
بقلم الكاتب: شادي اسماعيل
النار محاوطة البلد من كل ناحية، الكل كان بيحاول يطفيها، لكن مافيش فايدة، كل البيوت بتولع، الناس بتهرب، صراخ وعويل، ستات بتلطم، والخراب حل على كل شبر في البلد، وبعد ما النار هديت لقينا على كل دار كلمة واحدة بس.. ورد!
كنا كلنا قاعدين في الشارع بعد ما بيوتنا كلها ولعت، ساعتها بصيت على الجدار وشوفت الكلمة اللي مكتوبة، يعني ايه الكلمة دي؟.. تطلع مين ورد؟
كنت تعبان من الجري طول الليل وانا بعبي ماية عشان الرجالة يطفوا الحريق، وعشان كده روحت الجامع، المكان الوحيد في البلد اللي ماتحرقش، دخلت غسلت وشي وشربت، بعدها لقيت عم سلطان قاعد في ركن من الاركان، راجل في الستين واكتر، بس بصراحة راجل طيب وفي حاله وعمري ماسمعت عنه حاجة وحشة، قربت منه وسلمت عليه...
- ازيك ياعم سلطان؟
- الحمدلله يا علي، انت عامل ايه؟
- مش كويس، بيتنا اتحرق، وبيوت البلد كلها.
- ساعات النار بتكون دوا.
- النار بتكون دوا؟!.. ازاي ده ياعم سلطان؟
- لما الفساد يزيد والظلم يزيد والناس تاكل بعضها، يبقى مافيش غير النار دوا لعلاجهم، يمكن يتعظوا ويفتكروا نار الأخرة.
- بس في حاجة غريبة، البيوت كلها مكتوب عليها كلمة واحدة بس.. ورد، تفتكر مين ورد دي ياعم سلطان واشمعنا اسمها هو اللي اتكتب.
سرح في الفراغ وهو بيتنهد...
- ورد لعنة البلد من 30 سنة، ومن ساعتها والبلد ماشافتش خير وكل شوية الحرايق تقوم.
- لعنة البلد ازاي يعني؟
- اني هحكيلك الحكاية...
كان في زمان شاب اسمه سعد، كان نايم في ليلة لما لقى أمه داخله عليه وبتصحيه...
- سعد، ياسعد.
- ايه، ايه، في ايه؟
- قوم يابني اتأخرت على الشغل.
- حاضر ياما، هو احنا امتى؟
- الفجر أذن اديله ساعة.
- حاضر ياما هقوم اهو.
قام سعد وكان نص جسمه عريان، عضلات مفتولة، قوة وشباب، لكن الحال هزيل، والفقر باين في كل ركن في البيت، غسل وشه واتوضى، وسجد لربه لجل ما يكرمه في يومه، باس ايد امه وخرج يجري على أكل عيشه، وفي الطريق قابل عم جادالله إمام الجامع، كان راجع من صلاة الفجر، سلم عليه وقاله...
- ازيك يا شيخ جادالله؟
- بخير، ازيك انت ياسعد يا ولدي؟
- في نعمة والحمدلله ياشيخ.
سأله بعتاب...
- ماجتش ليه تصلي الفجر حاضر زي كل يوم؟
- راحت عليا نومة والله، بس صليت قبل ما اخرج من الدار، وان شاء الله مش هفوتها تاني.
- ربنا يعينك يا ولدي ويقويك.
- يارب، ايوة كده ادعيلي يا شيخنا، ادعيلي ربنا يفرجها من عنده.
- فرجه قريب، يلا اتكل على الله عشان تلحق رزقك.
- ماشي يا شيخنا، سلاموا عليكوا.
- وعليكم السلام.
راح سعد على شغله اللي كان في الغيط، فضل يحرت في الأرض زي عادته، وعلى قرب الضهر كده لقى ورد جاية ومعاها لفة قماش، ورد كانت صبية سمرا جميلة، ماكنتش أجمل بنت في البلد، بس سمارها كان بيسحر كل اللي يشوفها، لكن قلبها ماختارش غير واحد بس في البلد، سعد، قربت عليه ورد وهي مبتسمة، سعد أول ما شافها رمى الفاس ومسح عرقه في كمامه وراح ناحيتها وعلى وشه فرحة الدنيا...
- برضه جيتي يا ورد؟
- ماينفعش يعدي يوم من غير ما اشوفك يا سعد.
- واني والله نفسي اشوفك على طول، بس اني مش عايز حد يتكلم عليكِ نص كلمة.
- ماتخافش عليا، وبعدين ما البلد كلتها عارفة اننا بنحب بعض.
- ربنا يكرم والحال ينصلح، واني هكتب عليكِ طوالي.
- ان شاء الله الحال هينصلح، انت قول يارب.
- يارب.
- تعالى بقى عشان تاكل.
راحوا الاتنين ناحية شجرة موجودة في اخر الأرض، وقعدوا تحتها، وبدأت ورد تفتح اللفة وتطلع منها أطباق الأكل، ساعدها سعد ومشي ايده على الأرض ورمى الحصى بعيد وبعدين فرش اللفة وبدأوا ياكلوا.
بعد شوية وفي وسط الأكل، اتفاجئ سعد بناس بتقرب من بعيد، رفع نفسه وبص شوية وبعدين قال لورد في قلق...
- بسرعة يا ورد لمي الأكل ده ويلا روحي.
سألته باستغراب...
- في ايه ياسعد، مالك؟!
- العمدة جاي ولو شافنا قاعدين كده هيبقى نهار مش فايت.
- ايهي، نهار مش فايت ليه؟.. انت قاعد بتاكل، هو انت بتعمل حاجة عيب لاسمح الله.
- ماهو انا ماينفعش اقعد اكل.
- ليه يعني؟.. مش بني ادم ولا مش بني ادم.
كان بيلم الاكل بسرعة وهو بيرد عليها...
- قومي بس يا ورد دلوقت وبعدين نتكلم.
حطت ايدها على الأكل وهي بتقوله...
- لا مش هقوم، اقعد كمل أكلك يا سعد، وخلي العمدة يجي يشوفنا واحنا بناكل.
- يا ورد بلاش مشاكل الله يرضى عليكِ.
- لا اني عايزة اشوفها هيعمل ايه العمـ...
قطع العمدة كلامها لما وقف قدامهم وسأل سعد وهو بيبص عليهم باستغراب...
- سايب الأرض وبتعمل ايه هنا ياض ياسعد؟
قام سعد وقف وراح ناحيته بسرعة وهو بيقول...
- لامؤاخذة يا عمدة، بس اصل.. اصل ورد جابت أكل وكنا قاعدين ناكل لقمة، بسم الله معانا يا عمدة.
بص على ورد اللي كانت بتبص له بتحدي وبعدين قاله...
- لا يا سعد بالهنا، بس يلا.. يلا خلص اوام وارجع على الأرض، وبعدين احنا من امتى بنهمل الأرض ونقعد ناكل!
قامت ورد وقفت وقالت له...
- الراجل شقيان طول النهار ومن حقه يرتاح، مش كفاية الأجرة القليلة اللي بتدهاله.
- انتِ مين يابت انتِ؟
- انا ورد بنت اسماعيل العربي.
- اسماعيل ابو العربي بتاع الخوص؟
- ايوة.
- الله يرحمه، لو عايش ماكنش زمانك هنا دلوقت، يلا يا شاطرة روحي على دارك.
- ماكنش زماني هنا ليه؟.. بعمل حاجة غلط ولا بعمل حاجة غلط اياك!.. سعد متكلم عليا والبلد كلتها عارفة اننا لبعض.
بص العمدة لسعد وقاله بنبرة حادة...
- ارجع أرضك يا سعد وشوف شغلك، وسيبك من الحريم، عشان الحريم بيجيبوا ورا، يلا يا مطاوع.
مشي العمدة ووراه مطاوع شيخ الغفر، وساعتها راح سعد ناحية ورد وقالها بعتاب...
- ماكنش له لزوم تقفي قصاده يا ورد.
- لا، لازم يعرف انه ماشترناش بالكام ملطوش اللي بيدفعهم، وان انت لك حق تاكل وتشرب زي البني ادمين.
- انا خايف يحطنا في دماغه بعد الكلمتين دول.
- يا سعد الأرزاق على الله، وماحدش بيرزق حد.
- انا عارف، بس ده مفتري، لو مشاني مش هيسيبني في حالي وهيحرج على كل الناس ماحدش يشغلني في أرضه، وساعتها مش هلاقي شغل.
- لا ماتخافش، ولو قفلت خالص تعالى اشتغل مكان ابويا.
- اشتغل ايه بس يا ورد، شغلانة الخوص دي ماتنفعش، وبعديين ماتزعليش مني، دي شغلانة حريم.
- كده يا سعد، الله يسامحك.
- مش قصدي والله يا ورد، انا قصدي الواحد خد على الشقى والتعب، لكن الشغلانة المستريحة دي ماتنفعنيش، اني لو ممسكتش الفاس وعزئت الأرض بعزم ما فيا، ماحسش اني اشتغلت، احنا اتخلقنا للشقى يا ورد، اللي زيي ماينفعش يرتاح ولو ارتاح يموت.
- طب كمل أكلك ياسعد.
بعد ما سابهم العمدة ومشي سأل مطاوع...
- هي البت بنت اسماعيل دي عندها كام سنة ياوالا يا مطاوع؟
- مش فاكر يا عمدة.. بس اما 15 او 16.
ضحك العمدة وهو بيقول...
- 15 /16 وواقفة بتتحدت ولا أجدعها شنب في البلد.
- وهو في شنب في البلد يقدر يوقف قصادك يا عمدة!
- ماهو ده اللي عاجبني فيها يا والا، البت قلبها ميت، وكمان حلوة.
- ااه دي حلوة قوي يا عمدة.
- اخرس يا مخبول انت، بتقول على مرت العمدة حلوة.
- مرت العمدة!
- ايوة.. اني قررت اتجوزها.
- بس الواد سعد متكلم عليها.
- وايه يعني متكلم عليها، احنا نخلص منه وساعتها مش هيبقى قدامها غيري.
- نخلص منه ازاي؟.. نقتله؟
- نقتل مين يا بجم انت، انا برضك وش ذلك!
- اومال هنخلص منه ازاي يا عمدة؟
- هو احنا سلمنا كشوف الجهادية بتوع الدفعة الجديدة؟
- لا لسه هنسلمها كمان يومين.
- اكتب اسم سعد فيهم.
- ايوة يا عمدة بس سعد ده اصله وحيد وابوه ميت، وهو اللي بياخد باله من امه العيانة.
- وماله، احنا ناخد بالنا منها بداله.
- ايوة بس...
- نفذ اللي بقولك عليه يا والا.
- أمرك، أمرك يا ولي الأمر.
كان سعد قاعد في داره بالليل لما سمع صوت خبط على الباب، قام وفتح الباب، شاف مطاوع واقف وسط غفره، ف سأله باستغراب...
- خير يا ريس مطاوع؟
- يلا يا سعد البس عشان تيجي معانا.
- اجي معاكوا على فين؟
- اسمك نزل في كشوف الجهادية، ولازم اسلمك انت وزمايلك للمركز بكرة الصبح.
- اسمي نزل في الكشوف ازاي؟.. انا وحيد، وبعدين امي.. مين هياخد باله من أمي؟
- ماعرفش، دي أوامر، يلا عشان لسه ورايا غيرك كتير.
بص له سعد بقلة حيلة وبعدها دخل جوة، لم هدومه ورجع وقف على باب أوضة أمه اللي كانت نايمة، بص عليها والدموع في عينيه، وبعدين خد بعضه ومشي.
لف مطاوع على بيوت كل الأسماء الموجودة في الكشوفات، وبعد ماجمع الكل راح على أرض فاضية ووقفهم فيها، بعدها وصل العمدة، بص عليهم وبعدين بدأ يتمشى وسطيهم لحد ما وصل عند سعد...
- أمك في عينينا ياسعد، ماتخافش عليها.
- اني عايز اعرف اسمي موجود في الكشف ازاي يا عمدة؟.. اني وحيد؟
- والله دي حاجة تخص المركز ماتخصنيش، بس اني هكلم المأمور لما اقابله ان شاء الله، ماتخافش، انت زي ابني، وامك في عينيا زي ماقولتلك، مش هخليها تحتاج ايوتها حاجة.
- امانة عليك ياعمدة، امي عيانة وماكنلهاش غيري، امانة عليك تبلغ ورد تاخد بالها منها وتراعيها، اني مالحقتش اقولها.
- ورد!.. ايوه حاضر هبقى اقولها، اني مش عايزك تقلق خالص.
- ربنا يخليك لنا يا عمدة.
بص العمدة في عين سعد المليانة بالدموع وساعتها حس برعشة في جسمه، لكنه لف وشه الناحية التانية وقال لشيخ الغفر...
- يلا يا شيخ الغفر، اتحرك عشان تلحق تسلمهم للمركز.
- أمرك يا عمدة.
خرجوا في منظر مهيب، بين الصويت والعويل من أهالي الشباب، لحد ما اختفوا عن الأنظار وصوت العويل اختفى وراهم.
الفجر كان قرب يأذن لما قامت أم سعد من النوم وهي بتكح...
- اشهد ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله، يا سعد، سعد، مابيردش ليه الواد ده، معقولة لسه نايم كل ده؟!
قامت من عالسرير وراحت ناحية أوضته، وقفت على الباب وساعتها لقت السرير فاضي، ف خرجت تدور عليه بره، لكنها مالقتهوش...
- سعد، ياسعد، هو راح فين بس.. يلا، لما يرجع ابقى اشوفه كان فين.
اتنهدت وهي بتشمر كمامها وهي داخلة تتوضى، وبعدها قامت صلت الفجر وقعدت تستنى سعد اللي ماجاش، فكرت انه ممكن يكون راح على الأرض بعد الصلاة، وعشان كده دخلت كملت نومها، لكن مع طلوع النهار لقت الباب بيخبط جامد، قلبها اتخلع من مكانه، قامت بسرعة وفتحت الباب، لقت ورد قدامها والدموع في عينيها، بصت لها بقلق...
- في ايه يا ورد؟.. حصل ايه؟
- سعد ياما.
- ماله سعد!
اترمت ورد في حضنها، بعدتها الأم وهي بتسألها بدموع بدأت تنزل على خدها...
- ماله سعد ابني؟.. انطقي.
- خدوه على الجهادية.
- خدوا مين؟.. ده سعد وحيد، خدوه ازاي؟
- مش عارفة ياما، اني لسه عارفة دلوقتي.
- لا أكيد في حاجة غلط، سعد مالوش جهادية،د لا.
- اني روحت الأرض ومالقتهوش هناك.
-ازاي وراح امتى، وليه ماصحنيش وقالي؟.. مشي ازاي من غير مايودعني، يا سعد.
خرجت في الشارع وهي بتنده عليه...
- ياسعد، ياولدي.. مشيت وسيبتني لمين ياضنايا؟.. سيبتني لوحدي ليه ياسعد؟.. انت عارف اني ماليش غيرك.
- ادخلي ياما، سعد مش هيرد.
- لا، لا لازمًن يرد، لازمًن يقولي مشي وسابني لمين؟.. مين اللي هتسند عليه من بعده؟
- هو مش بخاطره ياما يبعد ويسيبك.
- اومال بخاطر مين؟.. مين اللي خده مني؟.. العمدة.. العمدة هو اللي خده، اني لازم اروح له واعرف هو خده ليه؟
دخلت لبست طرحتها وراحت ناحية باب الشقة، خرجت وراها ورد وقفلت الباب، وبعد دقايق كانوا الاتنين واقفين قدام دوار العمدة، بصت ام سعد للغفير وقالتله...
- اني عايزة اقابل العمدة.
- العمدة لسه ماصحاش.
- خش صحيه، خليه يقوم ويرجع لي ابني.
- مش هقدر اصحيه، روحي دلوق ولما يصحى، تعالي.
- لا مش هروح، خش صحيه بدل ما اخش اني اصحيه.
- تخشي فين يا ولية، انتِ اتجننتي ولا ايه، يلا من هنا انتِ وهي.
زعقت فيه ورد...
- انت بتتكلم كده ليه؟.. خش صحي العمدة بتاعك ولا هو ينام والناس تضرب دماغها في الحيط لحد ما يصحى، ياعمدة، انت يا عمدة.
في الوقت ده بص العمدة من ورا الشباك عشان يشوف صوت الدوشة ده سببه ايه، واول ماشاف ورد ابتسم ودخل لبس هدومه ونزل...
- انت ياعمدة.
خرج من باب الدوار...
- ايه في ايه؟.. ايه الدوشة دهي؟
جريت عليه ام سعد ووراها ورد...
- الحقني ياعمدة، ابني سعد، خدوه الجهادية.
- سعد!.. خدوه الجهادية ازاي؟.. هو مش ابنك الوحيد برضك؟
- ايوة وماحلتيش غيره، وهو اللي بياخد باله مني.
- اومال خدوه ازاي؟!.. ياض يافرج.
جري الغفير عليه وهو بيقول...
- ايوة يا حضرت العمدة.
- هو اسم سعد كان في الكشوفات بتاعت المركز؟
- ايوة يا عمدة، كان موجود ضمن المطلوبين.
بص لام سعد وقالها...
- ديه اكيد غلطة، اني هكلم المأمور وارجعه، ماتقلقيش يا ام سعد، واحنا هنا كلنا اخواتك وجنبك لحد ما سعد يرجع بالسلامة.
- صحيح يا عمدة، هترجعهولي؟
- ايوة اومال، اني بس لما المأمور يجي الشهر الجاي واقعد معاه هنتكلم في الموضوع ده.
- الشهر الجاي!.. وانا لسه هستنى شهر؟
- معلش ياختي استحملي شهر، ماجراش حاجة، وزي ماقولتلك احنا كلنا جنبك ومش هنسيبك ابدًا، ده سعد ده ابننا برضك.
ردت عليه بقلة حيلة...
- تسلم يا عمدة، ربنا يخليك لينا، يلا ياورد يابنتي.
- يلا ياما.
لفوا الاتنين وشهم عشان يمشوا، في الوقت ده بلع العمدة ريقه وبعدين نده على ورد..
- ورد.
- نعم ياعمدة؟
- بقول ايه.
- خير ياعمدة؟
- كل خير ان شاء الله، اني بس كنت عايز اطمن عليكِ واقولك، اوعي غياب سعد يحسسكك انك لوحدك، اني موجود، ولو احتاجتي حاجة تجيني على طول، ماتكسفيش.
بصت له من فوق لتحت...
- ربنا موجود ياعمدة، وبعدين اكيد لو احتاجت حاجة هجيلك، انت زي ابويا برضك.
راحت ناحية أم سعد ومسكت ايديها...
- يلا ياما عشان نروح.
مشيوا الاتنين والعمدة متابع ورد بنظراته اللي كانت هتاكلها، الغفير بص له بقرف وقال بصوت واطي...
- عالم رمم.
انتبه العمدة ساعتها وسأله...
- بتقول حاجة ياوالا؟
- لا ياعمدة بقول ربنا يكرمك، عشان يعني هترجع سعد لأمه.
- اه.. دي الولية صعبت عليا أوي، وانت عارف قلبي طيب كد ايه.
- ايوة طبعًا، انت الطيبة كُلِتهِا، ربنا مايحرمناش منك ولا من طيبتك.
- طب اجري هات الحمارة عشان هعدي على عوض الكلاف.
- أمرك ياعمدة.
عدى الشهر وكانت ورد كل يوم بتعدي على أم سعد تديها الدوا وتأكلها، بس أم سعد كانت نفسيتها وحشة اوي، لحد ما في يوم راحت لها ورد وهي فرحانة، فسألتها أم سعد...
- وشك بيقول انه في اخبار حلوة، خير؟
- المأمور كان في دوار العمدة النهاردة.
- صحيح ياورد؟
- صحيح ياما.
- طب هاتي طرحتي بسرعة.
- راحة فين؟
- على دوار العمدة، اشوف المأمور قاله ايه على سعد.
- هاجي معاكٍ.
- تعالي يا وش السعد.
راحوا الاتنين دوار العمدة وهناك قابلهم مطاوع على الباب...
- خير يا ام سعد؟
- عايزة اقابل العمدة.
- بس العمدة عنده ناس دلوك.
- خليني اقابله اللهي يخليك، عايزة اعرف عمل ايه في موضوع سعد ابني.
- والنبي ياعم مطاوع خلينا ندخله.
بص لهم مطاوع لثواني وبعدين قالهم...
- طب اوقفوا على جنب هنا على ما ادخل استأذنه.
- حاضر، ربنا ينجحلك المقاصد يارب.
وقفوا الاتنين على جنب ودخل مطاوع، بعد دقايق خرج العمدة وشيخ الغفر وراه، قعد على الدكة اللي جنب الباب وشيخ الغفر نده عليهم، قربوا الاتنين واللهفة والفرحة في عيونهم، وسألته أم سعد...
- اني سمعت إن جناب المأمور كان هنا النهاردة، طمني يا حضرت العمدة، كلمته في موضوع سعد؟
بص لها العمدة وبعدها زاغت عينيه في الأرض وهو بيضرب كف على كف...
- استغفر الله العظيم، مش عارف اقولك ايه والله يا ام سعد.
القلق بان على وشها...
- يعني ايه يا عمدة؟
- اني كلمته وهو قام ضرب تليفون للمركز عشان يرجعوه، لكن...
- لكن ايه ياعمدة.
- لكن.. سعد ابنك راح مع الدفعة اللي راحت السودان.
خبطت على صدرها...
- يامصيبتي.. السودان!
- ايوة.. جلالة الملك أمر انهم يودوا ناس هناك وسعد كان من الناس اللي راحت معاهم.
- ياسوادك ومُرك يا احلام، يا سوادك ومُرك يا احلام، الواد ضاع مني، سعد ضاع يا ورد.
عيطت ورد وهي بتحضن أم سعد، أما العمدة فكان باصص في الأرض، لكن شوقه لورد كان بيخليه يبص عليها من تحت لتحت، لحد ما في الاخر قام وقف وهو بيقولهم...
- ربنا معاكوا، وزي ماقولتلكوا اني موجود وسداد، يلا يا مطاوع.
سابهم ودخل الدوار وبعدها سندت ورد أحلام لحد الدار، دخلت السرير ومن يومها رقدت ماقمتش، ورد كانت تقريبًا قاعدة معاها طول الوقت، لكن أحلام رفضت الأكل والشرب، وحتى رفضت انها تاخد الدوا، وشهر جاب التاني، لحد مافي يوم دخلت ورد على أحلام لقتها قاعدة على السرير بتبكي وتنوح...
- اه ياسعد ياولدي، خدوك ياحبيبي في ساعة غفلة، يا مطرز القفطان من ديله، يا وحيد أهله ومافيش غيره.
قربت منها والدموع في عينيها...
- ماتفوليش عليه ياما، سعد هيرجع ان شاء الله.
- اللي بيروح عندهم مابيرجعش يابتي.
كملت بعدها نواح، نامت ورد في حضنها وبكوا الاتنين بحرقة، فضلت أحلام تنوح لحد ما فجأة سكتت، استنت ورد لثواني وبعدين قامت من حضنها وبصت عليها...
- اما.. ياما، ردي عليا ياما.
ماتت أحلام، ماتت وكان حلمها، تشوف ولدها زينة العرسان.
وبعد كده العمدة اتكفل بكل حاجة لما قال...
- أحلام أم سعد ملزومة مني، سعد وصاني عليها قبل مايسافر.. خَرجتها وعزاها على حسابي.
ومطاوع هو اللي كان بيشرف على نصب الصوان والفراشة، وبالليل وقف العمدة ياخد عزا أحلام بدال سعد.
عدى يوم والتاني وشهر، ولقت ورد الباب بيخبط، كان العمدة واقف بيطلب الدخول، اتفاجئت من زيارته، صحت أمها اللي استقبلته على كنبة الدار وسألته...
- يا مرحب يا عمدة، خطوة عزيزة.
- يعز مقدارك يا أم ورد.
- عيشت ياحضرت العمدة، تشرب ايه؟
- ولا أي حاجة، اني جاي اقولك كلمتين وامشي طوالي.
- خير؟
- اني كنت جاي أطلب منك يد ورد.
وش ام ورد اتهلل، اما ورد فوشها اكتئب وسابتهم ودخلت جوة، بص عليها العمدة لحد ماقفلت الباب، بعدها بص لأمها وسألها...
- قولتي ايه؟
ارتبكت وهي بترد عليه...
- اااا.. واني هقول ايه يعني.. القول قولك يا حضرت العمدة.
- خلاص يبقى على خيرة الله، الفرح الخميس الجاي، وانا ملزم بكل حاجة وشوارها عليا، وكمان...
فتحت ورد الباب وخرجت، بصت له بغضب وقالتله...
- عشان كده بعت سعد الجهادية وموت أمه من البكا عليه، كل ده عشان تتجوزني؟
برق لها العمدة وهو بيوقف...
- سعد مين اللي وديته الجهادية، هو اللي اسمه كان في الكشف، وبعدين اني مالي ومال موت أحلام، ده اني اللي وقفت في عزاها وعملتلها عزا لو المحروس كان هنا ماكنش عمله.
- تقتل القتيل وتمشي في جنازته، اني واحد من الغفر قالي ان انت اللي طلبت من مطاوع يكتب اسمه في الكشوفات، في الأول ماصدقتوش وكنت بسأل نفسي ليه العمدة هيعمل كده؟.. لكن دلوقت عرفت انت ليه عملتها، بعدت سعد عني عشان يخلالك الجو، لكن لا، الله في سماه ماهتطول ضفري ولاهتمس شعرة مني، ويكش تقتلني حتى.
- انتِ بتقوليلي اني الكلام ده يابت.
- ايوة بقولهولك انت، يامفتري ياظالم.
- ماشي يابت اسماعيل، اني هعرفك ازاي تتكلمي مع العمدة كده.
ساب الدار وخرج، بعدها ورد اترمت في حضن امها وبكت، اما العمدة فخرج نده على مطاوع وعلى صوته وهو بيقول...
- مطاوع، مافيش مخلوق في البلد دي يتعامل مع ورد وامها، والكلب اللي تعرف انه بيبيع لهم او بيشتري منهم، يتقبض عليه ودكانته تتقفل، مفهوم.
- مفهوم يا حضرت العمدة.
بص على باب الدار وهو بيقول...
- اني هجيبك راكعة يابت اسماعيل.
مرت ايام وايام وخزين البيت خلص، ومابقاش في أكل ولا شرب في الدار، وماحدش راضي يبيع لهم، وكمان ماحدش قادر يشتري منهم الخوص، ولما فكرت ورد تخرج تبيعه بره البلد، مطاوع وقفها وقالها ترجع دارها، كل ده والعمدة مستنيها تيجي راكعة تحت رجليها، لكن ورد اتحملت، لحد ما في يوم وفي نص الليل العمدة كان عند عوض الكلاف ومعاه مطاوع، سهرانين كالعادة، ليلتها العمدة كان بيشرب وهو سارح، فسأله عوض وهو بياخد الجوزة منه...
- والله عجايب يا ولاد، بقى حتة بت مفعوصة زي دي تعمل كده في حضرت العمدة!
رد مطاوع وهو بيضحك...
- أصل العمدة قلبه طيب.
ضحكوا الاتنين بصوت عالي وهم بيشدوا انفاس الجوزة، وهنا بص لهم العمدة بغضب، لحد ما الاتنين اتبدل ضحكهم لرعب، بص لهم دقيقتين وبعدين قال...
- واني لو مش قلبي طيب، كان زمانك قاعد بتشرب جوزة قدامي يا غفير الغبرة انت، ولا انت يا عوض، نسيت اني قومتك من تحت البهايم، وبعد ما كان اسمك عوض الكلاف بقيت المعلم عوض تاجر البهايم، نسيتوا اصلكوا يا شوية كلاب.
اتكلم مطاوع بخوف...
- حقك عليا يا جناب العمدة، اني... اني ماقصدش.
- سيب الجوزة دي وقوم اقف يا بجم.
قام مطاوع وقف بسرعة وهو بيرمي الجوزة على الأرض، بص العمدة لعوض اللي قام وقف لوحده في خوف ورعب، بعدها شاور العمدة عليهم وهو بيقول...
- انتوا الاتنين، تقبوا وتغطسوا وتجيبولي البت دي الليلة.
سأله عوض بصوت مبحوح...
- ننجيبهالك ال.. الليلة ازاي يعني يا حضرت العمدة؟
- تتصرفوا، ورد تكون عندي الليلة، وعشان خفة دمك ياعوض، هتجيبها في مخزن العلف بتاعك.
- طب وبعد ما اجيبها المخزن؟
- مايخصكش بقى، تجيبها للمخزن وانت ساكت، ويلا غوروا من وشي.
خرجوا الاتنين وركبهم بتخبط في بعضها، ماكنوش عارفين هينفذوا أمره ازاي.. ازاي هيخلوا ورد تخرج من دارها في نص الليل، لحد ما اقترح مطاوع على عوض انه يروح يخبط على الدار ويقولها ان مراته تعبانة ومحتاجاها، وبما ان ورد بتحبها، فهتيجي معاه بسرعة، وفعلًا راح عوض ووقف قدام الباب وهو بيبص يمين وشمال، بعدين خبط خبطة خفيفة، وفضل يخبط براحة وهو بيتلفت حواليه، لدرجة انه ماخدش باله ان ورد فتحت الباب، لكنه انتبه لما سألته...
- خلاص يا عم عوض اني فتحت، خير فيه ايه؟
- هاه، ااا.. خالتك رتيبة تعبانة وقالت لي انادم عليكِ بسرعة.
اتخضت وقالتله..
- خالتي رتيبة، مالها كفل الله الشر.
- مش عارف يابتي، تعالي معايا بسرعة هي مستنظراكي.
- طب ثواني احط حاجة على راسي واجي معاك.
- ماشي بس شهلي ياورد.
لبست ورد طرحتها وخرجت معاه، وهم في الطريق كان عوض عمال يتلفت حواليه يمين وشمال، ف سألته باستغراب...
- انت عمال تتلفت ليه يا عم عوض، انت خايف من حاجة؟
- لا بس.. بس، ماتاخديش في بالك، المهم شهلي اوام عشان نلحق خالتك رتيبة.
- اهيه.. اكتر من كده!.. ده اني هتكفي على وشي.
فجأة ظهر مطاوع من ضهر ورد وكتم نفسها، بعدها ربطها عوض، ومشيوا بيها الاتنين لحد المخزن، وهناك ربطوها ورموها على الأرض، ربع ساعة وجه العمدة، قالوا له انهم سايبينها جوة، ضحك وهو بيقولهم...
- روحوا كملوا سهرتكوا واني هخلص واجيلكوا.
- انت ناوي على ايه يا حضرت العمدة؟
بص له بابتسامة خبيثة وقاله وهو بيضربه ضربة خفيفة على وشه...
- روح كمل سهرتك ياعوض، وماحدش فيكوا يتحرك قبل ما اجي.
سابوه الاتنين وراحوا الغرزة بتاعتهم، اما هو فبص لباب المخزن وهو بيضحك بخبث وشر، وبعدها دخل جوة.. اول ما ورد شافته رجعت بضرها لورا، ضحك العمدة وقرب منها...
- بقى انتِ مش عايزة تتجوزيني اني، اني بقى هخليكِ تحبي على رجلي وتبوسيها عشان اتجوزك، يا أما تتفضحي في البلد كُلتها.
حاولت تصرخ لكن القماش اللي كان على بوقها منعها، ضحك اكتر وقرب منها وبدأ يقطع هدومها، حاولت تضربه، لكنه كان أقوى منها بكتير، وبعد مدة كان خلص وقعد جنبها وقال...
- مش كان زمانه برضاكي.
قام عدل نفسه وبعدين فك رباطها وقالها...
- قومي روحي، وماشوفش وشك تاني.
انهارت ورد في العياط، وحاولت تستر نفسها باللي باقي من هدومها، سابها العمدة، بس قبل ما يخرج تف عليها ومشي، قامت وردة بسرعة وقفلت عليها باب المخزن.
دخل العمدة على عوض وشيخ الغفر وهو مبسوط، الاتنين بصوا له بخوف، لكنه طمنهم لما قال...
- ايه، خايفين ليه؟.. ماتقلقوش، كله تمام.
- انت عملت ايه في البت يا عمدة؟
رد عليه وهو بيضحك ضحكة عالية...
- بت، مابقاش ينفع يتقال عليها بت خلاص ياعوض، رص حجر يا مطاوع رص.
وقف مطاوع ثواني وهو بيبص له باستحقار لحد ما زعق فيه...
- اتحرك يا بجم.
اتنفض مطاوع وجري يرص الحجر، وبعد ما جري، بص العمدة لعوض وقاله...
- قوم مشيها من المخزن واقفله كويس.
- انت سيبتها هناك؟
- اومال هروحها الدار اياك، قوم شوفها مشيت ولا لا بدل ما بضاعتك تتسرق.
قام عوض يجري، والعمدة مسك الجوزة وبدأ يشد منها ومطاوع بيهوي على النار اللي قادت فوق المعسل.
لما عوض وصل لقى باب المخزن مردود، فتح الباب ودخل بسرعة، ومع دخوله، لمح ورد وهي شانقة نفسها بحبل في عرق خشب في السقف، برق من الصدمة وقعد على الأرض وهو بيبكي...
- سامحيني يابتِي، حكم القوي.
قال كده وخرج يجري على الغرزة، دخل وهو بياخد نفسه بالعافية...
- البت ماتت.
رجع مطاوع لورا وهو بيبلع ريقه، والعمدة اتنفض في قعدته وسأله...
- ماتت!.. ماتت ازاي؟
- شنقت نفسها.
- يا سنة سوخه، احنا روحنا في داهية.
بص له العمدة بشر وقاله...
- اقطم ياوالا، لا روحنا في داهية ولا حاجة، انت هتطلع انت وهو دلوقت تاخدوها من المخزن وترموها جنب أي سجرة، والصبح تقول للناس يا مطاوع انك لقيتها مموته نفسها عشان عرفت ان الواد سعد مات، وهي كانت غلطت معاه قبل ما يروح الجهادية وخافت بطنها تكبر فموتت روحها.
الاتنين بصوله بذهول، بس عوض المرة دي اتكلم...
- انت ايه ياجدع انت، كافر، ماكفكش ان البت ماتت بسببك، كمان عايز تلوث شرفها وهي ميتة.
ضحك العمدة وبص لمطاوع وقاله...
- خلاص يا مطاوع العملية بقت اسهل، اطلع دلوقتي على المخزن واكتشف الجريمة وانا هاجي ونشوف مين اللي اغتصبها في مخزنه قبل ما يقتلها عشان ماتفضحوش.
- انت عايز تلبسهالي انا؟
- ماهو يا أما كده، يا اما تروح تعمل اللي قولتلك عليه.
- حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا شيخ.
- لا مؤمن ياوالا، غور غورة تشيلك، خربتولي مزاجي الله يعكنن عليكوا.
وراحوا نفذوا اوامره بالحرف، والصبح كانت الاشاعات بتلف البلد، ورد مموته نفسها بعد ماعرفت بموت سعد، ورد كانت حامل من سعد وخافت من الفضيحة، ورد خاطية، لكن امها الوحيدة اللي كانت عارفة انها مظلومة وان عوض هو اللي جه وندهلها، ولما اتكلمت ماحدش صدقها، وماتت من قهرتها على بنتها.
كان عدى اسبوع لما العمدة لقى عوض داخل عليه وشه مخطوف وبيقوله...
- ورد ظهرت لي في المنام.
ضحك العمدة عليه وقال بسخرية...
- اجيب لك طاسة الخضة؟
- ورد قالت انها هتنتقم مننا واحد واحد، وبعدها هتحرق البلد كلتها، 3 ايام بـ3 جثث، بعدها النار هتاكل الكل.
- وانت بتصدق في الكلام ده ياعوض؟
- ايوة عشان اني شوفتها بعيني، لو كنت شوفتها مكاني كنت هتعرف انها مابتهزرش.
- امشي يا راجل يا خرفان من هنا.
- اني همشي، بس قولت احذرك.
خرج عوض وساعتها العمدة بلع ريقه في قلق وبص لمطاوع اللي كان باين عليه الخوف...
- انت مصدق الكلام ده انت كمان يا مطاوع؟
- انت نفسك مصدق يا حضرة العمدة، وخايف.
- اني مش خايف، اني مابخافش من حد.
سكت مطاوع، سكت لانه عارف ان العمدة بيكدب، كان شامم الخوف من مكانه، نفس الخوف اللي جواه، خوف الخسيس من العقاب، روحوا ليلتها والصبح قام العمدة وخرج بره الدار وهو بينده على مطاوع، لكن مالقهوش، طلب من فرج يروح يشوفه في داره، وراح، بس بعد ربع ساعة رجع يرمح وهو بيصرخ...
- يا جناب العمدة، يا جناب العمدة.
- في ايه.. بتُصرُخ كده ليه؟
- مطاوع يا جناب العمدة، مطاوع.
- ماله مطاوع، اُنطُق.
- مطاوع اتقتل.
- ايه!.. اتقتل.
قعد العمدة مطرحه واعصابه كلها سايبة، كان حاسس بالموت بيقرب منه، الهوا اتشفط من حواليه، نفسه اتخنق، وبعد دقايق بلع ريقه وسأل فرج...
- اتقتل ازاي؟
- لقيته متعلق في السقف ورجليه مدلدلة ومكتوب على الحيطة ورد.
وشه جاب ١٠٠ لون بعد ماسمع اسم ورد، وكان بيردد بصوت مهزوز...
- 3ايام بـ3 جثث، بعدها النار هتاكل الكل، 3ايام بـ3 جثث، بعدها النار هتاكل الكل.
في اليوم ده العمدة ماكنش قادر يتحرك، كان خايف يخرج، وبالليل زود الحراسة على الدوار، وعمر طبنجته وحاطها جاره، كان قاعد مستني ورد تيجي وتزوره، بس نعس وهو قاعد ولما صحي كان النهار طلع، فتح عينيه لقى مرته نايمه جاره، فرح انه لسه عايش، قام غير هدومه وخرج، اول ما وقف قدام الدوار، جري عليه فرج بالحمار، ركب العمدة على الحمار ومشي، وبعد شوية عدى من قدام دكانة عوض لقاها مقفولة، فسأل فرج بخوف...
- هي الدكانة مقفولة ليه؟.. اومال عوض فين؟
- ماخبرش، بس تلاقيه راحت عليه نومة.
- بينا على الدار نشوفه.
راح الدار وهناك مالقاش حد، قالوا له الجيران ان عوض لم هدومه في الليل وخد عياله وسافر، ساعتها العمدة خاف ورجع دواره وهو بيقول لنفسه...
- 3ايام بـ3 جثث، بعدها النار هتاكل الكل، عوض هرب ومطاوع اتقتل ومافضلش غيرك، مافضلش غيرك ياعمدة.
دخل اوضته وقفل عليه، وبعد ساعة مرته دخلت عشان تقوله ان الغدا جاهز، لقته مشنوق في السقف والحيطة مكتوب عليها كلمة واحدة بس.. ورد.
وفي نفس الليلة كانوا الناس قاعدين في عزا العمدة لما فجأة دخل واد صغير وهو بيصرخ...
- النار قادت في بيت شيخ الغفر.
قاموا الناس كلهم يجروا عشان يطفوا الحريقة، بس وهم بيطفوها، لقوا بيت عوض بيولع، ف اتقسموا فريقين، لكن وقتها جه خبر ان دوار العمدة بيولع، وبدأت النار تمسك في بيت ورا التاني لحد ما البلد كلها ولعت، النار كانت أقوى منهم، بس أنضف من قلوبهم، النار كانت بتكوي الخبث والشر الكامن في نفوسهم، ماكنوش بيصرخوا من نار الدنيا، كانوا بيصرخوا من نار الاخرة اللي مستنياهم، كل دار في البلد ظلمت ورد ولعت، واتكتب عليها اسمها، كل واحد قال في حقها كلمة اتحاسب عليها، ورد كانت بذرة نضيفة في ارض فاسدة، كانت الحق في جوف الباطل، الصوت العالي في وش الظالم، ورد كانت حياة وقتلها خسيس.. خاين.
وبعد سنين رجع سعد البلد، ماحدش كان يعرفه، شكله اتغير، الزمن ساب علاماته على وشه، ولما سأل عن أمه قالوا له ماتت، وورد قالوا له إنها موتت نفسها، بس ماحدش يعرف ليه؟.. أهل البلد خافوا يمسحوا اسمها من على الحيطان لحد ما سعد أذن لهم يمسحوها، وانها مش هتعملهم حاجة طالما هو اللي قال، حبيبته وهو أدرى بها، ورجع سعد داره وحيد، وفضل سنين وسنين، مستني الموت، بس الموت مابيجيش للي مستنيه، كان بيشوف ورد في كل أحلامه وبيتكلم معاها، وحكت له كل اللي حصل من يوم ماغاب لحد ما رجع.
******
- وبعدين يا عم سلطان، ايه اللي حصل مع سعد بعدها؟
- عاش زي العايشين، روحه سبقته ليها وقلبه متعلق بيوم لقاها.
لاحظت ان عينيه دمعت وقتها، ولقتني بقوله وانا بطبطب عليه...
- ربنا يجمعك بورد ياعم سعد.
سيبته بعدها وخرجت، ووانا على باب الجامع بصت له تاني، لقتيه بيبص لي وبيبتسم، ابتسمت له ومشيت، الحكاية دي عدى عليها أكتر من عشرين سنة، ايوه.. عم سلطان بيتقاله ياسلطان كشهرة بسبب اسم عيلته، انما اسمه الحقيقي سعد.. سعد اللي مات بعد اليوم ده بأسبوعين تقريبًا ومن بعد موته لعنة ورد وقفت والنار مابقتش تقيد في البلد كل سنة في نفس الوقت، ايوه سعد مات.. لقوه واقع جنب قبر ورد، اما انا، فسيبت البلد وروحت المدينة وعيشت واتجوزت، ومعايا دلوقتي عيلين.. سعد وورد.
تمت بحمد الله
بقلم الكاتب : شادي اسماعيل