
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل
دخلت المتهمة ووقفت قدامي وباين عليها الشرود، كانت في عالم تاني مش معايا، طلبت من العسكري إنه يفك الكلبشات من ايديها، كانت سرحانة في الشباك اللي ورايا، خبطت على المكتب خبطتين وانا بقولها...
- صفية، خليكِ معايا هنا.
بصت لي بهدوء وصمت، منظرها كان صعب جدًا، بس الجريمة اللي عملتها كانت أصعب وعشان كده ماكنتش متعاطف معاها، لكني كنت مُشفق على حالتها، سألتها ساعتها...
- قتلتيه ليه؟
سكتت شوية وبعدين ردت...
- ماعرفش، ماعرفش قتلته ليه!
- يعني ايه ماتعرفيش؟.. في حد بيقتل روح من غير مايعرف قتلها ليه؟
هزت راسها ناحية اليمين ببطء وهي بتقول...
- صدقني ماعرفش انا قتلته ليه، بس فاكرة انه كان في سبب، بس هو ايه مش عارفة... مش قادرة افتكر.
فكرت وقتها انها ناوية تعمل نفسها مجنونة أو فاقدة الأهلية، وده خلاني اكون حازم في الكلام معاها اكتر، فرديت عليها بحدة...
- انتِ ناوية تعملي نفسك مجنونة وفاكرة انك بالطريقة دي هتفلتي بعملتك؟
- لا انا مش مجنونة، انا مش مجنونة، انا زينة البنات كلها، ماتقولش عليا مجنونة لوسمحت، عشان لوسمعك هيصدقك وساعتها هيتجوز عليا، وانا مش عايزاه يتجوز عليا.
- هو مين اللي هيتجوز عليكِ؟
- سلطان، جوزي وحبيبي وابو ابني.
- ابنك اللي انت قتلتيه! قوليلي انتِ ليه عملتي كده؟
- صدقني مش فاكرة، يمكن قتلته عشان كان بيصرخ، لا لا ماهو كان بيصرخ كتير قبل كده وماقتلتوش، اكيد في سبب تاني، اه ممكن اكون قتلته مثلاً عشان.. عشان ماكنش بيسمع الكلام وبيفضل يكسر في الحاجة.
- يكسر في حاجة ايه، ابنك كان لسه عنده شهر.
- شهر! ياحرام ده صغير أوي، اومال قتلته ليه؟!
- انتِ بتسأليني انا! انا اللي بسألك قتلتيه ليه؟
- مش فاكرة.. مش فاكرة.. مش فاكرة.
انهارت في العياط، بصيت بعدها للكاتب وقولت له...
- اكتب، تحول لمستشفى الأمراض النفسية والعصبية للكشف على قواها العقلية ومعرفة أهليتها اثناء ارتكاب الواقعة محل الاتهام.
اتحولت صفية للمستشفى وبعدها طلبت جوزها لأخذ أقواله، قعد قدامي وكان باين عليه الحزن والإنكسار، سألته...
- اسمك وسنك؟
- سلكان حسن عبدالعال، 30 سنة.
- بتشتغل ايه يا سلطان؟
- موظف في مصلحة الضرايب.
- علاقتك بالمتهمة صفية كانت ايه؟
- صفية تبقى مراتي، انا وهي اتعرفنا على بعض من حوالي6 سنين، كان عندها ساعتها يجي 20 سنة، وردة لسه بتفتح، ماشفتش في الدنيا غيري ولا حبت غيري، وانا كمان عمري ما حبيت غيرها، قعدنا نحب بعض سنتين تلاتة تقريبًا وبعدها اتقدمت لها وابوها وافق، وبعد سنة اتجوزنا على طول، كنا أسعد زوجين بس فجأة صفية اتغيرت، تصرفاتها بقت غريبة، ودايمًا بتشك فيا، وبقت تتخانق معايا على حاجات تافهة، ولو اتأخرت بره ساعة واحدة بس، بيبقى يوم مش فايت لما برجع البيت، في الأول كنت بعدي وبقول حب وغيرة، بس لا، غيرتها بقيت مميتة، وفضلت كده لحد ما عرفت انها حامل، كنت طاير من السعادة وقتها بس السعادة دي ماكملتش، لإنها بعد الحمل عصبيتها زادت وخناقنا زاد، وبقينا نقعد بالأسبوع متخاصمين، وقبل ما تولد بشهرين طلعت لي بحدوتة جديدة وقالت لي اني متجوز عليها وعشان كده مابقاش يفرق معايا زعلها ولا بيفرق معايا اننا بنتخانق.
- وانت ماحاولتش تتكلم معاها؟
- حاولت، حاولت كتير افهمها إني مش متجوز عليها ولا حاجة وإن هي السبب في بعدي عنها عشان خناقتها الكتير معايا وإن القسوة والبعد بيعلموا الجفا، بس مافيش فايدة هي برضو كانت مقتنعة إني بطلت أحبها وشوفت واحدة تانية وعشان كده هجرتها.
- وايه اللي حصل خلاها تقتل ابنك؟
- شهور الحمل عدت بخناق زي ما قولت لحضرتك، وبعد ما ولدت قولت هتهدى شوية، لكن لقيتها جاية وبتقولي...
- انا جيبت لك الواد اللي كان نفسك فيه أهو، ارجع بقى حبني زي الأول.
- ياصفية انا بحبك وعمري ماحبيت غيرك.
- بس انت بتتخانق معايا كتير وبقيت بتزهق مني ومافيش حد بيحب حد بيزهق منه.
- انا مزهقتش منك والله، انا بس زهقت من خناقنا دايمًا وانتِ بتتخانقي على حاجات مالهاش وجود غير في دماغك انتِ وبس.
- يعني انت فعلاً مش متجوز عليا؟
- والله العظيم، وحياة حبي لك السنين دي كلها انا مش متجوز عليكِ.
بعد الكلمتين دول بقت معاملتها أحسن والأمور بينا كانت كويسة لحد مافي يوم اتأخرت بره، وبعد ما رجعت لقيتها قاعدة على الكنبة في الصالة، بصت لها ومن نظراتها عرفت انها هتبقى خناقة للصبح، قولت لها بهدوء...
- ازيك يا حبيبتي، ايه اللي مقعدك كده؟ وفين الواد سليم؟
- سليم نام، انت كنت فين؟
- انا.. كككنت في الشغل يعني هكون فين؟!
- وهو الشغل بيخلص الساعة 10 بالليل؟
- لا اسكتِ حصلت النهاردة مصيبة في الشغل، واتكدرنا كلنا اجتما بقى بعد ما الناس كلها مشيت، ويدوب خلصت وطلعت قدعت مع كام واحد كده من زمايليعشان نشوف هنعمل ايه في المصيبة دي.
بصت لي بشك وبعدين سابتني ودخلت الأوضة، فضلت واقف مستغرب، يعني ماتخنقتش معايا ولا عملت اي حاجة، بس حمدت ربنا انها عدت الموضوع على خير، أو كنت فاكر انها ملت كده، بس الصح اتفاجئت بها بتصحيني من النوم وهي بتضحك بطريقة غريبة، فتحت عيني وبصت لها، كان شعرها منكوش وعينيها منفوخة من العياط، سألتها باستغراب...
- في ايه؟ بتصحيني ليه؟ هو مش النهاردة الجمعة؟
- قوم، قوم يا سلطان شوف سليم.
اتفزعت وقومت قعدت وانا بقولها...
- ماله سليم؟ هو فين؟
ضحكت ضحكة عالية وهي بتصقف بايديها وبعدين ردت...
- في البانيو جوة، تصدق طالعك مابيعرفش يعوم.
زقتها بعيد وجريت على الحمام وساعتها لقيت سليم ابني مرمي في البانيو والماية مفتوحة عليه، قفلت الحنفية بسرعة وخرجته، نيمته على الأرض وحاولت اسعفه لكن كان مات، قتلته المجرمة، وقفت على باب الحمام وهي بتضحك، وبتقولي...
- خليها تجيب لك غيره بقى، عشان سليم خسارة فيك، حتى انا خسارة فيك.
بصت لها بغيظ وقومت جريت عليها عشان اضربها، لكنها شدت الباب بسرعة وقفلت عليا بالمفتاح، بعدها ضحكت وقالت...
- خليك جنبه، يمكن تموت زيه.
فضلت انده على الجيران من المسقط لحد ما طلعوا وفتحوا الشقة وساعتها حاولت أوصلها لكنهم حاشوني عنها، وبلغوا البوليس، وده كل اللي حصل يافندم.
كنت بسمعه باندهاش وبعد ما خلص سألته...
- ايه اللي خلى مراتك تشك فيك؟
رفع كتافه وهو بيقول بتعجب...
- مش عارف، مع اني ماكنتش مخليها محتاجة أي حاجة.
القضية كانت محيرة فعًلأ، تقرير المستشفى جه بعد أسبوع وأثبت إن الصفية كانت بتعاني من انهيار عصبي حاد وقت ارتكاب الجريمة، وانها لازالت تحت تأثير الصدمة، قررت أروح أزورها، دخلت العنبر اللي كانت محجوزة فيه وقربت منها...
- ازيك النهاردة يا صفية؟
لفت لي بهدوء وبصت لي باستغراب...
- انت مين؟ انا ماعرفكش.
- انا وكيل النيابة اللي بيحقق في قضية ابنك.
- سليم! هو فين؟
- سليم مات وانتِ اللي قتلتيه.
- انا.. قتلت ابني! ليه؟
- ده اللي انا عايز اعرفه منك، قتلتيه ليه؟
- انا مش فاكرة حاجة، كل اللي فاكراه.. صور ورسايل.. تليفوني.. تليفوني كان هنا راح فين؟ خليهم يجيبوا تليفوني، سليم وحشني عايزه أكلمه.
بصيت لها بشفقة ورديت عليها...
- حاضر، هخليهم يجيبولك التليفون.
- أرجوك ماتضحكش عليا زيهم، انت.. انت شكلك غيرهم، هتخليني أكلم سليم صح، مش كده؟
- ايوة هخليكِ تكلميه.
سيبتها ومشيت، أول ما وصلت المكتب طلبت تفريغ لكل الرسايل والمكالمات اللي على تليفون صفية وقت الحادثة، وساعتها شوفت رسايل جايلها من واحدة اسمها ميرفت، بعتالها صور بتجمع بينها وبين جوزها وبتقولها انهم متجوزين بقالهم شهور، وكمان بعتالها صور كانت بتجمعهم من سنتين فاتوا، وفي يوم الحادثة بعتتلها صور لسلطان وهو قاعد معاها، في الوقت اللي سلطان قالها فيه انه كان في الشغل وخرج بعدها مع أصحابه، ولما رجع وقالها كده فكرت تنتقم منه ازاي، وساعتها سليم كان قدامها، كرهها لسلطان اتحول لكره في سليم لانه جزء منه ماكنتش عايزة يربطها به، للأسف الضحية واحدة لكن الجناة كانوا اتنين، أب كداب وخاين وأم مريضة ومختلة عقليًا.