.jpg)
أم كلثوم كانت بتغني المقطع ده في الراديو، في الوقت اللي كنت بحط الشيشة بتاعت المعلم قدامه.
"هذه ليلتي وحلم حياتي.. بين ماضٍ من الزمان وآتٍ.. الهوا انت كله والآمال فاملأ الكأس بالغرام وهاته"
قولت لعم لطفي وانا متمزج من الكوبليه...
- يا سلام عليكِ يا ست، سامع يا عم لطفي؟ سامع الكلام اللي يدخل القلب؟
رد المعلم على كلامي وقال...
- عمك لطفي سَمِيع من زمان ياض ياحمو، انت اللي مش عارف حاجة.
ضحك بعدها عم لطفي وهو بيبص لي وبيقول...
- المفروض انا اللي اسألك السؤال ده يا حمو، احنا على ايامنا كنا بنسمع وبنحس، الأغاني بالنسبة لنا ماكنتش مجرد كلمات بتتقال كده وخلاص، لا... دي كانت رحلة.. رحلة بينك وبين اللي بتحبه من غير تذاكر سفر ولا حواجز، من غير حتى اتفاق، الأغنية كانت بتشتغل وكل واحد فيكوا في مكان، بس انت قاعد بتسمعها وبتسافر معاها، وحبيبتك الناحية التانية قاعدة جنب الراديو مستنياك تاخدها معاك وتسافروا بعيييد عن هنا، ايامنا كان كل حاجة بتاخد وقتها لكن انتوا غلابة.. والله غلابة، الزمن سابقكوا والسكينة سرقاكوا لا عارفين تحبوا صح ولا عارفين تشتغلوا صح ولا عارفين انتوا عايزين ايه بالظبط، مستعجلين.. خايفين الدنيا تفوتكوا، مع انها كده كده هتفوتكوا لو جريتوا العمر كله مش هتلحقوا منها غير اللحظات اللي بتفوتوها بجهلكوا وفاكرين انها مش مهمة.. قاعدة حلوة وسط اهلك.. كلمتين حلوين بصدق واخلاص مع اللي بتحبه.. عشرة عمر مع صاحب جدع.. ده اللي هتلحقه من الدنيا ياعبيط..
صقفت بايديا وانا بضحك...
- الله عليك يا عم لطفي يا شاعر.
خبطني المعلم على كتفي وقالي...
- بتتريق، طب ايه رأيك إنه كان شاعر فعلاً، عمك لطفي ده كان أحسن واحد يقول شعر، فاكر يا لطفي.. فاكر القصيدة اللي كتبتها في انغام؟
قاله وهو بيرجع براسه لورا...
- ياااااه يا قدري انت لسه فاكر.
- إلا فاكر وهي دي تتنسي، اصلها كانت طالعة من القلب فكان لازماً تدخل القلب طوالي.
سألته بإستغراب...
- ألا مين أنغام دي ياعم لطفي؟
خبطني المعلم تاني وزعق فيا...
- انت مال اهلك انت مين انغام يا رذل.
قاله عم لطفي وهو بيشاورله بايديه يهدى...
- سيبه يا قدري سيبه، هو ذنبه ايه يعني؟! وبعدين انت اللي فتحت السيرة يا رذل.
قال المعلم بأسف...
- تصدق عندك حق، حقك عليا يا لطفي يا اخويا ماكنتش اقصد.
- لا ولا يهمك مافيش حاجة، عايز تعرف مين انغام يا حمو؟
قولت بفرحة...
- ياريت يا عم لطفي؟
- طب اقعد هنا وانا هحكيلك.
قعدت قدامه وبصت له بحماس، وبدأ عم لطفي الحكاية...
- كنت لسه 20 سنة أول ما شوفتها، عيل ورور كده لسه ما اتكشفش على الدنيا، كنت واقف في الدكان مع ابويا بيبع لزبونة من الزباين وفجأة لقيتها داخلة من باب الدكان، سيبت اللي في ايدي ولفيت الناحية التانية، في ثانية كنت واقف قدامها وساعتها شوفت جمالها عن قرب، كانت أجمل ست شوفتها في حياتي حتى بعد العمر ده كله لسه هي أجمل ست شوفتها في حياتي، مافيش واحدة ماليت عيني بعدها.. فضلت واقف قدامها زي الصنم مابنطقش وهي فضلت بصالي، عينيها كانوا ماليانين كلام من غير ماتتكلم، فضلنا كده لحد ما فوقت على صوت عمك الحاج الله يرحمه، زعق من اخر الدكانه وقالي...
- شوف الزبونة عايزة ايه يا لطفي و ركز في الشغل يا اخويا.
رديت عليه وانا باصص لها...
- حاضر يابا، أؤمري يا...
- أنغام.
- أؤمري يا أنغام.
ضحكت ضحكتها اللي فضلت معايا العمر كله وبعدها قالت لي على اللي هي عايزاه، وانا بجمع طلبها كنت كل شوية أخطف نظرة وأشوف ضحكتها، على ما خلصت الطلب كانت هي خلصت وخطفت قلبي و روحت به، ودي كانت أول مقابلة بنا بس ماكنتش الأخيرة فضلت بعدها تيجي الدكان كل يوم والتاني ساعات تشتري وتمشي وساعات لو عمك الحاج مش موجود كنا نتكلم شوية وتمشي، وهي تمشي من هنا وانا افضل علي نار لحد ميعادها تاني يوم، وفي يوم الحاج قالي لازم نخطبهالك مش هينفع الطريقة دي، طيرت من الفرحة وقولتله ياريت، تاني يوم على طول قولتلها الخبر وكانت فرحانة زيي بالظبط وجرِيت عشان تبلغ أبوها اننا هنزورهم بعد المغرب، اليوم كان طويل ورخم، كنت قاعد مستني المغرب زي اللي صايم وبطنه بتتقطع من الجوع، لحد ما جه المغرب.
سكت لطفي فجأة وعينيه بدأت تدمع، اتكلمت في تردد وسألته...
- في ايه ياعم لطفي.. هو ايه اللي حصل المغرب؟
عم لطفي بص للمعلم والاتنين كان على وشهم حزن غريب وبعدها بص لي وقال بصوت ضعيف...
- لما تلاقي الدنيا بتديك كل اللي نفسك فيه فجأة ومن غير ماتتطلب، لازم تتأكد وقتها انها هتاخد منك أكتر حاجة بتحبها، هتديك بالقلم على سهوى، لما جه المغرب روحت انا و ابويا وأمي عشان نطلب ايديها، كانوا ساكنين بعدنا بأربع خمس شوارع، ركبنا يومها الحنطور، عريس وفرحان بقى، كنت حاسس ان انا اللي بجري مش الحصان، وصلنا البيت أخيرًا، ابوها قابلنا وسلم علينا بحفاوة هو ومراته واللي بالمناسبة ماكنتش أم انغام، انغام امها ماتت وهي صغيرة ودي مرات ابوها، بس كانت ست طيبة وبتحبها، زي ماهي قالت لي، دخلنا قعدنا في الصالون كلنا، وبعد شوية مجاملات وتعارف ابويا دخل في الموضوع وقال...
- احنا جايين طالبين القرب منك في بنتك انغام يا معلم بلال، قولت ايه؟
- احنا نتشرف بيكوا يا معلم سلطان، انتوا حسب ونسب وأي حد يتمنى يناسبكوا.
- عبشت يا معلم.
- بس الأصول بتقول اني اسأل العروسة.
- طبعًا حقك وحقها.
سألت أمي ساعتها مرات ابوها...
- اومال عروستنا الحلوة فين؟
ردت عليها بابتسامة...
- جوة هتلاقيها مكسوفة، انتِ عارفة بقى البنات، خقوم اجيبها واجي.
قامت دخلت جوة وابويا والمعلم بلال فضلوا يتكلموا شوية عن الشغل وأحوال البلد والاقتصاد، وانا كنت مستنيها تطُل عليا من ورا الباب عشان أحس بالفرحة اللي بتدخل قلبي أول ما بشوفها، بس لقيت مرات ابوها راجعة لوحدها وعلى وشها علامات الكسوف، قربت مننا وساعتها سألتها أمي تاني...
- لسه مكسوفة ولا ايه؟ اقوم اجيبها انا.
ردت الست بارتباك...
- لا جاية، جاية ان شاء الله.
مالت على ودن جوزها ووشوشته والراجل وشه اتغير بعدها وقال...
- طب عن إذنكوا يا جماعة خمس دقايق وراجع.
خرج من الأوضة، بعدها بصت لي الست وقالت لي...
- منور ياعريس، منور.
- ده نورك يا خالتي.
المعلم بلال اتأخر جوة، وبدأ الجو يتوتر، ابويا ميل عليا وقالي...
- هو في ايه كل ده؟
- مش عارف يابا، ربنا يستر.
أمي سألت الست بضِيق...
- هي العروسة مش عايزة تخرج تقابلنا ولا ايه؟
ردت عليها وهي بتفرك ايديها من الارتباك...
- لا ازاي!.. هي بس...
دخل المعلم بلال وقطع كلامها، بصيناله كلنا واحا مستنينه يتكلم، قعد وعلى وشه غضب كبير وقال لابويا...
- والله يا معلم سلطان انا مش عارف أودي وشي منك فين.
- في ايه يا معلم بلال؟
- البت انغام.. بصراحة البت رافضة الجوازة وبتقول مش عايزة تتجوز لطفي.
حسيت بنغزة في صدري وزي مايكون حد طعني في قلبي، أمي ساعتها قالت بعصبية...
- وهي هتلاقي زي لطفي، ده كل بنات الحتة يتمنوا اشارة منه.
بص لها ابويا وهو بيسكتها...
- مالوش لازمة الكلام ده يا لطفي.
بص بعدها للمعلم بلال وقاله...
- حصل خير يا معلم، واحنا مهما كان ولاد حتة واحدة والجواز قسمة ونصيب، والبنت من حقها تختار اللي هتعيش معاه، ربنا يرزقها بابن الحلال اللي يسعدها ويهنيها ويرزق لطفي ابني ببنت الحلال اللي تصونه وتحافظ عليه.
- والله يا حاج سلطان انتوا ناس ماتتعوضش بس اقول ايه.
- ماتقولش يا حاجة يا معلم، نستأذن احنا بقى، يلا ياولاد.
قام ابويا وقف وأمي وقفت معاه، وفضلت انا قاعد مكاني لثواني، لحد ما ابويا قالي بحدة...
- يلا يا لطفي.
قومت وخرجت وراه واحنا على الباب سلمت عليهم وانا باصص ناحية أوضة انغام المقفولة، ومشيت من غير ما انطق كلمة واحدة.
عدت ايام وانا قافل عليا باب أوضتي ومابخرجش، ابويا وأمي اتحايلوا عليا كتير انزل الدكان واحاول انسى، بس ازاي هنسى والدكان هو أكتر مكان جمعنا سوا، لحد ماعدى شهر ولقيت ابويا بينده عليا في اليوم ده وبيقولي...
- مادريتش باللي حصل؟
- حصل ايه يابا؟
- مش انغام هتتجوز.
حسيت نفس الطعنة في قلبي، وحسيت ان دموعي هتخوني، رفعت راسي وانا بحاول اتماسك وقولتله...
- ربنا يسعدها.
- بيقولوا هتتجوز الواد حسين اخو مرات ابوها.
قالت لي أمي ساعتها...
- ماتزعلش يابني والنبي لأجوزك ست ستها.
بص لي ابويا وسألني...
- انت صحيح مش ناوي تنزل الدكانة لسه؟
- شوية بس يابا مش دلوقتي.
- اومال هتعمل ايه بقى لما تعرف إن الشقة اللي هيعيشوا فيها في وش الدكانة؟ هتطلب مني نقفل خالص.
الجملة الأولى وقعت عليا زي الصاعقة، ابويا ماهتمش وكمل كلامه...
- انزل شوف شغلك وسيبك من لعب العيال ده، الحريم على قفا من يشيل.
- عن إذنك يابا.
سيبتهم ودخلت أوضتي، المرة دي سمحت لدموعي تنزل، البكا بيريح، ما هو انت لو مابكتش في الوقت ده يمكن يحصلك حاجة تانية وتروح فيها.
اخر الاسبوع كان فرح انغام وحسين، وفضلت كمان اسبوع بعدها مش عايز أروح الدكانة عشان ماقبلهاش صدفة، بس ابويا اتخانق معايا واجبرني أنزل، أول يوم فضلت قاعد جوة الدكانة، وكل شوبة حاجة تقولي اخرج بص على الشباك يمكن تفتحه، بس كنت بمنع نفسي، فضبت على الحال ده يومين وفي التالت سمعنا صوت دوشة عالية بره، خرجت انا وابويا وقفنا قدام الدكانة، الصوت كان جاي من شقة حسين، كان صوت انغام بتصرخ، اتحركت عشان اطلع بس ابويا مسكني من كتفي وقالي...
- رايح فين يا ابن الأصول؟
بصيت في الأرض ووقفت مكاني، لف ابويا وشه ودخل الدكانة وهو بيقول...
- ياض يا مخزنجي هات الدفاتر وحصلني على المكتب.
بعدها نده عليا من جوة وقالي...
- احنا هنسيب شغلنا ونقعد لمشاكل الجيران ياسي لطفي؟!
- حاضر يابا جاي اهو.
بصيت على الشباك بحزن وبعدها دخلت الدكانة، ومرت ايام ماسمعتش فيها حاجة، لحد ما فجأة لقيت حسين واقف قدامي في الدكانة، بص لي بغل وبعدين قالي...
- عايز بخور هندي وملح رشيدي.
استغربت من اللي قاله وحاجة جوايا ماكنتش مرتاحة، ولقتني بسأله من غير تفكير...
- عايزهم ليه؟
- انت مالك، هو انت بتحقق مع الزباين في طلباتهم.
في اللحظة دي قرب مننا ابويا وقالي...
- روح شوف الزبونة دي عايزة ايه وانا هشوف الأستاذ.
بصيت لحسين شوية وبعدها ابويا زقني فسيبته ومشيت، بعدها لقيت ابويا جاي ورايا بعد ما نده على واحد من اللي شغالين يشوف طلبات حسين، قعد على المكتب وشاورلي اروح له، قعدت قدامه، بص لي بغضب وقالي...
- جرى ايه يا لطفي احنا مش هنقفل السيرة دي ولا ايه؟
- مافيش سيرة اصلُا عشان تتقفل يابا.
- ولما هو مافيش سيرة، بتسأل الراجل عايز الحاجة في ايه ليه؟ انت عايز تركبنا غلط بالأونطة؟
- حقك عليا يا حاج.
- شيل البت دي من دماغك يا لطفي وشوف أكل عيشك، انا قررت نروح اخر الأسبوع نخطبلك البت حسنية بنت خالتك.
- حسنية!
- اه حسنية، بنت حلال ومننا وعلينا، هي دي اللي هتصونك وتخاف عليك.
- بس انا مش عايز اتجوز دلوقتي يابا.
- لا هتتجوز وهتخلف وهتنسى وقدام هتضحك على الأيام دي وتعرف انك كنت عيل أهبل، اسمع من ابوك.
- اللي تشوفه يا حاج، انا هقوم اشوف الشغل.
- قوم وركز في أكل عيشك.
- حاضر.
قومت شوفت اللي ورايا، واليوم كان قرب يخلص، كنا بعد العشا تقريبًا، لما سمعنا فجأة صوت صويت جاي من شقة حسين، بس كان صوت صويت عالي، خرجنا نجري كلنا، الحارة كلها كانت واقفة بتبص على البيت، وفجأة لقينا حسين نازل يجري وفي ايده سكينة مليانة دم، أنغام، طلعت جري على الشقة، الباب كان مردود، زقيته وساعتها لقيت أنغام واقعة على الأرض ومرات أبوها قاعدة جنبها وهي بتلطم، جريت على انغام وخدتها في حضني...
- انغام.. ردي عليا يا انغام، انغام..
مرات ابوها بصت لي ساعتها وقالت...
- انغام ماتت يا لطفي.. انغام ماتت.
شدتها من هدومها وانا بقولها...
- انا مش هسيبك انتِ وأخوكِ.
ابويا حاول يقومني لكني زقيته وقربت من انغام وخدتها في حضني، وانهارت في العياط.
بعد الدفنة والعزا، قدروا يقبضوا على حسين، عرفت بعدها اللي حصل، مرات ابوها وحسين كانوا طمعانين في فلوس المعلم بلال عشان كده خططوا إن حسين يتجوز انغام، بس خطتهم باظت لما انا وانغام حبينا بعض، ولما عرفوا اني رايح اتقدملها، مرات ابوها عملتلها سحر وشربتهولها، السحر ده يخليها مش طيقاني، ولما الطريقة نفعت معاهم أول مرة، راحت تاني وعملت سحر ان انغام توافق على حسين، بس المرة دي السحر اتقلب عليهم، الجن اللي حضروه مع العمل حب انغام، وبعد حسين عنها وخلاها مش طايقاه، وكانت كل شوية تتخانق معاه، وعشان كده كان بيضربها، ولما جالي الدكانة كان بيطلب حاجات عشان الجلسة اللي اتفق عليها مع دجال من الدجالين اقنعه انه هيعرف يفك العمل، بس في وسط الجلسة الجن قام واعتدى على حسين، اللي ماستحملش الضرب وسحب السكينة اللي كانت موجودة على الترابيزة وغرزها في قلب انغام، ده الكلام اللي قاله في التحقيق، اتحكم عليه بعدها بالاعدام.
الحاج بلال طلق مراته، وده بعد ما أهل الحتة منعوه من قتلها، بس بعدها بكام شهر مات، اما انا فماقدرتش اعيش في الحتة بعد اللي حصل وجيت على هنا لوحدي، واتعرفت على عمك قدري، ماتجوزتش طول حياتي وفضلت عايش بكتب شعر في انغام، انغام اللي مافرقتنيش لحظة من يوم ماخدتها في حضني، ومش هتفارقني تاني أبدًا.
******
خلص عم لطفي حكايته ورجع بضهره في الكرسي والدمعة نازلة من عينه في هدوء، اما انا فكنت ببص له وانا متسمر في مكاني، ماكنتش قادر استوعب ان في حد ممكن يحب للدرجة دي، بس ياترى الحب بس اللي خلاه مخلص لحبيبته ولا الطريقة اللي ماتت بها هي اللي أثرت عليه؟ يعني لو انغام وحسين كانت حياتهم كملت طبيعي، هل كان لطفي اتجوز حسنية ولا لا؟
تمت بحمدالله
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل