.jpg)
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل
في قرية من قرى صعيد مصر، كان واقف عبد الباقي ينشد بصوته الجميل، في وسط حلقة الذكر اللي بتتعمل كل خميس في حضرة سيدي هلال، الكل كان مبسوط وفرحان بإنشاده وبالحضرة بس فجأة سمعوا صوت ضرب نار، بعدها وقع عبدالباقي على الأرض، حالة صمت، بعد ثواني الناس جريوا عليه، اكتشفوا إن في طلقة جت في ضهره، لفظ عبدالباقي أنفاسه الأخيرة ومات، ربع ساعة وكان البوليس في المكان، عاينوا الجثة وبعدها نقلوها للمشرحة عشان تتعرض على الطب الشرعي، وبدأ الظابط استجواب الموجودين جوة خيمة الحضرة، أول واحد كان غفير من غفرا القرية، قعد قدام الظابط اللي سأله...
- اسمك ايه؟
- عبد الصمد يا بيه.
- انت الغفير اللي كنت واقف بتحرس الحضرة؟
- ايوة اني يابيه.
- قولي.. شوفت مين اللي ضرب النار؟
- لا يا بيه، احنا كنا كلنا واقفين بنسمع عبد الباقي وهو بينشد وساعة ما الطلقة خرجت انا كنت باصص عليه وماسمعتش غيرصوت الطلقة وبعدها وقع على الأرض.
- انت ازاي تبقى مسؤول عن تأمين الناس وتسرح في حاجة تانية؟
- يابيه الحضرة بتتعمل كل خميس ومابيحصلش حاجة والدنيا هنا أمان، وبعدين اني بحب اسمع صوت عبدالباقي، صوته زي الكروان، حضرتك سمعته قبل كده وعارف، الواحد لما بيسمعه بينسى كل حاجة، عشان كده ماخدتش في بالي وسرحت.
- حسابك معايا بعدين، اتفضل قوم اخرج بره.
دخل تاني واحد وهو الشيخ عبد الحي، المسؤول عن تنظيم الحضرة، بدأ الظابط كلامه وقال...
- ازيك يا شيخنا؟
قال بحزن...
- الحمدلله يا باشا، الواحد قلبه مفطور على اللي حصل، تلاتين سنة واني مسؤول عن الحضرة دي وعمر مافي حاجة حصلت ويوم ما يحصل تبقى جريمة قتل، وقتل مين، عبدالباقي! ربنا يرحمك ياعبدالباقي ياولدي.
- ربنا يرحمه يا شيخ عبد الحي، بس انا عايز اعرف ايه اللي حصل؟
- والله ياباشا، احنا كنا قاعدين زي مابنقعد كل مرة يعني بنذكر الله واللي عنده مشكلة بيقولها ونحاول نحلهاله، وبعدين عبدالباقي الله يرحمه خلص شغله وجه زي ما متعود، أول ما دخل سلم علينا كلنا وقعد، شوية وخلصنا كلام وبدأنا نرجع تاني للذكر، قام وقتها عبدالواحد وقف في نص الخيمة، وبدأ ينشد واحنا كلنا سرحنا في ملكوت تاني، كان مبِدِع زي عادته، وبينشد بمزاج، كنت مغمض عيني وسارح لحد ما فجأة، سمعت صوت رصاص وبعدها سكوت، فتحت عيني ووقتها شوفت ناس ملمومين على واحد واقع في الأرض، جريت عليه وساعتها شوفت عبدالباقي سايح في دمه.
- يعني انت كمان ماشوفتش حاجة يا شيخنا؟
- للأسف لا يا باشا.
- تمام، اتفضل يا شيخ عبدالحي.
قام الشيخ خرج وهو باين عليه الهم والحزن، بعده دخل واحد من الموردين، كان لابس لبس الحضرة، بص له الظابط باستغراب وبعدين قاله...
- الدم اللي على هدومك ده.. دم عبدالباقي؟
- ايوة يابيه، انا اول واحد جري عليه بعد ما اتصاب.
- تمام، قولي بقى شوفت ايه؟
- احنا كنا واقفين كلنا في وسط الحضرة قعدين نهز رووسنا مع الانشاد زي ما حضرتك بتشوفنا كده لما بتيجي، في العادي بنبقى مغمضين عينينا لكن ماعرفش ليه قبل الطلقة ماتيجي في عبدالباقي، في حاجة جوايا قالت لي ان في مصيبة هتحصل، فتحت عيني وقتها، شوفت عبدالباقي كان مغمض عينيه وبينشد وبصيت على الشيخ عبدالحي هو كمان كان سارح في ملكوت تاني، ولسه هغمض عيني وارجع زي ماكنت، سمعت صوت الطلقة وشوفت الدم بيخرج من عبدالباقي، ووقع على الأرض، جريت عليه وبقيت الناس ورايا، بعدها اتشاهد على يدي، والبكا بقى صوته أعلى من الذكر.
- ماشوفتش مين ضرب الطلقة؟
- لا يابيه ماشوفتش.
- طب اتفضل يا عيسوي.
الظابط كان قاعد محتار، ازاي ماحدش من الموجودين شاف اللي ضرب النار، قام وقف بعدها وهو بيتفحص الخيمة وبيشوف أي أثر لمكان الطلقة، لكن في اللحظة دي دخل واحد وهو بيقوله...
- اني عارف مين قتل عبدالباقي يا بيه.
- حاج خلف! اتفضل اقعد يا حج، البقاء لله.
- ونعمة بالله، اني مش هقبل عزا غير لما حق ولدي يرجع الأول يابيه، واني عارف مين قتله.
- مين يا حاج؟
- مغاوري وسلمان، هم اللي قتلوا ولدي.
- مغاوري وسلمان! مش دول يبقوا...
- ايوة مغاوري شيخ الغفر وسلمان دراعه اليمين.
- طب وهم هيقتلوا عبدالباقي ابنك ليه يا حاج؟
- عبدالباقي كان شغال غفير زي ما سعادتك عارف، ومغاوري كان الريس بتاعه، ومن اسبوع عبدالباقي كان نبطشية ليل، وفي نص الليل لمح اتنين خارجين من عند الكوبري بتاع البلد وبيجروا بأحصنة وجارين بقر وبهايم، جري وراهم لكن فجأة لقى حد من الناحية التانية بيضرب عليه نار، قالي لما كان بيحكيلي ان اللي كان بيضرب النار ماكنش عايز يصيبه هو بس كان عايز يبعده عن الحرامية دول عشان مايلحقهمش، وتاني يوم قال لشيخ الغفر على اللي حصل وطلب منه يزود حد معاه في حراسة الليل لكن اتفاجئ به بيقوله...
- انت هتبدل ورديتك مع سلمان، هتشتغل بالنهار وهو بالليل.
- ازاي ده؟! اني بقولك يا ريس محتاج حد زيادة معايا عشان ولاد الحرام دول، ماينفعش واحد لوحده بالليل.
- انت هتعرف أحسن مني يا عبد الباقي؟
- العفو يا ريس، اني قصدي بس...
- لا قصدك ولا مش قصدك، من بكرة تبدل الوردية مع سلمان، تمام.
- تمام يا ريس مغاوري.
لما حكالي قولتله كبر دماغك واسمع الكلام، بس هو كان بيحب الحق زي عينيه عشان كده ماسمعش كلامي، خصوصًا لما عرف إن البهايم اللي اتسرقت كانت بهايم وصيفة، والية غلبانة جوزها ميت وبتجري على 3 يتامى، بقى يروح شغله بالنهار وبالليل ينزل يرقدلهم، لحد ما امبارح، شاف سلمان وهو واقف مع اتنين بنفس الأحصنة، بعدها شافهم وهم بيجروا بهايم وبيجروا بها، حاول يوقفهم بس ماقدرش، واجه سلمان باللي حصل والغريبة انه مانكرش...
- انت يا سلمان اللي بتساعدهم يسرقوا البهايم؟
- ايوة اني وايه المشكلة!
- بتساعد الاغراب يسرقوا اهل بلدك، بتساعد ولاد الكلب دول ياخدوا مال الغلابة؟
- ياعم قول ياباسط، مالك مكبر الموضوع كده ليه، وبعدين هو اني وحدي اللي شغال معاهم، ما الريس مغاوري بذات نفسه شغال معاهم ومن زمان كمان.
- انت بتقول ايه! الريس مغاوري عنده علم بالحكاية دي؟
- ايوة طبعًا، اومال انت فاكر ايه.
مكانش مصدق سلمان وعشان كده راح لمغاوري سأله...
- انت عندك علم يا ريس مغاوري باللي بيعمله الواد سلمان؟
- بيعمل ايه سلمان؟
- متفق مع حرامية ليل وبينزلوا على البلد ينهبوا بيوتها.
- ايه! انت بتقول ايه يا عبدالباقي، سلمان خاين!
- ايوة يا ريس لا وكمان بيقول انك عارف وساكت.
- ابن الكلب، طب بقولك ايه احنا لازم نشوف حل للموضوع ده.
- نبلغ المركز.
- لا احنا هنوقعه في شر اعماله، بكرة بعد الحضرة تخلص وتجيلي هنا واني وانت هنرقدله لحد ما نظبطه وهو بيهربهم.
- تمام يا ريس، اني قولت انك لايمكن تسكت على اللي بيحصل ده.
- بس اوعى حد ياخد خبر بالاتفاق ده.
- عيب يا ريس.
******
- هم اللي قتلوا ابني يا باشا عشان مايفضحهمش، انا عايزك تجيب لي حقي منهم وإلا انا كفيل أجيب حق ابني بدراعي.
رد عليه الظابط...
- ماتقلقش يا حاج خلف، حق ابنك هيرجع وكمان حق الناس اللي اتسرقت، بس عشان ده يحصل لازم الكلام ده يفضل سر ما بينا.
- ازاي يا باشا؟
- احنا هنوقع مغاوري وسلمان في نفس الفخ اللي قاله مغاوري لعبد الباقي، وساعتها هنقدر نقبض عليهم كلهم متلبسين ونجيب حق عبدالباقي.
- اني معاك يا باشا.
خرج الحاج خلف من الخيمة وهو بيعيط ومنهار على ابنه، اتلموا الناس حواليه وهم بيواسوه، دخل بعدها مغاوري للظابط وقعد قدامه...
- ازيك يا مغاوري؟
- في نعمة ياباشا.
- انت كنت فين ساعة الحادثة؟
- كنت في دوار العمدة.
- بتعمل ايه هناك؟
- قاعد بحرس الدوار، هي دي خدمتي.
- امممم، وبقيت رجالتك كانوا فين؟
- كل واحد كان في مكانه.
- مين كان معاك في الدوار؟
- اني وسلمان وعبد الصادق وو.. والواد علام.
- تمام، اخرج وابعتلي اللي قولت عليهم دول.
- أمرك ياباشا.
بعد ساعتين من الاستجوابات والمعاينة خرج الظابط وسط الناس وقال للحاج خلف...
- للأسف يا حاج مش هنقدر نوصل للي قتل عبدالباقي بسهولة، الموضوع هيحتاج شوية وقت، بس اوعدك اننا هنلاقيه ان شاء الله.
بعد ما مشي الظابط، انهار الحاج خلف وقعد على الأرض وهو بيبكي والناس بتحاول تقومه.
بعد أسبوع:
في وسط الليل كان واقف مغاوري ومعاه سلمان عند الكوبري، وساعتها سأله سلمان...
- انت مطمن للموضوع ده؟ انا كان من رأيي نستنى لحد ما موضوع الواد عبدالباقي يهدى شوية.
- ياعبيط الحكومة قيدت القضية ضد مجهول وكل واحد راح لحاله خلاص، عايز تضيع علينا فرصة زي دي ليه؟!!
- هي فرصة حلوة طبعًا بس اني بقول يعني...
- انت ماتقولش، اليوم اللي بيعدي من غير تنفيذ بيضيع علينا فلوس ياما، لو مش عايزها اتفضل ارجع دارك وانا هاخدها لحالي.
- لا اروح فين، هو اني خلصت على عبدالباقي عشان تاخد انت الفلوس لحالك واني اطلع من المولد بلا حمص.
- خلاص يبقى تكتِم وماتولولش زي الولاية.
في اللحظة دي دخلوا اتنين ملثمين راكبين على الأحصنة، قربوا من مغاوري وسلمان وسألوهم...
- الدار أمان؟
رد مغاوري عليهم...
- أمان، فين الفلوس؟
ناوله واحد فيهم سُرة مليانة فلوس، بعدها قاله...
- أنهي دار.
- هتدخل الشارع اللي جاي على اليمين هتلاقيني معلم لك على الدار علامة باللون الاحمر.
دخلوا الاتنين وبعد فترة رجعوا ومعاهم الغنايم، وقفوا قدام مغاوري وسلمان، وواحد فيهم قال لمغاوري...
- الدار دي مافيهاش خير كتير، ابقى اختار دار مليانة بعد كده.
- اهو اللي موجود، الناس بقيت تعبانة وحالها مايل.
- ماهو ده هيقلل عمولتك.
- لا، اني باخد عمولة على التأمين وبس، الدار خيرها كتير خيرها قليل ماليش فيه.
- لا احنا كده نبقى نتحاسب بعد ما نخلصوا بقى.
- وانت فاكر اني هسمحلك تتدخل البلد قبل ما تدفع!
- ماتعنٍدش معايا يا مغاوري لحسن تحصل عبدالباقي.
ضحك مغاوري بسخرية...
- هو انت فاكر اني بتهدد، وبعدين خلي بالك من كلامك عشان ماتحصلش انت عبدالباقي.
- صحيح هو مين اللي قتلوا فيكوا، اني وعوضين كنا متراهنين على الموضوع ده، هو بيقول سلمان واني بقول انت يا مغاوري، قولي بقى مين فيكوا اللي قتله، عشان نشوف مين اللي كسب.
بص له مغاوري باستغراب وماردش عليه، لكن سلمان اتسحب من لسانه وقال...
- اني اللي قتلته، طخيته من ورا الخيمة.
بص الراجل لزميله وقاله وهو بيضحك...
- يا ابن الاية يا عوضين، كسبت الرهان، مالكش حل انت، بس عرفت منين إن الواد سلمان يقدر يعملها؟
ضحك عوضين وهو بيقوله...
- مغاوري وسخ لكن جبان، اما سلمان وسخ بس لو مغاوري فهمه ان عبدالباقي هيسلمه يقتل عبدالباقي عادي.
اتكلم مغاوري ساعتها...
- مين ده اللي وسخ يا عوضين؟
- انت يا مغاوري، انت ماتعرفش انك وسخ ولا ايه!
- احفظ لسانك يا عوضين احسن واقصر الشر.
ضحك عوضين وهو بيبص لزميله وبعدين فجأة سحب مسدسه وضرب مغاوري في قلبه، وقع مغاوري على الأرض، اما سلمان فبص لجثته بذهول وبعدها بص لعوضين ورفع ايده وهو بيقوله...
- اني خدامك، اللي تأمر به هعمله، بس أبوس ايدك ماتقتلنيش.
ضحك زميل عوضين وقاله...
- كل مرة تكسب الرهان ياعوضين، هجيبلك فلوس منين يا أخي، هات يا سلمان.. هات السُرة اللي في جيب مغاوري.
- أمرك.. أمرك ياسيد الناس.
ناول سلمان السُرة للراجل اللي خدها وناولها لعوضيت وهو بيقوله...
- حلال عليك، بس مش هتراهن معاك تاني.
- طب احنا هنخلي اخر رهان بينا ان سلمان هيبلغ ولا لا، اني بقول مش هيبلغ.
- ايوة.. ايوة مش هبلغ والله العظيم ما هبلغ.
بص الراجل في عينيه بصة مرعبة وبعدين قرب مسدسه منه وقال...
- اني كمان بقول انه مش هيبلغ.
سلمان كان واقف قدامهم بيلهث زي الكلب السعران.
في اللحظة دي اتفاجئ التلاتة بالبوليس بيحاوطهم من كل ناحية، واتقبض عليهم، في النقطة كان وقف سلمان قدام الظابط واعترف بكل حاجة وقال إن هو اللي قتل عبدالباقي، لكن كمان قال إن قتله بتوصية من مغاوري عشان مايبلغش عنهم، أما الاتنين الحرامية فاعترفوا بأماكن المسروقات وتم مداهمة المكان وارجاع المسروقات لاصحابها، اتحكم على سلمان والاتنين اللي معاه بالاعدام في تهمتين القتل، الحق رجع لاصحابه، والحضرة لسه بتتعمل كل خميس في ميعادها بس مبقاش في حد بينشد تاني من بعد عبد الباقي.
تمت بحمدالله
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل