القائمة الرئيسية

الصفحات

 

تروما الموت قصص رعب


 بقلم الكاتبين: شادي اسماعيل و محمد شعبان


الحكاية الأولى (مضناك).

(في الخلفية ومن بعيد صوت عبدالوهاب صادر من الراديو بأغنية مضناك)

مش قادر اوصفلكوا انا كنت حاسس بايه يومها لما النور قطع، في اليوم ده انا فضِلت العن الساعة اللي فكرت فيها اطلع واشوف ايه اللي بيحصل.. وقتها كانت كل الشركة روحت وطلعت عشان أشيك على الأدوار لوحدي، ماهو جابر زميلي ماجاش، تعب وخد أجازة، وده معناه إني هقضي النبطشية الليلة دي بطولي، أول أربع ادوار كانوا مقفولين وكله تمام، لكن في الدور الخامس لقيت باب الشركة مفتوح والنور كله منور، وقفت على الباب ورميت راسي لجوة، الدور كله فاضي، دخلت واتمشيت في المكان بس ماكنش في حد، كانت البيبان كلها مقفولة، لحد ما فجأة سمعت صوت جاي من جوة، الصوت كان جاي من ناحية أوضة في آخر الطُرقة، كانت اوضة الأرشيف، والأوضة دي مقفولة بباب بيتفتح بالكارت، قربت من الباب ورميت ودني وانا بحاول اسمع ايه اللي بيحصل، ومع تركيزي، سمعت صوت دوشة جامدة جوة، خرجت الكارت ومسكت المسدس وفتحت الباب، في اللحظة دي شوفت قدامي 3 واقفين وكل واحد فيهم ماسك ملف في ايده، التلاتة لفوا وشهم وبصولي.. كانوا بيبصوا للمسدس باستغراب وهم ساكتين لحد ما واحد منهم اتكلم وقالي...

- ايه يا سعيد؟.. في حاجة ولا ايه؟

رجعت المسدس مكانه وانا برد عليه...

- انتوا بتعملوا ايه هنا؟

رد عليا تاني واحد فيهم وقالي...

- زي ما انت شايف، بندور على ملف طلبته مننا استاذة شهيرة.

-ازاي؟.. دي الشركة كلها روحت.. حتى استاذة شهيرة.

رد عليا تالت واحد..

- لا.. استاذة شهيرة لسه فوق.

في اللحظة دي سمعت صوت خطوات كعب على الأرض.. لفيت وشي، كانت استاذة شهيرة اللي لابسة لبساها المعتاد، الچيب القصير على شيميز وفوقه جاكيت، شعرها نازل على كتفها، ماقدرش انكر إني دايمًا كنت ببص عليها وهي داخلة وخارجة من الشركة.. قربت مني وانا لسه واقف عند الباب، وسعتلها عشان تعدي، وبعد ما عدت، دخلت الأرشيف من غير ما تهتم بوجودي.. وكإني شفاف!

- ايه يا شباب، لقيتوا الملف ولا لسه؟

- رد عليها واحد منهم...

- بندور اهو يا استاذة.

- ماشي يا رامي، بس اعملوا حسابكوا، انتوا التلاتة مش هتروحوا غير لما تلاقوا الملف.

رد عليها واحد منهم...

- واحنا ذنبنا ايه يا استاذة؟!.. الملف ده قديم جدًا، ده حتى من قبل ما نتعين في الشركة.

بصتله لثواني وبعدين قالتله...

- انت اسمك ايه؟

- اسمي طارق يافندم.

-طيب.. الملف ده لو ماظهرش، هيتخصم من كل واحد فيكوا يومين يا طارق.. مفهوم.

بصلها طارق بغضب، اما هي فبصتله بتحدي، لكن وقتها اتكلم التالت وقالها...

- هو الملف ده مهم اوي للدرجة دي؟.. يعني ماينفعش نروح وبكرة نيجي نكمل؟

- لا ماينفعش يا سيف.

لفت وشها وبصتلي، كانت بصة فيها استعلاء وتكبر، بعدها دخلت جوة الأرشيف وفضلِت تقلب في شوية كراتين موجودة جوة...

- انت يا... يا.. اسمك ايه انت؟

بصيتلها بقرف وانا برد عليها...

- اسمي سعيد.

- اه اه.. تعالى يا سعيد.

دخلت جوة ومشيت ناحيتها، وأول ما وصلتلها لقيتها بتقولي...

- شيل الكراتين دي وطلعها عندي.. في الدور السادس.

سكتت لثواني.. بصيتلها من فوق لتحت ومع نظراتي استغربت وقالتلي...

- واقف كده ليه؟.. ماتشيل الحاجة وتطلعها فوق زي ما قولتلك.

- انا فرد أمن، مش شيال.. يمكن لو طلبتي مني بإحترام، كنت طلعتهملك.

- انت بتقول ايه؟.. طب ايه رأيك بقى انك لو ماطلعتش الحاجة دي دلوقتي، انا هرفدك.

- وماله، ارفديني.. الشغل يتعوض، لكن الكرامة ماتتعوضش.. عن إذنك.

سيبتها وخرجت من الأوضة، كنت سامع صوتها وهي بتنده عليا...

- تعالى هنا يا بني آدم انت.. انا مش بكلمك.. طب اعتبر نفسك مرفود ومتحول للتحقيق كمان.

كبرت دماغي منها وكملت في طريقي.. بس بعد ما خدت كام خطوة برة الأرشيف، سمعت صوت رامي وهو جاي ورايا...

- سعيد.. استنى يا سعيد.

لفيت وشي وساعتها شوفته هو وسيف وطارق، التلاتة كانوا جايين ناحيتي، وأول ما وصلوا رامي اتكلم وقالي...

- ايه سعيد.. رايح فين؟

- هنزل اشوف شغلي.. وبكرة بقى انا ليا كلام تاني مع صاحب الشركة.

رد عليا طارق...

- ياعم سيبك منها، هي أصلًا ولية شرانية وفاكرة إنها عشان المديرة بقت متحكمة في البشر.

بعد كده كمل سيف كلام طارق..

- دي ست.. ياسااتر.. أعوذ بالله منها.

لكن بعد سيف رد عليهم رامي...

- معلش يا جماعة لازم نستحملها.. هنعمل ايه يعني؟

اتعصب سيف وهو بيقول...

- نستحملها ده ايه.. والله سعيد جدع إنه قالها كده وسابها ومشي.. ياراجل طب وربنا ده عمل اللي نفسي اعمله من زمان.

قولتلهم باستغراب...

- وانتوا مابتعملوش كده ليه؟

ماحدش فيهم رد، وبسبب سكوتهم كملت انا...

- طيب انا هنزل اشوف شغلي وانتوا ارجعوا شوفوا شغلكوا مع الست دي.. يلا ربنا يعينكوا عليها.

في اللحظة دي سمعنا صوت الباب بيتقفل.. لفينا وشنا كلنا وساعتها لقينا باب الأرشيف اتقفل.. وقفنا في مكاننا، وبعد ثواني سمعنا صوت خبط على الباب.. اتحركت ناحية الأرشيف والشباب كانوا ورايا، وأول ما وصلنا، سمعنا صوت شهيرة من ورا الباب...

- افتحوا الباب.. انا سامعة صوت خطواتكوا.. اللي واقف ورا الباب يفتح، انا الكارت مش معايا.

طلعت الكارت من جيبي وروحت عشان افتحلها، بس في اللحظة دي وقفني رامي...

- انت هتعمل ايه يا سعيد؟

بصيتله باستغراب...

- هفتحلها الباب.. هعمل ايه يعني؟!

ضحك وهو بيبص على الباب اللي شهيرة عمالة تخبط عليه وبعدين قالي...

- لا خلينا نضحك عليها شوية.

- يعني ايه مش فاهم؟

- اتقل بس وانت هتفهم.

في حاجة جوايا كانت بتزقني اسمع كلام رامي واستنى، وفعلًا استنيت.. وبعد خمس دقايق، شهيرة بدأت تزعق...

- قولت افتحوا الباب.. طب اقسم بالله لو مافتحتوش الباب دلوقتي، هرفدكوا كلكوا.

ضحك سيف على جملتها وقالنا...

- دي حتى وهي بتطلب المساعدة مش قادرة تتطلبها بإحترام.

وكمل طارق على كلامه...

-مش كانت عايزة تخصم لكل واحد يومين.. يلا.. خليهم تلاتة.

لكن انا وقتها قولتلهم...

- كفاية عليها كده، انا هفتح الباب.

مسك طارق ايدي وقالي...

- استنى يا سعيد.. خلينا نشوف اخرها ايه؟

- ياعم طارق انا مش هعرف اعمل كده، دي مهما كان واحدة ست.

رد عليا سيف...

- ست مين ياعم، دي ماعندهاش دم.. وبعدين هو احنا عملنا حاجة، احنا مشينا وماكناش موجودين.

- ماينفعش يا رجالة.

أول ما خلصت جملتي سمعتها وهي بتقول...

- افتح الباب يا زبالة منك لُه.

بصراحة أول ما سمعت الجملة دي رجعت الكارت تاني وقولتلهم...

- انتوا معاكوا حق.. تعالوا ننزل تحت ونشرب شاي، واهو لو حد سأل، قولوا انكوا كنتوا بتعملوا شاي وماشوفتوش الباب وهو بيتقفل.

ضحكوا كلهم واتحركنا ناحية باب الخروج وانا سامع صوتها...

- انا سامعاكوا.. بس وديني لاعرفكوا مقامكوا.

ضحكنا أكتر بعدها، بس فجأة النور قطع.. وقفنا في مكاننا وطلعت الكشاف عشان انور بيه، لكن قبل ما انور الكشاف، سمعت صوت همس في وداني، وواضح إن مش انا بس اللي سمعته لإن طارق اتكلم بصوت ضعيف...

- ايه الصوت ده؟

ردينا عليه كلنا في نفس واحد وبنفس الجملة...

- مش عارف.

الصوت بدأ يكون أقرب والهمس بقى أوضح، ده كان.. كان حد بينده باسمي...

- سعيد.. سعيد.. انت ميت.

- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

نورت الكشاف بسرعة بس نوره كان ضعيف جدًا.. وعلى النور الضعيف ده، لمحت على الحيطة خيال اسود بيتحرك، ومع حركته سمعت صوت رامي وهو بيصرخ...

- ابعد عني.. ابعد عني.

وجهت الكشاف على رامي، ماكنتش شايف حد قدامه، اما رامي نفسه فكان بيتصرف بغرابة، كإن حد بيحاول يخنقه وهو بيمسك ايده عشان يمنعه.. بس في الحقيقة، كان ماسك الهوا.. أو ده اللي ظاهر قدامي.. قربت منه عشان احاول افوقه، لكن وفي نفس اللحظة سمعت صوت طارق...

- انت... انت مين؟

لفيت وشي ناحيته ووجهت الكشاف عليه، كان بيرجع لورا بفزع وعينيه مبرقة، حاولت اشوف اللي هو شايفه بس ماكنش في حد.. احتارت، بقيت واقف ومش عارف انقذ رامي ولا طارق.. لكن اللي عملته اني زعقت في سيف...

- الحق انت طارق وانا هشوف رامي.

بس هنا اتسمرت في مكاني.. سيف ضحك ضحكة مرعبة.. نورت الكشاف عليه.. لقيته مبتسم على الأخر وعينيه لونها أبيض.. كان بيضحك بشكل هيستيري.. وبحركة سريعة، وجهت الكشاف على التلاتة وساعتها عرفت إن مافيش أمل أنقذ أي حد فيهم، رامي كان بيطلع في الروح وواقع على الأرض.. أما طارق، فكان لازق في الحيطة ورجليه ماكانتش لامسة الأرض.. طب وسيف؟.. سيف كان بيمشي وهو لسه مبتسم ناحية أوضة الأرشيف.. اترعبت، وبسبب رعبي، لفيت عشان اهرب، بس فجأة لقيته قدامي.. كيان أسود طويل واقف في أول الممر.. سمعت صوته في ودني.. كان صوت ضحكة عالية وبعدها صوت همس...

- رايح فين ياسعيد؟

بلعت ريقي بصعوبة وانا بوجه الكشاف عليه..

- سيبني.. سيبني امشي أرجوك.

- ما انقذتهاش ليه يا سعيد؟

- انا.. انا كنت عايز اخرجها.. بس هم.. هم اللي رفضوا.

ضحك ضحكة مرعبة وبعدها اتكلم بصوت بشع...

- هم اللي رفضوا ولا انت اللي كان نفسك تعمل كده؟

- ايوة.. اااا.. انا مانكرش إن انا كنت عايز كده، بس لا.. لا، هم اللي منعوني.

فجأة لقيت الكيان ده بيجري عليا، ماحسيتش بنفسي غير وانا برمي الكشاف وبمسك المسدس من جنبي وبضرب الطلقة الأولى.. بعدها حسيت بحد بيزقني لورا ووقعت على الأرض، وفي اللحظة دي ضربت الطلقة التانية والتالتة، كنت بضرب بشكل هيستيري وانا مش عارف انا ضربت كام طلقة، انا ماحسيتش غير لما النور جِه.. وساعتها.. ساعتها لقيت رامي واقع بجسمه عليا.. زقيته عشان اقوم، لقيت المسدس في ايدي وهدومي غرقانة دم، بصيت على رامي لقيت في رصاصة في نص بطنه، وبعده بكام خطوة كان نايم سيف وحواليه بقعة دم، قومت وقفت وانا مش مستوعب اللي حصل، بس أول ما لفيت وشي ناحية الأرشيف لقيت جثة طارق، كان واقع على الأرض وضهره ساند على الحيطة وفي رصاصة في قلبه، سيبت المسدس من ايدي بهدوء ومشيت ببطء ناحية الأرشيف، وقتها لقيت شهيرة واقعة على الأرض وراسها غرقانة في بقعة دم كبيرة.. صرخت صرخة عالية وبعدها قعدت على ركبي والدنيا ضلمت.

لما فوقت لقيت الشرطة قابضة عليا وبيقولوا إني قتلت الأربعة، بس انا.. انا حكيتلهم اللي حكيتهولكوا دلوقتي وطبعًا ماصدقونيش وقالوا إني مجنون، بس انا مش مجنون، في كيان أسود هو اللي عمل كده، انا ماعملتش أي حاجة، حتى لو كاميرات ماجبتهوش، حتى لو ماظهرش.. ما هو عدم ظهوره مش معناه إنه مش موجود.. هو موجود وبيظهر لحد دلوقتي، بس انا مش عارف.. مش عارف هو ليه مش بيظهرلهم.

******

الحكاية التانية(أقبل الليل).

(صوت أم كلثوم صادر من الراديو بأغنية أقبل الليل).

أقبل الليل يا حبيبي، يا حبيبي

أقبل الليل وناداني حنيني يا حبيبي، يا حبيبي

وسرت ذكراك طيفًا هام في بحر ظنوني

ينشر الماضي ظلالًا كنا أنسا وجمالًا.

كنت بسمع الأغنية لما فجأة مسكت كارما ايدي وقالتلي...

-ياه ياجاسر.. انا مش مصدقة إننا خلاص أخيرًا على طريق الساحل.. ياااه.. بقالي كتير مستنية اللحظة دي.

- ما انتِي عارفة ياحبيبتي، الشغل مابيخلصش.. ده انا حتى واخد أجازة بالعافية عشان ماتزعليش.

- انا عارفة ياحبيبي، ربنا معاك.

- طب قوليلي بقى، تحبي نعمل ايه لما نوصل؟

- لا انا سايبة دي عليك.. مش انت قولت انك هتخليني احلف باليومين دول.

- ماشي ياستي.. وانا فعلًا هخليكِي تحلفي بيهم.

رجعت اسمع الأغنية وركزت في الطريق اللي بدأ يضلم لحد ما شوفت في مراية الجنب، نور عربية جاية من ورايا، النور كان عالي جدًا والعربية ماشية بسرعة، وبعد دقيقة تقريبًا، كانت العربية ماشية جنب عربيتي، وفجأة، سمعت صوت واحد من اللي موجودين في العربية...

- ايه يا عسل.

بصيت جنبي، شوفت أربعة قاعدين جوة العربية، قفلت الإزاز وشغلت التكيف وبصيت لكارما...

- ماتخافيش.

- دول.. دول شكلهم مايطمنش.

- لا عادي.. شكلهم شباب بيستظرفوا وهيمشوا.

كانوا بيضيقوا عليا بالعربية بتاعتهم، بس انا حاولت اخلص منهم، زودت السرعة أكتر، لكن هم كمان زودوا السرعة، والحقيقة إن عربيتهم أحدث من عربيتي بمراحل، وموضوع إن اهرب منهم هيبقى صعب، بدأت تدور في دماغي سيناريوهات كتير وبدأت استعد لأصعب سيناريو فيهم وهو إني اضطر أواجههم على الأرض.. كانوا مستمرين في معاكستهم بألفاظ بشعة وانا كنت مركز في الطريق، لكن فجأة مشيوا جنبي بالظبط وواحد منهم قالي...

- ماتخافش يا توتو، مش هناخدها منك، احنا بس بنلعب معاك.

بعدها زودوا السرعة وسابوني ومشيوا وهم بيضحكوا، هديت سرعتي وواحدة واحدة وقفت على جنب، كارما كانت اعصابها منهارة وانا بصراحة كنت قلقان، ماقدرش أنكر، رغم إني هدافع عنها حتى لو فيها موتي بس برضه قلقت عليها.. وبسبب قلقي مسكت إيدها وانا بقولها...

- ماتخافيش.. خلاص مشيوا.

- انا مش قادرة اتخيل ايه اللي كان ممكن يحصل.

- مافيش حاجة هتحصل، انا جنبك ومعاكِي.

- انا اترعبت أوي.

- إهدى يا حبيبتي.. إهدي.

وبعد عشر دقايق اتحركت بالعربية وكملت الطريق، كنت متعصب جدًا من الموقف، العيال دي لو قابلتني وانا لوحدي كنت هنزل واعرفهم تمامهم، بس للأسف، كارما معايا.. ده غير اني كنت متغاظ اكتر لانهم بوظوا الرحلة من أولها.. لكن ملحوقة، لما نوصل هحاول انسيها الموقف ده، مديت ايدي ومسكت إيد كارما اللي كانت زي لوح التلج، وبعد نص ساعة تقريبًا، شوفت محطة بنزين، هديت ودخلت المحطة ووقفت قدام مكنة البنزين عشان افول.. فتحت التانك ونزلت من العربية واستغليت الفرصة انزل افك جسمي شوية، لكن وانا واقف، لمحت على الناحية التانية العربية اللي كان فيها الشباب واقفة وبتحط بنزين، ماكنش في غير واحد منهم بس في العربية.. أكيد الباقيين بيشربوا سيجارة أو في الحمام، بصيت عليه بغيظ، كان قاعد بيهز دماغه مع المزيكا اللي مشغلها، وطيت براسي من الشباك وقولت لكارما...

- خليكِي قاعدة هنا، ماتتحركيش.. هدخل الحمام واجي.

- حاضر.

عديت الناحية التانية وقربت من العربية، ووانا عند الشباك خبطت على كتفه، لف وشه، ساعتها وشه اتغير وحس بالخوف وبدأ يتكلم بإرتباك...

- انا.. انا.. انا اسف، ماكناش نقصد.

ابتسمت وانا بقوله...

- ولا يهمك حصل خير.. اومال اصحابك فين؟

- في.. في الحمام.. في الحمام.

- تمام.. انا كمان اسف.

رشيت على وشه بمسدس البنزين، فصرخ بهيسترية...

- انت هتعمل ايه؟.. هتعمل ايه؟

فتحت الولاعة، وبعد ما ولعتها بعدت عنه ورميتها عليه، وفي ثانية جريت على عربيتي ودورت وطلعت بسرعة.

- يا استاذ.. يا استاذ.

فوقت على صوت عامل البنزينة وهو واقف قدامي وبينده عليا.

- هاه.. ايوة.

- انا خلصت... العربية كده تمام.

- طب تمام.. شكرًا.

بصيت على العداد بتاع المكنة واديته الحساب، بس قبل ما اركب بصيت الناحية التانية، لقيت العربية مشيت، اتنهدت وبعدها ركبت واتحركنا، بس وانا طالع شوفت في المرايا انعكاسي، كان شكله متضايق، بس الاغرب من مضايقته اني سمعته وهو بيقولي...

- جبان.. هتفضل طول عمرك جبان.. هم يستاهلوا اللي كنت هتعمله.. بس انت خوفت.

جزيت على سناني وانا ببصله في المرايا وقولت في سري...

- انت عايز مني ايه؟.. هاه.. عايز مني ايه؟

- عايزك تستخدم قوتك اللي ربنا مدهالك، ولا انت عضلات على الفاضي؟

- استخدم قوتي في إني اقتل الناس.

- ماهم اللي يستاهلوا.

- انا مش هسمع كلامك.. مش هسمع كلامك مهما حاولت.

فوقت على صوت كارما...

- جاسر.. انت سرحت في ايه؟

- هاه.. لا مافيش يا حبيبتي.

المهم.. بعد ما فوقت وكملت في طريقي، وصلنا الشاليه أخيرًا، يااه.. كانت رحلة مرهقة ومقرفة، وعشان كده أول ما دخلت، خدت شاور ودخلت في السرير.. حتى كارما هي كمان أعصابها كانت تعبانة وكانت محتاجة تنام، ولما صحيت الصبح ولقيتها لسه نايمة، مارضتش ازعجها، انا قومت بهدوء لبست هدومي ونزلت القرية اجيب حاجات للتلاجة، بس وانا راجع، اتصدمت، عربية الشباب إياهم كانت راكنة قدام الشاليه اللي بعدي بـ3 شاليهات، يادي النيلة، طلعوا معايا في نفس القرية، وبعدين بقى!.. في اللحظة دي سمعت صوته من تاني...

- اظن مافيش صدفة أحسن من كده.

- برضه مش هعمل اللي انت عايزه.. انا خلاص، سامحتهم.

- هاها.. انت بتضحك على نفسك ولا عليا؟!

- انت حر.. خليك مصدق إني همشي وراك.

- هتمشي ورايا يا جاسر.. أصله مش بمزاجك.. دي شغلتي.

- انت بتحلم.

دخلت الشاليه وحطيت الحاجة اللي معايا في المطبخ وبدأت اجهز فطار، حاولت افصل عشان اقدر اخلي كارما هي كمان تخرج من الموقف اللي حصل.. وبعد ما خلصت الفطار، خدت الصينية وطلعت الدور التاني اللي فيه الأوض، دخلت أوضة النوم وحطيت الصينية على الكومودينو وبدأت اصحي كارما اللي كانت في سابع نومة...

- روما.. حبيبتي.. يلا قومي.

- لا.. سيبني انام شوية.

- لا ايه ياحبيبتي، يلا عشان نفطر، واوعدك اني بعد الفطار هخليكِي تقضي يوم ماحصلش.

قومت من على السرير وفتحت باب البلكونة، وساعتها شوفت البحر قدامي...

- يلا يا حبيبتي قومي.

كنت بقولها الجملة دي لما فجأة شوفتهم قدامي.. كانوا على الشط، اتخضيت، بس بعدها قولت لنفسي...

- وانت مخضوض ليه؟.. ماطبيعي، طالما نازلين في نفس القرية يبقى هتشوفهم طول ما انت هنا.

- اااه ودي بقى فرصتك عشان تثبتلي ولو لمرة إنك شجاع.

- انت مافيش فايدة فيك.

- العيال اهم وكارما نايمة، مش كنت بتقول إنك لو شوفتهم لوحدك هتعرفهم مقامهم، اديهم قدامك وعندك فرصة تنزلهم لوحدك، ده غير ان البحر واسع ومافيش غيركوا على الشط.. اعتقد ان دي فرصة عظيمة للغرق.

- انت عايزني اغرقهم!

- أظن مافيش فرصة أحسن من كده.

- حبيبي.. يا جاسر.

لفيت وشي لقيت كارما صحيت وقاعدة على السرير، ابتسمت ومشيت ناحيتها وانا بقولها...

- كده الشمس طلعت.

- يا راجل!.. بس ايه ده؟.. ايه الصباح الجميل ده؟

قعدت جنبها على السرير وانا بقولها...

- انا صحيت لقيتك لسه نايمة، قولت انزل اجيب شوية حاجات واعملك الفطار وادلعك كده، انا عايزك برنسيسة طول الأجازة.. بس اوعي تتعودي على كده.. اه، لما نوصل القاهرة كله هيرجع لقواعده.

ابتسمت وقالتلي...

- ربنا مايحرمنيش منك أبدًا.

- ولا يحرمني منك يا حبيبتي.

وفطرنا، وبعد الفطار نزلنا تحت قعدنا في الجنينة شوية، لكن واحنا قاعدين، فجأة لقيت كارما بتقولي...

- انا عايزة اتمشى على البحر شوية.

الكلمة خضتني، خصوصًا إني كنت قاعد وشايف من مكاني العيال لسه على الشط، بلعت ريقي وبصيت ناحيتها...

- طب ما تنزلي البول اللي هنا يا حبيبتي.

- البول!.. جاسر انا بقولك عايزة اتمشى مش انزل الماية.

- اه.. طب تمام، مافيش مشكلة.. استني بس الشمس تهدا وبعدين نروح.

- شمس ايه اللي تهدا؟!.. مالك يا جاسر.. في ايه؟

ساعتها سمعت الصوت ده جوايا وهو بيقولي...

- رد بقى.. قولها إنك خايف تروح والعيال دي هناك.. قولها إنك جبان ومش هتقدر تحميها.

- اخرس انت ومالكش دعوة.

- هاهاهاها يا جبان.

فوقتني كارما بلمسة من ايدها على وشي وهي بتسألني...

- جاسر.. قولي بجد، مالك؟

- مافيش ياحبيبتي.. مش انتِي عايزة تروحي تتمشي على البحر.. يلا بينا.

مسكتها من ايدها وقومنا مشينا ناحية الشط، الشط اللي ماكنش بيني وبينه مسافة كبيرة، كانت حوالي 100 متر تقريبًا.. وبصراحة، انا تعمدت اخدها بعيد عن العيال دول عشان ماكنتش عايزها تشوفهم اصلًا، وده لإنها لو شافتهم، هتتوتر والرحلة هتبوظ، وفعلًا وصلنا، وأول ما وصلنا للشط قعدنا على كرسين وبدأنا نتكلم، اتكلمنا كتير والكلام خدنا لدرجة اني نسيت العيال اللي قاعدين بعيد عننا بمسافة بسيطة، لكن مرة واحدة سمعت صوت حد بيستغيث.. بصيت ورايا، لقيت اتنين منهم واقفين وبيحاولوا يندهوا على أي حد، ولما بصيت على الماية، لقيت واحد منهم بيغرق.. جريت بسرعة ونزلت في الماية، فضِلت اعوم واعون لحد ما وصلتله.. بس أول ما مسكته وعيني جت في عينه، الصوت رجع من تاني...

- هتنقذه!.. مش ده اللي كان بيقولك ماتقلقش مش هناخدها منك؟.. سيبه.. سيبه يغرق يا جبان ودافع عن شرفك.

- الغلط مايتواجهش بالقتل.

- وهو انت اللي قتلته.. ده قضاء وقدر.

- طالما في ايدي أنقذه وسيبته يموت.. يبقى قتلته.

- هتفضل فاكر نفسك مثالي.. بس الحقيقة انك جبان.. طب يااخي ياريتك تغرق بداله.

عاندت الصوت وشديت الشاب ده لحد الشط، وهناك، بدأت اسعفه لحد ما فاق.. بعدها بصيت للأتنين لقيتهم باصين في الأرض.. سيبتهم ومشيت، وأول ما وصلت لكارما لقيتها بتقولي...

- مش دول الشباب اللي كانوا بيعاكسوا إمبارح على الطريق؟

- اه هم.

وشها اتغير وطلبت مني نرجع الشاليه.. اللي كنت خايف منه حصل.. كارما اتوترت، واكيد أول ما نوصل هتطلب مني نرجع القاهرة.. بس أول ما وصلنا طلعت على فوق من غير ما تتكلم، اما انا، فدخلت الحمام خدت شاور، بعدها لما خرجت لقيتها قاعدة في الجنينة، خدت نفسي طويل ونزلت قعدت جنبها...

- مالك!.. في ايه؟

- مافيش.. انا عايزة ارجع القاهرة.

- ليه بس؟

- اتخنقت وخلاص.. مش عايزة اقعد هنا.

- ماشي، بس خلينا نتغدا الأول وبعدين هعملك اللي انتِي عايزاه.

بصتلي وهي مضايقة، وبسبب نظراتها قولتلها...

- خلاص، هعملك اللي انتِي عايزاه، فكِي بقى.. ده انا محضرلك غدا ماحصلش.

قومت جهزت الغدا وانا اصلا كنت ناوي اشوي، ظبطت كل حاجة وبدأت الشوي، كارما بعد شوية جت وساعدتني بس كانت لسه مضايقة، وفي وسط ما احنا بنحضر الأكل، شوفت الشباب دول جايين ناحية باب الشاليه، سيبت كارما جنب الأكل ومشيت للباب عشان اشوفهم جايين ليه.. خرجت ونزلت سلمتين ووقفت قدامهم...

- خير؟

اتكلم الشاب اللي أنقذته وقالي...

- انا عايز اشكرك على اللي انت عملته، وكمان عايز اعتذرلك عن اللي حصل مننا إمبارح.

- بالنسبة لإني أنقذتك، فده واجب إنساني مالوش علاقة بطبيعتك، أما اللي انتوا عملتوه إمبارح، فده شئ حقير تستحقوا عليه عقاب شديد.. ترضى حد يعمل كده في اهلك وانت ماشي معاهم؟

- احنا بجد اسفين.. ومش عارفين نعمل ايه عشان تقبل إعتذارنا.

- توعدوني انها تكون اخر مرة.. وماتعملوش كده في أي حد تاني.

- نوعدك.. والله العظيم نوعدك اننا عمرنا ما هنضايق حد تاني.

- كده اعتذاركوا مقبول.

- شكرًا مرة تانية.. واحنا اسفين.

- العفو.

سابوني ومشيوا وانا فضلت باصص عليهم لحد ما اختفوا.. وساعتها رجع الصوت جوايا من تاني..

- بس كده؟!.. كده يعني بقيت الشاب المثالي.

- دي مش مثالية.

- عندك حق.. صح.. ده خوف.

- احسبها زي ما تتنيل تحسبها بقى.

فتحت باب الشاليه ودخلت عشان اشوف كارما، وبعد دخولي، قولتلها على اللي حصل، وبسبب الموقف اللي الشباب عملوه بسبب تصرفي، لغت فكرت الرجوع للقاهرة.

وبس.. ده موقف من مواقف كتير بتحصلي.. انا مش عارف هو ليه معايا؟.. بس الصراع ده انا محطوط فيه دايمًا.. مشكلتي إني لو دخلت خناقة مش هسيب اللي قدامي غير لما اموته، انا مش بعرف اتفاهم، وعشان كده بحاول ابعد لأقصى درجة عن الخناق، بس للأسف، الناس بتفتكر إن ده ضعف، أو قلة حيلة، لكن الحقيقة هو لا ضعف ولا قلة حيلة، كل الحكاية إني بحاول ما اسمعش كلامه.. او.. او ما انفذش اللي هو عايزه ونفسه فيه.. إني اقتل.

******

الحكاية التالتة (ياخلي القلب).

(صوت عبدالحليم صادر من الراديو بأغنية ياخلي القلب).

"يا خلي القلب يا حبيبي، يا حبيبي

لو في قلبك قد قلبي حب يا حبيبي، يا حبيبي

لو بتكوي النار نهارك لو بتسهر زي ليلي"

كنت بسمع الأغنية وبدندن معاها وانا قاعد على اللاب وبشتغل في أوضتي،بس فجأة سمعت صوت كركبة في المطبخ، وطيت الصوت وقولت بصوت عالي...

- بتعمل ايه في المطبخ يا حسين؟.

حسين اخويا ماردش، استغربت شوية وبعدها رجعت عليت الصوت وكملت اللي كنت بعمله على اللاب.. لكن شوية وسمعت صوت خبطة قوية جدًا.. صوت حلل كتير بتوقع، انا عارف الواد ده لو دخل المطبخ مابيخرجش غير بكارثة، ايوه.. ما هو من يوم ما ابويا وأمي ما سافروا وهو كان هيحرق الشقة يجي مرتين تلاتة، ربنا يستر المرة دي ومايحرقهاش بجد، اتسحلت في الشغل اللي في ايدي واللي لازم اخلصه النهاردة بأي شكل لإنه خلاص، معاد تسليمه بالليل.. اه صحيح، انا بشتغل ديزاينر، إنما.. إنما بعد شوية بدأت اشم ريحة أكل حلوة، الواد ده شكله اتعلم يطبخ كويس ولا ايه؟!.. بصراحة مع ريحة الأكل اكتشفت إني كنت جعان ومش واخد بالي.. سيبت اللاب وقومت عشان اشوفه بيطبخ ايه، خرجت من الأوضة وانا بقوله بصوت عالي...

- والله وبقينا نعرف نطبخ.

دخلت المطبخ، وساعتها.. ساعتها مالقتش حسين.. بس مش ده المهم، المهم إني مالقتش أي حاجة في المطبخ، كان متنضف وكل حاجة في مكانها، وقفت مكاني شوية وانا مصدوم من الموقف وبعدها خرجت بره وبدأت أدور على حسين في الشقة، بس ماكنش موجود، دورت في كل مكان، مالوش أثر في الشقة كلها.. اومال مين اللي كان بيخبط في الحلل؟.. وريحة الاكل اللي شميتها دي، جت منين؟.. رجعت أوضتي ومسكت التليفون واتصلت بحسين...

- انت في يا حسين؟

- في ايه يامنير؟.. انا قاعد على القهوة مع اصحابي.

- انت.. انت نزلت امتى؟

- نزلت من حوالي ساعتين كده.. في حاجة ولا ايه؟

- لا مافيش.

قفلت معاه وانا ببص ناحية المطبخ بقلق، بعدها قررت ادخل أوضتي واقفل الباب عليا، قعدت على السرير ومسكت اللاب وبدأت اشتغل تاني وحاولت مافكرش في اللي بيحصل، بس بعد دقايق، سمعت صوت جاي من بره، حطيت السماعات على ودني وشغلت أغنية وعملت نفسي مش واخد بالي، الأغنية خلصت وانا مركز في الشغل، كنت مركز لدرجة اني ماخدتش بالي انها وقفت غير بعد ما سمعت صوت خبط على الباب، كانت خبطات منتظمة، رفعت وشي وبصيت على الباب، الخبطات صوتها كان بيعلى تدريجيًا.. كنت ميت من الرعب، حطيت اللاب جنبي وفردت جسمي على السرير وحطيت المخدة فوق دماغي.. الصوت كان مستمر.. ومعاه بدأت ادمع وقولت بصوت واطي...

- سيبوني في حالي بقى.. انتوا عايزين مني ايه؟

وبمجرد ما قولت سؤالي ده، سمعت صوت جاي من ورا الباب...

- افتح ياحبيبي.. انا ماما.

- أرجوكِي سيبيني في حالي.

وبعدها سمعت صوت تاني...

- افتح يابني، ينفع تسيب ابوك وامك واقفين على الباب كده؟

دموعي كانت بتجري على خدي، ضغطت على المخدة فوق دماغي عشان صوتهم يختفي، بس فجأة.. فجأة لمحت حسين واقف قدامي عند السرير.. اتعدلت في قعدتي بسرعة وقولتله...

- حسين!.. كويس إنك جيت.. قولهم يبطلوا اللي بيعملوه ده.

كان بيبصلي ومابيتكلمش.. لكن.. لكن صوت الخبطات كان بيزيد وبقى أعنف، ومع علو الخبطات كملت كلامي وانا بدمع...

- حسين.. عشان خاطري خليهم يسكتوا.. خليهم يسكتوا ياحسين.

حسيت إن الباب هيتكسر من كتر خبطهم عليه، في اللحظة دي لف حسين وشه ومشي ناحية الباب.. قربت منه وانا بقوله بعصبية...

- لا يا حسين.. لا ياحسين ماتفتحلهمش.. خليك معايا هنا.

كإنه ماكنش سامعني أو نايم تنويم مغناطيسي.. فضِل ماشي ناحية الباب وانا ماشي جنبه، كنت بحاول اشده، أمنعه، لكنه وصل عند الباب وفتحه، ساعتها مسكت ايده عشان اوقفه.. بس انا.. انا مسكت الهوا.. حسين اختتفى وصوت الخبط وقف.. وهنا.. أغم عليا.

ابويا وأمي ماتوا وهم راجعين من السفر وبعدها حسين اخويا اتأثر نفسيًا وتِعِب جامد، كان بيقولي إنه بيسمعهم وبيجوا عشان ياخدوه، إنما انا كنت بحاول اقوله مايسمعش كلامهم، بس في النهاية وبعد سنتين، حسين مات، دخلت عليه الأوضة لقيته نايم في سريره ومابينطقش.. ومن يومها.. من يومها وانا بقيت بسمعهم وهم عايزين ياخدوني انا كمان.. بس لا.. لا.. انا مش هروح معاهم.. مش هروح معاهم.

******

بعد ما خلص منير حكايته بصيتلهم هم الخمسة، سعيد وجاسر ومنير واتنين كمان المفروض كانوا هيحكوا حكايتهم، بس للأسف، وقت الجلسة خلص، وعشان كده ابتسمت بضيق وقولتلهم...

- للأسف.. وقت الجلسة خلص ومش هنقدر نسمع الحكايتين الباقيين، بس انا عندي شوية أسئلة لجاسر ومنير.. وهنبدأ بجاسر.. انت ليه متخيل إنك لو سمعت كلام الصوت اللي جواك هتقتل؟

بص لي ثواني وبعدين اتكلم...

- عشان هو عايزني اقتل.

- بس الهروب مش حل.. يعني موقف زي اللي انت حكيته ده المفروض كنت تواجه الشباب دول وتدافع عن مراتك.. لكن انت هربت.

- ما انا لو واجهتهم ممكن اقتلهم.

- لا خالص، ممكن كنت تتكلم معاهم والموضوع يخلص بكلمتين وبس.. انت لازم تواجه وتحاول تسيطر على أعصابك، لكن اللي بتعمله ده مش حل.. انت هتيجي في يوم وهتنفجر مرة واحدة، وساعتها بقى هيحصل اللي انت خايف منه.. وعشان كده احنا هنبدأ ندرب مع بعض على إنك تواجه وتحاول تسيطر على غضبك، وكمان على انك لازم تخلص أي مشكلة بهدوء من غير ما تهرب منها.

- ما هو عشان كده انا جيت هنا.. لإني خايف من اللحظة اللي أوصل فيها للقتل.

- ماتقلقش.. كل حاجة هتبقى تمام.

بعد كده لفيت لمنير وقولتله...

- وانت يا منير.. انت عارف إن ابوك وأمك وحتى حسين خلاص مابقوش موجودين.. ده غير انك متأكد من جواك إن كل دي خيالات.. ليه بتستسلم لها؟

- انا مش بستسلم، بس هم اللي مش عايزين يخرجوا من دماغي.. انا.. انا حاولت كتير أركز في شغلي وأعمل نفسي مش واخد بالي، بس برضه وفي كل مرة، بيظهروا، بيظهروا وبيحاولوا يقربوا مني.. انا نفسي أبطل اشوفهم، مع إني عايز اشوفهم، بس اشوفهم كأبويا وأمي العاديين، مش اللي عايزين يموتوني.

- هم مش عايزين يموتوك، كل الحكاية إن كلام أخوك حسين قبل ما يموت عن إنهم عايزين ياخدوه، أثر عليك بعد ما مات، وبسببه افتكرت إن أبوك وأمك فعلًا هم اللي موتوه، بس ده غلط، انت لازم تفهم إن ده أجله، هم مالهمش ذنب.. لكن ماتقلقش، إن شاء الله هنحل كل ده مع بعض.

- ياريت.. ياريت يا دكتور.

بعد كده بصيت لسعيد وقولتله..

-وانت ياسعيد.. انا مش لاقي تفسير لحكايتك، بس انا حاسس ان في حاجة ناقصة!

-وانا كمان يادكتور.. انا مش لاقي تفسير للي انا فيه.. انا اتصورت وانا بقتل الاربعة عن طريق الكاميرات الاحتياطية اللي بتشتغل لما النور يقطع.. بس انا ماقتلتهمش، الكيان اللي.. اللي في الضلمة، هو.. هو اللي قتل الاربعة.. هو اللي قتلهم زي ما قتل اهلي زمان.

لما قالي كده رفعت حاجبي وسألته باستغراب..

-لا احكيلي بالراحة كده.. كيان ايه اللي قتل اهلك زمان، وبعدين انت عمال تقول قتلت الاربعة قتلت الاربعة!.. اللي ماتوا كانوا تلاتة بس.. التلات رجالة، اما شهيرة فماماتتش، شهيرة لما النور قطع ومع قفلة الباب، حصلها ضيق تنفس، ومع ضيق التنفس والخوف، اتصابت بحالة من الأغماء ووقعت من طولها، وبعد ما وقعت دماغها حصلت فيها اصابة لانها اتخبطت وكانوا فاكرين انها خلاص هتموت، لكنها لما راحت المستشفى، أسعفوها وعاشت، وهي اللي قالت كده.. وده ياخدنا لنقطة تانية.. ايه موضوع الضلمة واهلك ده؟

-حاضر.. هحكيلك، زمان.. زمان اوي.. كنت عيل صغير ابن سبع سنين، عايش في عِيلة متوسطة الحال ساكنة جوة بيت بسيط، لكن مشكلة البيت ده انه كان في حارة شعبية اوي، حارة مليانة بلطجية والنور بيقطع فيها كتير اوي.. وفي يوم بالليل، ووقت ما عيلتي كلها كانت نايمة في شقتنا اللي في الدور الأول، فتحت عيني على صوت فتح شيش البلكونة، وبمجرد ما فَتحت لمحت خيالات، اتنفضت من مكاني ونطيت على الأرض واتسحبت لتحت السرير، كنت خايف.. واللي زود خوفي اكتر هي انوار الكشافات اللي شوفتها والرجلين الغريبة اللي بتجري في الشقة واصوات الدربكة والصرخات الضعيفة اوي، ومافيش، دقايق والرجلين اختفت وقبلهم الأنوار.. اصحاب الرجلين واللي كانوا ماسكين كشافات، خرجوا زي ما دخلوا من البلكونة.. خوفت اكتر، فضلت نايم في مكاني لحد ما صحيت على نور الشمس، وقتها قومت من مكاني، دخلت اوضة امي وابويا، ومع دخولي، برقت.. اتصدمت، بقيت بصرخ زي المجانين.. امي وابويا واختي الصغيرة اللي كانت نايمة جنبهم، كلهم كانوا مقتولين، ده غير ان الدولاب والأوضة وكل محتويات الشقة كانت مقلوبة!.. وبس، صرخت، صرخت والناس اتلمت والحكومة جت، والنهاية كانت قضية عن عملية سطو او هجوم من شوية حرامية وهجامين على بيت اهلي، لكن النتيجة كانت ايه؟!.. النتيجة ان أهلي كلهم ماتوا وانا اتربيت مع عمي لحد ما كبرت واشتغلت فرد أمن واتجوزت وخلفت، لكن رغم مرور السنين، ورغم ان اللي قتلوا اهلي الحكومة قدرت تجيبهم وأعدمتهم، إلا ان انا فضلت اخاف من الضلمة، كنت تملي ببعد عنها، بهرب منها، بتحاشى اي مكان فيه ضلمة وبنام في النور، ومع الأسف، الضلمة رجعت وقت ما النور قطع في الشركة.. و.. وظهرلي الكيان اللي كان بيظهرلي كل ما بتعرض لضلمة او لما تحصل غلطة والنور يقطع في بيتنا!

رجعت راسي لورا وبصيتله بتركيز..

-سعيد.. انت ماتختلفش عن منير وجاسر كتير، اللي عندك شبههم بشكل كبير.. مافيش مخلوق ياسعيد، الضلمة مافيهاش الا خوفك من اللي اتعرضتله، الضلمة مافيهاش الا مرضك النفسي وفوبيا الضلمة اللي عمرك ما فكرت ولا جربت تتعالج منها لانك من بيئة بسيطة، الضلمة يوم الحادثة ماكنش فيها الا خيالات صورهالك عقلك وانتهت بكارثة، لكن ماتقلقش، انا هساعدك ومش هسيبك.. هساعدك عالأقل لحد ما تتعالج وبعد كده النيابة والمحكمة يشوفوا هيعملوا معاك ايه..

هز راسه وهو بيرد عليا..

-معاك حق.. انا عمري ما فكرت اتعالج، انا اصلًا عمري ما فكرت في ان خوفي من الضلمة ممكن يبقى مرض... او ممكن اقول اني.. اني فكرت.. بس كل ما كنت بفتكر الفكرة دي كنت برجع وامحيها عشان ماروحش لدكتور نفساني ويقولوا عني مجنون!

قومت وقفت وحطيت ايدي على كتفه..

-لا مرض.. مرض وهتتعالج منه ياسعيد.. ودلوقتي يلا، كل واحد على أوضته ونكمل بكرة.

قاموا كلهم وخرجوا.. رجعوا لأوضهم وناموا عشان بكرة نكمل جلسات، بس.. بس انا مانمتش، انا سهرت اكتب كل اللي مريت بيه في الجلسة، اصل اللي حصل ده ماكنش ينفع يعدي من غير ما اكتبه.. مخ الأنسان هو اكتر مخلوق معقد في الحياة، وماتستغربش لما اقولك مخلوق، مخك بيفكر، بيدي اوامر لجسمك وبيطاوعك، لكن لو في يوم خانك لأي سبب من الاسباب التلاتة اللي اتعرفت عليهم النهاردة، او حتى لاسباب غيرهم.. ساعتها هيقلب حياتك لجهنم، ومش بعيد تبقى زي التلاتة ويمكن حالتك تبقى أفظع.. ماهو الانسان لما بيفقد السيطرة على مخه بيتحول لعربية من غير فرامل.. وساعتها العربية دي هتتقلب بيك وهتتحول، من انسان لعادي، لشخص عنده خلل او ميت او حتى فرد من أفراد جلسة علاج نفسي.

تمت بحمد الله


 بقلم الكاتبين: شادي إسماعيل و محمد شعبان 


التنقل السريع