القائمة الرئيسية

الصفحات

لآخر نفس قصص رعب



 بقلم الكاتب: شادي إسماعيل.


الحياة هتفضل تهد فيك.. هتتوجع.. هتتألم، هتشوف أقرب الناس بيخونوك.. هتشوف الدنيا بتفضى من حواليك وكل اللي حبتهم بيروحوا واحد ورا التاني.. بس في وسط العتمة هتلاقي ايد بتمد لك.. بتحاول تساعدك تبدأ من جديد.. وفي وسط الضياع هتلاقي روحك التايهة منك.. ساعتها بس اقدر اقولك قوم.. ابدأ.. قاوم.. قاوم لأخر نفس..

******

صوت وحيد وهو طفل...

- حاااسب.. حاااااسب.

(صوت فرامل).

(صوت تحطم سيارة).

******

صوت وحيد وهو كبير...

- هي دي الحياة مافيش حاجة فيها مضمونة.

******

(صوت في الخلفية لأحدهم).

- إسعاف.. حد يتصل بالإسعاف.

******

(صوت وحيد وهو كبير)

- مع النفس الأخير قبل الموت.

******

(صوت سرينة إسعاف- وأحدهم يتكلم)

- بسرعة على المستشفى.

******

(صوت وحيد).

- ساعتها هتغمض عينيك وتشوف كل اللي حصل...

******

(أبو وحيد): ادي اخرة دلعك فيه يا هانم.. لو كنتِ فضيتي لتربيته ماكنش طلع مستهتر وعمل كده.

(لبنى): وهو عمل ايه يعني؟.. تقدر تقولي عمل ايه؟.. كسر الفازة!... ما في داهية.. وبعدين ما كل اللي في سنه كده.

(أبو وحيد): طبعًا في داهية، ما انتِي مش دافعة حاجة من جيبك.. ثم إن البيه اتعود يبوظ وانتِي تدافعي عنه.. وفي الأخر انا اللي بشتري بدل اللي بيبوظ.

(لبنى): انت مش هتتغير أبدًا.

(أبو وحيد): انتِي اللي مش هتتغيري وهتفضلي مستهترة طول عمرك انتِي وابنك.

(لبنى): لا لا انت مش طبيعي.. لا يمكن تكون طبيعي.

يومها قربت أمي مني، مسحت دموعي ومسكتني من ايدي وقالتلي...

- ماتعيطش يا حبيبي.

- والله يا ماما انا ماكنتش اقصد اكسرها.

- انا عارفة يا حبيبي.. ولا يهمك.. فداك الف فازة.

خبط ابويا كف على كف وبعدين سابنا ومشي وهو بيقول بصوت عالي...

- انتوا مافيش فايدة فيكوا أبدًا.

اه.. الحياة مع أب زي أبويا كانت جحيم.. جحيم مالوش نهاية، راجل ظالم ومفتري.. من يوم ما وعيت على الدنيا وهو بيعاملني كإني مش ابنه!.. كل ما يبص في وشي يزعقلي.. وإن طلبت منه أي حاجة بيرفض، ده غير بقى خناقاته المستمرة مع أمي وإحراجه ليها بين الناس.. لدرجة إن في مرة كانت أمي قاعدة مع طنط حنان وانا كنت بلعب جنبهم، وقتها أمي قالتلها...

- بس عارفة.. متهيئلي انك لو اختارتي اللون ده هيكون أحلى.

(حنان): الله عليكِي يا لولو.. عرفتي بقى انا ليه بلجألك في الحاجات اللي زي دي.. انتِي الوحيدة في صاحباتي اللي بتفهمي.

(لبنى): تسلمي يا حنان.. وحيد.. بتعمل ايه يا حبيبي؟

(وحيد): بلعب يا ماما.

(لبنى): طب خلي بالك ياحبيبي وانزل.. انزل بلاش شقاوة.

(وحيد): حاضر يا ماما.

(حنان): ماتسيبيه يا لبنى.. مش هيحصله حاجة.

(لبنى): بخاف عليه أوي يا حنان لأن هو اللي باقيلي في الدنيا دي.

(حنان): ماتخافيش يا حبيبتي.. سيبيه يلعب ويتشاقى ويعيش سنه.. خوفك الزيادة عليه ممكن يطلعه شخص إنطوائي وقليل الحيلة.

(لبنى): مش عارفة.. بس....

قطع ابويا كلامها وهو بيزعق...

- انتِي ليه يا هانم غيرتي مكان الحاجات بتاعتي.

- حاجات ايه؟

- بقالي ساعة بدور على الكرفاتة السودة ومش لاقيها.

- ماهي موجودة في مكانها.

- لا مش موجودة.. اتفضلي قومي هاتيها.

قامت أمي عشان تجيبله الكرفاتة، أما هو، فوقف قدام طنط حنان اللي بصتله بخوف وقالتله...

- أزيك يا استاذ صاوي؟

بصلها شوية وبعدين سابها ومشي، بعدها بصتلي طنط حنان وشافت الخوف في عينيا.. قامت ومشيت ناحيتي، وأول ما وصلتلي حطت ايدها على كتفي وابتسمت وهي بتقولي...

- ماتخافش.

- انا مش عارف ليه بابا بيعمل كده مع ماما؟

- دي حاجات عادية، بتحصل بين أي اتنين متجوزين.. لكن بابا وماما بيحبوا بعض.. وبكرة لما تكبر وتتجوز هتعرف.

- يعني هم كده بيحبوا بعض؟.. اومال ليه ماما بتعيط كل يوم؟

بصتلي وسكتت.. ماقدرتش تجاوب على سؤالي.. بس بعد ثواني قالتلي وهي بتحاول تغير الموضوع...

- انت كنت بتلعب ايه بقى؟

بصيت على الورق اللي قدامي على السفرة وسكِتت، بصت هي كمان عليه وبعدها قعدت على الكرسي وهي بتشدني من ايدي وبتقولي...

- انت عارف إني بحب العب بنك الحظ وشاطرة فيه كمان.. تعالى يلا عشان اغلبك.

ابتسمت في وشها ابتسامة باهتة وقعدت على الكرسي.. وفي اللحظة دي بدأت ترص الورق في مكانه وانا بصيت في الفراغ وسرحت.

لكن الخلافات كانت بتزيد بينهم كل يوم عن اللي قبله، مشاكل كبيرة على حاجات تافهة، ودايمًا أبويا هو السبب، بقى عصبي أكتر من الأول، انفعالي بشكل مبالغ فيه، كنت بخاف منه لدرجة إنه لما كان يدخل البيت، كنت بجري على أوضتي وأفضل حابس نفسي فيها عشان مايزعقليش أو يضربني.. اما أمي فكانت مستحملة وبتقول عادي، مش مهم، كانت مستحملة عشان خاطري.. وده شئ كان محسسني بالذنب، والغريب اني كنت كل ما أبص في عينيها أحس إن انا السبب في معاناتها مع الراجل ده، وبسبب احساسي ده، كتير سألتها...

- ماما.. إنتِي ليه مابتسيبيش بابا؟

- اسيبه وأروح انا وانت فين؟.. انت عارف إن انا ماليش حد خالص.

- نروح في أي حتة، وانا هشتغل واصرف على البيت.

بصتلي ساعتها وابتسمت قبل ما تاخدني في حضنها، بعد كده اتنهدت تنهيدة طويلة وبعدين قالتلي...

- عارف يا وحيد.. انت الحاجة الوحيدة الحلوة في دنيتي دي.. انا مش عارفة لو انت مش موجود انا كنت عملت ايه؟!.. يمكن كان زماني خلِصت من أبوك ومن حياتي كلها.. انا مش عارفة ايه اللي خلاه بالشكل ده؟!.. أبوك ماكنش كده، كان إنسان رقيق، هادي، رومانسي.. دايمًا بيضحك، بيجيبلي ورد بمناسبة ومن غير مناسب، بس فجأة.. فجأة بقى عصبي وطول النهار والليل بيزعق، انا مابقتش عارفة اعمل معاه ايه؟.. وفي نفس الوقت مش قادرة اتكلم.

حسيت بدموعها وساعتها رفعت راسي وبصيتلها.. كانت بتعيط وبتحاول تكتم عياطها عشان ماحسش بيها.. حضنتها أكتر وغمضت عيني وعملت نفسي نايم.. بس في عقلي.. في عقلي كنت بلعن الراجل اللي خلاها تنام مقهورة بالشكل ده، كان نفسي انتقم منه بس مش عارف إزاي؟.. واهي مرت الأيام لحد ما اتفاجئنا باخر مصايبه.

******

(صوت عربية الإسعاف بتتفتح).

(دكتور): ايه اللي حصل؟

(أحدهم): حادثة عربية.

(دكتور): هاتوه بسرعة على الإستقبال.

(صوت الترولي بيتحرك على الأرض).

(دكتور): مافيش نبض خالص.. dc shok بسرعة.

(الممرضة): حاضر يا دكتور.

(دكتور): clear.

(صوت صدمة كهربائية.. وجسد بيرتطم بالترولي).

(دكتور): clear.

(صوت صدمة كهربائية.. وجسد بيرتطم بالترولي).

(الممرضة): خلاص يا دكتور.

(دكتور): اسكتِي انتِي.. clear.

(صوت صدمة كهربائية.. وجسد بيرتطم بالترولي).

(الممرضة): مات يا دكتور.

(صوت صدمة كهربائية.. وجسد بيرتطم بالترولي).

(الممرضة): النبض رجع يا دكتور.

(دكتور): انقلوه العمليات بسرعة.

(الممرضة): حاضر.

******

(صوت وحيد)

الموت!.. الموت هو الكلمة اللي كلنا بنخاف منها.. بنعيش عمرنا كله خايفين من الموت مع إننا بنجربه كتير في حياتنا.. ناس كتير عايشة اسمًا بس.. لكنهم في الحقيقة موتى من زمان.. أرواح من غير جسم.. وأمي كانت واحدة من الموتى.. روح فاضية.. هايمة في السما.

******

(صوت جهاز العلامات الحيوية).

(الممرضة): مافيش فايدة يا دكتور.. حتى لو عاش هتبقى مشكلة كبيرة.

(دكتور): ننقذه الأول وبعدين نشوف المشكلة اللي بتقول عليها.

(الممرضة): ايوة يا دكتور بس العملية دي محتاجة إذن الـ...

(دكتور): انا عارف انا بعمل ايه.. وياريت نهدا شوية.

(صوت جهاز العلامات الحيوية).

******

(صوت وحيد)

دقات قلبي كانت سريعة جدًا.. كنت حاسس إني طاير من السعادة، النهاردة وبعد سنين، قبضت أول فلوس من شغلي، كان عندي 16 سنة وقتها وكنت بشتغل في محل من محلات الملابس.. خدت الفلوس وطيرت بها على البيت عشان افرح أمي واقولها إني خلاص بقيت راجل تقدر تعتمد عليه.. وأول ما وصلت الشقة فتحت الباب ودخلت جري...

- ماما.. يا أمي.. ياست الكل.. هي راحت فين؟

دخلت أوضتها مالقتهاش، دورت في المطبخ، وفي الحمام، في كل حتة، بس ماكنتش موجودة في الشقة كلها.. قعدت على الكنبة في الصالة وانا بسأل نفسي.. ياترى انتِي فين يا أمي؟.. غابت كتير، الساعة بقت 10 بالليل وهي لسه ماجاتش، قومت عشان أدور عليها، بس وانا بفتح الباب لقيتها قدامي، اتخضت واتسمرت في مكانها...

- أمي.. كنتِي فين؟

- وحيد!.. تعالى.. تعالى ندخل جوة عشان انا خلاص مش قادرة.

مسكت ايدها ودخلنا جوة، وأول ما قعدنا على الكنبة اللي في الصالة سألتها...

- كنتِي فين يا ماما؟

بصتلي شوية وبعدين قالتلي...

- كنت في مشوار كده عند واحدة صاحبتي.. إنما انت ايه اللي جابك بدري؟

- النهاردة كان يوم القبض.. وبصراحة ماقدرتش استنى لحد ما ارجع.. انا أول ما قبضت استأذنت من صاحب المحل وجيت عشان افرحك.. خلاص يا أمي انا بقيت بقبض فلوس بجد واقدر اصرف على البيت وعليكوا.. وخلاص، من هنا ورايح مش هتشتغلي تاني.

بصتلي لثواني وفجأة لقيت عينيها دمعت...

- الله.. انتِ بتعيطي ليه دلوقتي؟

حطت ايدها على وشي وفضلت تبصلي وهي ساكتة، بعدها عيطت أكتر وحضنتني.. الحضن كان مليان مشاعر كتير، دموع ووجع.. وجع السنين اللي فاتت والسنين اللي اتبهدلت أمي فيها.. ودموع فرح.. فرحها بعوض ربنا اللي عوضها عن تعبها معايا، وفرحتي بإني قدرت اشتغل وأخيرًا هريحها عن التعب اللي شافته.. كان حضن طويل ودافي.

******

(الممرضة): مبروك يا دكتور.

(دكتور): ااه.. الحمدلله.. ربنا كتبله عمر جديد.. انقلوه على العناية وعايز تقرير عن الحالة كل نص ساعة.

(الممرضة): حاضر يا دكتور.

******

(أم وحيد): الف مبروك يا حبيبي.. الف الف مبروك.

(وحيد): الله يبارك فيكِي يا أمي.

(أم وحيد): يااااه يا وحيد، أخيرًا.. أخيرًا هرتاح.

(وحيد): ترتاحي ده ايه!.. مين قالك إني هسيبك.. انتِي هتذاكري معايا في الجامعة زي ما كنا بنذاكر طول السنين اللي فاتت دي.

(أم وحيد): لا يا حبيبي.. انت تعتمد على نفسك بقى، انا مابقتش قادرة.. وكفاية عليا 10 سنين تعبتني فيهم بشقاوتك.

(وحيد): طب بذمتك انا كنت متعب.. ده انا أشطر واحد ممكن تربيه.

(أم وحيد): طبعًا انت أشطر واحد.. المهم بقى تنتبه لمذاكرتك ومش عشان دخلت الجامعة تريح.. فاهمني؟

(وحيد): ماتقلقيش.. إن شاء الله هخليكِي فخورة بيا.

(أم وحيد): انا دايمًا فخورة بيك ياحبيبي.

(وحيد): طب هاتي حضن يا قمر انتِي.

(أم وحيد): تعالى يا بكاش.

انا نجحت في الثانوية العامة وأخيرًا هدخل الجامعة.. والسنين مافيش أسرع منها، عداد العمر بينقص هوا، وفي الرحلة بتقابل ناس كتير.. بس مش كلهم فريدة... طب مين فريدة؟!

(فريدة): لو سمحت انا كنت عايزة المحاضرات اللي فايتاني.

(وحيد): تمام مافيش مشكلة.. اتفضلي ده كشكول المحاضرات.

(فريدة): شكرًا جدًا.. وانا هخلصه وابقى ارجعهولك تاني.

(وحيد):براحتك.. وقت ما تخلصي هاتيه.

(فريدة): طب والمحاضرات الجاية، هتعمل فيها ايه؟

(وحيد): عادي هنقلها في كشكول تاني.

(فريدة): انا اسفة لو بسببلك أي إزعاج.

(وحيد): لا خالص مافيش إزعاج ولا حاجة.. عن إذنك.

(فريدة): اتفضل.. صحيح هو انت اسمك ايه؟

(وحيد): وحيد.

(فريدة): وانا فريدة.

(وحيد): اهلًا وسهلًا يا فريدة.

ماشوفتش واحدة في جمالها قبل كده.. فريدة كانت من النوع اللي يخطف قلبك قبل عينيك، تحب تشوفها وتتكلم معاها وعنها.. بس للأسف، انا ماكنش ليا أي خبرة قبلها.. وعشان كده ماكنتش عارف المفروض اعمل ايه عشان اعبر عن إعجابي بيها.. انا من يوم ما قابلتها واحنا ماتكلمناش تقريبًا.. كانت بس بتبصلي من بعيد وتبتسم.. لحد ما مرت 4 أيام، ويومها كنت قاعد على السلم اللي بيطلع للمدرج ولقيتها فجأة واقفة قدامي...

- انا متشكرة جدًا على المحاضرات.

ابتسمت في وشها وقولتلها...

- العفو.. ولو احتاجتي أي حاجة انا موجود.

- بصراحة.. هو انا محتاجة حاجة فعلًا.

- ايه.. محتاجة الكشكول تاني؟

- لا مش كده، انا محتاجة صاحب الكشكول.

ارتبكت وعدلت النضارة وانا بقولها...

- مش فاهم؟

- بصراحة انا نقلت المحاضرات بس في حاجات كتير مش قادرة افهمها.. فياريت يعني لو تقدر تساعدني وتشرحهالي.

- اه.. اه طبعًا.. قوليلي ايه اللي مش فاهماه؟

- لا مش هينفع هنا.. ممكن نروح أي كافيه بعد المحاضرات؟

- كافيه!.. ماشي اتفقنا.

سابتني ومشيت بعدها.. كنت مستغرب.. بس مبسوط.. مبسوط بطريقة غريبة.. كانت أول مرة اتعامل مع الجنس التاني.. أول مرة احس الإحساس اللي بحسه لما بشوفها واتكلم معاها.. واستنيتها بعد المحاضرات وروحنا كافيه بعيد شوية عن الكلية.. هي اللي اختارته، وأول ما وصلنا المكان حسيت بتوتر غريب، لكنها بصتلي وضحكت...

- ايه يابني مالك؟.. انت هربان من حد؟

- هربان!.. لا لا خالص.. انا بس أول مرة اقعد مع واحدة في مكان عام لوحدنا.

- ياااه.. يعني انت عمرك ماخرجت مع بنت خالص؟

- اه والله.

- ماشي، مصدقاك.. يعني مش لازم تحلف.

- طب قوليلي بقى ايه اللي انتِي مش فاهماه عشان اشرحهولك.

- ومالك مستعجل كده ليه؟.. مش تستنى نطلب حاجة نشربها الأول.

- اه صح.. تشربي ايه؟

- انت اللي هتطلب يعني؟

- لا خلاص لو هيضايقك اطلبي انتِي.

- لا مش مضايقني.. اطلب انت، بس اعمل حسابك انا اللي هدفع.

- لا طبعًا مش هيحصل.

- طب خلاص لو مصمم تدفع يبقى انا كمان مصممة اعرف انت هتاخد كام مقابل الشرح؟.. اه حقي وحقك.

- شرح ايه يا فريدة اللي هاخد عليه مقابل!.. احنا زُملة.. يعني الطبيعي اننا نساعد بعض.

- يعني انت بتساعدني عشان إحنا زُملة فعلًا؟

- اه والله.

- هو انت ليه بتحلف كل شوية؟.. انا مصدقاك.

- لا عادي مش قصدي.

- طب خلاص ياسيدي، انا هطلب وانت ادفع الحساب.. مبسوط كده؟

- اتفقنا.

وقعدنا يومها 3 ساعات، كانوا أحلى 3 ساعات في حياتي، وبعد ما مشيت، حسيت إن في حاجة نقصت، روحت يومها وأول ما دخلت البيت كنت بدور على أمي.

******

(صوت ذبذبة جهاز قياس العلامات الحيوية).

(صوت فتح الباب).

(الممرضة): يا نهار أبيض.

(صوت خطوات جري).

(الممرضة): يا دكتور.. الحقني يا دكتور.

(الدكتور): في ايه يا نرجس؟

(الممرضة): المريض اللي في العناية.

(الدكتور): ماله؟

(الممرضة): شكله بيموت.

(الدكتور): انتِي بتقولي ايه.. تعالي معايا بسرعة.

(صوت خطوات جري).

(صوت ذبذبة جهاز قياس العلامات الحيوية).

(الدكتور): dc shok.

(الدكتور): clear.

(صوت صدمة كهربائية.. وجسد بيرتطم بالسرير).

(الدكتور):clear.

(صوت صدمة كهربائية.. وجسد بيرتطم بالسرير).

(صوت صفارة الجهاز)

(الممرضة): خلاص مات يا دكتور.

(الدكتور): 360.

(الدكتور):clear.

(صوت صدمة كهربائية.. وجسد بيرتطم بالسرير).

(الدكتور): حقنة أدرينالين.

(الممرضة): يا دكتور المريض مات خلاص.

(الدكتور بعصبية): قولت حقنة أدرينالين.. يلا بسرعة.

(الممرضة): حاضر.

(الدكتور بعصبية وتأثر): انت عايز تموت ليه؟.. هاه؟.. عايز تموت ليه؟.. رد عليا، مستسلم للموت ليه؟.. لا مش هتموت.. مش دلوقتي.. مش دلوقتي.

(الممرضة بلهفة): الحقنة يا دكتور.

(ثواني من الصمت).

(صوت الجهاز بيرجع يشتغل).

(الممرضة): النبض رجع من تاني.

(الدكتور): هووووف(تنهيدة).. قولتلك مش دلوقتي.. لسه بدري.. نرجس.

(الممرضة): ايوة يا دكتور؟

(الدكتور): ماتفارقيهوش لحظة وعايزك تبعتيلي كل شوية على الموبايل وتعرفيني أخبار الحالة.

(الممرضة): حاضر يا دكتور.

******

(صوت وحيد)

عمرك غيبت عن الوعي مدة طويلة؟.. خليني اقولك إن في الوقت ده، عقلك الباطن هيكون عدوك الوحيد، لإن هو اللي بيكون متحكم فيك، كل تصرف اتصرفته، كل مشهد مريت بيه في حياتك، هيتعاد، بس ياترى هيتعاد إزاي؟.. دي حاجة عقلك الباطن هو اللي بيتحكم فيها، ويا إما يوريك الحقيقة.. يا إما يوريك اللي طول عمرك عايز تشوفه، رغم إن الحقيقة واضحة قدام عينيك.. بس انت اللي مش شايف...

(صوت جرس الباب).

(صوت خطوات- صوت باب الشقة بيتفتح).

كنت في البيت لوحدي لما فجأة سمعت صوت جرس الباب وقومت عشان افتح...

(وحيد): طنط حنان!.

(حنان): ازيك يا وحيد؟.

- الحمدلله ياطنط.. ازي حضرتك؟

- تمام.. اومال ماما فين؟

- ماما بره؟

- بره!.. لحد دلوقتي؟

- اه.

- يعني انت قاعد لوحدك بالليل كده؟

- اديني قاعد اهو بلعب لحد ما ماما تيجي أو لحد ما بابا يرجع من الشغل.

- طب انا هقعد معاك، أو تعالى انت اقعد معايا في شقتي لحد ما حد فيهم يجي.

- لا يا طنط اتفضلي حضرتك ادخلي اقعدي معايا، انا مش هينفع اخرج.

- ليه؟

- ماما هتزعقلي لإنها قالتلي ماتتحركش من البيت.

- امممم.. طب تعالى وريني بتلعب ايه؟

- اتفضلي.

دخلنا جوة وساعتها قعدت هي على الكنبة وانا روحت عند السُفرة، جيبت اللعبة اللي كنت بلعب بيها وحطيتها بيني وبينها وقعدت قدامها، بصيتلها لثواني وبعدين ابتسمت وقالتلي...

- ايه ده!.. بنك الحظ!.. شكلك هترجعنا لأيام الشقاوة تاني ياض يا وحيد.

- حضرتك بتعرفي تلعبيها؟

- اومال، ده انا كنت لعيبة جدًا وماكنش حد من العيال بيعرف يغلبني.

- طب يلا وريني لسه بتعرفي تلعبي زي زمان ولا هغلبك.

- ماشي يا لمض.. رص الكروت وانا هرص الفلوس والعربيات.

- حاضر.

اختيارات أي انسان فينا مش بس بتأثر عليه، دي ممكن تأثر على كل اللي حواليه.. وعشان كده أبشع حاجة في الدنيا ان يكون في حياتك شخص أناني.. مابيشوفش غير نفسه وبس.

واحنا قاعدين بنلعب سمعت صوت الباب بيتفتح...

(صوت باب بيتفتح وبيتقفل بعدها).

(وحيد بفرحة): اهي ماما جت اهي.

(صوت خطوات).

(وحيد بهدوء): لا ده بابا.

(استاذ صاوي): مساء الخير.

(حنان): مساء النور.. ازي حضرتك يا أستاذ صاوي؟

(استاذ صاوي): الحمدلله.. ازي حضرتك يا استاذة حنان؟

(حنان): تمام الحمدلله.

(استاذ صاوي): والواد وحيد عامل معاكِي ايه في المذاكرة؟

(حنان): لا وحيد ده أشطر واحد في الدنيا.

(وحيد): شوفت يا بابا.. عشان حضرتك مش بتصدقني لما بقولك إني شاطر.

(استاذ صاوي): لا إزاي يا حبيبي.. انا بصدقك دايمًا.. اومال ماما فين؟

(وحيد): ماما خرجت ولسه ماجتش.

(استاذ صاوي): خرجت!.. خرجت راحت فين؟

(وحيد): ماعرفش.

(حنان): انا كنت جاية اقعد معاها شوية بس مالقتهاش ولقيت وحيد قاعد لوحده.. فقولت اقعد معاه لحد ماهي ترجع، بس طالما حضرتك جيت، هستأذن انا.

(استاذ صاوي): شكرًا يا استاذة حنان.. اسفين.. تعبناكِي معانا.

(حنان): لا مافيش تعب ولا حاجة.. تصبحوا على خير.

(استاذ صاوي): وحضرتك من أهل الخير.. وصل طنط يا وحيد.

(وحيد): حاضر يا بابا.

(صوت الباب بيتفتح).

(وحيد): مع السلامة يا طنط.

(حنان): مع السلامة يا حبيبي.

في اللحظة دي شوفت أمي عند السلم...

- ايه ده!.. ماما جت اهي .

لفت طنط حنان وشها وابتسمت وهي بتقولها...

- ازيك يا لولو.

- ازيك انتِي يا حنان؟.. ايه ده هو وحيد كان عنده درس دلوقتي ولا ايه؟

- لا خالص.. انا بس قعدت معاه على ما ترجعي.

- شكرًا يا حنان.

- العفو.. وحيد ده زي ابني، صحيح انا لسه ماتجوزتش بس بجد بعتبره كإنه ابني.

- طبعًا.. وهو كمان بيحبك جدًا.

- يلا اسيبكوا انا بقى تصبحوا على خير.

- وانتِي من أهل الخير.. يلا يا وحيد ادخل تعالى.

قفلنا الباب ودخلنا جوة...

(وحيد): انتِ كنتِ فين كل ده وسايباني يا ماما؟

(لبنى): كنت في مشوار.. بس قولي.. بابا رجع؟

(استاذ صاوي): ما لسه بدري يا هانم.

(لبنى): صاوي!.. انت.. انت رجعت إمتى؟

(استاذ صاوي): رجعت قبل سعادتك.. تقدري تقوليلي كنتِ فين وليه خرجتي من البيت من غير ما تعرفيني؟

(لبنى): كـ.. كـ.. كنت بشتري شوية حاااجات.

(استاذ صاوي): وفين هي الحاجات دي؟

(لبنى): فين هي!.. اه.. نسيتها.. نسيتها عند خلود اختي.. أصل انا خدتها ونزلنا نشتري وبعدين وصلتها البيت وفجأة ببص في الساعة لقيت الوقت اتأخر.. فباين كده ان من سربعتي نسيت الشنط عندها.. هبقى اعدي اجيبهم بكرة.

(استاذ صاوي): ااه.. اختك، ماشي، بس انتِي إزاي تسيبي الولد في البيت لوحده طول الوقت ده كله؟

(لبنى): انا سايباه نايم.. ماعرفش إنه هيصحى قبل ما ارجع.

(استاذ صاوي): صح وانتِي هتعرفي منين؟.. انتِي هتفضيله ولا هتفضي للخروج.

(لبنى): ايه لازمته الكلام ده دلوقتي يا صاوي؟

(استاذ صاوي): لازمته انِكِ خلاص بقيتي شايلة ايدك من كل حاجة يا مدام، حتى الواد رمياه لجارتك هي اللي تهتم بيه.. وواخدة موضوع انها بتديله درس حِجة ورمايهولها، والبيت، لا بقيتي بتحطي ايدك فيه ولا تعرفي عنه حاجة.. انتي مابقاش وراكِ غير الخروج والفسح كل يوم.

(لبنى): انا تعبانة ومش قادرة اتكلم دلوقتي.

(استاذ صاوي): طبعًا تعبانة من اللف على المحلات.

دخلت أمي أوضتها وسابت أبويا واقف في الصالة هيموت من الغيظ.

******

(صوت وحيد)

أول ما بتحب.. قلبك بيتحول لبُصلة.. بٌصلة مالهاش غير اتجاه واحد بس.. حبيبك.. ولو في يوم البُصلة عطلت ومابقيتش عارف اتجاهك منين.. دور على اللي خان العهد...

(صوت باب بيتفتح).

ليلتها كنت نايم على الكنبة في الصالة لما سمعت صوت الباب بيتفتح...

(صوت خطوات).

(استاذ صاوي): وحيد!.. وحيد.

(وحيد): بابا.. انت جيت؟

(استاذ صاوي): ايه اللي منيمك هنا يا حبيبي؟

(وحيد): قلقت وخبطت على ماما بس مافتحتش.. وخوفت انام في الأوضة لوحدي.

(استاذ صاوي): يعني ايه مافتحتش؟!.. وهي من امتى بتقفل الباب؟

(وحيد): بتقفله كل يوم.

(استاذ صاوي): كل يوم!.. طب تعالى.. تعالى يا حبيبي عشان انيمك.

(وحيد بفرحة): هتنام جنبي يا بابا؟

(استاذ صاوي): اه يا حبيبي.. قوم يلا.

دخلنا الأوضة ونمت على السرير، وابويا نام جنبي وخدني في حضنه وبدأ يحكيلي حدوتة لحد ما روحت في النوم.

******

(صوت فتح الباب).

(الدكتور): ايه الأخبار يا نرجس؟

(الممرضة بارتياح): الحمدلله يا دكتور الحالة مستقرة.

(الدكتور): طب الحمدلله.. ابقي طمنيني كل شوية.

(الممرضة): حاضر يا دكتور.

(الدكتور): انا هروح اشوف كام مريض كده وارجعلك.

(الممرضة): دكتور.. ممكن اسال حضرتك سؤال؟

(الدكتور): اسألي يا نرجس.

(الممرضة): هو ليه حضرتك مهتم بالحالة دي أوي كده؟.. انا مش قصدي حاجة والله بس انا عارفة إن حضرتك بتهتم بكل الحالات، لكن انا حاسة كده إنك تعرف الراجل ده.. إحساسي صح مش كده؟

(الدكتور): اه، إحساسك صح.

(الممرضة): طب حضرتك تعرفه منين؟

(الدكتور): هقولك يانرجس.

******

(صوت وحيد)

رجع يومها قبل ميعاده بـ4 ساعات، دخل البيت وهو بيتسحب، كنت انا قاعد في الصالة بتفرج على التلفزيون وماحستش بيه غير لما قرب مني وهمس وقالي...

(استاذ صاوي): ادخل اوضتك يا وحيد وماتخرجش منها غير لما اقولك.

(وحيد): حاضر يا بابا.. بس...

(استاذ صاوي): اسمع الكلام وماتعملش أي دوشة وانت داخل.

عملت زي ما قالي، ووانا معدي من قدام أوضة أمي سمعت صوت ضحكة عالية، رفعت حواجبي، استغرابت، لكني بعدها كملت مشي لحد أوضتي ودخلت وقفلت الباب، بس بعد دقيقة سمعت صوت ابويا وهو بيخبط على الباب وبيقول...

- افتحي الباب.. افتحي يا خاينة.

وبعد ثواني سمعت الباب بيتكسر.. خرجت من أوضتي بسرعة ووقفت قدام الباب، وقتها وقدامي كان باب أوضة النوم مفتوح وصوت ابويا طالع من جواه...

- انا تعملي فيا كده.. انا تلوثي شرفي وسمعتي!.. وانت مين يالا؟!.. انا هعرفكوا انتوا الاتنين.

(أحدهم): انا ماليش دعوة هي اللي قالتلي أجي هنا.

بعد الجملة دي شوفت واحد غريب ماعرفوش خارج يجري من الأوضة.. وثواني ولقيت ابويا خارج وراه، الراجل الغريب فتح الباب ونزل جري وابويا كمل جري وراه، جريت بسرعة على الشباك وفتحته.. وقتها شوفت الراجل وهو خارج من باب العمارة وابويا خارج يجري وراه، وبسرعة الراجل عدى الطريق...

(وحيد): حاااسب.. حاااااسب.. حاسب يا بابا.

(صوت فرامل).

(صوت ارتطام سيارة بجسم غريب).

صرخت بالجملة دي من الشباك فوق.. بس بابا.. بابا مالحقش يرجع.. العربية خبطته ووقع على الأرض، نزلت بسرعة عشان اشوف ايه اللي حصله.. ووانا في الصالة شوفت أمي واقفة قدام باب اوضتها وبتعدل الجاكيت بتاعها، سيبتها ونزلت تحت، كانوا الناس متجمعين حواليها، زقيتهم وانا بحاول اعدي من بينهم...

- بابا.. بابا.

كان نايم على الأرض والدم حواليه على الأسفلت، واحد من اللي واقفين مسكني من دراعي وحاول يقومني، حاولت اهرب منه، ووانا بلف وشي، شوفتها من بين رجلين الناس.. كانت واقفة عند باب العمارة وحاطة ايديها على وشها، وبعد دقيقة لفت وشها ومشيت، ودي كانت أخر مرة اشوفها فيها.. بعد كده الإسعاف وصلت ونقلت ابويا على المستشفى وانا روحت معاه، ولما دخل اسعفوه، كنت قاعد على الكرسي لما لقيت طنط حنان داخلة وبتقولي بلهفة...

- وحيد.. بابا فين؟

- ماعرفش يا طنط.. خدوه جوة.

قعدت جنبي وحضنتني، عيطت يومها كتير.. عيطت وكإني كنت عارف إن الحياة مش هترجع زي ما كانت.. وبعد مدة طويلة خرج الدكتور وقال...

- احنا لحقناه الحمدلله.

- الحمدلله يا دكتور.

- حضرتك المدام؟

- لا انا جارتهم.. المدام.. المدام.. مسافرة.

- طب انا اسف إني ابلغك الخبر ده.. بس استاذ صاوي مش هيقدر يتحرك تاني.

- يعني ايه يا دكتور؟

- للأسف الحادثة كانت صعبة واتسببتله في شلل رباعي.

ماكنتش فاهم اللي قاله الدكتور، بس فهمت.. فهمت بعد كده لما بابا خرج من العمليات ودخلت عشان اشوفه.. عمري ما قدرِت أنسى نظرة عينيه يومها أول ما شافني.. حاول يتحرك.. لكن ماقدرش.. وساعتها.. ساعتها دموعه اتكلمت.. بصتله وانا بعيط على عياطه، قربت منه وحاولت امسح دموعه، لكنه بعد وشه عني وفضِل يخبط براسه لورا.. في اللحظة دي طنط حنان حطت ايدها على كتافي وقالتلي...

- وحيد، احنا لازم نسيب بابا عشان يرتاح دلوقتي.. وبكرة نبقى نيجي نزوره.

لفيت وشي ومشيت معاه، واول ما خرجت بره سابتني ورجعت دخلت الأوضة تاني.. وبعد دقايق خرجت وخدتني وروحنا.

بعد اليوم ده مرت ايام.. وفي كل يوم كنا بنروح انا وطنط حنان نزور ابويا في المستشفى ونرجع، الدكتور قال إن موضوع النطق ده مشكلة نفسية.. وهتتحل مع الوقت.. بعدها كتبله على خروج وخدناه ورجعنا البيت.. بس أول ما رجع وشاف صورة أمي اللي متعلقة على الحيطة، اتعصب ولف الكرسي، ساعتها وبسرعة طنط حنان شالتها من على الحيطة وشالت كل الصور اللي هي معلقاها في الشقة، وبين يوم وليلة اتمسح أي أثر كان موجود للست دي في الشقة.

مرت الأيام والسنين، وفضل الحال على ماهو عليه.. ابويا زي ما هو، أما انا فـ طنط حنان هي اللي اتولت تربيتي، خصوصًا إنها اتفرغتلي بعد ما مامتها ماتت وبقت لوحدها.. ودخلت الجامعة.. وفي يوم كانت قاعدة في البلكونة بتشرب الشاي وسرحانة، فدخلت عليها وانا بقولها...

- بقولك يا نونا.

- قولي يا حبيبي.

- هو انتِ ليه ماتجوزتيش طول السنين اللي فاتت دي؟

لفت وشها وبصتلي قبل ما تقول...

- هتصدقني لو قولتلك السبب؟

- أكيد هصدقك.

- عشانك.. انا اكتفيت بيك عن كل حاجة.

- والله مش عارف اقولك ايه.. انتِي ماخلفتنيش واكتفيتي بيا عن كل حاجة، في الوقت اللي أمي اللي خلفتني استغنت عني مقابل ولا حاجة.

- يااه يا وحيد!.. انت لسه مانسيتش؟

- ولا عمري هنسى.

- طب سيبك من السيرة دي وقولي.. انت بتسأل السؤال ده ليه؟

- احم.. لا عادي.

- لا مش عادي.. هو انا مش عارفاك.

- بصراحة كده كنت عايز اسألك.. هو يعني ايه حب؟

- حب.. الحب ده كلمة كبيرة أوي.. ليها معاني كتير.. بس الحب بالنسبة لي يعني الإخلاص.

- الإخلاص!

- اه الإخلاص.. أكتر حاجة ممكن تعبر بيها عن حبك للي قدامك هي إنك تتمسك بيه مهما حصل.. مشاكل، خلافات، أزمات الحياة اللي إحنا عايشنها.. ولو كل ده عدى عليك ولقيت نفسك كل مرة بتتبت فيه أكتر، أعرف إنك بتحب.

- طب وانتِي على كده حبيتي قبل كده؟

- والا.. اتلم وقولي.. هي مين؟

- هي مين؟

- هتستعبط؟

- هاها واحدة معايا في الجامعة، بس ايه يا نونا.. حكاية بنت اللذينة.. المشكلة ان كل ما باجي اكلمها بحس إني رجعت عيل صغير تاني.. فاكرة لما كنت بقعد قدامك وانا مش حافظ الدرس وافضل اتهته في الكلام؟.. اهو انا أول ما بقف قدامها ببقى عامل كده بالظبط.

- هاها يبقى بتحبها.. اسمها ايه؟

- فريدة.

- حلوة فريدة؟!

- جدا.. بس انا عندي سؤال تاني.

- خير؟.

- هو انتِي ليه.. ليه انتِي وبابا ماتجوزتوش لحد دلوقتي؟

- ايه اللي انت بتقوله ده يا وحيد!.. انت.. انت.. عارف انت بتقول ايه؟

- يا نونا ما انا عارف انك بتحبيه.. وإن مش انا لوحدي السبب في إنك ماتجوزتيش.

- بس يا وحيد.

- طب تصدقي فكرة، انا هروح أجيب المأذون ونفرح بيكوا انتوا الاتنين.

- ياض اتلم بقى.

- مبروك يا عروسة.. اخش اشوف العريس بقى ولو وافق يبقى على خيرة الله.

- والا يا وحيد.. خد هنا ياولا.

(صوت خطوات جري).

(صوت باب بيتفتح).

(وحيد): بابا.. ابويا.. يا حاج صاوي.. قوم ياعريس.. شوفت جايبلك العروسة لحد عندك.. يابختك ياعم.

(حنان): هو مش بيفتح عينيه ليه يا وحيد؟.

(وحيد): ده.. ده أكيد.. أكيد نايم.. يابابا.. بابا اصحى.

(حنان): اصحى يا صاوي ماتقلقناش عليك.

(وحيد): هو دايمًا بيحب يهزر معايا كده.. بابا ماتهزرش.. الهزار ده.. بابا فتح عينيك وكفاية هزار.

(حنان): لا.. لا يا صاوي.. مش النهاردة ياخويا.. قوم والنبي.

(وحيد بدموع): ابويا.. يا ابويا.. لا يا ابويا.. لا.. احنا اتفقنا ان ماحدش فينا.. ماحدش فينا هيسيب التاني أبدًا.. عشان خاطري رد عليا يا بابا.. هو مابيردش ليه يا نونا؟

(حنان بانهيار): رد على ابنك يا صاوي.. رد عليه.. يا صاوي.

******

(الدكتور): الراجل ده يا نرجس دفع تمن غلطات كتير هو مالوش ذنب فيها.. ونومته هنا دي.. أكبر تمن دفعه في حياته.

******

(صوت وحيد)

بعد موت ابويا اتحولت حياتي لروتين مميت، بقيت بروح الجامعة الصبح وبرجع ادخل أوضتي وافضل قافل على نفسي طول اليوم، حتى حنان، كنت لفترة طويلة جدًا بطمن عليها من على الباب وبعدين بسيبها وامشي.. لحد ما في يوم وانا راجع من الجامعة لقيت باب شقتها اللي قصاد شقتنا اتفتح.. لفيت وشي وبصيت على الباب لكن ماكنش في حد، وبعدها سمعت صوتها...

- تعالى يا وحيد.. انا عايزاك.

(صوت خطوات بعدها صوت قفل الباب).

- ايه اللي انتِي لبساه ده يا نونا؟

- فستان فرحي.. حلو؟

- فرحك؟!.. فرحك على مين؟

- ابوك.. ابوك جالي النهاردة وقالي تتجوزيني يا حنان؟.. ماعرفتش ارد.. بصيتله وضحكت، ضحك في وشي وقالي إنه هيجي تاني عشان ياخدني.

- ماتسمعيش كلامه.. عشان خاطري ماتسمعيش كلامه.

- في ايه يا وحيد؟!.. انت مش فرحان إن انا وأبوك هنتجوز؟!.. مش انت.. مش انت اللي كنت عايز كده؟.. ليه هتقف قدامنا دلوقتي.

- انا طول عمري كنت بقول ياريت كان بابا اتجوزك انتِ من الأول.. بس بابا.. بابا مات يا نونا.. يعني ماعدش ينفع تتجوزيه.

- لا هتجوزه وهروح معاه كمان.. وهناك هشتكيله منك وهقوله إنك ماكنتش موافق.

(لحظات صمت).

- انت بتعيط ليه؟.. طب خلاص مش هقوله.. بس عشان خاطري وافق.

ماعرفتش ارد عليها بإيه، كنت واقف قدامها مصدوم من الحالة اللي وصلتلها، سيبتها ورجعت شقتي، وبعد يومين ماتت نونا.. ماتت اخر حاجة حلوة كانت في حياتي.

ولإن الأيام مابتستناش، شيلت حزني جوايا وجريت مع الأيام لحد ما اتخرجت من كلية الطب.

******

(الدكتور): دكتور وحيد كان استاذي في الكلية، انا كنت جاي وماعرفش أي حد في القاهرة، وهو وقف جنبي وساعدني.. ده حتى سكني في شقة حنان اللي اكتشف بعد ما ماتت إنها كتبتها باسمه، وبعد ما خد عليا بدأ يحكيلي حكايته اللي حكيتهالك دلوقتي، كان بيقول إنه خلاص العمر مابقاش فيه كتير.. وكإن قلبه كان حاسس.. وامبارح دخلت عليه عشان نسهر مع بعض واسأله عن حالة جديدة قابلتني، بس للأسف لقيته واقع على الأرض.. ندهت للبواب عشان يساعدني وشيلته وجيت بيه على هنا.

(الممرضة): ياه يا دكتور.. الراجل ده عانى كتير أوي في حياته.

(الدكتور): أكتر مما تتخيلي يا نرجس.. أكتر مما تخيلي.

(الممرضة): بس صحيح.. هو ماتجوزش فريدة ليه بعد الحب ده كله؟

(الدكتور): لإنه اكتشف إن فريدة ماكانتش بتعتبره أكتر من طالب ممتاز في الدفعة، فقربت منه عشان توصل لهدفها، وبعد كده عرف إنها بتقرب من حد تاني عشان تتعين.. وقتها الذكرى رجعت من تاني وقرر إنه مش هيتجوز خالص.

(صوت صفارة جهاز قياس العلامات الحيوية).

(الدكتور)جريت عليه بسرعة وانا بحاول الحقه...

- دكتور وحيد.. أرجوك خليك معايا.

هزت نرجس راسها واتكلمت وهي بتعيط...

- المرة دي خلاص يا دكتور.. دكتور وحيد مات.

- ليه يا دكتور وحيد.. ليه؟.

******

(صوت الدكتور)

دخلت الشقة وفي ايدي براوز كبير، شيلت الورق عنه، واعتها شوفته قدامي.. كان مبتسم ابتسامته الجميلة اللي مافرقتوش رغم كل اللي مر بيه.. علقت البرواز على الحيطة في الصالة بين صورة استاذ صاوي وأستاذة حنان.. واتلم شمل العيلة أخيرًا.. وكإن مكتوبلهم يتجمعوا في الأخرة مش في الدنيا.. أما انا، فبعد كده الحياة خدتني بهمومها ومشاكلها.. على رأي دكتور وحيد.. هي دي الحياة.. معاناة لآخر نفس.

تمت بحمد الله 


بقلم الكاتب: شادي إسماعيل


التنقل السريع