
بقلم الكاتبة: ليزا زغلول
فيه دايماً سؤال بنسأله لنفسنا باستمرار، بس في الأغلب مش بنلاقي ليه إجابة محددة... هو احنا مسيّرين ولا مخيّرين؟
******
الجزء الأول..
دي أول مرة هتكلم فيها وأحكي عن اللي حصلي من غير ما أخاف، ومش فارق معايا خالص هيتقال عني إيه في الآخر، فيه ناس من اللي هتسمع أو هتقرأ القصة دي هتحس إني بتكلم عنها، وبوصف مواقف هما شخصياً عاشوها بكل ما فيها، أنا مش لوحدي اللي جرالي كده ...
خليني أحكي الموضوع بدأ معايا إزاي، ووصل بيا لفين...
أنا مش فاكرة بالظبط كان عندي كام سنة وقتها، بس يومها شوفت واحد قريبي من بعيد، كان أول مرة أشوفه في اليوم ده، وقلبي اتقبض وحسيت إنه هيجرالي حاجة، ساعتها كان نفسي أمسك في ايده، وأقوله لو سمحت يا عمو ماتمشيش انت هتموت، أو علي الاقل أفضل باصة في وشه كتير يمكن أقدر أحفظ ملامحه..
أصل أنا عندي مشكلة مش بقدر أحفظ ملامح الناس، وبنسى شكلهم دايماً، اللي بيساعدني أميز بين الناس هو صوتهم, لو سمعت صوت حد مرة واحدة بيبقى صعب أتوه عنه أو أنساه، بعد كام يوم سمعت الميكروفونات وهما بينادوا عليه، وبيقولوا إن دفنته بعد صلاة العصر، خوفت وجريت على ماما استخبيت في حضنها، كنت بتنفض وهما كانوا مستغربين من رد فعلي وعياطي عليه، مع إني ماشفتوش غير مرة..
الأيام عدت، وبعدها بدأت أشوف حلم واحد بيتكرر كل يوم بنفس الشكل، كنت بشوف نفسي ماشية على طريق مافيهوش عربيات، وواحد لابس اسود في اسود ماشي ورايا على نفس سرعة خطوتي، كل ما أسرع بيسرع ولما اجري بيجري ورايا، كنت بصحى من النوم مفزوعة، وخصوصاً لما بقيت أشوف الكوابيس دي بشكل شبه يومي، بس اللي طمني شوية ان الشخص ده ماكنش بيأذيني في الحلم، بالعكس ده كان بيقرأ سورة قرآنية معينة، جه عليا وقت كنت بفضل صاحية بالليل، وأنام بالنهار من خوفي من إن الحلم يتكرر، وفي مرة حكيت لحد ليه في تفسير الأحلام عن اللي بشوفه، وقتها قالي...
- اللي بتشوفيه يا بنتي ده خادم سورة النجم، ووجوده خير ليكي، ممكن يفتحلك أبواب كتيره لو قدرتي تسيطري عليه، لو تحبي ممكن اساعدك.
- لا شكرا.
ما اقتنعتش بكلامه؛ لأن اللي كان بيحصلي ماكنش خير، المواقف بقت بتتكرر كتير، كانوا في البيت بيتكلموا على ناس في الأغلب ماعرفهمش وأنا كنت بقعد أقولهم فلان ده هيتعب، وفلانة دي هتموت، وكان بيحصل اللي بقوله بالظبط، كنت حاسه ان نظراتهم في البيت عندي ليا مش طبيعية، بس كنت برمي ورا ضهري، كل ده كان عادي اصلا لحد اليوم اللي جدتي ماتت فيه..
كنت ساعتها في أولى جامعة، وطول الليل خايفة أنام، وقتها كانت الدنيا بتشتي، وأنا كنت حاسة إن فيه حاجة هتحصل، تليفون البيت رن الفجر، وقالوا إن جدتي تعبانة، وإنها عايزة تشوف أمي ضروري دلوقتي، ماعرفش ليه ساعتها كنت متأكدة إنها ماتت، وهما بيقولوا كده عشان مايفزعوش أمي؛ لأننا في محافظة تانية غير محافظتهم، روحت اترميت في حضنها بعد ما لبست وقولتلها: البقاء لله يا أمي، بصتلي باستغراب وقالتلي...
- ماتخافيش كده، دي ستك تعبانة كالعادة وهتقوم منها، مش أول مرة يعني تحصل ماتقلقيش كده.
بعدها بابا خدها ونزلوا؛ عشان يروح معاها، فضلت طول الليل صاحية بعيط لحد ما ماما وصلت، وكلمتني وقالتلي...
- أنا هقعد هنا كام يوم كده؛ لأن جدتك اتوفت.
في اليوم ده أنا كرهت نفسي، وحسيت إني أنا السبب لأني قولت كده عليها من الأول، كنت حاسة في صوت أمي بلوم، وهي بتقول ...
- ماتت زي ما قولتي، ماتت خلاص.
كلامها فضل يتردد في وداني ماكنش بيروح من بالي، رفضوا يخلوني أحضر العزا، أو أدخل بيت جدتي من غير مايقولولي أي أسباب، بعدها الموضوع اتكرر مع واحدة صاحبتي، بس المرة دي أنا كلمتها لما قومت من النوم مفزوعة، ماكنش عندي طاقة أنزل الجامعة في اليوم ده، فعطلت المنبه وقولت أنام براحتي بقى، صحيت الساعة عشرة ونص على كابوس إن صاحبتي دي خبطتها عربية، ووقعت وهي بتعدي طريق البحر، فمسكت الفون أول ما صحيت وكلمتها، وفضلت معاها على الفون لحد ما روحت البيت، يومها حمدت ربنا،وقولت لنفسي أخيرا كابوس طلع فشينك، كنت فرحانة بجد في اليوم ده.
بس بعد كام يوم، وأنا طالعة من الجامعة، وراكبة المشروع شوفت بنت واقعة على طريق البحر في نفس المكان اللي شوفت فيه صاحبتي، لابسة جاكت احمر شبه اللي شوفت صاحبتي لبساه وهي عامله الحادثة، لما روحت البيت كنت متردده احكي لصاحبتي ولا بلاش بس في الآخرحكيتلها عن الحادثة اللي شوفتها وأنا مروحة بس ماقولتلهاش علي الكابوس اللي شوفتها فيه، واتصدمت لما قالتلي ...
- عارفة البنت اللي انت شوفتيها ميته النهاردة دي كانت صاحبتي، ومفروض كنا متفقين نخرج سوا النهاردة، بس نقول إيه القدر بقي، ماما تعبت واعتذرتلها وزعلت مني، فكرت اني بخلع عشان ماخرجش معاها.
كنت مصدومة ومش عارفة اقول ايه، بس من بعدها بدأت أنعزل عن الناس، ماعرفش خوفت عليهم مني ولا منهم يفكروا اني لعنة، الناس القريبة مني كانت فعلا بدأت بتخاف مني وماقدرش ألومهم علي كده أنا كنت بخاف من نفسي، ومابقاش في حد فيهم بيحكيلي على حاجة حلم بيها ، حياتي حقيقي بقت من سيء لأسوأ وخطوبتي كمان اتفشكلت، كان توقيت مثالي ان حياتي كلها تتقلب وتدمر، في يوم بابا دخل عليا وقالي...
- انتي عارفة إني عايز مصلحتك دايماً، صح ولا ايه؟
- عارفة يا بابا، فيه ايه؟
- فيه واحد هنروحله؛ عشان نشوف لو معمولك حاجة نفكها يا حبيبتي بدل ما الناس بتقول عليكي نحس، دول بيخافوا منك يا بنتي واحنا مش هنعيشلك عشان نحميكي من عيونهم اللي بتنهش فيكي ولا كلامهم اللي بيسم بدنك.
اعترضت طبعا علي كلامه وقولتله....
- مش هيحصل، أنا مش هعمل كده، انا ماليش ذنب فأي حاجة من اللي بيحرالي ده مش بإيدي يا بابا.
- يا بنتي افهمي اللي هعمله ده لمصلحتك؛ مش لمصلحتي أنا.
- لا يا بابا مش هروح يعني مش هروح.
بس في الآخر ومع زنهم عليا روحت معاه غصب عني، وصلنا بيته وقعدنا قدام الراجل كان غير النصابين اللي بشوفهم، لابس قميص وبنطلون وعامل دقنه دوجلاس، ومعاه سبحة عقيق وريحة المكان اللي قاعد فيه كانت مسك، كان فيه انتريه وسفرة صغيرة ومكتب، قعدنا في الانتريه، بصلي من فوق لتحت وطلب مني احكيله اللي حصل، كنت متحفزة أوي، ومستنية أي حاجة أمسكها عليه، فقولتله ...
- إيه ده! هو انت مش مفروض عندك خدامين من الجن، وتقدر تعرف اللي بيحصلي؟ وحركات بقي وكده وبتاع ولا ايه؟
- مممممم، لا يا ستي مش دايماً، الموضوع ده مش بينفع مع الناس اللي هالتهم بتبقي عالية، بيبقى صعب أعرف عنهم حاجة، لأنهم مسيطرين على قرينهم.
- أقدر أفهم من كلامك ده إني واحدة من الناس اللي هالتها قوية وانك مش قادر تعرف عني حاجة.
- وضيفي كمان يا ستي إنك شخصية ذكية ولماحة.
ضحكت وبعدها حكيتله كل اللي حصلي، لكن هو سكت شوية وبعدين قالي...
- مفتاح كل اللي بيجرالك موجود في الحلم اللي بيتكرر معاكي، ماحدش يقدر يفيدك غير نفسك.
- يعني ايه؟
- معمولك حاجة على النجوم ..
- واللي عامل كده ضاقت بيه الأرض، بعت العمل يدفن على النجوم
- انتي مفكراني بهزر؟ بكرة هتشوفي بعينك وهتتمني لو الأيام ترجع.
بصيتلع باستهزاء فاتعصب وماستناش حتى إني أرد على كلامه، بص لبابا وقاله بنرفزة...
- أنا عملت اللي عليا، اللي بنتك فيه حله صعب إن ماكنش مستحيل وماحدش هيقدر يساعدها على اللي جاي.
روحنا البيت يومها، وبابا فضل زعلان مني، ومش بيكلمني، كلهم كانوا بيتجنبوني وبيخافوا مني أكتر من الأول، فبقيت على طول قاعدة في أوضتي، مش بخرج منها ولا بتكلم مع حد، وفي مرة سمعتهم بيقولوا البنت دي لازم ترجع تقعد في البلد؛ لأنها لو فضلت هنا ممكن تأذينل في المستقبل، اتأثرت، قلبي وجعني من كلامهم وزعلت وقاطعت الأكل، بس بأمانة كل ده مافرقش معاهم؛ كنت بشوف وشوش ناس غريبة في أحلامي ناس ماعرفهاش ولا بيني وبينها أي علاقة كان في منهم اللي بيصرخ وفي اللي بيضحك، وفي يوم صحيت من النوم مالقتش حد في البيت، خرجوا وسابوني من غير ما حد يكلف خاطره ويقولي هيروحوا فين، فضلت طول اليوم قلقانة عليهم، بتصل بيهم موبايلاتهم بترن بس ماحدش بيرد خالص، فين وفين لما رجعوا البيت كان الوقت متأخر، كانوا مبسوطين وبيضحكوا، ولما شافوني قدامهم زي ما يكونوا شافوا عفريت،وشهم اتقلب؛
في اليوم ده أنا قررت أسيب البيت وأمشي ماكنتش قادرة أفضل قاعدة في البيت وهما بيتعاملوا معايا بالشكل ده، ماكنتش عارفة هروح فين ولا اجي منين، بس انا كنت مقررة اني مابقاش حمل على حد حتي لو عيلتي، وأنا بلم حاجتي لمعت في دماغي فكرة الانتحار، وقولت أنا كده هستريح وهيشيلوا هما ذنبي، وأكيد مش هيسامحوا نفسهم على اللي عملوه فيا، سيبت هدومي اللي كنت بلمها وقعدت أفكر في طريقة مناسبة للانتحار، وقررت في اللخر اني اختار اكتر طريقة ممكن توجعني، جبت في الآخر موس ودخلت أوضتي، ومسكت شراييني وبصيت للموس بحزن، ماكنتش خايفة، بس حاسه اني مهزوزة، الإحساس في الوقت ده بالذنب بيبقي معدوم، مابتعرفش تفرق بين الحلال والحرام، انت بحركة ممكن تنهي كل حاجة، الفاصل بين الموت والحياة أقل من رمشة جفن، شديت الموس على ايدي رايح جاي كذا مرة، وزي ما أكون في كل مرة كنت بعاقب نفسي على طيبتي وسذاجتي وأدوس على الموس أكتر عشان الجرح يبقي أعمق، شوفت الدم وهو نازل من إيدي، وصعبت عليا نفسي، وعيطت، بس قولت لنفسي....
-خلاص أخيراً كل الوجع اللي عيشت فيه هينتهي، وهمشي واسيب الدنيا باللي فيها،ماحدش هيضايق مني ولا حد هيحس اني حمل عليه.
غمضت عيني واستنيت جسمي يتلج، وأحس إني دايخة، وأبدأ أفقد وعيي بالتدريج، بس ربنا كان ليه ترتيبات تانثة، كل اللي حصل إن حد من اخواتي كان داخل ياخد مني حاجة، ولقاني كده فصرخ وفزعني، والبيت اتلم كله عليا، أكتر حاجة وجعتني هي نظرتهم ليا وقتها، حتى ماكنش فيها عطف ولا شفقة، ماشفتش غير جمود وغضب، مافيش حد خدني في حضنه ولا طبطب عليا، يمكن فعلن رزق كل واحد فينا بياخده في عيلته، حنية وطيبة؛ للاسف
أنقذوني يومها من الموت، بس لو رجع بيا الزمن مش عارفة كنت هعمل كده تاني أو لا، القرار ده كان صعب جداً عليا، بس أنا بسبب الضغط اللي كنت فيه خدته عشان أرتاح، بس مش دايما بنعرف نوصل للراحة اللي احنا عايزنها، احنا جينا الدنيا دي عشان نتعب وربنا أكيد هيكرمنا في الآخرة.
******
تمت بحمد الله
بقلم الكاتبة: ليزا زغلول