
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل
قفلت التلفزيون وانا متأثر جدًا بالفيلم اللي كنت بتفرج
عليه ماعرفش ليه؟.. يمكن في حاجة لمستني من جوة، دخلت
الأوضة عشان حسيت إن النوم كبس عليا، وكده كده هصحى بدري الصبح عشان ميعاد الشغل، اه
سامحني اندمجت مع الفيلم ونسيت اقولك انا مين، اسمي فايز.. فايز رشوان، عندي 35 سنة،
أرمل، مراتي ماتت بعد سنتين بس من جوازنا، كانت حادثة فظيعة، يومها كان يوم جوازنا،
روحنا السينما نتفرج على فيلم أجنبي وبعد ما خرجنا قولنا نتمشى شوية، بس واحنا ماشيين،
وفجأة، عربية طلعت على الرصيف، مالحقتش اعمل أي حاجة، انا كل اللي فاكره بعدها إني
شوفت سماح فوق الكبوت والعربية بتدخل في فاترينة محل من المحلات اللي في الشارع، بعدها
الدنيا اتزحمت والناس اتلمت واسعاف ونيابة وتحقيقات، وفي الأخر.. في الاخر رجعت البيت
لوحدي وسماح مابقتش موجودة، قعدت شهور بحاول اخرج من اللي انا فيه، بس ماقدرتش كل ركن
في الشقة بيفكرني بها، كل اللي حواليا رافضين اني انسى، أي واحدة من الجيران أول ما
تشوفني لازم تجيب سيرتها وتترحم عليها، حتى ابويا وأمي مادوليش فرصة للنسيان، ساعات
كتير المواساة بتكون سكينة تِلمة بيدبحونا بها من غير ما يحسوا، عشان كده كان لازم
اهرب، اهرب من الجيران ومن ابويا وامي وحتى من سماح، أجرت الشقة اللي كنا عايشين فيها
قبل الحادثة، وبيعت العفش، وجيت هنا أجرت الشقة دي، وبقالي اهو حوالي خمس ايام، اول
مرة يعدي عليا وقت طويل زي ده وماحسش بحاجة أو ماشوفش سماح في أحلامي، طول ما انا هناك
كنت دايمًا بشوفها بتمد ايدها ناحيتي وبتطلب مني الحقها، بس برضه ماكنتش بلحق، في حاجات
عمرك ما هتقدر تغيرها حتى في أحلامك.. الحمدلله على قضاء ربنا، غمضت عيني ونمت لاني
لو فضِلت افكر في كل اللي فات هفضل صاحي طول عمري.
قلقت من النوم فجأة على صوت غريب، صوت ماية بس مش ماية بتنزل
من الحنفية، لا، ده صوت كأن الحنفية بايظة وبتنزل نقطة نقطة، بس كان صوت واضح جدًا
وكأنه جنب ودني بالظبط، مديت ايدي على الكومودينو فتحت الأباجورة، وبعدها لبست نضارتي
وقومت من على السرير، فتحت النور، ماكنش في حاجة في الأوضة، ولسه صوت الماية بيرن في ودني، روحت ناحية الحمام،
فتحت النور وبصيت على الحنفيات اللي فيه لكن كانت مقفولة كويس ومافيش أي ماية نازلة
منها، قولت يمكن نسيت حنفية الحوض في المطبخ، دخلت وفتحت النور بس برضه كانت مقفولة
كويس، الصوت لسه بيرن في ودني، نقطة ماية بتنزل في حوض استيل، ورغم إن خرطوم التكييف
بيطرد الماية في ماسورة صرف إلا إني برضه روحت اتأكد منه وطبعًا ماكنش التكييف، رجعت
أوضتي وقعدت على السرير وانا الحيرة هتجنني بس اللي كان هيجنني فعلًا هو الصوت المزعج
ده، واللي مع الوقت بدأت أحس كأنه مسمار بيتدق في دماغي بهدوء، مسكت موبايلي واول مانور
اكتشفت إن الساعة 3 ونص الفجر، قلبي دايمًا بيتقبض من الميعاد ده، لاني كنت بصحى في
اغلب احلامي بسماح في نفس التوقيت، ياترى افتكرتني وجاية تزورني تاني؟.. طب اروح فين
عشان اقدر اهرب من الأحلام دي؟.. شغلت قرآن وحطيت السماعات في وداني وفردت ضهري على
السرير وساعتها سرحت مع صوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد ونمت.
المرة دي لما فتحت عيني كانت على صوت المنبه بيرن زي كل يوم
في ميعاده، قومت قفلته ودخلت الحمام، فتحت النور وساعتها، ساعتها لقيت مكتوب على مراية
الحوض "بدران" كانت مكتوبة بالدم، اتسمرت مكاني للحظات، ماكنتش بعمل أي حاجة
غير إني متنح في الكلمة اللي قدامي، وبسأل نفسي سؤال واحد بس.. مين بدران ده؟.. ومين
كتب اسمه على المراية؟.. ماكنش في إجابة وده كان مرعب أكتر، خرجت من الحمام بعدها ولبست
هدومي ونزلت من الشقة، وانا قدام العمارة لقيت عم سيد البواب بيغسل عربية واحد جارنا،
ندهت عليه وسألته...
- بقولك ياعم سيد.. هو مين كان ساكن في الشقة
دي قبلي؟
بص لي شوية وبعدين قالي...
- واحد محترم زي حالتك كده ياباشا.
- كان اسمه بدران؟
- لا.. مين بدران ده؟.. اللي قبلك كان اسمه..
اسمه.
- ايه ياعم سيد انت لحقت تنسى اسمه؟
- اه يابيه اصل الشقة دي ماتأجرتش اديلها سنين.
- سنين!.. طب كان اسمه ايه الراجل اللي قبلي؟
- ايوة افتكرت كان اسمه رزق.
- رزق!
- ايوة رزق.. كان شاب غلبان وفي حاله وماقعدش
فيها كتير قبل ما يمشي.
- مشي ليه؟
- ماعرفش يا بيه.. هو مرة واحدة لم حاجاته وهج.
- ومن ساعتها ماحدش سِكن في الشقة دي؟
- لا، اصل الشقة كانت عايزة تشطيب كتير، وصاحبها
راجل معفن فضل راكنها لحد مايلاقي واحد ياخدها على عيبها ويجددها على حسابه، بس طبعًا
ماحدش وافق، واتقفلت لحد ما مات وابنه جدده وعرضها للإيجار.. وحضرتك اول مستأجر بعد
التجديد.
- ماشي ياعم سيد شكرًا.
- العفو.. بس هو حضرتك بتسأل ليه؟.. في حاجة حُصلِت؟
- لا مافيش.. سلاموا عليكوا.
- وعليكوا السلام.
سيبته ومشيت، طول الطريق للشغل منظر المراية واسم بدران المكتوب
بالدم مافرقش خيالي، مين عمل كده؟.. اتنفضت فجأة لما لقيت ايد بتخبط على كتفي...
- صباح الخير يافايز.
بصيت بفزع للشخص اللي اتكلم واللي كان محمود، ضحك على منظري
وسألني...
- ايه ياعم شوفت عفريت ولا ايه؟
اتنهد وانا بقوله...
- ولا عفريت ولا حاجة، انا بس كن سرحان شوية.
- سرحان وانت ماشي في الشارع، المهم انت عامل
ايه؟
- عادي زي كل يوم.
- يا ساتر مالك يابني على الصبح؟
- مافيش.. انت اخبارك ايه؟
- كله تمام الحمدلله، اه صحيح عرفت اللي حصل امبارح؟
- لا هو ايه اللي حصل؟
- مش الاستاذ فهيم قفش الواد عبدالغني وهو بيزوغ
وعِرِف إنه كان بيلعب في البصمة الشهور اللي فاتت دي كلها.
- يا محمود ميت مرة قولتلك انا مابحبش رغي الستات
الفاضية ده.. انا مالي فهيم قفش عبدالغني ولا عبدالغني ضرب فهيم، انا فيا اللي مكفيني
ياعم مش ناقص حواديت الناس كمان.. سلاموا عليكوا.
كان واقف يبصلي وهو مصدوم بس انا خلصت كلامي وسيبته ودخلت
مبنى المصلحة، اول ما دخلت المكتب قابلت واحد زميلنا...
- صباح الخير يا استاذ عادل.
- صباح النور يا فايز.. اخبار الشقة الجديدة ايه
صحيح؟
- شقة ايه؟
- محمود قالي امبارح انك نقلت في شقة جديدة..
عامل فيها ايه؟.. مرتاح؟
- محمود!.. هو مش هيبطل شغل خالتي اللتاتة ده!
- في ايه يا فايز؟.. مالك يابني؟
- مافيش يا استاذ عادل.. مافيش.
دخل محمود وهو بيقوله...
- سيبك منه يا استاذ عادل.. شكله حلمان حلم وحش.
- صباح الخير يا محمود يابني.. في ايه ياشباب
على الصبح؟
- صباح النور يا راجل ياطيب.. مافيش بس زي مابقولك
شكله حلمان حلم وحش.
- بقولك ايه يامحمود انا مابحبش اسمعك لما بتجيب
سيرة الناس تقوم ماشي تجيب في سيرتي.
- وانا جيبت سيرتك في ايه؟
- اومال مين اللي قال لاستاذ عادل اني خدت شقة
جديدة والله اعلم بتقول ايه تاني.. بس هي مش غلطتك هي غلطتي انا اني اتصلت بك يومها
عشان تساعدني.
- خلاص يا شباب صلوا على النبي واهدوا، الناس
واقفة بره مايصحش كده.. ياعم علي.
دخل عم علي الفراش وقاله...
- ايوة يا استاذ عادل؟
- دخل الناس يلا خلينا نبدأ.
بدأت الناس تدخل واتلهينا كل واحد في شغله، لحد ما في نص
اليوم سمعت محمود بيتخانق بصوت عالي مع حد من اللي واقفين قدامه...
- يا استاذ انا بقالي ساعة بفهمك، الورق ده مش
بيخلص من عندي.. لازم تروح المصلحة اللي انت تابع ليها وتجيب منهم ورقة مختومة عشان
احنا هنا نعملك اللي انت عايزه غير كده مش هقدر اساعدك.
الخناقة طولت ما بينهم وعشان كده لقيت استاذ عادل وقف في
نص المكتب وقالي...
- فايز انت ماعندكش حد، اشتغل على الناس اللي
مع محمود على ما نشوف الموضوع ده.. يلا يا جماعة تعالوا هنا.
مالحقتش أرد، الطابور اللي كان قدام محمود فجأة بقى واقف
قدامي، فضِلت اخلص للناس ورقها لحد ما محمود خلص المشكلة اللي معاه، وبعدها رجعهم استاذ
عادل ناحية محمود تاني، لكن في واحد فضل واقف مكانه ومارجعش معاهم، بصيت له باستغراب
وقولتله...
- روح يافندم لاستاذ محمود وهو هيخلصلك ورقك.
ابتسم في وشي وقالي...
- استاذ محمود عنده ناس ياما وانا جاي من بعيد
ولو استنيته احتمال مايخلصليش ورقي، وبيني وبينك انت راجل سِمح، ماتخلصهولي انت ينوبك
ثواب.
بصيت له شوية وبصراحة صعب عليا، فابتسمت في وشه وانا باخد
الورق من ايده وبقوله...
- ماشي ياسيدي هخلصهولك انا.. انت عايز تعمل ايه
بقى؟
- انا عايز انقل الأرض دي باسمي وده التوكيل اللي
عمله اخويا ليا...
ماسمعتش بقيت كلامه وده بعد ما شوفت الورق اللي قدامي، الأرض
كانت باسم بدران محمد السيد، فجأة سمعت صوت في ودني بيقولي...
- هنداوي عايز ينقل الأرض باسمه بعد ما خلى بدران
يعمله توكيل بالغصب وقتله فيها.
رفعت راسي وبصيتله لاقيته بيبتسم في وشي ابتسامة خبيثة وهو
بيقولي...
- ياريت تخلصني النهاردة بالله عليك عشان مش هقدر
ارجع تاني بكرة.
ابتسمتله نفس الابتسامة وسألته...
- هو اخوك بدران فين؟
وشه اتغير وقالي بارتباك...
- هاه.. بدران.. بدران، وانت عايز بدران في ايه؟..
ما التوكيل سليم اهه، وانا عايز ابيع لنفسي.
- تمام، اخوك فين برضه؟
- اخويااا.. اخويا تعبان شوية.
- تعبان ولا مات؟
- مات!.. انت بتقول ايه ياجدع انت!
- بقول اللي سمعته، بدران اخوك اتقتل، وانت اللي
قتلته في الأرض اللي عايز تكتبها باسمك دي.
- ايه التخريف اللي انت بتقوله ده.. فين المدير
بتاعك؟
- ده انت بجح اوي، المدير بتاعي هناك اهو، يا
استاذ عادل.. يا استاذ عادل.
قرب استاذ عادل مننا بسرعة وسألني...
- في ايه يا فايز بتزعق كده ليه؟
قبل ما ارد عليه اتكلم هنداوي وقاله...
- تعالى يا استاذ شوف الموظف بتاعك ده سكران ولا
بيتعاطى حاجة ولا دنيته ايه؟
- اهدى بس يا استاذ وقولي في ايه؟
- البيه بضحك في وشه وبابتسامة لطيفة قولتله صباح
الخير يا استاذ خلصلي الورق ده، وبتكلم معاه بالحسنة لاقيته قايم يهب فيا ويقولي مضيت
اخوك بالغصب، وقتلته وماقتلتوش.
بصله استاذ عادل باستغراب وبعدين قاله...
- طب اهدى حقك عليا، تعالى معايا وانا هخلصلك
اللي انت عايزه.
- يجي معاك فين يا استاذ عادل، انا متأكد إن اخوه
اتقتل.. طب اقولك، مش هو بيقول ان اخوه تعبان خليه يكلمه قدامنا كده؟
بصله استاذ عادل وقاله...
- معلش يا استاذ ممكن تكلم اخوك؟
- وماله نكلمه مع انه مش من حقكوا لان التوكيل
اللي معايا سليم.. بس ماجراش حاجة.
طلع تليفونه واتصل باخوه وساعتها قولتله...
- افتح الاسبيكر لو سمحت.
بص لي بصة غِل وفتح الاسبيكر، وبعد ما الرنة خِلصت قولت بحماس...
- شوفت يا استاذ عادل اهو مابيردش، صدقني انا
صح، الراجل ده...
قطع كلامي صوت رنة التليفون وساعتها الراجل بص لي وضحك قبل
ما يرد على المكالمة ويفتح الاسبيكر...
- ايوة يا بدران.
- ايوة يا اخوي.. معلش انت عارف مش قادر اتحرك،
وعلى ما البت جابت التليفون كانت الرنة خِلصت، طمني عملت ايه؟.. خصلت الورق ولا لسه؟
- لا لسه بخلصه اهو.
- طب على خير، كنت بترن ليه صحيح؟
- هاه لا مافيش رنيت بالغلط لمؤاخذة ياخوي.
- ولا يهمك ياحبيبي.. لما تخلص ابقى طمني.. اني
عايز اطمن انك خدت حقك قبل ما اقابل وجه كريم.
- بعد الشر عنك ياخوي، ماتقولش كده، انت عارف
إن المشوار ده ماكنش لادد عليا بس انت اللي اصريت.
- معلش بس اني مش حِمل الحساب ياخوي، ترضهالي
اقف قدام ربنا وانا عليا حاجة.
- ربنا يطولنا في عمرك يا بدران.
- طب يلا اسيبك اتخلص الورق ولما تيجي نبقى نتكلم.
- ماشي سلام.
بعد ما المكالمة خِلصِت بص لي هنداوي في تحدي، عدلت نضارتي
في ارتباك، استاذ عادل حاول يلحقني فقاله وهو بيمسك ايده...
- تعالى معايا يا استاذ وانا هخلصلك كل اللي انت
عايزه.
مسك هنداوي ايد استاذ عادل وبعدها عنه وبعدين قرب مني، بص
في عيني بشر الدنيا وبعدها قالي...
- تاني مرة لما تيجي تتهم الناس بالباطل ابقى
افتكر دي.
وفجأة مع نهاية جملته ضربني بالراس في وشي، ومن قوة الخبطة
رجعت لورا ولما حاولت اقوم حسيت اني فاقد الاتزان قعدت على الكرسي، النضارة اتكسرت
طبعًا، قلعتها، وحطيتها قدامي على المكتب،
استاذ عادل مسك في هنداوي وبعده بعيد ومحمود كمان جِه على الدوشة ومسك فيه،
في اللحظة دي سمعت صوت ضحكة عالية في ودني وحد بيقول...
- شربتها يا مغفل.
بسبب كسر النضارة ماكنتش قادر اميز أي حاجة بوضوح، بس شوفت
حد واقف قدامي ومن صوته عرفت إنه استاذ عادل ولقيته بيسألني...
- انت كويس؟
- اه الحمدلله.
- انا هجيبلك حقك منه.. ماتقلقش.
- لا لا، انا اللي غلطان، يظهر كده اعصابي تعبانة
شوية.
- انت صحيح ايه اللي خلاك تقوله كده؟
- مش عارف بس انا هقوم اروحله هو فين؟
- قاعد هناك اهو.. مستني الشرطة تيجي عشان هنعمله
محضر تعدي.
- طب انا هقوم اروحله.
قومت مشيت ناحيته ووقفت قدامه وقولتله...
- انا اسف حقك عليا.. انا ماعرفش قولت كده ليه
بس يظهر اني مضغوط شوية.. ماتزعلش مني.
سمعته بيقولي...
- انت اللي ماتزعلش مني، اني اسف، بس كلامك فور
دمي.
- حصل خير مافيش حاجة، وانا هخلي استاذ محمود
يخلصلك ورقك ويمشيك.
ضحكت قبل ما اقوله...
- ما انا مش هعرف اشتغل تاني النهاردة بعد ماكسرتلي
النضارة.
- اني اسف والنضارة تمنها عندي.
- بسيطة مافيش حاجة.. المهم ماتكونش زعلان.
- لا اني مش زعلان، واتمنى حضرتك ماتكونش زعلان.
- لا حصل خير.
سيبته ومشيت بعدها وطلبت من استاذ عادل امشي لاني فعلًا مش
هعرف اشتغل، تفهم الأمر وسمح لي اروح، في الطريق للبيت كنت بفكر في اللي حصل، مين صاحب
الصوت اللي قالي الكلام ده؟.. وليه حطني في الموقف ده؟.. ماوصلتش إجابة بس كل اللي
قدرت اوصله إني استغبيت نفسي عشان مشيت ورا كلامه، ازاي امشي ورا كلام حد ماعرفوش؟..
وياريته حد.. ده صوت انا مش عارف جاي منين؟.. كنت وصلت الشارع اللي انا ساكن فيه واللي
كان على ناصيته محل نضارات، دخلت المحل وطلبت منه يعملي عدسات جديدة، قالي إني هستلمها
بكرة بالليل، لان العدسات مش متوفرة عنده وهينزل يجيبها مخصوص، اممم كده هضطر اخد بكرة
كمان اجازة، سيبتهاله وطلعت الشقة، اول ما دخلت روحت ناحية الحمام، بصيت على المراية
بس الكلمة ماكنتش موجودة، قربت أكتر عشان اتأكد انها فعلًا إختفت، غسلت وشي وخرجت من
الحمام، دخلت اوضة النوم غيرت هدومي، وبعدها فردت ضهري على السرير ونمت أو بمعنى أدق
غمضت عيني وحاولت انام، بس بعد خمس أو عشر دقايق سمعت صوت ضحكة عالية جدًا جاية من
بره، تجاهلت الصوت وعملت نفسي مش سامع حاجة، لكن الضحك بدأ يبقى أعلى، حطيت المخدة
فوق راسي، بس فجأة حسيت بايد بتهزني في كتفي، رفعت المخدة بسرعة وقومت وانا بتنفض وبلم
رجلي وبنكمش في قعدتي، لقيت واحد قاعد على طرف السرير، بص لي وضحك ضحكة عالية وقال...
- ايه يا فايز في حد ينام الضهر برضه؟
- اعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. اعوذ بالله
من الشيطان الرجيم.. انت مين؟
- انا.
رفع راسه في السقف وهو بيفكر وقال...
- انا ممدوح.. لا لا.. انا سمير، تؤ برضه لا..
انا مين؟.. رأفت؟ّ
بص في الأرض بخيبة أمل قبل ما يقول...
- برضه لا.. انا مين يا فايز؟
بلعت ريقي قبل ما أرد عليه...
- انا اللي بسألك انت مين؟
ضحك بنفس الصوت قبل ما يقولي...
- مش مهم، المهم دلوقتي، قوم يلا عشان محضرلك
حاجة هتعجبك.
- اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن
الرحيم والصافات صفا.
بص لي بكل ثقة وسألني...
- انت بتعمل ايه يافايز؟!.. انت عايز تحرقني؟..
انطق انت عايز تحرقني.. صح؟
- انا.. انا.
- انت غبي، عايز تنهي العرض قبل ما يبدأ.
- عرض ايه؟
- قوم ورايا وانت هتشوف بنفسك.. هستناك ماتتأخرش.
بعد ما خلص الجملة دي اختفى، فضِلت قاعد على السرير مش فاهم
ايه اللي بيحصل معايا ده، وفي وسط سرحاني سمعت صوت دوشة بره وبعدها صوت حاجة بتترزع
على الأرض، قومت من مكاني ببطء وحذر، ومشيت لحد باب الاوضة وساعتها خرجت راسي بهدوء
بره الأوضة وبصيت على اللي بيحصل، كانت كل حاجة في مكانها ماعدا كرسي غريب لقيته موجود
في نص الصالة، كان في حاجة مدلدلة فوق الكرسي رفعت راسي وبصيت عليها عشان اكتشف ان
هي حبل، وفجأة...
- العرض ابتدا.. تعالى تعالى.
رجعت بضهري جوة الأوضة أول ما فوقت على الجملة دي ولقيته
واقف جنبي، ضحك عليا وهو بيقول...
- ايه يا فايز انت لسه بتخاف مني ولا ايه؟.. اتعود
بقى على وجودي.. وخليك عارف اني ممكن اظهرلك في أي لحظة.
سألته بلسان تقيل...
- اااا.. الكرسي ده.. بيعمل ايه هنا والحبل..
الحبل اللي فوقه ده بتاع ايه؟
- الكرسي ده بتاع ممدوح، والحبل ده كمان.
- ممدوح مين؟
- انا ومش انا.
- يعني ايه؟
- ممممم هتفهم كل حاجة، بس ماتستعجلش.. تعالى
اقعد على الكنبة هنا.
خرجت من الأوضة وروحت قعدت على الكنبة زي ما طلب مني، وبعدها
وقف هو قدامي وقال بطريقة استعراضية...
- Ladies
and Gentlemen ايها السيدات والسادة يشرفنا ان نقدم لكم استعراضنا
لهذه الليلة بعنوان الخيبة التقيلة.
ضحكت جدًا أول ما قال كده، بس لاقيته بيبصلي بصة مرعبة وبعدها
قال...
- انتوا بتضحكوا، لسه بدري على الضحك، الاستعراض
بطولة مطلقة للفنان ممدوح كامل، ويساعده في عرض الليلة بعض الكومبارسات.
قال جملته دي وسكت وهو بيبصلي، مافهمتش نظرته لكنه كمل كلامه
بس المرة دي اتكلم بصوت مخيف...
- انتوا مابتصقفوش ليه؟!.. صحيح ممدوح مش مشهور
اوي بس موهوب، حقيقي موهوب، والكومبارسات اكيد بدورهم مش معروفين، لكن صدقوني.. الكومبارس
ساعات كتير بيكون دوره أخطر من البطل.. عشان كده لازم تصقفولهم هم كمان.. تصفيق.
لاقتني بصقف من الرعب وانا شايف عينيه بتحمر وكأنه بيأمرني
اصقف، وبعد ما خلصت ابتسم وقال...
- اتمنالكوا ليلة سعيدة.
فجأة النور قطع، حسيت بالخوف، لكن مافيش ثواني وشوفت قدامي..
شوفت قدامي زي شاشة وظهر عليها واحد واقف وسط عربيات وشايل على ايده مناديل وبيجري
بينهم بخفة وهو بيقول...
- مناديل يا بيه، مناديل.. ما تاخد مني علبة مناديل
ياباشا الله يباركلك.
- ابعد يابني عشان الاشارة فتحت.
- علبة واحدة بس ياباشا مش هتكلفك حاجة.
- يابني ابعد عايز اتحرك.
- بص شكلها حلو ازاي على التابلوه.
- ياسيدي مش عايز.
- طب خد العلبة الصغيرة وبلاش الكبيرة.. اي حاجة
طيب.
- ده انت سئيل.. هات ياعم هات.. بكام دي؟
- خمسة جنيه بس يا باشا.
- امسك يا سيدي.. ممكن بقى تطلع راسك من الشباك
عشان اتحرك.
- حاضر يا بااشا.
- يوووه، ادي الاشارة قفلت تاني عجبك كده.
- لمؤاخذة يا باشا.
طلع الشاب راسه من الشباك وجري ناحية عربية تانية وهو بيزعق...
- مناديييل.. مناديل.
ومن عربية للتانية، مشهد طويل، بس فجأة الشاب قعد على الرصيف
وحط البضاعة اللي معاه جنبه وبدأ يعد الفلوس اللي كانت معاه...
- خمسة، عشرة.. عشرين، عشرين جنيه بس.. اليومية النهاردة زي الزفت بس يلا
الحمدلله.
قربت منه بنت شايلة ورد وقعدت جنبه وهي بتقوله...
- ايه يا دوحة.. عملت كام لحد دلوقتي؟
- عشرين جنيه بس.
- يابني قولتلك سيبك من شغلانة المناديل دي، الناس
مابقتش بتحب النضافة.
- يعني عايزاني ابيع ايه يعني يا رحاب؟
- سلك نفسك في أي حاجة، سماعات، ولاعات، اجربة
موبايلات، ولا اقولك هات بلالين وبيعها.. لكن جو المناديل ده قديم أوي.
- وانا هجيب فلوس البضاعة دي منين؟
- ياعم مالكش دعوة، بالليل تعالى معايا نسقط على
عم ربيع وانا هظبطك معاه، هخليه يديك البضاعة ولما تبيع تبقى تحاسبه.
- بجد ينفع، يعني عم ربيع ده هيوافق؟
- ياعم قولتلك مالكش فيه بقى، خلص انت بس واخر
النهار هعدي عليك نروحله.
- خلاص آمين.. انتِ واقفة فين صحيح؟
- واقفة بعديك هنا بناصيتين، يلا انا هتكل انا
ونتقابل بالليل.
- ماشي يا رحاب.
قامت البنت مشيت، وبعدها بشوية الاشارة قفلت فقام الشاب يجري
على العربيات من جديد وهو بيقول بصوت عالي...
- مناديييل.. ايوة المنادييل.
فجأة الدنيا ضلمت في الشاشة وبعدها شوفت الشاب واقف على الرصيف
وفي ايده البضاعة زي ماهي تقريبًا، ومافيش دقيقة وظهرت رحاب في المشهد بس ماكنش معاها
البضاعة بتاعت الصبح، بصلها الشاب وسألها...
- انتِ بيعتي البضاعة كلها؟
- الله اكبر، ايوة بعتها الحمدلله.. مش بقولك
امشي ورايا تكسب.
- ماشي ياستي اديني همشي وراكي لما نشوف.
- طب يلا بينا عشان مانتأخرش على المعلم ربيع.
اتبدل المشهد في ثانية وشوفتهم وهم داخلين محل من المحلات
مرصوص قدام الباب من بره كراتين بضاعة كتير، وعلى دخلة المحل في كونتر خاشب قاطع المدخل،
وفوقيه كراتين خارج منها شوية من الأكياس الموجودة فيها، سندت رحاب ايدها على الكونتر
وهي بتقول...
- سلاموا عليكوا يا معلم ربيع.
ابتسم الراجل اللي ورا الكونتر وهو بيبص ناحية رحاب والشاب
ده وبعدين رد عليها...
- وعليكوا السلام يا رحوبة.. عاملة ايه يابت؟
- في نعمة الحمدلله.. احب اعرفك.. ممدوح زميل
مهنة.
بصله ربيع بتفحص قبل ما يسأله...
- ازيك يا زميل.
- الحمدلله يا معلم.
بص ربيع لرحاب وسألها...
- والزميل نشاطه ايه ان شاء الله.
طلعت رحاب فلوس من جيبها ومدت ايدها ناحيته وهي بتقوله...
- امسك الأول.. ادي تمن البضاعة بتاعت امبارح.
- طول عمرك سدادة يا رحوبة.
- انت عارف مابحبش يبقى عليا حاجة لحد، يكش بس
الحوجة، المهم، الزميل عايز نشاطه مناديل، بس عايزين نغيرله النشاط.. شوفله بقى أي
حاجة من عندك تمشي معاه.
- هو بيوقف في انهي اشارة؟
- الاشارة اللي قبلي بناصيتين.
- ممممم، يبقى بلالين.
سأله الشاب باستغراب...
- بلالين!.. واشمعنا يعني بلالين؟
- الناصية اللي انت واقف فيها، في ضهرها جنينة
مابتفضاش طول اليوم، وفي وشك حضانتين ومدرسة صح؟
- صح.
- يبقى بلالين يا مغفل.
ضحكت رحاب بصوت عالي وبعدين بصت للشاب وقالتله...
- عم ربيع ده البروفوسير بتاعنا، هو اللي يقول
لكل واحد نشاطه حسب المنطقة اللي بيوقف وحافظ كل الحتة بزخانيقها، اسمع كلامه تكسب.
رد الشاب عليها...
- ماشي بس انتِ عارفة اني مش معايا فلوس اشتري
الحاجة دي، انا مافيش حيلتي غير 30 جنيه والمناديل دي.
- هات ال30 جنيه وحط المناديل هنا.
طلع الشاب الفلوس واداها لرحاب، وبعدين حط المناديل على الكونتر،
وهنا وجهت رحاب كلامها لربيع وقالت...
- المناديل دول يعملوا كام ياعم ربيع؟
بص عليهم شوية وبعدين قالها...
- يعني حسبة 50 جنيه.
بصله الشاب باستغراب وقال...
- 50 ايه ياعم ربيع انا جايبهم ب100.
- عارف بس دول مرتجع ياحبيبي، عايزهم خدهم.
- لا خلاص اللي تشوفه.
مدت رحاب ايدها بالفلوس لربيع وقالتله...
- كده يبقى معاك 80 عايزاك بقى تظبطله شوية بضاعة
وباقي الحساب عندي.
- ايوة يا رحاب بس...
- برقبتي ياعم ربيع عيب.
- ماشي اللي تشوفيه.. والزميل اسمه ايه بقى.
- ممدوح.. اسمي ممدوح.
قفل المشهد وبعدها ظهر ممدوح واقف بالبضاعة في الاشارة ومعاه
بلالين منفوخة، كانت الدنيا ضلمِت لما رحاب عدت عليه...
- هاه ايه الأخبار؟
- الحمدلله فرجت من وسع، انا مش عارف اشكرك ازاي..
ده الواحد كان دافن نفسه في بيع المناديل.
- مش قولتلك.
- تسلمي يا رحاب.. تسلمي يا اصيلة.. ربنا يقدرني
واردلك الجميل ده.
- لا جميل ولا حاجة يا زُمل.. احنا مافيش حد لينا
غير ربنا ولازم نقف جنب بعض.
- عندك حق والله يارحاب.
فجأة اسودت الشاشة وظهر قدامي الكيان ده من تاني وقال بطريقة
مسرحية...
- لحد هنا ممدوح كان عايش وراضي، لكن حصل اللي
قلب حياته بين يوم وليلة وخلاه من مجرد بياع
بلالين لشخص مشهور كل الناس عايزة تقابله.
اختفى بالتدريج والشاشة بتظهر وراه، وبعدها شوفت ممدوح واقف
في نفس المكان بتاعه وسط الإشارة وفجأة ظهر طفل ماشي لوحده، بص عليه ممدوح باستغراب،
قرب الطفل منه وقاله...
- عمو عمو.. ممكن بالونة؟
- انت جاي منين ياحبيبي؟.. وفين بابا وماما؟
بص الطفل ناحية الجنينة وشاور عليها وهو بيقول...
- جاي من الجنينة.. وبابا وماما مش عارف راحوا
فين؟!
- طب امسك يا حبيبي، ادي البالونة اهي، وتعالى
معايا.
مسك ممدوح ايد الطفل اللي كان ماسك في ايده التانية البالونة،
عدوا الطريق واول ما طلعوا على رصيف الجنينة، فجأة حد مسك ممدوح من هدومه وضربه ضربة
جامدة جدًا وقعته على الأرض، بعدها فضل يضرب فيه برجله، كل اللي ممدوح كان بيعمله انه
بيحاول يفادي الضربات وبيتسغيث بالناس، اللي اتملوا فعلًا وواحد فيهم بعده عنه وهو
بيقوله...
- ياجدع حرام عليك.. انت بتضربه كده ليه؟
- ابن... كان بيخطف الواد وبقالنا نص ساعة بندور
عليه.
كان واحد من اللي واقفين قوم ممدوح وحاول يراضيه، وساعتها
بص ممدوح للراجل وقال بدموع...
- انا ماخطفتش حد، ابنك هو اللي جالي عند الإشارة
وقالي عايز بالونة ولما لاقيته لوحده سألته ابوك وامك فين؟.. قالي انه جاي من الجينة
ومايعرفش انتوا فين، قولت اجيبه للأمن بتوع الجنينة وهم يدوروا عليكوا.
- كداب.
واحد من اللي واقفين رد على الراجل وقاله...
- لا مش كداب انا كنت قاعد على القهوة ومتابع
الموقف من اوله، فعلًا ابنك هو اللي راحله والراجل مشكورًا اداله بالونة وعدا به الطريق
وكان رايح ناحية البوابة.
اول ما الراجل خلص كلامه بدأت الناس تهاجم ابو الولد، بس
فجأة شوفت واحد من اللي واقفين ماسك موبايله وبيتكلم...
- وزي ماشوفتوا ياجماعة، الراجل الغلبان ده كان
عايز يعمل خير، بعد مالقى ابن الراجل المفتري ده تايه وجِه عشان يرجعه، وبدل ما المفتري
يشكره نزل فيه ضرب وتلطيش، ادي جزاة اللي يعمل خير اليومين دول.
قرب الراجل من ممدوح بالموبايل وقاله...
- ماتزعلش حقك علينا كلنا، انت اللي زيك بقى عملة
نادرة اليومين دول.
بص ممدوح للكاميرا بتأثر وقال...
- انا مش زعلان.. كله عند ربنا.. واللي عند ربنا
مابيروحش.
واحد من اللي واقفين طبطب عليه وباس دماغه...
- ماتزعلش يا جدع، حقك عليا يابا.
وفجأة الناس كلها عملت نفس المشهد قدام الكاميرا، وكل واحد
منهم اشترى بالونة وحاسبوا عليها بضعف تمنها، وماسبوش ممدوح إلا بعد ما الإبتسامة ظهرت
على وشه.
الشاشة اسودت ورجع الكيان تاني...
- المولد اتفض، ممدوح جيبه اتملى، بس كرامته نقصت،
لكن مش مهم، المهم الفلوس، روك يومها مبسوط من الفلوس اللي ماكنش قادر يعدها، لدرجة
انه ماعداش على ربيع عشان يحاسبه، كان عايز الفلوس تبات في حضنه كاملة ويتمتع بشكلهم
قبل ما ينقصوا عشان عارف إنه مش هيشوف المبلغ ده تاني، حط الفلوس تحت راسه ونام، وكانت
أول مرة ينام مبسوط من سنين رغم انها كانت اول مرة يضرب قدام الناس، بس كان مبسوووط
اوي، صحي الصبح على صوت خبط جامد، قام مفزوع ومد ايده تحت المخدة عشان يطمن على الفلوس،
بعدها شالهم وحطهم في جيبه، مشي خطوات بسيطة في الأوضة المعفنة اللي كان ساكن فيها
فوق السطح، مشي لحد الباب واول ما فتح لقى رحاب واقفة قدامه ومعاها اتنين شكلهم نضيف
جدًا، ارتبك وقال بفزع...
- والله العظيم ما سرقت حد والفلوس اللي معايا
دي بتاعتي.
ضحكت رحاب على منظره وقالتله...
- سرقت ايه بس يا ممدوح، البهوات مش مباحث دول
من قناة كده اسمها... مش عارفة انطق اسمها بصراحة.
- قناة.. والقناة جاية عندي تعمل ايه فوق السطوح؟
- انت اصلك نايم ومش دريان، انت بقيت تريند ياسطا.
- تريند!.. يعني ايه تريند؟
ضحك واحد منهم وقاله...
- تريند يعني البلد كلها بقت عارفاك وبتتكلم عنك.
- بيتكلموا عني انا؟!.. وبيقولوا ايه بقى؟
- بيقولوا انك جدع وشهم وماكنتش تستاهل اللي حصل
فيك ده.
- والله كتر خيرهم.. بس لمؤاخذة حضراتكوا بتعملوا
ايه هنا؟
- احنا جايين نسجل معاك.
- تسجلوا معايا ليه؟
- عايزينك تحكي اللي حصل كله وتقول الراجل المفتري
ده عمل فيك ايه؟
- ما اللي حصل كله حضراتكوا شوفتوه امبارح على
تليفون الباشا اللي كان بيصور.. هقول ايه تاني؟
- قوله تاني بالتفصيل.
- يابيه انا ماعنديش حاجة اقولها.
- اسمع بس انا هديك المبلغ اللي انت عايزه.
- ايه!.. المبلغ اللي انا عايزه؟
- ايوة.. عايز كام؟
- مليون جنيه.
- انت عبيط يابني.. انا ماكنتش اقصد كده، انا
قصدي هديك مبلغ محترم يعني.
- محترم قد ايه يعني؟
- الفين جنيه كويس؟
ابتسم باندهاش وقال...
- الفين جنيه!.. بس لا الفين جنيه قليل.. خليهم
خمس الاف جنيه.
- ماشي ياسيدي.. بس عايزك بقى تتكلم وتقول كل
حاجة حصلت وبتأثر أكتر المرة دي.
- حاضر نتأثر مانتأثرش ليه.. بس انا هدومي وسخة
ومبهدلة هطلع اقابل الناس كده؟
- هو ده المطلوب.. عشان تصعب عليهم أكتر.
- ماشي.. تحبوا نصور جوة هنا؟.. ولا بره على السطوح
في الهوا؟
- لا خلينا بره أحسن.
دارت الكاميرا وبدأ المذيع يسأل ممدوح عن اللي حصل امبارح،
فجأة ممدوح اتهز وحس زي مايكون في حاجة لبسته، مابقاش هو، اتكلم بتأثر شديد وعيط كتير،
لدرج إن رحاب نفسها عيطت ورا الكاميرا، ومن هنا بدأ يحس ممدوح إن عنده موهبة ماكنش
يعرف عنها حاجة، اكتشف إنه بيعرف يمثل، الفيديو خلص وحقق المطلوب، الناس اتعاطفت معاه
في التعليقات وكلهم عرضوا عليه مساعدات وفي اللي سأل عن عنوانه، في اليوم ده بعد ما
الاتنين مشيوا ممدوح طلب من رحاب تستنى وعزمها على غدا محترم عمرهم ماكلوه، بعدها خده
ونزل اشترى طقمين جداد وقالها ساعتها...
- عشان لو حد تاني جِه يصور معايا يبقى شكلي حلو.
رحاب كانت فرحانة به جدًا، ورغم إنه مافتكرش يجبلها حاجة
واكتفى بالغدا بس ماكنش فارق معاها غير انها شايفة ضحكته، تاني يوم ممدوح كان قاعد
على السطح عمال يبص من فوق على مدخل العمارة مستني اي حد يكون طالع بكاميرا أو بحاجة،
استنى كتير لحد ما يأس وقال خلاص سحابة صيف وعدت، دخل الأوضة وقفل الباب، بس بعد ساعة
لقى الباب بيخبط، قام يفتح وساعتها شاف قدامه واحد ضخم بيقوله...
- انت ممدوح بياع البلالين؟
- ايوة انا.. مين؟
- تعالى معايا وانت هتعرف.
- اجي معاك على فين؟
- الفنان مستنيك يلا عشان مانتأخرش.
نزل معاه ممدوح وركب عربية ماكنش يحلم يمسحها في يوم من الأيام،
كان قاعد فيها وواخد وضعه، بيحاول يستغل أي لحظة ممكن ماتتكررش تاني طول حياته، وصلت
العربية وطلب منه الراجل انه يمزل، بعدها دخله مكتب كبير وقاله يستنى شوية، وبعد ربع
ساعة دخلت من الباب شخصية مشهورة جدًا، اول ما ممدوح شافه قام وقف، بلع ريقه من الخضة،
ماكنش مصدق نفسه إنه واقف قدام الشخص اللي طول عمره بيتفرج عليه في الشاشة وبيحلم يقابله،
ابتسم الشخص ابتسم ثقة لما شاف الانبهار في عين ممدوح وبعدين قرب منه وقاله...
- انا بعتذرلك جدًا باسم الانسانية عن اللي حصل
معاك، وارجوك تعتبر ده خطأ فردي من شخص همجي.
ماكنش مستوعب الكلام اللي بيسمعه، الشخص ده بيعتذرله هو!..
طب ازاي؟.. فاق من سرحانه على صوت الشخص ده وهو بيناوله شيك وبيقوله...
- المبلغ ده اعتذار بسيط مني عن اللي حصل.. ارجوك
تقبله ولو احتاجت اي حاجة انا موجود.. واديك عرفت العنوان.
مسك ممدوح الشيك بايد بتترعش وبص فيه وساعتها تنح، الشيك
كان بـ 100000 جنيه، اعتذار بسيط، بص له وقاله...
- بس ده.. ده كتير اوي يا فنان.
- مش كتير ولا حاجة.. انت عملت عمل بطولي وماكنتش
تستحق الاهانة دي.. يلا بقى عشان نتصور.
ماكنش مصدق ان الشخص ده هو اللي بيطلب منه انه يتصور معاه،
وافق طبعًا، وبعد ما اللقطة خلصِت سلم عليه الشخص ده ووصله لباب المكتب وطلب من العربية
توصله لبيته، رجع ممدوح البيت وهو مش مصدق نفسه، فضِل يبص في الشيك كتير وكل شوية يفرك
عينيه ويتأكد من الرقم، لدرجة إنه عد الأصفار أكتر من عشر مرات عشان يتأكد إنهم خمسة
مش تلاتة، والصبح، راح البنك وصرف الشيك وبعدها طلب من الموظف يفتحله حساب، ممدوح بياع
البلالين بقى عنده حساب، خرج من البنك وقف تاكسي، وكانت اول مرة في حياته يركب تاكسي،
طول عمره بيتشعبط في الاتوبيسات، بس خلاص بقى، ركب ورا وطلب من السواق يوصله لعنوان
بيته، في الطريق كان بيكلم نفسه...
- انت رايح فين؟
- البيت.. هروح فين يعني؟
- بيت ايه يا راجل؟.. انت بتسمي الأوضة المعفنة
دي بيت، دي مش محصلة عِشة فراخ حتى.. انت دلوقتي بقى معاك فلوس.. دلع نفسك كده وشبرق
حالك.
- اعمل ايه يعني؟
- خدلك شقة في مكان محترم.. حتى لو ايجار.
- تصدق صح.. انا مابقاش ينفع اعيش في الحوء ده..
بس لو حد عايز يوصلي؟
- الواد بتاع القناة معاه رقمك اكيد هيدلهم عليك.
- صح.
بص لسواق التاكسي وقاله يطلع على منطقة من المناطق الفخمة،
اول ما وصِل نزل من التاكسي، بص على المباني حواليه، كان منبهر باللي هو شايفه، قرب
من عمارة من العمارات وسأل البواب...
- سلاموا عليكوا يا بلدينا.
- وعليكوا السلام.. خير اؤمرني.
- الأمر لله.. كنت عايز اسألك هو.. هو الواحد
لو حب يأجر شقة هنا هتبقى في حدود كام؟
- والله هي الأسعار هنا عالية شوية يعني ممكن
10 او 15 الف جنيه.
- في الشهر؟!.
- اومال في السنة!
- اه عندك حق، طب مافيش حاجة ارخص من كده شوية؟
- انت عايز حاجة في حدود كام؟
- يعني خمس الاف مثلا.
- لا انت كده تروح اليمة التانية يمكن تلاقي اللي
انت عايزه.
- تمام.. سلاموا عليكوا.
مشي ممدوح وهو بيضحك بينه وبين نفسه "اعتذار بسيط"
طبعًا بسيط دول طلعوا يدوبك ايجار عشر شهور بالكتير أوي من غير التأمين والعفش واللذي
منه، وهو اللي كان فاكر إنه بقى ياما هنا ياما هناك.
وصل لمنطقة في اليمة التانية اللي قال عليها الراجل، وهناك
لقى فعلًا شقة بخمس الاف جنيه، قرر ياخدها، ويدوب استلم الشقة ولقى الراجل بتاع القناة
بيكلمه، بيقوله إن في برنامج مهم طلبه عشان يظهر معاهم، ساعتها طلب مبلغ كبير، لكن
مع المفاوضات المبلغ نزل شوية واتفقوا وقتها على 50000 جنيه، نزل بعد ما خلص الحلقة
وخدهم، نزل اشترى بهم اوضتين للشقة الجديدة، وتاني يوم لقى رحاب بتتصل به، ماردش عليها،
والحقيقة هي مافكرتش تتصل به تاني من يومها، عدى على كل ده اسبوعين، اسبوعين من القناة
دي للايف ده، ومن مكتب الشخصية الفلانية لمكتب الشخصية العلانية، لحد ما في يوم رجع
البيت، فتح فيديوهاته وقعد يتفرج عليها، وقال بينه وبين نفسه...
- طب والله تمثيلك حلو، انت ليه ماتفكرش تمثل
واهو فلان بقى صاحبك وممكن يخليك تمثل.. مش هو قالك لو احتاجت أي حاجة ابقى تعالالي..
روحله واعرض عليه.. بس انت محتاج تتدرب شوية الأول ماينفعش تروح كده.
وفعلًا قعد اسبوع قافل على نفسه مابيعملش حاجة غير انه بيمثل
بس، وبعد الاسبوع راح المكتب بتاع الشخص ده وهناك طلب يقابله، عشان يتفاجئ برد السكرتير
اللي قاله...
- الفنان بيقولك هو مش فاضي، خد دول مشي بهم نفسك.
اتصدم من الرد، وحس بكسرة النفس، فقال للسكرتير...
- انا مش عايز فلوس، انا عايز اقابله.. قوله لازم
يقابلني.
- انت فاكر نفسك مين عشان يقابلك؟
- ماهو كان عامل حبيبي من اسبوعين دلوقتي خلاص
مبقاش يعرفني؟
- حبيبك!.. روح يا شاطر اشتريلك بلونتين بيعهم
واكسب فيهم وبلاش سنكحة على خلق الله.
حاول يضرب السكرتير لكن الجاردات مسكوه ورموه بره قدام المكتب،
قام نفض هدومه وروح البيت، كان حاسس بالمهانة، وقف قدام المراية وبص فيها وكلم نفسه...
- انت مين؟.. معقولة انت ممدوح اللي كانت كرامته
عنده اهم من أي فلوس؟.. معقولة جِه الوقت اللي تبيع نفسك فيه بالرخيص كده؟
- تبيع نفسك.. هاها، تبيع نفسك ده ايه.. بص حواليك،
مش شايف.. مش شايف الناس عايشة ازاي؟!
- طب ما انا طول عمري عايش كده، وبشوفهم من بعيد
وبحمد ربنا وبكمل حياتي عادي.. ايه الجديد؟
- يا راجل هو انت كنت عايش، ده انت حتى دلوقتي
يدوب عايش.. الجديد انك دوقت الخير ده وعيشت يومين استحالة ترجع بعدهم للفقر تاني،
يكش حتى تبيع ايه؟
- الطريق ده اخرته وحشة.
- وهو الطريق اللي عيشت فيه عمرك كله كانت اخرته
ايه غير الفقر والنوم على الأرصفة او في عشش فوق السطوح.
- اقبل الواقع، دي حقيقتي وهو ده انا، وعمري ما
هبقى وسطيهم.. انا لازم احافظ على الفلوس اللي باقية معايا وافتح مشروع اعيش منه.
- مشروع تعيش منه.. وهتفتح ايه بقى ان شاء الله،
محل بلالين.
- ربنا بعتلي رزق لغاية عندي من غير تسول لما
كانت نيتي خير وانا بساعد الولد، لكن من ساعة ما طمعت وانا مش بلاقي غير الاهانة وقلة
القيمة.
- طب خليك كده بقى لحد ما تشحت وتتقل قيمتك تاني
بس المرة دي من غير فلوس.
- لا إن شاء الله ربنا هيرزقني.
وفعلًا بعد اليوم ده ساب ممدوح الشقة دي وراح عاش في مكان
ماحدش يعرفه فيه، فتح سوبر ماركت على قده، بس شيطانه ماسبهوش في حاله، كان كل يوم بيفتح
الفيديوهات والصور بتاعته مع المشاهير وصفوة المجتمع، ويحلم والحلم ياخده لبعيد، كان
كل ما يتفرج على حاجة يقوم جري ويقلدها.. غنا، مثل، قدم برامج، حتى انه رقص.. عمل كل
حاجة ممكن تدخله وسط الناس دي، وفضل شيطانه يوسوس له ويخليه يصدق الحلم من تاني، لكنه
حاول يقاوم، بس مع الوقت الرضا اللي كان عايش به خلِص وبدأ يسخط على عيشته، حياته بقت
كئيبة ماهم كسب حاسس انه قليل، رزق ربنا مابقاش مكفيه، قفل المحل وقعد في البيت، اتجنن
بقى يمشي يدندن في الشقة " انفخ بلالين وابيع الهوا.. نمت فقير.. وصحيت ماسك السما..
ناس.. مشاهير.. زفة كتير.. والأخر.. رجعت فقير" فضل ليلتها يدندن ويدندن وفي وسط
ده سحب كرسي الانتريه وحاطه هنا، وقدامه حط الكاميرا ودورها، وبعدها طلع ربط الحبل
في الجنش، وزي البلياتشو والدموع في عينيه وقف على الكرسي ياخد السوكسيه، انحنى للجمهور،
بس العرض لسه ماخلصش، لسه كلمة النهاية ماتكتبتش، مد ايده ببطء وشد الحبل، فتح العقدة
على الاخر وزق رقبته جواها، بص للكاميرا قبل ما يغمض عينيه وبعدها قال "أكشن"
الكرسي مال والحبل اتطوح، وبعدها كل شئ سِكت، الجمهور ورا الشاشات صقف، القنوات ذاعت
الخبر، والتريند رجع من تاني.. ممدوح ماكنش ضحية طمعه بس، لا، ممدوح كان ضحية طمع اللي
حواليه كمان، حولوه لسلعة رخيصة يكسبوا من وراها شوية مشاهدات تجيبلهم شوية فلوس، الكل
دبحوه من غير مايحسوا، الكل شاركوا في موته وهم مبتسمين، وفي زي ممدوح الاف ماتوا ولسه
هيموتوا بس ماحدش يعرف عنهم حاجة.
******
بعد ما خلص بصيت له وسألته...
- وانت مين؟
- انا اللي هدوق كل واحد يجي نفس اللي ممدوح شافه..
انا اللي هاخد بحقه.
قومت من مكاني بفزع وانا بصرخ...
- بس انا.. انا ماعرفوش اصلًا ولا عملتله أي حاجة.
- مش مهم، انت اكيد عملت كده في غيره، كلكوا زي
بعض.
- انا ماعملتش حاجة.. ماعملتش حاجة.
******
- cut.. هايل
يافنان.. فركش يا اساتذة.. الفيلم خلص.
روحت ناحية المخرج وانا بسأله...
- المشهد حلو؟
- جدًا يا فنان.. انا اتأثرت اوي.
- شكرًا يا استاذ.
سيبته بعدها وانا
مبتسم، دخلت أوضتي اغير ملابس الشخصية، بس بعد ثواني الباب خبط ولقيت المساعد بتاعي
بيقولي...
- أم الولد اللي بتجسد شخصيته عايزة تقابلك.
- تمام خليها تدخل.
دخلت ست غلبانة لابسة عباية سودة، قومت استقبلتها وقعدتها
على كنبة موجودة في الاوضة، وقعدت قدامها على الكرسي، لقيتها بتقولي والدموع في عينيها...
- انا شوفت المشهد الأخير وانتوا بتصوروه.. وحسيت
اني شايفة ابني الله يرحمه، انا مش عارفة هو ليه عمل في نفسه كده.. بس عذراه ماهو برضك
ماينفعش واحد كان عايش عيشتنا ويصحى فجأة كده يلاقي نفسه قاعد في وسط كل النجوم دول
ومايتجننش، صعبت عليه نفسه لما المولد اتفض ورجع لحياتنا تاني.. كنت بشوفه كل يوم وهو
قاعد حزين وبيشوف صوره معاهم، ماكنش بياكل ولا بيشرب.. الحياة اسودت في عينيه.. وبعد
ما كان راضي بقليله بقى غضبان على اي حاجة.. مش طايقني ولا طايق اخواته، ولا البيت
اللي عايشين فيه بقالنا سنين.
- ربنا يرحمه ويصبركوا يا أمي.
- تسلم.. انا جيت عشان اديك الورقة دي.
- ورقة ايه؟
- الورقة دي هو كتبها قبل ما يموت.
سابتلي الورقة وبعدها سابتني وخرجت، فتحت الورقة وكان مكتوب
فيها "مهرج والدنيا سيرك، الناس ميهمهاش دموعك مهما حزنت، يهمها تنطيطك ولو مش
قرد"
******
تمت بحمد الله
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل