدق إن سمير مات!.. احنا كنا بنعمل كل حاجة مع بعض ده كان اخويا مش عمي، لسه من اربع ايام كنا عندنا وقاعد معايا.

- شد حيلك يا وليد.. ربنا يرحمه يارب.

لفيت وش العربية وخدت طريق البيت تاني، وبعد ما وصلنا طلعنا الشقة بتاعت عم وليد، كان البوليس لسه في المكان، الظابط سمح لنا ندخل وبعدها سألني...

- انت مين؟

- انا عبدالرحمن فؤاد.. صاحب وليد.

- وايه اللي جايبك هنا؟

رد عليه وليد...

- انا اللي كلمته عشان يكون جنبي في ظرف زي ده.

- مممم، طب خده واقعدوا جنب والدك هناك ومش عايز ازعاج.

- حاضر.

الظابط كان بيبص لي بتفحص وانا ماشي مع وليد مش فاهم ليه؟!..

فضِلنا قاعدين حوالي ربع ساعة لحد ما لاقيته جاي وقعد قدامنا احنا التلاتة، وجِه كلامه لابو وليد وقاله...

- حضرتك بتقول ان اخوك مالوش عدوات مع أي حد؟

- لا يافندم.. سمير طول عمره في حاله والناس كلها كانت بتشهدله بالأدب والأخلاق.

الظابط كان مركز معايا بطريقة وترتني، وفجأة بص لي بشك وبعدين سألني...

- مالك يا عبدالرحمن؟

رديت عليه بارتباك...

- مافيش انا تمام.

- لا مش تمام.. مرتبك ليه من ساعة ما قعدت؟

- لا مش مرتبك ولا حاجة انا بس مش واخد على جو التحقيقات والشرطة.

- اها، انت بتشتغل فين صحيح؟

- بب.. بشتغل في جمعية خيرية.

- بتشتغل ايه يعني؟

- بستقبل مكالمات ناس عايزين حد يسمعهم ويحكوله من غير ما يعرف هم مين.

ابتسم ابتسامة سخرية وبعدين قالي...

- يعني بتقبض فلوس عشان تسمع الناس.. مطيباتي يعني.

- لو سمحت يافندم انا مابحبش حد يسخر من شغلي وبعدين اللي بعمله ده حاجة مش قليلة.. في ناس كتير كان زمان حضرتك او حد من زمايلك بيحقق في موتهم لولا اني كنت موجود وبرد على مكالماتهم.

- ده انت بطل في الظل بقى.. ما علينا، ارتبكت ليه لما سمعت اسم سمير؟

قولت بنبرة حادة...

- وانا هرتبك ليه؟ انا اساسًا ماعرفوش وعمري ماشوفته غير مرة أو مرتين لما كنت بعدي على وليد وهو كان بيبقى هناك بالصدفة.

بص لي لثواني بتأمل وعينه جت على ايدي اللي كنت بفركها بتوتر وبعدين هز راسه وهو بيقولي...

- انا مصدقك.

لف وشه بعدها وكمل كلام مع ابو وليد وسأله شوية أسئلة لحد ما فجأة لقتني بقوله بزهق...

- هو انا ممكن امشي؟

سكِت ولف وشه ناحيتي...

- اه تقدر تمشي.. لو مش عايز تكون موجود جنب صاحبك.

- شكرًا.

بصيت لوليد وقولتله...

- انا لازم امشي وهجيلك بكرة.

استغرب وليد تصرفي خصوصًا انه ماسبنيش يوم وفاة جدي، لكنه ماقلش حاجة وهز دماغه بالايجاب، وانا نازل قولت هنزل بالاسانسير، وقفت مستنيه ولما وصل دخلت والباب قفل، كنت حاسس ان في حد معايا جوة الكابينة لكن في الحقيقة ماكنتش شايف أي حد، وفجأة النور قطع والاسانسير وقف، في اللحظة دي سمعت صوت همس بلغة غريبة، وكنت قادر احس بهوا سخن وكأن في حد بيلف حواليا لدرجة اني كنت بلف معاه ودوخت، بعدها النور بدأ يرعش ويروح ويجي، ومع لفتي ناحية المرايا شوفت حد بس ماكنش في المرايا لا.. ده كان واقف جنبي وانعكاسه هو اللي في المرايا، بصيت جنبي بسرعة لكن ماكنش في حد موجود، بصيت في الازاز تاني، لقيته واقف جنبي وبيمد ايده وبيكتب على الإزاز "أميتا" الكلمة كانت مكتوبة بالدم، صرخت ساعتها ووقعت في الكابينة.

لما فوقت لقتني قاعد على الكرسي في شقة سمير والظابط قاعد قدامي، بصيت له باستغراب، بص لي وابتسم...

- حمدالله على السلامة.

- الله يسلمك يافندم.. انا ايه اللي رجعني هنا تاني؟

- انت مامشيتش اصلًا عشان ترجع.

- مامشيتش ازاي؟!.. انا فاكر اني استأذنت حضرتك عشان امشي وبعدها سلمت على وليد ومشيت.

- لا ماحصلش.. انت طلبت تشرب سيجارة قدام باب الشقة وبعدها سمعناك بتصرخ ولما خرجنا لقيناك واقع على أرضية الطرقة قدام باب الاسانسير.

- ايوة الاسانسير.. انا فاكر اخر حاجة كنت في الأسانسير وكان.

سكِت فجأة، رفع الظابط حواجبه وسألني باستغراب...

- كان ايه؟

- ولا حاجة.

- وله انا سايبك تلف وتدور من ساعتها لكن لو ماقولتليش كل اللي بيحصل دلوقتي هتشوف وش تاني مش هيعجبك.

- مافيش حاجة بتحصل عشان اقولها.

- ايه علاقتك بسمير؟.. ومن غير لف ودوران.

ماكنش قدامي فرصة للهرب عشان كده حكيت له اللي حصل في المكالمة بالظبط، كان بيسمعني باهتمام شديد، وبعد ما خلصت قالي بنبرة حادة...

- يعني انت عارف كل ده وساكت من ساعتها!.. قولي المكالمات عندكوا بتبقى مسجلة مش كده؟

- اه طبعًا.

- طب قوم معايا سمعني المكالمة دي.

- حاضر.

روحنا الجمعية وهناك دخل الظابط للمدير وطلب منه يسمع المكالمة، وطبعًا المدير وافق، قعدنا على الجهاز وكل واحد فينا لبس سماعة وشغلت المكالمة.. بس.. بس دي المكالمة...

- الو مساء الخير.

- قصدك صباح الخير.. الساعة دلوقتي 12 ودقيقة يعني بقينا في يوم جديد، يوم جديد هيعدي زيه زي غيره مُمِل بدون أي هدف، حياة بائسة وكل يوم بتزيد بؤس عن اللي قبله، عارف يا استاذ كام واحد ماتوا النهاردة حول العالم، مئات!.. تؤتؤ.. الاف.. تؤتؤ.. ملايين، ملايين يا استاذ ماتوا ولم تعبأ بهم الحياة، هل حضرتك النهاردة زعلت على واحد فيهم.. وقفت مثلًا دقيقة حداد على روح ماتت في مكان ما ولا تدري عنها شيئًا، طبعًا ماعملتش كده، وده ليه؟ لاننا مابنحسش ببعض، الصراعات المادية اللي فرضوها علينا خلتنا عايشين في خلاط كبير بيفرمنا واحد ورا التاني وماحدش فينا فاضي يبص للي جنبه، اصلك لو التفت سكينة الخلاط هتقطعك حتت، المهم انت عامل ايه؟

 - انا تمام الحمدلله، حضرتك اخبارك ايه؟

- انا تمام.. زي الفل.

- حضرتك تحب اندهلك بايه؟ لو مش عايز تقول اسمك براحتك مافيش مشكلة.

- انا اسمي سمير.

- اقدر اساعدك ازاي يا استاذ سمير؟

- مش هتقدر تساعدني.

لحد هنا كانت خلص تسجيل المكالمة، الظابط بص لي وعلامات تعجب على وشه وسألني...

- فين باقية المكالمة؟

- مش عارف!

- ازاي يعني؟

- ماعرفش والله.. مش انا اللي مسئول عن تسجيل المكالمات.. انا كل اللي اعرفه قولته لحضرتك، لكن المكالمة بقيتها اتمسح ازاي؟ ماعرفش!..

اتعصب وقام راح للمدير وسأله عن تسجيل المكالمات لكن بعد بحث طويل برضه ماقدروش يعرفوا ازاي المكالمات اتمسحت، كانت عدت ساعات طويلة وانا من التعب نمت في المكتب لانه رفض يسيبني اروح، وفي النهاية اقتنع اني ماليش ذنب في مسح المكالمة وقرر يسمحلي أخيرًا اني ارجع بيتي بشرط.. اكون قدامه في أي وقت يطلبني فيه.

دخلت من باب الشقة وانا حاسس بالتعب في كل جسمي، مشيت لحد الكرسي اللي في الصالة ورميت نفسي عليه، بصيت على كومة الكتب اللي قدامي وساعتها افتكرت اللي كنت بعمله قبل ما وليد يتصل بيا، راجعت كل اللي حصل في دماغي وبعدها قومت دخلت اوضتي وقعدت قدام الكمبيوتر وكتبت في السيرش "أميتا" ظهرلي أكتر من لينك، دوست على واحد فيهم وكان المكتوب كالاتي...

"أميتا هو كتاب سحر قديم، انتشرت حوله الأساطير من ضمنها أسطورة تقول بأن كل من يفتح الكتاب أو يقرأه فإنه في عداد الموتى بأي طريقة كانت، ويقال بأن الكتاب عدد صفحاته كثيرة ولكنك لاترى سوى صفحات محددة مكتوبة لأجلك انت فقط، وهناك أسطورة أخرى أيضًا تقول بأن أميتا تجعل الإنسان يكتشف حقيقته ويرى أسوء ما ارتكبه فيعاقب نفسه بالموت قبل أن تقتله هي شر مِيتة"

معنى كده إن جدي مات منتحر!.. و..وو.. سمير كمان، ثانية واحدة الكتاب وصل لسمير ازاي؟!.. وليد، انا لازم الحق وليد، مسكت تليفوني واتصلت بيه بسرعة، ماكنش بيرد، خدت بعضي ونزلت عشان اروح له البيت، طول الطريق بتصل بيه لكن برضه مابيردش، وصلت البيت ورنيت الجرس، فتحت لي مامته سألتها بلهفة...

- مساء الخير يا طنط وليد فين؟

- جوة في أوضته.

- طب ممكن ادخله؟

- اه ياريت اصله مابطلش عياط من امبارح ورافض ياكل زعلان على سمير الله يرحمه.

- طب لو سمحت دخليني.

مشيت معايا لحد باب أوضته، حاولت تفتح الباب لكنه كان مقفول، اتكلمت ساعتها بصوت حزين...

- وليد يابني افتح.. حرام اللي بتعمله فيا وفي نفسك ده، عمك مات الله يرحمه، لكن انت هتوجع قلبي عليك ليه؟ افتح يابني عشان خاطري.. طب صاحبك عبدالرحمن هنا وعايز يشوفك.

وليد ماكنش بيرد والقلق جوايا زاد قربت منها وقولتلها...

- انا هكسر الباب ليكون حصله حاجة.

حطت ايدها على وشها في رعب وقالت...

- يامصيبتي.

رجعِت لورا وانا بدأت اخبَط الباب بكتفي لحد ما فتح في الاخر وساعتها لقيت وليد على السرير، كان قاعد والدموع مغرقة وشه بيبص ناحية حاجة قدامه انا مش شايفها، قربت منه، رفع راسه وبص لي وعياطه زاد، برقت له وانا بلف الناحية التانية عشان اشوف بيبص على ايه، كان.. كان بيبص على الصفحة الأولى من أميتا.

حاولت أبص في الكتاب لكنه قفله بسرعة وهو بيقولي...

- اوعى تقراه يا عبدالرحمن.. اوعى تقراه.

سالته وانا مصدوم...

- الكتاب ده جالك ازاي؟

- سامحني يا عبدالرحمن، انا.. انا سرقته يومها.. شدني وحسيت اني عايز اقراه وطبعًا انت ماكنتش فايق عشان اطلب منك طلب زي ده وقتها، روحت ناحية المكتبة وخدته، ويومها بالليل لما رجعت لقيت سمير عندنا، حطيت الكتاب في المكتبة وسيبت سمير ودخلت الحمام ولما رجعت مالقوتش ولا لقيت الكتاب، الغريبة اني لما سألته عن الكتاب قالي انه ماشافوش، لحد اليوم اللي مات فيه، لما روحت لقيت الكتاب في المكتبة، خدته وخبيته، وجيت اقراه النهاردة لقيت مكتوب فيه.

سِكِت وليد وماكملش، سالته بقلق...

- مكتوب في ايه يا وليد؟

- مكتوب.. مكتوب..

في اللحظة دي وليد رجع كتير وبعدها خرجت رغاوي بيضا من بوقه ووقع على السرير، مامته صرخت وهي بتجري عليه، اما انا فقربت من الترجيع وبصيت فيه لقيت حبوب، بصيت على الكومودينو لقيت شريط دوا فاضي.

اتصلت بالاسعاف اللي بدورها أول ما وصلت بلغت البوليس وساعتها لقيت نفس الظابط قدامي من تاني، اتحولت الجثة للطب الشرعي، وبعد ما مامت وليد حكت اللي حصل، الظابط اتحفظ على الكتاب وطلب مني اروح معاه القسم عشان محتاج يتكلم معايا شوية، وفعلًا روحت معاه وسألني وقتها...

- ايه اللي وداك هناك قبل الحادثة؟

- انا كنت بحاول انقذه، بس للأسف وصلت متأخر.

- وانت ايه اللي عرفك انه هينتحر؟

- ماكنتش اعرف انه هينتحر، بس كنت عارف انه هيموت لو قرأ الكتاب.. ولما جيت كان قراه وكمان انتحر.

بص للكتاب اللي كان محطوط على المكتب قدامه بتعجب وهو بيقولي...

- وايه في الكتاب ده بقى يخلي اللي يقراه يموت؟

- بصراحة مش عارف.. بس اللي اعرفه ان الكتاب ده كان في ايد جدي لما مات وكان عند سمير في الشقة لما مات وكمان كان عند وليد.

- وجدك جاب الكتاب ده منين؟

- برضه مش عارف.

- انت كل حاجة مش عارف.. مش عارف.

- دي الحقيقة يافندم.. انا فعلًا ماعنديش أي اجابات للأسئلة اللي حضرتك بتسألهالي.. انا من يوم ما جدي مات ماشوفتش الكتاب.

بعد مناقشة طويلة الظابط اتأكد اني ماعنديش أي معلومة تفيده واني زيي زيه بالظبط بدور على الحقيقة ورا الكتاب، روحت البيت، قعدت قدام الكتب من تاني، وساعتها جيت عيني على نوتة سودة مرمية وسط الكتب، فتحتها وبدأت أقرأ فيها لحد ماوصلت لصفحة معينة كان المكتوب فيها كالأتي...

" النهاردة حصلت أكتر حاجة فرحتني في حياتي، اتحكم على فؤاد ب15 سنة سجن، هو اللي اضطرني اعمل كده، طلبت منه كتير يبعد عنها لكنه صمم وراح اتجوزها من ورايا، بقى انا حلمي الخواجة أكبر جواهرجي في البلد على اخر الزمن بنتي تتجوز صبي من صبياني، خليه بقى يتهنى في السجن، انا عارف ان شاكي زعلانة مني بس مش مهم يومين وهتعرف اني عملت كده عشان مصلحتها، وعبدالرحمن هيتربى تربية نضيفة بعيد عن الواغش أهل ابوه، وبرضه لما يعرف الحقيقة في يوم من الايام هيشكرني اني انتشلته من الضياع اللي كان هيعيشه فيه ابوه 18\10\1998"

قلبت الصفحة وكان مكتوب في الصفحة التانية...

"امبارح كان أسوء يوم في حياتي، شاكي انتحرت، بعد ما عرفت خبر موت فؤاد في السجن، اللي مزعلني انها ماقدِرِتش تفهم حبي ليها، ماقدِرِتش تستوعب اني عملت كل ده عشانها، وافتكرت اني خايف على فلوسي من فؤاد الله يرحمه، عبد الرحمن هو اللي باقي لي من ريحتها، بس مش هقدر اقوله ان امه انتحرت، وابوه اتسجن، عشان كده هقوله انهم ماتوا في حادثة"

- عشان كده قتلته يا عبدالرحمن؟

- اللي زيه ماكنش ينفع يعيش، قتل ابويا وأمي مرتين، مرة لما فرقهم عن بعض ومرة لما كل واحد فيهم مات بعيد عن التاني، وحكم عليا حكم اعدام بيتجدد كل يوم من يوم ما حرمني منهم.

- طب ووليد ذنبه ايه؟.. ليه اديته الكتاب؟

- انا ماديتوش الكتاب، وليد طول عمره وصولي وانتهازي، وبيبص للي في ايد غيره، وأي حاجة عندي كانت بتعجبه بيسرقها ويفتكر اني مش واخد بالي، ويوم ما بعتله عشان جدي مات جالي وساعتها شاف الكتاب على الترابيزة، عجبه شكله ولاحظت انه مشى ايده على الغلاف باعجاب فعرفت ساعتها انه هيسرقه، ماكنش فاضل غير اني اوفرله الفرصة اللي هيسرقه فيها، ووفرتهاله لما دخلت جوة ناحية الحمام وعملت نفسي هرجع من الريحة اللي كانت معبية المكان، وفضِلت واقف عند باب الحمام لحد ما لمحته بيمد راسه عشان يتأكد اني في الحمام، وساعتها وطيت راسي في الحوض ووشغلت الماية، بعدها خرجت وشوفته من مكاني وهو بيحط الكتاب بين هدومه.

- طب وهو يعني محتاج يعمل كل ده عشان يسرق كتاب، ماكان طلبه منك اسهل.

- لا هو كان عارف اني مش هوافق بنسبة كبيرة وده لسببين، اولًا اني بطلت اسلفه كتبي لانه مارجعش ولا كتاب خده قبل كده، ثانيًا الكتاب ده بالذات أكيد مش هدهوله لان الكتاب شكله غريب وباين عليه كأنه من العصور القديمة.

- طب وانت ازاي قدرت تظبط ميعاد وصولك مع ميعاد موته؟

ضحك ضحكة عالية قبل ما يقولي...

- مافيش حاجة متسابة للصدفة، انا اللي خليته يفتح الكتاب.

- انت اللي خليته يفتح الكتاب؟!.. ازاي؟

- كلمته قبلها وقولتله...

- ازيك يا وليد؟ عامل ايه النهاردة؟

- الحمدلله يا عبدالرحمن.

- بقولك يا وليد، الكتاب اللي انت خدته من عندي ياريت ترجعه.

- كتاب ايه؟!.. انا ماخدتش حاجة.

- مالوش لازمة الكلام ده يا وليد.. رجع الكتاب وانا بالنسبة لي ولا كأن حصل حاجة.

- انت متصل تسرقني بدل ما تيجي وتبقى جنبي في الظروف دي.

- انا عارف انك خدت الكتاب من عند سمير يوم ما مات، وانه معاك دلوقتي، انت مش قد اللي في الكتاب ياوليد.. الكتاب ده في قوة سحرية رهيبة وانت مش هتستحملها.

- قوة سحرية رهيبة، طب اقفل.. اقفل يا صاحبي.

- براحتك يا وليد بس لو فتحت الكتاب ده وحاولت تتواصل مع حد فيهم ماتلومش الا نفسك.

******

- طبعًا يا ميم.. انت عارف إن الفضول البشري بطبعه قاتل.. وعشان كده وليد مش هيصبر أكتر من دقيقتين بعد المكالمة وهيفتح الكتاب، وده اللي اتأكدت منه لما اتصلت بيه بعدها وماردش، بدأت احسبله على الساعة الوقت اللي هيبدأ فيه مفعول السم يشتغل.

- سم ايه؟

- ماهي دي اللعنة، الكتاب كان مسموم، ماكنش ملعون، أول صفحة بتقراها بتعرفك انك ميت لا محالة، بعدها بتقرأ حكاية باساك وبتبدأ الهلوسة، واخر صفحة بتتغتح قدامك بتلاقي فيها كل خطاياك.. ومش شرط تكون ورا الحكاية على طول، ممكن تفضل تقلب في الصفح فاضية لحد ما توصل لصفحتك.

- طب والسم بيوصلهم ازاي؟

- لو جيبت كتاب ولاقيت صفحتين لازقين في بعض هتعمل ايه؟

- هَبِل صبعي بلساني عشان افتحهم من بعض.

- وده اللي كنت بجبرهم يعملوه.

- طب وانت كنت بتوريهم خطاياهم ازاي؟

- سهلة لما رجعت ولقيت جدي ميت لزقت الصفحة بتاعته وكتبت صفحة جديدة لوليد.

- طب وسمير؟

- سمير ماكنش معمول حسابه بس اهو فضوله قتله هو كمان، اما بالنسبة للخطايا فتقريبًا كده هو كان بيعمل نفس اللي وليد بيعمله ففتكر ان الكلام لي مايعرفش ان وليد هو المقصود.

- طب واللينكات اللي على النت؟

- دي اسهل حاجة في اللعبة كلها، مدونتين ماكلفونيش أي حاجة ورفعت عليهم كل المعلومات اللي انا عايزها عن الكتاب، عشان لو حد دور يلاقي معلومات حقيقية تثبتله الفكرة أكتر.

- انت ازاي بالشر ده؟

- انا عمري ماكنت كده، طول عمري عايش بخدم الناس وبساعدهم، حتى بعد ماعرفت اللي عمله حلمي الخواجة ماقدرتش انتقم منه وقتها ولقتني بشتغل في مكان اقدر امنع فيه أي حد هيفكر في يوم ينتحر زي أمي الله يرحمها، بس مع الوقت لقتني مش قادر، كل شخص كان بيكلمني كنت بسمع فيه صوتها، كل يوم كنت بشوفه عايش وبيتنفس كانت الدنيا بتضيق في عيني، من يوم ما قريت المذكرات وصورة أمي وابويا مابتفارقنيش، كان لازم انتقم منه بطريقة هو بس اللي يدفع فيها التمن، وعشان كده وصلت للفكرة دي.

- انت ليه بتكلمني وبتحكي كل ده مع انك عارف إن المكالمة مسجلة؟

- مش انا قولتلك يا ميم، في أول المكالمة إن المنتحر هو الشخص الوحيد اللي عارف انه في لحظاته الأخيرة فبيقول اللي هو عايزه.

- ايه ده هو انت...

- ايوة انا انتحرت من ساعة وقولت اعرفك الحقيقة على ما المفعول يتشغل.

- وليه اخترت المصير اللي عيشت تنقذ الناس منه؟

- انا ماخترتوش انا كل الحكاية اني قريت صفحتي.

- قريت صفحتك ازاي؟!.. هو مش الكتاب كان مع الظابط؟

ضحك بسسخرية وقالي..

- ده قبل ما الفضول يقتله.

- يعني الظابط كمان مات؟

- اكيد بس ماتقلقش بعد المكالمة دي ماحدش تاني هيموت انا خلاص حرقت الكتاب وانتهت لعنته للأبد.

******

بعد ما خلص عبد الرحمن جملته سكت وماسمعتش صوته تانيي.. حاولت كتير اتواصل معاه لكن يظهر كده إن المفعول كان اشتغل وقضى عليه.. انا نقلتكوا المكالمة زي ماحصلت بالظبط، وده بعد ما بلغت البوليس وتم حفظ المكالمة كدليل إدانة لمتهم حاكم نفسه بنفسه.


تمت بحمد الله 


بقلم الكاتب: شادي إسماعيل 

التنقل السريع