القائمة الرئيسية

الصفحات

شقة جدي قصص رعب


بقلم الكاتبة:  ليزا زغلول

بعد ما رجعت من الشغل وغيرت هدومي وخدت دُش دافي، طلعت وقفت في المطبخ عشان أعمل لنفسي أي حاجة آكلها، كنت واقع من الجوع ومش قادر أصلب طولي، لكن وفي نفس الوقت ده، موبايلي كان بيرن في الأوضة، كنت سامع صوته بس مكسل، يعني، قولت لما آكل هبقى أدخل الأوضة مرة واحدة عشان أشوف مين بيرن عليا وأريح شوية، أصل الدنيا مش هتطير.

سخنت الأكل اللي كان في التلاجة بقالة كام يوم وقعدت آكل في المطبخ، ولما خلصت، نضفت المطبخ، وبصيت حواليا برضا وطفيت النور ودخلت أوضتي، أنا عايش في الشقة دي لوحدي بعد موت أبويا وأمي، ماليش غير جدي اللي عايش في محافظة تانية؛ وده ماشفتوش من سنين كتير وماعرفش عنه حاجة، قعدت على طرف السرير وطلعت الموبايل من جيب الجاكيت، وأول ما مسكته رن تاني، ركزت مع الرقم وحاولت أفتكر لو شوفته قبل كده لأنه مش متسجل عندي، استنيت لما خلص الرنة ودخلت بحثت عنه في التروكولر ولقيته محفوظ باسم الحاج حسن، استغربت وقولت لو رن تاني هبقى أرد، وقبل ما أحط الموبايل على الكوميدينو اللي جنب السرير، رن وهو لسه في ايدي، فرديت عليه...

-ايوه.. مين معايا؟

-أنت حازم السيد؟

-أيوه، مين حضرتك؟

-أنا الحاج حسن، اللي في الشقة اللي جنب الحاج اسماعيل جدك.

-اه خير.. في حاجة؟

-للأسف يا ابني أنا متصل بيك عشان أبلغك أن جدك في العناية والدكاترة بيقولوا ان أيامه معدودة.

-ايه!.. والكلام ده حصل امتي؟

-بقاله كام أسبوع على الحال ده ومافيش تحسن خالص.

-طيب حضرتك مابلغتنيش ليه قبل كده؟

-كان رافض انه يقلقك، بس النهاردة تعب جدًا وطلب مني أقولك انه محتاج يشوفك، يا رب تلحق تشوفه يا ابني.

- طيب أنا جاي البلد حالا ومش هستني للصبح، بس انت خليك جنبه أرجوك لحد ما أوصل.

-حاضر يا ابني.

******

قومت حضرت شنطتي بسرعة، ماكنتش شايف قدامي ولا عارف أنا بحط فيها ايه، انا خدت بعضي ونزلت جري على موقف الميكروباصات، وهناك اتصدمت ان الميكروباص عشان يحمل في الوقت ده قدامه بتاع 3 ساعات، وده وقت كبير جدا، ده أنا ممكن أكون وصلت قبل ما يحمل، فماكنش قدامي غير اني اشيل أجرة الركاب اللي ناقصين عشان ننجز ويطلع وألحق جدي، وطلع، لكن طول الطريق انا ماكنتش مركز، كنت بدعى ربنا انه مايورنيش فيه حاجة وحشة، هو اه احنا مش بنتفاهم وبنشد مع بعض لو اتجمعنا، بس أنا كنت مطمن ان حسه في الدنيا وهيقف في ضهري قصاد أي حاجة.. فوقت من سرحاني أول ما الميكروباص وصل البلد، وقتها رميت الفلوس للسواق ونزلت جري، نطيت في تاكسي اللي كان واقف وقولتله...

-المستشفي العام بسرعة يا اسطا.

-الاجرة خمسين.

-اللي أنت عاوزه هديهولك، بس انجز الله يباركلك.

كنت عارف ومتأكد انه بيستغلني، الأجرة يوم ما يضربها الدم وترفع، مش هتزيد عن عشرين جنية، بس مش مشكلة، أهم حاجة عندي اني أوصل.. ووصلت المستشفى، وبمجرد ما وصلت، سألت على جدي اللي قالولي انه في العناية وان وقت الزيارة خلص، كنت بلف حوالين نفسي ومش عارف أعمل ايه لحد ما موبيلي رن ولقيته الحاج حسن، رديت عليه بلهفة وقولتله...

-أنا تحت في الاستقبال، بس هم بيقولوا ان مواعيد الزيارة خلصت.. انا تايه ومش عارف أعمل ايه.

-شد حيلك يا ابني.. البقاء لله .

بعدت الموبايل عني وبصيتله بصدمة وقولتله بصوت عالي...

-لا.. قوله حازم تحت، قوله، عٌرفه، قوله اني جيت وماتخليهوش يمشي.

وفجأة، الخط فصل!.. كنت بعيط زي العيل الصغير ومش مستوعب كمية الاختبارات اللي الدنيا عماله تحطني فيها، ومع صدمتي، حسيت بكف ايد بيتحط على كتفي، لففيت، كان قصادي راجل شكله عادي، واقف قدامي وباين انه حابس الدموع في عينيه، طبطب على كتفي وهز راسه وهو بيقولي...

-أنا الحاج حسن جار جدك الله يرحمه.

ماحستش بنفسي غير وهو بيسندني وبيقولي...

-شد حيلك أومال.. مش كده.

ماركزتش، ماكنتش عارف الدنيا ماشية حواليا ازاي، كل اللي فاكره، انه خدني معاه العناية وطلب منهم يخلوني أشوفه للمرة الأخيرة قبل ما يغسلوه ويكفنوه، كنت واقف قدامه ومش مصدق انه خلاص مات ومش هشوفه تاني،غمضت عيني وبوسته من راسه وخرجت وقفت تحت عند باب المستشفى لحد ما الحاج حسن طلب مني أدخل أخلص شوية ورق، كنت سامع الجوامع وهي بتذيع خبر موته وبيقولوا الدفنة عقب صلاة العصر، بعدها طلعنا بيه من المستشفى على المسجد وصلينا عليه ودفنناه في المقابر، ومن بعد الدفنة، الناس بدأت تمشي واحد ورا التاني لحد ما لقيت نفسي واقف بطولي قدام قبره، مافيش حد جنبي غير عم حسن اللي بصلي وقالي...

-شد حيلك، آخر فترة كان بيتكلم عنك كتير وكان ناوي أما يطلع من المستشفى يسافرلك يقعد عنك، ااه.. كان نفسه يحس بالونس وتاخد بحسه.

-انا.  أنا قصرت في حقه أوي، هبص في وشه ازاي في الآخرة، طب.. طب هحط دماغي على مخدة وأنام ازاي وأنا عارف انه ميت وهو زعلان وشايل مني.

-مسامحك، لما قولتلي انك جاي دخلتله وقولتله حازم جاي، ورغم انه كان في غيبوبة الا انه ابتسم وكان حاسس باللي بيجراله، وقبل ما يموت بدقايق فتح عينة وطلب مني اقعد وفضل يوصيني عليك، ماعرفش انه كان بيودعني، لكنه وصاني عليك كتير وقالي ماسيبكش وأفضل في ضهرك.

اتفتحت في العياط وقعدت على الارض وصرخت بصوت عالي، وقتها عم حسن طبطب عليا وقالي:

-اهدى يا ابني ووحد الله، ماتعملش في نفسك كده، كلنا أموات ولاد أموات بس لسه معادنا ماجاش.

-أنا قلبي واجعني أوي.

-قوم يا ابني.. قوم روح معايا.

-أروح فين بس، دي الشقة عمر ما هيبقى ليها معنى من غيره.

-ازاي بس وهو الله كان موصي انك تفتح الشقة وتقعد فيها وماتقفلهاش.

-هقعد ازاي فيها وهو مش موجود؟

-دي وصيته يا ابني، تعالى بس ارتاح وبعد كده ربك يحلها.

قومت وروحت معاه، ومع وصولنا، وقفت قدام باب الشقة، وقتها الحاج حسن طلع المفتاح من جيبه وناولهولي...

-شوف عايز تقعد هنا ولا تيجي تقعد عندي، كده كده أنا وحداني وماليش حد بس مش عاوز أبقى رخم وأجبرك على حاجة.

بصيتله بحزن ولوهلة حسيت ان جدي اللي واقف قدامي، فقربت منه وبوست راسه وقولتله...

-معلش، أنا محتاج أقعد لوحدي شوية، عاوز أعيط وأطلع الحزن اللي جوايا.

-براحتك، بس في أي وقت لو احتاجت اي حاجة، خبط عليا، انا شقتي جنب الشقة بتاعتكم على طول.

-الله يكرمك يا عم حسن.

-ويكرمك ياابني.. انا هشوفلك لُقمة عندي تصلب بيها طولك، أنت بقالك كتير واقف على رجلك وجاي من سفر، يعني أكيد محتاج تاكل وترتاح.

-ماليش نفس، ماتتعبش نفسك، وبعدين انا كلت أول ما رجعت من الشغل، وده طبعًا قبل ما تقولي ان جدي تعبان ومحجوز في العناية.

-خلاص، ادخل ارتاح يا ابني وربنا يلطف بيك ويعينك على مصيبتك.

خدت المفتاح وحطيته في الباب وفتحته، ولما دخلت، شغلت النور وقفلت باب الشقة ورايا، كنت واقف محتار، مشاعري متلخبطة، آخر مرة تقريبا كنت فيها في الشقة دي؛ كانت من ست سنين، لما جيت أدفن أبويا وأمي، يومها اتخانقت مع جدي وصممت أبات على السلالم، وساعتها أول ما النهار طلع رجعت بييتنا ومابقتش أرد عليه لحد ما اتصالحنا في مرة وأنا بزور قبر أبويا وأمي في العيد، بس لو كنت أعرف انه هيمشي ويسيبني، كنت تبتت فيه بايديا وسناني وقضيت الايام كلها معاه ورميت الشغل ورا ضهري، أنا ماخدتش من الشغل غير الوحدة والانعزال عن كل حاجة بحبها، ده غير ان بقالي تلات سنين شغال مندوب مبيعات، ماعملتش حاجة لنفسي غير اني يادوب بكفي طلباتي، ولو حوشت بطلوع الروح قرشين كده على جنب؛ بتيجي الدنيا تسحلني وتاخدهم، زي ما حصل معايا كده في الميكروباص اللي جيت فيه.

بصيت للصالة وأنا مش مصدق اني مش هلاقيه جوه في الأوض، رجليا خدتني لأوضته ولقيت نفسي بدور كالون الباب وبدخل...

-وحشتني يا حج اسماعيل.

بس الأوضة كانت فاضية، قربت من السرير ودفنت وشي فيه وفضلت أعيط، مش عارف أنا نمت امتي؟ بس عارف كويس اني صحيت على صوت الجرس وهو بيرن.. كنت حاسس ان جسمي كله مكسر، قومت بالعافية لحد ما صلت للباب وفتحته، كان عم حسن اللي واقف قدامي، ابتسملي بهدوء وقالي...

-صباح الخير يا حازم يا ابني، آسف لو أزعجتك، بس انل ماسمعتلكش صوت من أول ما دخلت فقلقت، وحقيقي ماعرفتش أمنع نفسي من اني آجي أطمن عليك.

-ولا يهمك يا عم حسن، أنا بس امبارح نمت على نفسي في أوضة جدي.. اهو.. غصب عني نمت وأنا قاعد على سريره وفوقت على صوت الجرس.

-طب اذا كان كده بقى هحضر لقمة ونفطر سوا.

-مالوش لزوم والله، انا ماليش نفس أصلا لأي أكل.

-بس بس.. اسكت، اسكت ويلا، ادخل خدلك دوش كده وفوق على ما أحضر الفطار ، ده اسماعيل كان بيجي يفطر معايا كل يوم من حلاوة أكلي.

- الله يرحمه.

-أمين يا رب، يلا اسمع الكلام وماتقطعش قلبي.

-حاضر يا عم حسن.

قفلت الباب وبصيت حواليا بحزن وخدت الشنطة بتاعتي ودخلت بيها أوضة جدي، حطيتها على السرير وفتحتها وطلعت تيشرت وبنطلون وخدته ودخلت الحمام، وبعد ما خلصت ووقفت قدام التسريحه أدور على مشط أسرح بيه شعري، حسيت بحركة غريبة ورايا، ماكنش باين حاجة في المراية، بس لما لفيت وبصيت، لقيت هدومي كلها متنتوره على السرير!

استغربت لأني ماطلعتش الهدوم من الشنطة أصلا ومافيش حد معايا في الشقة عشان يعمل كده، لفيت حواليا وانا ساكت، ايه ده وازاي؟!.. حيرة وقلق وتوتر، في نهايتهم مالقتش تفسير للي بيحصل، بس فجأة باب الشقة خبط، كنت بفتحه وكلي ثقة ان عم حسن جايب الفطار وجاي.. بس الغريب بقى اني مالقتش حد قدام الباب، بصيت على باب عم حسن واستغربت، لكن مرة واحدة الباب بتاعه اتفتح ولقيته شايل صينية الفطار وجاي عندي، ابتسمت ابتسامة بهتانة وقولتله...

-عنك ياعم حسن.

دخلنا الشقة وفطرنا سوا وفضلنا ندردش لحد ما قالي...

-ماتقوم تعملنا كوبايتين شاي.

-حاضر من عينيا.

عملت الشاي ورجعت قعدت معاه، كان كل كلامي عن جدي وصحوبيتهم ووقتهم اللي كانوا بيقضوه سوا، لكنه مرة واحدة سكت وبعد كده قالي...

-ناوي تمشي امتي؟

-مش عارف؟

-مش عارف ازاي.. هو انت مش وراك شغل؟

-شغلي مش بمواعيد، ده بتارجيت بحققه.

- مش فاهم؟

-انا شغال مندوب مبيعات في شركة مكياج، بلف بعينات من منتجاتها على الناس اللي مهتمة بالموضة والجمال وكده.

-ودي شغلانة بتكسب؟

-لا طبعا، بس اهي أحسن من قعدة البيت.

-طب واللي يجبلك شغل أحسن منه؟

-ايدي على كتفك، هو أنا هكره يعني!

-ماشي، في مشروع أنا وجدك كنا بنحضرله والافتتاح كان قريب، بس تقول ايه بقى، أجل ربنا نفذ قبل ما نفتحه.

-وبعدين؟

-انت هتدخل معايا باللي كان جدك دافعه.

- بس أنا مش عارف ايه المشروع ده أصلا، مش يمكن يطلع حاجة ماعرفش اشتغل فيها؟

-ماهو لازم تجرب وتتعلم، واهو ملكك ومالك، وبعدين انا مش هعرف اديك فلوس جدك دلوقتي لاني حطيت كل اللي حيلتي في المشروع، يعني لما الدنيا تمشي ابقي خد فلوس جدك من نصيبي في ارباح المشروع.

-طيب فهمني.. المشروع ده عبارة عن ايه؟

-لا احنا هننزل وتشوف بعينك المكان، هو مش بعيد، ده على بُعد خطوتين من هنا.

وبعد ما خلصنا كلام نزلت معاه فعلا عشان أشوف المشروع اللي جدي وهو كانوا هيعملوه.. وقفنا قدام مخزن تقريبا، وأول ما فتح بابه اكتشفت انه محل، كان لسه متشطب ونضيف ومتقسم رفوف، بصيت لعم حسن وقولتله...

-مش فاهم برضه.. ايه اللي هيتعمل هنا؟

-تركيبات.

-تركيبات ايه؟

-عطور وتركيبات.

-ااااه، بس أنا حقيقي ماعرفش حاجة في الموضوع ده خالص.

- ولا أنا يا ابني، بس جدك هو اللي صمم وقال هنتعلم، احنا حطينا كل فلوسنا فيه، حتي شققنا مرهونة على المشروع ده، فلازم ينجح والا هترمي في الشارع.. هو اه انت مش هيهمك عشان ليك مكان تاني، لكن انا ماقداميش مكان غير شقتي.

-طب خلاص خلاص، احنا هنكمل المشروع ده وأمرنا لله، بس انتوا كلمتوا ناس واتفقتوا معاهم يجيوا يشتغلوا، ولا لسه هندور؟

-كل حاجة جاهزة، حتي اليافطة، لكن تعب جدك هو اللي أجل الافتتاح.

-طيب يومين تلاته كده ونفتح المشروع ان شاء الله.

-ان شاء الله.

وبعد ما اتفقنا في كلامنا، طلعنا وقفنا قدام المحل وبدأ يعرفني على المحلات اللي حوالينا، ووهو بيعرفني على المنطقة، شاورلي علي العمارة اللي فيها الشقة بتاعته وقالي...

-ممكن تتابع العمال من الشباك وتشوفهم.

رفعت راسي وبصيت على الشباك بتمعن، ماعرفش ليه قلبي كان مقبوض وحسيت ان في حد واقف ورا الستارة، طردت الفكرة من دماغي وركزت مع كلام عم حسن اللي عمل كام مكالمة واحنا واقفين، واتفق مع الناس علي ان المحل يتفتح على الساكت عشان جدي، ولما خلصنا كل واحد وطلع شقته، بعد شوية نزلت دورت على اقرب سوبر ماركت وجيبت منه شوية جبن وعيش وحطيتهم في التلاجة وقررت اسافر تاني يوم الصبح، وسبب سفري كان اني أدفع الايجار وأسلم الشقة اللي كنت قاعد فيها وأنقل حاجتي هنا.. والحقيقة اني في الليلة دي ماسمعتش صوت عم حسن خالص، انا دخلت نمت في أوضة جدي وكنت حاسس انه معايا، كل ما كنت بفتح عينيا كنت بسمع صوت واحد بيتكلم، بس جسمي كان بيبقي تقيل ومش قادر يتحرك، ومن بعد ليلة كلها قلق ونوم متقطع، صحيت الصبح وأنا حاسس اني مضايق من غير سبب، فلبست هدومي وخبطت على عم حسن وقولتله اني مسافر القاهرة.. وبمجرد ما قولتله كده،وشه اتخطف ووقف ساكت وبعدين قالي...

-ليه يا ابني.. هو احنا مش اتكلمنا امبارح؟

-لا أنا هروح أخلي الشقة وأجيب حاجتي المهمة وأنقلها هنا.

-طب خلاص، الله يوفقك، بس ما تتأخرش.

سلمت عليه ونزلت من البيت على الموقف، وأول ما وصلت القاهرة طلعت على الشركة اللي شغال فيها، قدمت استقالتي وخدت فلوسي اللي فاضلة ورجعت البيت، لميت حاجتي وحاجة أمي اللي فاضلة وخدت عربية مخصوص عشان أنقل الحاجة، وقبل ما امشي سلمت الشقة لصاحبها واداني قرشين، وبمجرد ما كل حاجة بقت تمام، وصلت البلد على الساعة 11 بالليل، طلعت الحاجة وركنتها قدام الباب، وبجد.. بجد اتمرمطت وطلع روحي، ومع آخر كرتونة كنت بطلعها، لقيت عم حسن بيفتح باب شقته وبيبصلي...

-مالك يا ابني.. خير؟

-مافيش.. كنت بجيب الحاجة وسلمت الشقة.

-هو أنا مش لسه مخبط عليك من ساعتين وقولتلي انك ماروحتش وانك هتنزل بكره!

-أنا؟ ايه يا عم حسن؟ أنا معدي عليك الصبح وقايلك اني مسافر القاهرة وأديني لسه واصل قدامك اهو ولسه مادخلتش الشقة حتى!

-والله ياابني انا من ساعتين سمعت خبط في الشقة، فخبطت عليك عشان أشوف مالك، ولما فتحتلي وسألتك عملت ايه وروحت القاهرة ولا لا.. قولتلي بكرة وقفلت الباب في وشي، ده انا حتى أنا استغربت من معاملتك معايا!

-مش أنا.. أنا والله العظيم لسه راجع.

بصينا لبعض بخوف، ومع نظراتنا، فجأة، سمعنا صوت غريب في الشقة وكأن حد بيعيط، حسيت ساعتها ان جسمي بيتنفض، ماكنتش قادر أقف على رجليا من الخوف، رجعت كذا خطوة لورا اول ما لمحت ضل بيتحرك جوه الشقة من ورا الازاز بتاع الباب، بلعت ريقي بصعوبة وشوفت عم حسن وهو واقف جنبي ورافع ايده وبيشاور على الباب...

-هو.. هو في حد من صحابك جوه ولا ده حرامي؟

-مش عاوز أصدمك.

-ايه يا ابني؟

-أنا قافل الشقة بالمفتاح قبل ما امشي .

- يعني ايه؟

-مش عارف، بس أنا مرعوب ومستحيل أبات في الشقة دي.

-طيب تعالى عندي لحد ما نشوف صرفة الصبح.

دخلت معاه شقته، كنت مرعوب وبتنفض وهو كان سرحان، قعدت على الكنبه و سرحت في الهدوم اللي طلعت من الشنطة والصوت اللي سمعته وحكيت لعم حسن عن كل اللي حصلي، ومع نهاية كلامي بص لي وقالي...

-بكره نشوف حد من اللي بيختموا يجي يقرا فيها.

-مش فاهم؟

-هنشوف حد يقرا فيها قرآن عشان لو فيها حاجة هتمشي.

-اه ماشي تمام، مافيش مشكلة.

بعد كده قعدنا شوية واحنا ساكتين، ومع سكوتنا اللي طال، استئذن ودخل عم حسن عشان ينام، اما انا، ففضلت قاعد في الصالة، كنت سامع صوت جدي وهو بيناديني من شقتي، ومع صوته كنت بسرح، لكني كنت كذا مرة بفوق وأنا واقف قدام الباب، وفي أخر مرة، ماحستش بنفسي الا وأنا بحط المفتاح في كالون الباب ، بس قبل ما ادوره، في ايد اتحطت على كتفي وسمعت صوت جاي من ورايا...

-رايح فين يا حازم؟

لفيت ورايا وفضلت مبرق ومش عارف أجمع كلمتين على بعض!

-ايه اللي مدخلك الشقة في الوقت ده، مش قولنا بكره هنشوف حد يقرا فيها؟

-انا.. انا كنت سامع صوت جدي بينادي عليا.

-جدك مات يا ابني.. فوق.

لما عم حسن قالي كده، مد ايده على كالون الباب وسحب المفتاح...

-ادخل قدامي يا ابني الله يباركلك.

دخلنا الشقة وطلب مني أبات معاه في الأوضة، ومع ذلك، فضلت طول الليل صاحي ومش عارف أنام، واستمر صحياني لحد ما على الساعة عشرة الصبح، قام عم حسن حضر الفطار ونده عليا عشان آكل، حاولت أتصرف بطبيعتي بس ماقدرتش، كنت خايف، ومع خوفي بصلي وحط وشه في الطبق وقالي...

-هبعت حد يجيبلنا شيخ يشوف الشقة، ماتقلقش ولا تخاف، ماتحطش في بالك ويلا كُل .

حاولت آكل على قد نفسي، وبعد ما خلصنا، مسك تليفونه واتصل على واحد اسمه سيد وقاله...

-ازيك يا واد يا سيد، كنت عاوزك تجيبلي شيخ يعملنا ختمة في شقة الحاج اسماعيل، اه ختمة على روحه يعني وكده، بس عايز حد كويس ومتدين، ماشي خلاص، شوفه ولو كده هاته.. ممم اه ماشي، خلاص عرفته هاته، ماشي خلاص، سلام.

قفل التليفون وبصلي...

-سيد ده صبي القهوة اللي في آخر الشارع، إنما ايه، واد جن، جاب الخلاصة، قالي انه هيجيلنا الشيخ محمود، والراجل ده كان قريب من جدك ومعروف عنه انه طيب وفي حاله.

-ماشي، أهم حاجة نعرف ايه اللي في الشقة.

-ان شاء الله خير.

بعد ما خلص كلامه ووقت ما كنا قاعدين، كنا كل شوية نسمع صوت خبط على الحيطة المشتركة اللي بين الشقتين ونبص لبعض ونسكت، ماحدش فينا كان قادر يكدب التاني لحد ما سمعنا جرس الباب وهو بيرن، ولما حسن كان قايم عشان يفتح، شاورتله يفضل مكانه وقومت فتحت أنا، كان اللي عالباب ولد بتاع 17 سنة ومعاه شيخ، خدت نفسي بأريحية وابتسمت بهدوء...

-أنت الشيخ محمود.. صح؟

-أيوه يا ابني.. وأنت مين؟

-انا حازم، حفيد الحاج اسماعيل الله يرحمه.

-الله يرحمه، ياما كان بيتكلم عنك، اومال حسن فين؟

-مستني حضرتك جوه اتفضل.

سيد استأذن وقالي...

-ماعلش يا أستاذ، اخلع انا بقى عشان القهوة لوحدها.

هزيت راسي ودخلت الشيخ محمود وقفلت الباب، وبعد دخوله، عم حسن رحب بيه وقعدوا واتكلموا وعملنا شاي وشربناه، ولما سألنا انتوا ليه مش قاعدين في شقة اسماعيل، بصيت أنا وعم حسن لبعض وماكناش عارفين نبدأ منين، احنا فضلنا ساكتين شوية وبعدين حكيتله كل اللي حصل من يوم ما جيت، ولما سكتت، عم حسن كمل باللي شافه، لكن ساعتها الشيخ محمود بصلنا وقال...

-هو الحاج اسماعيل كان عليه دين قبل ما يموت؟

رد عليه عم حسن...

-لا خالص، اسماعيل كل أسراره كانت معايا، ولو في حاجة زي دي كان عرفني.

-طب عموما أنا محتاج أشوف الشقة وبعد كده نبقى نقعد نتكلم في اللي فيها.

وبعد ما قال كده بصلي وقالي...

-ماتخافش، شكلك بيقول انك مهزوز.

-اه.. اصل أنا بصراحة كده بخاف من ضلي.

-لا لا، خليك جدع زي جدك، ده ماكنش بيخاف من حاجة غير ربنا، ودلوقتي يلا، حد يفتحلي الشقة.

قومت أنا وعم حسن معاه وخد مني المفتاح وفتح الباب...

-بسم الله الحافظ المنان، السلام على أهل الدار.

ودخل برجله اليمين وفضل يقول قرآن طول ما هو ماشي فيها، لف الشقة كلها واحنا واقفين جنب الباب، ولما خلص، قعد على الكنبة وقالنا...

-اقفلوا الباب وتعالوا، انتوا خايفين كده ليه؟.. مافيش حاجة في البيت، اللي هنا كله خير.

بصيت لعم حسن وبلعت ريقي وهو بيقفل الباب وبيسحبني من ايدي...

-تعالى اقعد، مدام الشيخ محمود قال أمان، يبقى مافيش حاجة.

-طب واللي احنا شوفناه؟.. هنكدب عينينا يعني؟!

- اقعد يا ابني وهفهمك.

قعدت وبصيتله، كنت مستنيه يتكلم، لكنه سكت شوية وبعدين ابتسم وقال...

-المكان اللي مابيتذكرش اسم الله فيه، بيجذبهم، وجدك بقاله فترة تعبان ومش في البيت، عشان كده هم كانوا هنا.

-هم مين؟

-مش هيفيدك تعرف هم مين؟.. البيت دلوقتي نضيف ومافيهوش أي حاجة تضرك، وعشان تكون مطمن، شغل الكاسيت اللي هناك ده على اذاعة القرآن الكريم، ايوه شغله كده وخلي ذكر الله يحفظك.

-يعني حضرتك متأكد اني مش هشوف ولا هسمع حاجة؟

-أنا لفيت البيت كله ومافيهوش حاجة يا ابني .

- ماشي يا شيخ.. ربنا يجازيك كل خير.

-ماشي، ودلوقتي بقى روحوا اتوضوا وتعالوا نقرأ سورة يس.

قومت أنا وعم حسن اتوضينا وقرينا مع الشيخ محمود سورة يس، ولما خلصنا، قعد يدعي لجدي واحنا نأمن وراه، وبعدها استأذن ومشى، بصراحة كنت خايف اقعد لوحدي؛ وعشان كده اتحججت وطلبت من عم حسن يقعد معايا لحد ما أطمن للشقة وهو اقتنع، لكن الجميل بقى اني حسيت بجو الشقة بقى أهدي وطاقتها اتغيرت، ولما عدى يوم والتاني والشقة ماحصلش فيها حاجة غريبة، عم حسن رجع شقته.

في البداية كنت خايف، بس مع صوت القرآن اللي كان طالع من الراديو، قلبي كان مطمن شوية ومرتاح، وبسبب راحتي، كنت بدخل أنام وانا سايب باب الاوضة مفتوح؛ عشان صوت القرآن يبقى واصلني، بس في الليلة وبمجرد ما صحيت، لقيت الاوضة من حواليا ضلمة، مسكت الموبايل وقومت من على السرير، ويادوب وصلت عند كوبس الكهربا، وقبل ما ادوس عليه، سمعت صوت عياط جاي من الصالة، كنت حاسس ان قلبي هيقف من الخوف، بلعت ريقي بصعوبة، أصلي كنت سايب نور الأوضة شغال، مش عارف هو انطفي امتى؟ ومين اللي بيعيط بره ده ودخل ازاي؟! كنت واقف ورا الباب خايف وبترعش، ومع خوفي صوت العياط بيزيد!

بلعت ريقي بصعوبة وشجعت نفسي ومسكت الأكورة، لفيتها وواربت الباب وبصيت بره، الصالة كانت ضلمة، وعشان كده قررت أتسحب لحد ما أوصل لباب الشقة وأفتحه بهدوء وأهرب، خرجت من الأوضة فعلا على طراطيف صوابعي، كنت خايف أتنفس بصوت عالي لا اللي موجود يسمعني، لكن فجأة جسمي اتنفض اول ما سمعت صوت العياط!

-أنا اللي عملت في أخويا كده، أنا السبب، أنا.. أنا مش عارف أساممح نفسي...

وبمجرد ما الصوت قال كده، رجع يعيط تاني، لفيت ضهري لباب الشقة وبصراحة وقتها مش عارف ليه احساس الخوف اللي كان جوايا اتبخر، دورت كتير على الصوت بس ماوصلتش لمصدره، ولما يأست والخوف بدأ يتسللي من تاني، روحت خبطت على عم حسن اللي كان قايم وشكله مخضوض!

-مالك يا ابني.. في ايه؟

-بص.. أنا مش هتكلم، تعالي معايا.

خد المفتاح وقفل باب شقته ودخل معايا الشقة، ومع دخوله وقف جنبي في الصالة وقالي...

-مطفي النور كده ليه؟ ولعه بدل ما حد يتكعبل ويقع.

مسكت ايده وهي على الكوبس وقولتله...

-لا سيبه مطفي وركز مع الصوت.

-صوت ايه يا ابني بس؟.. مافيش حاجة.

شديته تاني لحد ما وقف في نص الصالة وسكتت، بلع ريقه وبصلي وقالي...

-هو.. هو ده صوت مين؟

-مش عارف، بس انا دورت في الشقة ومالقتش حد، ولما ولعت النور، الصوت اختفى وبقى فيه وش كتير.

-أومال مين اللي بيعيط ده.

-ده مش عياط وبس.

-أومال ايه كمان؟

-انا سمعته بيقول... أنا اللي عملت في أخويا كده، أنا السبب، أنا مش عارف أسامح نفسي...

-غريبة، جدك طول عمره قاعد في الشقة وما اشتكاش من حاجة فيها، ايه اللي اتغير عشان يجرا كل ده؟!

-يمكن ماكنش بيصحى متأخر كده!

-لا يا حازم، الشقة ماكنش فيها حاجة خالص يا ابني .

- طب عندك تفسير للي بيحصل؟

- لا برضه، بس أنت ليه موطي صوت القرآن كده ليه، ما تعلي الصوت شوية.

-انا ماوطيتش حاجة، دهانا دايمًا بشغله قبل ما أنام، ولما بصحى، بلاقيه واطي بالشكل ده.. عم حسن، انا زهقت ومابقتش عارف جدي جايب المسجل الأنتيكة ده منين؟

-المسجل ده!.. اللي شغال عليه الراديو!.. ده حكايته حكاية، اصله كان واخده تخليص حق من واحد كان عليه دين، وعياله ادوله المسجل لما أبوهم مات بدل الفلوس اللي عليه.

-ياااااه.

-استني اما اعلي القرآن شوية يمكن صوا العياط ده يختفي.

قرب عم حسن من المسجل وحط ايده بالغلط على زرار قفل منه القرآن، ومع اللي عمله ده، صوت العياط بقى واضح، رجعت كام خطوة لورا وعم حسن دور وشه وقالي...

-شغل النور وتعالى كده.

ولعت نور الصالة وروحت وقفت جنبه وأنا جسمي كله بيتنفض، وفي اللحظة دي، شاورلي على المسجل وقالي...

-الصوت ططالع من جوه.. سامع؟

-أيوه فعلا ،بس ازاي؟

-يمكن في شريط ولا حاجة!

حاولت أفتح باب المسجل بس ماكنش بيتفتح، ف شيلت المسجل ورفعته لفوق وقولت لعم حسن...

-فيه شريط كاسيت بيلف جوة.

- يبقي الصوت ده متسجل عليه.

-وايه اللي بيشغله؟

-حط المسجل في الفيشة وتعالى نسمع الشريط ده فيه ايه، يكن نعرف سر اللي بيحصل.

حطيت المسجل على الترابيزة ووصلته بالكهربا، شغلنا الشريط اللي في الكاسيت وبدأنا نسمع، كان حد بيعيط كتير وفجأة قال نفس الجملة اللي سمعتها قبل كده، وقتها بصيت لعم حسن وقولتله...

-أنا مش فاهم حاجة؟

-خلينا بس نكمل للآخر يمكن نفهم اللي بيحصل ده ليه؟

- ماشي.

شغلت الشريط تاني والعياط استمر شوية، لكن بعد كام دقيقة سمعناه بيقول...

-سامحني يا محسن يا أخويا، والله ما كنت عايز الأمور بينا توصل لكده، انا كنت جايلك بعدما أقفل الدكانة عشان سمعت النهاردة ناس في السوق بتقول انك تعبان، ولما سمعت كلامهم، قلبي اتخلع، وحزنت اكتر لما لقيتهم بيقولوا انك مابقتش داري بحاجة حواليك وان كل حاجة بتروح منك، حقك عليا يا اخويا، والله ما كنت أعرف ان ده كله هيحصلك، تنقطع ايدي قبل ما أذيك، هي قالت ان لما أرشلك العمل وتخطيه، مش هتبقى طايق القعدة في البلد وهتاخد عيالك وتهمل كل حاجة، انا.. انا كنت عاوز أحافظ على فلوس أبونا، مش طمع والله، يمكن قلة حيلة مني وخوف انك تبيع الارض وتضيع كل حاجة، بس بغبائي ضيعتك بايدي يا أخويا، لكن.. لكن سامحني، أوعدك اني لو طلعت من الدكانة على خير، هطلع على بيتك وأحكيلك اللي عملته وهندور على حد يفك العمل، وصدقني، انا مش عاوز حاجة من الدنيا غير انك تكون بخير يا أخويا، السيل شكله جامد أوي يا محسن، وبسببه، ماعرفتش أطلع من الدكانة ومش عارف هطلع ولا لا، وعشان كده أنا قررت أعترف على الشريط ده باللي عملته فيك، ولو ربنا افتكرني، أكيد حد هيسمع الشريط ده سواء من صلبي أو لا بشيل، بس أمانة للي يسمعه، أمانه يسمعهولك، سامحني يا محسن.. سامحني يا أخويا.

والتسجيل وقف!.. بصيت لعم حسن وعيني مليانة بالدموع، كنت باخد نفسي بالعافية ولفيت رقبتي وفضلت باصص للمسجل...

-بتآمن بالصدف يا حازم؟

-آه يا عم حسن.

-طب وانا هتعمل ايه بالتسجيل ده؟

-لو أعرف الراجل ده هروحله، يمكن اللي بيحصل في الشقة ده يخلص.

-صاحب المسجل ده اسمه ابراهيم عبد القوي، اللي حكيتلك قصته مع جدك، مات من كام شهر، الدكانة بتاعته كانت على قدها، ولما السيول شدت، الدكانة بتاعته اللي كان بيسترزق منها اتهدت فوقه ومات، عياله ماكنش معاهم يدفعوا لجدك اللي على أبوهم، رغم ان جدك قالهم انه سامح؛ بس مراته صممت انه ياخد حاجة قصاد الدين، ساعتها ادوله المسجل بتاعه، وهو خده وركنه، مافتكرش انه شغله خالص الا قبل ما يتعب بيومين تقريبا أو يوم.

-طب وتفتكر جدي شاف حاجة وتعب بسببها؟

- مش عارف يا ابني والله، بس اللي يأكد كلام ابراهيم اللي على الشريط ده؛ ان أخوه محسن تعبان هو وعياله الجوز، ما هو اصل محسن ده كان يمشي على الأرض وماحدش يستجرا يبصله، إنما فجأة حاله اتبدل والدنيا جت عليه جامد.

- طب دلوقتي أنت شايف ايه؟

- احنا ناخد المسجل ده ونروح للشيخ محمود وهو هيدلنا نتصرف ازاي.

- ماشي، مافيش مشكلة.

الفجر أذن واحنا قاعدين، فقومنا اتوضينا وصلينا وفضلنا قاعدين، ومع دقة الساعة ٨ الصبح، بص لي عم حسن وقالي...

-ادخل البس يا ابني وأنا هروح ألبس عشان ننزل للشيخ، اكيد زمانه صحى.

- ماشي تمام.

خرج وراح شقته، في اللحظة دي بصيت للمسجل اللي على الترابيزة وخدت نفس عميق ودخلت أوضة جدي عشان أغير هدومي، ولما خلصت، طلعت خدت المسجل وروحت خبطت على عم حسن اللي فتح الباب وقالي...

-يلا بينا يا ابني، انا كلمته وهو مستنينا دلوقتي في البيت.

نزلنا الشارع وفضلنا ساكتين لحد ما وصلنا لبيت الشيخ محمود، وقف عم حسن قدام الباب وخبط كذا مرة، ومع فتحة الباب الشيخ رحب بينا ودخلنا أوضة جنب الباب على طول، كان المكان بسيط أوي وفاضي وكان فيه ركن كده فيه مصاحف وكتب واضح انها دينية، وكان فيه حصيرة كبيرة على الأرض.

قعد وقعدنا  معاه على الأرض وقالنا...

-احكولي اللي حصل .

وقتها عم حسن اللي بدأ وقاله...

-أنا كنت نايم عادي بالليل لحد ما لقيته جاي يخبط عليا، قلق منامي الله يسامحه.

- بص يا شيخ هو اللي حصل اني...

وحكتله كل اللي حصل، ولما خلصت، كان شكله متأثر وغمض عينيه وخد نفسه وقالي...

-ربنا استرد وديعته قبل ما يخلص نفسه ويفك اللي عمله لأخوه، يا رب سترك ورضاك يا رب.

-والعمل ايه يا شيخ محمود؟

-مافيش بايدنا حاجة غير اننا نروح لمحسن ونسمعه التسجيل ده ونحاول نفك اللي اتعمله.

ساعتها عم حسن نطق وقاله...

-هو المرشوش بيتفك يا شيخ محمود؟

-كله باذن الله بيتفك، بس احنا نقول يا رب.

-يا رب يا شيخ محمود.

-يارب.. كله بأمر الله، ودلوقتي يلا بينا نروح بيت محسن، هات يا ابني المسجل ده معاك.

-حاضر يا شيخ.

وطلعنا من بيت الشيخ محمود على بيت محسن، لقينا واحدة قاعدة على باب البيت، الشيخ وقف قدامها؛ فقامت وقفت قدامه وقالتله...

-خير يا شيخ.. في ايه؟

-فين جوزك وعيالك ؟

-جوه.. قاعدين مش داريانين بالدنيا ولا باللي حواليهم.

-طب ادخل يا بتي قوليلهم اني عاوز أشوفهم..

وفعلا دخلت، وبعد شوية طلعت وهزت راسها وفتحت الباب على آخره، الشيخ دخل ودخلنا وراه، حطيت المسجل على الترابيزة الصغيرة اللي كانت في نص الصالة وقعدنا، وبعدها، باب واحدة من الأوض اتفتح وطلع منها راجل في أواخر الخمسينات بس كان شكله مبهدل وهدومه مقطعة، قعد على الأرض، بصاته لينا كانت غريبة.. ومع قعاده واستمرار نظراته، مراته جت وقالتلنا...

-تشربوا ايه؟

-مش هنشرب يا بتي، نادي على عيالك هم كمان وتعالي عشان تحضري اللي هيتقال.

الست مشيت، وفجأة باب البيت خبط، ولما الست فتحت، لقت عيال ابراهيم الاتنين، اه، ماهو الشيخ محمود كان باعت حد من عياله عشان يطلب منهم انهم يتقابلوا في بيت عمهم محسن.. ومن بعد دخولهم، الكل اتجمع في الصالة، عيال ابراهيم ومحسن وعياله ومراته، وأنا وعم حسن والشيخ محمود.. وقتها الشيخ شاورلي فاستأذنت من مرات محسن توصل المسجل بالكهربا والشيخ بصلهم وقالهم...

-اسمعوا كويس وركزوا، شغل يا ابني.

دوست على الزرار وصوت العياط بدأ، محسن اتنفض، تقريبا كان قلبه حاسس ان ده صوت أخوه رغم انه مش في وعيه، كلهم  بان على وشوشهم انهم مصدومين، محسن عيط وبقى بيشهق بصوت عالي، اما الشيخ، ف قعد جنبه وحط ايده على دماغه وقرآله قرآن، طب وعيال اخوه!.. عيال ابراهيم انا كنت متأكد ان كان نفسهم الأرض تتشق وتبلعهم، اه، ما هم كانوا بيبصوا حواليهم بكسوف واحراج لحد ما مرات محسن قالت...

-انتوا مالكوش ذنب في كل اللي حصل، حتي أبوكم خد جزاته، أما الورث اللي كانوا بيتخانقوا على اللي هيتمتع بيه، بقى ملعون، ماحدش عارف ياخد منه قرش، وكل ده ليه، عشان عمكموامش فاكر مكان ورق الأرض محطوط فين.

فجأة أغمى على عم محسن، الكل ارتبك ونقلناه الأوضة بتاعته وقعدنا حواليه، ولما الدنيا هديت للحظات، الشيخ محمود طلب مننا نطلع بره وفضل قاعد معاه بيقرآله قرآن، وبعد شويه كرر نفس اللي عمله مع عياله التوأم وبعد كده قال لأمهم...

-هي العيال دي كانت بتطلع مع أبوها الصبح من البيت؟

-اه.. قبل ما يتوهوا كده كانوا دايما بيطلعوا معاه.

-وكانوا بيروحوا معاه الدكان؟

-لا، كان بياخدهم يلعبوا في الحته الواسعة اللي قدام البيت.

-يبقي العمل اللي ابراهيم رشه كان قدام البيت، ومحسن والعيال خطوه سوا.

- ربنا يسامحه على اللي عمله فينا.

- الله يرحمه.

بعدها بصلي وشاور عليا وقال...

-ده حفيد الحاج اسماعيل، أكيد تسمعي عنه، هو اللي اكتشف الشريط اللي في المسجل.

- طب كده الدنيا تمام ولا ايه ياشيخ؟!

-هيبقوا كويسين مع الوقت يا ابني، دي مش حاجة بتروح بين يوم وليلة.

-طيب، استئذن انا، ربنا يتم شفاهم على خير.

استأذنت أنا وعم حسن عشان نمشي، لكن الشيخ نده عليا وأنا على باب البيت وقالي...

-خد يا ابني المسجل معاك، خلاص، ان شاء الله مش هتسمع ولا هتشوف حاجة تاني.

قربت من المسجل وشيلته ورجعنا البيت، حطيته في مكانه زي ما كان جدي حاطه بالظبط على البنسوار، بعدها نزلت مع عم حسن عشان نشوف دكان التركيبات اللي اتفتح ده ماشي ازاي وبيبيع ولا لا، وفي اليوم ده، فضلنا قاعدين شوية مع الناس اللي شغالة هناك، وعلى بالليل، او بالتحديد على الساعة عشرة ونص، جيبت عشا وطلعت الشقة، اما عم حسن، ف كان رايح يحضر قعدة بين اتنين متخاصمين، لكن قبلها قالي...

-حضرلنا العشا زي ما علمتك على ما أخلص اللي ورايا وأرجع.

دخلت الشقة وشغلت المسجل على الراديو وروحت طسيت وشي بشوية ماية وغيرت هدومي، وقفت في المطبخ عشان أحضر العشا، إنما.. إنما وقتها سمعت صوت جاي من الصالة، بلعت ريقي بخوف ومشيت ورا الصوت وساعتها شوفت.. شوفت جدي وهو واقف قدام المسجل وبيحاول يطفيه!.. لا والغريب انه كل ما كان بيطفيه، كنت بشغله ويرجع يطفيه، حاولت أقنع نفسي ان دي تهيؤات لحد ما الفيشة اتشالت من الكهربا لوحدها وسمعت حد صرخ في ودني بكل قوة....

******

دي كانت أغرب قصة سمعتها من حالة عندي، انا بقالي 9 سنين شغالة دكتورة نفسية في مستشفي كبيرة وعندي عيادتي الخاصة، بس القصص دى معلمة جوايا ةماقدرتش أتخطاها، اصل الحالة دي جت المستشفى عندنا بناء على شكاوي من الجيران، الجيران اللي قالوا ان حازم بعد موت جده، بقى شخص عدواني وبقى عصبي، ده حتى كان في مرة هيموت جاره اللي اسمه عم حسن.. طب وانا بحكيلكم القصة دي ليه، الحقيقة ان أنا بحكيلكم القصة دي النهاردة في البث، عشان بالصدفة شوفت حازم وأنا بمر على الحالات الجديدة، وللعلم؛ كل اختبارتنا أثبتت انه سوي ومش بيعاني من أي اضطراب نفسي، بس احنا مجبرين نحجزة في المستشفى عشان ميأذيش نفسه وعشان اللي بره كمان ما يأذيهوش... اشوفكم في لايف جديد...

     تمت بحمد الله 

بقلم الكاتبة: ليزا زغلول


التنقل السريع